الفصل التاسع

كيفية دمج أفضل الموظفين

في يونيو عام ١٩٩٧، كنت مشاركًا في أحد المؤتمرات العالمية لشركتنا، وذلك بحضور الاستشاريين العاملين في الشركة وأزواجهم، ممن توافدوا إلى واشنطن العاصمة من جميع أنحاء العالم. كان محور ذلك المؤتمر هو التعاون، وكان من بين المتحدثين الرئيسيين الكابتن جيمس لوفيل، قائد رحلة أبوللو ١٣ الشهيرة التي لم يُكتب لها النجاح.

لعلك تتذكر أنه بعد يومين من انطلاق المركبة أبوللو ١٣ في أبريل ١٩٧٠، أُصيبت المركبة الفضائية بعطلٍ كارثيٍّ في نظام توليد الأكسجين المبرد؛ مما تسبب في إجهاض عملية الهبوط على سطح القمر كما خُطِّط لها، وقررت وحدة مراقبة العمليات في هيوستن استغلال جاذبية القمر لرد المركبة المعطوبة إلى الأرض. نجح لوفيل وطاقمه — بالعمل مع نظرائهم في هيوستن — في تعديل مركبة الهبوط على سطح القمر لتتحول إلى قارب نجاة مُرْتجَل. إن مثل هذا الجهد تطَلَّب براعةً هائلة: صُمِّمت المركبةُ لتحمل شخصين ليومين؛ أما الآن، فينبغي أن تحمل ثلاثة أشخاص لمدة أربعة أيام. فوق كل ذلك، لم يتوفر لديهم سوى مقدار محدود من الطاقة؛ لذلك لم يكن ثَمَّةَ مجال للخطأ، لا على الأرض ولا في الفضاء. لو انحرف مسار المركبة الفضائية العائدة قليلًا، فسوف ترتطم بالْغِلاف الجوي للأرض كما يرتطم حجَر بسطح بُحيرة. حبس العالمُ أنفاسَه أمامَ شاشات التلفزيون بينما يكافح رواد الفضاء الثلاثةُ الصعابَ من أجل العودة إلى الأرض.1

حين كنت أتأمَّل لاحقًا العرض الذي قدمه لوفيل، والذي تضمَّن سلسلة من أفلام الفيديو والمقاطع المقتبسة من الملحمة التي أنتجتها هوليوود وتناولت فيها الرحلة، ذُهلت للتشابه القائم بين إعادة مركبة فضائية إلى الأرض بسلام ومحاولة إدماج مرشح ناجح في وظيفة جديدة. لو لم تُنَفَّذ العملية كما ينبغي، فليس من المستبعد تمامًا أن «يصطدم بالغِلاف الجوي» — وهو الثقافة المؤسسية في هذه الحالة — وأن تفقده المؤسسة إلى الأبد.

نجحت أبوللو ١٣ في العودة سالمة إلى الأرض بفضل التخطيط الدقيق والتعاون، فيما بين روَّاد الفضاء العائدين وكذلك بين المركبة ومحطة المراقبة في هيوستن.

إن إدماج مدير جديد في مكان العمل ليس أمرًا سهلًا وينطوي على مخاطر. لكن لو عُيِّن المرشح الصحيح، فإن تنفيذ عملية جيدة التخطيط قائمة على التعاون الفعَّال بين المدير والمؤسسة يمكن أن يحدَّ من هذه المخاطر، بل يمكن أن يُسرع من وتيرة عملية الإدماج مما يُعِد الموظف الجديد لتقديم أداء أقوى بمراحل.

(١) ما هي المخاطر التي تواجه الإدماج؟

ينبغي أن يتعلم المعيَّنون حديثًا وظائفهم الجديدة، وإذا كانوا وافدين من خارج المؤسسة، فعليهم أن يتعرفوا على ثقافة مؤسسية جديدة (وهي مَهمة نادرًا ما تكون يسيرة!) كما يتعين عليهم أن يقيموا علاقات جديدة مع الشخصيات الرئيسية أو يعيدوا النظر في العلاقات القائمة بالفعل.

يوضع المعيَّنون الجدد تحت الملاحظة طوال الوقت، وتخلق خطواتهم الأولى وما تعكسه من ثقة وثبات (أو عدمهما)، تصورات لا تُمحى عن فاعليتهم المتوقعة. إنهم، بمعنًى آخر، ينتظرون إصدار الأحكام عليهم.

برغم طبيعة هذا الموقف، لا يقدِّم أغلب الشركات الدعمَ الكافي — هذا إن قدَّمته أصلًا — إلى المعيَّنين حديثًا. كشفت الدراسات التي أجراها مركز القيادة الخلاقة أن أقل من ثلث المسئولين التنفيذيين المعيَّنين حديثًا يتلقَّوْنَ أي شكل من أشكال الإدماج أو التنمية من أجل أداء وظائفهم الجديدة، بينما أظهرت هذه الدراسات أن أقل من واحد من بين أربعة معيَّنين حديثًا يتلقى دعمًا من رؤسائه.2

نظرًا لأن المخاطر التي يواجهها الإدماج تتنامى باطِّراد مع الترقي في المناصب (نتيجة لزيادة التعقيد والظهور والأهمية مع ارتقاء السُّلَّم الوظيفي)، فسوف أركز في هذا الفصل على عملية إدماج كبار الموظفين؛ لكن التحليل الذي سأُجريه والتوجيهات التي سأقدمها تنطبق كذلك على المناصب الأدنى في السلم الوظيفي. وإنني لأحثُّ القراء على التفكير في نتائج الإدماج المحتملة على نطاق أوسع.

دائمًا ما يكون إدماج شخص ما في وظيفة جديدة عملية صعبة؛ لكنها، لأسباب عديدة، تمثل تحديًا مخيفًا للمرشحين الخارجيين بوجه خاص. أولًا: وكما أوضحت سابقًا، عادةً ما يعيَّن المرشحون الخارجيون لأداء مهامَّ صعبةٍ ومحفوفة بالمخاطر، كمحاولات إنقاذ الشركات من التصفية، وتأسيس شركات ناشئة، وتنفيذ تغييرات كبرى. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يفتقر المرشحون الخارجيون إلى المعرفة اللازمة بأساليب سَيْر العمل في الشركة الجديدة، ولا يمتلكون أية علاقات اجتماعية داخلها لتعريفهم سريعًا بمحيطهم الجديد. علاوة على ذلك، وبرغم أن كثيرًا من المرشحين الداخليين ينالون ترقياتهم بغرض تنميتهم، فإنه غالبًا ما يُتوقَّع من المرشحين الخارجيين أن يبدءوا عملهم الجديد بحماس واقتدار. كما أن الشركات التي تعيِّن مرشحين خارجيين عادة ما تفتقد المعرفة الوثيقة بهم؛ ومن ثَمَّ لا تعرف الكثير عن نقاط ضعفهم الخاصة التي ينبغي العمل على إصلاحها.

عادةً ما يواجه المرشحون الخارجيون، فوق كل ما سبق من تحديات، درجةً أكبر من المعارضة داخلَ المؤسسة مقارنةً بالمرشحين الداخليين. أول مصادر هذه المعارضة هم المرشحون الداخليون المُحبَطون الذين كانوا يتطلعون إلى الفوز بالمنصب. ثانيًا: يبدأ أغلب المرشحين الداخليين مهامَّهم الجديدة على أساسٍ من الثقة المتبادلة المتنامية على مرِّ سنوات عملهم مع زملائهم، أما المعيَّنين من الخارج فلا يتمتعون بهذه الميزة؛ إذ تنحصر علاقتهم بالشركة في مقابلات شخصية لا تتعدى بضع ساعات، وربما بعض العلاقات العامة الإيجابية داخل الشركة. بل الأسوأ من ذلك أنه عادةً ما ينال المرشحون الخارجيون حُزمًا أكبر من المزايا الوظيفية (التي تنتشر تفاصيلها في أنحاء المؤسسة بسرعة البرق)، وهو ما يولِّد بدوره غَيْرَة واستياءً.

(٢) موجات الإدماج الثلاث

منذ ما يقرب من ١٨ عامًا، وبعد بضع سنوات من شق طريقي المهني كاستشاري في البحث التنفيذي، كنت أتساءل عما إذا كان هناك شيءٌ آخَرُ بِوُسْعنا تنفيذه لمساعدة عملائنا، إلى جانب إيجاد أفضل المرشحين المحتملين، وتقييمهم، واجتذابهم. كان ذلك قبل ظاهرة بيع الكتب على الإنترنت؛ لذلك كنت عادةً ما أُمضي ساعات في أفضل متاجر الكتب متى زُرت الولايات المتحدة الأمريكية.

صادفت، خلال إحدى هذه الزيارات، كتابًا بعنوان «ديناميات تولي المناصب» من تأليف جون جيه جابارو، الأستاذ بجامعة هارفارد. تصفحت الكتاب باهتمام متزايد، ووجدت أنه يقدِّم دراسة مقارنةً لسبعة عشر انتقالًا إداريًّا لرؤساء أقسام، ومديري عموم، ومديرين وظيفيين. يقدِّم الكتاب وصفًا للمراحل التي يُتوقَّع أن يمر بها المديرون الجدد عند تولِّيهم مَهامَّهم الجديدة، ويستفيض في أنماط العمل المؤسسي والتفاعلي الذي يميز الانتقالات الناجحة.

قرأت الكتاب كاملًا خلال رحلة عودتي إلى موطني (وهي واحدة من الميزات القليلة لرحلات الطيران الطويلة!) وبمجرد وصولي إلى المكتب في الصباح التالي، تواصلت مع زملائي الذين كانوا يساهمون في تنظيم مؤتمر شركتنا المُزمع عقده في فيينا. وصفت لهم كتاب جابارو وقررنا أن ندعوَه لحضور المؤتمر في فيينا كضيف متحدث ليشاركنا أفكاره. قدم جابارو عرضًا قويًّا للاستشاريين المجتمعين، وأعتقد أنه ليس من قَبيل المبالغة القول إن أفكاره كان لها تأثير قوي على شركتنا منذ ذلك الحين.

أنا شخصيًّا كنت أُعاود الاطلاع على ذلك الكتاب بصورة منتظمة، وقدمته كهدية إلى عشرات المديرين الجدد والعملاء. لا يزال هذا الكتاب أفضل ما كُتِب عن مسألة إدماج المديرين الجدد، وربما يُعزَى ذلك إلى أن جابارو درس السبعَ عشْرةَ حالة محل البحث دراسةً مستفيضة على مدار ثمانية أعوام وعقَد مقابلات شخصية ثرية وعميقة مع كلٍّ منها. كما يورد الكتاب وصفًا مفصلًا لعمليات التعاقب الناجحة والفاشلة، في شركات مختلفة الأحجام والمجالات، في مراحل حَرِجَة وغير حَرِجَة، متناولًا بالتحليل عملية إدماج المرشحين الداخليين والخارجيين على السواء.

يستهل جابارو كتابه بتعليقٍ جاء على لسان أحد مديري عموم الأقسام، الذي كان حينَها مضى على شَغْله منصبه الجديد ١٨ شهرًا:
كلما مر بك الوقت في وظيفتك الجديدة ازداد إحساسك الشخصي بالراحة؛ إذ تتجاوز حالة الإثارة والقلق الدائمة؛ حيث يبدو لك الأمر وكأنك لا تعرف أي شيء عن أي شيء. عليك أن تتعرف على المنتج الذي تُنتجه شركتك، والأشخاص، والظروف، والمشكلات، ويستغرق ذلك فترة من الوقت قبل أن يتكوَّن لديك شعورٌ بالارتياح. يحتاج الأمر ببساطة إلى بعض الوقت فقط. تمر في البداية بمرحلة تحاول فيها جاهدًا أن تتعرف على المؤسسة وتواجه مجموعة من المشكلات المستجدة عليك. يتوجب عليك أن تفهمَ الأشخاص وقدراتهم بسرعة هائلة، وذلك أصعب ما عليك فعله. ينتابك خوفٌ في البداية من فعل أي شيء خشية أن تُفسد الأمور الراسخة المستقرة. تكمن المشكلة في أن عليك إدارة العمل والتعرف عليه في الوقت عينه.3

يُبرز هذا المقتطف ما يشعر به المديرون من تحدٍّ، وشك، وارتباك، عند تولِّيهم مهامَّهم الجديدة. من الجدير بالذكر أن تلك التعليقات لم تصدر عن مدير شابٍّ يمر باختبار للمرة الأولى، بل تصدر عن خبير مُحَنَّك أمضى ما يزيد على عشرين عامًا في أداء مهامَّ تنفيذيةٍ في المبيعات، والتسويق والتصنيع لمنتجات استهلاكية وصناعية على السواء. إذن فالإدماج عسير، حتى بالنسبة للمخضرمين!

ذهب جابارو إلى أن عملية تولي المهامِّ الجديدة تتضمن سلسلةً من المراحل المتوقعة من التعلُّم والتصرُّف، والتي أُطلق عليها اختصارًا «ظاهرة الموجات الثلاث». تشير هذه العبارة إلى متوسط التغييرات المؤسسية الملموسة التي يُحدثها أي مدير جديد في السنوات الثلاث الأولى من مدة خدمته. ويوضح الشكل ٩-١ هذه الظاهرة.

يبدأ المديرون الجدد عملهم بخوض مرحلة «السيطرة»، وينفِّذون خلالَها، بعد التشخيص المبدئي للوضع، سلسلةً من التغييرات، التي تقع عادة في دائرة الإجراءات التصحيحية الأساسية (الموجة الأولى). بعدَها تأتي مرحلة «الانغماس»، وفيها يكتسب المدير الجديد معرفة أعمق بالمؤسسة، ويُحدِث تغييرات أقل. ثم تأتي مرحلة «إعادة التشكيل»، التي تشمل تغييرات أشمل وأكثر استراتيجية (الموجة الثانية). في النهاية، تأتي موجة تغيير ثالثة أصغر حجمًا مصحوبة بمرحلة «ترسيخ»، والتي يجري خلالها إدخال تعديلات بِناءً على النتائج المترتبة على مرحلة إعادة التشكيل.

fig42
شكل ٩-١: ظاهرة الموجات الثلاث (المصدر: منقول من «ديناميات تولي المناصب»، من تأليف جون جيه جابارو، بإذن من مطابع كلية هارفارد لإدارة الأعمال).

تنبثق من نموذج الموجات الثلاث نقطتان هامَّتان؛ أولًا: مرحلة السيطرة تستغرق وقتًا. أجل، الوقت يساوي مالًا، وجميعنا يريد أن تتم هذه العمليات في أقصر وقت ممكن، لكن التعجيل، لا سيما في المناصب العليا، ليس ممكنًا؛ فإنجاز تشخيص سليم، وبناء الثقة، وإيضاح التوقعات المتبادلة، وتحقيق التأثير، كل ذلك يستغرق وقتًا طويلًا. أغلب المديرين المشاركين في دراسة جابارو توقعوا إدماجًا أسرع؛ لكن أملهم خاب في النهاية. بدا أن ثلاث سنوات هي الفترة التي تستغرقها عملية الإدماج في مجالات مختلفة تمامًا، بل فيما بين مجموعة من المطلعين في مجال ما والدخلاء عليه. (لكن من الواجب الإشارة إلى أن المطلعين في مجال ما غالبًا ما يتوقعون مزيدًا من التغيير في كلٍّ من الموجات الثلاث.) كما أن الفترة الزمنية التي استغرقتها العملية كانت متشابهة نسبيًّا فيما يتعلق بمحاولات إنقاذ الشركات من التصفية وخلال التعاقبات الطبيعية (برغم أن إنقاذ الشركات كان يتضمن تغييرًا أكبر في كل موجة، بما يعكس ما تواجهه الشركات خلال هذه الفترات من ضغوط أكبر لتحسين أدائها).

الاستنتاج الثاني الذي استخلصْتُه من نتائج جابارو هو أن المديرين الجدد يواجهون معضلة؛ ألا وهي مدى سرعة اتخاذ الإجراءات؛ فهم لو سارعوا، من ناحية، باتخاذ الإجراءات، فربما يفعلون ذلك بِناءً على التشخيص الخاطئ؛ مما يؤدي بهم إلى الفشل. ومن ناحية أخرى، لو أمضَوْا وقتًا أطول من اللازم لإتمام تشخيصهم، فسوف يحبِط ذلك مَسعى الشركة، لا سيما لو كانت فوق صفيح ساخن وكان الجميع تَوَّاقين لرؤية إجراءٍ ما.

يعيدنا هذا الاستنتاج إلى مسألة الكفاءات التي طرحتها في فصول سابقة. من أضمن السبل لإدماج ناجح هو تعيين (أو ترقية) مديرين أذكياء عاطفيًّا واجتماعيًّا قادرين على دفع الآخرين إلى مساعدتهم في المرحلة التشخيصية، بما يضمن سرعة إنجازها دون التضحية بجودتها. إن المدير الذي يُرجَّح أن يفشل في عملية إدماج الموظفين الجدد هو «الحارس الوحيد» (جابارو هو صاحب هذه التسمية)، الذي يعجز عن إشراك الآخرين في مراحل التعلم والتصرف.

(٣) انتقالات متسارعة

ربما تتساءل، في ظل عالم الأعمال الآخذ في التسارع، عما إذا كانت فترات الإدماج الطويلة التي وصفها جابارو لا تزال مطبقة. بِناءً على خبرتي، فإنها لا تزال مطبقة، وخاصة في المناصب العليا في المؤسسات الكبرى؛ إذ لا تزال التغييرات الكبرى في الشركات الكبيرة تستغرق ما يقرب من ثلاث سنوات، ولا تزال «الموجات الثلاث» تبرز على السطح.

وبرغم الحقيقة السابقة، فإن ثَمَّة سياقات أخرى، خاصة في الشركات الصغيرة الناشئة، ينبغي فيها على المديرين الجدد الاندماج في محيطهم ووضع بصمتهم خلال الأشهر القليلة الأولى.

أجرتْ شركتنا عدة دراسات معنية بإدماج الرؤساء التنفيذيين في قطاعات مختلفة. يُعتبر قطاع التكنولوجيا الحيوية أحدَ القطاعات المثيرة للاهتمام التي تناولتها شركتنا؛ إذ عادةً ما يشهد هذا القطاع تعيين المديرين الجدد إثر مبادرات من مستثمرين جدد (بما فيهم أصحاب رءوس الأموال الجريئة). عادةً ما تمر هذه الشركات بمرحلة ناجحة لتطوير المنتجات تحت قيادة مؤسس صاحب خلفية فنية، أما الآن فيسعى المستثمرون الجدد إلى تحقيق نمو ملموس؛ ومِنْ ثَمَّ فإنهم يبحثون عن قيادة تتمتع بمهارات جديدة.

في «الدراسة الاستطلاعية للرؤساء التنفيذيين في شركات التكنولوجيا الحيوية» التي أجرتها شركتنا عام ٢٠٠٥، ركزنا على أول مائة يوم للرؤساء التنفيذيين المُعيَّنين حديثًا في شركات متخصصة في التكنولوجيا الحيوية أو شركات ناشئة في قطاع الرعاية الصحية. وجدنا أن ثَمَّة إجراءات مهمة تُتَّخَذ في المائة يوم الأولى، كما هو مبين في الشكل ٩-٢. كما ترى من الشكل، قرر ربع الرؤساء التنفيذيين خلالَ الشهور الثلاثة الأولى تقريبًا إعادة هيكلة شركاتهم، وتقليل التكاليف، وإلغاء أية كماليات. أما الخطوة الثانية التي أقدم عليها واحد من بين كل خمسة رؤساء تنفيذيين فهي إعادة تنظيم فريق العمل.4
fig43
شكل ٩-٢: الأنشطة التي قام بها رؤساء تنفيذيون في قطاع التكنولوجيا الحيوية خلال أول مائة يوم من تولِّيهم مناصبهم (المصدر: الدراسة الاستطلاعية للرؤساء التنفيذيين في شركات التكنولوجيا الحيوية عام ٢٠٠٥: أول مائة يوم، إيجون زندر إنترناشونال). حقوق النشر والطبع محفوظة لإيجون زندر إنترناشونال.

أجرَيْنا في ٢٠٠٦ دراسة مشابهة تناولنا فيها الشهور الثلاثة الأولى لتولِّي ٧٠ من كبار المديرين مناصبهم في القطاع المالي بأوروبا، وأستراليا، وآسيا، والولايات المتحدة الأمريكية. شهد بعض الحالات إجراءات مهمة في الشهور الثلاثة الأولى (وفقًا لنتائج جابارو)، إلا أن هؤلاء المديرين احتاجوا إلى خمسة أشهر في المتوسط كي يشعروا بالراحة في أدوارهم الجديدة، وانطبق ذلك على المرشحين الداخليين والخارجيين على السواء. كان اهتمام هؤلاء المديرين العاملين في هذا القطاع خلالَ الشهور الأولى مُنْصَبًّا على الشئون الداخلية (القرارات الهيكلية وقرارات اختيار الموظفين)، أما الاهتمام بالعلاقات الخارجية للشركة (مع العملاء، والمساهمين، وغيرهم من أصحاب المصالح بما فيهم الدائنون) فلم يبرز في الشهور الأولى إلا خلال الأزمات.

إذن نعم، ثَمَّة مجالات وملابسات تكون فيها عمليات الإدماج السريع هي القاعدة، فإذا وجدت نفسك في موقف كهذا، كأن تكون الموظف المُعيَّن حديثًا أو المؤسسة التي تُعيِّن، فلك تعاطفي وأطيب التمنيات. إنني لأعتقد أن عملية الإدماج، بعد نقطة معينة، لا يمكن تقليص مدتها، وأن التغيير غير قابل للاختصار. قرأت حديثًا مقالًا عن «أول مائة يوم». كان كاتب هذا المقال يزعم — وكان متخصصًا في «خدمات تهيئة الموظفين الجدد» — أنه ينبغي على المدير الجديد أن يُشكِّل فريقه الجديد ويضع استراتيجية الاتصالات الخاصة به في اليوم الأول من تولِّيه الوظيفة!5 لكني لا أصدق ذلك. إن اتخاذ إجراءات متعجلة خلال مرحلة الإدماج — إجراءات من شأنها اختصار عملية التشخيص واستبعاد الأشخاص المهمين — لن يحقق النتائج المرغوبة على الأرجح.

(٤) الفخاخ الستة الخطيرة خلال عملية الإدماج

من واقع خبرتي، عادة ما تبرز ستة فخاخ خطيرة خلال مرحلة الإدماج، إلا لو أخذت حِذْرَك منها. أولًا: ثَمَّةَ مَيْلٌ طبيعي لدى الشركات إلى تبسيط التحدي، ويُعزى ذلك جزئيًّا إلى رغبتها في تسهيل الاستقطاب. هذا خطأ. أخبرنا الرئيس التنفيذي لإحدى شركات التكنولوجيا الحيوية المذكورة سلفًا قائلًا: «إن إدارة شركة جديدة كامتطاء صَهْوة حصان جامِح. لكن لدي زوجة — لحسن حظي — تتمتع بحياة مهنية ودخل جيد.» كثيرًا ما يتضاعف هذا الخطأ بميل المرشح إلى المبالغة في قدراته؛ وكأنه سوبرمان يواجه تحديًا بسيطًا: لا شيء أسهل من ذلك.

أما الفخ الثاني فهو الوقوع فريسة لضغط الموقف. كما أشرت سابقًا، يوجد مستوًى مثالي من الضغط العصبي نحقق في ظله كبشر أفضل أداء. لو انخفض هذا المستوى، فسيصيبنا الملل، ولو ارتفع، فسيصيبنا العنَت. تحت تأثير مستويات مرتفعة من الضغط، تعمل سلسلة من الأجهزة العصبية بحيث تعرقل قدرتنا على التعلم وأداء ذاكراتنا؛ ومِنْ ثَمَّ نصبح أكثر تحفزًا وعدائية.6 ينبغي على المديرين الجدد (والمؤسسات التي عيَّنَتْهم) أن يضعوا نُصب أعينهم أنهم يخوضون سباق ماراثون، لا مجرد سباق لمسافات قصيرة؛ ومِنْ ثَمَّ عليهم أن يحافظوا على اتزان حياتهم إذا أرادوا أن يؤدوا وظائفهم بأقصى قدر من الفاعلية والكفاءة.

أما المشكلة الثالثة التي كثيرًا ما رأيتها وأراها فهي انعدام التوافق بين أسلوب المدير الجديد وأسلوب فريق العمل، لا سيما في جانب التحكم والتفويض، وهو خليط من توقعات الطرَفين بشأن ما هو صحيح وطبيعي. إذا كان المدير متحكمًا أكثر من اللازم (أو هكذا يُنظَر إليه)، فسوف يصاب الفريق بالإحباط ويلجأ إلى التمرد إما من خلال المقاومة أو الانسحاب، وفي كلتا الحالتين، تكون النتيجة أداءً دون المستوى المطلوب.

ثَمَّةَ فخ رابع تقليدي ينشأ من فشل المدير الجديد في بذل ما يكفي في سبيل إقامة علاقات قوية مع أهم الأطراف، وهو ما يستدعي منظورًا شاملًا، بحيث يمتد إلى المديرين، والزملاء، والمرءوسين. تُظهِر جميع الأبحاث ذات الصلة أن أغلب المديرين يُمضون بالفعل أكثر وقتهم في التواصل مع الآخرين، لكن السؤال هو: ما مدى نجاحهم في ذلك؟7 ذهب جابارو إلى أن القدرة على إقامة علاقات سليمة مع أهم الأطراف هي أفضل مؤشر على النجاح أو الإخفاق:
لعل أبرز فارق بين عمليات الانتقال الناجحة والفاشلة كان جودة علاقات العمل التي أقامها المدير الجديد بنهاية عامه الأول. في حالات التعاقب الفاشلة، كان في كل أربعة مديرين ثلاثة تتسم علاقات في العمل مع اثنين أو أكثر من أهم مرءوسيهم بالسوء بنهاية عامهم الأول.8

بالمثل، تشير الأبحاث التي أجراها مركز القيادة الخلاقة إلى أن المسئولين رفيعي المستوى يعرِّفون النجاح التنفيذي طِبْقًا لمقياسين:

  • (١)

    النتائج المالية التي أحرزتها المؤسسة خلالَ فترة خدمة أولئك الأفراد.

  • (٢)
    العلاقات التي أقاموها مع الآخرين، خاصة مع مرءوسيهم.9
من الفخاخ المتكررة كذلك ذلك الفخ الذي ينشأ عن الإرث الذي يخلفه سَلَف الموظف الجديد. تتضح خطورة هذا الفخ بنحو استثنائي في حالة الرؤساء التنفيذيين المغادرين لمناصبهم، والذين قد يَنقادون إلى أشكال متنوعة من الإغراءات خلال آخر بضع سنوات من مدة تولِّيهم مناصبهم (لا سيما لو ظلوا في مواقعهم مدة طويلة بعض الشيء). تتراوح هذه الإغراءات بين التسويف في التعامل مع مشكلات ملِحَّة وإقدامهم على تتويج مسيرتهم المهنية بإجراء جذري (كعملية دمج أو استحواذ كبرى)، قد لا يكون في صالح المؤسسة على المدى البعيد.10

وفي الختام، ثَمَّة فخ كثيرًا ما يتجلى في مرحلة الإدماج؛ ألا وهو غياب الدعم المؤسسي؛ نظرًا لأن هذا الفخ السادس مشكلة خطيرة بحق وكثيرًا ما تقع، فسوف أُفْرِد لها القسم التالي لأتناولها بإسهاب.

(٥) إدارة عملية الإدماج

ينبغي أن تنتهج الشركات نهجًا استباقيًّا في التعامل مع عملية الإدماج؛ وذلك في سبيل زيادة فرص نجاح المدير الجديد، وتسريع عملية الإدماج، وتعظيم إسهامه. كما يجب على المؤسسات أن تستعد لعملية الإدماج وأن تتابع تنفيذها. دعنا نُلْقِ نظرة على كل واحدة من هذه الخطوات على التوالي:

أولًا: يتعين على الشركات أن تتبنى رؤية استباقية للأمور. سنجد في حالة شركة الألبان المشار إليها في الفصول السابقة أن بحثًا علنيًّا عن رئيس تنفيذي جديد لهذه الشركة (وهي الأكبر في موطنها حقيقةً) أسفر عن تعيين مرشح أجنبي من الجانب الآخر من العالم، بالمعنى الحرفي للكلمة. خلال ساعات من توقيع العقد النهائي واستقالة المرشح الناجح من وظيفته السابقة كرئيس تنفيذي، بادر مجلس إدارة الشركة إلى إعداد سلسلة من الإعلانات الخاصة والعامة عن هذا التعيين الجديد. بدأت الاتصالات في السادسة مساءً باتصال هاتفي برئيس وزراء الدولة، ثم تابعوا الاتصالات صباح اليوم التالي بعقد مؤتمر مرئي جماعي عبر الفيديو في قاعة اجتماعات مجلس الإدارة بحيث يتسنَّى للرئيس التنفيذي الجديد أن يقابل فريقه، بالمعنى الافتراضي على الأقل، ويعقد جلسة تمهيدية مع وسائل الإعلام المحلية. وبعدَها أجرى الرئيس التنفيذي الجديد سلسلة من المكالمات الهاتفية الفردية لكلٍّ من مرءوسيه المباشرين.

إلى جانب ما تَعنيه من البراعة في إجراء الاتصالات، فإن الرؤية الاستباقية تعني كذلك مضاعفة الاستعداد قبل تولي المهام. تأمَّل حالة إحدى الشركات التي عيَّنت مرشحًا أجنبيًّا ليكون رئيسها التنفيذي. عانى المدير الجديد صدمة ثقافية هائلة في وضعه الجديد ولم يمكث في منصبه سوى ستة أسابيع فقط. أعرب رئيس مجلس الإدارة عن انزعاجه، ولم يكن ذلك مستغرَبًا، واستنتج أن شركة البحث التي تعاقدوا معها لم تستوعب ثقافة الشركة استيعابًا صحيحًا؛ ومن ثَمَّ قرر الاستغناء عن خدماتها ولجأ إلى شركة أخرى.

لكن شركة البحث الجديدة، بعد تقييمها للوضع، خلُصت إلى أن الأمر لم يكن مجرد توجيه مزيد من الاهتمام إلى ثقافة الشركة؛ كانت الشركة وسياستها الداخلية أعقدَ مما قد يبدو للوهلة الأولى. أخبر الاستشاريون رئيس مجلس الإدارة أن عليه، شخصيًّا، أن يبذل المزيد من الجهد لإعداد الرئيس التنفيذي الجديد. عندما عُيِّن الرئيس التنفيذي الجديد، حضر المسئولان التنفيذيان معسكرًا تأهيليًّا؛ إذ مكث الرجلان في حرم إحدى الجامعات لمدة يومين بحضور شركة البحث ومجموعة مختارة بعناية من الأساتذة الجامعيين والمستشارين. ساعدت هذه العملية الرجلين على تحديد أولوياتهما واختصاصاتهما، ومناقشة المسائل المتعلقة بثقافة الشركة وموظفيها، وتعرُّف أحدهما على الآخر بصفة شخصية.

ثاني الأمور التي ينبغي على الشركات إنجازها هو التحضير لعملية الإدماج. زارني منذ بضعة أعوام صديق وعميل عزيز — وهو رئيس إحدى الشركات الناجحة للغاية والمتخصصة في السلع المعمرة ورئيسها التنفيذي — وسوف أطلق عليها اسم «ديوراجودز». كان هذا العميل يمثل الجيل الرابع من عائلته في إدارة الشركة. أخبرني الرجل أنه قارب الخمسين من عمره، وأنه قرر التقاعد عن عمله التنفيذي، وأسرَّ إليَّ أنه — وللمرة الأولى منذ مائة عام — لا يوجد مرشح كفء من أفراد العائلة ولا من المرشحين الداخليين لتولِّي زمام الشركة؛ ولذلك قرر أن يُجريَ بحثًا خارجيًّا، وأراد أن يستعين بمساعدتنا.

كان واضحًا بالنسبة إليَّ وإلى زملائي أن تعيين شركة عائلية لرئيس تنفيذي من خارجها للمرة الأولى في تاريخها الطويل سيكون تحديًا كبيرًا؛ لكننا تعاونَّا مع الرئيس التنفيذي المتقاعد (وعضو آخر من أعضاء مجلس الإدارة ولجنة البحث) من أجل تخطيط وتنفيذ سلسلة من إجراءات الإدماج. شملت هذه الإجراءات:

  • إطلاع جميع أصحاب المصالح الداخليين الرئيسيين، على نحو متسق ومنتظم، على أسباب البحث عن مرشح خارجي وأسباب اختياره في نهاية المطاف.

  • تحديد اختصاصات واضحة وصريحة للرئيس التنفيذي الجديد.

  • تخصيص وقت لاستعراض تاريخ الشركة وثقافتها بطريقة مكثفة مع الرئيس التنفيذي الجديد.

  • تقديم الرئيس التنفيذي الجديد إلى القيادات والمديرين ذوي الصلة.

  • استعراض نماذج الإدماج الناجحة مع المدير الجديد، مع إلقاء الضوء على الخطوات التي أثبتت جدواها الفعلية في سياقات أخرى ذات صلة.

  • وضع خطة لتقديم تقييم مبكر ودائم خلال عملية الإدماج.

  • الاتفاق على جدول زمني واقعي لتحقيق الأهداف، ومن بينها التعلم، وبناء العلاقات، وتحقيق بعض النجاحات المبكرة.

أتاح البحث الصحيح — علاوة على الدعم الصحيح لعملية الإدماج — الفرصة لتنفيذ عملية إدماج ناجحة نجاحًا بالغًا، تلاها أداءٌ قياسي للمدير الجديد برغم حداثة عهده بالشركة.

يجب أن يتضمن الحد الأدنى من التحضيرات لعملية الإدماج، خاصة بالنسبة إلى المناصب رفيعة المستوى:

  • فهمًا واضحًا لإدارة المؤسسة وهيكلها وأهم عملياتها.

  • اتفاقات رئيسية حول الأولويات وخطوات العمل العاجلة.

  • فهمًا مشتركًا لتطلعات المؤسسة طويلة المدى.

  • خطة واضحة لإمضاء الوقت الكافي مع أهم أصحاب المصالح؛ وذلك في سبيل إقامة علاقات قوامها الثقة.

في حالة الترقيات الداخلية لمناصب الرؤساء التنفيذيين، يتعين على مجالس إدارات الشركات الإصرار على أن تستغرق عملية الانتقال وقتًا أطول وأن يجري تنظيمها على نحو لائق، بحيث يُمنَح المرشح الداخلي الفائز بالمنصب الفرصة للتعلم والاستعداد وإقامة النمط الصحيح من شبكة العلاقات داخل الشركة والدعم المؤسسي. لا بد، في الوقت ذاته، أن يواظب مجلس الإدارة على مراقبة أداء الرئيس التنفيذي المغادر منصبه مع قرب إحالته إلى التقاعد؛ وذلك لضمان السيطرة على زمام الأمور، وأن المسئول التنفيذي المتقاعد لن يلجأ في اللحظات الأخيرة إلى إجراءات كبرى تأتي بنتائج عكسية.

الخطوة الثالثة التي بوسع الشركات اتخاذها لدعم عملية الإدماج هي متابعتها عن كَثَب. يجب أن تُجريَ المؤسسةُ كلَّ بضعة أشهر تحليلًا منهجيًّا للتقدم مقارنةً بالتوقعات، وذلك من خلال الإجابة عما لا يقل عن أربعة أسئلة أساسية:

  • (١)

    هل تمنح المؤسسة الدعم الملائم للمرشح المعيَّن؟ تضم المسائل المحتملة الجديرة بالنظر وضوح الاختصاصات، موجز ملائم لتاريخ الشركة وثقافتها، والمستوى الصحيح من التقييم المبكر، بالإضافة إلى توفير مرشد داخلي للموظف الجديد.

  • (٢)

    هل يقيم المدير الجديد علاقات مناسبة في المؤسسة؟ بناء العلاقات، والتعاون الوثيق مع الزملاء، واستيعاب الثقافة المؤسسية، ونيل ثقة فريقه ومديره وزملائه، كلها أمور يجب أن تُعتبر علامات على التقدم المطلوب.

  • (٣)

    هل يطبق المدير الجديد نموذج العمل كما ينبغي؟ هذا يعني، على سبيل المثال، استيعاب العمليات، والمنتجات، والخدمات، ومتطلبات الشركة الأساسية، وتشغيل الأصول بطرق ملائمة (مبدئية).

  • (٤)

    هل ثَمَّةَ دلائلُ على التقدم؟ لا جدوى من طرح هذا التساؤل قبل أوانه؛ لكن من ناحية أخرى، من الإنصاف البحث عن بيان واضح للأولويات ومحطات الإنجاز الرئيسية، و(في مرحلة ما) دلائل تشير إلى التقدم نحو تلك المحطات.

يبقى أمر آخر يجب أن تستعد الشركات لتنفيذه خلال مرحلة الإدماج متى اتضح أن الإدماج لا يجري بنجاح: إنهاء الأمر. هذا الأمر ليس سهلًا على الإطلاق؛ فقد بذلت الشركة قدرًا كبيرًا من الوقت والمال في إيجاد المدير الجديد واستقطابه، وإدماجه؛ لكن العملية في بعض الأحيان لا تُجْدِي نفعًا ويتوجب على الأطراف المشاركة في العملية أن تتحلَّى بالشجاعة لمواجهة تلك الحقيقة والتصرف على أساسها، مهما كان ذلك صعبًا.

أذكر إعجابي بزميل لي أجرى بحثًا عن مدير قُطْري لشركة منتجات استهلاكية في سوق استراتيجية كبرى، بعيدًا عن مقر الشركة. استطاعت الشركة أن تضم إليها أفضل المرشحين المتاحين لكن سرعان ما دقت نواقيس الخطر. قرر زميلي وعميله تقييم عملية الإدماج بعد ثلاثة أشهر؛ فالتقى كلٌّ منهما على حِدَةٍ بالمدير الجديد وما يقرب من عشرين موظفًا آخَرَ، في محاولة لاستنباط إلامَ تتجه الأوضاع. أسفر هذا التقييم، بما لا يدع مجالًا للشك، عن إطلاق صافرات الإنذار.

تلقَّى المدير الجديد تقييمًا مفصَّلًا وإرشادًا متعمقًا، أُجريت بعد ثلاثة أشهر أخرى مقابلة مشابهة، خلُص منها زميلي وعميله، على مَضض، إلى أن المدير القُطْري الجديد لن ينجح في إنجاز مهامه، وأنه من الأفضل لجميع الأطراف المعنية أن تُقِرَّ بهذه الحقيقة. بدأ بحث جديد، بأسلوب لا يسبب أي إحراج غير مبرَّر للمدير غير الناجح، وعُيِّن مرشح آخر لم يكن متاحًا فيما سبق.

يمكن أن يكون حِفْظ ماءِ الوجه فَخًّا وعلامة ضعف. ليس في صالح أي موظف أن تُبقيَه في موقف هَشٍّ يصعب الدفاع عنه. إن لم ينجح الإدماج، فلْتَتحلَّ بقوة الشخصية اللازمة لإنهائه.

(٦) رؤية من منظور المرشح الناجح

حين بدأتُ تأليف هذا الكتاب، أَجْريت لقاءً طويلًا مع جاك ويلش، وسألته خلالَه عن أفضل طريقة لإدماج مدير جديد في منصب رفيع المستوى، لا سيما لو كان وافدًا من شركة أخرى؛ فكان جوابه كالآتي:

سوف يحتاج إلى مرشد! لا أنصح أي شخص بالانتقال إلى وظيفة جديدة ما لم يأتِ تعيينُه على يد شخص ذي سلطة ونفوذ حقيقيَّيْنِ في المؤسسة، بحيث يتمكَّن من دعمه والرهان عليه أيًّا كانت الظروف. هذا هو السر، وهو ضروري لإحراز النجاح.

أتفق معه. أولًا: إذا كنت المرشح الناجح لمنصب صعب ولم يكن ثَمَّةَ داعم محتمل لك، فلا تقبل الوظيفة.

الأمر الثاني الذي يجب أن يضعه المرشحون نُصب أعينهم هو أنه من شبه المؤكد أن يكونَ العمل أصعب مما توقعوا. سألنا الرؤساء التنفيذيين العاملين في شركات التكنولوجيا الحيوية كيف سيُمضون أولَ مائة يوم لهم في مناصبهم على نحو مختلف لو عاد بهم الزمن إلى الوراء. ستجد في الشكل ٩-٣ تلخيصًا لإجاباتهم. كان أغلبهم يعتقد أنه كان يتعين عليهم أن يبذلوا مزيدًا من الجهد في كل شيء. دائمًا ما يكون التصرف والتعلم في نفس الوقت تحَدِّيًا قاسيًا!

الأمر الثالث الذي يجب أن يضعه المرشحون المُعيَّنون في اعتبارهم هو أن بإمكانهم — بل ينبغي عليهم — أن يطالبوا بأشكال الدعم المؤسسي المذكورة في القسم السابق. لا يقدِّم أغلب الشركات سوى الحد الأدنى من الدعم لإدماج المُعيَّنين الجدد؛ ليس لأنهم أشرارٌ، بل لأن ذلك ببساطة مبلغ علمهم؛ لذلك فالمطالبة بالدعم ومساعدة الشركة في التخطيط له سيُحدثان فارقًا كبيرًا.

رابعًا: يجب أن يبدأ المعيَّنون الجدد بالتركيز على بضعة جوانب رئيسية بدلًا من التشتت في جميع الاتجاهات في آنٍ واحد. أجرت شركة ماكنزي آند كومباني دراسة مؤخرًا لتكون دليلًا للرؤساء التنفيذيين المنتخبين، وسلطت هذه الدراسة الضوء على ثلاث نقاط جوهرية:

  • (١)

    فهم المؤسسة والقيادات الأخرى على نحو أوفى.

  • (٢)

    تحديد نقاط ضعفهم الخاصة ومعالجتها.

  • (٣)
    تحديد الموارد التي يمكنها تيسير الانتقال، ومن بينها المستشارون المناسبون.11
fig44
شكل ٩-٣: الأمور التي يُركَّز عليها الانتباه في المائة يومٍ الأولى: إعادة نظر (المصدر: الدراسة الاستطلاعية للرؤساء التنفيذيين في شركات التكنولوجيا الحيوية عام ٢٠٠٥: أول مائة يوم، إيجون زندر إنترناشونال). حقوق النشر والطبع محفوظة لإيجون زندر إنترناشونال.
أجل، قد يعاني أصحاب المناصب العليا من الوحدة؛ لكن بإمكانك مقاومة هذا الوضع. ومن أهم استراتيجيات النجاح أن تجد النمط المناسب من المستشارين الشخصيين؛ إذ إن أكثر من ٨٠ في المائة من المديرين الذين درسناهم في القطاع المالي ذكروا هذه الاستراتيجية باعتبارها إحدى أهم الاستراتيجيات التي تبَنَّوْها. وقع اختيار أغلب المديرين في هذه العينة على زميل من الهيئة التنفيذية ليكون مستشارًا لهم، تلاه رئيس الشركة (خاصة بالنسبة إلى المرشحين الخارجيين) بالإضافة إلى المصادر الخارجية، التي تضم مجموعة من الاستشاريين (لاكتساب رؤية متعمقة عن القطاع أو عملية الإدماج ذاتها).12
ختامًا، لا بد للمدير الجديد أن يتخذ القرار الحاسم بشأن التوقعات التي سيُبقي عليها والتوقعات التي سيتنازل عنها.13 من المرجَّح أن تضم التوقعات المحددة في البداية أهدافًا متضاربة، بل ومستحيلة. ربما تؤدي الوعود الضمنية أو الصريحة الْمُقدمة من أسلاف المديرين الجدد إلى استفحال هذه المشكلة. الخطط التوسعية، والأمن الوظيفي، وفرص الترقي، والمسارات المهنية، والتوقعات بشأن المزايا الوظيفية، وظروف العمل — كلها أمور تمثل أساسًا للتوقعات، التي قد تتحقق أو لا (أو قد تكون قابلة للتحقيق أصلًا أو لا). لا بد للقائد الجديد أن يكشف عن هذه التوقعات ويتعامل معها، وإلا فقد تُتَرجم إلى «وعود كاذبة».

يتعين على المدير الجديد، في الوقت ذاته بالطبع، أن يَدْعَمَ فريقه. تُعتبر الأشهُر الأولى فترةً في غاية الصُّعوبة؛ إذ ينبغي على المدير الجديد أن يقيِّم كفاءة أعضاء فريقه ومواقفهم أثناءَ العمل معهم. وخلالَ هذه الفترة يحاول كل طرَف تكوين حكم على الآخَر، متسائلًا عما إذا كان سينجح في التحدي أم لا. في غضون ذلك، يجب أن يجري تنفيذ المهام وإتمام العمل.

حين توجَّهنا إلى الرؤساء التنفيذيين في المؤسسات المالية بالسؤال عما كان يتعين عليهم فعلُه على نحو مختلف في الثلاثة الأشهر الأولى لهم في مناصبهم، كان الرد الأكثر شيوعًا هو أنه كان ينبغي عليهم توجيه مزيد من الاهتمام إلى تحليل كبار قيادات الشركة وإدارتهم. أما الرؤساء التنفيذيون في مجال التكنولوجيا الحيوية فأجابوا أنه كان حَرِيًّا بهم أن يستوعبوا قدرات الشركة استيعابًا أفضل وأن يُمْضوا مزيدًا من الوقت في الدراسة الدقيقة لأعضاء فريقهم وإعادة توزيعهم.

أخيرًا، منذ اليوم الأول وصولًا إلى العام الثالث وما بعدَه، يحتاج المدير الجديد إلى بذل جهد استثنائي في البحث الحثيث عن ممثلي جميع أصحاب المصالح المتصلين بالشركة وقضاء وقت شخصي معهم. إن كان عليَّ أن أقدِّم وصية واحدة فقط، فسوف تكون — حسب خبرتي الشخصية — تلك الوصية السابقة؛ فلا شيء يُعوض وجودك الشخصي ولمساتك الخاصة.

(٧) العنصر البشري

مهما أكدت على قوة «اللمسات الشخصية» فلن أكون مُبالغًا. دعني أصُغها بطريقة سلبية: إن الإخفاق في إقامة علاقات شخصية متينة مع أبرز الجهات الفاعلة لَهو أدلُّ مؤشر على فشل عملية الإدماج. أما لو صغتها بالإيجاب فسوف أقول لو أن لديك حلفاءَ على استعداد لبذل قُصارى جهدهم لأجلك، فإن بإمكانك أنْ تَجْبُر أيَّ نقص آخرَ تقريبًا.

من الضروري إقامة علاقات مع أهم الأطراف لعدة أسباب؛ أولًا: وكما أشرت، يمكن للحلفاء (في صورة أفراد مُحَنَّكين من داخل المؤسسة) أن يساعدوا المدير الجديد على النجاح؛ إذ يمكنهم أن يساهموا في تسريع عملية التعلم وتقليص فترة التشخيص دون الإضرار بجودتها. إلى جانب ذلك، تُعَدُّ العلاقات الطيبة الأساسَ الذي تقوم عليه الثقة، والتي تشكل بدورها الدعائمَ الأساسية للقيادة والتبعية.

في ظل عصر الهواتف الذكية الذي نشهده، من الأهمية بمكان إمضاء الوقت الكافي في التواصل الشخصي، وجهًا لوجه، من أجل بناء الثقة. تتولد الثقة من الشخصية (بما في ذلك النزاهة، والدوافع، والاتِّساق السلوكي، والانفتاح) والكفاءة. لكن لو افترضنا أن لديك الشخصية والكفاءة المناسبتين إلى جانب الحد الأدنى من السلطة الرسمية، فإن قدرتك على تنمية الثقة ستعتمد اعتمادًا حاسمًا على مقدار الوقت القيِّم الذي تقضيه بنفسك مع مديرك، وأهم أعضاء فريقك، وغيرهم من الزملاء وأصحاب المصالح المهمِّين.

هذه الملاحظة البديهية أكدتها مؤخرًا اكتشافات في مجال علم الأعصاب، من خلال التركيز على مجموعة من الخلايا الدماغية المعروفة باسم «الخلايا العصبية الْمِرْآتِيَّة». تساعدنا هذه الخلايا، في ظاهر الأمر، على استشعار التحركات التي يوشك الآخر على اتخاذها، وتعدُّنا (على مستوى اللاوعي) لتقليد هذه التحركات. تعدُّنا هذه الخلايا، ببسيط العبارة، للابتسام بمجرد أن نرى مَنْ أمامَنا يبتسم. لكن إضافة إلى هذه الوظيفة، ثَمَّة فكرة ناشئة في عالم فلسفة العقل مَفادها أننا لا نفهم الآخرين من خلال ملاحظتهم والتفكير فيهم، بل «بترجمة أفعالهم إلى اللغة العصبية التي تُهَيِّئنا للإتيان بنفس الأفعال، وتتيح لنا فرصة الإحساس بنفس المشاعر.»14 سوف أسمح لنفسي أن أَصُوغ هاتين الفكرتين في نفس العبارة: حين نُمضي وقتًا مع الآخرين نتمكَّن من الإحساس بهم من خلال عمل خلايانا العصبية الْمِرْآتِيَّة، وحين نُحِسُّ بهم، نفهمهم وتنشأ رابطة بيننا وبينهم.
إن إمضاء وقت شخصي، وجهًا لوجه، مهم؛ إذ إن بناء علاقات وثيقة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعينين، اللتين تحتويان على امتدادات عصبية مؤدية مباشرةً إلى تكوين دماغي مهم مسئول عن التعاطف والمشاعر المتوافقة.15 حين نتواصل مع شخص ما، يذكِّرنا هذا التكوين — المتصل بالعينين كما ذكرت — بما إذا كنا نحب هذا الشخص أم نَمْقُته.16

ببساطة، لا بديل عن اللقاءات الشخصية. إذا كان بوسعك فعل شيء واحد لخدمة الإدماج، فسوف يكون عقد هذه اللقاءات.

(٨) كيف تهزم الصعاب؟

تلقَّيت منذ بضعة أسابيع ملخصًا بحثيًّا من مجلة «ماكنزي كورتيرلي» حولَ مَنْ يجب أن يُدير شركة عائلية ومن ينبغي ألَّا يتصدى لهذه الْمَهمة.17

أظهر التقرير أن الشركات المملوكة لعائلات ويقودها أشخاص من خارج تلك العائلة تُدار على نحو أفضل من غيرها، أما الشركات المملوكة لعائلات ويُشرف عليها أكبر الأبناء؛ فعادةً ما تعاني من سوء الإدارة نسبيًّا، وبدا هذا الارتباط الأخير وثيقًا بشكل خاص. أكَّد أصحاب البحث أن الشركات العائلية التي يديرها أكبر الأبناء تمثل ٤٣ في المائة من الفجوة التي أثبتوها في الجودة الإدارية بين الشركات في فرنسا (حيث يدار ما يقرب من نصف الشركات العائلية على يد الابن الأكبر الذي يتولى منصب الرئيس التنفيذي) ونظيراتها في الولايات المتحدة الأمريكية.

غير أن هذا المقال ذكَّرني بحالة عايشتُها نجحَتْ بِجَلاء في التغلب على تلك الصعاب. منذ عدة سنوات، تلقيت مكالمة هاتفية من أحد عملائي الذي كان رئيسَ مجلس الإدارة التنفيذي لإحدى الشركات بالغة النجاح، والتي أُسِّست بدايةَ القرن الماضي. كان هذا العميل يمثِّل الجيلَ الثالث في القيادات العائلية.

طلب مني الرجل، وكان في العَقد الثامن من عمره آنذاك، أن أقابلَه على وجه السرعة لمناقشة أمر مهم. أجبْتُه بأنني على وشك أن أستقِلَّ الطائرة من بوينوس أيريس متوجهًا إلى نيويورك خلال بضع ساعات؛ لكنني سأسعد بمقابلته عند عودتي بعد يومين.

كان دائمًا ما يبدو لي رجلًا في منتهى الهدوء والصبر؛ لذلك أصابتني دهشة عظيمة حين سألني إذا كان بوسعي أن أُعيرَه زيارة خاطفة في منزله وأنا في طريق ذهابي إلى المطار. أخبرني أنه في حاجة ماسَّة إلى قضاء ما لا يقل عن نصف ساعة معي «الآن»؛ لأن الأمر مهم وعاجل إلى أقصى درجة.

كانت الحيرة تتملكني وأنا متوجه إلى منزله في لا إيسلا، وهي واحدة من أجمل الأحياء في البلدة. رحبتْ بي زوجته أولًا وقدمت لنا الشاي ثم اختفت فجأة وتركتنا وحدَنا. أحسست أن هناك أمرًا غير طبيعي.

استهلَّ كلامه قائلًا: «سوف أدخل في صلب الموضوع مباشرةً. أنا أعاني من ورم سرطاني خطير وما تبقَّى من عمري أيامٌ معدودة. أود أن أسألَك إذا كنتَ تعتقد أن ابني الأكبر سوف يكون أفضل رئيس تنفيذي لشركتنا. طلبتُ منك أن تأتيَ إلى هنا لأنني أريد أن أنظرَ في عينيك وأنت تجيب عن ذلك السؤال. لا أريد جوابًا دافعه الشفقة. أريد الأفضل لشركتي وعائلتي، بعد رحيلي بفترة طويلة؛ لذلك، أرجوك أن تمنحَني أكثر الإجابات مهنيَّةً وصدقًا.»

لا أظن أنني رفعت عينيَّ عنه إلا مرة أو مرتين طوال الساعة الكاملة التي قضيناها معًا. أردت أن يعرفَ أنني كنت أمينًا معه إلى أقصى درجة، في ذلك الظرف الدقيق. مما سهل الموقف عليَّ، لحسن الحظ، أنني كنت أُومِن حقًّا أن ابنه كان على الأرجح أفضل مرشح محتمل لإدارة الشركة. كان ابنه يتَّسم بأقصى درجات الكفاءة، والاجتهاد، وتحمُّل المسئولية، وكان قد حَظِيَ بتعليم ممتاز ولديه مسيرة مهنية تُهيِّئه لمواجهة ذلك التحدي. كان هذا الابن في أوائل الأربعينيات من عمره. كان يتمتع بميزة معرفته بالشركة، ونشاطها، وأهم الأشخاص فيها؛ علاوة على كونه الجيل الرابع من العائلة الذي يتولى إدارة الشركة.

هذا ما أخبرت به الأبَ بكل صراحة. وبرغم ذلك، أمضى ما لا يقل عن نصف ساعة محاولًا سَبْر أغواري وسؤالي عن المرشحين الخارجيين المحتمَلين الذين تحضرني أسماؤهم بِناءً على خبرتي في السوق الأرجنتينية، مستفسرًا عن مثالب ابنه، ومستجوبًا إياي بشأن مزايا الحلول الخارجية وعيوبها.

حتى بعد أن اقتنع أخيرًا بما أُومِن به، لم يَدَعْني أرحَل، بل أمضينا نصف ساعة أخرى في التخطيط المفصَّل لعدة قضايا متنوعة مرتبطة بمسألة الإدماج.

وفي النهاية، طلب مني نصيحة مخلصة بشأن مستوى وهيكل المزايا الوظيفية التي سيحظَى بها ابنه عندما يتولى منصب الرئيس التنفيذي الجديد. كان الرجل يريد أن يكون منصفًا تجاه ابنه وشركته، وألَّا يخلقَ أية مشكلات مع بقية المساهمين وأفراد العائلة، لا سيما أن كثيرًا منهم إخوة للرئيس التنفيذي المتوقع وأبناء عمومته.

بالفعل، صار ابنه الرئيس التنفيذي الجديد للشركة، وبعدَها بقليل، وافتِ الأبَ الْمَنِيَّةُ. حققت الشركة أداءً متميزًا من حيث النمو، والربحية، والانتشار، والتنوع السلعي، والخدمي، والانتشار الجغرافي.

بعد مُضِيِّ ما يقرُب مِن عَقْد مِن تولي الابن الرئاسة التنفيذية للشركة، زارني في مكتبي وأوضح لي أنه يشعر أن الوقت قد حان للتقاعد عن مسئولياته التنفيذية. برغم أنه كان لا يزال مُفعمًا بالحيوية (كان على وشك إتمام الخمسين من عمره)؛ فإنه كان مقتنعًا أن القادة لا بد أن يتنحَّوا عن مهامِّهم بعدَ عشر سنوات تقريبًا، وأن الشركات في حاجة إلى دماء جديدة.

fig45
شكل ٩-٤: كيف تدمج أفضل الموظفين؟

لم تنتهِ القصة بعدُ. أتذكَّر الشركة العائلية الناجحة، ديوراجودز، المتخصصة في المنتجات المعمرة والمشار إليها سابقًا، والتي قرر رئيسها التنفيذي الذي كان سيتقاعد عما قريب أن الوقت قد حان للتنحي عن مهامِّه، وأنه لم يكن لدى العائلة أفراد أَكْفاء يخلفونه في إدارة الشركة؟ كان ذلك الرئيس التنفيذي هو ابن هذا الأب الشجاع. لقد عملنا معه لتعيين مرشح خارجي، وتعاون معنا هذا المرشح تعاونًا وثيقًا لأجل وضع خطة لعملية إدماج ناجحة وتنفيذها.

لماذا أختتم هذا الفصل بمثل هذه القصة؟ لأن هذه الشركة العائلية، وخلافًا لأغلب الشركات المشار إليها في دراسة ماكنزي، تمكَّنت من الجمع بين ميزات الاتجاهين: إذ حافظت الشركة على رؤيتها الاستراتيجية طويلة المدى دون الخضوع لضغوط تسليم نتائج رُبعية لمستثمرين وتحقيق إيرادات مستهدفة على المدى القصير. كما لعبت هذه الشركة، في الوقت ذاته، دورًا فعالًا في إيجاد أفضل القيادات الممكنة للشركة والإشراف عليها، سواءٌ أكانت هذه القيادات أعضاءً في العائلة أم مرشحين خارجيين غير معروفين.

لقد أبدى الأب وابنه، في رأيي، قدرًا مذهلًا من الوعي بالذات والقدرة على استشراف المستقبل: الأول في مواجهته لحقيقة وفاته، والأخير في الإقرار بالحاجة إلى نقل زِمام القيادة لجيل جديد وهو لا يزال في قمة مَجْده. لم يقع أي منهما في فخ التسويف، بل سارع الاثنان إلى إجراء التغيير المطلوب، وأصرَّا على تنفيذ أقوى عملية إدماج ممكنة، برغم أن عمليتَي الإدماج كانتا مختلفتين كل الاختلاف.

كما أبدى كلٌّ من الجيلين قَدْرًا ملحوظًا من الانضباط والموضوعية في تقييم المرشحين، حتى عندما أقدم الأب على تقييم ابنه. لقد أظهر الاثنان شجاعة وتعاطفًا.

إن اتِّباع هذا النهج، في تقديري، هو الذي مكَّن كلًّا منهما من التغلب على الصعاب المذكورة في دراسة ماكنزي، وأعتقد أن الدروس المستفادة من قصتهما يمكن تطبيقها على نطاق أوسع. إذا أردت أن تحقق أداءً رائعًا وأن تتخذ قرارات سديدة بشأن الأفراد بثبات ومنهجية؛ فافعل مثلما فعلت هذه العائلة: كن على وعي بذاتك، واستشرف المستقبل، وتَحَلَّ بالانضباط والشجاعة.

يلخص الشكل ٩-٤ أهمَّ النقاط المطروحة في هذا الفصل.

•••

إذا اتبعت الممارسات الموضحة في هذا الفصل، فسوف تتمكَّن من إدماج أفضل مرشح بنجاح.

أُبيِّن في الفصل الأخير الأسباب التي تجعل إجادتك لاتخاذ هذه القرارات السديدة بشأن الأفراد أمرًا مهمًّا على نطاق أوسع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤