١٢

مضت الأيام بطيئةً مع تساقُط المطر الذي استمر مدةً طويلة، فراح الناس يبتهلون للسماء، وفي الصباح المبكِّر كان الرجال يقودون أبناءهم وزوجاتهم لبناء الأسوار الشائكة حول الأرض الجرداء، ومن كل مكانٍ في كاشا وانجا كان من اليسير رؤيةُ الأرض بلونٍ بنيٍّ مُحاطٍ بالأعشاب، حتى عند قبر والد تانيا؛ حيث بدأَت الأعشاب في الظهور.

اكتست الأرض باللون الأخضر لكن قطعة واحدة في كاشا وانجا ظلت أعشابها جافة وصفراء هي أرض أهل تانيا.

بعد مراسم الدفن مضت العائلة في سيرها كالنحل حين يتحرك إلى خليةٍ جديدة، ثم انسحبوا داخل أنفسهم، وأصبحوا منعزلين إلا من زيارات تريسا وجيمس، وتوقَّف الأولادُ عن اللعب، ولم يعُد بمقدورهم الحصولُ على الأعشاب الخضراء، فماتت البقرة كيبيا، وأصاب أونيا بعضُ الشرود، وأصبح لونها شاحبًا، وفقدَت كثيرًا من جمالها.

بدأ تانيا يشعُر بالقلق، ولم يفارقه إحساسُه الجديدُ بالمسئولية تجاه عائلته، ثم راح يفكِّر في ذلك الإشراقِ وتلك الأحاسيسِ التي انتابَتْه بمصاحبة تريسا، حتى أصبح يُصدِر أصواتًا غريبةً أثناء نومه فوق السرير الذي مات عليه والده، وفي كثيرٍ من الأحيان كان يجلس في الشمس أو تحت رذاذ الأمطار وهو يلعَب بالتراب أو الطين.

شعَر بخيانة شعب كاشا وانجا عندما أدرك أن الناس لم يأتوا يوم الجنازة إلا للسخرية من محنته، وتذكَّر عدم زيارة ميلا في الصباح التالي، وبينما هو جالس في الشمس يُراقِب دخانَ الأعشابِ المحترقةِ المتصاعدَ إلى عَنان السماء الزرقاء الجافَّة إذا بقلبه يخفق.

تساءل تانيا بينه وبين نفسه: ماذا ينبغي أن أفعل من أجل تلك الأفواه التي يجب أن تأكل؟

كان أسبوعُ الزرعِ قد بدأ، لكن فترة العزاء لم تنتهِ بعدُ، ومن العار أن يبدأ تانيا العمل أثناء هذه الفترة … فكَّر في الخروجِ والبدءِ في تطهيرِ الأرض وزراعتِها، وبذلك يجلبُ الكراهيةَ والعارَ لنفسه ولعائلته لكنه شعَر بالخوف الذي لم يكن يتعلق بإلحاق العار بوالده الميت، وإنما الخوف من مزيد من العزلة ومقاطعة الناس في كاشا وانجا.

كان الأبُ الميتُ هو الذي جلَب العار للعائلة، فكان تانيا يرى الناس وهم ينظرون إلى الأرض البور، ثم يهزُّون رءوسهم بالشفقة، ففكَّر في حمل المنجل أو الفأس فوق كتفه، والذهاب للعمل في الأرض، لكنه كان متأكدًا من أنهم سيهزُّون رءوسهم، ويُشيرون بأصابعِهِم قائلين: الولد لأبيه.

أبصَر تانيا أخته أونيا وهي تجري ناحيته حتى اقتربَت منه، وجلست إلى جواره لاهثة، والقلَق مرتسمٌ على وجهها.

فكَّر تانيا في جدَّته فنهض مذعورًا وقال: ماذا حدث يا أونيا؟

توقَّفَت أونيا لحظةً لالتقاط أنفاسها، وقالت: تريسا!

قال تانيا: لا … إنها تزرع لنا الذرة.

ثم تنهَّد مستطردًا: سأذهب لرؤيتها.

كانت تريسا ترتدي رداءً مشدودًا بحزام حول خصرها وهي تقلب التربة بالفأس يمينًا ويسارًا، ومن خلف الشجرة الصغيرة أبصَر تانيا العَرق المتصبِّب فوق وجهِها وترابَ الأرض الذي يغطِّي قدمَيها، ثم راح يلوِّح لها، لكنها كانت مشغولةً بوضع الحبوب في التربة … عاودَت العمل بالفأس دون أن يبدو عليها الشعور بالتعب، وكانت وهي تنحني وتحرِّك ذراعَيها وقدمَيها كأنها ورقةٌ في مهَب الريح.

شعر تانيا بالهزيمة والقهر أمام حماسها، وتلك الابتسامة فوق شفتَيها الساحرتَين ووجهِها الطفولي الذي لم يتأثَّر بالأحداث ومعاناة الأيام الأخيرة، فهمَس لنفسه قائلًا: هل من اليسير أن يسعَد المرء بعد طول معاناة؟! خفق قلبُه وشعَر بالسرور والقوة، لكنه ظل يتساءل عن قُدرة المرء الذي يملك القلب ويُعطي الكثير من أجل الآخرين.

طارد البعوضة بالعصا، ثم قال: إنها أيضًا حشرةٌ صغيرة، لكنها تصيب المرء بالملاريا. تنبَّهَت تريسا لضربات العصا ففزعَت لعُريها، ثم ألقت بالفأس جانبًا وأسرعَت بتناول القميص الكاكي من على الأرض لتغطِّي نفسها، واتجهت نحو تانيا وهي تُداري خجلها، كما يتحرَّك الماعز الصغير نحو الحطَب المحترق.

نَسِي تانيا أنه ما يزال في فترة الحداد، فضحك وهو ينظر إلى رقبتها الطرية المنحنية … اقتربَت منه فتناوَل المنديلَ الملفوفَ حول رقبته، ومسَح به العَرق برقَّة من فوق رقبتها ووجهها دون أن يتوقف عن الضحك.

قالت تريسا: كان يجب أن تُعلِن عن نفسك؛ فقد كنتُ على وشك أن أرميك بحجر.

أجاب تانيا وهو يضحك: لا تُوجَد أحجارٌ هنا.

فقالت تريسا: يُوجَد بعوض.

شد تانيا وجهَه، وتظاهَر بالجدية خوفًا من التمادي في نسيان فترة العزاء، ثم سألها: ماذا تفعلين؟

فهمَت تريسا ما يعنيه، فوضعَت يدها تحت معدتها، وقالت برقَّة وهي تنظر إلى أسفل: هذا الرحم ليس جافًّا، ويُمكِننا أن نزرعَ مرةً في العام فقط، وإذا كنتَ أنتَ وعائلتُك لا تملكون أفواهًا لتناول الطعام فإنني أملك.

كانت يدُها ما تزال فوق رحمها حين نظرَت إلى بعيد، فشاركَها تانيا النظر في نفس الاتجاه، ثم استقرَّت نظراتهما عند انعكاس أشعة الشمس والدخان المتصاعد من الأرض … حدَّقَت تريسا في وجه تانيا فأبصرَت قطعةً من الطعام فوق شفتَيه ولم تلحظ أية تجاعيد، فشعرَت بالانتصار والراحة، وبدا عليها السرور وهي تمسَح العرق من فوق جبينها.

سألها تانيا بسرعةٍ وصوتٍ خفيض: كيف سأشرح هذا؟

لم تجب تريسا وألقت بالكوفية من فوق جسدها ثم راحت تعزقُ الأرض مرةً أخرى دون تفكير في أجزاء جسدها العارية أمام تانيا، الذي حدَّق فيها لحظة دون أن يراها؛ فقد كانت قِطعٌ من الزجاج وبعض الجذور البيضاء تعكسُ أشعةَ شمسِ الظهيرة بقوة في اتجاه عينَيه.

هزَّ رأسه ومضى في طريق عودته، لكنه شعَر بألمٍ شديدٍ في قدمَيه، وعندما وصل ألقى بجسده إلى جوار جدَّته وهو ينفضُ الرمالَ من فوق ملابسه.

لم تُبصِر الجدة دموع تانيا المتدفقة من عينَيه، فقالت بشفاهٍ مرتعشة: أقسِم أن شمسَ هذه الأيام كالقمر تمامًا؛ فهي لا تبعث على الدفء.

أجاب تانيا بطريقةٍ آلية وهو يزيل العَرقَ والدموعَ من فوق وجهه: نعم … إنها كذلك.

ثم تحرَّك نحو ظل الشجرة تجنبًا لحرارة الشمس.

قدَّمَت أونيا للمرأة العجوز طاسة الموز المهروس واللحم، ثم أبصرَت تانيا وهو يضع رأسه بين فخذَيه ويرسمُ بأصابعه فوق الأرض الرملية … ناولَت الملعقة الخشبية لجدَّتها دون أن تُجيبَ على أسئلتها وشكاواها … قدَّمَت أيضًا لتانيا طاسةً صغيرةً بداخلها ملعقةٌ من الألومنيوم ذاتُ يدٍ مكسورة، وعندما رفع رأسه من بين فخذَيه عرفَت أونيا أنه كان يبكي، فانحنَت وتحسَّسَت أكتافه، بالطريقة التي تفعل بها عند ظهور فتاةٍ أخرى في حياته.

لم تستطع أونيا أن تكره تريسا؛ فقد أصبحَت واحدةً من العائلة تُشارِكهم الضيق والنقص والعزلة وعار الفقر، لكنها لم تستطع أيضًا أن تحبها كل الحب؛ لأنها كانت تغار منها ومن اهتمامها بتانيا، كما حدث بعد الجنازة بأيامٍ قليلة حين اعترض تانيا على طعام أونيا، فسارعَت تريسا بتسخينه مرةً أخرى بعد أن أضافت إليه مزيدًا من الزيت والملح، مما جعل أونيا تشعُر بأذًى كبيرٍ لم تستطع بعدَه سماعَ شكاوى جدَّتها المتكرِّرة … تساءلَت أونيا: هل تستطيع أي امرأةٍ أخرى من نساء هذه الأيام أن تقوم برعاية العائلة كما أفعل أنا؟

ثم أضافت وهي تهمِس لنفسها: لكن زواج تانيا من تريسا يفتح الطريق أمامي لأتزوج.

كانت أونيا كلما شاهدَت رجلًا قوى البنية مثل موجيا تجلس تحت الشجرة، وتسرح بعيدًا بأفكارها، حتى عرفَت نوعًا جديدًا من المشاعر جعلَها تُعاني من القلق الدائم، وكثيرًا ما كانت شفتاها تهتزَّان، غير أنها لم تكن تعي تمامًا معنى هذا الشعور والشوق العميق تجاه موجيا، الذي رأته رجلًا مناسبًا … راحت تتحسَّس صدرها وتزمُّ شفتَيها الناضجتَين، وشعَرَت بحُب أكثر تجاه تريسا التي أصبحَت سببًا نحو تحقيق رغباتها والمضي إلى مملكة الحرية المجهولة، بعيدًا عن عائلتها وعن لعنة بقائها بدون زواج.

همسَت لأخيها برقَّة وهي ما تزال تتحسَّس أكتافه: يجب أن تتوقَّف تريسا عن ذلك يا تانيا، إن الناس يضحكون علينا، يجب أن تُوقِفَها عن العمل في الأرض حتى لو عانَينا من الجوع حتى الموت … ألا تتذكَّر نظراتِ الناسِ عندما كنا ندفن أبي؟ ألا تتذكَّر السخرية فوق الشفاه المجعَّدة؟ … جرب أن تعمل على إيقافها … لقد مضى أسبوعان فقط ومن يدري ما سيفعله الرب هذا العام؟ … قد يتساقط المطر كما حدث من قبلُ، ولا تنسَ أن جدَّتنا ستموت إذا عَرفَت؛ لأنها ما زالت تعتزُّ بكرامتها … لقد رأيتُها بالأمس حين استيقظَت في الليل المتأخر بعد أن اطمأنَّت أننا نائمون، ومضت ببطءٍ نحو الركن حيث تناولَت الكاوري Cowrie التي أخذَتْها من أمها وضمَّتها بين يدَيها، ثم ركعَت وقالت بصوتٍ عالٍ: «إلهي … لم أكن أعرف أن الأمر سينتهي هكذا، فلتعمَل على إنهاء كل شيءٍ الآن لأنني تعبتُ.»

… لقد سمعتُها بنفسي، وحين عادت لتنام لم تستطع، وكانت تحك بطنها … أرجوك أن توقفها يا تانيا من أجل جدَّتنا، وإذا لم تستطع فعليكَ بتكليفِ شخصٍ آخر لإيقافها. قاطعَتْها الجدة قائلة: ما هذا الذي أسمعُه يا أونيا؟ … هل تناوَل الأولاد طعامهم؟

أجابت أونيا دون أن ترفعَ بصرها من على تانيا: نعم ماما.

كان تانيا طوال الوقت ينظر إلى الأفق، وقد هبَّت نسمةُ هواءٍ طرية جعلَت حرارةَ بعد الظهر أكثر احتمالًا، وساعدَت في توصيل الرسالة … انتقل بنظراته نحو أونيا وحاول أن يقول شيئًا، لكنه ما كاد يفتحُ فمه حتى أغلقه مرةً أخرى … كانت أونيا ما تزال تتحسَّس كتفَيه، فمَد تانيا ذراعَه، وراح يُداعِب رقبتَها بيده، ثم تطلَّع كلٌّ منهما للآخر فتبدَّدَت مخاوف أونيا. همَس لها تانيا أن تُرسِل بعض الطعام إلى تريسا، فذهبَت بخفة بعد أن ملأَت طاسة تانيا مرةً أخرى.

تحرَّك تانيا من مكانه، وجلس بجوار جدَّته، وظل يساعدها في الإمساك بطاستها وتحريك الملعقة، وعند انتهاء طاستها الثانية صَبَّ لها من محتويات طاسته.

قالت الجدة العجوز: أعتقد أن يديَّ ترتعشان، فلا أستطيع التحكُّم في الإمساك بالملعقة، لكنه خطؤك؛ لأنكَ كنتَ توجِّهني.

قال تانيا: لقد كنتُ أداعبكِ يا أم الناس.

ضحكَت وقالت بهدوء: ليس من العدلِ أن تُداعبَ امرأةً عجوزًا لا تستطيع حتى أن ترى.

كانت تبحث عن أنف تانيا، الذي كانت تشُده منه حين يضايقها وهو ولدٌ صغير … قدَّم لها تانيا أنفَه فشَدَّته منه وهي تضحك دون أن يشعر بالضيق؛ لأنه كان يعرف أنها تُحاوِل الترفيه عن نفسها من ثقل العَزاء.

شعَرَت العجوزُ ببعض الرضا، فقدَّمَت الشكر لتانيا وأونيا، ثم رقدَت فوق بطانيتها، وبدأَت تشكو من الشمس، وكان تانيا قد عاد إلى مكانِه وظل ينظُر إليها وهي تنام في مواجهة الشمس.

حضَر جيمس في المساء، وأخبر تانيا بضرورة مناقشة بعض الأمور الهامة، فسار كلاهما عَبْر الوادي حتى وصَلَا إلى منزل جيمس دون أن يتبادلا إلا القليل جدًّا من الكلمات.

تغيَّر منزل جيمس كثيرًا بعد نقله من مكتب الحكومة، وحل فانوس الكيروسين الاقتصادي محل المصباح، وبعض أشياءَ قليلة في حجرة الجلوس كانت جاهزة للبيع. أما الترابُ الذي يُغطِّي الكتب فقد زال بسبب الاستخدام، وربما بسبب عناية تريسا.

جلس الرجلان بوقار وقد وضع كلٌّ منهما كوعه فوق المائدة وكأنهما اثنان من الرؤساء يتفاوضان أثناء فترة وقف القتال.

دخلَت تريسا حاملةً إناء اللبن وسلَّمَت الرجلين الأباريق الخشب المليئة بالسائل الأصفر دون أن تقول شيئًا، ثم صبَّت لنفسها في فنجانٍ مكسور، وجلسَت فوق المقعد بجوار الحائط وهي تحرِّك الفنجان فوق ركبتَيها، ربما لأن الشاي باللبن كان ساخنًا، أو لأنها شعرَت بجدية اللقاء.

رشَف الرجلان من الشاي، وبعد فترةٍ طويلةٍ من الصمت قال جيمس: بارانيا … لقد حصلتُ على وظيفة.

قال تانيا بدون إحساس: رائع … أي نوعٍ من الوظائف؟

ثم فكَّر غاضبًا، وقال لنفسه: أهذا هو السببُ الذي استدعاني من أجله؟ … لقد فشلتُ في العودة إلى عملي الأخير، وها هو جيمس يعود إلى وظيفةٍ أخرى ولم يمضِ على تركِه العملَ سوى أسابيعَ قليلة.

قاطعَه جيمس قائلًا: في الأيام الأربعة الأخيرة عملتُ محصلًا للضرائب في كاشا وانجا، وهو عمل ليس سهلًا … أشار إلى الشعار النحاسي المستدير في جيب سُترته المعلَّقة فوق الحائط، ثم أضاف: ما إن يرى الناس هذا الشعار حتى يسارعوا بالاختفاءِ داخل أكواخهم، أو الهمسِ إلى زوجاتهم، كما لو أنني زائر من قريةٍ بعيدة، وما يضايقُني أكثر يا عزيزي هو ذلك العَداءُ الواضحُ في عيون الأطفال وهم يتعلَّقون بأقدام وملابس أمهاتهم ورؤية بطونهم المنتفخة … إن نظراتهم تتهمُني بأنني المسئول عن خَواء بطونهم وكأني حيوانٌ متوحشٌ جئتُ لالتهامهم … على أية حال فإن ذلك ليس هو ما استدعيتُك من أجله؛ لأنك أيضًا مسئولٌ عن كثيرٍ من الأطفالِ ذوي البطون الخاوية.

ملأَت تريسا قدَح جيمس مرةً ثانية، وأعادت تسخينَ قدَح تانيا، ثم عادت إلى مكانها دون أن تقولَ شيئًا.

تناول جيمس رشفتَين سريعتَين من الشاي، واستطرد: لقد أخبرَتْني تريسا عن كل شيء يا بارانيا، وأعتقد أنها تناسبُك تمامًا، لكنها لا تستطيع أن تزرع أرضك؛ ولذلك فسوف أستعين بفريقَين من الماشية لزراعة الجزء الشرقي من أرضي، وسيكون هذا الجزءُ لأهل بيتك، وسنقولُ إنك اشتريتَ الأرض مني مقابل العمل فيها لمدة سنة.

ساد الصمتُ إلا من أصواتِ الرياح التي كانت تهزُّ حديد السقف، وصدى أصواتِ الأطفالِ الذين يلعبون ويمرحون على بُعد أمتارٍ قليلةٍ من ناحية الشمال.

شرب تانيا الشايَ دون أن يبدُوَ على وجهه أيُّ شيء، فوضعَت تريسا يدها فوق ظهره، وملأَت له قدحَه بالشايِ الساخنِ باليد الأخرى، وبعد انتهائه من قدَح الشاي الثاني صافح جيمس بقوة، ونظر إلى تريسا دون أن يبتسم، ثم عاد لبيته في هدوء.

لم يكن جيمس يتوقع إجابةً سريعةً من تانيا … نظر إلى المكان الذي كان يشغلُه تانيا منذ لحظاتٍ قليلة، ثم عاد إلى مكتبه وبدأ يحسب نقود اليوم.

قالت تريسا: تُصبِح على خير.

تناولَت جلد البقرة الذي ستنام عليه، وذهبت إلى كوخِ أم جيمس وثمَّة شعورٌ بفرحٍ كبيرٍ كان يتخلَّل قلبها وهي تُغَني بصوتٍ هادئٍ وتُدندِن في الظلام، بعد أن أطفأَت موقدَ الكيروسين، لكن بعض الصراصير وحشرات أخرى كانت تزحفُ عليها وتشغلُها عن فرحتها وأحلامها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤