الفصل السادس

الصراع الجنسي

يُكوِّن البط البري روابط زوجية أحادية في فصل الربيع، وتختار الأنثى شريكها من بين الذكور المتاحة للتزاوج بناءً على مظاهر الزينة المتمثلة في اصفرار المنقار ولمعان الريش. ويبدو أن هذه السمات الجنسية الثانوية تنقُل معلوماتٍ إلى الإناث بشأن جودة شريك التزاوج، بما في ذلك القدرة على مقاومة الأمراض ودرجة الخصوبة. وهكذا يوفر الانتقاء من جانب الأنثى في هذا النوع من البط مزايا مباشرة للأنثى، وربما مزايا غير مباشرة أيضًا، فيما يتعلق بالذرية التي تنجبها فيما بعد (الفصل الثالث). بمجرد أن تختار الأنثى ذكرًا، فإنها تقاوم محاولات الذكور الأخرى للتزاوج معها. غير أن الذكور كثيرًا ما تحاول إجبار الإناث على العملية الجنسية (شكل ٦-١). والعمليات الجنسية القسرية تكلف الإناث الكثير؛ ليس فقط لأنها قد تُسفر عن ذرية ينجبها ذكور غير مفضلة ذات جودة متدنية، وتُحرم الأنثى من انتقاء شريك التزاوج، ولكن أيضًا لأنها قد تتسبب في ضرر مادي أو انتقال أمراض معدية. ولا غروَ أن الإناث تقاوم بشدة العمليات الجنسية القسرية. ولكن حتى العمليات الجنسية القسرية قد تزيد من كفاءة الذكر. ويقدم البط البري مثالًا واضحًا على تضارب المصالح بين الذكور والإناث بخصوص التزاوج. ففي حين أن المصالح التناسُلية للذكر تتحقَّق من خلال التناسل مع أكبر عدد ممكن من الإناث، فإن مصالح الأنثى تتحقق عادةً من خلال التناسُل مع أفضل الذكور المتاحة فقط.
fig22
شكل ٦-١: مجموعة من ذكور البط البري تجبر إحدى الإناث على عملية التزاوج، من خلال دفعها تحت سطح الماء ما يعرضها لخطر الغرق بنسبة كبيرة.
يتمتع ذكر البط البري، مثل غيره من أنواع البط الأخرى، بقضيب طويل يحقق انتصابًا سريعًا للغاية. ويمكن أن ينتصب قضيب البط الموسكوفي خلال ٠٫٣٦ ثانية، محققًا سرعة قصوى مذهلة مقدارها ١٫٦ متر في الثانية. ويبدو أن هذا العضو الاستثنائي هو أحد أوجه التكيف لدى ذكور البط من أجل العملية الجنسية القسرية. في المقابل، يبدو أن تكاليف العملية الجنسية القسرية بالنسبة إلى الأنثى تدعم تطور جهاز تناسلي يقاوم هذه العملية. وكما ناقشنا في الفصل الخامس، تُعَد بنية الجهاز التناسلي في البط ساحة القتال للصراع التطوري.

كثيرًا ما يتندَّر الناس على المعركة بين الجنسَين، أو يتحسَّرون على غياب التفاهم بين الرجال والنساء. فهل لفكرة الخلاف بين الذكور والإناث أي أساسٍ في علم الأحياء؟ الإجابة على هذا السؤال هي نعم ولا. تختلف المصالح التناسُلية للذكور والإناث على نحوٍ شبه دائم، بشأن التزاوج من عدمه وعدد المرات، أو توقيت إنجاب الذرية وعددها، أو قدر الاستثمار في رعاية الصغار مثلًا. وفي حال تعارض المصالح التناسُلية للذكور والإناث، فإن الانتخاب المتعارض لتحقيق النتيجة المفضلة لدى الذكور والإناث سيُسفر عن انتخابٍ مضاد من الناحية الجنسية. وينعكس هذا الصراع الجنسي في الاختلافات بين الجنسين في المظهر الخارجي والسلوك أثناء تطور كل جنسٍ لاكتساب الأفضلية في «سباق التسلح» الخاص بالكفاءة أو الصلاحية. وفي هذا الفصل، سنستكشف العواقب التطورية لسباقات التسلح هذه في سياق الانتخاب الجنسي عند حدوثه قبل التزاوج وبعده على حدٍّ سواء.

الانتخاب الجنسي العكسي

تقترح نظرية الانتخاب الجنسي التقليدية أن الإناث تفضل الذكور الأكثر تزيُّنًا لأن المزايا المادية أو الجينية التي تشير إليها مظاهر الزينة هذه تعني أن ذرية الإناث الصعبة الإرضاء تكون أفضل من ذرية الإناث الأقل انتقائية. وهذا بدوره يؤدي إلى انتخاب التفضيلات الأقوى. ولكن من أين تأتي السمات الجنسية الثانوية لدى الذكر من الأساس؟ تدور أحد الأصول المحتملة لمثل هذه السمات التي ناقشناها في الفصل الثالث حول فكرة أن حواس الأنثى ربما تكيفت مسبقًا لتحابي السمات الجديدة لدى الذكر في سياق جنسي. على سبيل المثال، لنفترض أن الإناث تجيد رؤية اللون الأحمر؛ لأنها عادةً ما تتغذى على أطعمة حمراء اللون والانتخاب دعم القدرة على التقاط أفضل ثمار التوت. إن الذكر الذي لدَيه بقعة حمراء على صدره سيكون بارزًا بالنسبة إلى الإناث مقارنةً بالذكور ذات البقعة الزرقاء أو الخضراء، وهو ما يعطيه — إلى جانب مظهر الزينة هذا — الأفضلية في الانتخاب بسبب اللون الأحمر. يزداد الذكور حمرةً على مدى الزمن التطوري، بل وربما يمكن أن يصير اللون الأحمر دلالةً على تمتع الذكر بالصحة العامة والنشاط والحيوية (الفصل الثالث).

fig23
شكل ٦-٢: الانتخاب الجنسي العكسي. دورات التطور المشترك للمقاومة المتزايدة لسمات تزيد كفاءة الذكر على حساب كفاءة الأنثى. قد تتمثل مثل هذه السمات في مظاهر الزينة التي تحث الإناث على التزاوج بوتيرة لا تتوافق مع تحقيق الاستفادة لها؛ أو سمات تناسُلية أو مرتبطة بقذف المني تؤثر على نجاح الإخصاب لدى الذكور بينما تُقلل عمر الأنثى أو كلا النوعَين من السمات معًا.
غير أنه في الوقت نفسه ربما يسفر هذا الاستغلال الحسي من جانب الذكور عن تزاوج الإناث في فترات ينبغي فيها أن تبحث الأنثى عن الطعام، ما يُقلل من قدرتها على جمع الفاكهة، أو قد يسفر عن التزاوج بوتيرة أعلى بما لا يتناسب مع نجاحها التناسُلي. حينئذٍ ربما تدعم التكاليف المرتبطة باستجابة الأنثى حيال لون الذكر الأحمر في سياق جنسي انخفاضًا في العتبة الحسية للإناث تجاه اللون الأحمر. وتطوُّر الإناث بالأساس مقاومة لهذه السمة الجنسية الذكورية، مما يؤدي إلى استعادة سلوكياتها إلى مستواها الأمثل. في المقابل، سيؤدي الانتخاب إلى زيادة شدة اللون الأحمر لدى الذكور ليتوافق مع انخفاض العتبة الحسية لدى الإناث، مما يُولد دورات انتخاب عكسي لمقاومة الإناث ومثابرة الذكور (شكل ٦-٢). وقد يصل الأمر إلى نقطة يُقابَل فيها أي انخفاضات أخرى في العتبة الحسية لدى الإناث للون الأحمر بانتخاب طبيعي يعمل ضد الإناث التي لم تَعُد قادرةً على البحث عن ثمار الفاكهة. وتُسمى هذه العملية الانتخاب الجنسي العكسي. ويختلف هذا عن النماذج الأخرى لتطور انتقاء شريك التزاوج التي ناقشناها؛ لأن في هذا السيناريو العكسي، يتراجع تفضيل الأنثى للسمة التي يتمتع بها الذكر بدلًا من أن تتزايد؛ وهذا لأن تكاليف التزاوج غالبًا ما تكون غير مثالية بالنسبة إلى الإناث. ولكن يظل متوقعًا أن يؤثر الانتخاب على الذكور التي تتمتَّع بالسمات التي تُعتبَر الأفضل من منظور الإناث، علمًا بأن أوضح هذه السمات هي تلك التي تكون عُرضةً بالفعل للانتخاب الطبيعي القوي في الإناث، مثل تلك السمات الخاصة بتجنُّب الحيوانات المفترسة أو جمع والتقاط الثمار.

على سبيل المثال، يُعَد الخفاش أحد المفترسات الرئيسة لحشرات العُثَّة، ويحدد موقع فريسته من خلال رصد الصدى بالموجات فوق الصوتية. بدورها، طورت الكثير من أنواع العُثَث آليات سمع تتوافق مع ترددات الموجات فوق الصوتية الخاصة بالخفافيش التي تستخدم الرصد بالصدى. وعندما تسمع العُثَّة نداء الخفاش، تتجمَّد على الفور في مكانها، وتهبط من السماء لتتجنب الافتراس. تُصدِر ذكور أنواع عديدة من العُثَث، مثل سوسة الحنطة الآسيوية، نداءاتِ مغازلةٍ وتودُّد تتألف من أصواتٍ عالية التردُّد لها نفس وقع نداءات الخفاش فوق الصوتية، وما إن تسمع الأنثى نداء مغازلة الذكر حتى تتجمَّد في مكانها على الفور، وهو ما يتيح للذكر أن يتناسل معها. ولا تستطيع أنثى سوسة الحنطة الآسيوية أن تميز بين نداءات الخفاش ونداءات المغازلة التي يُصدرها الذكر، وتستجيب بطريقةٍ مماثلة لكليهما، مما يوحي بأن النداءات الجنسية للذكر قد نشأت لاستغلال الجهاز السمعي المنتخب طبيعيًّا لدى الأنثى. وهذا النوع من الاستغلال الحسِّي لا يقتصر على العُثَث وحدَها؛ وإنما رُصد مؤخرًا في بعض أنواع الصراصير أيضًا.

رأينا في الفصل الثالث كيف أن ذكر عُث الماء يستغل الاستجابات الافتراسية لدى الإناث أثناء فترة المغازلة لتيسير التزاوج. وفي إحدى مجموعات أسماك المياه العذبة الاستوائية، وهي أسماك التترا أو الكراسين، طورت عدة أنواع، على نحوٍ مستقل، سماتٍ جنسية ثانوية ذكورية تؤدي وظيفة «الطُّعم» لاجتذاب الإناث. ويتألف هذا «الطُّعم» من امتداداتٍ للغطاء الخيشومي أو حراشيف مُعدلة على الجانبين ترتعش وتهتز أمام الأنثى التي بدورها تلاحِقها وتنهشها كما لو أنها فريسة. وبمجرد أن يتعرض الذكر إلى «العض» يندفع نحو الأنثى، ويُطلِق الحيوانات المنوية في فتحتها التناسلية. وتقدم هذه الأمثلة دليلًا قاطعًا على السمات الجنسية الثانوية للذكر الناشئة من استغلال حسِّي.

يلتقي ذكر الذباب الراقص، وهي حشرات تتراوح أحجامها من صغير إلى متوسط تفترس المفصليات الأخرى، بالإناث في أسراب التزاوج. تدخل الذكور إلى أحد الأسراب محملةً بفريسة، تُقدَّم إلى الأنثى لتتناولها أثناء الجماع. وفي بعض أنواع الذباب الراقص، تتمتع الإناث بسماتٍ جنسية ثانوية مفرطة على هيئة حراشف ممتدة في الأرجل وأجزاء قابلة للانتفاخ من البطن تضخم شكل حجمها الخارجي. إذَن، لماذا يُعكَس النمط المعتاد؟ أحد تفسيرات ذلك أن الإناث تستغل الجهاز البصري للذكور الباحثة عن شريكة تزاوج لتحصل على الهدايا الغذائية التي تُقدِّمها الذكور، وهو ما قد يجبر الذكور على تخصيص موارد التزاوج الخاصة بها على نحوٍ دون الأمثل. ولكن على الأقل في نوع واحد من أنواع الذباب الراقص، تضع الإناث التي تتمتَّع بمظاهر زينة أكبر حجمًا المزيد من البيض، ومن ثم فإن تفضيل الذكور للإناث التي تحظى بمظاهر زينة أكثر مبالغةً يساعدها أيضًا بطريقة أكثر مباشرة.

من الصعوبة بمكانٍ تحديد ما إذا كانت التفضيلات قد تطورت نظرًا لفوائدها للإناث أم تطورت بسبب الصراع الجنسي. وإحدى الطرق للتمييز بين البدائل، من الناحية النظرية على الأقل، هي دراسة اقتصاديات التزاوج. ينشأ الانتخاب المضاد جنسيًّا، والصراع الجنسي بالتبعية، بسبب التكاليف المرتبطة بالتناسل مع ذكور جذَّابة، في حين تعتمد عمليات الانتخاب الجنسي الأخرى على المزايا التي تعود على الإناث من التناسُل مع ذكور جذَّابة. في الواقع، إن محاولة التمييز بين آليات التطور المشترك هي على الأرجح محاولة عبثية غير مجدية؛ لأن من غير المحتمَل أن تمضيَ إحداها قُدمًا في مَعزِل عن الآليات الأخرى. سيكون هناك دائمًا درجة من الصراع الجنسي بين الذكور والإناث، حتى في نظام يُهيمن عليه انتقاء الأنثى للذكر الذي يقدِّم للإناث موارد مادية أو جينات جيدة؛ لأن بعض الذكور سيتعرض للرفض أثناء عملية التزاوج، وهو ما يتعارض مع مصالحها المتعلقة بالكفاءة. ولكن في بعض الحالات أثبت الصراع الجنسي بكل وضوح أنه أسهَم في تطوُّر السمات التناسُلية للذكر والأنثى.

الصراع على التزاوج

بَق الماء المتزحلق أو متزلجات المياه هي حشرات شِبه مائية يمكن العثور عليها تنزلق فوق أسطح البرك والجداول المائية حيث تبحث عن فريسة من اللافقاريات لتقتات عليها. وعلى عكس الكثير من الحيوانات، ليس لدى المتزلجات طقوس تودُّد ومغازلة، ولا تتمتع هذه الحشرات بسماتٍ جنسية ثانوية مرتبطة بالتزاوج. بدلًا من ذلك، تطارد الذكور الإناث ببساطة وتمسك بها عند مواجهتها، وتحاول التزاوج معها. تفر الإناث من الذكور وإذا تم الإمساك بها تقاوم المضاجعة الجنسية. ويتبع ذلك صراعات حادة، ينقلب خلالها الزوجان ويتشقلبان بينما تحاول الأنثى إزاحة الذكر غير المرغوب فيه الذي يتودَّد إليها بعيدًا عنها.

تعتبر المتزلجات من المجموعات التي يُفهم تمامًا من خلالها اقتصاديات التزاوج؛ بعبارة أخرى تكاليفه وفوائده لكل طرَف من طرفَي العَلاقة. وأثناء التزاوج وفترة حراسة شريكة التزاوج التي تليه (الفصل الخامس)، يجب على الأنثى أن تحمل الذكر على ظهرها، وهو ما يُمثِّل حملًا ثقيلًا على كاهلها؛ لأنه يزيد فعليًّا من الطاقة التي تستهلكها من أجل التحرك على سطح الماء ويقلل من كفاءتها في البحث عن الطعام على حدٍّ سواء. علاوة على ذلك، تكون الإناث عرضةً أكثر لخطر الرصد والافتراس من قبل حيوان مفترس أثناء فترة التزاوج وحراسة شريكة التزاوج. غير أن مقاومة العملية الجنسية لا تخلو من تكلفة أيضًا؛ إذ تزيد صراعات التزاوج من استهلاك الطاقة والتعرض للافتراس. وتحاول أنثى المتزلجات الموازنة بين هذا وذاك لتُقلل هذه التكاليف إلى أقصى حدٍّ ممكن، وتظهر الدراسات أنها تكون أكثر استعدادًا للتزاوج عندما تتجاوز تكاليف المقاومة تكلفة التزاوج.

يستخدم ذكر الحشرات المتزلجة أعضاءه الجنسية القابضة عندما يحاول إجبار الإناث على التزاوج. غير أن للإناث أشواكًا على بطنها وهو ما يجعل الإمساك بها أمرًا عسيرًا (شكل ٦-٣). وقد أوضح جوران أرنكفيست ولوك روو كيفية تطور هذه البنى في كلا الجنسين في ظل تعارض الضغوط الانتقائية في هذه المجموعة من الحشرات. ولكن مَن يفوز بالسباق، الذكور أم الإناث؟ يمكننا الإجابة عن هذا السؤال من خلال إلقاء نظرة على الشجرة التطوُّرية لهذه المجموعة، والتي لا تُبين لنا فقط أي الأنواع لها سلف مشترك حديث؛ بل تبين لنا أيضًا توقيت ظهور سمة معينة. وبين أنواع المتزلجات، لا تُوجَد عَلاقة بين درجة تسلُّح الذكر والأنثى وبين نتيجة الصراعات السابقة على التزاوج. فعند هذه النقطة، حيث يتكيف الذكر وتخضع الأنثى للتكيف المضاد، تحافظ الإناث على وتيرتها المثالية للتزاوج (شكل ٦-٣). ومع ذلك، تُنبئ الاختلافات في درجة التسلُّح النِّسبي لكلٍّ من الذكور والإناث داخل النوع بالنتيجة التي تَئول إليها الصراعات. ففي الأنواع التي تكون فيها الأعضاء التناسلية القابضة للذكر أضخم كثيرًا من البنى المقاومة لهذا القبض لدى الأنثى، تكون صراعات التزاوج أطول أمدًا وتكون الذكور أكثر عُرضة لتحقيق النجاح في عملية التزاوج. وعلى النقيض من ذلك، في الأنواع التي تكون فيها التراكيب المقاومة للقبض لدى الأنثى أضخم كثيرًا من الأعضاء القابضة للذكر، تكون صراعات التزاوج أقصر أمدًا ومن المستبعد أن تحقق الذكور نجاحًا في التزاوج (شكل ٦-٣). ويوضح لنا هذا المثال مدى صعوبة تعقب التطور المشترك المضاد من الناحية الجنسية؛ فإذا طوَّر أحد الجنسين تعديلًا، وطوَّر الجنس الآخر تعديلًا مضادًّا للتغلب عليه، ومن ثَمَّ لا نرى الدليل على وجود صراع إلَّا عندما يُحرز أحد الجنسين تقدمًا في سباق التسلح.
fig24
شكل ٦-٣: لن يكون التطوُّر المشترك المضاد على الصعيد الجنسي واضحًا بسهولة عند رصد نتيجة التفاعلات بين الذكر والأنثى. فعندما يُتوقع زيادة مثابرة الذكر (ب) أو تراجع مقاومة الأنثى (أ) تظل نتيجة التفاعلات كما هي دون تغيير. ولكن يظهر العداء الجنسي عندما تحرز الإناث (ﺟ) أو الذكور (د) تقدمًا في سباق التسلح. ويمكن أن تحدث هذه الاختلالات على نحوٍ طبيعيٍّ كما هو ملاحظ في الحشرات المتزلجة على سطح الماء، أو يمكن تخليقها للتحقق من نظرية الصراع الجنسي.
يمكننا أيضًا أن نرى أدلة على الصراع الجنسي إذا أمعنا النظر في التوقيت الذي نشأت فيه السمات الداخلة في صراعات التزاوج في التاريخ التطوري. ففي الخنافس الغواصة، تمتلك الذكور تجاويف ماصَّة على أرجلها الأمامية تُتيح لها الإمساك بإحكام بالسطح الظهري لأغمدة أجنحة الإناث. وقبضة الذكر قوية جدًّا لدرجة أنه يمكنه الإمساك بأربعة أضعاف وزن الأنثى. وتغوص الإناث عدَّة مرات عند الإمساك بها، لكي تتخلص من الذكور وتمنعها من التزاوج بها. وتختلف أشكال أجنحة الإناث داخل أنواع كثيرة من الخنافس الغواصة باختلاف المجموعات التي تنتمي إليها؛ إذ تكون إما أفضل أو أسوأ في ردع الذكور عند الالتصاق بها: فبعضها قد يحظى بأغمدة أجنحة ملساء، في حين يحظى البعض الآخر بأغمدة أجنحة حبيبية أو محززة أو خشنة تمنع الذكر من القبض عليها بإحكام (شكل ٦-٤). ومن بين مجموعات هذا النوع من الخنافس، وهي الخنفساء الغوَّاصة المتلألئة، يشيع أكثر وجود الإناث ذات الأجنحة المقاومة للالتصاق عندما تمتلك الذكور داخل نفس المجموعة تجاويف ماصَّة أكبر عددًا وأفضل حالًا. ويشير هذا الارتباط إلى أن هذه المجموعات تتطور في ظل سباقِ تسلحٍ جنسي. وربما أكثر ما يثير الاهتمام أن أحد أصول هذه التجاويف الماصَّة لدى الذكور يظهر في شجرة العائلة التطورية للمجموعة، وقد تطوَّرت أنواع مختلفة لأغمدة الأجنحة المقاومة لدى الإناث على نحوٍ مُستقل خمس مرات منفصلة، حدث جميعها بعد تطوُّر التجاويف الماصة لدى الذكور. فسباق التسلح الجنسي المضاد، مثله مثل جميع سباقات التسلح، لا ينتهي أبدًا، ومن اللافت للنظر أنه في بعض أنواع الخنافس الغوَّاصة نشأت تكيُّفات مضادة في تركيب التجاويف الماصَّة لتتعامل بالذات مع الشكل الخارجي الخشن لدى الإناث.
fig25
شكل ٦-٤: تجاويف ماصَّة على الجزء الأمامي (أعلى اليسار) والجزء الأوسط (أسفل اليسار) من رسغ الخنفساء الغواصة، أو «جرافوديروس زوناتوس فريسيفر»، تُستخدم للإمساك بالإناث في الفترة السابقة على التزاوج. تتمتع بعض الإناث بغمدٍ خشن (في المنتصف) مقارنة بغمد الأجنحة الملساء (يمينًا) التي تمنع الذكور من تأمين وضعية تزاوج.

ربما يكون التلقيح الرضحي واحدًا من أكثر الأمثلة المتطرفة على الصراع الجنسي حول التزاوج. ففي حشرات بق الفراش وبق النباتات، بدلًا من أن تتصارع الذكور مع الأنثى حول التزاوج، يتحاشى الذكر الجهاز التناسلي الأنثوي ويستخدم جهازه التناسلي الأشبه بمحقن تحت الجلد ليطعن الأنثى في البطن ويقذف المني إلى داخل تجويف الجسم. وبالطبع، يُعتبر التلقيح الرضحي مُكلفًا جدًّا بالنسبة إلى الإناث؛ لأنه يزيد احتمالية انتقال الأمراض وتقليل فترة حياتها. وكما هو الحال مع الحشرات التي ناقشناها في هذا الفصل، ففي هاتين المجموعتين من الحشرات يمكننا أن نرى أدلة تطوُّرية على أوجه التكيف المضادة لدى الإناث لمقاومة الضرر الذي يتسبَّب فيه التلقيح الرضحي. وتتمتع إناث بعض الأنواع بتراكيب عند الموضع الذي يطعنها فيه الذكر تؤدي وظيفة استقبال العضو التناسلي الذكري وتُقلل درجة الضرر الواقع عليهن.

fig26
شكل ٦-٥: فحص بالتصوير المقطعي الميكروي لقضيب خنفساء البقول (اللوبيا) داخل الجهاز التناسلي للأنثى. تخترق الأشواك الموجودة في المنطقة الوسطى من القضيب جدار الجهاز التناسلي للأنثى، مما يسبب أضرارًا كبيرة.
ثمة أمثلة معروفة أيضًا ولكنها أقل إثارةً على التلقيح الرضحي. فعلى سبيل المثال، في سوسة الباقِلاء من جنس خنفساء البقول، يكون قضيب الذكر مزودًا بأشواك تخترق الجهاز التناسلي الداخلي للأنثى (شكل ٦-٥). وكما هو الحال مع بق الفراش وبق النباتات، قد يؤدي الضرر الذي يُلحَق بالأنثى أثناء التزاوج في هذه الخنافس إلى تقليل فترة حياة الأنثى؛ ولذا تركل الأنثى الذكر بعنف لتُنهيَ العملية الجنسية. ويمكننا أن نرى أثر هذا الصراع حول التزاوج من خلال المقارنة بين التراكيب التناسُلية الذكرية والأنثوية في أنواع مختلفة من الخنافس. واتضح أن طول أشواك العضو التناسلي الذكري ترتبط ارتباطًا إيجابيًّا بسماكة جدار العضو التناسلي الأنثوي. ولم يتضح بعدُ السببُ وراء إضرار الذكور بالإناث على هذا النحو. ربما لا يجني الذكور ميزة كفاءة مباشرة من الإناث المتضررة، إلا أن هذه الميزة تنشأ كناتج ثانوي للانتخاب الجنسي المؤثر على الذكور بهدف زيادة النجاح التناسلي. وتشير الأبحاث الأخيرة إلى أنه من خلال اختراق جدران الجهاز التناسلي للأنثى يمكن أن تنساب بروتينات السائل المنوي إلى مجرى الدم لدى الأنثى والتي تؤثر بطريقةٍ ما على نجاح التخصيب التنافسي للذكور. ومن ثم قد يكون التأثير الضار على عمر الأنثى ضررًا عَرَضيًّا.

الصراع الجنسي بعد التزاوج

عندما تتزاوج الأنثى بأكثر من ذكرٍ واحد، نتوقَّع أن يحابي الانتخاب سمات الذكر التي تعزز نجاحه في التخصيب على تلك السمات الخاصة بمنافسيه (الفصل الخامس). وربما يشجع تنافس الحيوانات المنوية في حدِّ ذاته التطور المشترك المضاد على الصعيد الجنسي، كما أشرنا في مثال الخنافس الذي ناقشناه في هذا الفصل.

ولعلَّ أفضل مثال على الصراع الجنسي بعد التزاوج ذبابة الفاكهة الصغيرة الحجم السوداء البطن، «دروسوفيلا ميلانوجاستر». ففي هذه الحشرات، يقذف الذكر مزيجًا من البروتينات بالإضافة إلى حيواناته المنوية، وتؤثر تلك البروتينات على نجاحه في التخصيب التنافسي (شكل ٦-٦). وبعض هذه البروتينات يتداخل مع الحيوانات المنوية المنافسة داخل عضو تخزين المني لدى الأنثى، مما يسهل إحلال الحيوانات المنوية للذكر الذي يُجري عملية التزاوج الحالية محل الحيوانات المنوية الأخرى. وتدخل بروتينات السائل المنوي الأخرى، أبرزها بروتين يُطلق عليه «ببتيد جنسي»، إلى مجرى دم الأنثى ومنه تنتقل إلى المبايض لتشجيع زيادة الاستثمار في إنتاج البيض ووضعه، ومنها إلى الجهاز العصبي المركزي للأنثى، حيث يحفز الاستجابات العصبية والهرمونية التي تجعلها لا تتجاوب مع محاولات المغازلة والتودُّد من جانب الذكور المنافسة.
fig27
شكل ٦-٦: ينقل ذكر ذبابة الفاكهة السوداء البطن، نوع «دروسوفيلا ميلانوجاستر»، مزيجًا من بروتينات الغدة الملحقة عبر السائل المنوي تؤثر على فسيولوجيا الأعضاء التناسلية لدى الأنثى. ويؤثر أحد هذه البروتينات، وهو الببتيد الجنسي، على المسارات الموجودة في الجهاز العصبي المركزي التي تنظم استجابة الأنثى إلى المنافسين، وله تأثير جانبي آخر يتمثل في تقليل فترة حياة الأنثى.

وفوائد بروتينات السائل المنوي هذه واضحة لتكاثر الذكور. فسوف تزيد الأنثى من إنتاجها للذرية التي ينجبها الذكر الذي يتزاوج بها في حين تقاوم العمليات الجنسية من جانب الذكور الأخرى. ولكن قد تكون هذه البروتينات ضارة بالإناث؛ فعلى سبيل المثال، يقلل الببتيد الجنسي عمر الأنثى. وتتمثل إحدى الطرق لمعرفة كيفية تأثير الصراع الجنسي على التطور في فحص شجرة التطور والبحث عن الاختلافات في التراكيب المرتبطة بالتزاوج لدى الذكور والإناث، كما هو موضح من خلال بعض الدراسات التي نوقشت في هذا الفصل. وثمة طريقة أخرى تتمثل في إعادة إنتاج العمليات التطورية التي يُشتبه في أنها تؤدي إلى الصراع الجنسي. وهذا بالضبط ما فعله ويليام رايس، من خلال أخذ مجموعات من الذباب ومنع الإناث من التطوير استجابة للضرَر الذي يُلحقه بها الذكر. وبعد عدة أجيال، أصبح مستوى الذكور أفضل في تنافس المني، ولكن واجهت الإناث معدل وفيات أعلى. ومن المثير للاهتمام أن التكيف المضاد لدى إناث هذا النوع من الذباب لضرر الذكور المتمثل يستعين ببروتينات تهاجم مباشرة المواد الموجودة في السائل المنوي التي تُلحق الضرر بالإناث. وفي هذا النوع من الذباب، ينخرط الذكور والإناث في حربٍ كيميائية على توقيت التناسُل والطرف المشارك في عملية التناسل، ويمكن ملاحظة أثر هذا التطور المشترك على المستوى الجزيئي، مثلًا، في تركيب بروتينات التناسل. وتظهر أنماط مشابهة لتطور بروتينات التناسُل في مجموعة متنوعة من الحيوانات تتنوع بين بَطْنيَّات القَدَمِ والثدييات.

من أشهر أوجه التكيف على تنافس المني بين الذكور هو إنتاج ونقل عدد كبير من الحيوانات المنوية الشديدة الحركة والقادرة على تخصيب البويضة (الفصل الخامس). ولكن مثل هذه الأعداد الكبيرة من الحيوانات المنوية المتنافسة ربما لا تكون في صالح الإناث، التي تحتاج إلى حيوان منوي واحد فقط لتخصيب البويضة. والواقع أن التلقيح المتعدد، أي دخول أكثر من حيوان منوي واحد إلى داخل البويضة، هو أمر مهلك في عدد من المجموعات الحيوانية، يسفر عن موت الجنين المُلقح حديثًا. وهكذا فُسرت حقيقة مقاومة البويضة بوجهٍ عام للتخصيب واستحداثها السريع لعوائقَ تَحولُ دون اختراق الحيوان المنوي لها بعد حدوث التخصيب كنتيجةٍ للتطور المشترك المضاد على الصعيد الجنسي بين الأمشاج الذكرية والأنثوية. والتحقق من هذه الفرضية هو أمر شديد الصعوبة، ولكنه غير مُستحيل.

fig28
شكل ٦-٧

يمكننا أن نستعين أيضًا بالتطور التجريبي لتحديد «الفائز» عندما يُمنح الذكور أو الإناث الأفضلية في سباق التسلح. وقد اتُّبع هذا النهج لدراسة التطور المشترك المضاد على الصعيد الجنسي بين الحيوانات المنوية والبويضات في الفئران المنزلية. فعندما أُتيح لمجموعات الفئران أن تتناسَل في ظلِّ فرض التزاوج الأحادي أو تعددية التزاوج على مدار ٢٤ جيلًا، طوَّرت الفئران اختلافاتٍ في عدد الحيوانات المنوية وقدرتها على الحركة. ففي المجموعات أحادية التزاوج تطورت لدى الذكور حيوانات منوية أقل عددًا وحركة، أمَّا في المجموعات التعدُّدية التزاوج، فقد تطوَّرت الذكور لتحظى بعددٍ أكبر من الحيوانات المنوية التي تسبح على نحوٍ أسرع، كما هو متوقع من واقع الاختلافات في الانتخاب بناء على تنافس المني بين هذه المجموعات.

ومن خلال الاستعانة بتقنية الإخصاب الخارجي في المختبر، وهي شبيهة بتقنية التلقيح الصناعي المستخدمة لمساعدة الأزواج المصابين بالعقم، كشف تهجين مجموعة من الفئران عن أدلة التطور المشترك المضاد على الصعيد الجنسي فيما يخص قدرة الحيوان المنوي على إخصاب البويضات وقدرة البويضات على مقاومة محاولات الحيوانات المنوية، إن جاز لنا التعبير (الشكل ٦-٧). وبالتالي، كانت نسبة البويضات المخصبة باستخدام الإخصاب الخارجي في المختبر أكبر عندما اختلطت البويضات بحيوانات منوية من ذكور المجموعة المتعددة التزاوج مقارنة بالبويضات التي اختلطت بحيوانات منوية من ذكور المجموعة الأحادية التزاوج. يوضح هذا لنا أن الذكور من المجموعات المتعددة التزاوج طوَّرت كفاءة أعلى للإخصاب. ومن ناحية أخرى، كانت البويضات المنتمية إلى المجموعات متعدد التزاوج أقلَّ عُرضةً للتخصيب من المجموعات الأحادية التزاوج، مما يوحي بأن الإناث من المجموعات التعددية التزاوج تطوَّرت لديها مقاومة ضد الإخصاب. في النهاية، كانت أقل نسبة بويضات جرى تخصيبها عندما اختلطت الحيوانات المنوية المنتمية إلى المجموعة الأحادية التزاوج بالبويضات المنتمية إلى المجموعة المتعددة التزاوج، في حين أن أعلى نسبة تخصيب كانت بين الحيوانات المنوية المنتمية إلى المجموعة المتعددة التزاوج والبويضات الأحادية التزاوج. وهذه الأنماط دعمت فكرة أن الصراع الجنسي، المدفوع بتكيف الذكور حسب تنافس المني، يحابي تطور السمات الدفاعية لدى الإناث، أو بالأحرى بويضاتها.

ما مدى انتشار التطور المشترك المضاد على الصعيد الجنسي؟

كما رأينا، قد يكون التطور المشترك المضاد على الصعيد الجنسي قوة كامنة في التطور، وقد يفسر الكثير من أوجه التكيف السلوكي والفسيولوجي والمورفولوجي (الشكلي) للتكاثر لدى الذكور والإناث. ويُشار إلى الصراع الجنسي باعتباره «نموذجًا جديدًا» في الانتخاب الجنسي، وأُعيد تفسير المعرفة القائمة بالفعل في ضوء الصراع الجنسي. كما أنه من المغري تخمين تلك الأفكار حول المني السام وغيرها من الأضرار التي تلحق بالإناث باعتبارها نتيجةً للتزاوج القائم على التصورات النمطية عن الإناث المتمنِّعة المتوارثة منذ داروين. غير أنه سيكون من الخطأ استنتاج أن التكاثر يتَّسِم عمومًا بالصراع المستمر. فبضع مجموعات حيوانية، مثل ذبابة «الدروسوفيلا» أو خنفساء اللوبيا، بالتأكيد أبرزت أدلةً على مثل هذا التطور المشترك المضاد، إلَّا أن الأدلة المستمدَّة من حشرات أخرى تُظهر أن بروتينات السائل المنوي يمكن أن تكون مفيدةً للإناث أيضًا، لتُسهِم في إنتاج البويضات وجودة النسل، بل وتُطيل عمر الإناث في أنواع كثيرة. ربما تلقى الحكايات المتداولة عن النزاع بين الذكور والإناث رواجًا في المخيلة الشعبية، في حين أن النتائج الأكثر تقليدية المتمثلة في الانسجام الجنسي اجتذبت قدرًا أقل من الاهتمام.

تكهَّنت نماذج باركر النظرية الخاصة بالصراع الجنسي بالتسويات التطورية المتوازنة التي فيها يفوز أيٌّ من الجنسين بناءً على قوة انتخاب الذكور والإناث وظروف البداية. وهذا يعني أن سباقات التسلح التطورية يمكن تجنُّبها في الكثير من الأحيان. على سبيل المثال، في صرصور الحقل الأسترالي، يمكن أن تُقلل بروتينات السائل المنوي عمر الأنثى. ومع ذلك، تُوازن المزايا التي تحققها على هيئة زيادة بقاء الأجنة على قيد الحياة أيَّ تكاليف خاصة بتقليل العمر، ومن ثم لا يتأثر النجاح التناسُلي للأنثى على مدار حياتها. وفي هذه الحالة، لا تتعارض بروتينات السائل المنوي للذكور مع مصالح التكاثر لدى الأنثى بأي طريقة تطورية. ولا تزال دراسة الصراع الجنسي في مهدها. ويُهيمن على الأعمال البحثية في هذا المجال أبحاثٌ أُجريَت على ثلاثة أنظمة نموذجية؛ ألا وهي: «الدروسوفيلا» وخنفساء اللوبيا والحشرات المتزلجة فوق سطح الماء. ونحن بحاجة إلى المزيد من الأبحاث حول التنوُّع بدرجةٍ أكبر في مجموعات الحيوانات قبل أن يمكننا التعليق على العواقب التطوُّرية الواسعة المدى للصراع الجنسي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤