رسائل جامعية (بالإنجليزية)

على امتداد السنوات نوقشت بأقسام اللغة الإنجليزية وآدابها بكليات الآداب بالجامعات المصرية عدة رسائل للماجستير أو الدكتوراه عن نجيب محفوظ.

من أولى هذه الرسائل رسالة دكتوراه لنيفين غراب، أشرفت عليها د. أنجيل بطرس سمعان، وموضوعها أثر ثلاثة روائيين إنجليز محدثين — جون جولزورذي ود. ﻫ. لورنس وجيمز جويس — في محفوظ.

وخلال عام ١٩٩٧ نوقشت في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها بكلية الآداب، جامعة عين شمس، رسالة ماجستير (كان لي حظ المشاركة في مناقشتها) مقدمة من غادة القوصي، تحت إشراف د. رضوى عاشور، عنوانها «الإسكندرية وأشكال الزمان/المكان: دراسة لجوستين وميرامار وترابها زعفران».

وتقوم هذه الرسالة على مفهوم الناقد باختين ﻟ «الزمان/المكان» كما عرضه في مقالته المسمَّاة «أشكال الزمن والزمان/المكان في الرواية» (١٩٣٧–١٩٣٨) مع تطبيق هذا المفهوم على ثلاثة نصوص هي «جوستين» أولى حلقات «رباعية الإسكندرية» للورنس دريل، و«ميرامار» لنجيب محفوظ، و«ترابها زعفران» لإدوار الخراط. والنصَّان الأخيران لهما ترجمات إنجليزية.

وقد وُفِّقت الباحثة في اختيار هذا المفهوم الذي يمزج بين مقولتَي الزمان/المكان في وحدةٍ واحدة، على نحو ما فعل أينشتاين في نظريته عن النسبية؛ ذلك أنه مفهوم مُثمِر قابل للتطبيق على عدد من الأعمال الأدبية، خاصةً الحداثي منها، وقد أنتج نتائج طيبة عند تطبيقه على النصوص الثلاثة قيد البحث هنا.

وقسَّمت الباحثة رسالتها إلى تصدير وأربعة فصول وخاتمة وببليوجرافيا مع ملخَّصات وببليوجرافيا مع ملخَّصات للبحث بالإنجليزية والعربية.

ففي الفصل الأول «الإسكندرية في أدب القرن العشرين» عرضت صورة هذه المدينة الكوزمبوليتانية في أعمال الشاعر اليوناني كافافي وروائيَّين إنجليزيَّين هما إ. م. فورستر ود. ج. إنرايت مركزةً على الإسكندرية باعتبارها متصلًا مكانيًّا/زمانيًّا.

وفي الفصل الثاني «أشكال الزمن والزمان/المكان في الرواية» قدمت مفهوم باختين الذي طرحه من خلال عدة نصوص أدبية تمتد من قصص البطولة والمغامرة عند الإغريق إلى روايات رابليه.

والفصل الثالث «الإسكندرية: وظائف سردية» تطبق الباحثة فيه المفهوم السابق ذكره على مدينة الإسكندرية عند دريل ومحفوظ والخراط.

أما الفصل الرابع والأخير «الزمان/المكان: النص والسياق» فتعرض فيه الباحثة السياق السياسي والاجتماعي والخلفية الحضارية التي تشكل مهادًا للنصوص الثلاثة. وتجمُل الفروق بينها فيما يلي: تنحو صورة الإسكندرية كما يقدمها دريل منحًى استشراقيًّا يهتمُّ بالغريب والعجائبي، ويقدِّم الفانتازي والسخري الشائه (الجروتسك). لدى نجيب محفوظ نرى انعكاس ثورة ٢٣ يوليو ١٩٠٢ على حياة الشخصيات ونظرتها إلى الأمور. أما لدى الخراط فنجد الإسكندرية أكبر من مجرد مكان أو خلفية للأحداث. إنها حالة روحية وثيقة الصلات بخبرات المؤلفة الذي يضمنها قسمًا من خبراته الذاتية إلى جانب عناصر الحلم والكابوس والشطح الفانتازي وأعمق المخاوف والرغبات والذكريات.

وفي الخاتمة توضِّح الباحثة أوجُه الشبه والاختلاف بين النصوص الثلاثة المدروسة، مع تقويم عام لمدى نجاح كل كاتب في توصيل رؤيته للإسكندرية باعتبارها زمانًا/مكانًا ونقطة لقاء طبقات متتالية من الخبرة التاريخية.

وعندي أن الباحثة قد وُفِّقت في تحليلها للنصوص المختارة، ودلَّت على فهمٍ صائب لمفهوم باختين وقدرة على تطبيقه على نصوص مختلفة لغةً وزمنًا وحضارةً وتوجهًا. واقتصرت في الببليوجرافيا على الأعمال التي رجعت إليها فعلًا، وهو اتجاه محمود؛ إذ لا غِنى في إيراد قوائم كبيرة بما لم يستفِد منه الباحث. ويعيب الرسالةَ رغم ذلك عددٌ من الأخطاء المطبعية واللغوية والهجائية، وإن كانت على الجملة مكتوبةً بأسلوب إنجليزي جيد يفي بمتطلبات البحث الأكاديمي.

والرسالة مجهودٌ متميز وإضافة مؤكدة إلى البحث العلمي في منطقة من الدرس تستحق أن يتعمق فيها رأسيًّا وأفقيًّا. وقد منحتها اللجنة الممتحِنة درجة الماجستير في اللغة الإنجليزية وآدابها بتقدير ممتاز.

كذلك نوقشت بكلية الآداب بجامعة القاهرة في مساء الأحد ٢٦ يوليو ١٩٩٨ رسالة الدكتوراه المقدمة من الباحثة ماجي نبيل نصيف، وموضوعها «نجيب محفوظ من منظور النقد الإنجليزي»، وذلك في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها، وتكوَّنت لجنة المناقشة من الدكاترة محمد عناني (مشرفًا) ومحمد شبل الكومي وماهر شفيق فريد.

وتتناول هذه الرسالة موضوعًا هامًّا هو موقف النقد المكتوب بالإنجليزية — سواء كان كاتبوه بريطانيين أو أمريكيين أو مصريين أو عربًا أو إسرائيليين — من أعمال نجيب محفوظ عبر السنين. ولا شك أن فوز محفوظ بجائزة نوبل في ١٩٨٨ كان نقطةَ تحوُّل في مسار الاهتمام النقدي بعمله؛ إذ انتقل من مرحلة الكاتب الذي لا يعرفه سوى قلة من المستشرقين والمتخصصين في الدراسات العربية إلى مرحلة الكاتب المقروء على نطاق واسع نسبيًّا، والذي حظِيَ بدراسات من أدباء غربيين ونقاد وباحثين لا يعرفون العربية، وإنما قرءوه مترجمًا إلى لغاتهم الأوروبية.

وتتكون الرسالة من مقدمة فسبعة فصول، هي: نجيب محفوظ: عالمه وأيديولوجيته ومنجزاته – المرحلة التاريخية – الروايات القاهرية – الواقعية الاجتماعية في الثلاثية – مرحلة القصة الرمزية (الألجورية) – روايات ما بعد الثورة – مرحلة التجريب؛ وخاتمة، ثم ملحقَين؛ أحدهما مقابلة مع محفوظ أجرتها الباحثة بالعربية في ٦ / ٦ / ١٩٩٨، ثم ترجمتها إلى الإنجليزية، والثاني خطاب محفوظ في ستوكهولم عند الاحتفال بتسلم جائزة نوبل مع ترجمة إنجليزية لها بقلم محمد سلماوي. وتنتهي الرسالة بقائمة وافية بأهم ما كُتب عن محفوظ وقائمة برواياته ومجاميعه القصصية ومسرحياته المترجَمة إلى الإنجليزية حتى النصف الأول من عام ١٩٩٨.

وقد يختلف المرء مع الباحثة في المنهج الذي اختارته؛ فقد كنت أوثر شخصيًّا لو أنها اختارت أن تدرس الاتجاهات المختلفة في نقد محفوظ: الاتجاه السوسيولوجي مثلًا، أو السياسي، أو الديني، أو الجمالي، بدلًا من القسمة التقليدية لأعماله إلى روايات فرعونية وروايات واقعية وروايات تجريبية، تستخدم تيار الشعور والمونولوج الباطني، وتستعين ببعض تقنيات السيريالية ومسرح العبث. ولكن لا شك أن من حق الباحث أن يختار المنهج الذي يجده أقدر على الوفاء بمتطلبات بحثه؛ وعلى الناقد أن يلاقي الباحث على الأرض التي اختارها هذا الأخير لنفسه لا أن يفرض عليه أرضًا ذات طابع مُغايِر.

وفي نطاق المنهج الذي اختارته الباحثة يمكن القول إنها أدت مهمتها بكفاءة، وانتهت إلى عدد من النتائج القيمة؛ فقد وجهت النظر مثلًا إلى أن التفسيرات السياسية والاجتماعية والدينية لأعمال محفوظ — وإن تكن تفسيرات مشروعة لها ما يُبررها — لا ينبغي أن تكون هي الهمَّ الأول للناقد — دع عنك أن تكون همه الأوحد — وإنما يجب تناوُل أعمال محفوظ باعتبارها، في المحل الأول، إبداعات تخيلية ينبغي الحكم عليها بمقاييس العمل الفني لا بمقاييس الأيديولوجيا.

وأبدت الباحثة استقلالًا في الرأي ومبادرةً فكرية شجاعة في نقدها كتابات حاييم جوردون ود. ج. إنرايت عن محفوظ، حيث وجدت في هذه الكتابات تحيزات — لأسباب مختلفة — ضد الشخصية المصرية ذاتها، ومقولات مغلوطة عن العقلية الشرقية وإيمانها بالقضاء والقدر وما إلى ذلك.

كذلك أثبتت الباحثة أن المقابلة بين أعمال محفوظ الأخيرة — حيث الشخصيات تفتقر إلى الاستدارة المكتملة، وحيث الخيوط السياسية والإشارات إلى أحداث جارية أشد بروزًا مما ينبغي — أدنى مستوًى من أعماله الأسبق؛ رواياته الواقعية التي تبلغ أعلى نقطة لها في الثلاثية، ثم رمزية «أولاد حارتنا»، وامتزاج الواقعية والرمزية الصوفية في «الحرافيش» — إذ تتميز هذه الأعمال باكتمال رسم الشخصيات والتعبير الصادق عن الطابع المحلي والشخصية المصرية فضلًا عن اهتمام رواياته القصيرة — «اللص والكلاب» و«الطريق» و«الشحاذ» وغيرها — بقضايا ذات طابع إنساني عالمي، كالحيرة الوجودية والبحث عن معنًى للحياة والسعي وراء قيم العدل والحرية، والاشتراكية والتصوف باعتبارهما سبيلين إلى الخلاص الفردي والجماعي.

والببليوجرافيا التي تصل بها الباحثة إلى عام ١٩٩٨ إضافة إيجابية إلى حقل الدراسات المحفوظية، وهي تشهد بما بذلته الباحثة من جهد في تتبع الكتابات والترجمات المختلفة في اللغة الإنجليزية.

وتشوب الرسالةَ بعضُ أخطاء في الهجاء أو النسخ أو استخدام علامات الترقيم نتيجةً لعدم مراجعة تجارب الطبع بالدقة الكافية، كما أني لا أُقرُّ الباحثة على استخدامها العامية في المقابلة التي أجرتها مع محفوظ؛ فالفصحى هي لغة الفكر، وأين نجد الفكر إن لم يكن في أطروحة جامعية هي — بحكم تعريف رسالة الدكتوراه — تطمح إلى أن تكون إضافة — كمية ونوعية — إلى رصيد المعرفة الإنسانية؟

وبعد مناقشة علمية دامت لأكثر من ساعتين قررت اللجنة الممتحِنة، بالإجماع، منح الباحثة ماجي نبيل نصيف درجة الدكتوراة في اللغة الإنجليزية وآدابها مع مرتبة الشرف الثانية.

وفي صباح السبت ٣١ أبريل ١٩٩٩ نوقشت بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب، جامعة القاهرة، رسالة الماجستير المقدمة من الباحثة علياء توفيق الجندي في موضوع الترجمات الإنجليزية لروايتَي نجيب محفوظ: «الشحاذ والطريق: دراسة أسلوبية مقارنة». وكانت لجنة المناقشة مكوَّنة من الدكاترة عبد القادر القط ومحمد عناني (مشرفًا) وماهر شفيق فريد.

وتندرج هذه الرسالة في باب الأدب المقارن وفن (أو علم) الترجمة؛ إذ تدرس الترجمة الإنجليزية لعملين من أعمال محفوظ متوسطة الطول: الشحاذ (من ترجمة كريستين وكرهنري وناريمان الوراقي) والطريق (وقد ترجمها تحت عنوان «البحث» محمد إسلام بمراجعة د. مجدي وهبة).

وتقع الرسالة في مقدمة وثلاثة فصول هي: (١) «التمثيل القصصي: المحاكاة أو الحديث من خلال شخصية، والحديث المباشر أو صوت الراوي». (٢) «الحوار: تنوعات اللغة». (٣) «الحوار: استراتيجيات الانخراط» تعقبها خاتمة وببليوجرافيا.

ففي المقدمة تذكر الباحثة أسباب اختيارها لهذا الموضوع، خاصةً وقد أحرز نجيب محفوظ شهرةً عالمية بحصوله على جائزة نوبل للأدب، وكان — كما ذكرت لجنة الجائزة في تقريرها — أستاذ فن قصصي عربي ينطبق على البشرية جمعاء؛ فخيوطه عالمية ذات متضمنات اجتماعية وسياسية وتاريخية وفلسفية.

وقد استخدمت الباحثة ثلاثة مصطلحات تتردد عبر الرسالة: صوت الشخصية، وصوت الراوي، واندماج الصوتين أحيانًا. وعُنيت بدراسة المستويات الثلاثة للنص؛ الألفاظ والدلالة والتراكيب.

ففي الفصل الأول فحصت التمثيل اللغوي لتقنيات السرد في روايتَي محفوظ، مع الإشارة إلى مفهوم الرواية «المتعددة الأصوات» عند الناقد الروسي باختين.

وفي الفصل الثاني كان منطلقها الحقيقة الماثلة في أن اختيار اللغة الملائمة للترجمة من أهم المشكلات التي تواجه المترجم. ورغم أن الحوار في روايتَي محفوظ مكتوب بالعربية الفصحى المعاصرة، فإن أنفاسًا من التراكيب العامة ومفرداتها ترفُّ عليه. وتورد نماذج من حوار محفوظ مع ترجمتها معلِّقةً وناقدةً.

وفي الفصل الثالث تعالج، من خلال تحليل للنصوص الأصلية والمترجَمة، بعضًا من الملامح الأسلوبية لحوار محفوظ، كالحذف والتَّكرار والتوازي واستخدام المجاز.

وفي الخاتمة تصف الباحثة دراستها بأنها تندرج في باب «الدراسات الوصفية لفن الترجمة»، تلك التي تُعنى بنتاج الترجمة أكثر مما تُعنى بمراحلها، والنتاج هو الاختيارات أو القرارات التي يتخذها المترجم في ضوء تفسيره للنص؛ مما يتضمن علاقةً وثيقة بين دراسات الترجمة وعلم الأسلوب. ويحقِّق محفوظ تأثيراته الفنية من خلال تداخل الصور والرمزية ومعجم الألفاظ الموحي. وتنتهي الباحثة إلى أن ترجمة «الشحاذ» أفضل قليلًا من ترجمة «الطريق».

ومنهج الرسالة يجمع بين التوجه نحو النص المصدر (اللغة المنقول منها) والنص الهدف (اللغة المنقول إليها)، مصدرًا الأحكام على اختيارات المترجِم في ضوء أمانته مع النص الأصلي من ناحية، وأثره في القارئ المستهدَف (بفتح الدال) من ناحية أخرى.

الرسالة إذَن دراسةٌ مقارنة لبعض الأوجه الأدبية لعملين محفوظيين من خلال تحليل أسلوبي للنصوص العربية وترجماتها الإنجليزية. وقد دلَّت الباحثة فيها على حساسية لغوية ودقة في الفهم والقراءة والانتهاء إلى نتائج مدعمة بالأسانيد. وحقًّا إن «الشحاذ» و«الطريق» — في رأي كاتب هذه السطور — لا تمثلان نجيب محفوظ في أحسن أحواله؛ فإن في بنائهما شروخًا، وهما لا تخلوان من آثار عجلة في الإنشاء لعل لها صلة بنشرهما منجَّمتَين في صحيفة يومية. ولكن الإنصاف يقضي بأن نذكُر أن معيار الباحثة لم يكن مدى الجودة الفنية للنص — لا شك أن «اللص والكلاب» أفضل كثيرًا من العملين اللذين اختارتهما، وهي مثلهما قصةٌ متوسطة الطول «نوفيللا» — وإنما هي صاحبة منهج قابل للتطبيق على أي نص قصصي بصرف النظر عن مدى جودته الفنية؛ ومن ثَم أكتفي بتسجيل هذه الملاحظة دون أن أُضمِر بها أي إدانة لاختيار الباحثة.

وقارئ الرسالة يحدوه الأمل أن تعكف الباحثة — بعد أن أثبتت جدارتها بذلك — على نقل أحد أعمال محفوظ — التي لم تُترجم بعد — إلى الإنجليزية مستفيدةً من خبرات من سبقوها، ومن اطلاعها الطيب على نظريات الترجمة ومباحثها؛ وبذلك تنتقل من مرحلة التنظير إلى مرحلة التطبيق، وتزيد قارئ الإنجليزية علمًا بفكر محفوظ وإبداعه. ومن أعمال محفوظ الحديثة التي تنتظر النقل إلى الإنجليزية، وكلها قصص متوسط الطول: رأيت فيما يرى النائم، صباح الورد، الباقي من الزمن ساعة، حديث الصباح والمساء.

والرسالة عملٌ أكاديمي جادٌّ يمتاز بالأمانة العلمية واتساق الأفكار وصحة اللغة وسلامتها، مع ببليوجرافيا حديثة تصل بعض مراجعها إلى عام ١٩٩٨.

وقد قررت اللجنة الممتحِنة منح الباحثة علياء توفيق الجندي درجة الماجستير في اللغة الإنجليزية وآدابها بتقدير ممتاز.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤