الفصل الأول

مقدمة

نحن جميعًا فئران تجارِب في مختبر الرب؛ فالبشر هم مشروع لم يَنتَهِ بعد.

(تينيسي ويليامز)١

لقد أماط العلماء اللثام عن الجينوم البشري، وحان الآن وقت تدبُّر النتائج؛ فما الذي يجعلنا بشرًا؟ تجادَلَ الفلاسفة والعلماء طويلًا بشأن هذا الأمر، وأومن أن ما يجعلنا بشرًا هو مَيلنا الفطري تجاه السعي بلا توقف.

إن كلمة سعي بالإنجليزية quest مشتقة من الفعل اللاتيني quaerere بمعنى البحث والتنقيب، ومن هذا الفعل اشتُقَّت كلمة تساؤل query وحب الاستطلاع inquisitiveness من ناحية، وكلمة غزو conquest من ناحية أخرى. تصف هذه الكلمات كلها الصفات التي جعلتْنا سادة الحياة على الأرض؛ فنحن نبحث عن آفاق جديدة، ونُنقب عن تفسيرات للظواهر من حولنا، لكننا نسعى أيضًا للسيطرة على الكائنات الأخرى.

إلا أن البحث سِمَة أساسية في كافة الكائنات الحية؛ فهو جزء أساسي في الحياة تمامًا مثل النمو والتكاثر؛ فالنباتات تبحث وكذا الجراثيم. وكما نعلم جميعًا تميل النباتات إلى النمو في اتجاه الضوء، فتمثِّل الشمس مصدر الطاقة الوحيد لها، كما تسبَح بعض الجراثيم نحو مصدر غذائها؛ لذا لا عجب أن تُمارس الحيوانات أيضًا، التي لها سلف مُشترَك مع النباتات والجراثيم، البحث عن الغذاء وعن زَوجٍ في الأساس، وعن ماءٍ ومأوًى أيضًا في حالة الحيوانات غير المائية. ومع تطور الحيوانات أكثر على مدى نصف مليار سنة مضت، تطوَّرت أيضًا قدرة الحيوانات على البحث، ووصلت إلى ذروتها لدى الإنسان العاقل؛ فنحن لا يَقتصر بحثُنا على الطعام والماء والزوج والمأوى، وإنما نبحث أيضًا دون وجود سبب واضح على الإطلاق؛ فالفضول وحده، وليس الحاجة، هي التي دفعت الإنسان إلى البحث عن منبع النِّيل والكشف عن أصل النجوم.

ربما يقول المُتحذلِقون إنني أستخدم كلمة «بحث» بمعنيين مختلفين؛ فالنباتات والجراثيم تستجيب للضوء والغذاء بطريقة لا إرادية ومبرمَجة مسبقًا؛ فهي تنجذب فحسب لمصدر الضوء أو مصدر تركُّز العناصر الغذائية. أما بحث الإنسان فيكون إراديًّا ومتنوعًا؛ فبعضُنا يكون لديه فضول بشأن أصل العواصف الرعدية والزلازل، بينما لا يهتم آخرون بأسباب هذه الأشياء تمامًا مثل عدم اهتمامهم بطريقة عمل السيارة أو جهاز الكمبيوتر، ولكنَّهم ربما يهتمون بمعرفة سبب ترك أشهر نَجمة شعبية في هذا الوقت لصديقها، وما توقُّعات أبراجهم لهذا الشهر، فيَبحثون في وسائل الإعلام وعلى الإنترنت عن إجابات. وأنت نفسك تبحث عن شيء ما — عن تسلية أو معرفة — في هذه اللحظة ذاتها التي تُمسِك فيها بهذا الكتاب.

رغم هذا، أخبَرَنا علماء الفسيولوجيا والكيمياء الحيوية أنه لا يوجد اختلاف أساسي كبير بين الفعل اللاإرادي مثل خفقان القلب، والفعل الإرادي مثل رفع أحد الحاجبَين، وبين شعور لا إرادي مثل الخوف، وشعور إرادي مثل اتخاذ قرار قراءة هذا الكتاب؛ فالآليات الأساسية هي نفسها تقريبًا. لن أتحدَّث في هذه المرحلة عن التفاصيل إلا بغرض الإشارة إلى أن الحياة بأكملها، سواء كانت حياة جرثومة أو نبات أو حيوان أو إنسان، تَعتمد على التفاعلات الكيميائية بين الوحدات الأساسية للمادة التي تُسمى الجزيئات.

يتمثَّل أهمُّ نوعين من الجزيئات في أي كائن حي في: الجينات، التي يعرفها علماء الكيمياء الحيوية أيضًا باسم الدي إن إيه، والبروتينات. علاقة الجينات بالبروتينات تُماثل تمامًا علاقة تصميم المهندس المعماري بالبناء الذي سيَبنيه؛ فهو يحدِّد شكله وحجمه. فالجين هو مجموعة من التعليمات الخاصة بتكوين أحد البروتينات؛ فهو يحدِّد حجمه وشكله. وظيفة البروتينات هي إمداد المادة بالحياة؛ بالحركة والنمو والتكاثُر وإدراك بيئتها والقدرة على البحث. فالبروتينات هي أساس الاستجابات الإرادية واللاإرادية لدى الحيوانات المتشابهة. بالإضافة إلى هذا، نعرف أيضًا أن بعض الجينات المتعلِّقة باستجابات النباتات والجراثيم؛ مثل بحثها عن الضوء والغذاء، توجد بالتكوين نفسه لدى الحيوانات والإنسان، بعبارة أخرى: بعض البروتينات التي تُمكِّننا من البحث ترتبط في تكوينها بالبروتينات التي تَملكها أشكال للحياة أكثر بساطة وقدمًا.

إذا كان ثمة استمرار في الوظيفة، وفي الجزيئات الأساسية من البكتيريا القديمة وحتى الأسماك والطيور والثدييات، فما الذي يميِّز إذن أحد الرئيسيات، الإنسان العاقل، عن كافة الكائنات الأخرى، خاصةً عن أقرب أقاربه: «بان تروجلوديت»، النوع الشائع من الشمبانزي، و«بان بانيسكوس»: البونوبو أو ما يُعرف بالشمبانزي القزم؟ هل يُمكن أن يكون الاختلاف شيئًا بسيطًا مثل الرغبة المُتزايدة في السعي المستمر؟

طوال ١٥٠ عامًا، منذ عهد داروين، حاول علماء الأنثروبولوجيا (علم دراسة الإنسان) تحديد الصفات التي تميِّز السلوك الفريد للإنسان، لكنهم فشلوا. فعند البحث عن كل صفة مقترحة لدى الرئيسيات غير البشرية، كان يُعثَر عليها؛ مثل استخدام الأدوات البسيطة، والقدرة على التفكير، والشعور بالألم والسعادة، والإدراك والوعي للذات، وفهم الفكاهة، وفهم الكلمات واللغة.٢ ربما تكون الصفة مُستخدَمة بأقل قدر ممكن، ولدى بعض الأنواع تكون مكتسبة من البشر، لكن هذا يجعلنا غير قادرين على تحديد سمة محدَّدة للإنسان. ولم تكن محاولات كُتَّاب معاصرين مثل كينان مالك (٢٠٠٠) في كتابه «الإنسان والوحش والزومبي»، لفعل هذا الأمر — مُقنِعة، فما كان منهم إلا تجنُّب الموضوع من خلال إرجاع تفرُّد الإنسان إلى بعض السمات السلوكية غير الجينية، مثل ظهور «الميمات»، وهو موضوع سنتحدَّث عنه في الخاتمة.
لذا، في كتاب «ازدهار الشمبانزي الثالث وتدهوره» يصف عالِم الأحياء جارد دياموند الإنسان وصفًا صادقًا أنه مجرَّد فرد آخر في مجموعة الرئيسيات، ويجب تصنيفه في النوع نفسه مع البونوبو والشمبانزي الشائع، وللاستفزاز يُطلَق على هذا النوع «هومو» بدلًا من «بان». فعَل ديزموند موريس الأمر نفسه في كتابه «القرد العاري» قبل ذلك بثلاثين عامًا.٣ فعلى ما يبدو لا توجد سمة تميِّز الإنسان العاقل؛ فالحكمة بالتأكيد ليست سمة مميِّزة. وإذا لم تكن توجد صفة محددة تفسر الاختلاف الجوهري بين الشمبانزي والإنسان، فلا بدَّ لنا من البحث عن عدد من السمات، التي ليست حكرًا على الإنسان، التي نتج عنها بطريقة ما عند اجتماعها سلوكه المُعدَّل، وقدرته المتزايدة على السعي. ماذا يُمكن أن تكون هذه الصفات؟
ثمَّة مئات الصفات التي تميِّز الإنسان عن الشمبانزي، ربما أكثرها وضوحًا للمُشاهد العادي وجود شَعر أقل على الجسم، واختلاف شكل الوجه، وقصر طول الذراعين، والمشية المُنتصبة. أما المتخصص فإن الصفات التي يركِّز عليها هي التي تَرتبط بمجال تخصُّصه؛ فسيصف اختصاصي علم التشريح بالتفصيل شكل الفكِّ والحوض وكل عظمة أخرى في الجسم، أما اختصاصي التغذية فسيَدرس النظام الغذائي من حيث استهلاك البروتين الحيواني في مقابل البروتين النباتي، أما المتخصص في الأنثروبولوجيا فسيركِّز على الظهور المبكر للقدرة الإنجابية وقِصَر متوسط العمر المتوقَّع، في حين سيلاحظ المتخصص في علم الاجتماع سلوك التزاوج من حيث طول فترة الرغبة الجنسية وعدد الأزواج، وسيلاحظ الخبير في الإحصاء الفروق النسبية في الطول بين الذكر والأنثى، وربما يعلِّق على كبر حجم الثدي لدى أنثى الإنسان، وطول العضو التناسلي لدى الذكور.٤

سنركز نحن على أربع صفات فقط صاحَبت تطوُّر الإنسان عن الرئيسيات الأخرى. تتمثل الصفة الأولى في حدوث تغيُّر في العمود الفقري جعله يسير منتصبًا. يعمل هذا على زيادة رؤيته للأفُق ويحرِّر يدَيه في الوقت نفسه؛ فتستطيع مسح العرق من فوق جبينك وتقشير موزة وأنت تسير، لكن الشمبانزي يجلس حتى يفعل هذا. أما الصفة الثانية فتتمثل في حدوث تغيير في الطول النسبي للإبهام والأصابع الأخرى وفي العضلات التي تتحكم في حركتها؛ فنحن نستطيع ثني إبهامنا وتحريكها كي نمس بها أطراف أصابعنا الأربع الأخرى على نحو أفضل من الشمبانزي، فتسمَح لنا القبضة الدقيقة المُحكمة بالشعور بشكل الأشياء والتعامل معها على نحو مميَّز، فيستطيع بعضنا تعلُّم العزف على الكمان، أو استئصال الزائدة الدودية، في حين أن أداء الشمبانزي في كلتا هاتين المهمَّتين يكون غير متقَن. أما السمة المميزة الثالثة فتتمثَّل في الأحبال الصوتية؛ فهي توجد داخل الحنجرة، التي تتنفَّس من خلالها كافة الرئيسيات، في مكان مُنخفِض لدى البشر، وتوجد داخل صندوق صوت معقَّد بين قطعتين صغيرتين من الغضاريف، وقد نتج عن هذا قدرتنا على إصدار كمٍّ هائل من الأصوات المتنوعة — استمع فقط إلى المدى الصوتي للمغني لوتشيانو بافاروتي وتسجيلات ماريا كالاس — بينما لا يستطيع الشمبانزي إصدار صوت عدا النخير. ورغم هذا فإننا نولد بأحبال صوت بدائية في مكان مرتفع من الحنجرة، تمامًا مثل القرد، فلا يستطيع الأطفال الرضَّع إلا البكاء والأنين، رغم أنهم مثل الشمبانزي يستطيعون التنفس والبلع في الوقت نفسه؛ أما البشر البالغون فلا يُمكنهم هذا؛ فالانخفاض البسيط في مكان الأحبال الصوتية في السنة الأولى تقريبًا من عمر الإنسان هو ما يمدُّه بالقدرة على الكلام. أما الصفة الرابعة فتتمثَّل في ملايين العصبونات والخلايا العصبية المسئولة عن التفكير والذاكرة، وعن القدرة على التفكير المنطقي. توجد هذه الخلايا في مِنطقة من الدماغ تُسمى القشرة، وفي الواقع هي تؤدي الوظيفة نفسها لدى الشمبانزي والبشر؛ فالاختلاف الوحيد أننا نملك ثلاثة أضعاف العدد الموجود لدى الشمبانزي.

أعتقد أن اجتماع هذه الصفات الأربع هو الذي مكَّن الإنسان من توسيع نطاق بحثه، جسديًّا وذهنيًّا، أكثر من أي حيوان آخر. في تأكيدي على أن ما يميز الإنسان هو مجموعة من الصفات، أعمل بذلك على تطبيق تعريف التفرُّد الذي وضعه اختصاصيُّ المناعة بيتر مدوَّر على هذا النوع: «يَختلف فردٌ عن غيره ليس بسبب امتلاكه صفة فريدة، وإنما بسبب امتلاكه خليطًا فريدًا من الصفات.»٥ من ناحية أخرى، تعتمد قدرة الإنسان المضاعَفة على البحث كثيرًا على استخدامه للغة التي ربما أكون قد استخدمتها للتركيز على صفة الكلام وحدها. في كتابه المُذهل «التهيؤ والثرثرة وتطور اللغة» فعل عالم الأنثروبولوجيا هذا بالضبط، فهو يقول إنَّ الثرثرة بين البشر هي امتداد لعملية التنظيف بين القِرَدة، وإن الثرثرة هي التي أدَّت إلى تطور اللغة؛ ومِن ثم إلى سلوك الإنسان المعقَّد. لكن في حين يسهم الكلام دون شك في قدرة الإنسان المتفوقة على السعي الدائم، فإنه لا يفسِّر وحده ظهور الحضارات وتطور الثقافة؛ فالثرثرة لم تشيِّد هرم خوفو الأكبر، ولم تؤدِّ إلى رسم الموناليزا أو اكتشاف النظرية النسبية، وإنما هذا كله نتاجٌ لسعي مستمر لا نهاية له.

ظهرت الفروق التشريحية الأربعة بين الإنسان والشمبانزي التي ركَّزتُ عليها؛ المشية المنتصبة، واليد سَلِسة الحركة، والأحبال الصوتية المتطوِّرة، والكم الهائل من العصبونات في قشرة الدماغ، بالتدريج على مدار ٥ ملايين سنة مضت أو ما شابه. حدث ظهورها بالصدفة المحضة، وكان فقط نتيجةً لحقيقة أن أصحابها، أنواعًا متعاقبة من الرئيسيات، أنجبوا آخرين من النوع نفسه. لا تعبِّر أيُّ صفة عن تغيُّر مفاجئ وكبير في الشكل، تمامًا مثلما حدَث عند تطور الأسماك إلى حيوانات أرضية، وتطوُّر الزواحف لتُصبح طيورًا. وتتحدَّد كل صفة تشريحية من هذه الصفات الأربع بعدد من الجينات. حتى الآن لم تُكتَشف كافة هذه الجينات، ولكن من المحتمل أنها تنتمي إلى عائلات متشابهة لدى البشر والشمبانزي. وكما سنرى في الفصل الرابع، تُشبه الجينات المسئولة عن الصفات البشرية الجينات المُحدِّدة لوظائف مشابهة في الرئيسيات الأخرى، فيما يتعلق بموضوع البحث ربما يبدو من غير الضروري افتراض وجود جينات «بشرية» من أجل تفسير الفروق الأساسية بين الإنسان والقرد.

ينطبق هذا الاستنتاج على كافة الوظائف الأخرى لدى البشر والشمبانزي أيضًا، ويتوافَق بسهولة مع حقيقة أن تكوينَنا الجيني يُشبه تكوين الشمبانزي بنحو ٩٥٪،٦ إلا أن وجود اختلاف بنسبة ٥٪ ما زال يعني تفرُّد الإنسان بأكثر من ألف جين في مقابل تلك التي يشترك فيها مع الشمبانزي، ويُواصل معتنقو وجهة النظر هذه البحث عن جينات مميِّزة للإنسان. لا أعتقد أنهم سيجدونها؛ فتفسيري أنا، الذي يُشاركني فيه كثير من علماء الجزيئات، مُختلِف؛ فنحن نرى أن «التشابه بنسبة ٩٥٪» يُشير إلى أن كافة جينات الشمبانزي والبشر متشابهة في المتوسط بنسبة ٩٥٪ ومختلفة بنسبة ٥٪، فبعض الجينات، مثل سلسلة ألفا التي تدخُل في تكوين الهيموجلوبين، تكون مُتماثلةً، بينما تكون بعض الجينات الأخرى، مثل الخاصة بالأنسولين، متطابقة تقريبًا، في حين تكون جينات أخرى مختلفة عن بعضها بنسبة تفوق ٥٪، لكن حتى هذه الجينات تنتمي إلى العائلة الجينية نفسها، فتحدِّد الوظيفة نفسها لدى البشر والشمبانزي. فلا توجد جينات «بشرية» تختلف عن جينات «الشمبانزي» على الإطلاق (شكل ١-١).
fig1
شكل ١-١: التكوين الجيني للشمبانزي والبشر. انظر النص والهامش رقم ٢٦ في الفصل الثاني من أجل الحصول على مزيد من التفاصيل.
إجمالًا، يدور هذا الكتاب حول فكرة أن كل الكائنات الحية، بدايةً من البكتيريا حتى النباتات والحيوانات، تبحث. لدى البشر تكون النزعة إلى السعي ضخمة، في حين تكون قاصرةً لدى الرئيسيات الأخرى. وقد دانت للإنسان السيادة على العالم وكل الكائنات فيه، أما الشمبانزي فمُعرَّض الآن لخطر الانقراض.٧

•••

ينقسم هذا الكتاب إلى أربعة أجزاء؛ في الجزء الأول نتحدث عن الأساس الجيني للبحث، وحتى نفعل هذا علينا التفكير في الطبيعة الجزيئية للحياة. يوجد توحُّد وتنوع؛ فالكائنات كلها مكوَّنة من النوع نفسه من الجزيئات، لكن لا يوجد كائنان حتى من النوع نفسه مُتماثلان تمامًا؛ إذ يختلفان في التكوين الدقيق للدي إن إيه والبروتينات التي تتكوَّن جسماهما منها، ونتيجةً لهذا تنمو شجيرة أطول مِن المُجاوِرة لها، وتسبَح أميبا أسرع من قرينتها، ويُصبح هديل حمامة أعلى من إخوتها، ويُصبح إنسان أكثر فضولًا من إنسان آخر. كذلك فإن هذه التفاصيل الدقيقة في التكوين الجزيئي تكون هي المسئولة عن ظهور نوع جديد؛ ظهورنا نحن البشر من البكتيريا القديمة، كما سنشرح في الفصل الثاني.

أشرتُ من قبل إلى بحث النباتات عن ضوء الشمس وبحث الجراثيم عن الطعام؛ نظرًا لكون هذه الأجهزة بسيطة نسبيًّا، أصبح كثير من الجزيئات المسئولة عن عملية البحث لديها معروفًا، فاتضح أن كثيرًا منها، كالبروتينات وجزيئات أخرى أصغر حجمًا مثل الفيتامينات، يَلعب دورًا أيضًا في العلميات الفسيولوجية التي تتحكم في البحث لدى كائناتٍ أكثر تعقيدًا. وكما سنرى في الفصل الثالث، فإن الرؤية، الأساسية في قدرة الحيوانات على البحث، تَعتمِد على آلية يَرجع أصلُها إلى استجابة النباتات وجراثيم معيَّنة للضوء.

مع تحول الكائنات البحرية إلى الحياة على سطح الأرض منذ ٤٠٠ مليون سنة، اتَّسع نطاق البحث، وعندما حلَّت الثدييات محلَّ الزواحف منذ ٦٥ مليونَ سنة اتسع نطاق البحث مرةً أخرى، ومع بدء تطور أسلاف الإنسان الحديث من الرئيسيات الأخرى منذ نحو ٥ ملايين سنة، زادت القدرة على البحث بدرجة أكبر، فتظهَر بوضوح مميِّزات الصفات التي تحدثتُ عنها عند البحث عن الطعام والماء، أو مُفترس محتمَل، أو بيئة جديدة للاستقرار فيها. تظهر فوائد نجاح البحث جليةً في البقاء ونقل جينات الفرد؛ ونعني بهذا مفهوم الجين الأناني.٨ وسنتحدث عن الجزيئات التي اكتُشفت مؤخَّرًا وتتعلق بسعي الإنسان في الفصل الرابع.

يتتبَّع الجزء الثاني من الكتاب سعي الإنسان الحديث؛ الإنسان العاقل. إنه يتحدث في الأساس عن قصة آخر ١٠٠ ألف سنة وتحليلها من منظور بحث الإنسان المستمر. كل موضوع أتحدث عنه هو مقياس للفروق السلوكية بين الإنسان والشمبانزي؛ فيَنبع كلٌّ منها من الأسلوب المتفوق للإنسان في ممارسة فعل السعي البدائي، فعقله يطرح الأسئلة ويبتكر تحديات جديدة، فتستجيب يديه؛ إذن ماذا كانت عواقب ذلك؟ أخَذ الإنسان بحثه عن بيئات جديدة إلى أبعد من موطنه الأصلي في أفريقيا؛ إلى آسيا وأوروبا ثم إلى جميع أجزاء العالم، وقد قرر بعض أفراد هذا النوع الاستقرار في معظم الأماكن باستثناء الغطاء الجليدي القطبي والصحراء القاحلة والجبال المغطَّاة بالثلوج، وفي كثير من الحالات لا يزال أحفادهم موجودين فيها حتى يومنا هذا. وسنتحدث بأمثلة توضيحية عن النزعة الاستكشافية لدى البشر، بدايةً من خروجهم من الوادي المتصدِّع الكبير في شرق أفريقيا وحتى هبوطهم على القمر، في الفصل الخامس.

منذ عشرات الآلاف من السنين بدأ البشر يشعرون بأمانٍ أكثر عند الابتعاد عن الحيوانات المُفترسة، فبدءوا يَزرعون محاصيل خاصة بهم ويستأنسون الحيوانات من أجل الحصول على الطعام ولتأدية بعض الأعمال. ومع التخلِّي عن حياة الترحال في سبيل إنشاء مجتمع مستقر، لم تقنَعْ بعضُ المجموعات بالبقاء في المكان نفسه، فبحثت عن أماكن جديدة يُمكنها الاستقرار فيها، وبدأت في البحث عن أساليب جديدة تقضي بها حياتها اليومية؛ ليس فقط بتحقيق المزيد من الراحة بالحياة في المباني والأماكن المصنوعة من الحجارة، وليس بمجرَّد جعل الحياة صحية أكثر، باستخدام أنابيب المياه والمصارف، وإنما أيضًا من خلال إحاطة أنفسهم بأشياء مبهجة؛ فظهرت الحضارات. وسنتحدَّث عن ميلاد الحضارات ودور الوراثة في صنع القادة والبشر المثقَّفين في الفصل السادس.

سنعقد مقارنة بين الإنجازات المرتبطة بهذه الحضارات، التي نشأت في بلاد الرافدَين ومصر والصين والهند وجزيرة كريت، وفي وسط أمريكا وجنوبها، والندرة النسبية لمثل هذه الإنجازات في أماكن أخرى في الفصل السابع. أما الفصل الثامن فيدور حول تطور اللغة، الذي سبق الكلام المكتوب، وأساس المعرفة العلمية والفن.

عمل الإنسان بيديه منذ تشكيله لأول حجر صوَّان وإشعاله النار منذ أكثر من مليون سنة مضت، فقد حدَّدت التقنيات المستخدمة في العصر الحجري في الصين ولدى المسلمين طريقة ممارستنا لحياتنا، إلا أنَّ كل تطور يَحدث يصحبه ظهور أداة حربية جديدة. وقد خصصْنا الفصل التاسع للحديث عن هذه الموضوعات ولتقييم العلاقة بين التكنولوجيا والثراء، ونختتمه بالحديث عن اختراعات رجل واحد؛ وهو ليوناردو دافينشي، فلم يضاهِ أحدٌ دافينشي قطُّ في الجمع بين المهارة اليدوية والإبداع العقلي.

لا بد أن الإنسان البدائي كان يخاف من العالم الطبيعي من حوله؛ من البرق والرعد، ومن الأعاصير والفيضانات، ومن الانفجارات البركانية والزلازل، وقد بحَث عن تفسيرات لها. وكان أفضل تفسير توصَّل إليه البشر جميعًا، سواء في بلاد سومر أو في مصر أو الهند أو الصين أو جزيرة كريت أو وسط أمريكا وجنوبها، هو الدين؛ الإيمان بقُوًى خارقة للطبيعة تكون هي المسئولة في النهاية عن الأحداث التي لا يستطيع البشر فهمها والتحكم فيها. أثبتت هذه التفسيرات أنها مُرْضية نظرًا لكون الأديان التي ظهرت — الهندوسية والبوذية واليهودية، ثم المسيحية والإسلام — ما زالت تُمارَس في جميع أنحاء العالم إلى يومنا هذا، من ملايين الرجال والنساء المتعلِّمين، وفي كافة المهن، في المعابد والأضرحة والمساجد والصلوات، وفي الكنائس والمنازل. لكن مع الإلحاح يَعترف قليل من الناس أنهم لم يعودوا يَنسبون الظواهر الطبيعية إلى قوًى إلهية. فما الذي يبحثون عنه؟ سنحاول الإجابة عن هذا التساؤل في الفصل العاشر.

بدأ التشكيك في الأصول الإلهية للأحداث المادية على يد الفلاسفة الإغريق؛ بحثًا منهم عن تفسيرات بديلة منذ نحو ألفَي عام. توقَّفتْ بعد ذلك محاولات التفكير العلمي حتى بدأت تظهر تفسيرات لأحداث، مثل تحوُّل النهار إلى ليل والشتاء إلى ربيع، في القرن السادس عشر (رغم أننا ما زلنا نستخدم مصطلحات مثل «غروب الشمس» و«شروق الشمس»). يختلف التفسير العلمي عن غيره من كافة التفسيرات الأخرى في طبيعته العالمية؛ فمفهوم أن الأرض تدور حول الشمس، وليس العكس، هو نفسه في روما كما هو في كراكوف؛ فالعلم — المتمثِّل في التحقيق في المعتقدات عبر إجراء التجارِب التي تؤدِّي إلى وضع فرضية، أو وضع فرضية ثم إتباعها بإجراء تجارِب — واحدٌ أينما يُمارَس، ويُعتبَر العلماء مستكشفين أيضًا؛ فهم يَبحثون عن نجوم تَبعُد عنا تريليونات السنين الضوئية، وعن جسيمات أصغر بمليارات المرات من جزَيْء السكر، وعن بقايا حيوانات انقرضَت منذ ملايين السنين، وعن سلالات من الفيروسات لم تظهَر إلا في عصرنا الحالي. نذكر في الفصل الحادي عشر إسهامات بعض العلماء العباقرة، ونطرح سؤالًا بسيطًا: هل سنَكتشف قريبًا كل ما يُمكن معرفته، أم أن البحث لا نهاية له؟

يركِّز الجزء الثالث من هذا الكتاب على النقاش الحالي حول العلم والتكنولوجيا؛ فالمعرفة التي حصلنا عليها في العَقدين الماضيين بشأن التلاعُب في جينات — جينات النباتات والحيوانات والإنسان أيضًا — تؤدِّي إلى تغيرات هائلة في مجالي الزراعة والطب، فالبحث من أجل إنتاج محاصيل مُقاوِمة للجفاف، أو البرد أو الآفات، أو محاصيل تُنتج غلَّةً أكبر من القمح أو الذرة أو بنجر السكر أو البطاطا؛ يؤدِّي إلى فوائد اقتصادية واضحة ذات أهمية بالغة لدول العالم المتخلِّفة. ومع ذلك يوجد نقاش محتدم حول تعديل الطعام جينيًّا، كما وصل الجدل حول تطبيق الأمر نفسه على البشر إلى حدِّ الغليان؛ هل يجوز السماح باستنساخ البشر؟ وهل يجوز أن نستبدل بالجينات المسبِّبة للمرض جينات صحية؟ وهل علينا تشجيع زرع أعضاء مأخوذة من الحيوانات؟ وهل يجوز السماح للناس بتجميد خلايا جسمهم من أجل الحصول عليها إذا اقتضَت الحاجة؟ وهل فوائد العبث مع الطبيعة تفوق مخاطره؟ وهل سعي العلماء غير المقيَّد يكون مقبولًا؟ نحاول عرض وجهة نظر موضوعية عن هذا في الفصلين الثاني عشر والثالث عشر.

نُلقي في الجزء الأخير من الكتاب نظرةً على المستقبل، إلى أين سيقود السعيُ الإنسانَ خلال السنوات المِائة القادمة، وإلى أين في خلال مليون سنة قادمة؟ بالطبع لا يسعُنا سوى التكهُّن. على المدى القصير أتوقَّع أنَّ تراجُع حب الاستطلاع، «تراجُع المستوى الفكري» الذي يوجد حاليًّا في المجتمعات الغربية، سيؤدي إلى تدهورها مقارنةً بالثقافات في شرق آسيا. ومع ذلك، بوجه عام سيُصبح البشر على القدر نفسه من الغباء والإبداع، ومن الطيبة والقسوة التي هم عليها حاليًّا؛ فقد أثبتت التجربة أن أحداث الماضي يكون لها تأثير ضئيل على سلوك الإنسان، كما أن التغيُّر الذي يحدث في جيناته على مدار قرن من الزمن يُمكن بالكاد إدراكه. فحتى يُمكننا دراسة التغيُّر التطوري الذي يتعرَّض له البشر علينا التفكير في الأمر على مدار ملايين السنين، وليس القرون. على مدار هذا الوقت، هل سيؤدي سعي الإنسان إلى ظهور نوع جديد من البشر، أم ستكون أبحاثه سببًا في دماره؛ بحيث ينقرض «الإنسان الباحث عن المعرفة» قبل حدوث هذا؟ نعرض توقعًا لما سيحدث في الفصل الرابع عشر.

•••

مع نمو فكرة تأليف هذا الكتاب في ذهني، بدأتُ أفكر في سبب عدم تفكير أي شخص آخر في «السعي» بوصفِه صفة مميِّزة للبشر ومع ذلك أساسية في كافة أشكال الحياة. هل هي فكرة عديمة الأهمية أم أنها بديهية؟ تحدثتُ مع زملائي المتخصِّصين في مجال العلوم ومع علماء الأنثروبولوجيا، فاستمعوا إليَّ في تهذيب وابتسموا واقترحوا عليَّ التحدث مع أشخاص آخرين نظرًا لكون هذا خارج مجال تخصُّصهم. جاء رد فعل آخرين على النحو نفسه. المهم في الأمر أن أحدًا لم يستطع إرشادي إلى مقال أو كتاب تناول هذا الأمر بأكمله من قبل، على الأقل كان هذا أمرًا مشجعًا.

ثم جاء ريتشارد دوكينز لإنقاذي؛ إذ كان يعتقد أن السير أليستر هاردي، أستاذ علم الحيوان في أكسفورد منذ نصف قرن، اقترح أمرًا مشابهًا؛ كان يذكر وجود مقالٍ في مكان ما، لكنه لم يستطع تذكُّر المرجع بدقة، هل يمكن لآرثر كين، أحد زملاء هاردي السابقين الذي انتقل إلى ليفربول لكنه تقاعَد الآن، المساعدة؟ لكن عندما تمكَّنتُ من معرفة مكانه كان مع الأسف قد تُوفي. واصلتُ بحثي، واعتقد متخصِّص آخر في علم الحيوان في أكسفورد، مارك ريدلي، أن هذا المقال المحيِّر ربما يوجد في إحدى محاضرات جيفورد التي ألقاها هاردي بعد وقتٍ قصير من تقاعُده. وبالفعل نجحتُ! وكما يظهر في الاقتباس التالي لم تكن فكرتي حمقاء أو بديهية، على العكس، فيبدو أن تأليفي لهذا الكتاب يُجيب عن السؤال الذي طرحه هاردي. إليك الكلمات التي أقتبسها عنه:
رغم ذلك، من عملية التطور هذه، من مكانٍ ما، جاء الدافع، أو حب المغامرة، لدى الإنسان الذي قد يدفعه إلى المخاطرة بحياته بتسلُّق جبل إيفرست، أو الوصول إلى القطب الجنوبي أو إلى القمر. هل — إجمالًا — من السذاجة الاعتقاد بأن هذه النزعة الاستكشافية، وهذا الفضول، ترجع أصولهما إلى جزء راسخ في السلوك الحيواني يلعب دورًا أساسيًّا في تدفُّق الحياة؟٩

حتى أتمكَّن من كتابة هذا الكتاب اخترتُ التبحُّر في موضوعات مثل الدين والأنثروبولوجيا والتاريخ والفن، وهي موضوعات لم أحصل فيها على تدريبٍ رسمي، فأنا مجرد عالم كيمياء حيوية بسيط، إلا أنَّ السعي للتعبير عن أفكاري أمر متأصِّل في جيناتي؛ ألم يكن جدي فنانًا وزوجته موسيقية وخالي كاتبًا ووالدتي فيلسوفة؟! وعلى القارئ أن يُسامحني عن الأخطاء التي سيجدها فيما يلي؛ فقد كنت أكتب بوصفي عالمًا، لكني سمحتُ لأفكاري بأن تتحرَّكَ في كافة الاتجاهات.

أتخيل الآن في ذهني مجموعةً من أسلافنا القدامى يَسيرون منتصبين على طول مِنطقة أولدوفاي جورج في شمال تنزانيا بحثًا عن الطعام، وأرشميدس في سَرَقوسة يفكِّر في طريقة لقياس الكَمِّيات التقريبية للذهب والفضة في تاج الملك هيرون، وكريستوفر كولومبوس وهو يقف في مقدمة السفينة سانتا ماريا يحدِّق في الأفق الغربي باحثًا عن الأرض، وكلود مونيه في حديقته في قرية جيفرني وهو يُحاول تصوير ضوء الشمس وهو يسقط على زنابق الماء، وأدولف هتلر وهاينريش هلمر في مستشارية الرايخ يَبحثان عن أسرع الطرُق لإبادة شعب بأكمله، والأم تيريزا في أحياء كلكتا الفقيرة وهي تحاول الاعتناء بالمُحتضَرين من الجوع وجَعْلهم يموتون بكرامة، ومجموعة من العلماء ذوي المعاطف البيضاء في مختبرهم يحاولون إدخال جين مُقاوم للبرودة داخل نبتة الطماطم. أعرف أن هؤلاء جميعًا ما هم إلا بشر، لكني أعلم أيضًا أن هذا كله ما هو إلا تعبير عن صفة أساسية في المادة الحية؛ القدرة على البحث. منذ بداية تأليفي لهذا الكتاب، اكتُشف تسلسُل الجينوم البشري، وما زال أمامنا وقت طويل حتى تتَّضح وظيفة كافة البروتينات التي تُحدِّدها جيناتنا، والإشارات الداخلية المعقدة التي تنتقل بينها، لكن إذا اعتقدتَ، مثلي تمامًا، أن مثل هذه التفاعلات الجزيئية هي أساس سلوكنا المعقَّد، ورغبتنا القوية في السعي، فإنك ستنضم إليَّ في رحلة مدتها ٣ مليارات ونصف مليار سنة سأُحاول استعراضها في أقل من ٤٠٠ صفحة.

هوامش

(١) من مسرحية «كامينو ريال» (١٩٥٣).
(٢) انظر، على سبيل المثال، كارل ساجان وآن دوريان، المرجع السابق؛ للحصول على ملخَّص مفيد في ص٣٩٩. توجد معلومات جيدة حول تقنية استخدام الأدوات والعادات الاجتماعية لدى الشمبانزي يقدمها فرانس بي إم دي وال وإيه وايتن وآخرون في مجلة نيتشر العدد ٣٩٩: الصفحات ٦٣٥-٦٣٦ و٦٨٢–٦٨٥؛ ١٩٩٩ على التوالي. وللاطِّلاع على دراسة عن عقل الشمبانزي وعلاقته بعقلنا انظر ستيفن جيه ميثن، المرجع السابق، خاصةً الصفحات من ٧٣ حتى ٩٤، وانظر أيضًا جين جودول، المرجع السابق.
(٣) صنَّف جان جاك روسو، في عام ١٧٥٣ (قبل ١٠٠ عام من ظهور كتاب داروين «أصل الأنواع») الشمبانزي والبشر على أنهم يَنتمون إلى النوع نفسه، وقال متنبئًا: إن القدرة على الكلام في البداية «لم تكن فطرية لدى الإنسان.» من كارل ساجان وآن درويان، المرجع السابق، ص٢٧٣.
(٤) إلا أنَّ خُصيَتَي الشمبانزي أكبر حجمًا، فيُنتج المزيد من الحيوانات المنوية، ويستطيع الجماع مرة كل ساعة على مدار اليوم بأكمله (مع إناث مختلفة). أما قرَدة البونوبو فهي أكثر خصوبة على وجه الخصوص، كما أنها النوع الوحيد من الرئيسيات، بخلاف الإنسان، التي تتزاوَج في «وضع الاستلقاء». انظر كارل ساجان وآن درويان، المرجع السابق، ص٣١٠.
(٥) انظر بيتر مدوَّر، «تفرد الفرد»، الطبعة الثانية، دوفر للنشر، نيويورك، ١٩٨١، ص١٣٤.
(٦) لأكثر من عقدَين من الزمن ساد الافتراض بأن النسبة هي ٩٨٫٥٪. انظر بحث روي جيه بريتن «الاختلاف بين عيِّنات تسلسل الدي إن إيه للشمبانزي والإنسان يقدر بنحو ٥٪ مع حساب الإنديلات.» مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم، الولايات المتحدة الأمريكية العدد ٩٩: ١٣٦٣٣–١٣٦٣٥، ٢٠٠٢.
(٧) في عام ١٩٩٦ كان ثمَّة ١٠ آلاف بونوبو في البرية (جميعها في الكونغو)، لكن بعد ٤ سنوات قلَّ العدد إلى النصف. انظر مجلة نيتشر العدد ٤٠٥: ٢٦٢، ٢٠٠٢.
(٨) ذكر إدوارد أوه ويلسون (١٩٧٥) هذه الفرضية بوضوح شديد في المرجع نفسه، ص٣ (الصفات الأخلاقية للجين)، وأثراها استخدام ريتشارد دوكينز لكلمة «أناني» في كتابه «الجين الأناني»، المرجع السابق. من أجل الاطِّلاع على نقد جريء لهذا المفهوم. انظر بحث جابريل دوفر «معارضة دوكينز» في كتاب «وا أسفاه، داروين المسكين»، تحرير هيلاري وستيفن روز، المرجع السابق، الصفحات ٤٧–٦٦.
(٩) قارَن هاردي التطور بنهر متدفِّق؛ فيبدأ الأول من نقطة واحدة ويتفرع، أما الثاني فيبدأ من مواضع كثيرة وينتهي عند مصب واحد. يفقد التطوُّر صفة العشوائية مع تقدمه، بينما يكتسب النهر المتدفِّق وروافده عشوائية في أثناء تدفُّقه إلى أسفل. انظر إيه سي هاردي، المرجع السابق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤