مقدمة

(١) أقسام تاريخ مصر العام

يبدأ تاريخ مصر العام عند إقامة أول حكومة نظامية فيها، وقد عُلم من مصادر مختلفة سيأتي ذكرها أنّ أول حكومة أقيمت من هذا النوع كانت في أول القرن الستين قبل المسيح، أي: منذ نحو سبعة آلاف سنة على وجه التقريب.

أما قبل ذلك فكانت قبائل مستقلة تحت سلطة فئة من الكهنة، يقال لهم بلغة مصر القديمة: «حورشسو» وهم آخر من حكم المصريين قبل الدولة الملكية الأولى التي أول ملوكها «مِنا» وهو أول من أقام في وادي النيل حكومة نظامية، ومنه يبتدئ تاريخها.

وقد قسم المؤرخون تاريخ مصر العام بالنسبة إلى تمدنها إلى ثلاثة أدوار كبرى، وهي:
  • (١)
    الدور الجاهلي: يبتدئ عند أول دخولها في سلك الممالك سنة ٥٦٢٦ق.ﻫ أو ٥٠٠٤ق.م، وينتهي سنة ٢٤١ق.ﻫ أو ٣٨١ب.م، وذلك عندما نهى الإمبراطور ثيودوسيوس عن عبادة النصب والتماثيل، وأمر باتباع الدين المسيحي.
  • (٢)
    الدور المسيحي: يبتدئ عند شيوع سنة ثيودوسيوس، وينتهي عند فتوح الإسلام سنة ١٨ب.ﻫ أو ٦٤٠ب.م.
  • (٣)
    الدور الإسلامي: ويبتدئ عند فتوح الإسلام، ولا يزال.

(١-١) أقسام الدور الجاهلي

يقسم هذا الدور إلى خمس دول تسلط في أثنائها على مصر ٣٤ عائلة، وهي:
  • (١)
    الدولة الملكية القديمة: تبتدئ بتسلط العائلة الأولى، وتنتهي بانتهاء العائلة العاشرة (أي من ٥٦٢٦–٣٦٨٦ق.ﻫ أو من ٥٠٠٤–٣٠٦٤ق.م)، ومدة حكمها ١٩٤٠ سنة.
  • (٢)
    الدولة الملكية الوسطى: تبتدئ بالعائلة الحادية عشرة، وتنتهي بانتهاء العائلة السابعة عشرة (من ٣٦٨٦–٢٣٢٥ق.ﻫ أو من ٣٣٢–١٧٠٣ق.م)، ومدة حكمها ١٣٦١ سنة.
  • (٣)
    الدولة الملكية الأخيرة: تبتدئ بالعائلة الثامنة عشرة، وتنتهي بانتهاء العائلة الحادية والثلاثين (من ٢٣٢٥ إلى ٩٥٤ق.ﻫ أو من ١٧٠٣–٣٣٢ق.م)، ومدة حكمها ١٣٧١ سنة.
  • (٤)
    الدولة اليونانية: تبتدئ بالعائلة الثانية والثلاثين، وتنتهي بانتهاء العائلة الثالثة والثلاثين (من ٩٥٤–٦٥٢ق.ﻫ أو من ٣٣٢–٣٠ق.م)، ومدة حكمها ٣٠٢ سنة.
  • (٥)
    الدولة الرومانية: ويسميها العرب دولة الروم، وهي العائلة الرابعة والثلاثون الرومانية (من ٦٥٢–٢٤١ق.ﻫ أو من ٣٠ق.م–٣٨١ب.م)، ومدة حكمها ٤١١ سنة.

(١-٢) الدور المسيحي

أما الدور المسيحي: فهو عبارة عن استمرار الدولة الرومانية بعد ثيودوسيوس إلى فتوح الإسلام (من ٢٤١ق.ﻫ–١٨ب.ﻫ أو من ٣٨١–٦٤٠ب.م)، ومدته ٣٦٠ سنة.

(١-٣) أقسام الدور الإسلامي

يقسم الدور الإسلامي إلى اثنتي عشرة دولة، وهي:
  • (١)

    دولة الخلفاء الراشدين (من ١٨–٤١ب.ﻫ أو من ٦٤٠–٦٦١ب.م).

  • (٢)

    الدولة الأموية (من ٤١–١٣٢ب.ﻫ أو من ٦٦١–٢٥٠ب.م).

  • (٣)

    الدولة العباسية للمرة الأولى (من ١٣٢–٢٥٧ب.ﻫ أو من ٧٥٠–٨٧٠ب.م).

  • (٤)

    الدولة الطولونية (من ٢٥٧–٢٩٢ب.ﻫ أو من ٨٧٠–٩٠٥ب.م).

  • (٥)

    الدولة العباسية في المرة الثانية (من ٢٩٢–٣٢٣ب.ﻫ أو من ٩٠٥–٩٣٤ب.م).

  • (٦)

    الدولة الإخشيدية (من ٣٢٣–٣٥٨ب.ﻫ أو من ٩٣٤–٩٦٩ب.م).

  • (٧)

    الدولة الفاطمية (من ٣٥٨–٥٦٧ب.ﻫ أو من ٩٦٩–١١٧١ب.م).

  • (٨)

    الدولة الأيوبية (من ٥٦٧–٦٤٨ب.ﻫ أو من ١١٧١–١٢٥٠ب.م).

  • (٩)

    دولة المماليك الأولى (من ٦٤٨–٧٨٤ب.ﻫ أو من ١٢٥٠–١٣٨٢ب.م).

  • (١٠)

    دولة المماليك الثانية (من ٧٨٤–٩٢٣ب.ﻫ أو من ١٣٨٢–١٥١٧ب.م).

  • (١١)

    الدولة العثمانية (من ٩٢٣–١٢١٦ب.ﻫ أو من ١٥١٧–١٨٠١ب.م).

  • (١٢)

    الدولة المحمدية العلوية (من ١٢١٦ب.ﻫ أو ١٨٠١ب.م، ولا تزال).

ويقسم تاريخ مصر العام أيضًا إلى قسمين عظيمين: قديم، وحديث؛ أما القديم: فمن أول تاريخها إلى الفتح الإسلامي، ويشتمل على الدورين الأولين الجاهلي والمسيحي، والحديث: منذ الفتح الإسلامي إلى هذا اليوم، ولا يزال.

(٢) مصادر تاريخ مصر القديم

ما زال تاريخ مصر القديم محجوبًا عنا حتى أتيح لأبناء القرن الماضي حل رموز الكتابة الهيروغليفية (القلم المصري القديم) على أن تاريخ العهد القديم لم يخل من بعض التلميح إلى ذلك مما لم يكن من النصوص التاريخية ما يعضده، وما زال ذلك شأن تاريخ مصر القديم إلى القرن السابع قبل المسيح عند استيلاء اليونان على وادي النيل، ومن مصادر تاريخ مصر القديم:

(٢-١) نصوص المؤرخين القدماء

إن هيرودوتس الرحالة المؤرخ اليوناني هو أقدم من كتب عن مصر ما يصحُّ أن يسمى نصًّا تاريخيًّا، وقد جال هذا المؤرخ في وادي النيل سنة ٤٥٥ قبل الميلاد.

وبعد هيرودوتس ظهر سبانيتوس أحد كهنة المصريين العظماء في القرن الثالث قبل المسيح، وكتب تاريخًا نفيسًا عن مصر، لكنه فُقد، ولم يصلنا منه إلا بعض ما ذكره يوسيفوس في آثار الإسرائيليين، وما كتبه سنسلوس أحد كتبة القرن الثامن. ثم جاء ثيودوروس من صقلية سنة ٨ قبل المسيح، ومن هؤلاء الثقات: سترابو العام الجغرافي، وبلوتارخس المؤرخ الذي ظهر في القرن الأول المسيحي، وأما قائمة أسماء الملوك لمانيثون فقد وجدت بين ما كتبه بعض المؤرخين المسيحيين، ويقال بالإجمال: إنه لم يكتب عن مصر شيء جدير أن يدعى نصًّا تاريخيًّا إلا منذ القرن الخامس قبل المسيح.

(٢-٢) الآثار

واعلم أن ما كتبه أولئك المؤرخون لم يفدنا شيئًا صريحًا عما وراء القرن السابع قبل المسيح. أما الآثار — تلك الأطلال الباقية التي نراها ميتة لا حراك بها، وقد بقيت رغم تقلبات الزمان، وأفعال العناصر — فإنها تنطق بأفصح لسان، وتنادي بأجلى بيان عن عظمة صانعيها، وهي لا تخبرنا عن تاريخهم فقط بل توضح أمامنا أيضًا عاداتهم وأخلاقهم ومكانتهم من الحضارة وعلو الهمة ورفعة المنزلة. فقد نقشوا عليها من الرسوم والرموز ما جعلها كتابًا مزينًا بالرسوم والأشكال لا تحرقه النار، ولا يخرقه الفار.

هذه الهياكل العظيمة، والمسلات الشامخة، والتماثيل الهائلة هذه المدافن، هذه الأهرام، هذا أبو الهول، بل هذه الجثث البالية نراها صماء، وقد أفعم الأحياء نطقها، وقد كانت بالحياة، وعلقت آمالها بالمعاد فابتنت لأنفسها البنايات الشاهقة القويمة العماد تبقى معها في عالم الخلود تقصُّ على القادمين أقاصيص الأقدمين، وجميع هذه تعدُّ من وثيق المصادر التاريخية.

(٢-٣) الكتابة الهيروغليفية

يظهر أن ملوك الروم أثناء تسلطهم على مصر لم يكترثوا بهذه الكتابة، بل أهملوها شأن أكثر المفتتحين بلغة من يتسلطون عليهم، فبقيت محجوبة تغشاها دواعي الجهل إلى أيام الحملة الفرنساوية في أوائل القرن الماضي؛ إذ أتيح لأحد رجالها أن يحل بعض رموزها، وقام بعده جماعة اعتنوا بحلها فأتوا على فهمها جيدًا بحيث أمكنهم قراءة ما كتب بها على البردي (البابيروس) والأحجار، فخدموا التاريخ خدمةً تستحق الاعتبار، وهاك كيفية توصلهم إلى حلها بالإيجاز: لما قدم نابوليون الأول إلى مصر اكتشف أحد رجاله سنة ١٧٩٩ بالقرب من ثغر رشيد حجرًا أسود غير منتظم الشكل إلا سطحًا منه كان مستويًا أملس، في أعلاه كتابة بالقلم المصري القديم (الهيروغليف) تحتها كتابة أخرى بالقلم العامي أو الديموطيقي، وتحت هذه كتابة ثالثة باليونانية القديمة، فأهدى هذا الحجر إلى مجمع العلوم الفرنساوي في القاهرة، ولما تغلب الجنرال هتشنسون الإنكليزي على جنود بونابرت وضع يده على ذلك الحجر، ثم أهدي إلى المتحف البريطاني في لندرا ولا يزال هناك، وقد شاهدناه في ذلك المتحف سنة ١٨٨٧ في صدر الآثار المصرية محفوظًا في صندوق غطاؤه من زجاج، أما طول ذلك الحجر فثلاث أقدام وقيراطان، وعرضه قدمان وخمسة قراريط.

وفي سنة ١٨٠٢ رسمت جمعية العاديات صورته، وفرقتها في جمهور العلماء؛ لينظروا في قراءتها، فقرءوا أولًا الكتابة اليونانية بسهولة فإذا مفادها أن كهنة منف كتبوها للملك بطليموس أبيفانيس سنة ١٩٤ق.م يشكرونه لما أسبغه عليهم من النعم الجزيلة، وأنهم وضعوا منها نسخة في كل هيكل من هياكل الطبقة الأولى والثانية والثالثة بجانب تمثال ذلك الملك.

ثم إن العلماء — وفي مقدمتهم العالم الفرنساوي ده ساي — حالوا قراءة الكتابة الديموطيقية، وغاية ما وصلوا إليه أنهم عينوا مواقع الأعلام في الكتابة المصرية المقابلة للأعلام اليونانية، ثم عين العلامة أكربلاد الأسوجي لفظ بعض الأعلام في القلم المصري العامي. أما الهيروغليف فلم يطمع أحد منهم في حله إلى ذلك الحين.

وفي سنة ١٨١٨ شرع العالم فرنسوا شمبيليون الفرنساوي في حل هذه الكتابة بعد أن درس اللغة القبطية، وجغرافية مصر القديمة، وكل ما كتبه المتقدمون عن مصر والمصريين.

وكان بلزوني الإيطالي قد عثر في جزيرة البربة على مسلة مصرية عليها كتابة يوناية، وأرسل صورة الكتابة إلى أوروبا، فلما رآها شمبيليون ارتأى أن الكتابة اليونانية هي ترجمة الكتابة المصرية. ثم رأى في الكتابة اليونانية أعلامًا، وأسماء الأعلام لا تترجم، فتوسم في ذلك سبيلًا إلى معرفة لفظ بعض الحروف المصرية، ووجد في الكتابة المصرية نقوشًا محاطة بخط إهليلجي، وقرأ في الكتابة اليونانية اسم بطليموس مكررًا مرارًا كثيرة؛ فاستنتج من ذلك أن النقوش الهيروغليفية المتقدم ذكرها هي اسم بطليموس، وزاد تأكيدًا عندما رأى ذلك الاسم واردًا في الكتابة اليونانية على الحجر الرشيدي، ويقابله في الكتابة الهيروغليفية هناك نقوش محاطة بخط إهليلجي كالنقوش التي على المسلة تمامًا، وبناءً على ذلك تكون الصورة الأولى ضمن الخط الإهليلجي.

fig03
شكل ١: كليوبطرا.
fig04
شكل ٢: بطليموس.

تقابل الحرف الأول من بطليموس أي الباء، والثانية تقابل الحرف الثاني أي الطاء، وهلم جرَّا، ووجد أيضًا في الكتابة اليونانية اسم كليوبطرا ويقابله في الكتابة المصرية نقوش ضمن خط إهليلجي. فقال شمبيليون بنفسه: إذا كانت الأولى بطليموس فتكون هذه كليوبطرا، وأخذ بالمقابلة مستعينًا باللغة القبطية؛ لأنها بقية اللغة المصرية القديمة، فرسم أمامه الشكلين اللذين ظنهما اسمي بطليموس وكليوبطرا، وجعل يقابل المماثلة في الاسمين كاللام والباء وغيرهما، فإذا بهما متماثلة تمامًا في الشكلين بمواقعها في الاسمين، وترى في الشكل الأول والثاني صورتي اسم كليوبطرا وبطليموس في القلم الهيروغليفي.

فالحرف الأول من اسم كليوبطرا صورة ركبة، واسم الركبة في اللغة القبطية يبتدئ بحرف الكاف فهو حرف الكاف، والحرف الثاني صورة أسد، واسم الأسد يبتدئ في اللغة القبطية بحرف اللام فهو صورة حرف اللام، وهو الحرف الرابع في اسم بطليموس؛ لأن الثالث بمثابة الحركة، والحرف الثالث من اسم كليوبطرا صورة قصبة، وهو الحرف السادس والسابع في اسم بطليموس فهو بمثابة الألف أو الياء، واسم القصبة في اللغة القبطية يبتدئُ بالألف، والحرف الرابع صورة عقدة وهو حرف الواو، والحرف الخامس مثل الحرف الأول من اسم بطليموس فهو حرف الباء، والسادس صورة نسر، واسم النسر في القبطية يبتدئ بالألف فهو حرف الألف، والسابع صورة يد، واسم اليد في القبطية يبتدئ بحرف الطاء، والثامن صورة فم، واسم الفم في القبطية يبتدئ بحرف الراء فهو حرف الراء، والتاسع تقدم ذكره، والعاشر مثل الثاني في بطليموس فهو طاءٌ أو تاء، والحادي عشر لا حرف له باليونانية، وقد عرف بعد ذلك أنه علامة تلحق آخر الأسماء المؤنثة.

وفي اسم بطليموس حرفان — هما الخامس والثامن — لم يردا في اسم كليوبطرا. فالأول هو الميم والثاني هو السين، وعلى هذه الصورة تمكن شمبيليون من معرفة كثير من حروف الهجاء، وقراءة كثير من الكتابات المصرية القديمة في تسع سنوات كلها بحثٌ وجدٌّ، واعلم أن الكتابة الهيروغليفية ليست واحدة فإن من صورها ما هو حروف، ومنه ما هو مقاطع أو كلمات، ومبلغ عددها كلها.

هذا من قبيل حل الألفاظ، أما المعاني: فعرفت بالمقابلة باللغة القبطية نحو الألف، وببعض ما كان يكتبه المصريون القدماء من الرموز التي تدل على أشباهها كدلالة صورة الرجل على الرجل، وما شاكل ذلك.

ومن المؤلفات الحديثة التي استعنت بها في فذلكة تاريخ مصر القديم: كتاب العقد الثمين لأحمد بك كمال، ومصر لمري، وعادات المصريين لويلكنس وغيرها.

(٣) جغرافية مصر القديمة (وهي جغرافيتها في أيام الدول المصرية القديمة)

تدعى مصر في اللغة المصرية القديمة وفي اللغة القبطية: «خم» أو «أرض خم» ومعناها الأرض السوداء، نسبةً إلى لون تربتها، وهذا ما يذكرنا بحام ونسله، وكان يدعوها الشعب العبراني: «مصرايم» ومعناها «المصران» ومنها اسمها في العربية اليوم. أما معنى تسمية العبرانيين لمصر فنظنه مشتقًّا من قولهم «صرّ» في العبرانية، ومعناها: الشدة والضيق، «ومِصَر» اسم مكان من صر أي مكان الشدة، ولعلها إشارة إلى ما قاساه الشعب العبراني من الشدة والاضطهاد في هذه البلاد إلى عهد موسى. أما كونها على صيغة المثنى: فربما نتج عن تسميتهم أولًا أحد قسمي مصر البحري والقبلي بهذا الاسم، ثم جعلوه على صيغة المثنى؛ للدلالة على القسمين معًا، والله أعلم. أما اليونانيون فكانوا يسمونها «إيجيبتوس» ومنها اسمها في لغات أوروبا الحديثة: «إيجبت».

ويستفاد من مصادر تاريخ مصر القديم أن القطر المصري كان يقسم إلى قسمين عظيمين: الواحد يدعى أرض الشمال أو الوجه البحري، والآخر أرض الجنوب أو الوجه القبلي، وكان الوجه البحري ممتدًّا من منف (البدرشين وميت رهينة) إلى البحر المتوسط، ويدعوه اليونان «الدلتا» لمشابهته بحرف الذال عندهم. أما الوجه القبلي: فيمتد جنوبًا من منف إلى جزيرة الفنتين مقابل أسوان، وهذا ما ندعوه اليوم بأرض الصعيد، وكان من ألقاب ملوك مصر القدماء قولهم: «سلطان البرين» إشارة إلى تسلطه على الوجهين البحري والقبلي.

وكل من هذين القسمين يقسم عندهم إلى أقسام دعاها اليونان «نومس» أي مقاطعات، ومجموعها في الوجهين معًا يختلف عدًّا باختلاف الرواة. فقد ورد في القوائم المصرية القديمة أنها ٤٤، وقال إسترابوا وديودوروس إنها ٣٦، والمعول عليه أنها ٤٢ منها ٢٠ في الوجه البحري و٢٢ في القبلي، ولكل منها عاصمة مختصة بها فيها مقر الحاكم ومركز العبادة، وهاك جدولًا يتضمن أسماء المقاطعات باليونانية، وأسماء عواصمها بالمصرية واليونانية والعربية.

مقاطعات الوجه القبلي (عواصمها).
أسماء المقاطعات باليونانية بالمصرية القديمة باليونانية بالعربية
(١) أوبيتس أبو أمبوس كوم أمبو
(٢) أبولينويوليتس تب أبولينوبولس مانيا أدفو
(٣) لاتوبوليتس نخب لانوبولس (إيليثيا) إسنا «الكب»
(٤) هرمونثيتس هرمونت هرمونثس أرمنت
(٥) باثيريتس القرنة
(٦) ديوسبولنس نوامن ديوسبولس مانيا الكرنك والأقصر
(٧) كوبتيتس كوبتي كوبتوس قفط
(٨) تنتيريتس تنتيرير تنتيرا دندرة
(٩) ديوسبوليتس ها ديوسبولس بارفا هو
(١٠) ثينيتس أبدو ثيس. أبيدوس البربة. العرابة المدفونة
(١١) بانوبوليتس أبو بانوبولس أخميم
(١٢) أفروديتوبوليتس تبو أفروديتوبولس العطف
(١٣) أنتوبوليتس نيانتباك أنتيوبولس قاو الكبير
(١٤) هبسيليتس شاسحوتب هيبسليس شدب
(١٥) ليكوبوليتس سوت ميكوبولس أسيوط
(١٦) أنثينويتس أنتينووبولس الشيخ عبادة
(١٧) هرموبوليتس خمونو هرموبولس مانيا أشمونين
(١٨) سينوبوليتس كوسا سينوبولس القيس
(١٩) أوكسيرينخيتس بيماسا أوكسيرنخيس بهنسا
(٢٠) هيراكليوبوليتس خيننسو هيراكليوبولس أهناس المدينة
(٢١) أرسينويتس كروكودينوبولس مدينة الفيوم
(٢٢) أفروديتوبوليتس تيباه أفروديتوبولس عطفية
fig05
شكل ٣: خريطة مصر في أيام الفراعنة.
مقاطعات الوجه البحري (عواصمها).
أسماء المقاطعات باليونانية بالمصرية القديمة باليونانية بالعربية
(١) ممفيتس منوفر ممفيس ميت رهينة
(٢) ليتوبوليتس سوخم ليتوبولس
(٣) ليبيا نيانتهابي إبيس
(٤) سايتس زوكا كانوبوس
(٥) سايتشس صا سايس صا الحجر
(٦) خويتس خسون خويس سخا
(٧) متليتس سونتينوفر متليس فوه
(٨) سيثرويتس ثوكوت سيتروي
(٩) بوسيريتس بيوسير بوسيرس بوصير
(١٠) إثريبيتس حاتا حيراب إتريبس تل أتريب. بنها العسل
(١١) كاباسيتس كاهبيس كاباسا كوم شباس
(١٢) سبنيتس ثينوتر سبنيتوس سمنهود
(١٣) هيليوبوليتس أنو أون. هيليوبولس المطرية
(١٤) تانبتس زوان تانس صان
(١٥) هرموبوليتس بيثوت هرموبولس بارفا دمنهور
(١٦) منديسيوس يبينبداد مندس أشمون
(١٧)ديوسوليتس بيخون أن أمن ديوسبولس
(١٨) بوباستيتس بيباست بوباستس تل بسطة (زقازيق)
(١٩) بثينستس بيوتو بوتو
(٢٠) فربثيتس كوسم فاربيثوس هربت

ويظهر أن هذين القسمين الكبيرين جُعلا بعد ذلك ثلاثة عُرفت بمصر العليا والوسطى والسفلى. فمصر العليا: تدعى أيضًا باليونانية «ثيبايد» نسبة إلى ثيبس (طيبة) وتمتد من آخر الحدود القبلية إلى ديروط، والوسطى: يدعوها اليونان «هبتانومس» أي ذات السبع المقاطعات، وتمتد من ديروط إلى رأس الدلتا، والسفلى: تمتد من رأس الدلتا إلى البحر المتوسط، وقسمت مصر السفلى في آخر عهد اليونان إلى أربعة أقاليم كبرى تحت كلٍّ منها عدة مقاطعات.

ودعيت مصر السفلى في أيام أركاديوس بن ثيودوسيوس الأعظم «أركاديا» نسبة إليه، وقسمت مصر العليا أيضًا إلى قسمين أو إقليمين دعيا ثيبايد العليا وثيبايد السفلى، تفصل بينهما أخميم أو ما يجاورها، وتكاثر عدد المقاطعات في آخر اليونان حتى بلغ ٥٧ مقاطعة منها ٣٤ في الدلتا فقط.

ثم إن بين ملوك مصر القدماء من وسع نطاق المملكة إلى ما وراء أسوان، وعلى الخصوص العائلة الخامسة والعشرون؛ لأن ملوكها كانوا أثيوبيين فامتد حكمهم إلى جبل برقل. أما في حكم اليونان: فبلغت حدود المملكة المصرية إلى موغراكا وراء وادي حلفا.

(٤) ديانة المصريين القدماء

زعم بعض قدماء المؤرخين أن المصريين القدماء كانوا من عبدة الأوثان، مستدلين على ذلك بما شاهدوه من التماثيل العظيمة التي أقيمت للعبادة، ولكن ظهر بعد استطلاع أسرار لغتهم، وقراءة ما كتبوه على هياكلهم وفي كتب موتاهم أنهم ليسوا من الوثنية على شيء، وأن هذه التماثيل إنما أقاموها في بادئ الرأي تمثيلًا لبعض صفات إله حقيقي غير منظور، ولكن الزمان أرخى على تلك الحقيقة حجاب التقاليد والخرافات، فأصبح القوم لا يعرفون من معبوداتهم إلا تلك الحجارة الصماء التي هي من صنع أيديهم. على أن الحقيقة لم تكن محجوبة عن حكمائهم وكهنتهم.

أما آلهتهم فعديدة، وأسماؤها مختلفة، وصورها متنوعة، مرجعها جميعًا إلى إلهين أصل هذه التنوعات، وهما «فتاح» في منف، ويقصدون به الخالق العظيم، و«رع» في طيبة الأقصر وهو الشمس، وهذان الإلهان هما أقدم آلهة المصريين، ويرجعان إلى أولهما؛ لأنهم يعتبرون الشمس تمثالًا للإله الحقيقي الذي هو الخالق. ثم انتشرت هذه الديانة، وأُتقنت صناعة البناء والرسم فأقاموا في كل مدينة تمثالًا لأحد هذين الإلهين أو لكليهما، وكانوا يسمونها بأسماء مختلفة. فتعددت الأشباه ثم نُسي المقصود الأصلي، وبقيت الظواهر، ومن جملة دواعي تعدد الآلهة: أنهم كانوا يجعلون للشمس مثلًا أسماء تختلف باختلاف مواقعها من خط مسيرها فدعوها «هرمخيس» عند شروقها، وأقاموا لها أبا الهول تمثالًا، و«رع» عندما تكون في خط الهاجرة، و«توم» عند الغروب و«أوزيريس» عند الظلام أي عندما تكون في العالم السفلي، وجعلوا لكل من هذه الحالات تمثالًا مخصوصًا، وقس على ذلك ما بقي من الآلهة الكثيرة التي أقاموا منها محاكم سماوية، وجعلوا من بينها قضاة وكتبة وجنودًا.

fig1
شكل ٤: أمن رع.

وفي أثناء ذلك استنبطوا المثلثات الإلهية، فكانوا يضمون ثلاثة آلهة إلى إلهٍ واحد. منها مثلث مؤلف من الآلهة أوزيريس وإيزيس وهوروس وهو المعروف بمثلث منف، والمتأمل في صورها يرى أن الأول أشبه برجل، والثاني بامرأة، والثالث بصبي.

وبين آلهة المصريين تفاوت في الدرجات؛ فعندهم ثمانية آلهة من الدرجة الأولى في منف، وهي فتاح وشو وتفنووست ونوت وأوزيريس وإزيس وهوروس، ولهم عن هذه الآلهة وغيرها أخبار وخرافات مطولة لا حاجة إلى ذكرها هنا، وإنما نذكر فيما يلي أسماء الآلهة المصرية مع ذكر مميزات كل منها بقدر الإمكان بحيث يمكن لمن يشاهدها في الآثار المصرية أن يميز أحدها من الآخر، وتسهيلًا لفهم تلك المميزات نقسمها إلى قسمين بحسب نوع رءوسها:

أولًا: ذوات الرءوس البشرية. ثانيًا: ذوات الرءوس الحيوانية. والرءوس البشرية إما أن تكون رءوس ذكور. أو إناث، والرءوس الحيوانية إما أن تكون رءوس طيور أو حيوانات أخرى.

fig2
شكل ٥: إيزيس.
فالآلهة ذات الرءوس البشرية للذكور سبعة، وهي:
  • (١)

    «فتاح»: يمتاز بكونه على شكل جثة محنطة (مومية) وفي يديه صولجان، وليس على رأسه شيء يمتاز به.

  • (٢)
    «أمن» أو «رع»: على هيئة رجل منتصب، وعلى رأسه قبعة مبلطحة، تنتهي بريشتين غليظتين مستطيلتين بيده الواحدة مفتاح، وبالأخرى عصا، كما ترى في الشكل الثالث، وقد يكون على شكل جثة محنطة جالسًا على كرسيٍّ، وعلى رأسه القبعة المتقدم ذكرها، وفي يده نمشة وعقافة وصولجان، ويدعى في هذه الحالة «أمن أوزيريس» (ش ٦).
    fig3
    شكل ٦: أوزيريس.
  • (٣)

    «هوروس»: صبي على رأسه تاج مزدوج يراد به تاجا الوجهين القبلي والبحري. يده اليسرى في فيهِ، وفي يده اليمنى مفتاح صليبي الشكل، وقد يكون هوروس برأس طير كما سيجيء.

  • (٤)

    «خم»: جثة محنطة، ويده اليمنى مرفوعة، وحاملة زاوية كبيرة.

  • (٥)
    «أوزيريس»: جثة محنطة على رأسه تاج مصر العليا بريشتي نعام، وأحيانًا بغير ريش، وفي يده النمشة والعقافة، وأحيانًا الصولجان أيضًا، وقد يكون على رأسه هلال فيه قرص الشمس، كما ترى في شكل ٦.
  • (٦)

    «سب»: يمتاز ببطة واقفة على رأسه.

  • (٧)

    «توم»: على رأسه شعر طويل مكلل بزهرة حبقوق أو بريشة، وقد يكون على رأسه تاجا مصر العليا والسفلي.

أما الآلهة ذات الرءوس البشرية الأنثوية فهي:
  • (١)
    «إيزيس»: على رأسها طاقية تشبه النسر، فوقها تاجا مصر العليا والسفلي، بيدها الواحدة مفتاح وبالأخرى صولجان — كما ترى في شكل ٥ — وقد يكون على رأسها قرنان بينهما قرص الشمس، وفوق القرص ما يشه تاجي مصر.
  • (٢)

    «ما»: إلهة الصدق على رأسها ريشة واحدة منتصبة، وعلى عينيها غالبًا غطاء يشبه العوينات.

  • (٣)

    «موت» (أم الجميع): على رأسها طاقية بشكل النسر، وفوقها تاجا مصر العليا والسفلي، وقد يكون لها رأس نسري.

  • (٤)

    «نيث»: على رأسها أحيانًا مكوك، وأحيانًا تاجا مصر العليا والسفلي.

  • (٥)

    «نفتيس»: على رأسها الطاقية النسرية، وفوقها ما يشبه البرج.

والآلهة برءوس الطيور هي:
  • (١)

    «هوروس»: قد تقدم ذكره بين ذوي الرءوس البشرية، وقد يكون ذا رأس حيواني كرأس الصقر، وفوقه التاجان.

  • (٢)

    «خونس» (الشمس المشرقة): رأسه كرأس الصقر، فوقه هلال فيه قرص الشمس.

  • (٣)

    «رع» (شمس الهاجرة): رأسه كراس الصقر أيضًا، عليه قرص الشمس فوقه ثعبان.

  • (٤)

    «توت» (إله القلم): رأسه كرأس اللقلق، عليه أحيانًا هلال في وسطه ريشة.

وهذه آلهة برءوس حيوانات أخرى:
  • (١)

    «بشت» (حبيبة فتاح): تمتاز برأس الهر، وأحيانًا برأس الأسد، عليه قرص الشمس، فوقه ثعبان.

  • (٢)

    «عتور»: يمتاز برأس كرأس البقرة بين قرنيها دائرة البدر.

  • (٣)

    «كنوم» أو «كنف»: يمتاز برأس كبش عليه أكاليل وتجيان.

  • (٤)

    «أنوبيس»: يمتاز برأس كرأس ابن آوى.

وللمصريين القدماء آلهة كثيرة غير هذه قد أمسكنا عن ذكرها حبًّا بالاختصار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤