الفصل الثاني

المنظر

نفس المنظر السابق، وشوشو تجلس على مقعد من مقاعد البلاج. وكبارة يجلس على الدكة في جلبابٍ أبيض نظيف وطاقية من نفس لون ونوع قماش الجلباب.

  • الوقت: ظهرًا.
  • التاريخ: يونيو ١٩٥٢م.

***

شوشو : ياي ع الحر … مافيش بحر هنا يا كبارة.
كبارة : فيه نشع جوة هنا هه.
شوشو : نشع … أنا أول مرة أسمع إن فيه بحر اسمه النشع … فيه بحر أبيض بحر احمر … بحر اسود … عمري ما سمعت إن فيه بحر اسمه نشع.
كبارة : لا فيه عندنا احنا جوة.
شوشو : وفيه بلاج.
كبارة : آه كله ببلاش.
شوشو : يا خسارة … ما جبتش المايوه بتاعي ياي على الحر. قوللي بإن انت مؤهلاتك إيه؟
كبارة : أنا ما تأهلتش من غير مؤاخذة، أنا أصلى بعيد عنك محكوم عليَّ ما تأهلش.

(شوشو تُدوِّن هذه المعلومات في ورقة معها.)

شوشو : مين حكم عليك … قاضي الأحداث؟
كبارة : اللي حكم عليَّ من غير مؤاخذة سِتْ جِنيَّة من تحت الأرض كنت مخاويها، ست طيبة قوي زي حضرتك كدة.
شوشو : جِنيَّة؟!
كبارة : آه ماتخافيش، دول ناس طيبين قوي زي حضرتك تمام.
شوشو : يعني إيه مخاويها يا كبارة؟
كبارة : كنا عايشين سوا من غير مؤاخَذة … كانت تطلعلي هنا كل يوم خميس تجيبلي كل طلباتي … سجاير سوبر تجيبلي، عيش فينو تجيبلي، جبنة اسطنبولي م اللي قلبك يحبها تجیبلي، وطرشي كمان.
شوشو : تجيبها منين … تشتري.
كبارة : لا تشترى إيه؟ … دول ما يظهروش علی بني آدم غير اللي يحبوه.
شوشو : أمال تجيب الحاجات دي إزاي … تعمل سحر.
كبارة : ولا سحر ولا حاجة … بأه أصل الست الجنيَّة دي كانت أمها جنيَّة وأبوها خواجة جريجي، وكان مخاوي أمها زي عبارتي أنا وهي كدة، وبعدين نزل معاها تحت واستقام وفتح سوبر ماركت.
شوشو (بفزع) : فتح سوبر ماركت … تحت الأرض؟
كبارة : آه.
شوشو : ويبيع لمين يا كبارة.
كبارة : للجنيات … ما هو فيه تحت كافة شيء زي فوق بالظبط … سجاير سوبر تلاقي تحت … جوافة تلاقي … بلح أمهات تلاقي … ترميات كمان تلاقي، حاكم أنا نزلت تحت وشفت كتير أوي.
شوشو : إنت نزلت تحت معاها؟
كبارة : كتير … ما هي كانت تجيلي هنا كل يوم خميس نقعد مع بعض شوية هنا وناخد بعض وننزل تحت.
شوشو : وتقعدوا فين تحت يا كبارة؟
كبارة : في بيتهم … ما هم مأجرين تحت مطرحين وفَسَحة ومنافعهم كمان … حاكم ناس مقتدرين قوي.
شوشو : وكنت بتنام تحت يا كبارة؟
كبارة : أمال.
شوشو : وكانت بتجبلك هدوم؟
كبارة : ما كدبش عليك … هي كانت بتجيبلي كل حاجة من مجاميعه … سكر سنترفيش، سجاير لوكس … لكن هدوم لا … عشان معندهمش تحت مانیفاتورة … حاكم هما كلهم عريانين ملط … عشان الجو تحت الأرض سخن زي الفرن.

(تُلقي بالقلم والورق.)

شوشو : ولسة الست دي بتطلع لحد دلوقتي هنا؟
كبارة : يا ريت … ما هي زعلت معايا من زمان ومابقتش تطلع، وحكمت عليَّ ما تأهلش.
شوشو : طب اسمع يا كبارة … أنا عاوزة منك حاجة.
كبارة : خدامك يا ست. إن كنتِ عاوزة تخاويني أنا ما عندیش مانع.
شوشو : لا يا كبارة انت حالة.
كبارة : ده أنا حالي بأه وِحِش قوي یا ست هانم.
شوشو : ماعرفش إذا كان وِحِش ولا كويس. بقولك انت حالة، وانت بالنسبة لي أول حالة بدرسْها، وعليك يتوقف نجاح الجمعية بتاعتنا في رفع مستوى الفقرا.
كبارة : لكن أنا مش حاسس إن انا حالة ولا أي حاجة.
شوشو : أنا حاعمل بروجرام إذا نفِّذته حندي المثل على إن الفقرا ممكن يترقُّوا وممكن يبقو بني آدم …
البروجرام … موسيقى كلاسيك لمدة شهر، وبعدين دروس خصوصية في اللغات لمدة شهر، وحنبدأ دلوقت بالموسيقى، أنا جبتلك الريكورد مخصوص أهو، حا أسمعك مزيكة كلاسيك يا كبارة.
كبارة : طب والنبي تسمعيني حاجة كدة للست أم عنان، حاكم دي عليها جعورة بس لفندي أبو كنبوش دا واكل فلوسها خالص، أصله بيشتغل في الفونكفور.
شوشو : لفندي مين … الأستاذ عزب؟
كبارة : هو بعينه.
شوشو : قلت بيشتغل فين؟
كبارة : في الفونكفور.
شوشو : إيه الفونفكور دا؟
كبارة : حاجة كدة زي الدورارات.
شوشو : طب تحب تسمع إيه بأة؟
كبارة : أحب اسمع يا ليل يا ابو الغلابة يا ليل … ولَّا أقولك سمعيني إلَهي ما تحوجني لاخويا ابن أمي وأبويا.
شوشو : إيه الكلام البلدي دا؟ أنا حاسمعك موسيقى كلاسيك.
كبارة : طب هاتي سيجارة.
شوشو : لا مش هاديك سجاير … ميت مرة قلت لك لازم تراعي صحتك.
كبارة : وهيه فين صحتي دي اللي حراعيها؟ … هو عاد فيه صحة يا ست هانم؟ دا انا انحنيت زي بيوت الربع.
شوشو : اتفضل خد السيجارة أهه.
كبارة : كتر ألف خيرك … أولعها بأه وبعدين قولي اللي انتِ عايزة تقوليه.

(يُشعل السيجارة ويجلس على الأرض.)

(يدخل بيت كاملة ثم يعود ومعة الصفيحة ويجلس عليها.)

شوشو : والمعلم رضوان دا ما فيش أخبار عنه؟
كبارة : المعلم رضوان … الله يمسِّيه بالخير بأه … زمانه مرمي في الحجز بتاع القسم … دا كَل ضرب يا عالم … یا خلق الله.
شوشو : انت بتحبه يا كبارة؟
كبارة : أنا بيني وبينك لا بحب ولا بكره. أهي عالم بتوْرِد ع الواحد.
شوشو : مسكين يا كبارة … إحساسك دا نتيجة البيئة … البيئة والوراثة أهم العوامل في تكوين الشخصية.
كبارة : هو فعلًا شخصية حلوة أوي.
شوشو : شوف يا كبارة … انت ينقصك حاجة واحدة بس عشان تبقى راجل غني وناجح.
كبارة : عندك حق … أنا فعلًا ناقصني قرشين وابقى غني وناجح.
شوشو : لا، انت ينقصك الشجاعة … مأساة الفقرا هي الجُبن، ما عندهمش الحافز علشان يغتنو، الواحد اللي عاوز يغتني يا كبارة يغتني، لكن انت ما عندكش الرغبة ولا الحافز الأغنيا بقوا أغنيا إزاي؟ الناس اللي نجحوا نجحوا إزاي؟ … بسلاح واحد بس هو الشجاعة … الشجاعة هي راس مال الحياة يا كبارة.
كبارة : مين قالك كدة؟ … طب دا الواد بكر كان شجِّيع الحتة دي كلها … وحياتك مات شحات مش لاقي يهرش … أنا عشان ابقى غني ومبسوط قوي لايميني على كام باكو.
شوشو : لأ مش مظبوط يا كبارة … الشجاعة تصنع الفلوس تصنع النجاح وبعدين الفلوس.

(كاملة تنادي: يا كبارة.)

شوشو : الجِنيَّة طلعت.
كبارة : يا ريتها تطلع … إحنا لاقيين؟ يا ريت أيامها ترجع تاني.
شوشو : كبارة أنا خايفة.

(يرتفع صوتها دون أن تظهر على المسرح.)

كاملة : ما حدش خدها غير المنيل كبارة.

(تخرج من باب بيتها فتُشاهد شوشو في أحضان كبارة.)

كاملة : إنت ياللي تتنيِّل على عنيك.
كبارة : عاوزة إيه مني؟
كاملة : لازم فوق الصفيحة يا منيل … هات الصفيحة.
كبارة : الصفيحة بتاعتي.
كاملة : والنبي إنْ ما قمت لمطيِّنة عيشتك. فز قوم إن شا الله تُرماي ياكلك ما يخلي فيك حاجة (تدفعه فيسقط هو وشوشو … يتشبَّث كبارة بملابسها).
كبارة : انتِ بتزقِّيني … طب والله ما أنا سايبك.

(شوشو مُنكمشة على الأرض مذعورة.)

شوشو : هيه دي العفريتة يا كبارة؟
كاملة : عفريتة؟ … إن شا الله ستِّين عفريت يركبوكي … انتِ … يا ولية انتِ الدنيا ضاقت عليكي مش لاقية غير كبارة؟
شوشو (في خوف شديد) : هو أصله قدم طلب.
كاملة : الشر برة وبعيد … هية الحاجات دي كمان بقت بطلب وكمان فوق الصفيحة؟
كبارة : الصفيحة دي بتاعتي.
كاملة : سيب هدومي ياللي تِنقرص في بطنك … حتسيب ولَّا لأ؟

(تنهال عليه ضربًا، وتُصيب الضربات شوشو فتصرخ مستغيثة … يدخل في هذه اللحظة الأستاذ جلال الصحفي ومعه عدد من المجلة.)

جلال : إيه الخوتة دي … سيب يا جدع انت … إوعي يا ولية انتِ.
كاملة : الصفيحة بتاعتي يا بني …. نجِّسوها اللي يتقرِصوا.

(جلال يقذف بالصفيحة بقدمِه نحو الحائط.)

جلال : خدي الصفيحة أهه.
شوشو (تجلس على الدكة مذعورة) : … دكتور أرجوك.
جلال : دكتور إيه وبتاع إيه دلوقت؟ (يفتح الجريدة) الحملة بتاعتنا نجحت، تقرر الإفراج عن المعلم رضوان وإرجاء الهدم شهرًا كاملًا، يعني عندنا مُهلة ﻟ ٦ أكتوبر.
كبارة : الصفيحة بتاعتي يا أفندي.
جلال : إحنا في إيه وانتو في إيه … إحنا بنحارب عشان الحي كله وانتو بتَتصارعوا عشان صفيحة؟!
كبارة : أنا متصارعتش … هيه اللي رقعتني بالقلم على قفايا.
كاملة : مافيش هد يا ابني؟
جلال : لا مافيش، والمعلم رضوان جاي دلوقت حالًا.
كاملة : صحیح یا بني؟
جلال : زي ما بقولك كدة.
كاملة (تزغرد) : المعلم رضوان طالع يا ناس، أنا مش قولتلكوا؟ ومش هيهدوا سي حمدي القمندان قاللي مش هيهدوا.

(تزغرد مرة أخرى.)

(يهرع الناس من داخل الحي على صوت الزغرودة، ويحضر بينهم الدكتور عزيز.)

عزيز : مورننج.
جلال : أهلًا، شوفت الانتصار العظيم؟ تقرر الإفراج عن المعلم رضوان وإرجاء هدم الحي.
عزیز : برافوا، اتناقشتوا في البرلمان؟
جلال : ما تناقشناش … ما فيش حاجة في البرلمان. برلمان إیه وبتاع إيه؟ … دي الحملة بتاع الجريدة.
عزیز : طب كويس … برضه كويس … الصحافة هي السلطة الرابعة.
جلال : لأ … هيه السلطة الأولى في الحقيقة.
عزیز : على كل حال دي وجهات نظر. التشريع الفرنسي بيقول إنها السلطة الرابعة. في بعض البلاد مالهاش أي سلطة. في القرون الوسطى ما كنش للصحافة أي سلطة. كان مفروض عليها رقابة شديدة جدًّا، الصحافة بدأت تنتعش في مطلع القرن العشرين … أنا لسة إمبارح قارئ كتاب ضخم جدًّا عن الصحافة … اسمه …
جلال : مش دة المهم … المهم إن احنا انتصرنا يا دكتور.
شوشو : دكتور؟
عزیز : نعم.
شوشو : من فضلك … أنا مش قادرة أخذ نفسي.
عزيز : أنا آسف يا هانم … أنا مش دكتور بتاع أمراض، أنا دكتور في الآثار.
شوشو : أنا آسفة جدًّا.
عزیز : لا معلهش.
كبارة : إيه الأثرات دي يا دكتور؟
جلال : مانتش عارف الأثرات؟ … اللي زي أبو الهول والأهرام والحاجات دي.
كبارة : وهية الحاجات دي بتعيا رخرة؟

(يدخل الأستاذ عزب إلى المسرح يحمل لفائف كثيرة فيها أطعمة وأشياء أخرى.)

جلال : أهلًا وسهلًا أستاذ عزب … تعرف الدكتور عزيز ولَّا لأ؟
عزب (ينحني للدكتور) : تشرفنا يا أفندم.
عزیز (يمد يده ويُصافح عزب) : أنا شوفتك قبل كدة فين مش عارف؟
عزب : لازم في فرح … في قهوة بلدي … أنا حاكم لفِّيت الريف قرية قرية، ولفِّيت المدن حارة حارة ماخلتش، أنا عزب الشنشلموني. خبير في الفنون الشعبية.
عزیز : لا. أنا ما أروحش حتة زي دي. أنا يمكن شوفتك في لندن.
عزب : لا أنا ما رحتش لندن.
عزيز : في جلاسجو يمكن؟
عزب : لا … أنا ما خرجتش من مصر أبدًا.
عزیز : إزاي؟ أمال تعلمت الفن الشعبي فين؟
عزب : هو علشان اتعلم الفن الشعبي يا دكتور لازم أروح لندن؟
عزيز : بالتأكيد … أوروبا فيها جامعات للفن الشعبي.
عزب : وهنا كمان يا دكتور. أقدم جامعة للفن الشعبي.
عزيز : إيه عملوا جامعة للفن الشعبي هنا … موجودة هنا؟
عزب : من مليون سنة يا دكتور، من التراب اللي ماشي عليه دا … العشش اللي انت شايفها دي … هية دي جامعة الفن الشعبي … والناس الغلابة اللي انت شايفهم هنا، هم دول أساتذة الفن الشعبي.
عزيز : دا كلام مش مظبوط … الجو دا ممكن يديك التجربة، لكن الثقافة لأ.
عزب : ما هي دي مأساة الشعب المصري يا دكتور. المثقفون بتوعه مش مؤمنين بيه. فاهمين ان أوروبا منبع الحضارة.
عزيز : هية فعلًا كدة.
عزب : مش صحيح، منبع الحضارة الأرض دي، أستاذ العالَم، الراجل الحافي اللي عايش هنا. قد إيه أنا مؤمن بقدرات الشعب دا. خد مثلًا مأساة الربع اللي احنا فيه دا، إزاي حتنحل؟ ولو سمحتلي أجاوب أنا على السؤال، اللي هيحل مأساة الربع الفن الشعبي، أنا بعمل ملحمة أسميها الربع الخالي …
جلال : الربع مالوش مأساة يا أستاذ عزب … المسائل انفرجت كلها.
عزب : إيه … حصل إيه؟
جلال : تقرر الإفراج عن المعلم رضوان وإرجاء الهدم.
عزب : كدة … كويس قوي … ومع ذلك أنا برضه هعمل ملحمة الربع الخالي … ما تتفضلوا معانا …
جلال : متشكر.
عزب : اتفضل يا دكتور، احنا عندنا النهاردة فتة ولحمة راس هتعجبك قوي.
عزيز : متشكر … أنا عامل رجيم.
عزب (يتوقف عزب عندما يُفاجأ بشوشو مُمددة على الدكة) : الله! ست هانم خير … فيه إيه؟
شوشو : أستاذ عزب … أنا تعبانة.
عزب : لأ سلامتك، حاسة بإيه؟
شوشو : دايخة … مش قادرة أخد نفَسي وبطني بتوجعني.
عزب : بسيطة خالص … خديلك شوية كمون.
شوشو : إيه كمون دي؟
عزب : دا طب شعبي … سبيكي من البنسلين والكلام الفارغ بتاع اليومين دول … دا اسمه الدجل الطبي، الطب الحقيقي في الأعشاب.
عزب : على كلٍّ لو تكرمتِ اتفضلي معايا.
شوشو : مش قادرة أقوم.
عزب : مش قادرة تقومي؟ … طيب أساعدك أنا.

(يلفُّ يده حول خصرها ويساعدها على الحركة، يضطرب جدًّا عزب كلَّما يلتصق بالمرأة وينظر إليها نظرات ذات معنی، ويدخلان إلى البيت وخلفهما كبارة.)

عزيز : (جالسًا على الكرسي واضعًا ساقًا على ساق) بيتارف - بتاح، على جثتي.
جلال : بس انت متأكد إنه بيت رف-بتاح يا دكتور؟
عزیز : طبعًا متأكِّد.
جلال : بس هنا نشر الخبر دا هيعمل هزة.
عزيز : أنا بقالي عشرين سنة بدرس تاریخ یا أستاذ … أنا العالِم الوحيد التكنولوجي المعتمَد في الشرق الأوسط … أما أقول دا بیت رف بتاح يبقى بيت رف بتاح … النقوش اللي عليه مش ممكن تكذب أبدًا.
جلال : يبقى كويس يا دكتور لو قدرت تقنع الحكومة بعدم هدم البيت دا.
عزيز : لو اتلمِّت كل أساطيل الأرض علشان تهده … مش هتقدر، أنا هاثير الرأي العام العالمي كله، أنا هستنجد بالأمم المتحدة … باليونسكو … لو اتهدت مصر كلها مش ممكن يتهد بيت رف بتاح.
رمضان (قادمًا من الخارج يجري) : المعلم رضوان طلع.
جلال (مبتهجًا) : صحيح يا واد يا رمضان؟!
رمضان : أيوة والنبي يا أفندم … الزينة بتاعته سدة الشارع برة، والمزيكة وطبل بلدي … حاجات إيه … هنرقص النهاردة آخر رقص.

(تُسمع المزيكة والطبل، ويدخل كثير من الرجال إلى الساحة تتقدمهم المزيكة … المعلم رضوان لحيته نابتة ويبدو عليه أثر السجن.)

جلال (يحتضن المعلم ويقبله) : ألف مبروك يا معلم رضوان ألف مبروك!
رضوان : تشكر … إزيك يا دكتور (يصافح الدكتور).
كاملة : هيهدوا … هيهدوا يا معلم رضوان؟
رضوان : مين دا اللي هيهد … اللي يهد هنهد حيله.
كاملة : يسمع منك ربنا … ربنا ع القوي.
رضوان (لأفراد المزيكة) : اتوكلوا على الله بقى، كل حي يروح على شغله … عايزين نقعد شوية في رواقة، يا سلام كل دا من قرِّ العالَم واللي خلق الخلق.

(ينصرف أفراد المزيكة وباقي الناس، ويبقى المعلم رضوان وجلال، ينزل كبارة من بيت أم عنان ويجلس أمامهم على الأرض بعد أن يُصافح المعلم رضوان ويعانقه.)

رضوان : يا سلام … الحمد لله اللي جت على كدة.
جلال : إنت قدها وقدود یا معلم … الحمد لله اللي ربنا كلِّل جهودنا وكفاحنا بالنصر.
رضوان : شوف أنا عشت أد إيه يا أستاذ، عمري ما شوفت اللي جری لي في التلاتين نهار دول.
عزيز : إنت قعدت أد إيه في السجن؟
رضوان : تلاتين نهار يا دكتور.
عزيز : أمال بالليل كنت بتروح فين.
رضوان (يضحك) : كنت بروح الأكندة.
عزيز : لوكاندة نضيفة … فين؟ شبرد ولَّا مينا هاوس؟
رضوان : لا وانت الصادق … شبرد.
عزيز : شبرد مش بطال … بس الأكل بتاع سميراميس أحسن.
رضوان : لأ … لا متعتلش هم … الحمد لله كلنا هنا أجوازًا وأفرادًا.
جلال : إنما شفت نتيجة الحملة بتاعتنا بقى يا معلم رضوان؟!
رضوان : حملة إيه يا أستاذ جلال؟ الحملة اللي بحق وحقیق جت فوق دماغي أنا، ع العموم محدش خلَّص الموضوع غير الراجل البيه مدير الأمن … هو اللي خلص الموضوع.
عزيز : إيه قابلته في السجن؟
رضوان : لأ … قابلته قبل السجن يا دكتور، وقالها كلمة وهيَ حكمة واللي خلقك، بعد ما شرحنا له أحوالنا، تعرف يا محترم، إنجعص على الكرسي كدة … وقال هنبحث الأمر، دي يعني إيه؟ … الخالق الناطق البحث جاري، لكن دي لغة میري ما تعرفهاش!
عزيز : وكنت مبسوط في السجن؟
رضوان : قوي … آخر انبساط.
عزيز : عملت اجتماعات مع أحد المسئولين؟
رضوان : كل يوم اجتماعات على ودنه.
عزيز : قابلت مين فيهم؟
رضوان : عم عبده.
عزيز : عبده مين دا؟
رضوان : شاويش الحجز … إیده واللي خلقك ولا المرزبة.
عزيز : واتناقشتوا سوا؟
رضوان : اتناقشنا؟
عزيز : مناقشة … مناقشة … كلام.
رضوان : لا وحياتك يا دكتور … إحنا اتناقشنا صحيح … بس من غیر کلام … ساعات بالبواني، ساعات بالروسية، ساعات بالجزم … جزم میري م اللي قلبك يحبها.
عزيز : إيه، حصل ضرب؟
رضوان : هو ضرب بعقل يا دكتور!
عزيز : الحكومة هي اللي بتضرب؟
لكن دا ضد وثيقة حقوق الإنسان … ارفع قضية يا معلم.
رضوان : على مين؟
عزيز : على اللي كان بيضْرب.
رضوان : وأنا عارف مين اللي كان بيضرب … ييجي ألف واحد كان بيضرب!
عزيز : إنت من حقك ترفع قضية … هایبوس کرويس في صفك.
رضوان : هلبييوس مرقص مين؟ … الأفندي ظابط المباحث؟
عزيز : مباحث مین وبتاع مين؟ … هایبوس کرویس قانون روماني قدیم … معناه إبرز الجثة.
رضوان : يا راجل وحد الله … بلا مرقص ولا كوهين … عليَّ الطلاق ما فيه فايدة يا دكتور.
جلال : لا، أنت غلطان يا معلم … اللي حصل دا نتيجة صراع طبقي عنيف … اللي حصل لك دا … مش مسألة فردية … دي مسألة اجتماعية … اللي حصلك دا معناه ببساطة … إن فيه ضغط من الشعب على الأجهزة الحاكمة.
رضوان : هو فين الضغط دا يا خويا؟ … الضغط كله كان فوق رقبتي … القلم كان بيسكع فوق قفايا يسمَّع … أنا المعلم رضوان اللي زي الوحش، كان بيضربني عسكري أصفر غلبان لو تنفخة يطير وماكنتش أقدر أتكلم، تقولي ضغط؟ … دنا اللي جالي ضغط واللي خلقك.
جلال : بس الخوف الوحيد على المعركة هو اليأس … العنف يا معلم رضوان … والثورة الدامية هما الوسيلة الوحيدة للإصلاح، دا كلام قالوه اللي قبلنا.
عزيز : لأ يا أستاذ جلال … الديمقراطية هي الحل.
جلال : الديمقراطية عمرها ما كانت حل يا دكتور … الديمقراطية أعلنت إفلاسها من زمان.
عزیز : بكرة تعرف إنك مخطئ يا أستاذ لما تشوفني إزاي هعالج مشكلة بيت رف - بتاح.
جلال : وحياتك انت لو اكتفيت بالمناقشة يا دكتور هيهدوه.
عزيز : بيت رف-بتاح مش هينهد إلا على جثتي.
رضوان : إیه العبارة ما تفهِّموني.
جلال : الدكتور عزيز اكتشف بيت أثري في الحتة هنا.
رضوان : بيت مين دا يا اخويا؟
عزيز : بيت رف-بتاح.
رضوان : عبد الفتاح دا مين؟ … إن اياك عبد الفتاح الكمساري؟ والله يا دكتور لو هدوا هیهدوا كل البيوت.
عزیز : بيت رف-بتاح مش هيهدوه.
رضوان : ليه يعني … على راسه ريشة؟ … هيهدوه يعني هيهدوه … ولو اتلامض هييجو يجرُّوه وينضرب ألف قلم!
جلال : رع-بتاح راجل قدیم، دا مات من تلت تلاف سنة.
رضوان : برضه يجرجروه.
جلال : إنت إيه جرالك يا معلم؟ … إنت ماكنتش كدة!
رضوان : مافيش حاجة بتفضل على حالها يا أستاذ … كل شيء بيتغير الحديد بينبري … والحكومة جامدة قوي … يا خبر أسود على اللي شفته يا جدعان!

(ينهض وينهض معه عزيز وجلال.)

جلال : على فين يا معلم؟
رضوان : على بيتنا.
عزیز : طب عن إذنكم.
جلال : على فين يا دكتور؟
عزيز : أنا رايح أقابل المسئول وأقدم له تقرير عن الاكتشاف الأثري الهام والمستندات … وأخليه يستصدر قرار وزاري بعدم الهدم.
جلال : على العموم ربنا يوفقك يا دكتور، وأنا هنشر الخبر منشت.
عزيز : باي.
جلال : مع السلامة (ينصرف عزيز)، ما قلتليش بقى يا معلم، هنعمل إيه؟
رضوان : ولا حاجة … على رأي المثل، من خرج من داره اتقل مقداره، وأنا صاحب عیال، متجوز تلات نسوان وكفاية البهدلة اللي شفناها.
جلال : لكن دا عيب يا معلم … دا انت فتوة الحي، إنت لسان حال الناس دول.
رضوان : اللسان دا أنا هاقطعه من لغلوغه.
جلال : بس دا موقف فكري … هيُحسب عليك.
رضوان : فكري مين يا با؟! يروح سي فكري يطوِّل لسانه ويشوف إيه ح يجراله، أمال عايزني أعمل إيه … انسجن تاني إياك؟!
جلال : وفيها إيه لما ننسجن يعني؟ … إحنا نشرنا صورتك على أربع أعمدة في الصفحة الأولى، واسمك احتل أكبر مانشت في الجريدة.
رضوان : يا فرحتي يا خويا … آدي انت سوَّقت الجرنال بتاعك على حسِّي واسترزقت، ما جبتليش كيلو عنب في السجن!
ماجبتليش علبة هليوود، ما وصتش واحد ظابظ صاحبك يخفِّف السكع على قفايا شوية.
جلال : بالعكس … إحنا كان من مصلحتنا إن اللي حصلك دا يحصل أكثر منه، مش هاننتصر يا معلِّم إلا إذا اتعلمنا الكُره … لازم نتعلم الحقد، شدة العدل تنبثق من شدة الظلم.
رضوان : عليَّ الطلاق مانا مكافح … يا عم بلا كفاح بلا نيلة … إحنا نكافح على أكل عيشنا وبس.
جلال : بس دا تخاذُل منك وموقف مخزي، وارتماء في أحضان الرأسمالية والإقطاع وتسليم الطبقة الرجعية.
رضوان : زي بعضه، إنما وحياتك لعزِّل دلوقت، سلامو عليكو يا أستاذ، يا خبر أسود على اللي حصللي يا جدعان! يا خبر اسود على اللي شفته يا جدعان.

(ينصرف المعلم رضوان حزينًا مهمومًا بطيء الخُطی، وينظر إليه جلال حتى يختفي عن أنظاره … ثم ينظر نحو كبارة الذي يكون جالسًا مكانه لا يتحرَّك ويتقدم إليه ويقول.)

جلال : شوفت الموقف الاستاتك دا.
كبارة : مافيش موقف تاكس هنا أبدًا. تمشي أفرنجي کدة على رجليك يا أستاذ.
جلال : تاكسي إيه وبتاع إيه انت راخر یا راجل يا جاهل؟ بقولك موقف استاتیكي … مش دینامیكي.
کبارة : أنا لا أعرف ميكانيكي ولا أعرف كهربائي. أنا قاعد في حالي يا خويا مستني الست شوشو لما تنزل … أصل أنا حالة.
جلال (ساخرًا) : دا أنت حالة فعلًا … إتفو.

(ينصرف جلال وتدخل شوشو وعزب إلى المسرح.)

شوشو : مرسي قوي يا أستاذ … إنت جانتيه قوي.
عزب : بالعكس … دنا اللي شاكر فضلك.
شوشو : على إيه … أنا عملت إيه!
عزب : على اللحظات العظيمة اللي انتِ ادتيها لي … أنا من عشر سنين يا مدام شوشو ما هتزتش عصبيًّا زي اليوم دا.
شوشو : انت بتبالغ يا أستاذ.
عزب : لا وحياتك … أنا لا أبالغ، من عشر سنين وأنا بلِف زي الوابور من قرية لقرية ومن بلد لبلد ومن حارة لحارة … من سوق لقهوة بلدي لفرح في حي شعبي، كل دا في سبیل الفن … النهاردة بس رجعت لنفسي.
شوشو : على العموم أنا مبسوطة جدًّا اللي عرفتك يا أستاذ، ولو تنازلت تبقى انت عِنيَّة اللي ببص بيها للفقرا، أنا عمري ما فهمت الفقرا زي النهاردة، دا انت معجزة.
عزب : الأمر مش مُعجزة ولا حاجة … المسألة بسيطة للغاية یا مدام الحب هو مفتاح الفهم … والفهم هو مفتاح الحقيقة.
شوشو : انت بتعرف في الحب كمان يا أستاذ.
عزب : أنا بحب الشَّعب.
شوشو : طبعًا منا كمان بحب الشعب.
عزب : أيوة صحيح … بس مش حب أصيل.
شوشو : یعني تفتكر مش هفهم الشعب أبدًا يا أستاذ؟
عزب : بالعكس المسألة عاوزة شوية تدريب.
شوشو : طب إيه رأيك تبقى انت المدرب بتاعي؟
عزب : لي الشرف.
شوشو : يعني اتفقنا؟
عزب : اعتبري الاتِّفاق نافذ المفعول من اللحظة دي.
شوشو : طيب خلاص انت معاك العنوان … وعلى فكرة أنا كمان ليَ مدرب في الكروكيه … كان واد فعور أورييفوار يا أستاذ.

(تهم بالانصراف.)

عزب : مع السلامة.
كبارة : إنتِ يا ست.
شوشو : إيه يا كبارة؟
كبارة : إحنا مش هندرس ولَّا إيه.
شوشو : لأ یا كبارة … أنا تعبت خالص النهاردة.
كبارة : تعبتي … الله يكون في عونك… طب والبتاع دا اللي بیعزك.

(مشيرًا إلى الكاست.)

شوشو : آه … آه … ادِّيه للأستاذ عزب.
عزب : كاسيت … يا سلام … أهو انتِ حقَّقتِ حلم قديم من أحلامي، بالكاسيت دا هسجل ثروة فنية من الفن الشعبي.
شوشو : كدة … خلاص خليه هدية.
عزب : لأ مش ممكن … اسمحيلي ما أقبلوش.
شوشو : لأ … أرجوك تقبله يا أستاذ … دا مش هدية مني لك … دا هدية مني للشعب.
عزب : إذا كان كدة معلهش.

(تنصرف ويتناول عزب الكاسيت ويتفحَّصه.)

عزب (محدثًا نفسه) : یا سلام … بتاع ميتين جنيه (يُنادي) يا واد يا كبارة.
کبارة : عاوز إيه؟
عزب : خد يا وله … خد دا عشانك.
كبارة : إيه دا … یا أستاذ؟
عزب : ربع جنيه يا وله.
كبارة : ربنا يخليك لنا.
عزب : بس اسمع يا وله … ما تجبش سيرة لأم عنان.
کبارة : عشان البتاع الهباب دا يعني؟
عزب : لأ يا وله … عشان مدام شوشو يعني … ماتقولش إنِ احنا طلعنا فوق.
كبارة : هو انتو طلعتوا فوق يا أستاذ؟
عزب : عفارم عليك يا واد يا كبارة … خد ربع جنيه تاني أهه.
اسمع يا وله، إذا جت الست أم عنان وانت قاعد … قوللها الأستاذ جه وانتظرك كتير … وراح مشوار لحد البيه مدير الإذاعة عشان يعمل العقد.
كبارة : حاضر يا أستاذ.

(ينصرف عزب ومعه الكاسيت وكبارة ينظر في النقود مبتهجًا، يدخل أبو سريع شديد الاضطراب.)

أبو سريع : قرب … قرب!
كبارة : أبو سريع … أبو سريع … ما عرفتش؟ المعلم رضوان هيمشي!
أبو سريع : هيمشي على فين؟
كبارة : معزل من الحتة.
أبو سريع : والله الحتة حتخرب من غيره.
کبارة : ما تخرب یا خویا … يا رب الدنيا كلها تخرب.
أبو سريع : ما انت شحات … قلبك على إيه؟
كبارة : يعني انت اللي ما شاء الله قوي … ما انت سارح طول النهار في الشارع بالتلات ورقات.
أبو سريع : بس يا ريتها تدوم يا واد يا كبارة … أهو الراجل الخواجة المجنون بتاع الأثرات جه يطربقها على دماغنا.
كبارة : ليه يا خويا؟ … دي حتى الفسقية اللي انتو قاعدين فيها مش هتنهد.
أبو سريع : ما هي مش هتنهد صحيح … لكن الراجل المجنون هيحوطها بسلك وهيجيب عساکر تقف عليها … قال إيه … أثرات!
كبارة : آه بيقول أنه لقى عندكم حجر منقوش.
أبو سريع : منقوش إيه الراجل المجنون دا؟ … دا حجر احنا جيبينه م الجبل … واحنا اللي ناقشينه، كنا بنقطع منه حتت حتت ونبيع منها للسواح على إنها اﻟ إيه … أنتيكة … الأفندي الخواجة جه بص للحجر كدة وقال دا بيت عبد الفتاح … بقى دا مش جنان والنبي؟
كبارة : طب وانت هيهمك؟ إيه ما تسيبه ياخده.
أبو سريع : ما هو ياريت ياخذه ويرُوح في داهية … أنا مستعد أجيبله كل يوم أربعين حجر وانقشله عليه كمان … لكن المصيبة لا الحكومة تسمع كلامه ويطردونا م البيت.
كبارة : يا سيدي زي بعضه … يمكن ربنا يتوب عليك م التلات ورقات.
أبو سريع : أهي سبوبة يا واد يا كبارة … الواحد بيقول يا رب دِمها نعمة.
كبارة : على كل حال ولا يهمك … أنا حلمت حلم ياد يا ابو سريع ربنا يجعله خير.
أبو سريع : حلمت إيه يا فالح.
کبارة : اللي جاني في المنام لابس أبيض في أبيض، وقاللي قوم ياد يا كبارة، قول قُمت، فضل ساحبني من إيدي لما رحنا عند باب … فضل يخبط أن حد يرد … أبدًا ولا حياة لمن تنادي … يتحايل عليهم مافيش فايدة … يناغشهم بالكلام … مافيش فايدة … يكتب لهم مكاتب مافيش فايدة.
أبو سريع : مانت وش فقر … السكك مسدِّدة في وشك.
کبارة : حلمك عليَّ بس … شوية يا واد أبو سريع … وجه شاب حليوة طويل وعريض لابس أصفر في أصفر، وهُب ضرب طلقة في الباب وقاللي ادخل يا كبارة، وعنها ياد يا أبو سريع وألاقي نفسي في جنينة ولا جنينة الأورمان، جناين إيه … وفواكه إیه … كافة شيء قلبك يحبه تلاقي … تفاح أمريكاني تلاقي … جوافة حلوان الحلوة … بلح أمهات وحيوانات من كل صنف، أُسود تلاقي … غزلان تلاقي … وعنها يا واد يا أبو سريع والراجل اللي لابس أصفر في أصفر دا خدني من إيدي ودخلني فيلا … فلل إيه … حاجة تشرح القلب … ع الصفين طول مانت ماشي … قول أنا استلمت فيلا …
أبو سريع : استلمت إيه؟ … بواب …
كبارة : زي ما بقولك يا واد يا أبو سريع، أنا استلمت فيلا، حاكم كل راجل جدع يستلم فيلا.
أبو سريع : وهم حيعرفوا يشوفوه جدع ولَّا لأ إزاي؟
كبارة : الغرض یا واد يا أبو سريع … الفيلا دي دورين، أول دور للأكل والقعاد. تاني دور للنوم والحموم. وكل واحد يستلم فيلا … يستلم معاها جلابيتين للصيف وجلابيتين للشتا … بتوع الشتا کستور م المقلم اللي قلبك يحبه بتاع المحلة … بتوع الصيف بوبلين نضيف قوي … قول نمت شوية ياد يا أبو سريع وصحيت الصبح لقيتهم بيجهزولنا فطار … بكوك شاي نضيف قوي وكباية قزاز … وفول مهروس بالسمن، وحتة جبنة اسطنبولي … ولا جبنة الخواجة كرياكو، وجرجير معصور عليه ليمون، وأربع صوابع موز، وعلبة سجاير سوبر عشرین.
أبو سريع : مفيش طرشي يا واد؟
کبارة : كافة شيء نِفسك فيه بييجي لحد عندك … عاوز طرشي تلاقي، ليمون مخلل معصفر تلاقي … ملح بفلفل كمان تلاقي … الغرض یا واد اتمشيت شوية ورجعت نمت … قمت م النوم … لقيت الغدا جاهز.
أبو سريع (وقد أصبح شديد الاهتمام للحديث) : … إيه الغدا يا واد يا كبارة؟
كبارة : طبق ملوخية بتقلية م اللي قلبك يحبه … وأرنب سمين ييجي أربع أرطال متحمر نص تحمير كدة … وطبق طرشي بلدي بعروق خضرة من اللي يفتح النفس وأربع أرغفة مفقعين … كلت برتقان … وخدت كمان علبة سجاير عشرين.
أبو سريع : هو فيه من كدبك برتقان في الصيف؟
كبارة : مفيش هناك شتا يا واد … الجو ربيع … كل شبابيك الفيلا ع البحر.
أبو سريع : وبعدين ياد يا كبارة؟
كبارة : قول نمت شوية … وقعدت بالليل لقيت نسمة طرية حلوة قوي في الجو، وخرجت مشيت في الجناين ورجعت لقيت العشا جاهز.
أبو سريع : لقيت إيه يا واد يا كبارة؟
كبارة : لأ … بيني وبينك بقى العشا كان خفيف حتة مربى … شوية عسل نحل … قالب زبدة وتفاحتين وشربت شاي تقيل وانقلبت نمت، لكن قبل ما انام يا واد … دخل عليَّ الراجل اللي لابس أصفر في أصفر.
أبو سريع : ما انتش وش نعمة … لازم جاي يطردك منها.
كبارة : لا ياد يا أبو سريع … راجل طيب قوي … دا جاي يطمن بنفسه على حالي … قعد شرب معايا فنجان شاي … وبعدين سألته إحنا فين يا راجل يا طيب … قاللي انت في الجنة يا كبارة.
أبو سريع : وبعدين ياد.
كبارة : ولا بعدين ولا قبلين … صحيت من النوم.
أبو سريع : لقيت نفسك عريان طبعًا.
كبارة : منا عريان طول عمري!
أبو سريع : جتك نيلة … أنا عرفت تفسير الحلم دا!
كبارة : طب قوللي إيه.
أبو سريع : الجناين اللي شفتها دي هي الربع.
كبارة : بقى الجناين هي الربع … والنبي إنك حمار.
أبو سريع : ما هما هيهدوا الربع يا بهيم … عشان يبنوا فيها جناين ويعملوا في وسط الجناين عمارات … وطبعًا هيعملوا أبوابها من الدهب … يبقى أصفر في أصفر … أهو دا الحلم … اسمع يا واد يا كبارة خليك هنا وفتح عنيك كويس … إذا شفت الراجل بتاع الأثارات جاي … ارقع صفارة من بتوعك.
كبارة : هتعملوا إيه.
أبو سريع : هناخد الحجر نلقحه في الخرابة.
كبارة : لكن دا راح يقابل الوزير.
أبو سريع : يقابل الوزير … يقابل الخفير … إحنا هناخده نلقحه في الخرابة.

(ينصرف أبو سريع وكبارة يجلس على الدكة ويخرج النقود من جيبه ويتفرج عليها في ابتهاج، فيدخل الشاویش عبد الرحيم ومعه ورقة.)

عبد الرحيم : واد يا أبو سريع … خد هنا يا وله … إنت يا واد يا كبارة.
كبارة : يا خبر اسود … أهو أبو بدلة صفرا جه … والحلم اتحقق يا كبارة.
عبد الرحيم : واد يا كبارة.
كبارة : نعمين يا شاويش!
عبد الرحيم : إنت مطلوب في القسم بكرة الساعة خمسة … إنت والواد أبو سريع النصاب.
کبارة : طب وأنا ليه بقى يا عم الشاويش عبد الرحيم؟!
عبد الرحيم : لهو انت هتجادل … روح القسم يعني تروح، الإشارة معايا أهه …
(تنبِّه على المدعو محمد كبارة والمدعو أبو سريع حسنین بالتوجه للقسم الساعة خمسة مساء الغد) … مفهوم ولَّا مش مفهوم؟!
كبارة : وأنا هروح القسم أعمل إيه أنا؟
عبد الرحيم : الله … إنت لكع ليه يا واد انت؟ ياد روح لهو انت أجدع من المعلم رضوان؟
كبارة : يهمهم بكلام غير مفهوم.
عبد الرحيم : إنت بتقول إيه يا واد انت ياد؟
کبارة : ما قولتش حاجة.
عبد الرحيم : ما قولتش حاجة … يعني أنا أطرش بقى؟ واللي خلق الخلق منا عاتقك عن مرواح القسم دلوقتي … اتجر قدامي.

(يدفعه بيده.)

كبارة : بس ما تزعلش.
عبد الرحيم : إنت بتزعق في وشي يا واد؟ … طب خد!
كبارة (صارخًا) : ثم انت مالكش ضرب عليَّ كمان.
عبد الرحيم : إنت يا واد بتقول ثم إن؟ … والله عال، النهاردة ثم أن … وبكرة تقوللي ربما … ما هي البلد بقت فوضى … طب واللي خلق الخلق منا عاتقك (ينهال عليه ضربًا ويُجرجره إلى خارج المسرح وكبارة يصرخ فيلتقي بأم عنان داخلة الحي ومعها رجل معه ناي طویل).
أم عنان : يا لهوي … هو كبارة عمل إيه يا شاويش عبد الرحيم؟
عبد الرحيم : ما حدش له دعوة … كل واحد يكون في حاله … بقى بتقول ثم إن يا سي كبارة؟

(ينهال عليه ضربًا.)

أم عنان : يا دي الخيبة يا جدعان … الراجل نازل ضرب في الواد زي الغول كدة ليه يا خواتي هم عالم ما بيتهدوش … ربنا يهدهم.
كاملة (تخرج مُهرولة عند الباب) : هم هيهدوا يا ختي؟
أم عنان : هم فين دول اللي هيهدوا؟
كاملة : الحكومة يا ختي … هيهدوا الربع … بقى انتِ مش عارفة؟
أم عنان : ما يهدوا … يا رب يهدوها النهاردة قبل بكرة.
كاملة : يا ولية حرام عليكي ما تقوليش كدة … إلهي ينهد حيله اللي يهد طوبة فيها.
أم عنان : يعني شايفة الطوب قوي ما شاء الله؟ دي كلها تراب!
كاملة : تراب ولَّا طين … أهي مدارية العالَم … ولَّا اكمنك مالكيش فيها ملك يا لدلعدي.
أم عنان (مستهزئة) : ملك … بتسميه دا ملك؟ … دي خرابة!
كاملة : أهو متاویكي …
أم عنان : كلها شهر بس يا كاملة وبعدين … أتف ع الربع واللي فيه!
كاملة : ليه يا ختي … حتورثي ولَّا إيه؟
أم عنان : أورث … أنا مش بتاع ورث وكلام فارغ زي دا، أنا فنانة الشعب الأولى … بعد شهر واحد یا كاملة هتبقى أم عنان اللي قدامك دي حديث الدنيا كلها … صورتي في الجرايد … صوتي بيلعلع في الإذاعة … حفلاتي تسمعها الدنيا كلها.
كاملة : ربنا يفضحك أكتر وأكتر … مانتو يا بتوع الهشك هشك … ما بتخافوش م الفضيحة.
أم عنان (تمشي في الساحة في زهو وتقيس المسافة بخطواتها كما كان يفعل الأستاذ عزب في الفصل الأول، وتحدِّث نفسها بصوت عالٍ) : يا سلام يا أم عنان هنا المسرح … (تلتفت للخلف) هنا الجمهور … هنا أم كلثوم وعبد الوهاب … مهرجان الفن الشعبي.
كاملة : إنتِ اتجننتِ ولَّا إيه؟
أم عنان : ما انتِ مش ممكن تفهمي … انتِ عايشة في البلاقسة وهتموتي في البلاقسة وهتتدفني في البلاقسة كمان.
كاملة : الدور والباقي عليكي انتِ يا للي هتندفني في الزمالك.
أم عنان : لا مش هندفن في الزمالك يا اختي … أنا هسكن في الزمالك بس.
كاملة : أيوة … ما هي الزمالك بتلم أشكالك.
أم عنان (وهي تنصرف لبيتها) : أنا بحكي لمين … هفهِّم طوبة زيك … أما يرجع الأستاذ عزب هخليه يفهمك.
كاملة : عزب دا إيه يا لدلعدي … هو عزب هيرجع تاني؟
أم عنان : دا هيرجع بالسلامة … منا عارفة إن كلكم حاسدیني، منا عارفة إنكم هتفلفلوا مني … دا هيرجع غصب عن عنيكو.
كاملة : والنبي تتوکسي وانتِ ما انتِ عارفة حاجة … عزب ما طار يا ولية … طار يا ختي مع الست شوشو.
أم عنان (بغضب) : إيه الست شوشو دي رخرة؟
كاملة : ما انتيش عارفة الست شوشو بتاعة محمد كبارة، الست الخوجاية بتاعة جمعية الفقرا اللي بيقولو عليها؟ … قعدوا فوق ساعتين عندك. وأنا واقفة - ورا الشيش مرقباهم (تضحك ضحكة خبيثة) يا خرابك يا كاملة ع اللي عملوه … والنبي ماني قايلالك عملوا إيه.
أم عنان (تندفع نحوها) : يا ولية بتغيظیني؟
كاملة : بغيظك … هغيظك ليه بقى … اسألي الواد رمضان والواد كبارة ما هما كانوا واقفين … قال إيه فنانة مصر الأولى، يا ختي إنشا الله تتوكسي (تدخل بيتها).
أم عنان : وراحوا فين؟
كاملة (من الداخل) : هما راحوا في داهية.

(تقف أم عنان في حالة عصبية شديدة تفكر بعمق عدة لحظات.)

أم عنان : تعالوا معايا (اللي معاها).
الرجل : على فين بس يا ست أم عنان؟
أم عنان : والنبي لاشرب من دمك يا شوشو … والنبي لاخلي اللي ما يشتري يتفرج.
الرجل : يا ست أم عنان … إحنا عايزين ناكل لقمة ونريح جسمنا عشان نروح الفرح بتاع بالليل.
أم عنان : أنا مش رايحة أفراح خالص … أنا ماتخلقتش عشان الأفراح … الأفراح دي أكل عيش … وأنا ليا مهمة تانية … أنا علامة في تاريخ الفن … والعلامات ما بتظهرش غير عند منحنى … أنا المنحنی.
الرجل : والله ما انحنى وانكسر ظهره إلا أنا.
أم عنان : أنا أم عنان فنانة الشعب الأولانية بعد مهرجان الفن الشعبي، التاريخ مش هيتكلم غير عني أنا … أنا فنانة الشعب الأولانية (كمن تُحدث نفسها) هنا المرسح … هنا الجمهور، هنا أم كلثوم وعبد الوهاب … الإذاعة هتذيع من هنا، الجرانین هتكتب سنة … صوتي هليلعلع في الإذاعة ولا ليلى مراد (تقف فجأة وتُصلح من هندامها) … بقى كدة يا شوشو؟ والنبي لاشرب من دمك، والنبي لاخللي اللي ما يشتري يتفرج، يللا تعالوا ورايا … (تهرول إلى الخارج) ويخرج خلفها الرجل وتخرج كاملة تضحك ضحكة هستيرية.
كاملة : الولية انهبلت … لكن كله من الراجل أبو كنبوش اللي كان هنا.

(تُقلد أم عنان وتقيس المسرح بخطواتها.)

(هنا المسرح … هنا الجمهور … هنا أم كلثوم وعبد السلام ولَّا اسمه إیه دا … أنا عارفة.)

(تضحك.)

(تدخل امرأتان وستة أطفال يحملون مراتب وألحِفة ومخدات وحصيرة وحللًا وخلفهم المعلم رضوان … ورمضان.)

رضوان : شوف يا واد عربية كارو وحطوا عليها العزال واركبوا وروحوا انتو وأنا جاي وراكم.

(ينصرف الأولاد والستات.)

إحدى السيدات : اقعدي بعافية يا كاملة … نشوف وشك بخير.

(وينصرفون … تندفع نحو كاملة.)

كاملة : معلم رضوان … هم هیهدوا یا خويا؟
رضوان : يهدوا بقى ولَّا ما يهدوش یا كاملة اللي في علم الغيب هيتنفذ.
كاملة : هيهدوا والنبي؟
رضوان : ما حدش عارف لسة یا ست كاملة.
كاملة : عين وصابتنا … یا خرابي علیكي یا كاملة … يا خسارة السرايا يا جدعان … خمسين سنة وأنا أعمل وأدبق عشان ابني وأعمَّر … يهدوها یا خواتي؟ … يا خرابك يا كاملة، والنبي ما حد حاطط إيده عليها (تتحسَّس جدران بيتها وتقول) هيهدوها يا خويا … هيهدوها یا ضنايا، وسي حمدي القمندان والكلام اللي قالهولي …
(تلطم فيندفع نحوها رمضان) یا خرابك يا كاملة یا خرابك!
رمضان : ما تروقي أمَّال یا خالة كاملة.
كاملة : أروَّق إزاي یا خويا؟

(يدفعها بلطف داخل بيتها.)

رمضان : خشي أمال وصلي ع النبي … اللي هيجرى ع الكل هیجری علیكي.

(كاملة تواصل اللطم والصراخ في الداخل.)

(رضوان يبدو على وجهه الغم والتأثر الشديد وينفجر باكيًا فجأة في تشنُّج مسموع.)

رمضان : لا حول ولا قوة الا بالله … لا حول ولا قوة الا بالله!

(يجلس على الدكة وينخرط في البكاء. رمضان يخرج من البيت ويغلق الباب وصوت كاملة لا يزال يتردَّد صداه.)

رمضان : دا معقول دا يا معلم رضوان، إنت بتعيط؟
رضوان : أعمل إيه بس يا رمضان ما هو ما بقاش فاضل غير العياط.
رمضان : يعني كان لازم تسيب الحتة النهاردة يا معلم رضوان … مش كنت استقمت كام يوم كدة في الحتة وكنت فكرت في الموضوع كدة على رواقة وبعدين تبقى تتصرف.
رضوان : لازم أسيب الحتة يا رمضان، الحكم اللي عليَّ كدة … واللي هما عايزين يعملوه يا واد هيتنفذ … هيهدوا الحتة هیهدوها مافيش فايدة … دول ناس سوء … واحنا مش قدهم … یا خبر اسود على اللي شفته يا جدعان.
(ستار)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤