الفصل السادس

أين تبحث: داخل المؤسسة وخارجها

لن أنسى أبدًا أول مَهمة كُلِّفت بها بعد أن صِرتُ استشاريًّا في البحث التنفيذي.

كنت قد أنهيت لتوِّي جولة واسعة من المقابلات مع أهم الأشخاص في شركتنا، إيجون زندر إنترناشونال، الذين كانوا على وشك أن يصيروا زملاءَ لي. من الأمور التي صارت واضحة بجلاء خلال تلك المقابلات هو أنني إذا كنت أطمح إلى النجاح في رحلتي المهنية، فعليَّ أن أقدِّم المساعدة الدائمة لعملائي كي يصلوا إلى تعيينات ناجحة.

لعل ذلك يبدو بديهيًّا بالنسبة لشركة متخصصة في البحث التنفيذي، غير أن الأمر كان في الواقع خلافًا لذلك. ما قيل لي بالضبط هو أن تقييمي لن يعتمد بشكل أساسي على إنتاجيتي أو إسهامي المالي في الشركة، بل سيقوم أساسًا على القيمة التي أضيفها إلى عملائنا. فإذا ساعدتهم على تعيين مرشحين ناجحين يُقدِمون على تقديم إسهامات كبيرة لمؤسساتهم، والبقاء فيها، وأخيرًا الاضطلاع بمسئوليات أكبر؛ فسوف يؤكد ذلك نجاحي ويضمنه.

بعد الحصول على بعض التدريب الأولي في مكتبنا بمدريد، عدت إلى بوينوس أيريس، حيث كان نشاط الشركة لا يزال وليدًا. كنت لم أتجاوز الثلاثين من العمر، وكنت قد تركت وطني قبل خمس سنوات من ذلك الوقت؛ ومِنْ ثَمَّ لم تكن لديَّ تقريبًا أية علاقات في عالم الأعمال في هذه المرحلة. كان مكتب الشركة جديدًا؛ لذا لم يكن ثمة قسم للبحث. لم نكن نمتلك قواعد بيانات، ولم تكن توجد بالطبع آنذاك قواعد بيانات على الإنترنت، أو محركات بحث، أو غيرهما من الموارد القائمة على الإنترنت.

كانت تلك هي الظروف المحيطة بأُولى مَهامِّ عملي، والتي كُلِّفت خلالها بإيجاد مدير تسويق ومبيعات لكيلمس، وهو الاسم التِّجاري لمنتج الْجِعَة الأساسي لشركة كوينسا؛ شركة المشروبات الفائقة النجاح والتي سبق ذكرها في الفصل الثاني.

لم تكن الشركة على درجة كبيرة من النجاح في تلك المرحلة؛ بل كانت بشِقِّ النَّفْس في موقف اللاربح واللاخسارة؛ وقد أدى ذلك إلى كثيرٍ من مراجعات الذات. وكانت إحدى النتائج التي أسفرت عنها عملية البحث في الذات هذه أن قرر قادة كوينسا أن أداء ذلك الفرع من الشركة في تسويق منتجاته وبيعها ينبغي أن يتحسَّن؛ مما تطلَّب مزيدًا من الفاعلية في تقسيم الأسواق الرئيسية واستهدافها، وتطوير منتجات جديدة، ودعاية أفضل، وإدارة فريق المبيعات على نحو أفضل كثيرًا مما كانت عليه آنذاك. كل هذا كان يعني بدوره ضرورة أن يبني المدير الجديد فريقًا على درجة أكبر من المهنية.

أذكر جلوسي على مكتبي فور تكليفي بالْمَهمة، وتصارُعي مع مشكلتين:
  • (١)

    معرفة أين أبحث عن المرشحين.

  • (٢)

    معرفة متى أَكُفُّ عن البحث.

لا شك أنني كنت في كامل حماستي لإنجاز الْمَهمة على أكمل وجه ممكن؛ لكنني كنت أشعر بانعدام تامٍّ للأمن؛ كان يؤلمني إدراكي أن ثمة عالمًا كاملًا بالخارج لا أعرف عنه شيئًا مطلقًا. أَنَّى لي أن أعرف أن المرشحين الذين سأحددهم سيكونون الأفضل من حيث الكفاءة لأداء العمل، وأنه ليس هناك مَنْ هم أفضل منهم؟ حتى لو تأكدْتُ من كفاءتهم، فكيف لي أن أعرف ما إذا كانت دافعية هؤلاء المرشحين وتوقعاتهم بشأن الرواتب تُناسب عميلنا؟ ما أفضل طريقة للبحث عنهم: التحري عنهم من الشركات، أم استخدام الدليل، أم استمداد المعلومات من أشخاص ذوي صلة ربما رأَوْا هؤلاء المرشحين أثناء أداء عملهم؟ ما عدد المرشحين الذين يجب عليَّ أن أقيِّمَهم حتى أضمنَ أن أولئك الذين قدمتهم للعميل هم الأفضل على الإطلاق؟

هذه هي نوعية الأسئلة التي أود أن أتناولها في هذا الفصل. (سوف أعود لاحقًا إلى نتيجة مَهمتي في كوينسا.) هذه الأسئلة، بالمناسبة، تنطبق على أهم القرارات في حياتنا، كما هو موضح في العمود الهامشي التالي بعنوان «لمحة جانبية: كيف تعثر على رفيق عمرك».1

لمحة جانبية: كيف تعثر على رفيق عمرك؟

أحيانًا تكون أفضل وسيلة لمواجهة تحدٍّ صعب هي أن تنظر إليه من زاوية غير مباشرة؛ لذا قبل أن نتناول مباشرةً التحدي المتعلق بأماكن البحث عن الكوادر المحدودة، لنناقش أولًا كيفية العثور على رفيق عمرك، وهو الموضوع الذي قد يبدو بعيدًا كل البعد عن هذا التحدي. هل ثَمَّة أية دروس يمكن أن نستلهمَها من مضمار العلاقات الشخصية ونستفيد منها في ميدان الأعمال؟

لطالما استمتعت بقصة بحث تشارلز داروين عن زوجة له. أَرِقَ داروين في ليلة؛ فجلس على مكتبه وراح يتساءل ما إذا كان ينبغي عليه أن يتزوج أم لا. بدأ يسجل، بطريقته المنهجية، إيجابيات الزواج وسلبياته، بحيث وضع الإيجابيات في عمود والسلبيات في آخر، وأنجز هذا الأمر على مدار عدة أيام على فترات متقطعة. بدأ عمود الإيجابيات يفوق عمود السلبيات تدريجيًّا وظلت الفجوة تتسع؛ لذلك قرر داروين أن يتزوج. (بالنظر إلى الأمر من منظور الموضوع الذي تناولناه في الفصل الرابع، أدرك داروين أن ثمة حاجة لإجراء تغيير.)

لكن يتزوج مَن؟ لقد كان يحب فاني أوين؛ لكن رحلته الطويلة على متن السفينة إتش إن إس بيجل قضت على إمكانية الاقتران بها. ماذا عساه أن يفعل؟ هل عليه أن يطلب من زملائه أن يقدموه إلى فتيات مناسبات؟ أيطلب من أخواته؟ أم يزور أبناء عمومته ويطلب منهم تعريفه بفتيات يصلحن للزواج؟

تحوَّل داروين في النهاية بتفكيره إلى ابنة عمه إيما. كانت إيما دائمًا سندًا عظيمًا له في جميع رحلاته، وأدرك أنها تمثل خيارًا مثاليًّا له، برغم أنه لم يسبق أن فكر فيها باعتبارها زوجة محتملة له. وهكذا تزوج داروين من ابنة عمه إيما دون أن يضع أي بدائل أخرى. بِناءً على ما اتضح لاحقًا، فقد نَعِمَ الزوجان بحياة زوجية سعيدة للغاية وحياة أسرية رائعة، وأثبتت إيما أنها مصدر دعم لا يُقدَّر بثمن للإسهامات العلمية العظيمة التي قدمها زوجها.

تأمَّل الآن قصة عالم الفلك المرموق يوهانز كيبلر، الذي تُوفِّيت زوجته الأولى بمرض الكوليرا في براغ عام ١٦١١. كان زواجه الأول مدبرًا ولم يكن سعيدًا بدرجة كبيرة. بعد قضاء فترة الحداد المطلوبة، قرر كيبلر أن يُجريَ دراسة منهجية لإمكانية زواجه للمرة الثانية. قضى كيبلر عامين في دراسة ١١ سيدة صالحة للزواج، ومع نهاية العامين أقنعه أصدقاؤه بالزواج من المرشحة رقم ٤، والتي كانت سيدة عالية المكانة طلبت مَهْرًا مُغريًا؛ لكن المرشحة رقم ٤ تملَّكها الكبرياء ورفضت كيبلر لأنه تركها تنتظره طويلًا.

رُبَّ ضَارَّةٍ نافعة؛ يستطيع الآنَ كيبلر أن يستقر على المرشحة البديلة التي كان يفضِّلها، والتي وافقت عليه على الفور. عاش الزوجان في سعادة وأنجبا سبعة أطفال، ووضع كيبلر خلال هذه الفترة الأسس التي بَنَى عليها نيوتن قانون الجذب العام.

تُعَد قصتا داروين وكيبلر مثالًا على استراتيجيات البحث، التي يختار المرء من خلالها مرشحًا من بين عدة مرشحين مطروحين بترتيب عشوائي بعد استخلاصهم من مجموعة من الأفراد لم تسبق لك معرفتهم إلى حد كبير. من المسائل التي تصبح ذات أهمية محورية مقدارُ العمل الجاد المطلوب بذله لتوسيع نطاق الخيارات الممكنة بدلًا من تحَرِّي مزيدٍ من المعلومات عن المرشحين المعروفين، وكذا الحاجة إلى التركيز على المعايير الحقيقية للنجاح بدلًا من العاطفة الْمَحْضة أو الضغوط التي يبذلها المعارف بنوايا حسنة، وكذلك الحاجة إلى التصرف على وجه السرعة؛ لأنك لو لم تكن سريع التصرف، فربما يرفض المرشح رقم ٤ عرضك، وهو ما قد يكون أمرًا إيجابيًّا أو سلبيًّا!

ركز الباحثون في السنوات الأخيرة على طرق التفكير في مثل هذه المشكلات. تعرَّض خبراء الإحصاء بالبحث لعدد من الخيارات التي تحتاج إلى دراستها لزيادة فرص العثور على أفضل مرشح. ووضع علماء الاقتصاد نماذج معقدة لعمليات البحث عن وظائف. وتناول علماء الأحياء، بالطبع، الكيفية التي يبحث بها أفراد كل فصيلة عن رفيق لهم.

وعلى غرار عملية الاختيار في الزواج، عليك في مضمار الأعمال أن تسأل نفسك: كيف تعثر على رفيق عملك؟ كيف تحدد أفضل المرشحين المحتملين بفاعلية وكفاءة؟

إن لإيجاد المرشحين أهمية محورية؛ نظرًا لأن هذه العملية تضع القيود الخارجية التي تحيط بقرارات اختيار الموظفين؛ فليس بإمكانك اختيارُ بديلٍ لا تعلم عنه شيئًا، وليس بوسعك اختيارُ بديلٍ يفوق أفضل مرشح من بين المرشحين المتاحين أمامك.

في عالم مثالي، تختار المؤسسة مرشحًا من مجموعة كبيرة من الأفراد ذوي الكفاءة العالية، أما في العالم الواقعي، فتملك لجان الانتقاء مرشحًا واحدًا كُفْئًا على أفضل تقدير. (بعضها لا يملك على الإطلاق!) في الحقيقة. أظهر بحث أصدره مركز القيادة الخلاقة أن من بين كل أربع حالات تقريبًا هناك حالة يكون فيها المسئول التنفيذي المختار لشغل المنصب هو المرشح الوحيد المتاح.2

ستزداد أهمية إيجاد المرشحين في المستقبل بالنظر إلى الحقائق الديموغرافية؛ إذ سيأخذ الطلب في الازدياد بينما يستمر عدد المسئولين التنفيذيين في الفئة العمرية المناسبة في الانخفاض الحاد. على سبيل المثال، بلغ عدد من تتراوح أعمارهم بين ٣٥ إلى ٤٤ عامًا في الولايات المتحدة الأمريكية الذروة في عام ٢٠٠٠ ثم لن يلبث أن ينخفض بنسبة ١٥ في المائة بحلول ٢٠١٥. وفي الوقت نفسه، سيشهد الاقتصاد الأمريكي نموًّا بنسبة ٥٦ في المائة، إذا افترضنا أن معدل النمو السنوي يبلغ في المتوسط ٣ في المائة. بعبارة أخرى، إن العدد المتاح من المسئولين التنفيذيين بالنسبة إلى حجم الاقتصاد في ٢٠١٥ سيصل إلى نصف ما كان عليه في عام ٢٠٠٠!

وهذا هو الجانب الكمي فقط من التحدي، أما على الصعيد النوعي، فسوف نحتاج إلى مسئولين تنفيذيين على قدر أكبر من الْحِنْكة؛ أفراد يتمتعون برؤية عالمية، وإلمام بالتكنولوجيا، وميزات ريادية، والقدرة على العمل في مؤسسات يتزايد تعقيدها. وسوف تتنامى في الوقت ذاته منافسة الشركات الكبيرة مع غيرها من الشركات متوسطة الحجم، التي تقدِّم في كثير من الحالات فرصًا للتأثير وتكوين الثروة لا تجاريها فيها سوى قليل من الشركات الكبيرة.3

ليس علينا بالضرورة أن نستشرف عَقْدًا أو أكثر لنرى دلائل هذه المشكلات؛ فهي، كما أشرت في الفصل الثاني، قائمة بالفعل. صادفتني مؤخرًا بعض الأرقام الواردة في مؤشر مجلة هاربرز، والدالة على أن ٤٠ في المائة من مناصب الرؤساء التنفيذيين الشاغرة في الولايات المتحدة الأمريكية يتولاها حاليًّا مرشحون من خارج المؤسسات، بمتوسط تكلفة يبلغ مليوني دولار، ثم تلت هذه الأرقام احتمالية مغادرة الرئيس التنفيذي أو إقالته بعد ١٨ شهرًا من تعيينه، وكانت نسبتها ٥٠ في المائة!

(١) مرشحون داخليون أم خارجيون؟

السؤال الأول بطبيعة الحال: أينبغي أن نبحث داخل المؤسسة أم خارجها؟ أغلب المؤسسات ترى أن من الأفضل لها أن تبحث أولًا عن مرشحين داخليين، ولا تتطلع إلى الخارج إلا بعد استنفاد جميع المرشحين الداخليين.

لكن أغلبها ليس على صواب.

نحن في إيجون زندر إنترناشونال دائمًا ما نفضل نوعًا أوسع نطاقًا من البحث.4 حسبما تشير إليه خبرتنا الممتدة عبر أربعة عقود، حين يتسع نطاق البحث التنفيذي ليشمل المرشحين الداخليين والخارجيين على السواء، تساهم التعيينات الخارجية لا الترقيات الداخلية في شغل ٩٥ في المائة من الوظائف. أجل، صحيح أن هذا الرقم غير دقيق بعض الشيء؛ نظرًا لأنه حين يطلب منا عملاؤنا إجراء بحث واسع النطاق، فإنهم غالبًا ما يعتقدون أن مرشحيهم الداخليين محدودون، غير أن استقرار الغالبية الساحقة من عمليات البحث الواسعة على مرشحين خارجيين في نهاية المطاف يرجح بقوة أن إيجاد أكبر مجموعة ممكنة من المرشحين الأكْفاء يضيف قيمة إلى المؤسسة.

متى يكون البحث خارج المؤسسة أفضل من البحث داخلها؟ كما ورد سابقًا، تتعرض الدراسة التي أجراها راكيش كورانا ونيتين نوريا لهذه النقطة مباشرةً. وبالنظر إلى معدل تبدُّل الرؤساء التنفيذيين في ٢٠٠ مؤسسة على مدار ١٥ عامًا، يذهب الباحثان إلى أن نوع المرشح الذي تعينه الشركة (سواءٌ كان داخليًّا أم خارجيًّا) يحمل تبعات واضحة على الأداء المؤسسي عقب التعيين، بعيدًا عن التغيرات المؤسسية الأخرى، بينما يرى كلٌّ منهما أن ترقية مرشح داخلي ليس لها تأثير ملموس على أداء الشركة، بصرف النظر عما إذا جاءت الترقية نتيجة لتعاقب طبيعي أو تبدُّل قَسْري.

أما المرشحون الخارجيون، فإنهم — على النقيض — يضيفون قيمة كبيرة في حال إقالة سلفهم وبروز الحاجة إلى التغيير، غير أنهم عادةً ما يدمرون قدرًا كبيرًا من القيمة في حال التعاقب الطبيعي (أي حين يحال سلفهم إلى التقاعد بينما لا توجد حاجة ملموسة إلى تغييرات كبرى). بالنسبة إلى الرؤساء التنفيذيين الجدد المعيَّنين من خارج الشركة، فإن لهم تأثيرًا قويًّا جدًّا في كلتا الحالتين، ويتمثل هذا التأثير في متوسط ارتفاع أو انخفاض بحوالي خمس نقاط مئوية في الإيرادات التشغيلية السنوية المعدلة حسب المجال، ومثل هذا التغيير يعني لكثير من الشركات أحد أمرين: إما مضاعفة ربحيتها (في حال كان التأثير على الأداء إيجابيًّا) أو القضاء الكامل على أرباحها. يعرض الشكل ٦-١ نتائج هذه الدراسة.5
أي إنه بغية تحسين أداء الشركة، إذا أُجبِر موظف على مغادرة منصبه فينبغي استقدام مرشح خارجي ليحل محله. يستشهد الباحثان بحالة لو جيرستنر في شركة آي بي إم كمثال بارز على تلك النقطة. أورد كورانا ونوريا قائلَيْن: «يمتلك المرشحون الخارجيون المهارات والقدرات اللازمة للوفاء بمهمة التغيير، مع غياب الأعباء الموروثة التي عادةً ما تكبل المرشحين الداخليين.» لكن احذر من إقحام مرشح خارجي في بيئة ناجحة؛ فقد خلص الباحثان إلى أن ذلك يؤدي إلى تراجع الأداء بنحو ستة في المائة في المتوسط.6
fig25
شكل ٦-١: التأثير تبدُّل الرئيس التنفيذي على الأداء. التغيير في الإيرادات التشغيلية المعدلة حسب الصناعة، بالنقاط المئوية (المصدر: «تأثير الرؤساء التنفيذيين الجدد على الأداء»، مجلة إم آي تي سلون مانجمنت ريفيو، شتاء ٢٠٠١).

(٢) مشكلة المتوسطات

إذن فالجواب بسيط، أليس كذلك؟ يجب ترقية المرشحين الداخليين بعد أي تعاقب طبيعي، بينما يجب البحث عن مرشحين خارج الشركة إذا أُقيل الموظف السابق، صحيح؟

ليس بالضبط؛ فدراسة كورانا ونوريا لا تورد إلا النتيجة المتوسطة، لكن حسبما درست في أول مقررات الإحصاء، قد يصل بك سوء الحظ إلى بركة لا يتجاوز ارتفاع مائها ٥٠سم، «في المتوسط».

في الثالث عشر من مارس ٢٠٠٥، حصل روبرت إيه إيجر، رئيس والت ديزني كومباني، على ترقية ليصبح بذلك رئيسها التنفيذي خلفًا لمايكل إيزنر الذي حاصرته الانتقادات. شكك حينَها الكثير من المراقبين في صحة هذا القرار الذي رُقِّيَ بموجبه مرشح داخلي عقب إقالة سلفه، وأجمع أغلب الخبراء أنه لكي ينجح إيجر، فيجب عليه أن يحدد رؤيته الخاصة وينفذها؛ أي بمعنًى آخر، عليه أن يتصرف كما لو كان قادمًا من خارج الشركة.7
وهذا ما فعله بالضبط؛ فقد أقدم أولًا على إقالة أحد كبار مساعدي إيزنر، في إشارة واضحة إلى التغيير.8 ثم نقل كبير الخبراء الاستراتيجيين في الشركة إلى منصب آخر، وأعلن عن خطط لحل قسم التخطيط الاستراتيجي، وتعهد في الوقت ذاته بإعادة دفع سلطة اتخاذ القرار إلى وحدات العمل المنفردة، متراجعًا بذلك عن الاتجاه نحو المركزية الذي ترسخ في عهد إيزنر.

علاوة على كل ما سبق، بدأ إيجر بإعادة بناء العلاقات الحيوية مع بيكسار أنيميشن ستوديوز، وهي الخطوة التي أسهمت في رد العديد من منتقدي الشركة المؤثرين إلى صفوف الأصدقاء. (من المنطلق ذاته، أقنع إيجر روي ديزني بالانضمام مرة أخرى إلى الشركة وأن يعمل مستشارًا لها.) كما أقال قادة موبيتس هولدينج كومباني الذين عيَّنهم إيزنر، في إشارة أخرى إلى أن يومًا جديدًا قد سطعت شمسُه.

ثم بدأت التغييرات الحقيقية؛ أعلنت الشركة في يناير ٢٠٠٦ عن استحواذها على بيكسار مقابل ٧٫٤ مليار دولار أمريكي؛ مما ترتب عليه تعيين جون لاسِتِر مديرًا إبداعيًّا لكلٍّ من استوديوهات الرسوم المتحركة الخاصة بديزني/بيكسار ووالت ديزني إيماجينيرينج (وهو القسم المسئول عن تصميم معالم الجذب في مدن الملاهي)، وجعل مالك بيكسار السابق، ستيف جوبز، أكبر المساهمين في الشركة ومنحه عضوية مجلس إدارة ديزني؛ أي إن إيجر، من خلال عملية استحواذ واحدة، استطاع أن يضم إليه نابغة إبداعية من الطراز الأول وواحدًا من عباقرة التكنولوجيا.

لا شك أنه لا يزال هناك خلاف بشأن نجاح إيجر وديزني الجديدة، لكن النقطة التي تهمني هي أن إيجر تصرَّف كما لو أنه كان معيَّنًا من خارج الشركة برغم كونه من داخلها. إذن، برغم النتائج القائمة على المعدلات المتوسطة، فإنه يتضح أن بإمكان بعض المرشحين الداخليين إضافة قيمة عظيمة لشركاتهم، حتى في حال إقالة الرئيس التنفيذي السابق ودعت الحاجة إلى إجراء تغيير كبير، ويستطيع بعض المرشحين الخارجيين المناسبين، بالمثل، أن يضيفوا إلى شركاتهم قيمة عظيمة حتى ولو كان أسلافهم قد غادروا الشركة مرفوعي الرءوس ولم تبرز حاجة إلى تغيير ضخم. السر في أن تجد أفضل مرشح محتمل لكل موقف، واضعًا في الاعتبار كلًّا من المرشحين الداخليين والخارجيين.

إذا تجاوزنا نتائج كورانا ونوريا القائمة على المعدلات المتوسطة، مع الاستمرار في الاستفادة من بياناتهم الفريدة؛ فبإمكاننا إلقاء النظر على نطاق نتائج الأداء المترتبة على تبدُّل الرؤساء التنفيذيين، وهو ما يتضح في الشكل ٦-٢، الذي يُبين مدى احتمالات منبنية على أخذ قيمة منخفضة من بين انحرافين معياريين أقل من المتوسط وقيمة أخرى مرتفعة من بين انحرافين معياريين فوق المتوسط.
fig26
شكل ٦-٢: مدى تأثير الأداء الناتج عن تبدُّل الرؤساء التنفيذيين. التغيير في الإيرادات التشغيلية المُعدَّلة بحسب المجال، بالنقاط المئوية (المصدر: راكيش كورانا ونيتين نوريا، «نتائج الأداء المترتبة على تبدُّل الرؤساء التنفيذيين» (١٥ مارس، ٢٠٠٠) http://ssm.com/abstract-219129، تحليل المؤلف).
يشير الشكل ٦-٢ إلى عدة نتائج رئيسية:
  • حين سارت الأمور على ما يُرام، أدت ترقية المرشحين الداخليين إلى فارق إحصائي كبير في تأثير الأداء، محققةً بعض النجاحات المتميزة وبعض الإخفاقات المروعة؛ لذلك حين تسير الأمور كما ينبغي، عليك أن تحرص حرصًا شديدًا على التطلع إلى المستقبل، وأن تتأكد من أن الشخص الذي تقوم بترقيته يمتلك القدرات الضرورية.

  • وبرغم أن مدى تأثير الأداء في حالة تعيين المرشحين الخارجيين كان واسعًا للغاية أيضًا، مع وجود احتماليات لإضافة قيمة ملموسة أو وتدميرها على السواء، فإن الفارق الإحصائي كان أقل؛ مما يوحي إليَّ بأن تقييم هؤلاء المرشحين الخارجيين جرى بمزيد من التدقيق.

  • بالنظر إلى هذه الفوارق، يتضح أنه ليس ثمة قاعدة قاطعة فيما يخص المرشحين الداخليين مقارنةً بنظرائهم الخارجيين؛ ففي بعض الشركات والمواقف، يكون أفضل مرشح داخلي خيرًا من أي مرشح خارجي، بينما يكون المرشح الخارجي المناسب هو أفضل خيار في البعض الآخر.

بالرغم من ذلك، بإمكاننا التوصل إلى تعميمين. الأول هو أن الشركات الكبيرة ذات المهارة العالية في تنمية موظفيها، كما هو الحال في جنرال إلكتريك، غالبًا ما ستملك أفضل مرشحين داخليين، محققةً بذلك أعلى قيم محتملة في الشكل ٦-٢، غير أنه حتى هذه الشركات ينبغي عليها أن تفكر في البحث عن مرشحين خارجها في حالة إقدامها على مشروعات جديدة تمامًا؛ وذلك لجميع الأسباب الواردة في الفصل الخامس. كما أن ضخامة الشركة لا تعني بالضرورة امتلاكها للكوادر المناسبة؛ فعندما انتقل لاري بوسيدي من جنرال إلكتريك ليتولى قيادة أليد سيجنال، اكتشف أن التعيينات الداخلية كانت في غاية الصعوبة، على الأقل في بداية تولِّيه منصبه، ولم يعطِ الأولوية للمرشحين الداخليين إلا بعد أن أقام قاعدة من الكوادر.

أما التعميم الثاني، فإن جزءًا منه مستمد من بحث أجراه مركز القيادة الخلاقة حول عمليات انتقاء المسئولين التنفيذيين. خلص القائمون على البحث إلى أنه من الأفضل على الدوام أن تضع الشركات في اعتبارها المرشحين الداخليين والخارجيين على السواء عند بحثها عن المرشح، واكتشفوا على وجه التحديد أن مجموعات المرشحين المتاحين للشركات التي أثبتت نجاحًا في الانتقاء الداخلي ضمت عددًا أكبر من المرشحين الخارجيين مقارنةً بمجموعات المرشحين المتاحين للشركات التي لم تنجح في الانتقاء الداخلي، وانطبقت النتائج ذاتها على الشركات التي نجحت في انتقاء مرشحين خارجيين مناسبين: احتوت مجموعات المرشحين المتاحين لها على عدد أكبر من المرشحين الداخليين مقارنةً بنظائرها من الشركات التي لم تنجح في ذلك.

إيجازًا لما سبق، أنت في حاجة إلى مجموعة متوازنة من المرشحين، خاصة عند اتخاذ القرارات الحيوية المتعلقة باختيار الأشخاص، بحيث تتمكَّن من تحديد أفضل مرشح واختياره، بصرف النظر عن كونه من داخل الشركة أو خارجها.9

(٣) الابتكار

لطالما تأمَّلت في الأسباب التي تدفع الشركات إلى التقصير في وضع الاستثمارات الكافية في إيجاد المرشحين المحتملين، برغم ما تنطوي عليه القرارات الخاطئة من تبعات مدمرة وما تحمله القرارات السديدة من مكاسب مجزية.

أعتقد أن الجزء الأول من الجواب هو أننا كبشر نميل بطبيعتنا إلى تجنُّب المجازفات حين تسير الأمور على ما يرام؛ إننا نفضل اختيار ما نعرفه ولو كان سيئًا؛ نظرًا لصعوبة تقييم المرشحين. وعلى النقيض، حين تتدهور الأمور، غالبًا ما نفتقر إلى القوة العاطفية (أو الوقت!) لمواصلة البحث عن خيارات؛ فنتطلع إلى إنجاز الأمور سريعًا ونرضى بما لدينا من مرشحين أيًّا من كانوا؛ لكننا بهذه الطريقة نزيد من معدلات إخفاقنا ونفرِّط في إمكانيات إيجابية هائلة.

يقدِّم مجال الابتكار قياسًا وثيق الصلة بموضوعنا هذا؛ إن أكبر ١٠٠٠ شركة على مستوى العالم في الإنفاق على البحث والتطوير بلغ حجم استثماراتها في مجال البحث والتطوير حوالي ٤٠٠ مليار دولار في ٢٠٠٤، ويشهد الإنفاق على الابتكار نموًّا سنويًّا بمقدار ٦٫٥ في المائة منذ ١٩٩٩ (أو ١١ في المائة سنويًّا اعتبارًا من ٢٠٠٢، وهو ما يُعد زيادة ضخمة).10
ربما تبدو هذه الأرقام ضخمة، أو حتى ضخمة بما يكفي، لكن كثيرًا من المحللين يعتقدون أن الشركات لا زالت تنفق على الابتكار أقل كثيرًا من المطلوب؛ فكل من تشارلز آي جونز من جامعة ستانفورد وجون سي ويليامز من البنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو ذهبا إلى أن المستوى المناسب للإنفاق على البحث والتطوير الذي تحتاج الشركات الأمريكية إليه لضمان معدلات نمو ثابتة هو أربعة أضعاف المستوى الحالي.11

كما هو الحال في مسألة إيجاد مرشحين للمناصب العليا، يمكننا أن ندرك أن علينا بذل المزيد لكننا مع ذلك قد لا نُفلح في سد هذا العجز. غالبًا ما تقرر الشركات التي تشهد ازدهارًا، بناءً على استثمارات سابقة في مجال الابتكار، أن تجني ثمار بعضٍ من ذلك الاستثمار السابق، أما الشركات التي تفتقر إلى المنتجات الجديدة فغالبًا ما تُخفق في توفير التمويل اللازم للاستثمار في المستقبل.

يوجد وجه آخر مثير للاهتمام للتداخل بين الابتكار واختيارات الموظفين: الاختيار بين المرشحين الداخليين والخارجيين. لا يهم كم تنفق على الابتكار إذا ما لم توظف أموالك في المكان المناسب، وأحيانًا يكون هذا المكان خارجَ الشركة. في كتابه الأكثر مبيعًا الذي يحمل عنوان «الابتكار المفتوح»، يقدِّم هنري تشيسبرو، الذي كان زميلًا لي في ستانفورد، حُجَّة قوية تدعم الفكرة القائلة بأن البحث عن فرص للابتكار خارج الشركة مِفتاح لزيادة العائد من استثماراتك في الابتكار.12
برغم محدودية الأبحاث التي تتناول تأثير الربحية المترتب على البحث عن فرص الابتكار خارج الشركة، فإن بعض الدلائل التي ظهرت مؤخرًا تشير بقوة إلى أن مزيدًا من أنشطة الابتكار المنفتحة يؤدي إلى تحسُّن الأداء؛ فعلى سبيل المثال، أكدت دراسة حديثة حول أداء الابتكار في شركات التصنيع في المملكة المتحدة على الربحية المحتمل تحقيقها إثر التوجه إلى خارج الشركة من أجل إيجاد مرشحين للقيام باستثمارات في الابتكار.13

ينطوي البحث خارج الشركة عن مرشحين للمناصب القيادية على نفس الإمكانيات. يكمن التحدي في إيجاد المرشحين، وتقييم المرشحين الداخليين مقارنة بنظرائهم الخارجيين، وإدراك متى يجب التوقف عن البحث.

(٤) الحاجة إلى المقارنات المرجعية

كما رأينا في الفصل الثاني، يزداد فارق الأداء بين المدير الجيد وغير الجيد على نحو متسارع مع ازدياد درجة تعقُّد الوظيفة؛ لذا ينبغي عدم الاستهانة بالفارق بين المدير المتوسط والمدير صاحب الأداء المتميز، لا سيما في المناصب العليا، والامتداد المنطقي لهذه النتيجة هو أن جهود الشركات لتعيين الأشخاص في المناصب العليا ينبغي أن تزداد على نحو متسارع مع ارتفاع الدرجة الوظيفية وتعقُّدها.

يُعتبر عقد المقارنات المرجعية جانبًا من تلك الجهود. مَن أفضل الموجودين على الساحة؟ وأين يقف مرشحونا مقارنةً بذلك الشخص المتميز؟

لنأخذ مثالًا واقعيًّا. حين أقدمت شركة أمريكية متخصصة في المعدات الحاسوبية على تعيين مدير إقليمي لها في آسيا، بدأت أولًا بتحديد جميع الرؤساء التنفيذيين، ومديري العمليات، وجميع المناصب التنفيذية العليا الأخرى في شركات مستهدفة في المنطقة مرتبطة بالمجال، ومن بينها الباعة المشابهون للمعدات الحاسوبية، ومزودو البرمجيات والخدمات الإلكترونية المتصلة بمجالات عملهم، والموردون، وحتى الشركات العاملة في قطاعات بعيدة الصلة، مثل مجال الاتصالات عن بُعد. أسهمت الاتصالات المبدئية بالجهات المرجعية الخاصة بكل واحد من الأسماء الواردة في قائمة المرشحين (التي أجرتها شركة بحث) في تقليص القائمة الأولية الطويلة بنسبة تقارب ٩٠ في المائة. بالإضافة إلى ذلك، أُعِدت قائمة ثانية من مرشحين آسيويين يعملون في مناطق أخرى، في أمريكا وأوروبا بصفة أساسية، ويحملون خلفيات ذات صلة، وخضعت هذه القائمة للفحص المنهجي، ثم أُعِدت قائمة ثالثة من المسئولين التنفيذيين السابقين في جميع الشركات المستهدفة. وأخيرًا، تضمنت قائمة رابعة مسئولين تنفيذيين من قطاعات أخرى؛ كقطاع السلع الاستهلاكية والمعمرة، ممن يتمتعون بمؤهلات متميزة فيما يخص الكفاءات الأساسية المطلوبة للمنصب وينسجمون مع ثقافة الشركة والدولة.

تولى الفريق القائم على التعيين، الذي يضم نائب رئيس الشركة الإقليمي لمنطقة آسيا ومدير الموارد البشرية في الشركة، اختزال القوائم المجمعة لأكثر من ١٠٠ مرشح محتمل في اثني عشر اسمًا فقط. عقد فريق التعيين مقابلات شخصية مع هذه المجموعة المكونة من اثني عشر مرشحًا وقورِنوا بأفضل مديرين حددهم نشاط المقارنة المرجعية.

تُعتبر شركة منتجات الألبان العالمية المذكورة في الفصل الخامس مثالًا ثانيًا على المقارنة المرجعية؛ فقد أجرت الشركة مقارنة مرجعية مفصلة للمرشحين. في حالة تلك الشركة، اتضح، بمجرد إقرار الكفاءات المطلوبة والمستويات المستهدفة، أن الشركة في حاجة إلى بذل جهد كبير في البحث الخارجي وتحديد المرشحين المحتملين على صعيد عالمي. أنجز الفريق القائم على التعيين هذه المَهمة بمساعدة شركة متخصصة في البحث التنفيذي، حددت مرشحين من حول العالم وأجرت تقييمات لهم. وقد أتاح هذا التعاون الخارجي للشركة رؤية متميزة لعشرات المرشحين المحتملين من عدة دول مختلفة وفرصة فريدة للوصول إليهم، مع الحفاظ التام على سرية العملية.

استعان الفريق بعملية مقارنة مرجعية بسيطة لكن أثبتت فاعليتها؛ فقد قدَّروا أهمية الكفاءات الخمس التي اعتُبِرَت ذات صلة ثم قيَّموا كل مرشح مقارنةً بكل كفاءة وفق مقياس متدرج من ١ إلى ١٠. (تقلَّص احتمال وقوع «تفاوت في التقديرات» إلى أدنى حد بفضل قيام شركة البحث المعنية بمقارنة المرشحين على مستوى عالمي في أغلب الأحيان.) أقدم الفريق بعدها على حساب النتيجة المرجحة، وأضاف إليها توصيفات نوعية لأهم نقاط القوة والمشكلات لدى كل مرشح من المرشحين من داخل الشركة وخارجها على السواء.

يستدعي إجراء مقارنة مرجعية للمرشحين وصفًا واضحًا لأفضل المرشحين المحتملين الخارجيين؛ لكنه يتطلب أيضًا نظرة موضوعية عميقة للخيارات الداخلية. تأمَّل هذا المثال الخاص بشركة برمجيات دولية كانت لا تزال تستعين بمؤسسيها كموظفين. لجأت المؤسسة إلى شركة بحث تنفيذي لإيجاد رئيس تنفيذي خارجي، كان في السابق مسئولًا تنفيذيًّا رفيع المستوى في شركة تكنولوجية كبرى. سرعان ما عيَّن الرئيس التنفيذي الجديد عدة مسئولين تنفيذيين من نفس شركته السابقة، غير أن الفريق الجديد لم يُفلح في التكيُّف مع الثقافة القائمة للشركة، وانتهى الأمر بإقالة جميع أفراد هذا الفريق.

أُجريت عملية بحث لاحقة وقفت على أحد مديري الإدارة العليا في داخل الشركة (أُقصي في عملية بحث سابقة) باعتباره مرشحًا قويًّا. أسفر تقييم هذا الشخص بالمقارنة مع أبرز مرشَحْين خارجيين أن هذا المرشح الداخلي كان الأفضل للوظيفة؛ ويرجع جزء من ذلك إلى أن المحافظة على ثقافة الشركة (والاستقرار) كانا ضمن الاعتبارات الرئيسية لدى الشركة.

(٥) متى يجب التوقف عن البحث

لنرجع الآن إلى مَهمتي الأولى في بوينوس أيريس، حيث كنت مكلفًا بالبحث عن مدير جديد للتسويق والمبيعات لكيلمس، الاسم التجاري لمنتج الْجِعَة البارز الخاص بشركة كوينسا.

ما عدد المرشحين الواجب إيجادهم قبل أن أصل إلى يقين بأنني قد قدمت لعميلي أفضل مرشحين ممكنين؟ قررت أن أعثر على حوالي ١٠٠ مرشح وأن أتناولهم بالبحث؛ اقتداءً بما فعلته في أكثر مهامي خلال سنوات عملي الأولى كاستشاري في البحث التنفيذي. (لا تسألني عن السبب وراء اختيار هذا الرقم. ربما اعتقدت أن ١٠ عدد قليل للغاية وأن ١٠٠٠ عدد ليس في الإمكان.)

دائمًا ما ينصح خبراء صناعة القرارات بألا تحصر نفسك وسط خيارات محدودة.14 ولقد توصَّل الأكاديميون الدارسون لعمليات البحث عن الرؤساء التنفيذيين إلى أن القاعدة العامة تنص على أن مجالس الإدارة عليها أن توسِّع نطاق مجموعة مرشحيها. 15 إذن، من الأفضل زيادة عدد المرشحين. لكن يبرز نفس السؤال مجددًا: كيف تعرف متى تتوقف عن البحث؟

تأتي إحدى الإجابات عن هذا السؤال من علماء الإحصاء الباحثين في «مسألة المهر». نشأت هذه المسألة حين رغب أحد السلاطين في اختبار حكمة كبير مستشاريه، الذي شاءت الصدفة أن يبحث عن زوجة له في الوقت نفسه. خطط السلطان بأن يجلب ١٠٠ فتاة من أنحاء المملكة وأن يعرضهن أمام المستشار واحدةً تلو الأخرى، وكان على المستشار أن يختار الفتاة الأعلى مهرًا. كان بإمكان المستشار بالطبع سؤال كل فتاة عن مهرها، وعليه، عند رؤية كل فتاة، أن يتخذ قرارًا بالزواج منها أو تجاوزها؛ لكن ليس له أن يعود إلى أية فتاة سبقت له رؤيتها. إذا استطاع أن يختار الفتاة الأعلى مهرًا، فسوف يتزوجها ويحتفظ بمنصبه ككبير مستشاري السلطان، أما إذا أخفق، فسوف يُقتل.

أثبت علماء الإحصاء أنه في موقف كهذا، تُعتبر «قاعدة ٣٧ في المائة» أفضل استراتيجية. تنص هذه الاستراتيجية على أن يرى المستشار أول ٣٧ فتاة واحدة تلو الأخرى، مع تذكُّر أعلى مهر في هذه المجموعة، الذي سنطلق عليه حرف «ح»، ثم ابتداءً من الفتاة الثامنة والثلاثين، سيختار أول فتاة تصادفه تذكر مهرًا أعلى من «ح». تُعد قاعدة ٣٧ في المائة أفضل استراتيجية يمكن للمستشار أن يتبعها في سبيل تعظيم احتمالية نجاته من القتل.

غير أن هذه القاعدة تعتريها أوجه قصور واضحة. أولًا: لكي تتخذ خيارك الأخير، عليك أن تقابل ٣٨ فتاة على الأقل (٣٧ + ١) من إجماليِّ ١٠٠ فتاة، وأكثر بكثير، على الأرجح؛ فماذا لو كان العدد الإجمالي من المرشحين لديك ١٠٠٠ لا ١٠٠؟ ألديك متسع من الوقت لدراسة ٣٧١ مرشحًا (على أقل تقدير)؟

تناول بعض الباحثين تلك المشكلة تحت عنوان «استراتيجية سريعة ومقتصدة لاتخاذ القرارات»، في محاولة للتوصل إلى طرق تحقق نتائج أفضل مع عينة أصغر حجمًا بكثير. إحدى المجموعات التي تعمل على مبدأ «الأقل أفضل» توصلت إلى أن القواعد الأبسط — مثل «جَرِّب دستة» — والتي تعني تحليل ١٢ مرشحًا فقط قبل الشروع في مقارنة المرشحين اللاحقين بأفضل مرشح سابق — ليست فقط أكثر توفيرًا (من حيث عدد المرشحين محل التحليل) لكنها أقوى أيضًا.16 لا، لن ترفع هذه القاعدة احتمالية إيجاد المرشح الأفضل على الإطلاق؛ لكنها تتميز بالفاعلية وسوف تؤدي إلى أعلى قيمة متوقعة للمرشحين وتقليل احتمالات اختيار مرشح غير كفء في الوقت ذاته. من الجدير بالملاحظة أن قاعدة «جَرِّب دستة» لا تصلح فقط عند التعامل مع مجموعة إحصائية مكونة من ١٠٠ مرشح، بل تفيد أيضًا في حالة وجود مجموعات مكونة من عدة آلاف.
fig27
شكل ٦-٣: القيمة المتوقعة للنقطة العظمى في توزيع طبيعي معياري.

ربما تبدو هذه النتيجة مثيرةً للدهشة؛ لكن هذه الدهشة قد تزول لو نظرنا إلى الإحصائيات ذات القيم القصوى. إذا أخذت عينة عشوائية من توزيع طبيعي، فستجد أن القيمة المتوقعة للنقطة العظمى تتزايد مع تزايد حجم العينة، لكن بمجرد وصول العينة إلى حجم كبير بما يكفي، لن تتزايد القيمة المتوقعة للنقطة العظمى بشكل ملحوظ مع عينات أكبر حجمًا. إذا نظرت إلى توزيع طبيعي معياري (حيث تبلغ قيمة المتوسط الحسابي ٠ وقيمة الانحراف المعياري ١) وأخذت عينة حجمها ١؛ فسوف تكون القيمة المتوقعة بطبيعة الحال ٠. يمكننا باستخدام أحجام أكبر من العينات أن نحسب القيمة المتوقعة للنقطة العظمى في العينة. هَبْ أنك أخذت عينة كبيرة جدًّا، فمن الراجح أن النقطة العظمى ستكون ٢ أو أعلى قليلًا (رقم ٢ يعني بطبيعة الحال انحرافَيْن معياريين فوق المتوسط الحسابي، وهو ما يقل احتمال حدوثه في توزيع طبيعي).

يشرح الشكل ٦-٣ القيمة المتوقعة للنقطة العظمى لمثل هذا التوزيع تبعًا لحجم العينة. كما ترى في هذا الشكل، فإن عينة حجمها ١٠ سوف تُنتج قيمة متوقعة قريبة من ١٫٦، وهو ما لا يبعد كثيرًا عن النقطة العظمى العملية وقيمتها ٢. إن مثل هذا الشكل يساعدك على فهم السبب وراء نجاح قاعدة «جرب دستة» حتى في حالة اختيار عينة مرشحين من أصل مجموعة كبيرة للغاية.

(٦) لكن ماذا عن اختياراتهم؟

ربما تستخلص من هذا أنه يكفيك أن تقابل ١٢ مرشحًا كي تضع حدًّا معينًا لتطلعاتك في المرشحين؛ لكن الأمر، للأسف، ليس بهذه البساطة؛ لأننا نتعامل مع اختيارات متبادلة. هذا يعني بعبارة أخرى أن الشخص الذي تختاره يجب أن يختارك أيضًا.

إذا كان من المحتمل أن يُبديَ مرشح واحد فقط من بين خمسة مرشحين اهتمامًا بالوظيفة التي تقدمها؛ فستتطلب قاعدة «جَرِّب دستة» مقابلة ٦٠ مرشحًا، لا ١٢؛ لكي تضع حدًّا معينًا لتطلعاتك. على صعيد الزواج، تناولت مجموعة إيه بي سي البحثية بالتحليل هذا التحدي الخاص بالاختيار المتبادل.17 اتضح أن الاستراتيجية المثلَى تستدعي في واقع الأمر دراسة حوالي ٢٠ فردًا قبل أن تتمكَّن من وضع حد لتطلعاتك.

لكن ثمة استدراكًا هنا. إذا واصلنا حديثنا على صعيد التزاوج؛ فمن الجدير بالذكر أن عليك تقدير جاذبيتك الخاصة مستعينًا بنوعين من التقييم الصادر عن أفراد الجنس الآخر: العرض والرفض؛ أي إنه إذا تقدَّم إليك شخص في غاية الجاذبية بالنسبة إليك؛ ففي إمكانك أن ترفع سقف تطلعاتك، وفي الوقت ذاته إذا رفض عرضَك شخصٌ تعتبره أقل من المثالي؛ فعليك عندئذٍ أن تخفض سقف تطلعاتك. بعد مرور فترة من المراهقة وما يقرب من ٢٠ تفاعلًا تستعين بهم في الحصول على تقييم لجاذبية عرضك، عندها فقط ستكون في وضع يسمح لك باختيار واحد من أفضل شركاء حياتك المحتملين وأن تجتذبه، ودون أن تُنهكك هذه العملية!

إذا عُدنا إلى مجال التعيينات وحاولنا تطبيق هذه النتيجة عليه؛ فإن هذا يعني أنك لو استطعت أن تبحث بذكاء عن المرشحين وأن تتعلم من التقييمات الواردة إليك من السوق؛ فلن تحتاج إلى دراسة ١٠٠ مرشح، بل ما يقرب من ٢٠ مرشحًا فقط.

(٧) إيجاد المرشحين الداخليين

نعود مجددًا إلى العالِمَين الراغبين في الزواج: كيبلر وداروين. نتج الزواج الثاني الناجح لكيبلر عن دراسته المنهجية لأحد عشر اختيارًا خارجيًّا، وهو الجهد الذي دام عامين واجهه خلالَهما كثير من العقبات. أما داروين فاكتفى باختيار مرشح داخلي (ابنة عمه إيما) وكان سعيدًا جدًّا كذلك باختياره، الذي حظي بميزة عظيمة ألا وهي الكفاءة العالية. ربما تستنتج بِناءً على هذه العينة الصغيرة أن المرشح الأفضل قد يكون داخل مؤسستك، وقد يكون ذلك صحيحًا في كثير من الحالات. حتى حين تُجري مقارنة مرجعية لمساعدتك في المقارنة بين خياراتك المتاحة، ينبغي عليك بالتأكيد بذل قدر كبير من الوقت والجهد في تحديد المرشحين المحتملين داخليًّا.

إن أغلب الشركات، للأسف، تواجه إحدى مشكلتين: إما أنها لا تمتلك خططًا ملائمة للتعاقب الوظيفي أو أنها لا تستخدمها حين تحل الأزمات؛ فكما أشرنا سابقًا، يشير مركز القيادة الخلاقة إلى أن خطط التعاقب الوظيفي كانت أقل المصادر استعمالًا للحصول على معلومات عن المرشحين خلال البحث التنفيذي؛ إذ لم تُستخدم إلا في ١٨ في المائة فقط من الحالات.18

فماذا تفعل إذن في ٨٢ في المائة من الحالات الأخرى؟ تُعتبر تقييمات الأقران واحدة من الإجابات؛ إذ تُستخدم في ٥٢ في المائة من هذه الحالات. في الواقع، يمكن أن يكون الرجوع إلى الأقران باعتبارهم جهات مرجعية ذات فائدة بالغة؛ عندما سأل الرئيس التنفيذي لجنرال إلكتريك، ريجينالد جونز، كبار المسئولين التنفيذيين في الشركة عمن يخلفه لو حدث أن لقي حَتْفه في حادث طائرة، كان أكثر الإجابات تكرارًا هو جاك ويلش، وهو خيار ليس سيئًا!

دأب عالم النفس ألين كراوت على دراسة المسارات المهنية للمسئولين التنفيذيين العاملين في الإدارة الوسطى لدى واحدة من الشركات المدرجة في قائمة فورتشن لأكبر مائة شركة في الولايات المتحدة الأمريكية. بِناء على ترشيحات الأقران التي قدمها مُدَراء في برنامج تدريب للمسئولين التنفيذيين، من بين الثلاثين في المائة الأعلى ضمن مجموعتهم كونهم يتمتعون بإمكانيات تنفيذية عالية، ترقى ١٤ في المائة ليصبحوا رؤساء شركات في مقابل اثنين في المائة من نسبة السبعين في المائة الأقل. بعبارة أخرى يقول كراوت: «أولئك الذين صنفهم أقرانهم من بين أعلى ٣٠ في المائة كانت احتمالية ترقيتهم إلى المناصب الإدارية العليا ٧ أضعاف غيرهم.»19

ماذا عساك أن تفعل أيضًا في حال لم تتوفر لديك خطط ملائمة للتعاقب الوظيفي؟ يمكنك (وربما ينبغي عليك) أن تُجري على المدى البعيد تقييمًا منهجيًّا للمرشحين الداخليين، إما بالتركيز على المرشحين المحتملين لمنصب معين أو بتوسيع دائرة تركيزك إن كانت شركتك تشهد نموًّا ملموسًا. وأخيرًا، إذا كانت مؤسستك كبيرة بما فيه الكفاية؛ فعليك أن تفكر جديًّا في بناء مستودع كفاءات، مادته موظفوك في جميع أنحاء العالم.

ساعدنا، على مر السنوات القليلة السابقة، أحد عملائنا (أحد كبار الموردين العالميين للمعدات الثقيلة) على بناء مستودع كفاءات؛ وذلك بدعم من أداة على شبكة الإنترنت لإدارة الموارد البشرية، كانت الشركة قد طورتها لرصد وتتبُّع كفاءات جميع موظفيها حول العالم. صارحَنا القائمون على هذا العمل أن أحد أهدافهم كان تقليص حجم البحث عن الكفاءات في الخارج؛ وذلك من خلال تحديد المرشحين الداخليين المتميزين المحصورين في تخصصاتهم داخل المؤسسة. (ولقد ساندنا، بالمناسبة، ذلك العمل بشدة!)

جميع برمجياتهم حول العالم تعمل على حاسوب خادم واحد، وجميع متخصصي الموارد البشرية في الشركة والموزعين على ٥٠ دولة تقريبًا يتصلون بهذا الخادم ويستخدمونه بكثافة. يعمل هذا الخادم كسجل مركزي لكوادر الشركة يجري تحديثه يوميًّا، كما يُستعمل لتتبع التغيرات بمرور الوقت، ويستخدمه فريق التقييم لإدخال جميع التقييمات فيه، سواءٌ كانت تقييمات إدارية خاصة أو تقييمات سنوية، بما فيها تقييمات الكفاءات. لذا، فإن كنت، كمتخصص في الموارد البشرية، تبحث عن شخص لأداء دور معين، فيمكنك أن تُخضع بحثك لعدة معايير: التعليم، والخبرة المكتسبة في الشركة، والتدريب الخاص، والسمات الشخصية والكفاءات. بالنسبة لهذه الشركة، فقد أسهمت تصفية المرشحين باستخدام مقاييس بالغة التطور للكفاءة في الحد بشكل كبير من الحاجة إلى البحث الخارجي الناتج عن الجهل بالكوادر الداخلية أو أثَرة كل قسم بما لدية من كفاءات، بينما ساعدت في الوقت ذاته على تحقيق تحسُّن هائل في معدلات نجاح الترقيات الداخلية.

(٨) كيف يجد الناس الوظائف؟

شبَّه ألفريد مارشال ذات مرةٍ تحليل سوقٍ ما من جانب واحد بمحاولة قص شيء باستخدام أحد طرَفَي الْمِقَصِّ؛ فكما يبحث أصحاب الأعمال عن أفراد لتوظيفهم، يسعى هؤلاء الأفراد للعثور على وظائف، وينبغي بالتأكيد أن نضع سلوكهم في اعتبارنا أثناء محاولتنا التوفيق بين الأفراد والوظائف.

شهدت أوائل السبعينيات دراسة كلاسيكية أجراها مارك جرانوفيتر لمعرفة كيف عثر ٢٨٢ رجلًا في نيوتن بولاية ماساتشوستس على وظائفهم، وكانت هذه الدراسة من أوائل الأبحاث التي توثق هذه السلوكيات على أرض الواقع.20 حلل جرانوفيتر عينة من المهنيين، والفنيين، والإداريين الذين كانوا يبحثون عن وظيفة، وأعار تركيزًا خاصًّا للاستراتيجيات التي استخدموها في بحثهم. تضمنت المجموعة الأولى ما أُطلق عليه «الوسائل الرسمية»؛ كالإعلانات، ووكالات التوظيف العامة والخاصة (ومنها خدمات البحث التنفيذي)، والمقابلات الشخصية والتعيينات برعاية الجامعات أو النقابات المهنية، ولجان التعيين في مهن محددة. (بالرغم من أن الإعلانات المنشورة على الإنترنت والخدمات المعتمدة على شبكة المعلومات لم تكن موجودة آنذاك، فإنها تقع ضمن هذه الفئة من الوسائل.) أهم ما كان يميز هذه الوسائل الرسمية أن الباحث عن الوظيفة كان يستخدم خدمات مقدمة من وسيط غير شخصي يصل بينه وبين أصحاب الأعمال المحتملين.

تضمَّنت ثانية الاستراتيجيات الرئيسية للبحث عن الوظائف «العلاقات الشخصية». تعني هذه الاستراتيجية أن الباحث عن الوظيفة يعرف شخصًا ما معرفة شخصية، وأن هذه المعرفة نشأت في سياق لا صله له ببحثه عن الوظيفة، ثم يدله ذلك الشخص على وظيفة ما أو يرشحه لمسئول داخل مؤسسة ما يُقدِم على الاتصال به لاحقًا.

أما الطريقة الثالثة الأساسية التي اتبعها هؤلاء الأفراد للبحث عن وظيفة فكانت «التقدم المباشر للوظيفة». يُقدِم الشخص المتَّبِع لهذه الطريقة على الاتصال بمؤسسة ما دون اللجوء إلى وسيط رسمي أو شخصي ودون أن يعرف من علاقاته الشخصية أن ثمة وظيفة شاغرة فيها. (يندرج تحت هذه الفئة التقدم المباشر للوظيفة من خلال الموقع الإلكتروني للشركة.)

اكتشف جرانوفيتر أن العلاقات الشخصية كانت الوسيلة الأكثر شيوعًا عند البحث عن وظائف؛ إذ لجأ إليها ما يقرب من ٥٦ في المائة ممن شملتهم الدراسة؛ فقد فضَّلها الباحثون عن الوظائف لاعتقادهم أنها تمكِّنهم من تلقِّي وإعطاء نوعية أفضل من المعلومات، كما لاحظت خلال خبرتي المهنية أن أغلب أصحاب الأعمال يفضلون كذلك التعامل من خلال العلاقات الشخصية.

إلى جانب كونها الوسيلة المفضلة لدى الطرفين، فإن العلاقات الشخصية، حسبما أورد جرانوفيتر، كانت الطريقة الأكثر فاعلية في العثور على وظيفة جديدة؛ فأولئك الذين استعانوا بعلاقاتهم الشخصية للحصول على وظيفة كانوا يشكلون أغلب من أعربوا عن رضاهم التام عن وظيفتهم، كما أن الوظائف التي يجدها الباحثون من خلال هذه الاستراتيجية عادةً ما تكون الأعلى من حيث الرواتب. لوحظ أن الوظيفة التي تُشغَل من خلال العلاقات الشخصية كثيرًا ما ارتبطت بمنصب مستحدث، وهو عادةً ما يمثل عامل جذب أقوى للباحثين عن وظائف؛ إذ يتضمن في الغالب تكييفًا للوظيفة بحيث تتلاءم مع احتياجات أول من يشغلها وتفضيلاته وقدراته. إلى جانب ذلك، وُجِدَ أن من استقروا في وظائفهم غالبًا ما عُيِّنوا من خلال العلاقات الشخصية مقارنةً بمن تكرر انتقالهم بين الوظائف.

إيجازًا، توصَّل جرانوفيتر (ومن جاء بعده من باحثين) إلى دلائل دامغة تشير إلى أن استخدام العلاقات الشخصية أدى إلى تعيينات أفضل مقارنةً بأية استراتيجية أخرى استخدمها الباحثون عن الوظائف.

(٩) قوة الروابط الواهنة

ما الذي دفع جرانوفيتر إلى إجراء هذه الدراسة؟ يُعزى ذلك جزئيًّا إلى ملاحظته غير المنهجية أنه حتى في حالة معرفته لقدر كبير من المعلومات عن خلفية شخص ما (أسرته، ومستوى ذكائه، وتحصيله العلمي، ومهنته)، إلا أنه لم يكن قادرًا على التنبؤ بدخل ذلك الشخص على نحو دقيق للغاية. لقد دفعته التفاوتات الهائلة التي لاحظها في الدخل إلى فرضية لامعة: إن احتفاظك بعلاقة مع الشخص المناسب في المكان المناسب والوقت المناسب قد يرتبط بمستويات دخلك فيما بعدُ. تمكَّن جرانوفيتر في نهاية المطاف من إثبات هذه الفرضية من خلال بحثه.

ثانية النتائج المذهلة التي توصَّل إليها جرانوفيتر هي أن احتمالية إجرائك لتغيير مهني كبير تتناسب بشكل عام مع نسبة الأفراد الذين تعرفهم شخصيًّا ويعملون في مهن تختلف عن مهنتك اختلافًا كبيرًا. اتضح أن الاحتفاظ بعلاقة سطحية مع شخص ما يُعد ميزة، وهي فكرة مثيرة للدهشة يمكن صياغتها في تعبير رائع: «قوة الروابط الواهنة»؛ فعلاقاتك بمعارفك من المنظمات الأخوية، أو الألعاب الرياضية، أو المجموعات الترفيهية أو فرق الهواة، أو المنطقة السكنية، أو الكلية، أو العطلات الصيفية يمكن أن تصبح من الأهمية بمكان لو فكرت في إجراء تغييرات كبرى في مسيرتك المهنية.

اشترك أفضل «الروابط الواهنة» في ميزتين أساسيتين:

  • (١)

    كانت علاقات مهنية لا اجتماعية.

  • (٢)

    كان هؤلاء المعارف يقعون في سلاسل معلومات قصيرة للغاية (بمعنى أنهم يعرفون الباحث عن الوظيفة نفسه أو يعرفون شخصًا يعرفه).

أما الباحثون الناجحون عن الوظائف، فقد اشتركوا — من جانبهم — في ثلاث سمات. أولها أن أولئك الذين لم يكونوا يبحثون عن الوظائف بحثًا حثيثًا حصلوا على وظائف أفضل من نظرائهم الذين كانوا ينشطون في البحث. وما يثير المزيد من الدهشة أن نصفهم حصلوا على وظائف دون مغادرة شاغل الوظيفة السابق. وأخيرًا، اعتمد أغلبهم اعتمادًا كبيرًا على علاقات وأنماط مهنية سابقة.

في محاولته التكهن بأسباب تفضيل أصحاب الأعمال والموظفين الاستعانة بالعلاقات الشخصية، لاحظ جرانوفيتر أن الروابط الشخصية قدمت مزيدًا من المعلومات المكثفة مقارنةً بمزيد من المعلومات الشاملة. يُعد الاستثمار في المعلومات الشاملة ملائمًا في حال كنت تتسوق بحثًا عن سلع نمطية، كسيارة جديدة، أما في حال كنت تقيِّم مرشحًا لوظيفة؛ فإن الحصول على معلومات مكثفة عنه له أهمية حيوية.

(١٠) إيجاد المرشحين الخارجيين

إذا تجاوزنا عام ١٩٧٤، حين نشرت دراسة جرانوفيتر أول مرة، وانتقلنا إلى ما بعده من سنوات، ونقلنا منظور حديثنا من الموظفين إلى أصحاب الأعمال، فسنجد أن بعض الأشياء قد طرأت عليها تغيرات كبيرة، بينما لم تتغير أشياء أخرى إلا بالقدر اليسير.21

(١٠-١) فاعلية الإنترنت

كان من التغييرات الكبرى التي طرأت على مدار العَقدين السابقين تفجُّر الاستقطاب الإلكتروني وانتشار السِّيَر الذاتية الإلكترونية والمواقع الإلكترونية المهنية المتخصصة في الاستقطاب على الإنترنت. علاوة على ذلك، أصبح بإمكانك نشر ما لديك من وظائف شاغرة على مجموعة متنوعة من لوحات الإعلان عن الوظائف على شبكة الإنترنت، ومن بينها لوحات الإعلان العامة، ولوحات الإعلان الخاصة بمجالات معينة، والمواقع الحكومية، ومواقع التنوع، ولوحات الإعلان في الكليات.

لقد كُتِبَت موادُّ كثيرة عن إيجاد الكفاءات المطلوبة لمؤسستك على شبكة الإنترنت وعن الاستفادة القصوى من المواقع الإلكترونية لشركتك، لا سيما فيما يخص إمكانياتها الوظيفية (الأدوات المتاحة للمستخدم) والمشاركة (وسائل جذب المستخدمين إلى الموقع، في ضوء الانتشار العام للمعلومات). لن ألخص هذه المسألة هنا، لكن من القواعد الأساسية أن تبحث عن طرق تجمع بها بين الإمكانيات الوظيفية والارتباط. تقدِّم المواقع الإلكترونية لبعض الشركات، مثلًا، أدوات تساعد زائري الموقع على تحديث سيَرهم الذاتية، التي يمكن بالطبع المواءمة لاحقًا بينها وبين الوظائف الشاغرة في الشركة أو تنزيلها على الموقع وتقديمها إلى شركات أخرى. لا شك أن تقديم المساعدة في العالم المادي للتجارة الإلكترونية يمكن أن يكون عاملًا للتمايز الحقيقي.

من الجليِّ أن إنشاء موقع إلكتروني جذَّاب أقرب إلى الفن منه إلى العلم؛ لكن ربما يصير شرطًا أساسيًّا للنجاح في إيجاد المرشحين في القريب العاجل (إن لم يكن بالفعل كذلك).22 ومع ذلك، فإن للإنترنت مثالبه الواضحة. حضرت في فبراير من عام ٢٠٠٠ برنامجًا تنفيذيًّا لرؤساء شركات الخدمات المهنية، وكان يحضره أيضًا رئيس فرع إحدى شركات البحث التنفيذي الكبرى في الأمريكتين. أخذ هذا الرئيس يباهي جهارًا بالاستثمارات الضخمة التي تضخها شركته في البحث على الإنترنت، واصفًا إياه بالمد القادم، وأخبرني، أمام زملائي، أن أيام شركتي معدودة، وأننا على وشك الانقراض كما الديناصورات.

أُقرُّ أن القلق ساورني حين اطَّلعت على الاستثمارات المذهلة التي توجهها هذه الشركة إلى الإنترنت، وفي أعقاب ذلك أجرينا استعراضًا استراتيجيًّا كبيرًا لمعرفة ما إذا كان ينبغي علينا استحداث نشاط قائم على الإنترنت، وتوصلنا إلى نتيجتين: أُولاهما أننا سنواصل الاستثمار المكثف في التكنولوجيا وسنستخدم الإنترنت لتحسين عملنا. ثانيتهما أننا سنجتهد لتجنُّب الفخاخ الخاصة التي يفرضها الإنترنت.

فالتكنولوجيا، مثلًا، تتيح لك جميع أنواع المعلومات حول المرشحين، وغالبًا ما تقدمها لك في شكل قابل للبحث، إلا أن جودة تلك المعلومات تتوقف دائمًا على معرفة الشخص الذي يقدمها على شبكة الإنترنت وأمانته في الأساس. في كثير من الحالات، ينشر المتقدم إلى الوظيفة المعلومات بنفسه على الإنترنت. حسنًا، ما مدى وعي ذلك الشخص بذاته؟ ما درجة أمانته؟

حضرت في يونيو ٢٠٠٢ برنامجًا للمتابعة في هارفارد، ولقيت مرة أخرى ممثل الشركة المنافسة لنا ذاته، وأسرَّ إليَّ أن شركته تكبدت خسائر تفُوق المائة مليون دولار لاستثماراتها في الإنترنت، وهو ما يُعد مبلغًا صادمًا، وما لبث ذلك الشخص أن ترك الشركة بعد ذلك اللقاء.

(١٠-٢) فاعلية الدعاية ومساوئها

تأمَّل الإعلان التالي:
مطلوب رجال لخوض رحلة محفوفة بالمخاطر.
رواتب ضئيلة، أشهر طويلة من الظلام الدامس والبرد القارس،
خطر دائم، غير موثوق من عودتهم سالمين.
من ينجح في هذه الرحلة يَحْظَ بالتكريم والتقدير.
كاتب هذا الإعلان هو المستكشف القطبي الشهير إرنست شاكلتون. حين نُشِرَ هذا الإعلان في صحف لندن عام ١٩٠٠، أثار ردود فعل واسعة. لقد نجح هذا الإعلان، كما أشار الراحل تيد ليفيت، في استهداف الأشخاص الذين كان يمثل لهم التكريم والتقدير عوامل تحفيز رئيسية:
لم تكمن قوته فحسب في الفكرة الجديدة القائمة على مخاطبة الرغبة البشرية في التكريم والتقدير، برغم شدة المخاطر وقسوة العمل، بل في صراحته الشديدة وتميُّزه بالتنفيذ البسيط إلى حد لافت.23

كنت منغمسًا، منذ ولادتي تقريبًا، في عالم الدعاية ومولعًا به؛ فقد أسس جدي واحدة من أُوليات وكالات الدعاية في الأرجنتين، وتابع أبي إدارتها من بعده. عندما كنت تلميذًا في المرحلة الابتدائية، كنت أرافقه إلى المكتب وأراقب جميع الأشخاص المبدعين وهم يمارسون مهنتهم بينما لا يشعرون بوجودي.

لذلك دائمًا ما كنت منبهرًا بقوة الدعاية؛ لكن حين يتعلق الأمر بمحاولة إيجاد مرشحين لوظيفة ما، تكون للدعاية عيوب خطيرة.

أول هذه العيوب هو مسألة التغطية والانتباه. كان الأمر يسيرًا نسبيًّا بالنسبة إلى شاكلتون في عام ١٩٠٠؛ لكن الأمر ليس كذلك في وقتنا المعاصر؛ فنحن نتعرَّض يوميًّا ودائمًا لسيل من المعلومات عن طريق مجموعة غير متناهية من وسائل الإعلام المتنوعة، وسوف تواجه صعوبة بالغة، كمُعلِن، في أن تسترعي انتباه أفضل المرشحين ما لم تضع استثمارًا ضخمًا في العملية.

ثانيًا: الدعاية هي علاقة غير شخصية تتطلب من الطرَف الآخر أن يتخذ إجراءً ما. حتى لو لاحظ الأفراد إعلانك؛ فلا تزال هناك حاجة إلى أن يبادروا ويتصلوا بك، فلو لم يكن الإعلان بقوة إعلان شاكلتون (وقليل ما هم!) فلن ينجحوا في القيام بفعل ما؛ سوف يلجئون إلى التسويف ويُشَتَّت انتباههم.

ثالث هذه العيوب هو مسألة الجودة. أغلب الأشخاص الراضين عن وظائفهم لا يبحثون عن وظيفة جديدة؛ ومن ثَمَّ لا يُلقون نظرة على إعلانات الوظائف. ولذلك، فإن من يهتم بهذه الإعلانات إما أن يكون بلا وظيفة أو غير راضٍ عن وظيفته الحالية. يترتب على ذلك أن مجموعة المتجاوبين مع هذه الإعلانات كبيرة جدًّا، لكنها محدودة في جودتها للغاية. أنا على يقين من أن شاكلتون واجه هذه المشكلة.

رابع العيوب وأخطرها هو التحيز إلى أصحاب الدرجات العليا. بالرغم من أن الدعاية قد تكون مفيدة في حالة المناصب الدنيا فإنها تعاني من قصور شديد في حالة المناصب العليا؛ فالشركات لا تريد الشركات الأخرى أن تدرك أن لديها مناصب شاغرة (إذ يُنظَر إليها كنقاط ضعف)، والأشخاص الذين يشغلون منصبًا وظيفيًّا عاليًا يَعزفون عن التجاوب مع إعلان مبهم مخافة أن يفضحوا أنفسهم.

شاركت منذ بضعة أعوام في تعيين ثمانية من كبار المديرين الذين سيتبعون مباشرةً رئيس البنك المركزي الأرجنتيني. لا أبالغ إن قلت إننا واجهنا موقفًا عصيبًا؛ فقد استفحل التضخم المفرط، وكان اقتصاد البلاد بالكامل في حاجة إلى إعادة هيكلة. في محاولة للتصدي لتداعي الأسواق المالية، كان على البنك المركزي توسيع نطاق قدرته على مراقبة البنوك الكبرى في البلاد على نحو هائل.

كانت هذه الوظائف المصرفية، بعبارة أخرى، تتضمن قدرًا هائلًا من المسئولية والظهور. كان على هؤلاء المديرين، نظريًّا على الأقل، أن يتمتعوا بعلاقات جيدة مع عدد كبير من المهنيين الأكْفاء. لكن القطاع العام آنذاك كان سيئ السمعة كمكان للتوظيف، ولم يكن أحد (لا سيما المصرفيون المخضرمون) يريد أن يعمل في القطاع الحكومي. ماذا كان بوسعنا أن نفعل؟

لكل ما سبق وغيره، لا تعلن شركتنا أبدًا عن وظائف شاغرة؛ لكن لأن اللوائح كانت تنص على أن يعلن البنك المركزي عما لديه من وظائف شاغرة، وافقنا على أن ينشر البنك إعلاناته على نطاق واسع، ليس فقط في جميع الصحف المحلية الكبرى، بل في أكبر المطبوعات الدولية، ومن بينها وول ستريت جورنال، وفايننشال تايمز، وذي إيكونوميست. كانت النتيجة أن استجاب للإعلانات مئات المرشحين المحتملين، لكن لم نجد من بين هذا العدد الضخم سوى مرشح واحد تتوافر فيه جميع المؤهلات المطلوبة، واتضح أننا كنا نعرفه بالفعل، وكنا سنتواصل معه بشكل مباشر.

باختصار، أعلِنْ إذا كنت مضطرًّا؛ لكن لا تضع كلَّ البَيْض في تلك السلَّة، خاصة حين ترغب في شغل مناصب عليا.

(١١) البدء من الصفر

أتذكر مَهمتي الأولى في بوينوس أيريس للبحث عن مدير تسويق ومبيعات لمنتج الْجِعَة المسمى كيلمس منذ أكثر من عشرين عاما؟ ذلك البحث الذي بدأته مجردًا من العلاقات وقواعد البيانات والإنترنت؟ ماذا فعلت؟

أعددتُ أولًا قائمة بجميع شركات المشروبات (وثيقة الصلة)، وشركات الأغذية (متوسطة الصلة)، وشركات السلع الاستهلاكية (ضعيفة الصلة)، وحددت في كلٍّ من تلك الشركات المرشحين المرجحين. وحتى في سوق محدود كالأرجنتين، أثمرت هذه العملية قائمة مكونة من حوالي ٦٠ مرشحًا محتملًا.

فكرت كذلك أنه ربما يوجد مرشحون محتملون مناسبون في أماكن أخرى؛ كموظفي الوكالات الإعلانية أو الموظفين السابقين في بعض من شركات السلع الاستهلاكية؛ لذلك بدأت في الاستعانة بمصادر خارجية (وهي الكلمة الشائعة في شركتنا للتعبير عن سؤال الأشخاص عن آخرين). نظرًا لحداثة عهدي بالمجال، كان عليَّ أن أبدأ بالبحث عن مصادر لتدلني على مصادر خارجية؛ فتحدثت إلى استشاريين إداريين متخصصين في الاستراتيجيات والتسويق، وعاملين بمجال الدعاية ممن شهدوا بعضًا من أهم وأنجح حملات التسويق، ومسئولين تنفيذيين في شركات السلع الاستهلاكية.

حدث أمران مثيران للاهتمام. أولًا: عثرت على بعض المرشحين المتميزين الذين لم يكونوا موجودين في أي من الأماكن البارزة. ثانيًا: جمعت من المصادر كميات كبيرة من المعلومات النوعية عن كلٍّ من أولئك المرشحين المستهدفين؛ مما أتاح لي تكوين فكرة عن مؤهلاتهم بل ودوافعهم المحتملة، حتى قبل أن ألقاهم. نتج عن ذلك أن تمكَّنت من التوصل إلى قائمة ضمت ما يزيد على ١٠٠ مرشح مدروس، مشتملةً على كثيرٍ من التعليقات النوعية عنهم التي ما لبثت تتقارب ويؤيد بعضها بعضًا.

نظرًا لأنني كنت لا زلت في البداية وكنت أريد أن التأكد من أنني أتبع أسلوبًا منهجيًّا شاملًا، التقيت بعدة عشرات من أولئك المرشحين المحتملين، ومما أثار ارتياحي أن الاستنتاجات الشخصية تشابهت للغاية مع تلك التي توصَّل إليها أفضل مصادري، ورأيت تقاربًا في المعلومات مجددًا.

في نهاية المطاف قدمت لعميلي ثلاثة مرشحين متميزين بحق، تاركًا إياه يواجه معضلة الاختيار بينهم! كان المرشح الذي اختير في النهاية شخصًا يُدعى ريتشارد أوكسينفورد. ولم يكن، بالمناسبة، ليتجاوب أبدًا مع إعلان وظيفي لأنه لم يكن يبحث عن وظيفة، ولم يكن ليبرُز خلال البحث بين المرشحين المحتملين في ذات المجال لأنه تقاعد عن العمل في شركة مشروبات أخرى منذ بضع سنين وبدأ يعمل لحسابه الخاص.

إيجازًا للقصة، حقق أوكسينفورد نجاحًا مذهلًا في وظيفته الجديدة، وترقى من منصبه الأول في كيلمس ليصير عضوًا في مجلس الإدارة ومديرًا لجميع العمليات الدولية للشركة الأم (كوينسا). لقد كان، في الواقع، ناجحًا للغاية لدرجة أنه قدم إسهامات متميزة لا في كويسنا فقط بل في الشركة العالمية العملاقة، بيبسي، التي كانت على صلة وثيقة بكوينسا.

دعنا نُلْقِ نظرة أكثر تعمقًا على ظاهرة الاستعانة بمصادر خارجية، واضعين القصة السابقة نصب أعيننا.

(١٢) فاعلية الاستعانة بمصادر خارجية في عالم صغير

تُعد الاستعانة بمصادر خارجية عند البحث عن مرشحين وسيلة فعالة لأننا نعيش في عالم صغير. ربما لا تعرفني شخصيًّا؛ لكنك قد تعرف شخصًا يعرفني، وإذا كنت تقرأ هذا الكتاب وتبدي اهتمامًا بتلك الموضوعات؛ فأنت على الأرجح تعرف شخصًا على صلة بشخص يعرفني.

إن هذا صحيح بالمعنى الحرفي للعبارة؛ ففي عام ١٩٦٧ طلب المتخصص في علم النفس الاجتماعي، ستانلي ميلجرام، من عدة أفراد في نبراسكا أن يحاولوا التواصل مع شخص لم يكونوا يعرفونه: سمسار أوراق مالية من شارون بولاية ماساتشوستس. طولب هؤلاء الأفراد المقيمون في نبراسكا بإرسال خطاب إلى شخص يعرفونه معرفةً وثيقة كان من المحتمل أن يعرف السمسار، وطلبوا من ذلك الشخص أن يرسل الخطاب إلى السمسار مباشرة إذا كان يعرفه، وإلا فليرسله إلى شخص يعرفه هو جيدًا وربما يكون أقرب إلى السمسار. ما عدد الخطوات اللازمة لوصول الخطاب من نبراسكا إلى السمسار؟

ربما تحسب أن الإجابة ستكون «عشرات الخطوات»، لكنها كانت ست خطوات في المتوسط، وقاد ذلك إلى مفهوم «الدرجات الست من التباعد»، والموضح بشكل وافٍ في كتاب دانكن جيه واتس «الدرجات الست».24

تربطنا بعضنا ببعض روابط قصيرة للغاية. افترض أن لديك ١٠٠ صديق، وأن كلًّا منهم لديه ١٠٠ صديق، فعند درجة واحدة من التباعد، ستتواصل مع ١٠٠ شخص، وعند درجتين ستصل إلى حاصل ضرب ١٠٠ في ١٠٠؛ أي ١٠٠٠٠ شخص. أما عند ثلاث درجات من التباعد؛ فستتواصل مع مليون شخص، وعند أربع درجات سيكونون ١٠٠ مليون، وعند خمس درجات، سيصلون إلى ١٠ مليارات شخص، وإذا وصلت إلى ست درجات من التباعد؛ فستكون على اتصال بجميع سكان الكوكب.

ربما تحتج بأن هذه العملية الحسابية غير دقيقة نتيجة «التجميع»؛ بمعنًى آخر، إن بعضًا من أصدقائك هم أصدقاء لأصدقائك؛ ومن ثَمَّ هناك بعض التكرار، لكن البحث المنهجي كشف أنه فعلًا يمكن لأي شخص تقريبًا في العالم أن تربطه علاقة بأي شخص آخر عن طريق ست صلات فقط أو أقل.

ركزت إحدى الدراسات اهتمامها على الممثلين، الذين كانوا يشكلون ما يقرب من نصف مليون شخص في الولايات المتحدة الأمريكية، الذين مثلوا في أكثر من ٢٠٠٠٠٠ فيلم روائي طويل. اتضح من هذه المجموعة أن إنشاء صلة بين أي شخصين من خلال نجوم اشتركوا معًا في بطولة أفلام مرة واحدة على الأقل تطلبت أقل من أربع صلات.25

أُجريتْ بالمثل دراسات مشابهة تضمنت أعضاء مجالس إدارة الشركات الأمريكية الألف الواردة في مجلة فورتشن الذين يبلغ عددهم ٨٠٠٠ عضو. بالرغم من أن ٨٠ في المائة من هؤلاء الأعضاء ينتمون إلى مجلس واحد فقط، فإن كل فرد في شبكة الأعضاء الكاملة كان متصلًا بالفعل بالآخرين من خلال سلسلة قصيرة من الأعضاء المشاركين، لا أقول أغلبهم، بل كلهم.

المسألة هي أن السلاسل القصيرة تجعل من الاستعانة بمصادر خارجية وسيلة في منتهى القوة للوصول الفعال إلى أكفأ المرشحين المحتملين تزامنًا مع جمع قدر هائل من المعلومات النوعية القيمة، كما أنها تُشكِّل في الوقت ذاته بحثًا غاية في الكفاءة.

لنفترض أنك ستعتبر المرشح «الحقيقي» شخصًا (١) يقع ضمن أعلى ١٠ في المائة من مجموعة المرشحين من حيث المؤهلات و(٢) قد يقتنع بتغيير وظيفته. كما يوضح الشكل ٦-٤، في حال تواصلت مع المرشحين المحتملين عشوائيًّا؛ فسوف تكون احتمالية عثورك على مرشح كفء ١٠ في المائة بطبيعة الحال، ولو افترضت أن واحدًا من بين خمسة مرشحين (٢٠ في المائة)، على أكثر تقدير، سيبدي اهتمامًا باكتشاف وظيفة جديدة، فإن احتمالية إيجادك لمرشح حقيقي من خلال تواصل عشوائي ناتج عن بحث «موضوعي» (أي بحث غير قائم على معلومات مستنيرة) ستكون ٢ في المائة فقط؛ أي إنك لو اعتمدت على البحث البارد؛ فسوف تحتاج إلى ما يزيد على ١١٠ تواصُلات لكي تصل احتمالية إيجادك لمرشح واحد حقيقي على الأقل إلى ٩٠ في المائة.
fig28
شكل ٦-٤: كفاءة الاستعانة بمصادر خارجية للوصول إلى مرشحين.
لكن، بناءً على خبرتي، يمكن لمصدر جيد أن يقدِّم مجموعة أفضل من المرشحين من حيث المؤهلات، كما سيتمكَّن من تحديد أولئك الذين قد يفكرون في وظيفة جديدة، حتى لو لم يكونوا يَسْعَوْنَ بجد إلى تغيير وظائفهم. لو دمجت التقديرات المتحفظة بشأن المؤهلات المتوقعة ومعلومات الدافعية الواردة من مصدر جيد، فستجد (كما هو مبين في الشكل ٦-٤) أنك تحتاج إلى أقل من ١٥ تواصلًا لكي تصل إلى احتمالية مرتفعة جدًّا للعثور على مرشح واحد على الأقل، من حيث المؤهلات والدافعية.

إن الاستعانة بمصادر خارجية للبحث عن مرشحين وسيلة فعالة بحق؛ ففي هذا المثال، ستزيد من إنتاجيتك بنسبة ٨٠٠ في المائة.

(١٣) إجادة الاستعانة بالمصادر الخارجية للحصول على مرشحين

مَنْ بإمكانه أن يساعدك في هذه العملية؟ إن العلاقات الخارجية الظاهرة تتضمن الموردين، والمستهلكين، والوكالات، والمسئولين التنفيذيين في الاتحادات المهنية، والصحفيين المتخصصين في مجال عملك، وغيرهم. لكن الاستعانة بالمصادر الخارجية، في النهاية، فن رفيع ولن تجيده إلا بالممارسة، كما يتطلب إبداعًا ومهارات قوية في التواصل وإدارة العلاقات لكي تنجح في تحقيق أكبر قدر من الاستفادة من مصادرك.

حين كنت أعمل في مَهمة البحث الخاصة بالبنك المركزي الأرجنتيني، حيث كان من الصعب جدًّا اجتذاب أفراد على مستوًى عالٍ من الكفاءة، استقر بي الرأي على أن المديرين في أكبر شركات المراجعة العاملة في القطاع المالي لديهم المؤهلات المناسبة. لكن أنَّى لي أن أجد مرشحين يمكن اجتذابهم إلى وظيفة في البنك المركزي؟

كنت على دراية بأن أغلب تلك الشركات تطبق سياسة الترقية أو الرحيل؛ في كل عام، تُخفق طائفة من موظفيهم الأكْفاء في الحصول على ترقية، ويكون ذلك أحيانًا لأسباب (كإخفاقهم في إقناع عملائهم بشراء خدماتهم) لا أهمية لها في الوظيفة التي كنت أسعى إلى شغلها؛ لذلك قررت أن أتواصل مع الشركاء التنفيذيين لتلك الشركات مباشرةً وبصراحة. سألتهم لو كان بإمكاننا، كمجموعة، أن نتحرى عن إمكانية تعيين زملاء على وشك الرحيل من شركاتهم في جميع الأحوال.

سارت الخطة كما يُرام! كانت شركات المراجعة حريصة على مساعدة البنك المركزي لاهتمامها باستقرار النظام المالي للبلاد؛ لذلك رحب الكثير منها بالبحث، وسرعان ما نجحنا في تعيين مجموعة من المديرين من إحدى أفضل شركات المراجعة في الأرجنتين. مما يسَّر الأمر أننا استقطبنا المجموعة كلها إلى البنك المركزي في نفس الوقت؛ لأنهم أدركوا أنهم سيعملون مع زملاء محل ثقتهم.

استفاد البنك المركزي، في الوقت ذاته، استفادة هائلة من العلاقات القائمة بالفعل بين المراجعين؛ فقد كانت المجموعة جاهزة وتعمل بالفعل في غضون أيام، واستطاعوا قيادة البنك المركزي خلال إصلاحاته بنجاح باهر. وقد صار النظام المالي الأرجنتيني على قدر من القوة أتاح للأرجنتين أن تجتاز بأمان، في أعقاب ذلك، أزمة التكيلا (أزمة انهيار قيمة العملة المكسيكية التي أدت إلى هروب المستثمرين في عدة بلدان) دون أية خسائر.

(١٤) الأمر يستدعي مكالمتين هاتفيتين

مَهمة أخرى من أُوليات المهام التي اضطلعت بها كانت البحث عن عميد مؤسس لجامعة جديدة. طرحت اللجنة القائمة على الانتقاء سؤالًا محوريًّا على أحد المرشحين: «كيف ستتعامل مع عملية إيجاد الأساتذة الجامعيين؟»

لا زلت أذكر إجابة المرشح: «سيتطلب الأمر مني مكالمتين هاتفيتين: واحدة لأسال من أعرفهم عمن يجب أن أتصل به، وثانية لأتصل بمن يرشحونه لي.»

نال ذلك المرشح الوظيفة وحقق نجاحًا باهرًا لدرجة أن الجامعة حققت، خلال خمس سنوات فقط، شهرة باعتبارها الأفضل في مقرراتها الدراسية الرئيسية على مستوى دولتها، وصارت تنافس غيرها من الجامعات التي يتجاوز عمرها قرنًا من الزمان. كان السبب الرئيسي وراء هذه النجاحات هو قدرة العميد على تشكيل أفضل فريق عمل سريعًا جدًّا ومن خلال الاستعانة الفعالة بمصادر خارجية.

لا تتمثل الاستراتيجية العامة للاستعانة بمصادر خارجية في التفكير في المرشحين، بل في التفكير بمن قد يعرف أفضل المرشحين؛ فكثير من الوقت يضيع في الاتصال بعدد كبير من المرشحين غير الملائمين، بينما المنطق يدعو إلى الاتصال بأشخاص قد يعرفون معلومات عن عدة مرشحين أكْفاء على الفور.

تأمَّل مثال الرئيس التنفيذي لإحدى شركات التكنولوجيا الحديثة التي كانت تشهد نموًّا في نيويورك في أواخر تسعينيات القرن العشرين. كان الرئيس التنفيذي يحاول تعيين مدير جديد للمبيعات، وكشف لي عما أصابه من إحباط بعد نشره إعلانًا عن الوظيفة في وول ستريت جورنال وفرزه لمئات السير الذاتية لما يقرب من ثلاثة أشهر وإجرائه حوالي ٢٠ مقابلة شخصية في غضون ذلك؛ ومع ذلك لم يجد شخصًا واحدًا يفي بالكفاءات المطلوبة.

انتهى به المطاف حيث كان ينبغي أن يبدأ: بالاتصال بالخبراء في المجال الذين بإمكانهم سرد أسماء خمسة أو ستة مرشحين في كل مرة. فتحدَّث، مثلًا، إلى الرئيس التنفيذي السابق لإحدى شركات التوريد التي يتعامل معها، وكان يعمل آنذاك في شركة استشارات تخدم المجال، وقدم له هذا المصدر أربعة مرشحين مناسبين. وتناول الغداءَ ذات مرة مع أستاذ جامعي بإحدى كليات إدارة الأعمال كان يعمل مستشارًا لعدة شركات كبيرة كشركته فيما يخص مسائل التوزيع، ومنحه هذا المصدر بدوره خمسة مرشحين آخرين. لم تكن هذه المصادر تفهم فقط طبيعة الشركة التي يعمل بها الرئيس التنفيذي وطبيعة الوظيفة التي يسعى إلى شَغلها، بل كانت تتمتع بسنوات من العلاقات. استطاع الرئيس التنفيذي أخيرًا أن يعيِّن الشخص الذي تردد اسمه في قوائم المصدِّرين، والذي أثبت لاحقًا نجاحًا باهرًا.

(١٥) متى تنجز الأمر بنفسك؟

عند إجراء بحث تنفيذي، أينبغي أن تبحث عن المرشحين بنفسك؟ أم عليك أن تستعين بمساعدة خبراء في المجال؟

ثمة الكثير من القرارات المرتبطة باختيار الأشخاص التي لا تحتاج فيها إلى الاستعانة بمساعدة خارجية، حين تكون، مثلًا، مجموعة المرشحين لوظيفة بعينها محدودة ومعروفة، والحاجة المعينة واضحة للغاية. كثيرًا ما أذكر، في هذا الصدد، حالة المؤسسة البحثية في واشنطن التي كانت تبحث عن محلل للاتجاهات الاقتصادية العالمية. في تلك الحالة، كان لدى المؤسسة مرشحان داخليان بارعان للغاية، وكان أعضاء مجلس إدارتها يعرفون شخصيًّا ما يقرب من اثني عشر مرشحًا خارجيًّا، وكانوا جميعًا من العلماء أو أعضاء المؤسسات البحثية الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، كان لدى رئيس مجلس الإدارة رؤية واضحة للغاية لما تحتاج إليه الوظيفة؛ لذلك لم يكن مُستغرَبًا أن يترقَّى أحد المرشحَيْن الداخليَّيْن بسرعة وبنجاح.

كما أنه من غير المنطقي اللجوء إلى المساعدة الخارجية إذا كانت الشركة تُجري البحث ذاته بانتظام وباستيعاب كامل لمتطلبات الوظيفة والكفاءات اللازمة في الشخص الذي سيلائم الوظيفة على أكمل وجه. عادةً ما ينطبق ذلك على وظائف التخصصات الفنية الدقيقة، التي تمثل فيها المعرفة والخبرة المتخصصة متطلبات رئيسية؛ فعادةً ما يسهل تقييم تلك الكفاءات المادية مقارنةً بالقدرات الإدارية والقيادية غير الملموسة؛ ومِنْ ثَمَّ، لا يستدعي هذا الموقف الاستعانة بخبراء خارجيين.

إن عواقب ارتكاب الأخطاء في المستويات المؤسسية الدنيا أقل خطورة ويَسهُل تصحيحها؛ لذلك، في ضوء كثرة التعيينات في المستويات الدنيا، فإن تنمية كوادر داخلية متخصصة في هذا المجال بدلًا من اللجوء الدائم إلى المساعدات الخارجية سيحقق مزيدًا من فاعلية التكلفة.

(١٦) متى تستعين بالمساعدة المهنية؟

ثمة مواقف تبرز فيها الحاجة الملِحَّة إلى استدعاء المستشارين الخارجيين، ومن بينهم شركات البحث المهني. أول هذه المواقف حين ترغب الشركة في شغل مناصب على أعلى مستوًى وذات تأثير كبير على صافي أرباحها. كما أوضحت سابقًا، حين يتعلق الأمر بالمناصب المعقَّدة، فإن تعيين شخص عالي الأداء سيكون أفضلَ بكثير من تعيين شخص متوسط الأداء؛ فالمناصب العليا تنطوي على قدر كبير من السلطة وتشمل نطاقًا أوسع من الموارد والقرارات؛ ولذلك فإن تأثير ذلك المسئول التنفيذي سيكون أكبر في المطلق. في هذه المواقف، لو زادت الأرباح التي يحققها مرشح شركة البحث التنفيذي عن نظيرتها على يد المرشح الآخر بنسبة ١ في المائة فقط، فإن مثل هذا البحث سيغطي تكاليفه عدة مرات.

fig29
شكل ٦-٥: أين تبحث: داخل المؤسسة وخارجها.

من المعقول أيضًا اللجوء إلى المساعدة الخارجية في حالة تدشين وظائف جديدة نتيجة، مثلًا، لتنويع النشاط، أو دخول أسواق جديدة، أو إنشاء مشروعات مشتركة، أو حدوث طفرات فنية. قد لا تكون المؤسسات، في مثل هذه المواقف، ملِمَّة بالكفاءات الأساسية المطلوبة للوظيفة الشاغرة، ولن يكون لديها، غالبًا، سوى معرفة محدودة بالمرشحين المحتملين وكيفية تقييمهم.

يمكن لشركات الخدمات المهنية أن تضيف قيمة إلى المؤسسات الراغبة في توسيع نطاق بحثها عن مسئول تنفيذي جديد، وهو كثيرًا ما يحدث عند إجراء عمليات بحث دولية، أو حين تضْطَرُّكَ الحاجة، في الاقتصادات الأصغر، إلى البحث خارج حدود مجال محدد للوصول إلى مرشحين ذوي كفاءات مناسبة.

وفي الختام، يمكن لشركات البحث أن تُجريَ عمليات البحث الخارجي بمنتهى السرية، وهو ما يعزز جميع الميزات السابق ذِكرها. يعني ضمان السرية أنه يمكن البدء بمحادثاتٍ ما كانت لتبدأ لولا توافر السرية، وأنها يمكن أن تتواصل في اتجاهات مثمرة. عند البحث عن مرشحين لوظائف عليا، يمكن لشركات البحث التنفيذي — كما برهن راكيش كورانا — أن تحميَ خصوصية اللاعبين رفيعي المستوى في عملية البحث الذين لم يكونوا ليشاركوا في عملية بحث خارجي لو لم تتوافر تلك الحماية. نظرًا للحرص الشديد لدى كلا الطرفين على ضمان السرية، فإن وجود وسيط قد يضيف قيمة هائلة من خلال الحد من المخاطر بالنسبة لكلا الطرفين وزيادة احتمالية الوصول إلى نتيجة ناجحة.26
يلخص الشكل ٦-٥ أهم النقاط المطروحة في هذا الفصل.

•••

بمجرد عثورك على عدد كافٍ من المرشحين المحتملين، ينبغي عليك بعد ذلك أن تقيِّمهم بدقة لتتأكد أنهم يَفُونَ بالفعل باحتياجاتك الخاصة، وهذا ما سنناقشه في الفصل التالي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤