الفصل الأول

فكرة داروين العظيمة الأخرى

سمكة أبو الشص واحدةٌ من أغرب الأسماك شكلًا في عالم البحار (شكل ١-١). فهي تتمتع بفمٍ عريض ممتلئ بأسنانٍ حادةٍ كالإبر، ومن فوقه يتدلى بروزٌ صغير ولحيم يستمد منه هذا النوع اسمه؛ إذ يُشبه الطُّعم الذي يوضَع في شَصِّ الصنارة، وتستدرج به الفريسة كي تبتلعها هذه الأسماك المفترسة التي تعيش في أعماق البحر. عندما اكتشف العلماء هذه السمكة لأول مرة، انتابتهم الحَيرة لأن جميع أنواعها من الإناث، رغم أن بعضًا منها يلتصق بأجسادها فيما يبدو سمكة طفيلية أصغر حجمًا. واتضح أن هذه السمكة الطفيلية — وهي سمكة صغيرة جدًّا مقارنة بحجم السمكة المضيفة — ليست نوعًا آخر، وإنما الذكر، الذي يعيش بالأساس على هيئة جراب للحيوانات المنوية تنتظر حتى تبيض الأنثى عندما تكون جاهزة للتزاوج.

ربما لا تُظهِر الحيوانات الأخرى هذه التباينات الجنسية الصارخة؛ ولكن ثمة أمثلة كثيرة على التباين بين الذكور والإناث من حيث الشكل والسلوك. فذكور الطيور المغردة مثل الحَسون الذهبي عادةً ما تكون ذاتَ ألوانٍ زاهية أكثر من الإناث، وهي التي تُصدر ذلك التغريد الموسيقي، بينما نجد أن حجم أنثى العنكبوت ربما يفوق حجم الذكر عدَّة مرات. كذلك تنتفخ أرداف إناث قرد الرباح الملونة في الفترة التي تنشط فيها جنسيًّا، وتُنشئ ذكور طيور التعريشة ساحاتٍ معقدةً ومتداخلةَ التفاصيل تؤدي فيها عروضًا غنائية واستعراضية مفعمة بالحيوية لاجتذاب شريكات التزاوج المحتملات.

لا خلافَ حول فكرة التباين بين الذكور والإناث عادةً من حيث الشكل والصوت والرائحة والسلوك. غير أن ثمة خلافًا قائمًا حول مصدر هذه الاختلافات والدور الذي تلعبه في الأنواع المختلفة، بما فيها البشر. ومثلما أوضح تشارلز داروين كيف يمكن أن يُنتج الانتخاب الطبيعي تنوع الكائنات الحية على الأرض، فقد تناول أيضًا مسألة الاختلافات الجنسية في كتابه الذي نشره عام ١٨٧١ بعنوان «نشأة الإنسان والانتخاب الجنسي». يعتقد كثيرون أن هذا الكتاب يتناول موضوع تطور الإنسان، إلَّا أن تركيزه الأساسي كان على فكرة داروين العظيمة «الأخرى» بخلاف فكرة الانتخاب الطبيعي؛ ألا وهي الانتخاب الجنسي. لا شكَّ أن الانتخاب الطبيعي هو التكاثر التفاضلي للكائنات الحية القائم على أساس قدرتها على البقاء على قيد الحياة، أمَّا الانتخاب الجنسي فهو التكاثر التفاضلي القائم على أساس التنافس الجنسي، سواء أكان بين أفراد الجنس الواحد للوصول إلى الجنس الآخر، أم من خلال انتقاء شركاء بعينهم للتزاوج.

fig1
شكل ١-١: سمكة أبو الشص، وأسفل الأنثى الأكبر حجمًا ذكر متناهي الصغر يكاد يكون غير مرئي.

لم يكن داروين الوحيد الذي بحث في موضوع الجِنس؛ مثلما مهَّد آخرون الطريق أمام أفكاره عن أصل التنوُّع البيولوجي. فقد فكَّر عدة علماء وباحثين سابقين مليًّا في السبب وراء الاختلاف بين الجنسين. وعلى مدار القرنين الذين سبقا نشر داروين أعماله الكبرى، استغرق الطبيب الإنجليزي ويليام هارفي، الذي اشتهر على الأرجح باكتشافه الدورة الدموية في جسم الإنسان، في التفكير في قدرة الديك على «التزين بعُرفه وريشه الجميل، اللذين يجتذب بهما شريكاته بهدف التزاوج». ونظرًا إلى أن العواطف المرتبطة بالجنس، وكذا تلك المرتبطة بالحرب، عُدَّت عواطف بُدائية ومكروهة، حاول بعض فلاسفة القرن الثامن عشر تحديد أصل مثل هذه النزعات، وعزم جان جاك روسو، الكاتب والعالم الشهير، على إثبات أن من اصطُلح على تسميتهم البُدائيين في حالة الطبيعة كانوا أنقياء وصالحين؛ في حين أن الرغبات الأكثر دناءة كانت بدعة من اختراع المجتمع. وربما أسهم هذا الفَصل، ليس فقط بين البشر والحيوانات الأخرى وإنما بين البشر وأسلافهم السابقين أيضًا، في الصعوبة التي نواجهها اليوم في ربط سلوك الكائنات غير البشرية بالبشر.

كان داروين نفْسُه حريصًا على فَهم مصدر الاختلافات الجنسية في كلا الفريقين. فميز بدقة بين السمات المستخدمة من أجل البقاء على قيد الحياة، التي عادةً ما تكون نتاجَ تأثير الانتخاب الطبيعي على القدرة على العثور على طعام أو تجنُّب الحيوانات المفترسة، والسمات المستخدمة للظفر بشركاء التزاوج. وأشار إلى أنه على الرغم من أن العديد من الحيوانات تُظهِر سماتٍ متطرفة، فإن هذه السمات في بعض الحالات تُوجَد في كلا الجنسين، ويتضح أنها ذات نفع في الحياة اليومية، مثل المنقار المعقوف الطويل في طائر هاواي الباحث عن العسل، الذي يستخدمه في سبر الزهور بحثًا عن الرحيق. غير أن ثمة سماتٍ أخرى — بما فيها تلك السمات اللازمة بديهيًّا من أجل التكاثر مثل المبيضَين والخصيتَين، وكذلك السمات الأقل فعالية من الناحية الظاهرية مثل القرون في الخِرَاف والقرون المتشعبة في الأيائل، أو الذيل المروحي لذكر الطاووس — تظهر في جنس واحد فقط.

كان من السهل نسبيًّا تفسير الاختلافات في الأجهزة التناسلية المعنية مباشرةً بإنتاج الحيوانات المنوية أو البيض، وأطلق داروين على تلك الاختلافات الخصائص الجنسية الأساسية. وتشتمل على الغدد التناسلية وغيرها من المظاهر الأخرى للأعضاء التناسلية الداخلية والخارجية. ورغم أنها مقتصرة عمومًا على جنسٍ واحد وتظهر عند الولادة أو الفقس حسب نوع الكائن الحي على مدار حياته، فإن بعض الحيوانات ربما تكون خنثوية، بمعنى أن الأعضاء الجنسية الذكرية والأنثوية على حد سواء تُوجَد داخل الفرد نفسه. وفي حيوانات أخرى، بما في ذلك بعض أنواع الأسماك وبعض اللافقاريات، قد يتغير جنس الحيوان — والأعضاء الجنسية — خلال حياته؛ فعلى سبيل المثال، تتحول سمكة الراس المنظفة، ذات الخطوط الزرقاء، إلى ذكر إذا طُرد الذكر من جماعتها الاجتماعية. وعلى الجانب الآخر، في سمك المهرج، قد يتحول الذكور إلى إناث إذا ماتت شريكة التزاوج أو اختفت. وفي حين أن بعض مظاهر الخصائص الجنسية الأساسية ربما تتسم بالتعقيد، مثل تركيب الحيوانات المنوية أو الشكل الخارجي للعضو الجنسي، فإنها تلعب دورًا واضحًا في تمكين الخلايا التناسلية من التلامس والاتصال وإنتاج لاقحة.

كان من الصعب على داروين فَهم الأنواع الأخرى من الاختلافات الجنسية، التي تتنوع بدايةً من عُرف الديك وصولًا إلى صرير الصرصور. وفضلًا عن عدم ضرورتها لضمان التقاء الحيوان المنوي بالبويضة، فالكثير من هذه الخصائص هي في الواقع ضارة بعملية البقاء على قيد الحياة؛ إما لأنها تستلزم طاقة فسيولوجية لإنتاجها أو لأن ظهورها يجعل حاملها عُرضة للافتراس من قِبل الضواري. على سبيل المثال، في الضفادع والصراصير، تتسبب نداءات التزاوج في جعل الذكور يبذلون طاقةً أكثر بمقدار عشرين مرة مقارنةً بما تبذله منها في وضع الراحة. والذيل الطويل في طائر السوادية المألوفة — وهو أحد طيور أمريكا الشمالية من فصيلة الصفراويَّات — يُصعِّب عليه الطيران وسْط الرياح العاتية، في حين أن الرقع البرتقالية الفاتحة الموجودة في ذكور أسماك الجوبي تُسهِّل على الأسماك المفترسة تحديد موقعها في المجاري المائية التي تظهر فيها. أطلقَ داروين على هذه السمات الخصائص الجنسية الثانوية، ولاحظ أنه في حالات كثيرة لا يبدو أنها نشأت عبر الانتخاب الطبيعي. إذَن، كيف استطاع الانتخاب أن يحابيَ الطيور ذات الذيول الطويلة وغير العملية على حساب نظائرها الأقل تعقيدًا؟

قال داروين إن الانتخاب الجنسي — الذي ميَّزه منذ البداية عن الانتخاب الطبيعي — أدَّى إلى تطوُّرها. وعلى غِرار الانتخاب الطبيعي، فإن الانتخاب الجنسي عملية ناتجة عن تمثيل تفاضلي لجينات تظهر على مدار أجيال متعاقبة. وفي كلتا العمليتين، يتمتع بعض الأفراد بخصائص أكثر مُلاءمة للبيئة. وبالنسبة إلى الانتخاب الطبيعي، تعني تلك الخصائص القدرة على مراوغة الحيوانات المفترسة، أو الاحتماء من العوامل الجوية، أو العثور على الطعام. غير أن البقاء على قيد الحياة لمجرد توافُر القدرة على تناول الطعام وعدم التعرض إلى الافتراس ليس كافيًا؛ فإذا عاش الحيوان دون أن يتكاثر، فربما لم يكن ليعبأ بالعيش من الأساس، على الأقل من منظور تطوُّري. فلا أهمية لمصطلح البقاء للأصلح، ما لم يَكُن لهذا الأصلح ذرية أيضًا. إذَن، في ظل الانتخاب الجنسي، تعتمد السمات المهمة، التي تحدد ما إذا كان الفرد سيتكاثر أم لا، على التنافس الجنسي، وليس على القدرة على البقاء. واقترح داروين أن الخصائص الجنسية الثانوية يمكن أن تتطور بإحدى طريقتين. الطريقة الأولى، قد تكون هذه الخصائص مفيدةً لجنسٍ واحد، الذكور في العادة، في القتال من أجل الوصول إلى أفراد الجنس الآخر. ولهذا السبب نجد القرون المتشعبة، والقرون عمومًا موجودة في ذكور ذوات الحوافر، مثل كبش الجبال الصخرية، أو الخنفساء وحيدة القرن، وهو اسم على مُسمًّى يتلاءم ومظهرَها الخارجي. وهذه الخصائص في حد ذاتها أسلحة ذات فائدة؛ لأن المقاتلين الأفضل يحصلون على عددٍ أكبر من شركاء التزاوج ويُنجبون عددًا أكبر من الذرية؛ ومن ثَم يورثون براعتهم القتالية إلى أنجالهم.

غير أن الطريقة الثانية كانت أقل بديهية. فقد لاحظ داروين أن إناث الحيوانات عادةً ما تُولي اهتمامًا إلى سمات مثل التغاريد الصاخبة والريش المتداخل الألوان أثناء فترة التودُّد والمغازلة، واستنتج أن هذه السمات تطوَّرت لأن الإناث فضَّلتها. فأُنثى الطاووس تجد الذكر ذا الذيل الطويل المروحي الشكل جذابًا، مثلما نراه نحن البشر كذلك، ومثل هذه الخصائص زينية فحسب. إذَن، تألفت عملية الانتخاب الجنسي من شقين: شق المنافسة بين الذكور، الذي يسفر عن تطوير أسلحة، وشق الانتقاء من جانب الإناث، الذي يسفر عن تطوير مظاهر الزينة. عند اختلاف الجنسين في مظهرهما الخارجي، نُطلق على هذا الأمر ثنائية الشكل الجنسي. وتختلف الأنواع اختلافًا كبيرًا في درجة ثنائية الشكل الجنسي؛ ففي حالة سمكة أبو الشص تكون تلك الثنائية مبالغًا فيها، بينما في الكثير من الطيور البحرية، مثلًا، يكون التمييز بين الجنسين شبه متعذر.

الجدل حول انتقاء الإناث

رغم أن المنافسة بين الذكور على أحقية التزاوج بأنثى بدت سائغةً بالقدر الكافي بالنسبة إلى معاصري داروين في العصر الفيكتوري، فإن أحدًا منهم لم يقتنع في الواقع بفكرة أن الإناث — من أي نوع، لا سيما ما يطلق عليها الحيوانات البكماء — يمكنها أن تفعل أيَّ شيءٍ مُعقَّد مثل التمييز بين الذكور بناءً على اختلافٍ طفيف في ألوان الريش. والكثير ممن وجدوا أفكار داروين عن الانتخاب الطبيعي غير مقبولة كانوا أقل تحمسًا إزاء فكرة الانتخاب الجنسي، وتركَّزت اعتراضاتهم بالأساس على فكرة انتقاء الإناث للذكر.

تعكس الصعوبات التي واجهها علماء ذلك العصر مع الانتخاب الجنسي بعضًا من تلك الصعوبات التي لا تزال ملازمةً للمفهوم نفسه، بما في ذلك مدى انطباق مبادئ انتقاء شريك التزاوج على البشر وكذلك على الحيوانات الأخرى. ورغم أن كتاب «نشأة الإنسان» لم يلاقِ نفسَ القدْر من المعارضة التي قوبل بها كتاب «أصل الأنواع» الذي نُشر قبله بعَقد، فإن مناقشاته الصريحة (بالنسبة إلى ذلك العصر) لموضوع الجنس والتكاثر قوبلت بالرفض والاستنكار. فكان الاعتقاد أن الكتاب يشجع الأفعال غير الأخلاقية، ويبرر ما كان يراه الناس سلوكًا مذمومًا. فقد أشار داروين إلى أن الحيوانات لها «زوجات» وكذلك «خليلات»، وكانت التداعيات الأخلاقية المترتبة على ذلك بالنسبة إلى البشر واضحةً تمامًا، على الأقل لقراء ذلك العصر. فقد شهِد القرن التاسع عشر جهودًا كثيرة لتفسير الاختلافات بين الذكور والإناث في الجنس البشري باعتبارها وقودًا للحركة الناشئة المنادية بحق النساء في التصويت بالانتخابات، وأسهَم كتاب داروين إسهامًا مباشرًا في الجدال الدائر. فمنذ البداية، وُجدت أوجه تشابه بين الحيوانات والبشر؛ إذ سعى الناس إلى تحري الاختلافات «الطبيعية» بين الجنسَين. وكان السياق الاجتماعي حاضرًا على نحوٍ شبهِ دائم، واستعان الناس آنذاك، تمامًا كما هو الحال الآن، بالحيوانات كأمثلةٍ للسلوكيات التي ظنوا أنه ينبغي على الناس أن يحاكوها أو يتجنَّبوها.

كان عالم الطبيعة ألفريد راسل والاس — الذي توصَّل أيضًا على نحوٍ مستقل إلى بعضٍ من نفس الاستنتاجات بخصوص التطور والانتقاء الطبيعي في نفس الوقت تقريبًا الذي توصَّل فيه داروين إلى استنتاجاته — شديد التحمس في اعتراضاته. فقد رأى ببساطة، هو وكثيرون غيره، أنه لا يُعقل أبدًا أن بمقدور الإناث اتخاذ هذا النوع من القرارات المُعقَّدة التي تقتضيها نظرية داروين؛ فالأمر سيتطلَّب أن تتمتع الأنثى بحسٍّ جمالي كذلك الموجود لدى بني البشر، وهي فكرة لم يكن لدَيها استعداد لقَبولها. فوَفقًا للتفكير السائد في عصره، كانت القدرة على إدراك الجوانب المرهفة للحضارة مثل الفن والموسيقى مقتصرةً فقط على الطبقة العليا من المجتمع دون باقي البشر؛ ولذا بدا من السخف تصوُّر أن الحيوانات بإمكانها أن تفعل شيئًا لا يستطيع أن يفعله الكثيرون من البشر، لا سيما غير الإنجليز.

حاول داروين التشديد على أن الانتقاء يمكن تعريفه بشكلٍ مختلف في أنواع الحيوانات المختلفة، وأن الحشرات على الأرجح هي «أدنى» الأشكال التي يمكن للمرء أن يتوقع رؤية الانتخاب الجنسي فيها، بما في ذلك الانتقاء من جانب الإناث. وفي الوقت نفسه، كان داروين مترددًا في الابتعاد عن الأفكار التقليدية السائدة حول المغازلة والتودُّد في المجتمعات البشرية، وأشار إلى أن الرجال يبادرون بالانتقاء على الأقل بين الجماعات الأقل «همجية»، وهو ما يتوافق على نحوٍ أفضل مع مفهوم تحلي النساء بالسلبية والتمنع. وفي الوقت ذاته، اقترح داروين أن الانتقاء يمكن أن يساعد في تمييز الإنسان الحديث عن أسلافه الأكثر انحلالًا وبُدائيةً حسبما كان يُفترض. واختلف والاس وغيره من علماء ذلك العصر عن داروين في تأييدهم لوجهة النظر الأكثر انتشارًا حول وجود اختلاف حاد بين البشر والحيوانات الأخرى، خلافًا لوجهة نظر داروين القائلة إن ثمة صلةً قائمةً عبْر جميع الكائنات الحية، حتى ولو تمتع بنو البشر بخصائصَ استثنائية. وكان هذا الافتقار إلى الاستثنائية على مستوى البشر، إذا جاز التعبير، أحد الأسباب التي جعلت أفكار داروين ثوريةً للغاية، والسبب وراء استمرار اعتراض الناس على اعتبار التطور تفسيرًا لأصل الحياة وتنوعها.

علاوة على ذلك، كان داروين يُشدد على أن نظرياته لا تنطبق فقط على الاختلافات المتعلقة بالشكل والمظهر الخارجي، بل تنطبق أيضًا على السلوك، فيما يُعَد امتدادًا آخر للفكرة التي أزعجت بعض معاصريه. وذكر بعض الكتَّاب في تلك الفترة على نحوٍ ساخر أن داروين في الواقع قد نسب التفكير المستقل إلى الحيوانات أكثر مما نسبه إلى النساء، اللاتي كان من المفترض أن يخضعن إلى أولياء أمورهن أو إلى قوًى خارجية أخرى عند اختيار الزوج. كذلك كانت النظرةُ إلى فكرة أن إناث الحيوانات، والنساء بالتبعية، ستُبدي استجابةً جنسية تجاه محاولات الذكور للتقرب منها، نظرةً مشوبةً بالقلق والانزعاج، وتبادل داروين عدة مراسلات مع ناشر كتبه بخصوص استخدام مصطلحات مثل «إغواء» و«إثارة» فيما يخص الإناث. وذهب بعض من أنصار الحركة النسوية إلى أنه إذا مُنحت النساء سلطة أكبر للانتقاء، عاد ذلك بالنفع على المجتمع؛ لأن النساء كان يُنظر إليهن باعتبارهن إيثاريات، على عكس الذكور الأكثر أنانية وغرورًا. وعلى الرغم من ذلك، ثمة جوانب عدة في نظرية الانتخاب الجنسي ثبت أنها مثار للجدل.

تصادمت فكرة الانتقاء من جانب الإناث في سياق منظومة الزواج الغربي أيضًا بفكرة أخرى كانت رائجةً في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين؛ ألا وهي تحسين النسل، الذي شجَّع التزاوج الانتقائي بين البشر بهدف سيادة الخصائص المرغوبة مثل الذكاء، وتقليل احتمالية ما كان يُطلَق عليه عادة «القصور العقلي». كان الاعتقاد أن النساء يُشكلن مستقبل البشرية بأيديهن من خلال انتقاء أزواج يتمتعون بصحة جيدة على مستوى تحسين النسل، وهو ما كان يعني أن سمة الجمال وغيرها من المعايير التافهة لم تَكُن تُعد ذات أهمية. وفي النهاية، استُخدمت أفكار تحسين النسل لتسويغ مفهوم «العرق المتفوق»، الذي تُعد النازية أحد أشكاله المألوفة لدَينا. وحتى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ربما نال الانتخاب الجنسي ما نالته النازية من تنديد واستنكار آنذاك، وربما كان هذا التجريم بالتبعية هو ما جعل علماء الأحياء يتجاهلونه لاحقًا.

وخلافًا لداروين، اقترح والاس أن الجنسين يختلفان ليس لأن الإناث تفضل الذكور الأكثر بهرجةً وزينةً؛ بل لأن فائض الطاقة والحيوية الواضح في نشاط الذكر لا بدَّ أن يكون جليًّا في موضع آخر، وبدا أن الألوان الزاهية والتغاريد الصاخبة أشبه بتنفيس منطقي لهذه الطاقة الفائضة. واقترح أيضًا أن حالة الأسلاف بالنسبة إلى كلا الجنسين كانت واضحةً، وأن الانتخاب اللاحق للإناث بحيث تكون خفية، وهن يجلسن في العش أو يعتنين بصغارهن، هو ما أنتج ثنائية الشكل التي نراها عادة.

ناقش والاس وآخرون أيضًا الدافع الذي ربما يجعل الأنثى تُفضِّل ذكرًا على آخر. فلو كان الاختلاف الوحيد بينهما هو السمة الجنسية الثانوية، فلماذا تهتم الأنثى به إذَن؟ لم تلقَ وجهةُ نظرِ والاس بأن قوة الذَّكَر تقود إلى الألوان الزاهية أو غيرها من مظاهر الزينة الأخرى قَبولًا على نطاقٍ واسع، ولم تصمد طويلًا أمام التدقيق الحديث، فما معنى أن يكون لديك «فائض القوة والحيوية» بالضبط؟ كيف يمكن لمثل هذه الصفة، حتى ولو أمكن تعريفها، أن تقود إلى إبراز مظهر فسيولوجي محدَّد مثل الذيل الطويل أو التغريد الصاخب؟ وعلى الرغم من غياب تفسير بديل لتطور مظاهر الزينة الجنسية المعقدة والمتداخلة، فإن الحَيرة بخصوص آلية الانتقاء من جانب الإناث أدَّت إلى شبه تغافل عن فكرة الانتخاب الجنسي برمَّتها على مدى العقود القليلة التالية.

الانتخاب الجنسي والاصطناع التطوري الحديث

على الرغم من أن عالِمَ إحصاء إنجليزيًّا يُدعى رونالد إيه فيشر قد طوَّر نماذج رياضية في كتابٍ نشرَه عام ١٩٣٠ بعنوان «النظرية الوراثية للانتخاب الطبيعي»، تناول فيه كيف يمكن أن يتطور مظهرٌ من مظاهر الزينة التي تبدو ضارةً في جنسٍ واحد فقط، فلم تهتمَّ إلا قلة قليلة من علماء الأحياء بالانتخاب الجنسي في مطلع القرن العشرين. ففي العقود الأولى من القرن العشرين، بدأ العديد من علماء الأحياء يربطون بين النتائج الجديدة التي تم التوصل إليها في علم الوراثة وأفكار داروين، لإنتاج ما يُطلق عليه عادةً «الاصطناع التطوري الحديث». وطوَّر كلٌّ من جورج جايلورد سيمبسون وثيودوسيوس دوبجانسكي وروبرت ليديارد ستيبينز وجيه بي إس هالدين ومعاصروهم نظريةً حول مدى سرعة حدوث التطور، والأهمية النسبية للانتخاب الطبيعي والعمليات العشوائية مثل الانحراف الوراثي، وكيف تكونت الأنواع الجديدة. وأرست أعمالهم قواعد علم الأحياء التطوري المعاصر، ولا يزال يُستشهَد بها على نطاقٍ واسع حتى اليوم.

لكن، بصفة عامة، لم يهتم هؤلاء العلماء البارزون بالانتخاب الجنسي ببساطة. وحين ناقشوا السمات المفرطة لدى الحيوانات، أشاروا إلى أنها نشأت لتُتيح للإناث البحث عن شريك تزاوج من النوع المناسب. فعادةً ما يكون التزاوجُ بنوعٍ آخر مضرًّا؛ لأن الهجين الناتج يكون غالبًا أقلَّ قدرةً على البقاء والتكاثر مقارنةً بسلالتَي الأبوَين. على سبيل المثال، يستطيع ذكر الحصان التزاوج مع أنثى الحمار لينتج ما يُطلَق عليه النغل، بينما يمكن أن تتزاوج أنثى الحصان وذكر الحمار لينتجا ما يُطلق عليه البغل. ولكن لا يستطيع النغل والبغل إنجاب أيَّ نسل، وفي أنواع أخرى، لا ينجح الجيل الأول الناتج من تهجين نوعين مختلفين. وهكذا تتجلى أهمية التعرف على النوع، وقد رفض اختصاصيو علم الأحياء التطوري الأوائل فكرةَ وجود أي دور آخر لانتقاء شريك التزاوج. حتى إرنست ماير، العالم الشهير الذي طور أفكارًا عن الانتواع أو نشوء الأنواع في أوائل القرن العشرين، لم يؤمن بالانتقاء من جانب الإناث كما تخيله داروين، وقال عن هذا: «ثمة صعوبات كثيرة [في سبيل التمييز بين الأدوار الممكنة والمختلفة للسمات البارزة] حتى عندما يكون لهذه الصفات وظيفة واحدة فقط. فعلى سبيل المثال، من المتعارَف عليه الآن أن العديد من الظواهر التي كان يُعتقَد سابقًا أنها تعزز الانتخاب الجنسي داخل النوع هي في الحقيقة سمات تعريفية محددة للنوع.»

بالنظر إلى الأمر من منظورنا الحالي، يبدو من المستغرب أن الخصائص الجنسية الثانوية المتنوعة الاستثنائية كان جميعها يُعتقَد أنها لا تخدم أيَّ أهداف سوى تمييز نوعٍ عن آخر. ولم يُفسَّر مطلقًا السبب وراء أن بعض المجموعات الحيوانية، مثل طيور الجنة، بدت أنها تتطلب تطوير ريش متداخل الألوان كألوان قَوسِ قُزَح، بالإضافة إلى استعراضات التودُّد والمغازلة المفعمة بالحيوية والنشاط، في حين أن مجموعات أخرى، مثل النوارس أو بعض عصافير الدُّوري، يمكن أن تميز شريك التزاوج المناسب بناءً على اختلافٍ في لون الأرجل أو وجود خط رمادي رفيع في الرأس.

رفض الباحثون في مجال سلوك الحيوان في ذلك الوقت أيضًا فكرة الانتقاء من جانب الإناث، مفترضين أن الانتقاء عملية عقلانية مقتصرة بالضرورة على البشر فقط. وأشاروا إلى أن الحيوانات كائنات بُدائية؛ ومن ثم لا يمكن أن تحدث هذه العملية لدَيها. علاوة على ذلك، بدت إناث الحيوانات، في نظر خبراء علم الحيوان الأوائل، كائناتٍ سلبية مُذعنة تتزاوج بأي ذكر يستطيع أن يهيمن عليها ويصدَّ منافسيه عنها. وركز علماء الفسيولوجيا على الآليات التي تؤدي إلى حدوث الاختلافات الجنسية، مثل الهرمونات، لا على العمليات التطورية التي أدَّت إلى انتقائها في المقام الأول. وقد أجرى خبير علم الحيوان الشهير جوليان هكسلي دراسةً تفصيلية على طقوس المغازلة لدى طائر الغطاس المتوج الكبير، أحد الطيور المائية، وخلَص إلى أن الاستعراضات المعقدة لكلا الجنسين قبل حدوث عملية التزاوج كانت ضرورية للتغلب على العزوف الطبيعي للأنثى عن الانخراط في العملية الجنسية (شكل ١-٢). ويبدو أن تحيزاته فيما يتعلق بطبيعة الذكور والإناث قد قادته إلى وضع افتراضات لم تَكُن مسوغة بالضرورة، كما سنرى في الفصول المتبقية من الكتاب. والمثير للدهشة أنه على الرغم من أن هكسلي لم يؤمن، كغيره من العلماء، بأن إناث الحيوانات يمكنها الاختيار، فقد أيَّد فكرة أن أحادية التزاوج تظهر بصورة طبيعية لدي حيوانات أخرى غير البشر.
fig2
شكل ١-٢: يتصف سلوك المغازلة لدى طيور الغطاس المتوج بالتعقيد، ويشارك فيه كِلا الجنسين.
بُذلت جهود أخرى لدراسة انتقاء شريك التزاوج داخل المعمل أو ميدانيًّا خلال فترة «الاصطناع التطوري الحديث»، وكان ذلك يتمُّ عادةً بالاستعانة بالحيوان النموذجي الشائع للدراسات الخاصة بعلم الوراثة، ألا وهي ذبابة الفاكهة «الدروسوفيلا». فعندما يلتقي ذكر الدروسوفيلا بالأنثى، يؤدي رقصة استعراضية متقنة بهدف التودُّد والمغازلة، يصاحبها أحيانًا أصوات تغريد تنتج عن تحريك الجناحَين بحركات سريعة جدًّا (شكل ١-٣). كذلك يستجيب كلا الجنسين إلى المواد الكيميائية الموجودة على سطح الجسم. وكثيرًا ما يبدأ الذكر بالتودُّد إلى أهداف تزاوج غير مناسبة، بما في ذلك الإناث غير الناضجة أو الذكور الأخرى، ولكنه يتوقف عمومًا ما لم يستقبل مثيرات إضافية من الطرف الآخر، مثل الرائحة الصادرة من أنثى متقبلة للتزاوج. ومن الجائز أن الذباب كان الكائن المفضل في أبحاث الانتخاب الجنسي؛ لأنه كان من الصعب تشبيهه بالإنسان مقارنة بالطيور أو الحيوانات الفقارية الأخرى، أو ربما فقط لأنه كان متاحًا أكثر للدراسة.
fig3
شكل ١-٣: تتَّسِم طقوس المغازلة لدى ذبابة الدروسوفيلا بتعقيد ملحوظ، إذ تضم عددًا من الحركات والأصوات المميزة.

وعلى الرغم من هذه الجهود المبكرة، نشر أنجوس جون بيتمان، في عام ١٩٤٨، بحثًا لا يزال يُستشهد به على نطاقٍ واسع أشار فيه إلى أن الدليل المقام على الانتخاب الجنسي كان «ظرفيًّا بالأساس» وسعى إلى تحديد السبب وراء «القاعدة العامة التي تنص على أن الذكر يرغب في أي أنثى، دون تمييز، في حين أن الأنثى تنتقي الذكر». وذكر بيتمان نتائج تجاربه على ذبابة الدروسوفيلا، ومفادها أن الذكور تواصل الاستفادة من خلال زيادة عدد شريكات التزاوج، في حين يتوقف النجاح التناسلي لدى الإناث بعد الاقتران ببضعة شركاء تزاوج. وخلَص بيتمان إلى أنه نظرًا إلى أن الذكر يمكن أن يخصب عددًا كبيرًا من الإناث، في حين أن الأنثى يمكنها أن تضع عددًا محدودًا من البيض فحسب، فإن التباين بين الذكور في عملية النجاح التناسلي — أي درجة اختلاف الذكور من حيث عدد النسل الذي يُنجبونه — من المتوقع أن يكون أكبر من نظيره بين الإناث. ومن ثم يوحي هذا بأن الانتخاب الجنسي من شأنه أن يؤثر بقوة على الذكور أكثر من الإناث.

توصَّل باحثون آخرون في منتصف القرن العشرين أجرَوا أبحاثًا حول انتقاء شريك التزاوج عند ذبابة الفاكهة إلى بعضٍ من أقدم الأدلة على الجينات المؤثرة على السلوك، وهو موضوع آخر لا يزال محلَّ نقاش محتدِم. كذلك تناولوا بالوصف التفصيلي الاختلافات المعقَّدة في سلوك التزاوج الذي يحدث في ظل ظروف مختلفة. فكانت كلودين بيتي، وهي عالمة فَرنسية أجرت دراساتها بعد أن خدمت في حركة المقاومة الفرنسية في الحرب العالمية الثانية، على قناعة بأن الانتخاب الجنسي أُهمل دون داعٍ، وأجرت العديد من التجارب على عدة سلالات مختلفة من الحشرات لتثبت أن الانتخاب الجنسي يمكن أن يكون مسئولًا عن الاختلاف الجيني في مجموعات الكائنات البرية. لم يكن بحثها معروفًا على نطاقٍ واسع؛ ربما لأنه نُشر باللغة الفرنسية. غير أن العلماء المؤثرين في ذلك الوقت، مثل ثيودوسيوس دوبجانسكي، كانوا لا يزالون غير مُقتنعين بأن الحيوانات، سواء الحشرات مثل ذبابة الفاكهة أو الفقاريات مثل طائر الغطاس الذي أجرى هكسلي تجاربه عليه، قد أظهرت بالفعل سلوكًا يمكن وصفه بالتمييز أو التفضيل.

أهمية التفضيلات الفردية

توقفت الأمور عند هذا الحد، بشكلٍ أو بآخر، حتى ستينيات القرن العشرين تقريبًا، حين بدأت الأفكار المتعلقة بسلوك الحيوان والتطور تتحول بعيدًا عن المنظور الذي يركز على الأنواع، وتتَّجه نحو الاعتراف بأهمية الاختلافات الفردية. وبدا أن علماء الأحياء يولون مزيدًا من الاهتمام إلى طرق تأثير الانتخاب على الاختلاف الفردي، بدلًا من الاهتمام بالتشابهات بين أفراد النوع الواحد والحاجة الملحة لتجنُّب تزاوج السلالات الهجينة. بالإضافة إلى ذلك، بدأ الناس يتشككون في فكرة الأنثى الطائعة المذعنة، ويتساءلون عن الكيفية التي يمكن أن يحدث بها الانتقاء من جانب الإناث. في الفصل الثاني، نستعرض التبايُن في طريقة اقتران الذكور والإناث خلال موسم التزاوج، بداية من الاقتران لفترة قصيرة بعدة شركاء، وصولًا إلى التزاوج بشريكٍ واحد مدى الحياة. ونرى أيضًا إلى أي مدًى صار من الممكن اكتشاف أن الإناث تقترن بالعديد من شركاء التزاوج، حتى في الأنواع التي من المفترض أن تكون أحادية التزاوج مثل الطيور المغردة، وذلك بفضل التقنيات الجينية الحديثة. إن اختلاف أنظمة التزاوج يحمل تداعياتٍ مهمة لعملية الانتخاب الجنسي.

يستعرض الفصل الثالث وجهةَ نظر معاصرةً لانتقاء شريك التزاوج وحدوثه في مجموعة كبيرة من أنواع الحيوانات، بالإضافة إلى بعض الأمثلة لما تختاره الإناث ولماذا قد تلعب الطفيليات والمرض دورًا في تطور سمات جنسية ثانوية مفرطة. وفي الفصل الرابع، سندرس مفهومًا ينطوي عليه الكثير من الأفكار الأصلية حول الانتخاب الجنسي مفاده أن للذكور والإناث «أدوارًا» طبيعية، وأن كل جنس له سلوك مميز مرتبط به. وسنرى في الفصل الخامس أن الانتخاب الجنسي يستمر لوقتٍ أطول بعد انتهاء فعل التزاوج الجسدي؛ إذ تتنافس الحيوانات المنوية داخل الجهاز التناسلي للأنثى وتنتقي الإناث آباء صغارهن من خلال انتقاء حيوانات منوية من ذكور محددة. ويستكشف الفصل السادس كيف أن الطرق التي يستفيد من خلالها الذكور من التزاوج قد تكون مضرَّة للإناث، والعكس صحيح، والعمليات التي يبدو أنها شكلت تطور الأعضاء التناسلية في كلا الجنسين فعليًّا. وأخيرًا، يتناول الفصل السابع أهمية الانتخاب الجنسي في تحديد كيف تتنوع الأنواع؛ أي السبب وراء أن بعض مجموعات الحيوانات ربما تبقى كما هي على مدار الزمن التطوري في حين تتحول مجموعات أخرى لتصبح أنواعًا جديدة.

إن الانتخاب الجنسي مرتبط بالكثير من الأفكار التي يعتز بها البشر، مثل: الإخلاص والشراكة والعناية بالصغار وشكل الجنسَين وسلوكهما وما إذا كانت اهتمامات الذكور والإناث متقاربة فعلًا. ولكن بعيدًا عن اقتراح وجود إجابة واحدة عن السؤال الخاص بطبيعة الذكر والأنثى، نأمُل أن يوضح فهم الانتخاب الجنسي لقرائنا إلى أي مدًى يمكن أن يكون عالم الطبيعة متباينًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤