الفصل الأول

الافتتاحية

المنظر

مساحة تتوسَّط رَبع أمير الجيوش، على جانبَي الساحة تبدو عششُ صفيح وعششُ قشٍّ ومسجدٌ مُتهدِّم – خلف المئذنة وعلى البُعد يبدو القصر الملكي – على يسار الساحة التي تتوسَّط الربع وبالقُرب من جدار عتيق تقف عربة يد عليها كوز شاي صفيح، ووابور غاز، وعدة أكواب، وثلاثُ جِوَز – إلى جوار العربة دكة خشبية وكراسي قش، وإلی جوار الكراسي عربة كارو مقلوبة – خلف عربة الشاي يقف رمضان القهوجي صامتًا في ثياب مُهلهَلة، على يمين الساحة بيت قديم على بابه رسوم ساذجة لجِمال وقطار سكة حديد وطيارة – فوق الباب يافطة مكتوب عليها (أم عنان مُطربة الفنون الشعبية)، في مقدمة المسرح يقف ثلاثة أشخاص أمامهم صندوق صابون كبير فارغ يَعرضون عليه لعبة الثلاث ورقات – بينَما يَقِف بعض المارة يتفرَّجون ويلعبُون معهم، نسمع خارج المسرح صوت المعلم رضوان مُجلجلًا – فيفزع لاعبو الثلاث ورقات، ويَصرُخ أبو سريع رئيس فريق النصَّابين لاعبي الثلاث ورقات: «خبر أسود، البوليس يا وله.» ثم يَحملُون الصندوق وأوراق الكوتشينة ويَهرب الجميع – يدخل المعلم رضوان ومعه الشاويش عبد الرحيم …

***

رضوان : وعنها يا عم، رُحنا لسعادة البيه … مدير … البوليس إنما إيه؟
راجل طيب تحطه على الجرح يبرد.
الشاويش : يا سلام، انت هتقوللي عليه، دنا خدمت معاه خمس سنين، أيامها كان لسة مفتش في الداخلية، إنما الحق ابن ناس طيبين.
رضوان : يا ميت حلاوة على دا راجل يا شاويش عبد الرحيم، إيديه تقول بتنقط عسل نحل، ووشه أحمر زي - القطيفة، لما يضحك من غير مؤاخذة، الضحكة تنور في وشه زي الكلوب.
كبارة : أمال يا معلم رضوان، دا كله من فضل الله.
الشاويش (محتجًّا) : … بتقول إيه يا واد، مش عاجبك الكلام ولَّا إيه؟
رضوان : يا راجل ما تدقش على كلامه، حاكم دا صنف فقري يستاهل الحرق.
كبارة : طب وبتشتم ليه بقى دلوقتي يا معلم رضوان؟
رضوان : ما انت لسانك. زي الفرقلة طول النهار ما بيبطلش، أيوة وشه أحمر من فضل الله، عاوز أمال وش البيه الطيب يبقى زي وشك الأسود دا.
كبارة : أنا راجل غلبان وفقير يا معلم رضوان.
الشاويش : انت غلبان انت، دا انت تغلب بلد …
رضوان : طب والله العظيم انت وشك أسود ومقدد من أفعالك السودة، أمال انت فاهم إيه؟ ما هو سبحانه وتعالى بیدِّي كل حي على قد عمله، قلبه أبيض يبقى وشه أبيض … قلبه أسود يبقى وشه زي وشك كدة.
كبارة (مستهزئًا) : طب ما الخواجات وشهم أحمر كلهم، يبقى دا برضه من فضل الله؟
رضوان (يَهُم بخلع حذائه) : قوم يا أخي فز وانت لسانك زي العقرب كدة.
كبارة (يجري مفزوعًا) : هو احنا يعني ما نتكلمش ولَّا إيه يعني؟ إحنا بقى ما نتكلمش (يبتعد) …
كاملة : واد يا كبارة يجيك نيلة … إنت عليك عفريت اسمه الصفيحة؟ قوم فز ياللي تنقرص في بطنك (تجري خلفه وهو بالصفيحة).
أم عنان (تظهر من الشباك) : ما تبطَّلي خوتة دماغ یا ولية انتِ …
كاملة : إيه يا اختي دماغك وجعتك يا اختي؟ ما يحكمش، أني واقفة قدام بيتي … قدام سرایتي.
أم عنان : قال واقفة قدام سرایتها! دي سراية مجانين والنبي.
كاملة : ده من حرقتك … من غيظك … أيوة سرایتي … سرایتي غصب عن حبابي عنيكي … سرایتي یا بتاعة هشك هشك …
أم عنان : جتها خيبة السرايات اللي بالشكل دا (تدخل وتغلق الشباك).

(عبد الرحيم ورضوان.)

عبد الرحيم : هيه، وعملتوا إيه بقى مع البيه؟
رضوان : ابن حلال … أقولك … تعرف ع الباب بتاعه عساكر أد إيه؟ يفتحوا مدينة.
عبد الرحيم : إنت هتقوللي؟ ما انا عارف كل حاجة، دا انا خدمت معاه خمس سنين كان لسة أيامها مفتش في الداخلية …
رضوان : وعِز إيه اللي هو فيه يا أخي! تصدق بالله، المكتب اللي هو قاعد فيه يطلع أد الرَّبع كله، مراوح إيه، تصاوير إيه، كراسي إيه!
عبد الرحيم : إنت هتقوللي، دا انا خدمت معاه خمس سنين كان لسة مفتش في الداخلية.
رضوان : يا سلام يا جدعان … دا ربنا لما يدي واحد، يديله صحيح من غير حساب دا ربك كبير قوي.
الشاويش : إنت هتقوللي … دا انا خدمت معاه خمس سنين كان لسة أيامها مفتش في الداخلية.
رضوان : الغرض یا محترم، الراجل قابلنا وقعد اتكلم معانا، زي أنا وانت كدة، طب واللي خلق الخلق قام ولَّع لي السيجارة، نِفسُه حلوة قوي …
الشاويش : إنت هتقوللي، دا انا خدمت معاه خمس سنين.
رضوان (مقاطعًا) : الغرض، شربنا القهوة وولَّعنا السجاير واتكلمنا.
الشاويش : إياك تكونوا رسيتوا على بر.
رضوان : قدمنا له الشكوى وكتبنا له مُلتمس، فِضِل البيه يسمع وهو ساكت، يسمع وهو ساكت، وفي الآخر قال كلمة واحدة بس.
الشاويش : ودا كلمته یا معلم رضوان ما تنزلش الأرض.
رضوان : مفيش كلام، راجل ابن أصول، وآخر صلاح، طب واللي خلق الخلق قام صلی الضهر واحنا قاعدين …
الشاويش : هنيالك يا عم، مش طمنكم وقال مش هانهد.
رضوان : حلمك عليَّ، هو دا زینا، دا عالم الكلام عندهم بحساب، قبل ما يقول الكلمة يوزنها في ميزان الذهب، تعرف قال إيه في الآخر.
الشاويش : إيه؟
رضوان : ولا يكون عندكو أي مشغولية … إحنا هانبحث الأمر.
الشاويش : لا دا احنا عاوزين الحلاوة بقى.
رضوان : إزاي؟
الشاويش : إزاي دا إيه، يا راجل يا مبروك.
رضوان : صحيح والنبي يا شاويش عبد الرحيم!
الشاويش : بقولك اطمن، دا انا، اشتغلت معاه خمس سنين وعارفه كويس … ما دام قالك هنبحث الأمر، يبقى كل شيء تمام، حاكم دي لغة میري احنا فاهمينها.
رضوان : لغة ميري إزاي بقى من غير مؤاخذة؟
الشاويش : حاكم عبارة هنبحث الأمر، يعني هنمطوح المسألة.
رضوان : يا سلام بقى هنبحث الأمر، يعني هنمطوح المسألة؟
الشاويش : بالظبط كدة، زي عبارة والبحث جاري.
رضوان : لا هو ما قالش جاري دي خالص.
الشاويش : لا ما انا بقولك يعني، حاكم لما ينقتل قتيل ولا تتسرِق سريقة، البوليس يغْلَب ولا يعرفش أساسها، يقوم يقول والبحث جاري، والبحث جاري یعني … تحفظ القضية.
رضوان : بقى كدة؟
الشاويش : بالظبط … ما هو البيه ما دام قالك هنبحث الأمر، يبقى هيمطوحوا المسألة.
رضوان : الله، أما دا يبقى حتة دين حظ م السما.
الشاويش : وع العموم أنا هتحرى الأمر كدة من بعيد لبعيد، وإن شاء الله هاتَّكَ أنا ع المسألة من ناحيتي.
رضوان : كتَّر ألف خيرك يا شاويش عبد الرحيم (يضرب إيده في جيبه) ويُخرج نقودًا يدسُّها في إيد الشاویش.
الشاويش : مالوش لزوم (يقترب كبارة منهما مرةً أخرى)!
رضوان : لا والله، عليَّ النعمة ما تكسفني أبدًا.
الشاويش : لا والله مالوش لزوم.
رضوان : لا واللي خلق الخلق …

(يقترب كبارة متلصصًا.)

كبارة : ما تاخد بقى يا شاويش عبد الرحيم ما تبقاش أمال لكع.
الشاويش : بتقول إيه يا واد انت؟
كبارة : أنا قلت حاجة؟ بقولك خد، أهو كله من فضل الله.
الشاويش (وهو يتناول النقود) : آمنت بالله، عشان تعرف إن الراجل اللي نيته سالكة، ربنا يسلك سكته.
كبارة : لا والحمد لله سكتك سالكة خالص.
الشاويش : طب سلامو عليكو.
رضوان : بس ما تروحش وتقول عدولي، خلينا نشوفك.
الشاويش : إن شاء الله، سلامو عليكو.
رضوان : مع السلامة يا شاویش. (يجلس ويلتفت لكبارة) إنت یا واد مش هتبطل الغلاسة بتاعتك دي؟
كبارة : وأنا عملت إيه بس يا معلم رضوان؟
رضوان : بقى احنا ما صدقنا ربنا هداهم والحمد لله!
كبارة : ولا هداهم ولا حاجة.
رضوان : إذا كان البيه بنفسه طمني.
كبارة : إنت بتصدق الكلام دا.
رضوان : قصدك إيه؟
كبارة : أهل الحتة مش هيسكتوا.
رضوان : يبقوا مجانين، إحنا لازم نسمع كلام البيه.
كبارة : وإن طلع البيه كلامه مش مظبوط؟
رضوان : مش ممكن أبدًا … دا وشه أحمر زي القطيفة.
وإيديه بتخر سمن بلدي من فضل الله عليه.
كبارة : بكرة تشوف یا معلم رضوان.
رضوان : إنت أصلك وش نكد ولسانك طويل ودا كله من فقرك، ما تقوم يا أخي تشوفلك شغلة.
كبارة : إيدي على كتفك، شوفلي شغله وأنا أشتغل.
رضوان : ما تشتغل يا أخي أي حاجة مانتش زي كاملة.
كبارة : كاملة معاها كام باكو، بتشتري فيهم وتبيع.
كاملة (تخرج من الباب) : نعم، دا مين اللي بينده على كاملة؟ معلم رضوان! صباح الخير يا معلم.
رضوان : صباح النور يا خالة كاملة.
كاملة : لا ما تتعبش نفسك يا خويا … إحنا مش بايعين، والنبي ماني بايعة، سي حمدي القومندان قاللي ما تخافيش يا كاملة مش هيهدوه.
رضوان : والله العظيم دا سعر ما حد في الدنيا يديهولك.
كاملة : يا معلم رضوان ما تقولش كدة، أبيع بخمستلاف جنيه.
رضوان : وهمة الخمستلاف جنيه حاجة بسيطة؟ حد معاه خمس بواكي دلوقتي؟
كاملة : لا، معانا يا اخويا والحمد لله، الفلوس معايا أهه، خير ربنا كتير.

(تُخرج من جيبها عدة بَواكٍ.)

رضوان : على كلٍّ إنت حرة، الفلوس جاهزة وتحت أمرك.
كاملة : لا والنبي، والنبي ومِن نبَّا النبي نبي ما ابيع، أبيع سرايا يا اخواتي بخمستلاف جنيه؟ والنبي ماني بایعة … سي حمدی القمندان. قال مش هيهدوه.
كبارة (ضاحكًا بهستيرية) : سرايا آل إلا سرايا (يكفُّ عن الضحك) طب والله عندها حق. سرایا صفرا، ما فيش كلام.
رضوان : عمرك ما قلت حق غير الكلمة دي.
كبارة : أنا طول عمري أقول الحق يا معلم رضوان.
رضوان : يا شيخ اتلقَّح … إنت لاقي تِحلَق!
كبارة : وهية الحلاقة مالها ومال الحق يا معلم رضوان.
رضوان : يا واد اللي ربنا بيرضا عنهم بيديهم خير كتير.
كبارة : طب ما الخواجا ليفي الخير عنده كتير، ليفي اللي بيطلَّع القرش بعشرة، الفايظجي بيبقى ربنا راضي عنه؟
رضوان (محرجًا) : عليَّ الحرام ما انت فالح طول عمرك … خليك ورا لسانك داهه وهو يوديك في داهية إن شاء الله.
كبارة (يَهُم واقفًا) : داهية داهية، أهي كلها محصلة بعضها.
رضوان : خد يا ولد رايح فين.
كبارة : رايح أشوفلي بريزة أشرب شاي.
رضوان : اقعد أسقيك شاي.
كبارة : دهده، يعني مش عوايدك.
رضوان : يا واد اقعد بلاش غلبة.
كبارة : لا يا عم أنا رايح أشرب شاي.
رضوان : يا واد أقعد أنا عاوزك. (للجرسون) اعمل شاي یا رمضان.
رمضان : حاضر يا معلم.
كبارة : طب والنبي دي حكاية تتكتب في الجرانين يا جدعان (يجلس).
عاوزني في إيه بقى؟
رضوان : يا سلام ياد يا كبارة، تعرف ياد يا كبارة إن عبارة هنبحث الأمر زي عبارة البحث جاري الخالق الناطق.
كبارة : إنت بتتكلم جد يا معلم رضوان.
رضوان : أي وحياة النبي كدة، حاكم ياد يا كبارة فيه لغة میري ما يفهمهاش البهايم اللي زيك.
كبارة : أنت برضه هتلبخ يا عم رضوان (يَهُم واقفًا) طب والله لسايب الحتة وماشي.
رضوان (يجذبه من ملابسه) : یا واد اقعد ما تبقاش بهیم.
كبارة : سيب امَّال يا عم رضوان.
رضوان : أقعد لادِّيك على قفاك، دا ماله زي الطور السوداني كدة؟ (يجذبه نحو الأرض) بهزَّر معاك (للجرسون) هات شاي يا رمضان.
رمضان : حاضر يا معلم رضوان.
رضوان (يفتح علبة سجاير) : خد سيجارة خد، ولع (يشعل له السيجارة).
جلال : صباح الخير يا معلم رضوان.
رضوان : أهلًا يا صباح الأنوار، انت فين.
جلال : فين إيه ما انتاش عارف أنا فين - في المعركة!
رضوان : معركة إيه كفا الله الشر!
جلال : معركة الحي.
رضوان : الله يكون في عونك.
جلال : هه قوللي - عملتوا إيه مع مدير الأمن؟
رضوان : كل خير إن شاء الله.
جلال : شفت بقى جالك كلامي.
رضوان : البركة في سيادة البيه مدير الأمن العام، هو اللي قاللنا حابحث الأمر، ودي في اللغة الميري زي البحث جاري الخالق الناطق.
جلال : وإيه اللغة الميري دي بقى؟
رضوان : عبارة هنبحث الأمر، الخالق الناطق هيه عبارة البحث جاري.
جلال : يا خويا دا أنت فاهم كل حاجة أهه.
كبارة : أنت بتتكلم جد یا معلم رضوان؟!
رضوان : زي ما بقولك كدة، بقی حاكم احنا أول ما رحنا عند البيه، لقينا، عنده عالم ملطوعة ع الباب يا قوة الله، أمم، من كل الملل، إنجليزي تلاقي، رومي تلاقي، وولف تلاقي، أي كدة وحياة النبي …
كبارة : ولطعوكم انتو كمان؟
رضوان : يلطعنا ازاي يا واد؟ دا راجل ابن أصول ویصلي الوقت بوقته، تعرف … من صلاحه يا واد يا كبارة، إیده دي سمينة كدة زي ما تكون بتخر السمن البلدي.
كبارة (وهو يشفط من السيجارة) : ووشه أحمر زي القطيفة من فضل الله، مش كدة؟
رضوان : تمام یا واد يا كبارة الزبيبة على جبهته هتاكل حتة من أورطه، قعدنا ع الكراسي القطيفة تعرف، من فضل ربنا عليه ما فيش ولا كرسي قش في المكتب، كل الكراسي قطيفة.
كبارة (وهو يشفط من السيجارة) : إنت بتتكلم جد يا معلم؟
رضوان : أي وحياة دا اليوم المفترج، قطيفة م الحلوة قوي، وتعرف … ساعة ما قام يصلي فرش سجادة عجمي معتبرة، تعرف السجادة دي لوحديها - بتاع ألف جنيه … أمال یا أستاذ … مش بقولك اللي يعيش ياما يشوف، واللي يمشي يشوف أكتر؟ … طيب دا احنا علشان نروح نشوفه مشينا مشوار!
جلال : معلهش، ما مات حق ووراءه مطالب.
رضوان : الله يقطعه أبو طالب وسنينه، اللي ما رضي ييجي معانا يا أستاذ، كان ناقص نبوس رجله.
جلال : أبو طالب مین؟
رضوان : الراجل الندل أبو كرش حمضان دا عنده ست بيوت في الحتة، وقرصان على الدنيا حايهدوا الحتة كلها ومش عاوز يبز بقرش … عارف خاف يروح معانا عند مدير الأمن ليه … ليكون الدخول بفلوس … تقولش جنينة حيوانات المغفل.
كبارة : هيه، واداكوا عقاد نافع يعني؟
رضوان : حكينا له الحكاية، لأ الأول هو اتكلم كلمتين، قال اسمعوا يا رجالة بقى، أنا مدير الأمن العام، ومش عاوز أي دوشة تحصل وأنا موجود، وخصوصًا انتو ساكنين جنب القصر الملكي، شوفوا انتو عاوزين إيه. وأنا ماليش بركة إلا انتو.
كبارة : الله، دا عارف المشكل بقی.
رضوان : أمال، دا عارف كل حاجة … تصدق بالله بصلي كدة وقاللي انت راجل جدع يا معلم رضوان … طيب مين اللي قال له بقى مش لازم عنده إخبارية بكل حاجة.
كبارة : مش مدير الأمن يا عم.
رضوان : الغرض … حكينا له الحكاية … يا سعادة البيه إحنا أهل البلاقسة، اتخلقنا في الربع اتنشأنا في الربع، جدود أجدادنا أصل وجودهم في الربع، نقوم ننام ونصحا تلاقيهم عاوزين يهدُّوا الربع، طب نروح فين يا سعادة البيه؟ … تعرف حصل إيه؟ انجعص كدة الراجل في الكرسي، وعض شفته، وقال: طيب احنا هنبحث الأمر.
كبارة : يعني ما قالش حاجة!
رضوان : شوف البهيم … مش بقولك انت بغل استرالي يا واد! عبارة هنبحث الأمر دي الخالق الناطق زي عبارة البحث جاري.
كبارة : وإيه هيه عبارة البحث جاري دي؟
رضوان : معرفش، لكن هيه الخالق الناطق زي هنبحث الأمر.
كبارة : إنت بتتكلم جد یا معلم رضوان؟
رضوان : أي كدة وحياة دا اليوم العظيم.
جلال : على كل حال يا معلم رضوان أنا شايف المجهود اللي انتو بتبذلوه مش كفاية، انتو لازم تعملوا جبهة في الحي هنا للدفاع عن قضيتكم.
رضوان : جبهة إيه يا أستاذ؟ إحنا حا نحارب!
جلال : أكتر من الحرب! مش حيهدوا بيوتكم وحایرموكوا في الشارع؟!
رضوان : عايز حرب أكتر من كدة إيه؟ … وحتعمل جبهة إزاي إذا كان العالم بتوع الحتة ما عندهمش دم؟!
جلال : أنا رأیي تصفوا خلافاتكم في سبيل الغرض الأسمى، فيه تناقض ثانوي وتناقض رئيسي. التناقض الرئيسي بينكم وبين الحكومة، وده لازم تواجهوه والتناقض الثانوي بينكم وبين بعض، وده لازم … تصفوه.
رضوان : يا سلام يا أستاذ، دا انت مش عايش هنا! هو إحنا طايلين الثانوي دا؟ … دا أنا رجليا حفيت علشان أدخَّل الواد الثانوي دا ما عرفتش! قال إيه ما جابش مجموع مع إنه في الجمع ما فيش أخوه.
جلال : يا معلم رضوان انت بتتكلم في حاجة وأنا بتكلم في حاجة تانية، ما تفهمني بقى.
رضوان : أنا بقيت أفهم حاجة اليومين دول!
كبارة : والله يا خويا اللي عاوزه حايمشي، الملك عاوز يهد الربع يبقى حيهد الربع.
رضوان : إنت بهيم … بقى ممكن الملك يمشِّي كلامه على مدير الأمن؟!
كبارة : ويمشيه ع المأمور، إنت مابتشوفش الضباط والدنيا كلها تبقى واقفة تضرب سلام للملك وهو خارج وداخل السرايا.
رضوان : والنبي انت بهيم.
كبارة : أنا يا عم فايتلك الحتة وماشي، خليك وراهم وبكرة تشوف.
رضوان : يا واد اقعد اشرب الشاي.
كبارة : شاي مين يا عم؟ إحنا شوفنا شاي ولَّا شوفنا حاجة!
رضوان : هات الشاي يا رمضان.
رمضان : حاضر يا معلم.
كبارة : أهو دا اللي احنا اخدناه منكو، (مقلدًا المعلم) هات الشاي یا رمضان (مقلدًا رمضان) حاضر یا معلم … دي حدوتة … زي حواديت الإذاعة.
رضوان : طيب روح يا بوز الفقر، والله ما انت فالح.
جلال : افهم يا معلم رضوان … السياسة بقت علم ولازم نتعلمه.
رضوان : وأنا يعني قالولك عليَّ سياسي أوي؟ … أنا راجل قاعد كافي خیري شري، لا لي دعوة بحد ولا حد له دعوة بيا.
جلال : مش مظبوط الكلام بتاعك دا … اللي بيحصل اليومين دول في الربع سياسة مِية المِية.
رضوان : سياسة إيه يا اخويا … دا دول عايزين يهدوا الحتة وينيمونا في الشارع مالها دي ومال السياسة؟!
جلال : أهي دي نظرة سطحية للأمور يا معلم. النظرة العميقة بتقول إن الملك بيمثل الشواشي العليا لتحالف البرجوازية والإقطاع يبقى السلطة الموجودة هتنفذ كل اللي يخدم أغراض الملك.
رضوان : والربع ماله ومال الملك … حتى ناس الحتة ناس في حالهم لا ليهم دعوة بحد ولا بمحتد.
جلال : المسائل مش بالبساطة دي … فيه تحالف ضدكم … انتو كمان لازم تتحدوا مع بعض في الحتة هنا …. ضد قرار الهدم.
رضوان (ساخرًا) : تتحالف؟! طب دي الناس حالفين ما يتحالفوا مع بعض أبدًا …. دي ناس تستحق الحرق نازلين أكل في بعض زي السمك.
جلال : ولازم الكل يقف ضد قرار الهدم دا، فهمت يا معلم؟
رضوان : ما أنا فاهم كل حاجة.

(يدخلان البيت.)

جلال : أهو دا اللي إحنا بنسميه التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي.
رضوان : يا أستاذ هُمه رضيوا؟ دا أنا حفيت واللي خلقك.
جلال : یعني انت حاولت يا معلم؟
رضوان : هو أنا ليه شغلة غيرها؟ … دا أنا طول النهار رايح عشان الشغلانة دي ولا حياة لمن تُنادي عالم ناقصة بعيد عنك …
جلال : همه مين دول؟
رضوان : همه بتوع المدرسة الثانوي دي اللي بتتكلم عنها.
جلال : يا راجل افهمني.
رضوان : ما أنا فاهم كل حاجة … احلف لك ميت يمين إن دماغي بقت قد البطيخة من الزن اللي فيها طول النهار، (مناديًا) یاد يا رمضان.
رمضان : نعمين يا معلم.
رضوان : هات واحد مصري یاد.
رمضان : حاضر يا معلم.
جلال : المهم يا معلم رضوان لازم تكافح.
رضوان : آدي احنا بنكافح على أكل عيشنا … هات ياد يا رمضان المطلوب.
رمضان (يتَّجه نحو المعلم رضوان ومعه الجوزة) : المطلوب أهو يا معلم رضوان … اتفضل.

(يتناول المعلم رضوان الجوزة ويخرج من جيبه قطعة حشيش … يتأمله جلال باهتمام.)

جلال : غبارة دي يا معلم؟
رضوان : أجدع غباير … حتشرب دلوقتي منها وتشوف.
جلال : لا بلاش دلوقت يا معلم.
رضوان : ليه بأة؟ بطَّلته؟!
جلال : لا أبدًا … بس معايا واحد زميلي وما يصحش أشرب قدامه (ينادي يا أستاذ مرجوش).
المصور : أيوة يا أستاذ جلال.
جلال : صور المعلم بأة عشان نمشي.
رضوان : طب استنى اما ألبس العباية.
جلال : لا مش عايزين عِبي احنا … كدة كويس، المهم عندنا تبرز صور الفاقة في الحي.
رضوان : وهيه فين الفاكة دي؟ … ما حيلتناش فاكة ولا أي حاجة.
جلال : الفاقة يعني الفقر يا معلم.
رضوان : متأخذناش يا أستاذ أصل احنا مبنعرفش إنجلیزي!

(تبرز كاملة على باب المنزل.)

جلال : صوَّر يا أستاذ مرجوش ماحناش قدكم ماحناش قدكم، لا بنعرف إنجليزي ولا غيره.
كاملة : هُمه بيصوروا ليه يا اخويا؟ … هُمه دول بتوع السرايا؟ … هُمه برضوا اللي ينشكوا في قلوبهم هيهدوا!
رضوان : سراية إيه يا ولية انتِ يا مجنونة؟
كاملة : مجنونة … لا مالكش حق بتقول كدة يا معلم رضوان … آل مجنونة آل … لا كله كوم ودي … كوم.
جلال (ثائرًا) : اخرسي يا ولية انتِ.
كاملة : أخرس … أخرس دا إيه … هو عشان انتو بتوع السرايا تقوموا تشتموا الناس وهمه قاعدين في بيوتهم؟ … آل أخرس آل … بأة مش عيب يا جدع انت وانت عيل من دور عیالي تقوللي اخرسي؟ … هو عشان انت مع الملك … ولابس أفندي تقوم تشتم الناس في بيوتها؟
جلال : يا ولية اسكتي ما تميعيش الموقف.
كاملة : أنا جبت سيرة حد … ليه هو أنا مسكت في خناقك؟ … هو أنا جيت جنبك يا جدع انت؟
جلال : شوف الجهل بتاع الناس … احنا یا ست مش بتوع السرايا … أنا جاي هنا عشان مصلحتكم، أنا مندوب مجلة البوق … وجاي بنفسي هنا عشان نكتب عنكو.
كاملة : وهتكتب عنا ليه يا اخويا؟ عملنا حادثة ولَّا عملنا حادثة … ولَّا ماشيين بطَّال لا سمح الله؟ إحنا ناس في حالنا وقاعدين في بيوتنا.
رضوان : يا ولية خشي بأه وفُضك من خوتة الدماغ دي.
كاملة : ليه هو أنا واقفة في ملكك … ولَّا في ملكك أنا واقفة يا اخويا قدام باب بيتنا. سرایتي يا اخويا سرایتي …
جلال : مافيش حد كمان يتصور جنبك كدة يا معلم رضوان عشان تبقى صورة جماعية.
رضوان : تعالى ياد يا رمضان جنبي هنا.
جلال : لأ حد تاني غير رمضان.
رضوان : انده كبارة، اجري ياد يا رمضان.
رمضان (بصوت عالٍ) : يا كبارة … ياد يا كبارة.

(يدخل كبارة يمشي ببطء ببلاهة نحو الموجودين.)

كبارة : عاوزين إيه؟
جلال : تعالى يا جدع انت اتصور.
كبارة : وعشان إيه أتصوَّر.
جلال : تعالى هنا يا نجم.
كبارة : قلت لك مش حاتصور، انتو عاملينلي فيش وتشبيه ما فيش جمعة.
جلال : يا راجل احنا حنطلعك في الجرنال.
كبارة : وأنا أطلع في الجرنال عشان إيه؟ … أنا لا خطفت خطفة ولا هبشت هبشة.
جلال : اخص مافيش وعي عند الناس.
رضوان : ما تيجي ياد نتصوَّر.
كبارة : وحاتصوَّر بتاع إيه يا معلم رضوان.
رضوان : يا واد حایهدوا الحتة كلها … لازم تتصور.
كبارة : وأنا مالي ما يهدوها … أنا لية إيه في الحتة دي … حيهدوا الصفايح.
جلال : خلاص انت صورت.
المصور : خلاص.
جلال : طب روح انت الجريدة بأه … وأنا حاحصلك (يتَّجه رمضان إلى عربة الشاي ويتمطَّع المعلم رضوان).
رضوان : يا نهار زي بعضه يا جدعان. وبتقول ما بتكافحش … أديك شفت بنفسك … شوف كافِحنا أد إيه عشان نتصوَّر تصويرة زي دي؟
جلال : معلهش اقعد بأه …. عشان نشرب لنا نفَسين نعدل دماغنا.
رضوان : هات ياد يا رمضان واحد مصري.
رمضان : حاضر يا معلم …
رضوان : لكن قوللي انت مارضيتش تشرب ليه قدام الراجل التصاویرجي دا؟
جلال : مايصحش برضه يا معلم أشرب قدامه.
رضوان : ليه هو الشرب عيب؟
جلال : طبعًا عيب ما فيش كلام.
رضوان : ولما الشرب عيب بتشرب ليه؟ طب أنا بشرب عشان مش عيب.
جلال (مرتبكًا) : ما هو فيه حاجات كتير بأه يا معلم، ولَّع.

(تخرج أم عنان وعزب.)

أم عنان : والنبي صحيح يا أستاذ.
عزب : ما فيش غيرها يا أم عنان … هنا المسرح وهنا الجمهور، هنعمل هزة في مصر يا أم عنان.
أم عنان : البركة فيك يا أستاذ …

(يضع رضوان قطعة حشيش على جوزة أخرى.)

رضوان : ولَّع … ولع … مساء الجمال (جلال يدخن بشراهة).
جلال : يا سلام … آخر مزاج … دي غبارة صحيح.
رضوان : بس إياك يتمر فيك وتخلَّص لنا الشغلانة بتاعتنا دي.
جلال : اطمن ما دام مجلة البوق واقفة معاكو مايهمكش.
رضوان : الحمد لله مدير الأمن طيب قوي … من بختنا ربك عالم بينا.
جلال : ما تتخدعش یا معلم رضوان … تحالف الرأسمالية والإقطاع مع الملك في سبيل تحقيق أهدافه بيتلوِّن ألف لون ذي الحرباء.
رضوان : واحنا مالنا ومال الملك والمقاطيع دول؟ أنا بقولك البيه مدير الأمن.
جلال : ما هو دا مجرد خدام للطبقة اللي بتحكم وللملك.
رضوان : والله العظيم دا راجل نزيه ويحب الفرفشة.
جلال : الكلام دا تمييع للموقف، الكفاح يتطلب صلابة واستمرار.
رضوان : ع العموم ولع … ما تحملش هم.
عزب : أنا حاثبت للمثقفين بتوع الجامعة والكتب والكلام الفارغ دا، حاثبت للمحبوسين في البروج العاجية إن الفن الحقيقي هنا في الألحان الخالدة مش اللي عملها زیمس كورساكوف ولا … بتهوفن، وإنما هي اللي عملها الملحن المصري المجهول، أنا حاثبت للدنيا كلها إن أم عنان هي فنانة الشعب المصري.
أم عنان : ربنا يطوِّل في عمرك يا أستاذ.
جلال (وبعد أن يجذب نفسًا عميقًا) : على كل حال مبروك.
رضوان : يعني رأيك أنت كمان كدة؟
جلال : كدة إزاي؟
رضوان : إنهم مش هيهدُّوا!
جلال : أنا بقولك مبروك على حاجة تانية، أنت بقيت واحد مننا خلاص يا عم، أنت دخلت مأطف النهارة.
رضوان : أنا واللي خلقك ما تنقلت من هنا، تطلع مركز إيه مأطف دي؟
جلال : مأطف يا معلم اختصار لجملة «منظمة أبناء الطبقة الفقيرة».
رضوان : وأنا خلاص دخلت في المأطف دا؟
جلال : أيوة مبروك، والمنشورات بتاعتها أهي …

(يُخرج أوراقًا من حقيبته.)

رضوان : دي أعلقها كدة من غير مؤاخذة زي التصاوير.
جلال : لا دي بوزعها سرًّا.
رضوان : طب ما أنا أديها لأيِّ عيل يوزعهم قدام السيما.
جلال : سِيمة إيه وبتاع إيه بقولك توزعها سرًّا.
رضوان : سرًّا … طيب هات … بس اسمع بقى أول ما تاخدوا الوزارة وحياة والدتك تشغل الواد كبارة وتخللي بالك معانا من حكاية الهَدد دي.
جلال : ما انتو كمان لازم تشدوا حيلكم معانا يا معلم رضوان … إحنا طول الشهر بننشر عنكم مانشيتات وبراويز وصور.
رضوان : ما احنا دافعين حق المناشط دي الجُمعة اللي فاتت.
جلال : واحنا كل يوم عندنا مانشتات یا معلم رضوان.
عزب : بس بصراحة يا أم عنان أنا خايف.
أم عنان : خايف من أهل الحتة يا أستاذ؟
عزب : لا يا أم عنان، أنا خايف منك أنتِ.
أم عنان : مني أنا يا أستاذ؟!
عزب : أيوة يا أم عنان، عندي شعور خفي إنك مش واثقة من نفسك، والفن عاوز ثقة، عاوز اقتحام، وأنا عارف إنك متهيبة الموقف.
أم عنان : ده بس من هيبتك يا أستاذ.
عزب : أنا أمنحك روحي وقلبي وكياني كله، بس عاوزِك تثقي في نفسك، أرجوكِ یا أم عنان. أم عنان: أنا كلي لك يا أستاذ أنا خدامتك!
عزب : العفو يا أم عنان، أنتِ صحيح ست جاهلة ومش مثقفة، لكن أنا الفنان المثقف، أنا اللي خلقت عِلم الفلكلور في مصر، مدين لكِ بحاجات كتير بعمري كله دا، طبعًا غير اﻟ ١٠٠٠ جنيه اللي عليَّ.
أم عنان : ما تقولش كدة يا أستاذ.
عزب : أنا مش ممكن أنسى حاجة أبدًا، أنا راجل فنان يا أم عنان مش راجل عادي، لیكي ٢٠٠٠ جنيه يا أم عنان یعني لیكي ٢٠٠٠ جنيه.
أم عنان : فداك ١٠٠٠٠ جنيه يا أستاذ.
عزب : على العموم سيبينا من الكلام دا وخلينا في مشروعنا، لو نجح حاندخل التاريخ.
أم عنان : ربنا معانا يا أستاذ إن شاء الله حاننجح، هو أنت تعمل حاجة ولا تنجحش؟
عزب : أيوة يا أم عنان، لكن فيه عقبة قدام المشروع لازم نتغلِّب عليها.
أم عنان : قصدك عربية الشاي یعني … معلهش ممكن نعوج المسرح كدة شوية.
عزب : مش مهم عربية الشاي، إحنا ممكن نشتريها ﺑ ١٠٠ من الواد رمضان ونكسرها، ثم هو حايسترزق من المهرجان. العقبة الحقيقية يا أم عنان هي الفلوس، أنا لو ألاقي ٥٠٠٠ جنيه جاهزين أعمل أكبر مهرجان للفن الشعبي في مصر.
رضوان : على العموم ٥٠ جنيه لحد ما ربنا يفرجها.
جلال : اطمن يا معلم رضوان، تصدق بالله! واحد غيرك في عملية زي دي ما آخد منه أقل من ١٠٠٠ جنيه.
رضوان : اطمن على العموم، إنت واصلك كام لحد دلوقت.
جلال : ٣٠٠ جنيه.
رضوان : خلاص الحساب يجمع، ولع ولع نهارك فل بإذن الله.
أم عنان : ما يكونش عندك أي فكر، خد دول بيعهم يا أستاذ، على فكرة حايجيبوا ١٠٠٠٠جنيه!
عزب : طيب وانتِ تعملي إيه؟
أم عنان : في سبيل الفن أضحي بحياتي يا أستاذ.

(يدخل المسرح الدكتور عزيز يرتدي بنطلونًا وقميصًا وجاكتة ملونة ويُدخِّن بايب، ومعه كبارة ينظر إليهما المعلم رضوان مندهشًا.)

رضوان : الواد كبارة صايد واحد خواجة أهو … دلوقتي يتحين منه.
كبارة : يا معلم رضوان.
رضوان : عاوز إيه ياد يا كبارة … سارح بالخواجة دا على فين؟
كبارة : ده مش خواجة … دا ابن عرب.
رضوان : بأة دا ابن عرب يا ابن العبيطة؟ … فاهمني مختوم على قفايا (الخواجة جورج) … أمك اسمها حنفي.
عزیز : صباح الخير.
رضوان : الله … دا ابن عرب صحيح … صباح الأنوار اتفضل.
كبارة : ده بيسأل عن الأثرات الموجودة هنا.
رضوان : أثرات … واحنا حيلتنا أثرات ولَّا نيلة … هنا مافيش غير كاملة.

(ينهض هو وجلال ويصافحان الدكتور عزيز.)

عزيز : من فضلك.
رضوان : أي خدمة … اتفضل اقعد (يجلس).
عزيز : متشكر.
رضوان : أي خدمة.
عزيز : مش دي الربع.
رضوان : … هو الربع من غير مؤاخذة.
عزيز : أيوة … يبقى هو … أنا دكتور عزیز أستاذ في الجيتولوجي.
رضوان : يعني من غير مؤاخذة انت في الصحة بأه؟ … طب ما تشد حيلك معانا وتبخروا البيوت دي.
جلال : صحة إيه يا معلم رضوان … الدكتور عزيز أشهر من نار على علم، تشرفنا يا دكتور، جلال عبد الحميد مندوب جريدة البوق.
عزيز : هاللو … أنت م الحتة هنا؟
جلال : لا. أنا جي أكافح … أصلهم حيهدوا الحي واحنا عاملين حملة في الجريدة ضد قرار الهدم.
عزيز : كويس … أنا جاي كمان عشان كدة.
رضوان : طب الحمد لله اللي ربنا بعتك لينا.
عزيز : إنت قلتلي إن دا اسمه الربع، مش كدة؟
رضوان : الربع من غير مؤاخذة … اﻟ … بلا … قسمة.
عزيز : لا غلط ما اسموش الربع …. إنت مش عارف أصل التسمية دي جاي منين.
جلال : الدكتور بأه عالم كبير يا معلم رضوان.
رضوان : ربنا يزيده من نعيم الله.
عزيز : بقى أصل التسمية دي جاية من كلمة ربع وأرباع … الواحد الصحيح مقسم إلى أربعة أرباع … زمان في عصر المماليك الشراكسة اللي بدأ حكمهم بالسلطان برقوق.
المعلم (ضاحكًا) : سلطان اسمه برقوق؟ … ها أو … والله العظيم كانت عالم آخر مزاج بتوع زمان دول … عندهم حق … مكانش فيه غَلَا.
عزيز : الأرض كانت رخيصة يا معلم والتعداد ماكنش كتير … كانوا يعرضوا حتة أرض للبيع مساحتها فدان … ويوزعوا الفدان أربع قسايم … كل قسيمة ربع فدان … وكان اللي يشتري لازم يشتري ربع … والأمر دا كان له حكمتين … الحكمة الأولى يا معلم إن البيت زمان كان لازم تتوفر فيه كل لوازم الراحة كانوا بيعملوا في البيت مضيفة، وقِوَض للضيوف كانوا يسموها قوض المسافرين … وكان في كل بيت مقناخ ودا كان مربط للبغال والحمير اللي تركبها الضيوف … علشان كدة كان كل بيت بيتقام على ست قراريط يا معلم، یعني ربع فدان … والحكمة التانية والأهم … هو الحفاظ على الهارموني بتاع المدينة إن كل البيوت تبقى شكل واحد وطبع واحد.
رضوان : طب والله العظيم بتوع زمان دول كانوا ذوق وآخر مفهومية … مش زي اليومين دول … واحد يبنیلي عمارة طويلة ومسروعة زي أم سحلول، والتاني يبنيلي حتة خُص قزعة زي الواد الدكش بتاع سيرك الحكومة.
عزیز : المهم يا معلم … الحتة بتاعتكو دي مبنية على ربع م الأرباع بتاعة حي أمير الجيوش … علشان كدة النطق السليم رُبع مش رَبع.
رضوان : يا سلام! بقى احنا بقالنا مليون سنة ساكنين في الحتة دي غلط … صحيح العلم نور … أهو أنا بقالي أربعين سنة في الحتة دي ماسمعتش حد بيقول رُبع، (يمد يده بالجوزة) تولع من غير مؤاخذة؟
عزيز : لا متشكر … ما شربوش.
رضوان : دي غبارة توسع المخ أوي!
عزيز : متشكر.
جلال : أقدر أعرف سيادتك جي الحتة ليه عشان اكتب خبر؟
عزيز : في الحقيقة أنا جي في مهمَّة وطنية … الحكومة حتهد الربع دا.
رضوان : نفَسك معانا يا دكتور … خد ياد يا رمضان الجوزة دي خلينا نسمع الكلام المفيد دا.
عزیز : أنا لما قريت الخبر في الجرنال انزعجت.
رضوان : ابن حلال مصفي.
عزيز : عشان أنا كنت قريت في كتاب (ذا هول ستوري أف كايرو سيتي) أن الحتة دي فيها أثر قدیم. يجوز م الأسرة السادسة م الأسرة السابعة م العصر القبطي م العصر الإسلامي. ما أعرفش بالضبط المؤلف الإنجليزي نفسه ما حددش. فأنا قلت لازم المحافظة على الأثر دا، عشان كدة أنا جاي أعاين وأشوف الأثر بنفسي.
رضوان : آثار إيه من غير مؤاخذة؟
عزيز : أنا مش عارف بالضبط … الأول أشوف وأعاين وبعدين أحكم … إنت حضرتك بقالك كتير في الحتة دي.
رضوان : من يوم ما اتنشأت الحتة دي وأنا فيها … أبًّا عن جد.
عزيز : طيب … مافيش بيوت أثرية هنا؟
رضوان : ياما … عندك البيت اللي قدامك … كان بتاع إبراهيم وزة فتوة الربع.
عزیز : آثار قديمة قصدي.
رضوان : آثار قديمة … قديمة يعني أد إيه؟
عزیز : ألفين سنة … ألف سنة … خمسميت سنة.
رضوان : لا أنا ما اوعاش لحد كدة من غير مؤاخذة.
عزیز : لكن ما بتسمعش أن فيه أثرات موجودة؟
رضوان : أثرات … أثرات يمكن قصدك ع الفسقية.
عزیز : فسقية … فين فسقية دي؟
رضوان : أهو فيه فسقية عندك في الدرب جوة، العيال بتوع التلت ورقات بيناموا فيها.
عزیز : ورقات إيه دي؟ فيه مكتبة هنا؟
رضوان : التلت ورقات دي بتاع السنيورة …. نحط ع السنيورة كدة تكسب لكن حكمة ربنا عمرك ما تكسب.
عزیز : نصابین یعني.
رضوان : عليك نور … نصابين.
عزیز : لكن موجودة الفسقية دي لحد دلوقتي؟
رضوان : أهي متلقحة … هتروح فين …
جلال : طب عن إذنكو بأه … أنا حا أخطف رجلي لحد الجورنال عشان أكتب خبر بتاع الدكتور عزیز دا … متأكد إن المعركة كسبت نصير عظيم بوجودك.
عزیز : متشكر.
جلال : عن إذنك يا معلم رضوان.
رضوان : مع السلامة يا أستاذ.

(ينصرف جلال، وبقي عزيز ورضوان وكبارة.)

أم عنان : أنا في سبيل الفن أضحي بحياتي يا أستاذ.
عزب : يا سلام يا أم عنان … بالظبط عزيزة المراكبية.
أم عنان : عزيزة المراكبية دي مين يا أستاذ؟!
عزب : أستاذة الفن الشعبي يا أم عنان.
أم عنان : إخص عليك يا أستاذ! فيه أستاذة للفن الشعبي بعد مني؟
عزب : لا يا أم عنان، دي مش بعد منك دي قبل منك، دي كانت زمان وماتت الله يرحمها … عزيزة المراكبية هي اللي قالت جاني الطبيب عالجني، وهي اللي قالت صبرت دا أنا مش هفية، وهي اللي قالت حمامي طاير على جرن الحبيب بيلاغي فيه، وشعري على كتف الحبيب بيغلي فيه.
أم عنان : يعني هيه الأحسن ولَّا أنا يا أستاذ.
عزب : بعد المهرجان اللي جاي دا تاريخ الفن الشعبي مش حيتكلم غير عنك. يا سلام يا أم عنان! (يضع الغوايش في جيبه) هنا المسرح (مشيرًا إلى الخلف) وهنا الجمهور وتعرفي مين حييجي يسمعك في يوم المهرجان …
أم عنان : مين يا أستاذ؟
عزب : أنا عاملك مفاجأة كبيرة أوي … أعظم فنانين في البلد. حييجوا يسمعوكي هنا.
أم عنان : مين والنبي … نائب عابدين.
عزب : نائب عابدين مين وبتاع مين يا أم عنان! أم كلثوم وعبد الوهاب الاتنين حيكونوا هنا، وأنا واثق إنهم حيصعقوا. الجرايد حاتكتب سنة … الإذاعة حتذيع من هنا.

(يدخلان البيت.)

عزيز : لكن دي جريمة يا معلم.
رضوان : ما فيش كلام … والله العظيم تلاتة مجرم اللي يطلع العالَم دي من بيوتها ويرميها في الشارع.
عزيز : أنا مش قصدي على كدة. أنا قصدي ع النصابين اللي قاعدين في الفسقية دي.
رضوان : وهية الفسقية حتفضل … ما هم حيهدوا الحتة كلها!
عزيز : يهدوا الحتة إزاي؟ دي أمور تغفيل.
رضوان : لكن مين يقرا ومين يسمع.
عزيز : لو حصل دا في أوروبا لازم تقوم ثورة … إزاي يهدوا الفسقية؟
رضوان : يا ريت يجي ع الفسقية يا دكتور ويهدوها في ستين داهية، ع الأقل نخلص من العيال النصابين اللي نايمين فيها دول.
عزيز : إزاي تقول الكلام دا في منتهى الجهل … أظن اهتمامكم كله منصب على البيوت اللي انتو عايشين فيها ولا تساويش حاجة دي.
رضوان : دا هي بيوتنا يا دكتور، أمال يعني ننام ع الرصيف؟ والنبي تتكلم لنا يمكن ربنا يسهلها ولا يهدوش الحتة.
عزيز : إنت للأسف مهتم بمشكلة وقتية، أنا مهتم بمشكلة تاريخية، دا الفرق.
رضوان : ما احنا غِلبنا بأه لما حِسنا اتنبح … لحد أول امبارح بس رُحنا عند البيه مدير الأمن في الداخلية، راجل طيب زي حضرتك كدة وبيفهم.
عزيز : يفهم إيه دي … دي ما عندوش أي فكرة عن التاريخ.
رضوان : لكن بيني وبينك قال كلمة حكمة.
عزيز : قال إيه؟
رضوان : بعد ما حكينا له المشاكل بتاعتنا يا محترم انجعص كدة في الكرسي وغمض عينه، وقال حنبحث الأمر.
عزيز : إيه یعني دي … مش فاهم!
رضوان : ما هي دي بأه لا مؤاخذة زي عبارة البحث جاري بالضبط.
عزيز : دي كلام فارغ … أنت ماشي في طريق خاطئ.
رضوان : طريق خاطئ، إزاي من غير مؤاخذة … دي لغة میري، حنبحث الأمر زي البحث جاري الخالق الناطق.
عزيز : مش مدير الأمن اللي حيوقف قرار الهدم … … عشان توقف قرار الهدم لازم تسلك الطريق الطبيعي.
رضوان : وهو إيه الطريق الطبيعي بس؟ … ما احنا معانا منشورات … ومن غير مؤاخذة حنوزعها سرًّا …
عزيز : المنشورات مش هتحل المشكلة، دي طريقة سفلية، الطريق المُثلى إنك تقول وجهة نظرك في البرلمان، اعمل ندوات لمناقشة المشكلة، في لندن الواحد بيقف في هايدبارك ويقول لازم ناخد طريق ديمقراطي، إنت مش ديمقراطي يا معلم.
رضوان : أنا حشاش من غير مؤاخذة.
أم عنان : طيب مش كنا عملناه في حتة تانية نضيفة عن دي يا أستاذ؟
عزب : لا أم عنان الفن الشعبي ما يزدهرش إلا في منبعه … ثم أنا بحب الحتة دي … لولا الربع ما كنتش عرفتك … ماكناش اتقابلنا يا أم عنان، أنا لما قريت خبر هد الربع في الجرايد جيت جري عشان أدرس الفن الشعبي على الطبيعة في المنطقة، علشان كدة الربع له في نفسي منزلة كبيرة أوي.
أم عنان : أهم حيهدوه يا أستاذ.
عزب : في ستين داهية، بعد المهرجان دا يا أم عنان حاتخرجي من هنا، حاتعيشي ع النيل في الزمالك، حايبقى ليكي عربية وسواق، وحايبقى ليكي صحفي خاص وجرنال … حاتكلي فلوس، حاتقرقشي ورق، ورق أخضر يا أم عنان، باكوات وأرانب يا أم عنان.
أم عنان : ربنا يخليك لي يا أستاذ.
عزيز : الطريق الديمقراطي هو الطريق الوحيد، لازم يرتفع رأي الناس، ولازم نسمع كمان رأي الحكومة، ومن خلال مقارنة الحجة بالحجة لازم يحصل عمل كبير.
رضوان : ربنا يجيب العواقب سليمة.
عزيز : أيوة، على رأي بیكون، عندما يغش الإنسان الضعيف إنسانًا أضعف فإنه لم يأتِ شيئًا مذكورًا، ولكن قيام فكرة عظيمة في وجه فكرة أخرى عظيمة نظيرها أمر ينشرح له قلب الله.
رضوان : صدق الله العظيم.
عزيز : صدق الله العظيم إيه؟ بقولك بيكون!
رضوان : عدم المؤاخَذة يا أستاذ، أصل احنا بهايم لا نقرا ولا نكتب.
وع العموم أنا عايز أعرف حاجة واحدة بس، عبارة حنبحث الأمر هي الخالق الناطق عبارة البحث جاري؟ حاكم الشاويش قاللي كدة النهاردة الصبح.
عزيز : شاويش إيه دي … أنا ما اعرفش الأشكال دي … تعرفها انت، أنا ماليش علاقة بالبوليس … عن إذنك أنا رايح أعاين الفسقية (ينهض عزیز).
رضوان : روح معاه یاد یا كبارة.
كبارة : تعالى يا دكتور.

(ينصرف عزيز وكبارة إلى داخل الحي.)

رضوان : اسمع ياد يا رمضان.
رمضان : أيوة يا معلمي.
رضوان : عشرين جنيه أهم ياد يا رمضان.
رمضان : عاوز حاجة يا معلم؟
رضوان : خش عند خالتك كاملة واقعد معاها … تِليِّن دماغها لحد ما تبيع لنا البيت.
رمضان : ودول عشان إيه يا معلم؟
رضوان : دول عشرين جنيه مقدم ياد، ولما تِليِّن دماغها أدِّيك تلاتين.
رمضان : ربنا يخليك يا معلم … أنا مش هاعتقها غير لما تِلِين.
رضوان : شوف شغلك ياد.
رمضان : لكن قوللي يا معلم … إنت حتشتري البيت إزاي م الولية دي، وهما حيهدوا الحتة؟
رضوان : مش حتتهد ياد … حاكم احنا لما رحنا للبيه مدير الأمن في الداخلية وحكينا له ع المشكل بتاعنا تعرف الراجل عمل إيه؟ انجعص على الكرسي بتاعه كدة وغمض عينه وقال حنبحث الأمر.
رمضان : يا سلام يا معلم … قال كدة.
رضوان : أي والله العظيم. وعارف بأه عبارة حنبحث الأمر دي؟ الخالق الناطق زي عبارة البحث جاري.
رمضان : الحمد لله ربنا يسهل.
رضوان : روح انت بقى عند خالتك كاملة وليِّن دماغها.
رمضان : ما يكونش عندك فكر ما معلم.

(يهرول رمضان إلى داخل بيت كاملة، المعلم رضوان يتمطع.)

رضوان : يا سلام حنبحث الأمر.

(ينصرف إلى داخل الحي.)

عزب (محدثًا نفسه) : يا سلام مهرجان الفن الشعبي. المسرح هنا. والجمهور هنا، وأم كلثوم وعبد الوهاب هنا، واخدة بالك يا أم عنان؟
أم عنان (بعد فترة صمت) : بتقول إيه يا أستاذ!
عزب : إنتِ سارحة في إيه يا أم عنان؟
أم عنان : لا أبدًا یا أستاذ.
عزب : أنا عارف انتِ بتفكري في إيه! الطفرة اللي حتحصلك حتكون شديدة شوية على نفسك. لكن أنا واثق انك هتستحمليها، على العموم دا قلق الفنان الأصيل.
أم عنان : أنا كنت قصدي أقول يا أستاذ الأفراح مش هبقى أروحها بعد كدة؟
عزب : الأفراح دي مسالة أكل عيش، وانتِ مش مخلوقة عشان تاكلي عیش … إنتِ صنف تاني يا أم عنان، الأفراح دي مش شغلتك، إنتِ ليكي مهمة تانية، مهنتك الحقيقية هي تطوير الفن - إنتِ علامة في تاريخ الفن ما بتظهرش إلا عند منحنى، إنتِ المنحنى، إنتِ يا أم عنان النسخة الجديدة من سيد درويش.
أم عنان : إنتِ بتشبهني بالناس دول ليه يا أستاذ؟ اخص عليك! دا حتى سيد دا اللي بتقول عليه فلِّس وقفل القهوة!
عزب : سيد درويش …

(سمع صوت كلاكس.)

عزب : يا سلام! هنا المسرح هنا الجمهور.

(كلاكس.)

أم عنان : دي عربية يا أستاذ!
(يدخلان) ينظران بانتباهٍ نحو مدخل الشارع، ويتعالى صوت من خارج المسرح.
شوشو : فين الربع بتاع أمير الجيوش.
السائق : هو اللي قدامك دا.
شوشو : أمال ليه مش فيه يافطة.
السائق : مافيش يفط هنا يا ست هانم … كل ما تتعلق يافطة يسرقوها ويبيعوها.

(تهرول أم عنان داخلة إلى المنزل، وتدخل شوشو في ملابس أنيقة، امرأة في الخامسة والعشرين من العمر، رشيقة وجميلة، وخلفها سائق التاكسي.)

السائق : سلامو عليكو يا أستاذ.
عزب : سلام ورحمة الله … نعم.
شوشو (تنظر في ورقة في يدها) : إنت حضرتك القهوجي اللي هنا؟
عزب (مستنكرًا) : قهوجي؟ … باين عليه قهوجي؟
السائق : ما تأخذهاش يا أستاذ، الست غشيمة وأصلها مش من هنا.
عزب : ع العموم حصل خير … إنتِ عاوزة القهوجي في إيه؟
شوشو : أنا بسأل عن واحد اسمه محمد كبارة، إنت مش صاحبه؟
عزب : محمد كبارة … دا ولد جربوع، بيتلقح هنا طول النهار، معرفش راح فين دلوقت.
شوشو : طب مرسيه قوي … الحمد لله اللي لقيته، (للسائق) مرسيه شوفير.
السائق : الأجرة يا ست هانم!
شوشو : أوه … أنا متأسِّفة قوي … ما خدتش بالي انت عاوز كام؟
السائق : سبعين قرش.
شوشو : اتفضل (تفتح الشنطة وتناوله عشرة جنيهات).
السائق : إيه دي … ورقة بعشرة جنيه … ماعندناش فكة، احنا ما استفتحناش.
عزب : خد اتفضل.

(يدخل يده في جيبه ويخرج من كل جيب فكة ونصف جنيه.)

سبعين قرش أهم مع السلامة.

(ينصرف السائق.)

شوشو : مرسيه … إنت جانتيه خالص … اتفضل انت العشرة جنيه فكها وهات الباقي.
عزب : لأ … إنتِ يظهر ما تعرفيش الشعب كويس … أنا عزب الشلشوني أستاذ الفن الشعبي، واللي انتِ عملتيه دا يبقى عيب عندنا يا مدموزيل.
شوشو : أنا مدام شوشو … أنا متأسفة قوي يا أستاذ ما تزعلش مني … أنا أصلي تعبانة ومرهَقة. وأعصابي خسرانة خالص … إنت ما تتصورش أنا تعبت أد إيه لحد ما جيت هنا.
عزب : ليه … إنتِ لفيتي كتير؟
شوشو : لا أبدًا أنا جيت في التاكسي.
عزب (مستهزئًا) : يا شيخة! الله يكون في عونك، طب اتفضلي استریحي (مشيرًا إلى الدكة).
شوشو : ممكن أقعد شوية؟
عزب : ممكن قوي … تقعدي شوية تقعدي كتير على كيفك (ترش الدكة والأرض بالكولونيا وتفرش منديل حريري وتجلس).
شوشو : إنت لطيف خالص.
عزب : متشكر.
أم عنان (تنادي من الداخل) : أستاذ.
شوشو : الست بتاعتك.
عزب : لا …
شوشو : الجيرل فريند؟
عزب : لأ دي … الست أم عنان، مطربة مصر الأولى.
شوشو : أم كلثوم؟
عزب : أم عنان … صحيح … إنتِ لسه ماسمعتيش عنها، لكن بكرة أم عنان حاتبقى أسطورة.
شوشو : بكرة الساعة كام.
أم عنان (من الداخل) : أستاذ!
عزب : أيوة يا أم عنان حاضر، لكن حضرتك جاية ليه الربع. غريبة إن واحدة زي حضرتك تخش الحتة دي.
شوشو : أنا عضوة في جمعية ترقية الفقرا.
عزب : ترقية الفقرا … دي مقرها فين دي؟
شوشو : شارع مظهر بالزمالك.
عزب : عال قوي … ترقية الفقرا بالزمالك!
شوشو : آه واخدين فيلا وعاملين فيها جمعية ترقية الفقرا.
عزب : عظيم قوي … وجاية ترقِّي الفقرا هنا؟
شوشو : في الحقيقة احنا جالنا طلب من واحد اسمه محمد كبارة، فالجمعية اختارتني عشان أقوم بالمهمة دي.
عزب : وحضرتك جاية تديلو فلوس؟
شوشو : لا … إحنا مانديش فلوس أبدًا … الفلوس دي تسوُّل … إحنا مهمتنا زي ما جه في الفقرة الأولى من قانون ترقية الفقرا عن طريق الارتفاع بمستواهم الفكري والوجداني … مأساة الفقرا يا أستاذ نقص التهذيب … انحطاط الأخلاق … خراب القيم.
عزب : بأه كدة.
شوشو : زي ما بقولك والله.
أم عنان (من الداخل) : يا أستاذ.
عزب : أيوه حاضر يا أم عنان. وحضرتك حتهذبي محمد كبارة هنا ولَّا في الزمالك.
شوشو : أنا في الحقيقة مش عارفة.

(تخرج كاملة من منزلها ومعها رمضان القهوجي تنظر كاملة إلى شوشو.)

رمضان : بس اتِّكلي على الله ولا يهمك، والله العظيم دي بيعة نضيفة قوي.
كاملة : دي إيه ياختي دي … عواف يا دلعدي …
شوشو : باردون … تقولي إيه.
كاملة : بقولك عواف يادلعدي!
شوشو : انتِ عاوزة تتدلعي؟
كاملة : أدلع … أدلع أدلع! دا إيه يا ولية يا ناقصة انتِ.
عزب : لا … لا … لا يا ست كاملة … مدام شوشو غريبة مش من هنا ومافهمتش انتِ قولتي إيه، وواجب إكرامها.
كاملة : أنا جيت جنبها؟ … أنا كلمتها؟ … أنا بقولها عواف يادلعدي. تقوم ترد عليا الرد دا! يخلصك انتَ يا عزب أفندي؟!
عزب : معلهش … معلهش … حقك عليَّ.
كاملة : حقك فوق عيني وراسي يا أخويا. لكن اللا حكاية ادلعي دي … أنا أدلع؟ … بأه أنا عاوزة أدلع؟ … والنبي انتِ من دور أمي … آل يعني السفيرة عزيزة! كتك نيلة وانتِ شكلك يغم (تدخل منزلها).
أم عنان : أستاذ.
عزب : أيوة حاضر يا أم عنان. رمضان روح شوف كبارة للست.
رمضان : كبارة دخل جوة كدة مع واحد خواجة.
عزب : طب روح انده له …
رمضان : اشعرفني راح فين … أهو خد الراجل الخواجه ودخل هنا.
عزب : يا واد بقولك روح شوفه.

(ينصرف رمضان وعزب يتفحص ساقيها باهتمام.)

(تدخل أم عنان.)

أم عنان : إيه الحكاية يا أستاذ؟ هو الهوا جه سوا ولَّا إيه؟
عزب : الله … أم عنان … هوا إيه وبتاع إيه … يا شيخة انتِ مش عرفاني كويس ولَّا إيه؟
أم عنان : أمال یعني وقفت كتير معاها!
عزب : فعلًا أنا وقفت معاها. إنما وقفت علشان أدرس، دي نموذج غريب جدًّا يصلح للدراسة، هي دي يا أم عنان م الناس اللى بيسموهم الذوات … والغريب في الأمر ان كل البهايم بيطلقوا عليهم ذوات الأربع.
أم عنان : وجاية تعمل إيه في حتِّتنا يا اخويا؟
عزب : ولية مخبوطة في عقلها، جاية ترقِّي الفقرا وتهذِّب وجدانهم. (ساخرًا) وجدانهم، عشان كدة احنا لازم نخش المعركة، نخشها بقوة الشعب المصري، مش حيرتفع مستواه إلا بالفن الشعبي.
أم عنان : والنبي دي باين عليها بت حرامية.
عزب : لا ما هياش حرامية ولا حاجة. يعني الحتة ما شاء الله يا أم عنان عشان الحرامية حييجوا يسرقوها؟
أم عنان : يمكن فاهمة القبَّة تحتها شيخ.
عزب : ماظنش حد فاهم كدة! يا سلام يا أم عنان! المسرح هنا، الجمهور هنا، وعبد الوهاب وأم كلثوم هنا، وشوشو كمان هنا.
أم عنان : الله! شوشو دي إيه رخرة يا أستاذ؟ البت اللي بتقول منلوجات؟
عزب : لأ … شوشو اللي كانت هنا بنت الذوات.
أم عنان : الله! إيه الحكاية يا أستاذ؟ … دي شوشو دي باين علقت في دماغك أوي!
عزب : ياما نفسي تفهمیني یا أم عنان … أنا راجل ضيعت عمري وثروتي كلها ع الفن الشعبي … أنا عصير تراب الشعب المصري… أنا مزاجي شعبي، بحب الطرشي أبو مية حراقة، وأحب الفجل أبو طينة، وأحبُّ البصارة اللي عليها تقلية، (ينظر لساقها) رجلك دي يا أم عنان بألف واحدة زي شوشو دي.

(تسمع صوت ضجة من الخارج عربات وهمهمات وأصوات مختلطة.)

أم عنان : جالك كلامي يا أستاذ.
عزب : إيه … مش فاهم حاجة.
أم عنان : مش قلت لك إنها حرامية وجايبة معاها ذوات أهم ومعاهم عربيات.
عزب (يرهف السمع) : تعرفي يا أم عنان … أحلى حاجة فيكي أنك إنسانة ساذجة بريئة جاهلة، وأنا بحبك عشان كدة.

(يرتفع الصوت من خارج المسرح.)

الصوت : انزل يا عسكري أنت وهو … مجموعة تخش معايا الحتة وبقية العساكر يستنوا هنا … اللي مش حينزل حنرمي عفشه في الشارع.
عزب : دا البوليس يا أم عنان.
أم عنان : بوليس … یا خبر أسود يا أستاذ.
عزب : أروح أشوف إيه الحكاية.
أم عنان : لا والنبي ما أنت منقول من هنا، إن شا الله يا رب يدردكوها.

(يدخل رضوان ورمضان إلى المسرح.)

رضوان : يعني ليِّنت مخها؟!
رمضان : آخر تليين يا معلمي … دي ساحت في إيدي زي الغبارة.
رضوان : یعني وافقت؟
رمضان : أمال … ما ترفضليش طلب واللي خلقك.
رضوان : يبقى حنشتري؟
رمضان : إن شاء الله حنشتري.
عزب : ده يظهر البوليس جاي يعزِّل الناس بالقوة.
رضوان : يعزل الناس بالقوة؟ … طب عليَّ الطلاق بالتلاتة أنا قتيل الحتة النهاردة.
عزب : على كلِّ حالٍ التفاهُم أحسن في الحالات دي یا معلم.
رضوان : مافيش تفاهم فيه كفاح … أنا كنت عند البيه مدير الأمن، وقال لي هنبحث الأمر وعبارة هنبحث الأمر الخالق الناطق زي عبارة البحث جاري.
عزب : طيب سيبني أتفاهم أنا معاهم.
رضوان : مافيش حاجة اسمها تفاهم … دي عالم تخاف ما تختشيش. (صارخًا) عليَّ الطلاق لمصوِّر قتيل النهاردة بعد كدة.

(يأتي جمع من الناس على صراخه.)

أصوات : إيه الحكاية … إيه الحكاية؟
رضوان : البوليس جاي يهد الحتة.
رمضان : يهد الحتة إزاي؟ … إحنا نهد اللي يهد طوبة.
عزب : برضه أنا ما زلت مُصِر إن احنا نتفاهَم معاهم.
أم عنان : تتفاهم مع مين؟ إحنا مالنا يا أستاذ … هو انت زي دُول؟ دُول صيَّاع.

(تجرُّه من ملابسه بينما عزب يصيح.)

عزب : سيبيني يا أم عنان. سيبيني يا أم عنان.

(تدخله المنزل بالقوة.)

(يخرجان من اليمين.)

رضوان : مافيش تفاهم … أنا قتيل الحتة الليلادي.
أصوات : كلنا معاك يا معلم.

(يدخل المأمور على رأس قوة من العساكر.)

المأمور : واقف ليه يا جدع أنت وهو … ممنوع التجمهر هنا … كل واحد يروح يشوف شغله.
رضوان : مالناش شُغلة ولا مشغلة، إحنا عاملین جبهة احنا، ومعانا منشورات وحنوزعها سرًّا.
المأمور : إيه اللي بتقوله يا جدع انت؟ … جرجره یا عسكري!
رضوان : هو مين دا اللي يجرجرني؟ إوعى.

(يندفع العساكر نحو الجمع ويتشابَكُون، وتحدُث معركة بينما تنزل الستار.)

(ستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤