الفصل الثالث

نقد موضوعات كارل ماركس

حدد ماركس١ لنفسه هدفًا هو الكشف عن القوانين الموضوعية التي تحكم عمل النظام الرأسمالي. ولتحقيق هذا الهدف كان عليه مراجعة الفكر السابق عليه؛ أي الفكر الاقتصادي للطبيعيِّين، وفرنسوا كينيه بصفةٍ خاصة، والفكر الاقتصادي لآدم سميث ودافيد ريكاردو، وبالأخص ريكاردو الذي اعتنق ماركس أهم أفكاره وتصوراته في أبرز المواقع الفكرية وأكثرها خطورة في مذهبه في «رأس المال».٢

١

وابتداءً من تحديده الاقتصاد السياسي الكلاسيكي بأنه العلم المنشغل بدراسة:

«الترابطات الداخلية لعلاقات الإنتاج البرجوازية» («رأس المال»، الكتاب الأول، الفصل الأول).٣

وباستخدام أعلى درجات التجريد:

«لا يمكن لتحليل الأشكال الاقتصادية استخدام المجهر أو الكواشف الكيمياوية، بل يجب على قوة التجريد أن تحل محل هذا وتلك» («رأس المال»، مقدمة الطبعة الألمانية الأولى، ١٨٦٧م).

انشغل ماركس بظاهرة القيمة التي تدور في فلكها علاقات نمط الإنتاج الرأسمالي؛ الأمر الذي جعله يبدأ من تحليل السلعة؛ لأنها التي تتجسد فيها القيمة:

«في المجتمعات التي يهيمن عليها نمط الإنتاج الرأسمالي تتبدى الثروة بوصفها تكديسًا هائلًا من السلع، بينما تتبدى كل سلعة كشكلٍ أوَّلي لهذه الثروة؛ لذلك يتعين البدء بتحليل السلعة» («رأس المال»، الفصل الأول).

وفي أثناء تحليله يسير على نفس خُطى سميث وريكاردو؛ حيث يفرق بين قيمة الاستعمال وقيمة المبادلة، والأُولى لديه هي التي تشكل المضمون المادي للثروة في المجتمع، وتبرز الثانية كعلاقةٍ كمية، أي كنسبة يجري بموجبها تبادل قيمٍ استعمالية من نوعِ ما بقيمٍ استعمالية من نوعٍ آخر. ويستخدم ماركس، كما أسلافه، القيمة النسبية بنفس معنى القيمة التبادلية.

وفي سياق الخط المنهجي الذي يطرح من خلاله تصوره للقيمة، يذهب ماركس إلى أن سلعةً معينة، كيلوجرام من القمح مثلًا تجري مبادلته بمقدار «ك» من الأرز، و«ص» من الحرير، و«ع» من الفضة، وغير ذلك، وباختصار، بسلعٍ أخرى بأكثر النسب تباينًا؛ وبالتالي، ليس للقمح، كسلعة، قيمة مبادلة واحدة، بل الكثير جدًّا منها، ولكن بما أن «ك» من الأرز، و«ص» من الحرير، و«ع» من الفضة، تشكل القيم التبادلية للكيلو من القمح، فإن «ك» من الأرز، و«ص» من الحرير، و«ع» من الفضة وما إليها، يجب، كما يقول ماركس، أن تكون قيمًا تبادُلية قادرة على أن تحل محل بعضها البعض؛ أيْ أَنْ تكون متساويةً فيما بينها؛ ومن هنا فإن القيم التبادلية المختلفة للسلعة تُعبِّر عن شيءٍ واحد؛ فمهما تكن العلاقة التبادلية بين الحرير والفضة، يمكن دائمًا التعبير عن هذه العلاقة بمعادلة تتعادل فيها «ص» من الحرير مع «ع» من الفضة.٤ مثلًا: مبادلة ١٠ أمتار من الحرير ﺑ ٥ جرامات من الفضة، وهذه المعادلة تدل على وجود أمرٍ مشترك مقداره واحد. إنَّ كلًّا من هذَين الشيئَين، الحرير والفضة، مساوٍ لشيءٍ ما ثالث، لا هو الأول ولا هو الثاني؛ وبالتالي لا بد وأن يكون كل منهما، باعتباره قيمة تبادلية، قابلًا للإرجاع إلى هذا الشيء الثالث، الذي لا يكون متمثلًا في خصائص هندسية أو فيزيائية أو أي خصائصَ طبيعية أخرى للسلع؛ إذ إن خصائص السلع الجسدية، كما يقول ماركس، لا تُؤخذ في الاعتبار إلا بقدر ما تتوقف عليها منفعة السلع، بقدر ما تجعل من السلع قيمًا استعمالية. إن الأمر الثالث المشترك بين «قيمة السلعتَين التبادلية» هو العمل؛ فكلاهما نتاج قوة العمل. هنا يجد ماركس أهمية في الانشغال بقيمة قوة العمل؛ أيْ قيمة بقاء العامل حيًّا قادرًا على العمل، متسائلًا: ما هي قيمة قوة العمل؟ ومن أجل الإجابة يسير التحليل على النحو التالي: إن قيمة كل سلعة تُقاس بكمية العمل الضروري، اجتماعيًّا، لإنتاجها. وقوة العمل تُوجد في شكل العامل الحي الذي يحتاج إلى كميةٍ محددة من وسائل المعيشة لنفسه ولعائلته، مما يضمن استمرار قوة العمل حتى بعد موته. ومن هنا، فإن وقت العمل اللازم لإنتاج وسائل المعيشة هذه يمثل قيمة قوة العمل:

«إنني أقصد بقوة العمل أو القدرة على العمل، مجموع القدرات الجسدية والمعنوية التي تمتلكها أعضاء الإنسان؛ أي شخصيته الحية التي يستخدمها في كل مرة ينتج فيها قيمًا استعمالية. إن قيمة قوة العمل تتحدد مثل أي سلعةٍ أخرى بوقت العمل الضروري لإنتاجها وبالتالي لتجديد إنتاجها. إن قيمة قوة العمل هي قيمة وسائل المعيشة الضرورية للحفاظ على بقاء صاحبها. ويتضمن مجموع وسائل المعيشة الضرورية لإنتاج قوة العمل وسائل المعيشة لأولئك البدلاء، أي أطفال العمال» («رأس المال»، الكتاب الأول، الفصل الرابع).

وعلى ذلك، يدفع الرأسمالي للعامل أجره، أسبوعيًّا مثلًا، شاريًا بذلك استخدام قوة عمله لهذا الأسبوع (الواقع أن الرأسمالي يدفع الأجر بعد استهلاك قوة العمل!) وبعد ذلك يجعل الرأسمالي عامله يبدأ في العمل. وفي وقتٍ محدد سيُقدِّم العامل كمية من العمل توازي أجره الأسبوعي؛ فلو افترضنا أن العامل بدأ عمله يوم السبت، وافترضنا كذلك أن أجره الأسبوعي يمثل ثلاثة أيام عمل؛ فإنه، في يوم الإثنين، سيكون قد عوَّض الرأسمالي عن القيمة الكاملة للأجر المدفوع، ولكن هل يتوقف العامل عندئذٍ عن العمل؟ بالطبع لا؛ فلقد اشترى الرأسمالي قوة عمل٥ العامل لمدة أسبوع، ولم يشترِ عمله، كما كان يظن سميث وريكاردو. وعلى العامل أن يستمر في العمل خلال الأيام الثلاثة الأخيرة من الأسبوع، وهذا العمل الزائد الذي يُقدِّمه العامل فوق الوقت اللازم لتعويض أجره هو القيمة الزائدة (ق ز).

٢

وحينما ينتقل ماركس لمقياس القيمة، يكرر، وبمنتهى الدقة، عدم دقة أسلافه! ولكي يخرج من متاهة «المقياس/المقدار» الذي أدخل سميث فيها الاقتصاد السياسي، يطرح، وكما ذكرنا، السؤال: كيف سنقيس مقدار القيمة؟ ويجيب: من الواضح أن ذلك سيكون بكميةِ ما تتضمنه من العمل الذي هو الماهية الخالقة للقيمة. العمل إذن عند ماركس، كما سميث وريكاردو، هو مقياس القيمة.

ولكن، كيف نقيس كمية العمل ذاتها؟ يجيب ماركس أيضًا: نقيسها بطوله، بوقت العمل. بينما يجد وقت العمل، بدوره، معاييره في أجزاءٍ محددة من الزمن كالساعة واليوم. اعتدَّ ماركس إذن بكمية العمل، وإنما ابتداءً من اعتبارها «مقياس مقدار!» القيمة، ثم يُضطر، نتيجة عدم وضوح المقياس، إلى قياس المقياس نفسه! وحينئذٍ ينتهي إلى أن القيمة تُقاس بكمية العمل، وكمية العمل تُقاس بوقت العمل؛ أي إنه يخلص إلى أن القيمة تُقاس بالوقت، بالزمن، خالطًا كذلك بين المقياس (كمية العمل) ووحدة القياس (اليوم، الدقيقة، … إلخ)!

حتى لو سايرنا ماركس، وقلنا معه أن كمية العمل تُقاس بالزمن الذي يُبذل (خلاله) ذلك المجهود الإنساني، والزمن يُقاس بطول يوم العمل، وطول يوم العمل يُقاس بأجزاءٍ محددة من الزمن كالساعة واليوم، فذلك أيضًا غير دقيق، بل غير صحيح علميًّا؛ لأن كمية العمل ليست مقياسًا، وليست آلة، وليست أداة. وينبغي حينئذٍ أن نستعمل آلة/أداة القياس المناسبة لقياس الزمن، وآلة قياس الزمن ليست كمية العمل، كما يقول الاقتصاد السياسي، إنما هي الساعة (التي هي آلة يُعرَف بها الوقت) والتي يعلقها الرأسمالي على الحائط في مكتبه! أما وحدة القياس فهي الدقيقة (التي هي جزءٌ من ستين جزءًا).

إن الاقتصاد السياسي ابتداءً من عدم استخدامه للمقياس الصحيح، وابتعاده عن وحدة القياس المناسبة، كما أوضحنا في الباب الأول، يصل إلى ذروة ارتباكه حينما يقيس المقياس نفسه! ثم يخلط بين هذا المقياس ووحدة القياس!

٣

وبعدما أتم تحليله مفهوم القيمة وما يتعلق به، وأدخل التعديلات الحاسمة أحيانًا والظاهرية أحيانًا أخرى، قام ماركس بمراجعة تصوُّر الكلاسيك لأقسام الرأسمال، ووجد أن تقسيم الرأسمال قد يُنظر إليه من جهة عملية التداول، أو من جهة التركيب العضوي، أو من جهة ازدياد القيمة، ولأن الكلاسيك نظروا إلى جهتَي التداول والتركيب العضوي، دون جهة ازدياد القيمة، فلم يتمكنوا من التغلغل في بنية تحولات الرأسمال؛ فقد كان سميث وريكاردو، والكلاسيك بوجه عام، يرون، وكما ذكرنا، أن الرأسمال اللازم من أجل عمليةٍ إنتاجيةٍ ما، ينقسم إلى قسمَين: القسم الأول: الرأسمال الأساسي ويحتوي على المباني والآلات … إلخ، وكل ما لا يستهلك في عمليةٍ إنتاجية واحدة. والقسم الثاني: الرأسمال الدائر وهو الذي يُستخدم في عمليةٍ إنتاجية واحدة مثل المواد الأولية والمواد الوسيطة وقوة العمل، ولكن هذا التقسيم لم يكن ليتناغم مع نظرية ماركس في القيمة؛ الأمر الذي جعله يعيد النظر في التقسيم إنما ابتداءً من القيمة ذاتها؛ متسائلًا: ما هي الأجزاء من الرأسمال التي تغير من قيمتها أثناء عملية الإنتاج؛ أي التي يمكنها أن تخلق قيمةً أكبر من قيمتها؟ وما هي الأجزاء التي لا تغير من قيمتها؛ أي التي لا تنقل إلى المنتوج قيمةً أكبر أو أقل من قيمتها؟ وحينئذٍ رأى ماركس أن تقسيم الكلاسيك يحتاج إلى تعديل؛ فالرأسمالي من أجل إنتاج السلعة يستخدم قسمَين من الرأسمال (منظورًا إليه من جهة ازدياد القيمة):
  • القسم «الأول»: الرأسمال ذو القيمة الثابتة «ث»، ويتكون ذلك القسم من: جزءٍ أساسي مثل المباني والآلات، وجزءٍ دائر مثل المواد الوسيطة والمواد الأولية. وهذا القسم من الرأسمال بجُزأَيه لا يُغيِّر من قيمته أثناء عملية الإنتاج. والجوهري عند ماركس هو كيف تنتقل قيمةٌ معينة منفَقة في عملية الإنتاج، سواء كانت أجورًا أم ثمن موادَّ أولية أو ثمن وسائلِ إنتاج، كيف تنتقل إلى المنتوج؟ وبالتالي تئوب إلى نقطة الانطلاق أي تُعوَّض بواسطة بيع المنتوج؟ ويصل ماركس إلى أن الفارق الوحيد بين الرأسمال الأساسي والرأسمالي الدائر يكمن في النمط الخاص لانتقال وتداوُل هذه القيمة؛ يكمن في نمط الدوران؛ فالمباني والآلات تواصل القيام بوظيفتها في عمليات الإنتاج دون أن تتجدد خلال فترة استخدامها؛ وبالتالي فإن الجزء الذي يُنفَق على الرأسمال الأساسي يُنفَق دفعةً واحدة ولا يعود إلى الرأسمالي إلا على دفعات بقدرِ ما تبلى الآلة أو يهلك المبنى أي بقدر قيمة الجزء المستهلَك من الرأسمال والمتجسد في المنتوج (إذ لا ينقل الرأسمال الأساسي كامل قيمته دفعةً واحدة إلى المنتوج) بينما يقوم الرأسمال الدائر، كمواد العمل، وكذا قوة العمل، بالدوران مرارًا وتكرارًا؛ فمواد العمل، يلزم تجديدها بقدرِ ما يتم استهلاك القديم منها في تكوين المنتوج. كذلك قوة العمل؛ فهي حاضرة دائمًا في عملية الإنتاج ولكن عن طريق التجديد المستمر لفعل شرائها؛ ومن ثَمَّ فإن ما يُنفَق على الرأسمال الدائر (الذي ينقل كامل قيمته إلى المنتوج دفعةً واحدة) يُنفَق دفعةً واحدة ويعود أيضًا إلى الرأسمالي دفعةً واحدة.
  • أما القسم «الثاني»: فهو: الرأسمال ذو القيمة المتغيرة «م»، ويتكون من قوة العمل، وهو الذي يُغيِّر قيمته أثناء عملية الإنتاج. وهذا القسم يحقق أربعة أمور: (أولًا) ينقل قيمته إلى المنتوج. (ثانيًا) يزيد من قيمة المنتوج. (ثالثًا) يسمح بنقل قيمة الرأسمال الثابت إلى المنتوج. (رابعًا) يخلق قيمةً جديدةً غير مدفوعة الأجر؛ ولذلك سُمي هذا القسم من الرأسمال بالرأسمال المتغير؛ بعبارة أدق (الرأسمال ذو القيمة المتغيرة).٦

٤

والقيمة الزائدة التي يخلقها العمال تنحل، تتوزع، في مذهب ماركس إلى: ربح، وفقًا لمعدَّل الربح الوسطي،٧ وفائدة، وريع، وضرائب … إلخ:

«إن القيمة الزائدة لا تكلف الرأسمالي شيئًا، وبإمكانه أن يستهلكها كلها كإيراد، ما لم يُضطر إلى التنازل عن جزءٍ منها لشركاءَ آخرين مثل الريع العقاري للمالك العقاري. وتؤلِّف الأقسام المعنية في مثل هذه الحالة إيرادًا لطرفٍ ثالث كهذا» («رأس المال»، الكتاب الثاني، الفصل التاسع عشر). «إن القيمة الزائدة تنقسم إلى الفائدة المحسوبة على الرأسمال، والريع العقاري، والضرائب» («رأس المال»، الكتاب الثالث، الفصل الثالث).

وما ينشغل ماركس بالتأكيد عليه هو نفيُ حصول العامل على نصيبٍ في القيمة التي خلقها؛ فالعامل بعد أن ينتج معادل قيمة قوة عمله ينتج قيمةً زائدة يستحوذ عليها الرأسمالي. وهذا التصور يغاير، كما رأينا، تصوُّر الكلاسيك الذين رأوا أن القيمة التي يضيفها العمال إنما تنحل إلى أجور وأرباح. ولم يكن لماركس الوصول إلى هذه النظرية في التوزيع إلا باستبعاد فكرة «الاكتناز» التي انطلق منها أسلافه؛ فلو افترضنا أن الرأسمالي بدأ عملية الإنتاج ﺑ ١٠ وحدات، ٤ منها لشراء قوة العمل، و٦ لشراء وسائل الإنتاج، وفي نهاية عملية الإنتاج وَجَد لديه ٤٠ وحدة؛ أي إنه حقق ٣٠ وحدة قيمة زائدة، فالكلاسيك، وكما رأينا، سوف يُوزِّعون القيمة الزائدة، والتي قدرها ٣٠ وحدة، إلى أجور وريع وربح. أما ماركس، ولخُلُو التوزيع لديه من فكرة الرأسمال المسلَّف بالمعنى الذي يقصده الاقتصاد السياسي الكلاسيكي، وهو المعنى القائم على فكرة الاكتناز، فسوف يُعيد توزيع المنتوج الإجمالي؛ أي اﻟ ٤٠ وحدة، على النحو التالي: ٤ لقوة العمل (كأجور)، و٦ لوسائل الإنتاج، أما الباقي؛ أي اﻟ ٣٠ وحدة، فسوف يستحوذ عليه الرأسمالي ويحصل منه على الربح، ويدفع منه الفائدة والريع.٨
والرأسمالي، الذي حصل على القيمة الزائدة، يدفع الفائدة من هذه القيمة الزائدة وفقًا لمشاركة الرأسمال المقترض بنصيب في دورة الرأسمال الكلي؛ فحينما يقوم الرأسمالي المالي بإقراض الرأسمالي الصناعي، فإن كتلة الرأسمال النقدي المقترض تندمج في كتلة الرأسمال الصناعي؛ كي يُكوِّنا معًا كتلة الرأسمال الكلي الناشط في فرع الإنتاج، وحين توزيع الربح يحصل الرأسمال الناشط، وفقًا لقانون القيمة، على نصيبه من الكتلة الكلية للربح حسب حجمه من الكتلة الكلية للرأسمال على الصعيد الاجتماعي، ثم يقوم بدفع الفائدة خصمًا من هذا الربح، فلنفترض أن رأسمالًا يتكون من ١٠٠ وحدة، منها ٥٠ مقترضة، ولنفترض أيضًا أن معدَّل الربح ٢٠٪، ومعدَّل الفائدة ٦٪، فحينئذٍ سوف يحصل مالك الرأسمال النقدي على ٣ وحدات، والرأسمالي الصناعي على ١٧ وحدة، وذلك من القيمة الزائدة التي تحققت من خلال دورة الرأسمال الكلي على الصعيد الاجتماعي.٩
ويعالج ماركس الريع ابتداءً من افتراضه أن الزراعة شأنها شأن الصناعة خاضعة لنمط الإنتاج الرأسمالي؛ فالمزارع ينتج القمح مثلما ينتج الرأسمال والعمل المأجور النسيج أو الآلات. والريع الذي يدفعه الرأسمالي/المزارع إلى مالك الأرض التي يستغلها يتماثل مع الفائدة التي تُدفع إلى مالك الرأسمال النقدي؛ وبالتالي سوف يطالب مالك الأرض بنصيب قيمة أرضه في دورة الرأسمال الكلي.١٠ وهذه القيمة١١ تتحدد بصورةٍ عكسية مع ارتفاع وانخفاض سعر الفائدة؛ فلو انخفض سعر الفائدة من ٥٪ إلى ٤٪، فإن الريع العقاري السنوي البالغ ٢٠٠ جنيه سوف يمثل الزيادة في قيمة رأسمال يبلغ ٥٠٠٠ جنيه بدلًا من ٤٠٠٠ جنيه، وبذلك سيرتفع ثمن قطعة الأرض نفسها من ٤٠٠٠ جنيه إلى ٥٠٠٠ جنيه.١٢
والريع، الفرقي، عند ماركس ينشأ وفقًا لفرضيتَين أساسيتَين:
  • الفرضية الأولى: أن الكميات الموظَّفة من الرأسمال متغيرة، والكميات المنتَجة ثابتة؛ فلو افترضنا، كما افترضنا سلفًا، وجود أربع قطع من الأرض: «أ»، و«ب»، و«ﺟ»، و«د»، توظف كمياتٍ مختلفة من الرأسمال، في سبيل إنتاج ٢٥٠ إردبًا من القمح، على حسب خصوبة التربة في كل أرض، فالأرض «أ» توظف «٢م + ٣ث» والأرض «ب» توظف «٤م + ٦ث» والأرض «ﺟ» توظف «٦م + ٩ث» والأرض «د»، وهي الأقل خصوبة، توظف «٨م + ١٢ث». ولو افترضنا كذلك أن معدَّل القيمة الزائدة ١٠٠٪، فسيُباع القمح بقيمة قدرها ٢٨ وحدة «٨م + ١٢ث + ٨ق ز»، وهي القيمة الاجتماعية للقمح الذي تنتجه الأرض الحدِّية «د». وسيقوم الرأسماليون في الأرض «أ» و«ب» و«ﺟ» ببيع قمحهم ﺑ ٢٨ وحدة؛ ناقلين عبء الريع (الذي يتدفق إلى جيب المالك العقاري) إلى المستهلك، وينتظم الريع هنا بالقيمة الاجتماعية في الأرض الأقل خصوبة.
  • الفرضية الثانية: وهي ثبات كمية الرأسمال مع تغيُّر الكمية المنتجة؛ إذ تظل كمية الرأسمال ثابتة، وليكن عند ١٠ وحدات، في الأرض «أ»، و«ب»، و«ﺟ» مع تغيُّر غلة الأرض؛ فتنتج الأرض «أ» ٣٠٠ إردب، وتنتج الأرض «ب» ٢٠٠ إردب، أما الأرض «ﺟ» فتنتج ١٠٠ إردب فقط؛ حينئذٍ سيحصل الرأسمالي المستثمر في الأرض «أ» على ربح، لا ريع، فرقي قدره ٢٠٠ إردب، ويحصل الرأسمالي من الأرض «ب» على ربح، لا ريع، فرقي قدره ١٠٠ إردب، ولا يحصل الرأسمالي المستثمر في الأرض «ﺟ» على أي ربحٍ فرقي، مع استئثاره، مثل باقي الرأسماليِّين، بالقيمة الزائدة التي ينتجها العمال الأجراء. هذا الربح الفرقي، الإضافي، يمكن أن يتحول إلى ريعٍ فرقي للمالك العقاري، أو للرأسمالي إذا كان هو صاحب الأرض المستثمر فيها؛ فسبب حصول الرأسمالي على الربح الفرقي هو أنه استخدم وسيلة إنتاج، هي الأرض الأخصب، أكثر إنتاجية. أما سبب حصول المالك العقاري على الريع الفرقي فهو مجرد ملكيته للأرض الأكثر خصوبة. وينتظم الريع هنا أيضًا بالقيمة الاجتماعية للمنتوج في الأرض الأقل إنتاجية.

٥

ومن المهم لمتابعة حركة ذهن ماركس، ولفهم جهازه الفكري، فهمًا ناقدًا، الانتباه جيدًا لأربع مجموعات من المصطلحات الفنية التي يستخدمها أثناء تحليله هيكل وأداء نمط الإنتاج الرأسمالي:
  • فهو يميز، أولًا: بين إنتاج القيمة الزائدة المطلقة وإنتاج القيمة الزائدة النسبية. ويرى أن إنتاج القيمة الزائدة المطلقة يكمُن في إطالة يوم العمل إلى ما بعد الحدود التي يستطيع العامل ضمنها أن ينتج معادل قيمة قوة عمله وحسب، ويقوم الرأسمالي بالاستيلاء على هذا العمل الزائد. ويؤلِّف إنتاج القيمة الزائدة المطلقة القاعدة العامة التي يرتكز عليها النظام الرأسمالي. أما إنتاج القيمة الزائدة النسبية فهو يفترض أن يوم العمل مقسَّم إلى قسمَين، هما العمل الضروري والعمل الزائد. وبُغيَةَ إطالة العمل الزائد يُقلَّص العمل الضروري بأساليب تتيح إنتاج معادل قيمة قوة العمل في أقصر وقت. وإذا ما كان إنتاج القيمة الزائدة المطلقة يتوقف على طول يوم العمل، فإن إنتاج القيمة الزائدة النسبية يعتمد على التطور التقني.
  • ويقارن ماركس، ثانيًا: بين عملية تكوين القيمة وعملية ازدياد القيمة؛ فعملية ازدياد القيمة ما هي سوى عملية تكوين القيمة التي تستمر لأَبعدَ من نقطةٍ محددة، فإذا كانت عملية تكوين القيمة لا تستمر إلا إلى تلك النقطة التي يُستعاض فيها عن قيمة قوة العمل التي دفع الرأسمالي مقابلها بمعادلٍ جديد؛ فهذه عمليةٌ بسيطة لتكوين القيمة. أما إذا استمرت عملية تكوين القيمة إلى أَبعدَ من هذه النقطة؛ فإنها تصبح عملية لازدياد القيمة فحسب.
  • كما يفرق، ثالثًا: بين العائد الكلي والإيراد الكلي والإيراد الصافي؛ فالعائد الكلي يساوي العناصر المادية التي تؤلف الرأسمال الثابت والرأسمال المتغير، زائدًا العناصر المادية للمنتوج الفائض الذي ينحل إلى ربح وريع، في حين أن الإيراد الكلي يتكون من الأجور والربح والريع. أما الإيراد الصافي فهو القيمة الزائدة؛ أي المنتوج الفائض المتبقي بعد اقتطاع الأجور.١٣
  • ويفرق ماركس، رابعًا: بين يوم العمل وفترة العمل؛ فيوم العمل هو المدة الزمنية التي يتعين على العامل خلالها أن ينفق قوة عمله يوميًّا. أما فترة العمل فهي تعني عددًا معينًا من أيام العمل المتصلة اللازمة لإخراج المنتوج الناجز في فرعِ إنتاجٍ محدد. وهذه التفرقة؛ أي التفرقة بين يوم العمل وفترة العمل، ترتبط بالتفرقة بين زمن العمل وزمن الإنتاج؛ فزمن العمل دائمًا هو زمن إنتاج، وليس كل زمن إنتاج بالضرورة هو زمن عمل؛ فزمن العمل هو الوقت الذي يُستخدم فيه فعليًّا الرأسمال على نحوٍ منتج، أما زمن الإنتاج فهو مجمل الفترة الزمنية اللازمة لإنجاز منتوجٍ معين، وهو ما يعني إمكانية، وربما وجوب، بقاء الرأسمال مقيدًا في مجال عملية الإنتاج دون استخدامٍ فعلي؛ أي يظل هاجعًا دون عمل:
    «وثَمَّةَ مثالٌ طريف (التشديد من عندي م.ع.ز) على التباعد بين زمن الإنتاج وزمن العمل تُقدِّمه لنا الصناعة الأمريكية لقوالب الأحذية. إن قدرًا كبيرًا من التكاليف غير المنتجة ينشأ هنا من أن الخشب يتعين تركه حتى يجف لفترة قد تصل إلى ١٨ شهرًا؛ منعًا لتمدُّد القالب وتغيُّر شكله، ولا يتعرض الخشب خلال هذا الوقت إلى أي عملية عمل، ويظل الرأسمال الموظف عاطلًا طوال ١٨ شهرًا قبل أن يدخل عملية العمل الحقيقية» («رأس المال»، الكتاب الثاني، الفصل الثالث عشر).

٦

ولكن مضمون هذا المثال الطريف المذكور أعلاه، يمثل في ذاته أزمة، تستدعي مباشرة نفس أزمة الزمن عند ريكاردو؛ فكيف يمكن قياس القيمة هنا؟ وما هو منظمها بالأساس؟ فكيف يمكن لصاحب القوالب الخشبية الذي أنفق ١٢٠ ساعة عمل في ١٨ شهرًا أن يبادل قوالبه الخشبية بالقمح الذي تكلف ١٢٠ ساعة عمل أيضًا وإنما على مدار ١٢ شهرًا فقط؟

  • أليس للرأسمال، الهاجع دون عمل، من نصيب في ربحٍ إضافي؟

  • أليس من حق صاحب القوالب المطالبة بربح عن تعطل رأسماله دون أن يعود إليه كما عاد إلى صاحب القمح؛ أي ألا يُكافأ صاحب القوالب عن طول فترة الدوران؟

فإذا كانت الإجابة: نعم له الحق في ربحٍ إضافي، فالسؤال: ألا تُعد تلك المكافأة الإضافية، في الوقت نفسه، خرقًا صريحًا لقانون القيمة؟ لأننا في هذه الحالة سوف نعتد بمعدَّل الربح/عائد الرأسمال، إلى جوار كمية العمل، كمحدد وكمقياس وكمنظم للقيمة! وعائد الرأسمال هذا ليس هو الرأسمال كعملٍ مختزن؛ لأن ما يرغب صاحب القوالب في إضافته ليس قيمة الرأسمال الهاجع كعملٍ مختزن، والذي شارك فعلًا في عملية الإنتاج، إنما هو ربحٌ يرى الرأسمالي إضافته دون سبب إلا كونه مقابل تعطُّل رأسماله فترة انتظار نضج سلعته! ولذلك، كان هذا المثل الطريف سببًا في أزمة من أكبر أزمات الاقتصاد السياسي الكلاسيكي؛ فهو الذي أدى بريكاردو، وكما ذكرنا سلفًا، إلى أن يعلن أن تحليله للقيمة يحتاج إلى إدخال دور الزمن النسبي الذي تستغرقه السلعة قبل طرحها في السوق، وهو أيضًا الذي قاد جيمس مِلْ١٤ ورامساي،١٥ وغيرهما من كبار مفكري الكلاسيك، إلى إعلان إيمانهم بأن نفقة الإنتاج هي منظم القيمة.

فصديقنا صاحب القوالب الخشبية (ولنفترض أنه تكلَّف ١٢٠ ساعة عمل، ولكن عليه الانتظار ٢٤٠ يومًا حتى تجف قوالبه قبل طرحها في السوق) يتطابق موقفه مع موقف صديقنا صاحب النبيذ (الذي تكلَّف، عند ريكاردو، نفس اﻟ ١٢٠ ساعة عمل، ولكن ظلَّت سلعته في القبو لمدة ١٢٠ يومًا فقط قبل أن ينتقل بها إلى السوق) وصديقنا الآخر صاحب الفخار (الذي تكلَّف كذلك ١٢٠ ساعة عمل، ولكن ظلَّت سلعته في التجفيف لمدة ٦٠ يومًا قبل أن ينتقل بها كذلك إلى السوق)؛ فجميعهم يتعين عليهم الانتظار فترةً معينة قبل أن يقوموا بطرح سلعهم في السوق، فكيف يمكن التبادل هنا وفقًا لقانون القيمة؟ المشكلة إذن أمام الكلاسيك، وبالتالي أمام ماركس، بل أمام الاقتصاد السياسي بأسره، هي دور الزمن في تكوين القيمة؛ ولكي نتعرف إلى الطريقة التي ظن ماركس أن بها حل المشكلة، يتعين أن نتعرف، أولًا، إلى منهجه في تحليل الأداء اليومي للمشروع الرأسمالي.

٧

فعلى مستوى الأداء اليومي للمشروع الرأسمالي، ينتهي ماركس، إنما ابتداءً من نظريته في القيمة والقيمة الزائدة المستندة مركزيًّا إلى أفكار سميث وريكاردو، إلى: أن الاستثمارات في فروع القطاعات المشاركة في الإنتاج على الصعيد الاجتماعي تحكمها معدَّلات الأرباح؛ فأي رأسمالي يرغب في استثمار أمواله سوف ينظر أولًا إلى ربحه المحتمل، وهو لن يُقدِم على الاستثمار في فرعٍ إنتاجي معين، إلا إذا كان هذا الفرع الإنتاجي يحقق معدَّلاتِ ربحٍ متساوية مع باقي فروع الإنتاج، فكيف يحدد ماركس معدَّلات الأرباح التي تحكم قرارات الرأسمالي؟ يتعين علينا قبل الإجابة عن هذا السؤال أن نوضح أن تحليل ماركس، بصدد التوازن بين القطاعات، وصولًا إلى ثمن الإنتاج، هو تحليل: أولًا: ساكن. ثانيًا: مجرد من تأثير عنصر الزمن. ثالثًا: يفترض ثبات كلٍّ من: «أ» قيمة وكمية النقود. «ب» الكمية المطلوبة من السلع. «ﺟ» كمية/كتلة الربح الممكن توزيعه على الرأسماليين؛ فلو افترضنا أن:
  • مجموع الرساميل الموظَّفة في حقل الإنتاج = ٥٠٠ وحدة؛

  • وأن عدد المشروعات = ٥ مشروعات؛ رأسمال كل مشروع = ١٠٠ وحدة؛

  • وأن «كمية/كتلة» النقود التي تُوزَّع كأرباح = ١١٠ وحدة.

فإن نصيب كل مشروع من الربح سيكون ٢٢ وحدة، ومعنى ذلك أن أي مشروعٍ جديد يدخل السوق سوف يشارك المشروعات الخمسة القائمة في كمية الربح المحددة سلفًا، وهي ١١٠ وحدة، فإذا افترضنا أن خمسة مشروعاتٍ جديدة دخلت السوق فسوف يكون نصيب كل مشروعٍ من المشروعات اﻟ ١٠ مقداره ١١ وحدة فقط من هذه الكمية/الكتلة المحددة من الربح، وذلك مرتبط بشرطٍ واحد هو أن تكون كمية الطلب الفعلي محددة؛ فمهما زادت الكمية المعروضة بدخول مشروعاتٍ جديدة، فلن يزيد المجتمع استهلاكه من هذه السلعة؛ ومن ثَم سوف تتنافس المشروعات اﻟ ١٠ على تلبية كميةٍ محددة سلفًا من السلع من جهة، وعلى اقتسام كمية الأرباح المحددة أيضًا سلفًا، من جهةٍ أخرى؛ وعليه، سينشغل ماركس بتحديد معدَّلات الأرباح الوسطية ابتداءً من أربع فرضيات كالآتي؛ أولًا: أن السلع تُباع بقيمتها، وهذه الفرضية من أهم فرضيات ماركس ولا يمكن فهم الجهاز الفكري لماركس بمعزل عن هذه الفرضية المركزية. ثانيًا: أن معدَّل القيمة الزائدة ١٠٠٪. ثالثًا: أن المجتمع مغلق؛ أي لا يدخل في علاقات تبادل مع بقية أجزاء الاقتصاد الرأسمالي العالمي. رابعًا: سيادة المنافسة الكاملة في مجتمع يسعى فيه الرأسماليون إلى تحقيق أقصى ربحٍ ممكن بأقل نفقةٍ ممكنة؛ وعليه، يتحدد معدَّل الربح الوسطي في قطاع إنتاجٍ معين يضم خمسة مصانع تستخدم تراكيبَ مختلفة من الرأسمال الثابت والمتغير وفقًا للجدول التالي:١٦
جدول ٣-٢
الرأسمال الثابت الجزء المستهلك من الرأسمال الثابت الرأسمال المتغير القيمة الزائدة قيمة السلعة ثمن التكلفة معدَّل الربح الوسطي ثمن الإنتاج انحراف الثمن عن القيمة
٨٠ ٥٠ ٢٠ ٢٠ ٩٠ ٧٠ ٢٢ ٩٢ + ٢
٧٠ ٥١ ٣٠ ٣٠ ١١١ ٨١ ٢٢ ١٠٣ − ٨
٦٠ ٥١ ٤٠ ٤٠ ١٣١ ٩١ ٢٢ ١١٣ − ١٨
٨٥ ٤٠ ١٥ ١٥ ٧٠ ٥٥ ٢٢ ٧٧ + ٧
٩٥ ١٠ ٥ ٥ ٢٠ ١٥ ٢٢ ٣٧ + ١٧
ويتضح من الجدول ٣-٢ أن:
  • مجموع القيمة الزائدة = ٢٠ + ٣٠ + ٤٠ + ١٥ + ٥ = ١١٠ وحدة.

  • مجموع الرساميل = ١٠٠ + ١٠٠ + ١٠٠ + ١٠٠ + ١٠٠ = ٥٠٠ وحدة.

  • معدَّل الربح = القيمة الزائدة ÷ الرأسمال الكلي.

  • معدَّل القيمة الزائدة = القيمة الزائدة ÷ الرأسمال المتغير.

  • معدَّل الربح الوسطي = مجموع القيمة الزائدة (١١٠) ÷ مجموع الرساميل (٥٠٠) × ١٠٠ = ٢٢٪.

  • التركيب المتوسط للرأسمال = ٧٨ + ٢٢ وحدة، الذي هو «حاصل قسمة الرساميل الثابتة، ومجموعها ٣٩٠ وحدة ÷ عدد المشروعات» + «حاصل قسمة الرساميل المتغيرة، ومجموعها ١١٠ وحدة ÷ عدد المشروعات».

  • سوف تقوم المشروعات المختلفة (وفقًا لقوى السوق، اليد الخفية عند آدم سميث) بإدخال التعديلات النسبية في التركيب العضوي للرساميل؛ حتى تتلاءم مع التركيب المتوسط للرأسمال على الصعيد الاجتماعي، وكذلك مع الربح الوسطي.

  • ثمن التكلفة = الجزء المستهلك من الرأسمال الثابت + الرأسمال المتغير.

  • قيمة السلعة = الجزء المستهلك من الرأسمال الثابت + الرأسمال المتغير + القيمة الزائدة.

  • أما ثمن الإنتاج فيتكون من: ثمن التكلفة + معدَّل الربح الوسطي.

وعلى الرغم من أن كل رأسمالي (منفرد)، طبقًا للجدول ٣-٢، يحصل من عماله على قيمةٍ زائدة مقدارها ١٠٠٪ إلا أن حساب ثمن الإنتاج، وفقًا لما انتهى إليه ماركس، لا يعتمد على القيمة الزائدة التي حققها الرأسمالي في مصنعه هو، إنما يعتمد في المقام الأول، والأخير، على مجموع القيم الزائدة المنتَجة في جميع المصانع؛ أي يعتمد على كتلة الربح الإجمالية على الصعيد الاجتماعي. يجب هنا الوعي بإن الرأسمال، طبقًا لتصور ماركس، ينسحب من القطاع ذي معدَّل الربح الأدنى ويتدفق إلى القطاع الذي يدر معدَّل ربح أعلى. ومن خلال هذا المد والجزر، أو الهجرة والعودة للرساميل؛ بعبارةٍ أخرى من خلال تزاحم هذه الرساميل وتوزعها على مختلف قطاعات الإنتاج وفقًا لتدني معدَّل الربح هنا، وارتفاعه هناك، يخلق الرأسمال تناسبًا بين الطلب والعرض يجعل الربح الوسطي واحدًا في مختلف قطاعات الإنتاج فتتحول القيم على هذا النحو إلى أثمان إنتاج. مع الوعي بأن:

«الرأسمال ينجح في بلوغ هذه المساواة بصورةٍ أكمل بمقدارِ ما تكون الأوضاع في البلد المَعنيِّ مُتكيِّفةً أكثر للأسلوب الرأسمالي للإنتاج؛ فمع تقدُّم الإنتاج الرأسمالي تتطور شروطه، وتخضع سائر المقدمات الاجتماعية التي تتحقَّق في ظلها عملية الإنتاج لطابعه المُميَّز والقوانين الملازمة له» («رأس المال»، الكتاب الثالث، القسم الثاني، الفصل العاشر).

يجب أن نلاحظ هنا:
  • (١)
    أن القيمة الزائدة المتوسطة، والتي سوف يُضطر الرأسمالي إلى قبولها عندما يُجبَر على تركيب رأسماله وفقًا للمتوسط الحسابي المعطى، والتي هي نتيجة قسمة القيم الزائدة للمصانع المنفردة على مجموع الرساميل في فرع الإنتاج على الصعيد الاجتماعي، تظهر وكأنها هبطت على ثمن التكلفة من السماء.١٧ ولم تكن كمية عمل متجسدًا فعلًا في المنتوج، وهو ما يخالف قانون القيمة الذي يقضي بكون القيمة هي كمية عمل (حي ومختَزن وزائد) متجسدٍ في المنتوج ذاته.
  • (٢)

    إن ما انتهى إليه ماركس من توقُّف التركيب المتوسط للرأسمال على المتوسط الحسابي لكلٍّ من الرأسمال الثابت والرأسمال المتغير يتصادم مع الواقع وبالتالي لا يمكن الاعتداد به علميًّا؛ لأن التركيب العضوي للرأسمال في المصنع يعتمد في المقام الأول على الفن الإنتاجي السائد على الصعيد الاجتماعي، لا على المتوسطات الحسابية.

  • (٣)

    وحتى إذا سلمنا جدلًا بصحة منطق ماركس، فلن يمكننا التسليم بأن المشروعات سوف تعدل توليفاتها إلى «٧٨ث + ٢٢م»، لمخالفة ذلك لقانون القيمة الذي يقضي بهيمنة توليفة الفن الإنتاجي السائد؛ وبالتالي فلن تعدل المشروعات المتنافسة توليفتها إلى «٧٨ث + ٢٢م»، كما ذهب ماركس، إنما سوف تعدلها إلى «١٠ث + ٥م» لأن الأخيرة هي التوليفة التي يفرضها قانون القيمة.

  • (٤)
    وبالترتيب على ما سبق؛ لا يمكن اعتبار ثمن الإنتاج، بمفهوم ماركس، المعتمد على المتوسطات الحسابية، إلا أحد مستويات ثمن السوق.١٨ ثمن من أثمان السلعة عَبْر حركة التأرجحات حول القيمة الاجتماعية التي تمثل مركز الجذب لأثمان السوق.

ماركس إذن، على هذا النحو، يبدأ من القيمة وينتهي إلى نظرية في ثمن السوق، مستندة إلى قانون القيمة، وعلى ما يبدو أنه وقع في ذلك تحت تأثير فكرة المتوسط عند ريكاردو والتي كانت تتردد بشكلٍ واضح في «المبادئ».

٨

على كل حال، فابتداءً من نظريته على هذا النحو في ثمن الإنتاج، سوف يستكمل ماركس فكرته بصدد تحديد الربح الوسطي حينما يدخل في التحليل رأسمال التاجر؛ فالقانون العام هو أن الرساميل الناشطة في عملية التداول بصورةٍ مستقلة، لا بد من أن تدر متوسط ربحٍ سنوي كما الرساميل الناشطة في مختلف فروع الإنتاج، فإذا ما درَّ رأسمال تاجر متوسطَ ربحٍ أعلى من رأسمال صناعي، فإن جزءًا من الرأسمال الصناعي يتحول إلى رأسمال تاجر. وإذا درَّ رأسمال التاجر متوسط ربح أدنى فإن جزءًا من رأسمال التاجر يتحول إلى رأسمال صناعي؛ وبناءً عليه؛ فإن التاجر يتلقى السلعة من المنتِج محملة بالقيمة الزائدة، وما عليه إلا أن يحقق، لا يخلق، الجزء الذي يكون ربحه من هذه القيمة الزائدة.

فلو افترضنا أن الرأسمال الصناعي = ١٠٠ وحدة، والقيمة الزائدة = ٢٠ وحدة، وافترضنا أن هناك تاجرَين رأسمال كلٍّ منهما = ٥٠ وحدة، فسوف يتلقى التاجران السلعة محملة ﺑ ١٠ وحدات كربح، لكل تاجرٍ منهما ٥ وحدات.١٩ وما عليهما إلا أن يحققا هذا الربح فعلًا من خلال تكاليف التداول؛ فكل ما ينفقه التاجر على الأدوات التي يستخدمها أو العمال لا يُعد رأسمالًا، من أي نوع؛ لأنه لا يزيد في قيمة السلعة٢٠ إنما هو محض تكاليف تداول يجب إنفاقها لتحقيق، لا لخلق، الربح المحدد سلفًا في حقل الإنتاج. وعلى هذا النحو لم يحدث أي تغيير في تكوين ثمن الإنتاج؛ فثمن إنتاج السلعة عند ماركس يساوي تكاليف إنتاج السلعة + الربح المتوسط، إلا أن هذا الربح المتوسط لم يعُد يُحسَب على أساس الرأسمال الإنتاجي الكلي، إنما صار يُحسَب بعد دخول الرأسمال التجاري على أساس الرأسمال الإنتاجي الكلي + الرأسمال التجاري.٢١

٩

دعونا الآن، بعدما تعرفنا إلى منهجية ماركس في تحليل الأداء اليومي للمشروع الرأسمالي، نرجع إلى «المثال الطريف»؛ فوفقًا لما انتهى إليه ماركس، على نحوِ ما ذكرنا أعلاه، سيكون على المحاسب الذي استأجره أصدقاؤنا الثلاثة، صاحب القوالب الخشبية وصاحب النبيذ وصاحب الفخار، أن يقوم بحساب ثمن إنتاج سلعة كل واحد من عملائه، على أساس من العمل الحي الضروري + العمل المختزن في المباني والآلات والمواد + معدَّل الربح الوسطي، الذي هو في جوهره متوسط العمل الزائد في الفرع، ولكن كيف حسب المحاسب قيمة الرأسمال الهاجع خلال فترة الجفاف والتعتيق والتجفيف؟ صديقنا المحاسب يمسك ﺑ رأس مال ماركس ويتلو:

«أما بالنسبة لوسائل العمل، فإن عدم استعمالها يؤدي أيضًا إلى فقدان مقدارٍ مُعيَّن من قيمتها. وهكذا فإن ثمن المنتوج يرتفع بوجهٍ عام؛ لأن انتقال القيمة إلى المنتوج لا يحتسب طبقًا للزمن الذي يؤدي الرأسمال الأساسي خلاله وظائفه، بل وفقًا للزمن الذي يفقد خلاله قيمته» («رأس المال»، الكتاب الثاني، الفصل الثالث عشر).

فإذ ما قام المحاسب بحساب ثمن الإنتاج، آخذًا في اعتباره زمن الإنتاج؛ أي قام بحساب قيمة العمل الحي + قيمة العمل المختزن + معدَّل الربح الوَسَطي، ثم قارن المدة التي يهجع فيها الرأسمال دون أن يُدِر الربح المرتقب بفارغ الصبر، ووجد أن حساباته تلك لن تحقق لسلعة عميله قيمة مبادلة متكافئة، فلن يكون أمامه إلا أن ينصح عميله هذا بمغادرة الفرع، والاتجاه إلى الفرع الذي يحقق نفس معدَّل الربح في أقصر فترة دوران. وفي مَثَلنا سنجد أن أقصر فترة دوران هي الموجودة في فرع إنتاج الفخار؛ وبالتالي يفترض الأمر قيام صاحب قوالب الأحذية وصاحب النبيذ بمغادرة فرعَيهما والاتجاه صوب فرع الفَخَّار؛ لأن كل واحد منهم ينفق ١٢٠ ساعة من العمل ولكن لا يعود الرأسمال محملًا بالربح، بغض النظر عن زمن التداول، إلا بعد ٢٤٠ يومًا في فرع إنتاج القوالب الخشبية، و١٢٠ يومًا في فرع إنتاج النبيذ، و٦٠ يومًا فقط في فرع إنتاج الفخَّار. وستكون بالتالي النصيحة التي يتقدم بها المحاسب لكلٍّ من صاحب القوالب وصاحب النبيذ هي تسريح عمالهما، والتحول صوب فرع الفخَّار.

ولكن، السؤال الجوهري هو: لماذا لم نزل نرى، وسنظل نرى، القوالب الخشبية والنبيذ، إلى جوار الفخار، في السوق؟ ما هو القانون الموضوعي الذي يحكم استمرارهما؟ وتفترض الإجابة عن هذا السؤال أمرَين لا ثالث لهما:
  • إما أن نُقدِّم إجابةً تبدأ من إهدار قانون القيمة! إجابةً ترى أن صاحب القوالب الخشبية والآخر صاحب النبيذ سوف يضيفان ربحًا إضافيًّا لقاء رأسمالهما المتعطل عن العمل؛ أي يضيف كلٌّ منهما معدَّل ربحٍ وسطي إضافي مكافأة لرأسمالهما! ومن ثم يصبح منظم القيمة هو كمية العمل بالإضافة إلى الرأسمال؛ وبالتالي سوف تُقاس القيمة حينئذٍ بالعمل وعائد الرأسمال؛ أي بالعمل والربح! ليس فقط الربح المعطى كمعدَّل ربحٍ وسطي في الفرع، إنما أيضًا الربح المعطى كمعدَّل ربحٍ سائد اجتماعيًّا! وهو ما يخالف قانون القيمة.

  • وإمَّا أن نُقدِّم إجابةً تبدأ من تحقيق قانون القيمة، إجابة تنطلق من إعادة استخدام الأدوات الفكرية التي يقدمها علم الاقتصاد السياسي على نحوٍ يطور العلم ويستكمله.

الواقع أن ماركس تجاهل المشكلة برمتها، وارتكن إلى أن صديقنا المحاسب سيقوم بحساب قيمة الآلات وهي هاجعة دونما عمل، ويعتبر أن تساوي معدَّلات الربح في القطاعات بإمكانها تصحيح المسألة! ولكن هذا كله غير صحيح؛ لأن المشكلة لم تزل قائمة حتى بعد قيام مُحاسبنا بحساب قيمة الآلات الهاجعة، هذا من جانب. ومن جانب آخر، فإن الاكتفاء بقُدرةٍ تساوي معدَّلات الربح على توجيه المنتجين إلى فروع الإنتاج ابتداءً من إقدام وإحجام الرساميل وفقًا لمعدَّل الربح الوسطي فحسب يفضي إلى حتمية التسليم بأن صاحب القوالب والآخر صاحب النبيذ سوف يتجهان إلى فرع الفخار، وهذا لا، ولم، ولن يحدث. ولْنرَ لِمَ ذلك؟ في البداية، نحن نعلم أن الاقتصاد السياسي، على الأقل وفقًا لمساهمة ريكاردو، انتهى إلى تحديد قيمة السلعة بكمية العمل، الضروري النسبي، المبذول في سبيل إنتاج تلك السلعة، ولا تتوقف تلك القيمة على العمل الحي المنفَق في الإنتاج فقط بل يُؤخذ أيضًا في الاعتبار ذلك العمل الضروري المنفَق في سبيل إنتاج المباني والآلات والمعدات الضرورية لتحقيق العمل؛ أي العمل المختَزن؛ وبالتالي، فإن قيمة المعطف، وكما ذكرنا من قبلُ، الذي أُنفق في سبيل إنتاجه ١٠٠ «س. ح. ض» من الطاقة الحية و٥٠ «س. ح. ض» من الطاقة المختَزنة، تتساوى مع النسيج الذي أُنفق في سبيل إنتاجه ٨٠ «س. ح. ض» من الطاقة الحية و٧٠ «س. ح. ض» من الطاقة المختَزنة. وما إن جاء ماركس، إلا واستكمل مُكوِّنات القيمة، وصرنا نعرف أن قيمة المعطف لا تتكون فحسب من العمل الحي والعمل المختزن، إنما يُضاف إليهما العمل الزائد، في مرحلةٍ أولى من تفكيره («رأس المال»، الكتاب الأول)، وذلك قبل أن ينحرف، في مرحلةٍ ثانية، عن طريقه ويعتد بمتوسط العمل الزائد («رأس المال»، الكتاب الثالث). ولكن، ما انتهى إليه علم الاقتصاد السياسي على هذا النحو، لا، ولن، يسعفنا في سبيل التعرف إلى سبب بقاء أصدقائنا الثلاثة في السوق، دون تحول أحدهما أو كليهما؛ أي صاحب القوالب وصاحب النبيذ، إلى فرع إنتاج الفخار؛ لأن كل واحدٍ من الثلاثة، وكما ذكرنا أعلاه، ينفق ١٢٠ ساعة من العمل (الحي والمختزن والزائد) ولكن لا يعود الرأسمال محملًا بالربح؛ إذ ما تركنا جانبًا زمن التداول، إلا بعد ٢٤٠ يومًا في فرع إنتاج القوالب الخشبية و١٢٠ يومًا في فرع إنتاج النبيذ و٦٠ يومًا فقط في فرع إنتاج الفخار. إن الفرضية التي نتقدم بها هي أن السبب في استمرار الثلاثة في السوق هو: أن القيمة الاجتماعية للسلعة، عَبْر تطورها، لم تعُد تتحدد بكمية الطاقة الضرورية المبذولة في إنتاجها فحسب، إنما صارت تتحدد بكمية الطاقة الحية والمختزنة والزائدة٢٢ (مقوَّمة بالسعر الحراري) مقسومةً على زمن إنتاجها؛ أي تتحدد بقيمتها الاجتماعية ÷ زمن إنتاجها. أما قيمة السلعة النسبية، أو قيمتها الاجتماعية النسبية، فهي تتحدد بقيمتها الاجتماعية مقسومة على زمن إنتاجها، مقارنة بالقيمة الاجتماعية للسلعة الأخرى المتبادل بها مقسومة أيضًا على زمن إنتاجها. والسلع حينما تتقابل على نحوٍ طبيعي إنما تتبادل وفق هذا القانون. وحينما تتأرجح أثمانها في السوق فإنما تتأرجح حول هذه القيمة الاجتماعية.

وحين إعمال هذا القانون نقابل ثلاث فرضيات: إما أن تختلف أزمنة الإنتاج وتتساوى القيم الاجتماعية، أو تختلف القيم الاجتماعية وتتساوى أزمنة الإنتاج، أو تختلف أزمنة الإنتاج وكذلك القيم الاجتماعية. في جميع الأحوال ينطبق قانون القيمة الاجتماعية النسبية؛ أي القيمة الاجتماعية للسلعة مقسومة على زمن إنتاجها.

figure
بناءً عليه، وإذا قمنا، إعمالًا لمذهبنا في قياس القيمة، باستبدال ساعة العمل بكمية الطاقة الضرورية، وافترضنا أن كلًّا من الثلاثة ينفق ١٢٠٠٠ سُعرٍ حراري ضروري (عمل حي + عمل مختزن + عمل زائد)، ولكن لا يعود الرأسمال محملًا بالربح، إلا بعد ٢٤٠ يومًا في فرع إنتاج القوالب الخشبية، و١٢٠ يومًا في فرع إنتاج النبيذ، و٦٠ يومًا فقط في فرع إنتاج الفخار، فإن قيمة وحدة واحدة في فرع إنتاج القوالب الخشبية٢٣ تساوي قيمة نصف وحدة في فرع إنتاج النبيذ. وقيمة وحدة واحدة في فرع إنتاج النبيذ تساوي قيمة نصف وحدة في فرع إنتاج الفخار. وقيمة نصف وحدة في فرع إنتاج الفخار تساوي قيمة ٢ وحدة من النبيذ، و٤ وحدات من القوالب الخشبية.

١٠

وعقب أن أتم ماركس تحليل القيمة، وصولًا إلى ثمن الإنتاج (ثمن التكلفة + معدَّل الربح الوسطي)، كان عليه أن ينتقل إلى دراسة تجديد الإنتاج الاجتماعي. وعلى طريقة كانتيون وكينيه٢٤ يُقسَّم المجتمع، إنما إلى طبقتَين فقط: طبقة الرأسماليين، وطبقة العمال المأجورين. ويُفترَض أن النشاط الاقتصادي يتم من خلال قطاعَين: الأول: يُنتج وسائل الإنتاج، والثاني: يُنتج مواد الاستهلاك. ويُوظِّف كل قطاع كميةً محددة من الرأسمال الثابت والرأسمال المتغير؛ ومن ثم يتم إنتاج كميةٍ معينة من القيمة الزائدة وفقًا لمعدَّلٍ ثابت يفترض ماركس، هنا كما في كل مكان في رأس المال، أن مقداره ١٠٠٪. وحين التوزيع يحصل الرأسماليون في القطاعَين على القيمة الزائدة، ويحصل العمال المأجورون، في القطاعَين كذلك، على الأجور، وهذا ما يمثل تيار التدفُّق النقدي. أما تيار التدفُّق العيني فيتمثل في كتلة من السلع الإنتاجية أنتجها القطاع الأول، وكتلة من السلع الاستهلاكية أنتجها القطاع الثاني. وابتداءً من تلك الافتراضات، يستهلك رأسماليو القطاع الأول «كل القيمة الزائدة»، كما يستهلك العمال المأجورون في القطاع الأول «كل الأجر» في صورة شراء لجزء من مواد الاستهلاك التي أنتجها القطاع الثاني، ولكنَّ الرأسماليين والعمال المأجورين في القطاع الثاني يحتاجون هم أيضًا إلى مواد الاستهلاك التي ينتجونها؛ ومن ثم سوف يستهلك الرأسماليون في هذا القطاع «كل القيمة الزائدة» من أجل شراء جزء من مواد الاستهلاك التي ينتجونها. كما سوف يستهلك العمال المأجورون في القطاع الثاني «كل الأجر» أيضًا من أجل شراء لجزء من مواد الاستهلاك التي ينتجونها؛ ولأن القطاع الثاني يحتاج إلى وسائل الإنتاج التي ينتجها القطاع الأول فسوف يستهلك رأسماليو القطاع الثاني (الذين تلَقَّوا توًّا تدفقًا نقديًّا من رأسماليي وعمال القطاع الأول) في صورة شراء لجزءٍ من تلك المواد التي يُنتجها رأسماليو القطاع الأول. وبالمثل؛ لأن القطاع الأول يحتاج إلى وسائل الإنتاج التي ينتجها هو، فسوف يستهلك رأسماليو القطاع الأول «الجزء المتبقي تحت تصرفه اجتماعيًّا» في صورة شراء لجزء، في الواقع الجزء الباقي، من تلك الوسائل التي ينتجونها؛ فوفقًا للمخطط التالي:
  • قطاع إنتاج وسائل الإنتاج:

    الرأسمال الإنتاجي: «٤٠٠٠ث + ١٠٠٠م» = ٥٠٠٠.

    وبافتراض أن القيمة الزائدة ١٠٠٪، فإن المنتوج السلعي = ٦٠٠٠ في هيئة وسائل إنتاج.

  • قطاع إنتاج مواد الاستهلاك:

    الرأسمال الإنتاجي: «٢٠٠٠ث + ٥٠٠م» = ٢٥٠٠.

    وبافتراض أن القيمة الزائدة ١٠٠٪، فإن المنتوج السلعي = ٣٠٠٠ في هيئة مواد استهلاك.

  • سوف يستهلك رأسماليو القطاع الأول «١٠٠٠ق ز»، كما سوف يستهلك العمال المأجورون في القطاع الأول «١٠٠٠م» في صورة جزء من مواد الاستهلاك التي أنتجها القطاع الثاني.

  • ولكن الرأسماليِّين والعمال المأجورين في القطاع الثاني يحتاجون أيضًا إلى مواد الاستهلاك التي ينتجونها ومن ثَمَّ سوف يستهلك رأسماليو هذا القطاع «٥٠٠ق ز»، كما سوف يستهلك العمال المأجورون في القطاع نفسه «٥٠٠م» من أجل شراء جزء من مواد الاستهلاك التي ينتجونها.

  • ولأن القطاع الثاني يحتاج إلى وسائل الإنتاج التي ينتجها القطاع الأول فسوف يستهلك رأسماليو القطاع الثاني «٢٠٠٠ث» في صورة شراء لجزءٍ من تلك الوسائل التي ينتجها رأسماليو القطاع الأول.

  • ولأن القطاع الأول يحتاج إلى وسائل الإنتاج التي ينتجها، فسوف يستهلك رأسماليو القطاع الأول «٤٠٠٠ث» في صورة شراء لجزء، في الواقع الجزء الباقي، من تلك المواد التي ينتجونها. وعلى هذا النحو يتم تجديد الإنتاج البسيط.

وابتداءً من تركيم جزءٍ من القيمة الزائدة بعدم استهلاكها كليًّا من قبل رأسماليَّي القطاعَين، واستخدام أحد أجزائها كرأسمال، وليكن نصف القيمة في القطاع (I) كما يفترض ماركس، يتم تجديد الإنتاج الاجتماعي على نطاقٍ متسع.٢٥ ويُقدِّم ماركس في هذا الصدد مخطَّطَين توضيحيَّين يتم فيهما إضافة عمالةٍ جديدة ووسائل إنتاجٍ جديدة:
  • المخطط الأول:

    القطاع (I) «٤٠٠٠ث + ١٠٠٠م + ١٠٠٠ق ز» = ٦٠٠٠ في هيئة وسائل إنتاج.
    القطاع (II) «١٥٠٠ث + ٧٥٠م + ٧٥٠ق ز» = ٣٠٠٠ في هيئة مواد استهلاك.
  • المخطط الثاني:

    القطاع (I) «٥٠٠٠ث + ١٠٠٠م + ١٠٠٠ق ز» = ٧٠٠٠ في هيئة وسائل إنتاج.
    القطاع (II) «١٤٣٠ث + ٢٨٥م + ٢٨٥ق ز» = ٢٠٠٠ في هيئة مواد استهلاك.

١١

وفي إطار انشغاله بتحليل نمط الإنتاج الرأسمالي، يقرر ماركس أن الرأسماليين الذين يكثرون من استخدام القسم الثابت من الرأسمال على حساب القسم المتغير (مع افتراض ثبات معدَّل القيمة الزائدة) سوف يتعرضون للإفلاس! لأن القيمة الزائدة التي يتحصلون عليها إنما هي نتيجة الاعتصار من الرأسمال المتغير وليس من الرأسمال الثابت؛ فالآلات والمواد، وكما ذكرنا، لا تغير من قيمتها أثناء عملية الإنتاج، والرأسمال المتغير؛ أي قوة العمل، هو فقط الذي بإمكانه خلق قيمةٍ زائدة، وهي التي يستحوذ عليها الرأسمالي. مع تطور التقنية؛ لن يصبح التوسع في استخدام الرأسمال الثابت ومن ثم إحلال الآلة محل العمل، أمرًا اختياريًّا؛ بل سيكون حتميًّا، وحينئذٍ سيحدث التدهور المستمر في معدَّلات الأرباح، لأن الرأسمالي لا يستطيع أن يعتصر قيمةً زائدة من الآلة التي لا تعطي المنتوج أكبر، ولا أقل، من قيمتها.

ليس بالضرورة إذن أن تؤدي الزيادة في الرساميل إلى الزيادة في معدَّلات الأرباح «ح»، بل على العكس قد تؤدي هذه الزيادة (في الرأسمال ذي القيمة الثابتة) إلى الانخفاض في هذه المعدَّلات، وذلك على النحو التالي:

figure
فمع إدخال الماكينات، التي هي الشكل المادي لوجود الرأسمال، يبدأ العامل في الصراع ضد وسيلة العمل ذاتها؛ فما إن ظهرت وسيلة العمل بشكل الماكينة حتى أصبحت مزاحمة للعامل نفسه؛٢٦ فعدد العمال الضروريِّين لإنتاج نفس الكمية من السلعة يتناقص أكثر فأكثر بفضل تطوُّر التقنية، وهو ما يُؤدِّي إلى نمو عدد العمال الزائدين عن الحاجة بسرعةٍ أكبر من نمو الرأسمال نفسه، ولكن ماركس يوضح أن لقانون ميل معدَّل الأرباح للانخفاض عواملَ قد تُعطِّله، ومن هذه العوامل: رفع درجة استغلال العمل بإطالة يوم العمل وزيادة شدته، وتخفيض الأجور، وترخيص مُكوِّنات الرأسمال الثابت، ومن هذه العوامل أيضًا التجارة الخارجية. وماركس لا يُناقِش التجارة الخارجية بشكلٍ مستقل، عكس ما فعل أسلافه، هو فحسبُ يشير إليها ابتداءً من كونها من العوامل التي تكبح ميل معدَّل الربح للانخفاض.

١٢

وفي التجارة الخارجية، ستجد نظرية ريكاردو، لدى ماركس، التبرير المُستنِد إلى قانون القيمة؛ فلقد رأينا أن ريكاردو شيَّد نظريته في انعدام التكافؤ في التبادل الدولي على افتراض أن عمل ١٠٠ إنجليزي يمكن أن يُبادَل بعمل ٨٠ برتغاليًّا أو ٦٠ روسيًّا أو ١٢٠ هنديًّا، بسبب الصعوبة التي تواجه تحرك الرأسمال بين بلد وآخر؛ ولذلك حاول ماركس، ابتداءً من قانون القيمة، تعميق التبرير لهذا الافتراض الريكاردي، مستندًا إلى أن رساميل البلدان الأكثر تطورًا والموظَّفة في التجارة الخارجية يمكن أن تُدرَّ معدَّلات ربح أعلى لأنها تتنافس مع سلع تنتجها بلدانٌ أخرى أقل تطورًا، وفي ظروفٍ أدنى ملائمة؛ فالأُولى تنتج سلعتها بقيمةٍ أقل من الثانية؛ وبالتالي يمكنها أن تطرح سلعتها في السوق الدولية بقيمةٍ أعلى من قيمتها داخليًّا وأقل من قيمتها لدى البلدان الأقل تطورًا؛ وبالتالي تجني معدَّلات ربح أعلى نسبيًّا (ربح فرقي). ويُدلِّل ماركس على ذلك بمن يستخدم اختراعًا جديدًا قبل انتشاره في فرع الإنتاج؛ فهو يبيع بقيمةٍ أقل من جميع منافسيه، وفي الوقت نفسه يبيع بما هو أعلى من القيمة الفردية لسلعته. وينتهي ماركس على هذا النحو إلى أن:

«البلد ذو الوضع الملائم يأخذ في التبادل عملًا أكثر لقاء عملٍ أقل» («رأس المال»، الكتاب الثالث، الفصل الرابع عشر).

أي إن البلد الذي يتفوق من ناحية الإنتاجية يحقق معدَّل ربح مرتفع نسبيًّا؛ فلو افترضنا أن السلعة «س» تُنتَج في بلدَين ﺑ ٥٠٠ ساعة عمل في كل بلد، وتمكن البلد الأكثر تقدمًا، بفضل تطور الإنتاجية لديه، من إنتاج السلعة ﺑ ١٠٠ ساعة عمل فحسبُ، فهو يستطيع، والأمر كذلك، أن يبيع سلعته بما يفوق قيمتها الفردية، إذ يبيعها ﺑ ٢٠٠ وحدة مثلًا، وفي الوقت نفسه يكون هذا البيع بأقل من القيمة الاجتماعية التي هي ٥٠٠ وحدة. وتدليل ماركس على إمكانية عدم التكافؤ في التبادل، على هذا النحو، لا يخرج عن إطار أحد تطبيقات قانون القيمة، والذي بمقتضاه يستطيع الرأسمالي، بفضل استخدام تقنيةٍ جديدة، أن يبيع سلعته بأكبر من القيمة الفردية وبأقل من القيمة الاجتماعية،٢٧ وذلك على نحوٍ مؤقت؛ إذ سرْعان ما ينتشر الفن الإنتاجي الجديد كي يصبح هو الفن الإنتاجي السائد اجتماعيًّا، وحينئذٍ تتساوى القيمة الاجتماعية للمنتَج، ولكن، ونحن نأخذ في اعتبارنا طرح ماركس، الذي ربما يُعد السبيل الأكثر أهمية أمام الأجزاء المتقدمة لجني الربح على الصعيد العالمي، يجب أن نلاحظ ثلاثة أمور، تتعلق بالتجارة الخارجية بوجهٍ عام:
  • (١)
    «ترتفع أثمان السلع في الأجزاء المتقدمة، وتنخفض في الأجزاء المتخلفة»؛ لأن أوروبا حينما غزت قارات العالم الحديث واستعمرتها، وأبادت شعوبها، واستولت على ثرواتها من الذهب والفضة، ضخَّت داخل حدودها نقودًا، ذهبًا وفضة،٢٨ أدت كثرتها إلى انخفاض قيمة المعدن النفيس مع ارتفاع أثمان منتجاتها؛ أي الارتفاع في التعبير النقدي عن القيمة؛ الارتفاع المتزايد في الأثمان، فلم تصبح الوحدة الواحدة من السلعة «س» يُعبَّر عنها مثلًا ﺑ ٥ وحدات من الذهب، بل صار يُعبَّر عنها ﺑ ٧ وحدات، ثم ﺑ ٢٥ وحدة، ثم ﺑ ٥٠ وحدة … إلخ، وهكذا أخذت أثمان المنتجات في الارتفاع المتواصل.

    وظل المعدن النفيس — على كثرته وتدفقه بلا انقطاع تقريبًا — يتم تداوله داخل القارة الأوروبية، حتى خرج منها إلى الولايات المتحدة مع الحرب العالمية الثانية، ثم قام الدولار الأمريكي المنتصر بلعب نفس الدور الذي كان يؤديه المعدن النفيس.

    وما حدث داخل بلدان القارة الأوروبية حدث عكسه داخل أمريكا اللاتينية وأفريقيا؛ فقد خرج منهما المعدن النفيس ولم يعُد يُعبِّر عن منتجاتهما، الأوليَّة في مجملها، إلا من خلال وحداتٍ معدودة من الذهب كتعبيرٍ نقدي عن القيمة؛ فلم تصبح الوحدة الواحدة من السلعة «س» يُعبَّر عنها ﺑ ١٠ وحدات من الذهب، إنما صار يُعبَّر عنها ﺑ ٨ وحدات، ثم ﺑ ٥ وحدات، ثم ﺑ ٣ وحدات … إلخ.

    فلنفترض الآن، أن ١٠٠٠ سُعرٍ حراري في مصر يُعبَّر عنها ﺑ ١٠٠ جرام من الذهب، أو ﺑ ١٠٠ متر من النسيج، أو ﺑ ١٠٠ زوج من الأحذية. وفي فرنسا، وبفعل الأثر التاريخي لتدفق المعدن النفيس، أصبح يعبَّر عن اﻟ ١٠٠٠ سُعرٍ حراري ﺑ ١٠٠٠ جرام من الذهب، أو ﺑ ١٠٠ متر من النسيج، أو ﺑ ١٠٠ زوج من الأحذية؛ فوفقًا لأحد تطبيقات قانون القيمة، والذي يقضي بالاعتداد بالفن الإنتاجي السائد، سوف تصبح القيمة التبادلية للسُّعر الحراري في فرنسا، وفي مصر أيضًا، هي ١ جرام من الذهب؛ وذلك لأن فرنسا، وفقًا للفن الإنتاجي المهيمن تنتج أكبر كمية منه (١٠٠٠ جرام) بنفس القيمة (١٠٠٠ سُعر)، وهو ما سوف ينعكس على قيم مبادلة النسيج والأحذية في مصر؛ فلن يُبادَل المتر من النسيج بجرام من الذهب، كما كان في السابق؛ أي قبل هيمنة الفن الإنتاجي الجديد، إنما سوف يُبادَل ﺑ ١٠ جرامات من الذهب، وكذلك الأحذية؛ فلم تعُدِ القيمة التبادلية لزوج من الأحذية هي ١ جرام من الذهب، بل ستصبح ١٠ جرامات. ولو أرادت مصر استيراد ١٠٠ متر من النسيج من فرنسا، فعليها أن تحول لها ١٠٠٠ جرام من الذهب. تمامًا كما لو أراد شخصٌ في مصر الحصول على النسيج المنتَج في مصر؛ فعلى هذا الشخص أن يعطي لمنتج النسيج ١٠٠٠ جرام من الذهب في مقابل الحصول على ١٠٠ متر من النسيج. والتبادُل على هذا النحو، طبقًا لقانون القيمة، سيكون متكافئًا.

    ولو أرادت فرنسا الحصول على الأحذية المصرية فعليها أن تُحوِّل لها ١٠٠٠ جرام من الذهب، تمامًا كما لو أراد شخص في فرنسا الحصول على الأحذية المنتجة في فرنسا، فعلى هذا الشخص أن يعطي لمنتج الأحذية ١٠٠٠ جرام من الذهب في مقابل ١٠٠ زوج من الأحذية.

    والتبادل هنا أيضًا، طبقًا لقانون القيمة، لا شك سيكون كذلك متكافئًا. أما لو أبقت مصر، تبعًا لسياسةٍ اقتصاديةٍ ما، على النسب الداخلية للتبادل؛ معطِّلة (جزئيًّا) لعمل قانون القيمة؛ فسوف تكون النتيجة كالآتي:
    • في مصر: ١ متر من النسيج = ١ جرام من الذهب.

    • في فرنسا: ١ متر من النسيج = ١٠ جرامات من الذهب.

    وهذه النتيجة تعني أن مصر متفوقة على فرنسا؛ وبالتالي سوف يكتسح نسيجها السوق الدولية. وليس أمام فرنسا إلا أن ترفع إنتاجيتها، بحيث تنتج ﺑ ١٠٠٠ سعر حراري ٢٠٠٠ متر من النسيج، وحينئذٍ سوف تصبح قيمة مبادلة المتر الواحد من النسيج ٠٫٥ جرامًا من الذهب، متفوقة على ثمن متر النسيج المصري ﺑ ٠٫٥ جرامًا. وهي على هذا النحو تستطيع أن تجني أرباحًا إضافية، قدرها مثلًا ٠٫٤ جرامًا، إذا باعت نسيجها بأعلى من ثمنه لديها وبأعلى من ثمن النسيج المصري؛ أي إذا باعت نسيجها ﺑ ٠٫٩ جرام من الذهب. وكل ذلك ليس إلا محض تطبيق لقانون القيمة.

    وما إن تنتقل طريقة الإنتاج الجديدة إلى مصر، حتى تتفوق تارةً أخرى؛ لأنها سوف تنتج ٢٠٠٠ متر من النسيج ﺑ ١٠٠٠ سُعرٍ حراري، ولكن متر النسيج لن يباع ﺑ ٠٫٥ جرام من الذهب بل ﺑ ٠٫٠٥ جرام منه فقط، وعلى فرنسا المضي قدمًا في سبيل الحصول، ودومًا، على الجديد في حقل التقنية كي ترفع من إنتاجية العامل الفرنسي لتتمكَّن من تجاوز انخفاض الأثمان في مصر.

    بقي أن نناقش المسألة الأكثر تضليلًا، والتي تتبلور في السؤال الآتي: كيف يتم التبادل بين مصر وفرنسا في إطار إبقاء كل بلدٍ منهما على النِّسَب الداخلية للتبادل مع التعطيل (الكلي) لقانون القيمة؟ أي إن مصر تَحول دون انتقال الفن الإنتاجي، أو تُبقي، حتى مع انتقال الفن الإنتاجي، على المستوى المنخفض في الأثمان، أو تخفض هي قيمة عملتها … إلخ، وهي أمور تتم تقريبًا بشكلٍ معتاد على مستوى السياسات الاقتصادية للدول. إن أول ما يجب أن ننتبه إليه جيدًا في طرح السؤال؛ وبالتالي حين الإجابة عنه، أن المناقشة الآن قد انتقلت من حقل القيمة إلى حقل الثمن، تحديدًا الثمن العالمي؛ فلو افترضنا أن فرنسا تريد الحصول على النسيج المصري، فعليها أن تحول إلى مصر ١٠٠ جرام من الذهب كي تحصل على ١٠٠ متر من النسيج. ولكن ١٠٠ جرام من الذهب في فرنسا تساوي ١٠٠ سُعرٍ حراري؛ أي إن فرنسا تلقت قيمةً أكبر في التبادل الدولي! لأنها أخذت سلعة بُذل في سبيل إنتاجها ١٠٠٠ سُعرٍ حراري وأعطت ١٠٠ سُعرٍ حراري. ولو افترضنا أن مصر تريد الحصول على الأحذية الفرنسية، فعليها أن تحول إلى فرنسا ١٠٠٠ جرام من الذهب كي تحصل على ١٠٠ زوج من الأحذية، ولكن ١٠٠٠ جرام من الذهب في مصر تساوي ١٠٠٠٠ سُعرٍ حراري؛ أي إن مصر تلقَّت قيمةً أقل في التبادل الدولي! لأنها أَخذَت سلعة بُذل في سبيل إنتاجها ١٠٠٠ سُعرٍ حراري وأعطت ١٠٠٠٠ سُعرٍ حراري. ومن البيِّن أن التبادُلَين، بشرط التعطيل الكلي لقانون القيمة وتطبيقاته، غير متكافئَين! هنا تم ابتكار نظرية «التبادل غير المتكافئ»٢٩ كنظرية في ثمن السوق. وتكمن أبرز مشكلات هذه النظرية في الآتي:
    • أولًا: أنها تقدم نفسها على أساسٍ من كونها نظرية في القيمة على الصعيد العالمي، وهي في الواقع نظرية في ثمن السوق الدولية، مبنية على افتراض التعطيل الكلي لقانون القيمة. وحينما تَكتَشِف النظرية، بعد تعطيل قانون القيمة، أنها لا تُقدِّم جديدًا، تُصرِّح بأن التبادل الدولي لا يخضع لأي نظريةٍ اقتصادية!٣٠ وهي في الواقع أيضًا محقة لأن نظرية الأثمان قائمة فعلًا على أن كل شيء متوقف على كل شيء!
    • ثانيًا: تتجاهل النظرية أن تأرجُحات ثمن السوق، حول القيمة الاجتماعية، تقتضي بطبيعتها التبادل غير المتكافئ؛ وبالتالي يبرز التبادل غير المتكافئ كاحتمالية، ممكنة دائمًا، حتى بين الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالي العالمي.
    • ثالثًا: تتجاهل النظرية أيضًا حقيقة أن السلعة الواحدة في البلد الواحد يمكن أن يكون لها أكثر من ثمن، يمكن أن يكون لها أكثر من قيمةٍ تبادلية، ولكن لا يمكن أن يكون لها سوى قيمةٍ واحدة. ولقد ذكرنا قبل ذلك أن الثمن هو المظهر النقدي للقيمة ولا يُشترط أبدًا أن يأتي مُعبِّرًا عنها بدقة. وربما يكون لعدم انشغال الاقتصاد السياسي بالقيمة نفسها، والخلط بينها وبين القيمة التبادلية، الدور الأكثر أهمية في اهتزاز أُسُس نظرية التبادل غير المتكافئ.
    • رابعًا: لا تنشغل النظرية بإثارة البحث في الظرف التاريخي الذي أدَّى إلى ارتفاع أثمان السلع في الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالي العالمي المعاصر، وانخفاضها في الأجزاء المتخلِّفة. وتنطلق من سطح الظاهرة، دون مناقشتها، متَّخذة منها دليل إدانة على قبح الرأسمالية التي ترفع أثمان منتجاتها من السلع والخدمات أمام المشترين الفقراء من أبناء الجنوب التعساء!
    • خامسًا: تَحول النظرية بحالتها الراهنة — كنظرية في الثمن على الصعيد العالمي، لا تقول لنا سوى أن أثمان السلع الدولية تتأرجح ارتفاعًا وانخفاضًا بما يتضمن ذلك من عدم تكافؤ في التبادل — دون الولوج مباشرة في المشكلة المركزية لدى الأجزاء المتخلِّفة من النظام الرأسمالي الكامنة في تسرُّب القيمة الزائدة صوب الأجزاء المتقدمة، اكتفاءً بالموقف الدعائي ضد الرأسمالية التي تنهب الجنوب من خلال تبادل غير متكافئ!
    • سادسًا: تتخذ النظرية من الأيديولوجية نقطة بدءٍ وانتهاء. وحينما تتصدر الأيديولوجية الطرح يجب أن نتوقع الإعراض عن كل ما هو علمي في سبيل الانتصار الضبابي للمذهب الأجوف.٣١
  • (٢)
    «يحصل الفلاح الأفريقي، في السنة، لقاء مائة يومٍ من العمل الشاقِّ جدًّا على منتجاتٍ مستوردة لا تكاد تعادل قيمتها قيمة عشرين يومًا من العمل العادي يقوم به عاملٌ أوروبي ماهر.» لأن ما ينطبق على العمل الحي والعمل المختزن في وسائل الإنتاج، يصدق بكامل أوصافه على العامل.٣٢ مع اختلاف بسيط، هو أن العمل المختَزن في العامل يُعد محددًا لقيمة ذلك الجزء من الأجر الذي سوف يُخصَّص لإنتاج مثله؛ ولذا يشمل الأجر قيمة وسائل المعيشة التي تضمن للعامل البقاء على قيد الحياة كي يعمل ويعيش كعامل ويُجدِّد إنتاج طبقته؛ ولذا، نجد أن العامل الأوروبي أفضل من الفلاح الأفريقي، لا لأن إنتاجيته أعلى فحسب، إنما أيضًا لأن العامل الأوروبي الذي يحتوي على مجهودٍ إنساني مختزَن: تعليم، وتدريب، وتغذية، وترفيه … إلخ، يمكن التعبير عنه بعدد من السُّعرات الحرارية يفوق عدد السُّعرات الحرارية الذي يُعبِّر عن المجهود الإنساني المختزَن في الفلاح الأفريقي، وهو مطلوب منه أن ينتج مثله بأحد أجزاء الأجر الذي يتلقاه من الرأسمالي؛ وبالتالي ترتفع قيمة السلع المنتَجة في البلدان الأكثر تطورًا، ولكن حين التبادل سوف يجري التساوي بين كميات الطاقة الضرورية الحية والمختزَنة، فإذا كان أجر الفلاح الأفريقي في يوم عمل (وفقًا للمصطلح السائد في علم الاقتصاد السياسي) يتضمن ٣٠ وحدة عن العمل الحي، و١٧٠ وحدة عن العمل المختزن،٣٣ وأجر العامل الأوروبي (في يوم عمل أيضًا) يتضمن ٣٠ وحدة عن العمل الحي، و١٩٧٠ وحدة عن العمل المختَزن؛ فمن الطبيعي: تقاضي الفلاح الأفريقي عُشر أجر العامل الأوروبي، مع ارتفاع قيمة المنتجات الصناعية التي تُصدِّرها أوروبا إلى أفريقيا، وانخفاض قيمة المنتجات الزراعية التي تُصدِّرها أفريقيا إلى أوروبا. وهو الوضع الذي تعمل الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالي على الإبقاء عليه؛ إذ تسعى الأجزاء المتقدمة جاهدة، وبكل الوسائل، على تثبيت نمط تقسيم العمل على الصعيد العالمي، والذي يضمن انسياب منتجات الأجزاء المتخلِّفة، منخفضة القيمة، إلى مصانعها ثم إعادة تصديرها مصنَّعة، بقيمٍ مرتفعة، لنفس الأجزاء المتخلفة.
    لا تعني إذن عملية التبادل (تصدير/استيراد، وبالعكس) بين الأجزاء المتقدمة والأجزاء المتخلفة، أن الفلاح الأفريقي يقوم بعملية مبادلة غير متكافئة حينما يبذل مجهود ١٠ أيام كي يحصل على سلعة أنفق العامل الأوروبي يوم عمل في سبيل إنتاجها، بل على العكس يأتي التبادل متكافئًا ابتداءً من الاعتداد بالعمل الحي والعمل المختزن في كل من الفلاح الأفريقي والعامل الأوروبي. ولنضرب مثلًا: فطبقًا لقانون القيمة، ومن أجل إنتاج معطف في مصر، وآخر في إنجلترا، يتم استخدام كميةٍ معينة من الرأسمال الأساسي «أ» وكميةٍ معينة من الرأسمال الدائر «د»، كما يتم استخدام قوة العمل، كرأسمالٍ متغير «م»، وبالتالي يمكننا تصور المخطط التالي:
    • من أجل إنتاج معطفٍ مصري، بأيدٍ مصرية (اقتصاد رأسمالي متخلِّف)، وبافتراض أن «ق ز» = ١٠٠٪.

      ٤ «أ» + ٢ «د» + ٣ «م» (١ حي + ٢ مختزن) + ٣ «ق ز» = ١٢ [بالسعر الحراري الضروري].

    • من أجل إنتاج معطفٍ إنجليزي، بأيدٍ إنجليزية (اقتصاد رأسمالي متقدم)، وبافتراض أن «ق ز» = ١٠٠٪.

      ٤ «أ» + ٢ «د» + ٩ «م» (١ حي + ٨ مختزن) + ٩ «ق ز» = ٢٤ [بالسعر الحراري الضروري].

    وبغض النظر عن أن الرأسمالي سوف يسارع بالتحرك (برأسماله وبتقنيته) صوب مصر للاستفادة من العمالة الرخيصة، ومع التقيد بجميع شروط الإنتاج الرأسمالي، وحيثُ يُنتَج المعطف في إنجلترا بكمية طاقةٍ ضرورية ضِعف كمية الطاقة الضرورية لصنع المعطف في مصر، فلو افترضنا أن المعطف المصري يُبادَل ﺑ ١٠ جرامات من الفضة؛ فإن المعطف الإنجليزي سيُبادل ﺑ ٢٠ جرامًا منها. ومَردُّ ذلك، وبافتراض تساوي قيمة الرأسمال الثابت في البلدَين، هو اختلاف قيمة الرأسمال المتغير، الأجر، ولكن الأجر، وكما ذكرنا، لا يتضمن ما يؤمن للعامل الحياة فحسب، إنما يتضمن أيضًا قيمة إعادة إنتاجه كطبقة. وما يجعل قيمة إعادة إنتاج العامل الإنجليزي أكبر، ليس ارتفاع إنتاجيته فحسب، أو ارتفاع قيمة ما يؤمن له الحياة فقط، إنما، وربما هذا هو الأكثر حسمًا، ارتفاع قيمة العمل المختزن داخله؛ وبالتالي ارتفاع قيمة تجديد إنتاج الطبقة نفسها.

  • (٣)

    الواقع أن عدم سيطرة الأجزاء المتخلِّفة على شروط تجديد إنتاجها الاجتماعي، وتحكُّم الأجزاء المتقدمة في تلك الشروط، ابتداءً من احتكارها للتقنية المتقدمة هو الذي جعل الأجزاء المتخلِّفة في وضع المضطر دائمًا إلى شراء (مبادلة بالنقود) منتجات الأجزاء المتقدمة؛ كي يمكنها تجديد إنتاجها الاجتماعي؛ فعلى الأجزاء المتخلِّفة، وعلى الرغم من ارتفاع أثمان سلع الأجزاء المتقدمة، أن تستمر، بلا هوادة أو محاولة تراجع، أو حتى تأمُّل، في شراء تلك السلع. هذا الشراء يتم من خلال تسرُّب في القيمة الزائدة التي تُنتَج داخل الأجزاء المتخلِّفة صوب الأجزاء المتقدمة من أجل شراء السلع والخدمات التي تحتكر إنتاجها، مع إنتاجيةٍ مرتفعة، الأجزاء المتقدمة وتعتمد عليها الأجزاء المتخلِّفة في سبيلها لتجديد إنتاجها الاجتماعي؛ ومن ثَمَّ يصبح التسرب في القيمة الزائدة، عبْر تأرجُحات ثمن السوق الدولية، هو السبب في تدفُّق القيمة الزائدة إلى خزائن الرأسماليين في الأجزاء المتقدمة، بدلًا من إعادة ضخها في عروق الاقتصاد المنتِج لها. تسرُّب القيمة يثير بدوره إشكاليات التبعية (مفهومها، وطبيعتها، ومقياسها) وهو ما سوف يقودنا، بعد قليل، لدراسة نموذجَين لظاهرة التسرب في القيمة؛ أولهما: الاقتصاد المصري، وثانيهما: الاقتصادات العربية. وبالتبع سندرس ما يرتبط بهذه الظاهرة من إشكاليات التبعية.

    •••

    والآن، وبعد أن تعرَّفنا إلى مبادئ العلم كما تبلورت عَبْر مساهمات الآباء المؤسسين، وقمنا بتكوين لغةٍ مصطلحية لا بأس بها تساعدنا على التقدم في البحث، فيتعين أن نستكمل أهم الأفكار المتعلقة بالقيمة الزائدة، ودور التغيُّر والثبات في معدَّلها في أداء النظام الرأسمالي؛ فلقد طُرحت إشكاليات القيمة في الباب الأول بمعزل عن الهيكل الاقتصادي، كما جرت المعالجة لقوانين الحركة دون انشغال بتجديد الإنتاج الاجتماعي؛ ولذلك يتعين أن نمضي إلى الأمام كي نتعرف، في خطوةٍ فكرية أولى، إلى طرح القيمة الزائدة في إطار الهيكل الاقتصادي بما يتضمنه من قطاعات، ثم نتعرف، في خطوةٍ فكرية ثانية، إلى الدور الذي يؤديه التغيُّر والثبات في معدَّلها في تشكيل الأرباح ومن ثَمَّ تشكيل النظام الرأسمالي نفسه. على أن نتعرف في خطوةٍ فكرية ثالثة إلى خط سير القيمة الزائدة المنتَجة بصفةٍ خاصة في الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالي العالمي المعاصر متخذين، كما أشرنا، من مصر والعالم العربي نموذجَين.

١  بالإضافة إلى مؤلفه المركزي، «رأس المال»، فقد اعتمدت في سبيل تكوين الوعي بالاقتصاد السياسي عند ماركس، على: S. Bell, “Ricardo and Marx, Journal of Political Economy”, 1907, Vol. 7, pp. 112–17. H. Somerville, “Marx’s Theory of Money”, Economic Journal, 1933, Vol. 43, pp. 334–7. H. Smith, “Marx and the Trade Cycle”, Review of Economic Studies, 1937, Vol. 4, pp. 192–204. J. D. Wilson, A Note on the Trade Cycle, R. E. S, 1938, Vol. 5, pp. 107–13. H. Smith, “Marx and the Trade Cycle: A Reply”, R. E. S, 1938, Vol. 6, pp. 76-7. S. F. Bloom, “Man of His Century: A Reconsideration of the Historical Significance of Karl Marx”, J.P.E, 1943, Vol. 51, pp. 494–505. Maurice Dobb, “Marx on Pre-Capitalist Economic Formation”, Science and Society, 1966, Vol. 30, pp. 319–25. D.C. Hodges, “The Method of Capital”, S & S, 1967, Vol. 31, pp. 505–14. T. Sowell, “Marx’s Capital after One Hundred Years”, Canadian Journal of Economics, 1967, Vol. 33, pp. 50–70. Y. Deguchi, “Logical Relationships between Productive Powers and the Relations of Production”, Kyoto University Economic Review, 1970, Vol. 40, pp. 1–27. I. Steedman, “Marx on the Falling Rate of Profit”, A.E.P, 1971, Vol. 10, pp. 61–6. S. Hollander, “Marxian Economics as “General Equilibrium” Theory”, History of Political Economy, 1981, Vol. 13, pp. 121–55. G. Hodgson, “Marx Without the labour Theory of Value”, Review of Radical Political Economy, 1982, Vol. 14, pp. 59–65. P. Harvey, “Marx’s Theory of the Value of labour: An Assessment”, Social Research, 1983, Vol. 50, pp. 305–44. P. Garegnani, “Value and Distribution in the Classical Economists and Marx”, Oxford Economic Papers, 1985, Vol. 36, pp. 291–325. W. J. Baumol, “Marx and the Iron Law of Wages”, American Economic Review, 1983, Vol. 73, pp. 303–8. D. B. Houston, “Capitalism Without Capitalists: A Comment on “Classes in Marxist Theory”, R.R.P.E, 1983, Vol. 15, pp. 153–6. Schumpeter, “History”. Joan Robinson, “An Essay on Marxian Economics” (London: Macmillan, 1967). “Political Economy and Capitalism”, Collected Works of Maurice Dobb (London: Routledge, 1937). Maurice Dobb, “Theories of Value and Distribution since Adam Smith”, op, cit, pp. 137–65.
٢  «هل كان لماركس معلم؟ نعم؛ فالفهم الحقيقي لاقتصاده يبدأ بأن ندرك أنه كواحد من أصحاب النظريات، كان تلميذًا لريكاردو، لا بمعنى أن حجته تبدأ بشكلٍ واضح من أفكار ريكاردو فحسب، وإنما بالمعنى الأهم بكثير وهو أنه تعلم من ريكاردو فن صوغ النظريات. لقد كان ماركس دائمًا يستخدم أدوات ريكاردو، وكانت كل مشكلةٍ نظرية تعرض نفسها له في صورة الصعاب التي لاقاها خلال دراسته العميقة لريكاردو، وفي صورة ما استشفه من تلك الدراسة من إيماءات بالتوافر على المزيد من العمل. ولقد اعترف ماركس نفسه بالكثير من هذا.» انظر: Joseph Schumpeter, “Capitalism, Socialism and Democracy”, Introuction by Richard Swedberg (London & New York: Routledge, 2003). p. 22.
وفي كتابه «تاريخ التحليل الاقتصادي»، كتب كذلك شومبيتر: «إن الاقتصادي الوحيد الذي عامله ماركس كأستاذ هو ريكاردو والأهم، أن ماركس، وتلك حقيقةٌ موضوعية، قام باستخدام أدوات التحليل الريكاردية، بل إن الإشكاليات التي كانت مطروحة أمام ماركس كانت نفسها مطروحة بنفس الشكل الذي طرحه ريكاردو. من المؤكد أن ماركس عالج تلك الإشكاليات وتوصل إلى استنتاجاتٍ مختلفة إلى حدٍّ بعيد، بيد أنه فعل ذلك من خلال الانطلاق من نظريات ريكاردو وانتقادها. لقد تَقبَّل ماركس نظرية القيمة الريكاردية، ودافع عنها بحُججٍ ريكاردية، بل لقد طوَّر ماركس نظريته في الاستغلال ابتداءً من البناء الريكاردي.» للمزيد من التفصيل، انظر: Schumpeter, “History of Economic” Analysis, op, cit, pp. 486-7.
ولكن إريك رول يؤكد، بصواب، على أن الذين يقولون إن ريكاردو هو أستاذ ماركس، بصفةٍ خاصة فيما يتعلق بنظرية القيمة الزائدة، يُغفِلون تأثير سميث الحاسم على نظريات ماركس. للمزيد من التفصيل، انظر: Eric Roll, “History of Economic Thought”, op, cit, p. 125.
٣  «يعني الاقتصاد الكلاسيكي بالنسبة لماركس مواجهته بموضوعٍ جديد وبالتالي وضع الاقتصاد السياسي الكلاسيكي نفسه محل تساؤله. وبما أن الاقتصاد السياسي الكلاسيكي يتحدد كاقتصادٍ سياسي بموضوعه فإن النقد الذي يصيب هذا الموضوع عن طريق مواجهته بموضوعٍ جديد يمكن أن يصيب الاقتصاد السياسي الكلاسيكي في ذات وجوده.» محمد دويدار، «المبادئ»، ص٢٤٦. ويجب، في تصوري، مع التحفظ على «مواجهته بموضوعٍ جديد» إذ لا موضوع جديد في الواقع، ألا يُفهم من ذلك أن ماركس يستبدل اقتصادًا سياسيًّا قديمًا باقتصادٍ سياسي جديد. اقتصاد سياسي ماركسي. إنما هو النقد لعلم الاقتصاد السياسي كما تبلور على يد الكلاسيك، ومحاولة استكماله ابتداءً من قانون القيمة أيضًا.
٤  وينقل ماركس عن نيكولاس باربون (١٦٤٠–١٦٩٨م): «إن نوعًا من السلع هو صالح تمامًا كأي نوعٍ آخر إذا كانت قيمتهما التبادليتان متساويتَين ولا فرق أو اختلاف بين الأشياء التي لها قيمٌ تبادلية متساوية؛ فكمية من الحديد أو الرصاص بمائة جنيه لها نفس القيمة التبادلية كما لكمية من الفضة أو الذهب بمائة جنيه.» انظر: ماركس، «رأس المال»، الكتاب الأول، الفصل الأول.
٥  وهكذا يستكمل ماركس البناء النظري الريكاردي بشأن الأجر، مقدمًا الحل للمشكلة التي سبق وأن واجهت ريكاردو، كما ذكرنا، ولم يجد لها حلًّا أبدًا، وهي: لماذا يكون الأجر أقلَّ من القيمة التي يخلقها العمل؟ فالرأسمالي لم يشترِ العمل، كما ظن ريكاردو، إنما اشترى قوة العمل، كما توصل إلى ذلك ماركس، أخذًا في الاعتبار أن ماركس لم يفرق في كتاباته الأُولى، مثل الكلاسيك، بين العمل وقوة العمل. كتَبَ فريدريك إنجلز في مقدمة «العمل المأجور والرأسمال»: «إني على ثقةٍ بأني أعمل بروح ماركس تمامًا إذ ألجأ في هذه الطبعة إلى بعض التعديلات والإضافات ولذا أقول للقارئ ها هو الكراس، لا كما كتبه ماركس في عام ١٨٤١م بل تقريبًا كما كان من المحتمل أن يكتبه في عام ١٨٩١م. إن التعديلات التي أجريتها إنما تدور كلها حول نقطةٍ واحدة؛ فما يبيعه العامل للرأسمالي لقاء الأجرة، إنما هو عمله حسب النص الأصلي، أما حسب النص الحالي فهو يبيع قوة عمله.» انظر: «العمل المأجور والرأسمال»؛ ومن ثَم، أصبح النص بين أيدينا، بعد تعديلات إنجلز، كالآتي: «فالرأسمالي يشتري إذن، كما يبدو، عمل العمال بالمال، ولقاء المال يبيعونه عملهم، ولكن الأمر ليس كذلك إلا ظاهريًّا؛ فإن ما يبيعونه في الواقع من الرأسمالي لقاء المال إنما هو قوة عملهم.» انظر: كارل ماركس، «العمل المأجور والرأسمال»، ترجمة الياس شاهين (موسكو: دار التقدم، ١٩٨٢م)، على أساس المحاضرات التي ألقاها ماركس في عام ١٨٤٧م. نُشِر في جريدة Neue Rheinische Zeitung في عام ١٨٤٩م لأول مرة، ثم حَرَّره إنجلز في برلين في عام ١٨٩١م. وانظر نفس التطور، من «العمل» إلى «قوة العمل»، في رَدِّ ماركس على جون ويستون: K. Marx, “Value, Price and Profit”, Edited: by Eleanor Marx, Preface: Edward Aveling (Moscow: Foreign Languages Publishing House, 1947).
٦  «إن ذلك القسم من الرأسمال الذي يتحول إلى وسائل إنتاج أي مادةٍ خام وموادَّ مساعدة ووسائلِ عمل، لا يغير مقدار قيمته في عملية الإنتاج؛ لذلك أسميه بالقسم الثابت للرأسمال، أو بإيجاز: الرأسمال الثابت. وعلى العكس، فذلك القسم من الرأسمال الذي تحوَّل إلى قوة عمل، يغير قيمته أثناء عملية الإنتاج، فهو يجدد إنتاج معادله الذاتي، ويشكل بالإضافة إلى ذلك قيمةً زائدة يمكنها أن تتغير بدورها، وأن تكون أكبر أو أقل، وهذا القسم للرأسمال يتحول بصورةٍ متواصلة من مقدارٍ ثابت إلى متغير؛ ولذلك أسميه بالقسم المتغير للرأسمال، أو بإيجاز: الرأسمال المتغير.» انظر: ماركس، «رأس المال»، الكتاب الأول، القسم الثالث، الفصل السادس.
٧  أي مجموع القيم الزائدة الفردية ÷ مجموع الرساميل النشطة، وسنشرح ذلك بعد قليل.
٨  وفي مجرى الحياة اليومية يختفي، لدى النظرية الرسمية، الربح كقيمةٍ زائدة. يزول الربح الذي يميز نمط الإنتاج الرأسمالي؛ فبما أن الفائدة تتجلى بوصفها المنتوج الخاص المميز للرأسمال، ويتجلى ربح صاحب المشروع، في تضادٍّ مع الفائدة، بمثابة أجورٍ مستقلة عن الرأسمال، فإن الصيغة «رأسمال − ربح (ربح صاحب المشروع + الفائدة)، الأرض − ريع، العمل − أجر» تُختزل إلى الصيغة «رأسمال − الفائدة، الأرض − ريع، العمل − أجر»، في هذه الصيغة: «يزول الربح بسلام.» انظر: ماركس، «رأس المال»، الكتاب الثالث، الفصل ٤٨؛ فما إن يجري تثبيت لحظة التحديد الاجتماعي الخاص للرأسمال بوصفه ملكية تتسم بخاصية الهيمنة على عمل الآخرين، وما إن تظهر الفائدة بالتالي كجزء من القيمة الزائدة التي يخلقها الرأسمال، فإن الجزء الآخر من القيمة الزائدة؛ أي ربح صاحب المشروع، يظهر، بالضرورة، وكأنه لا ينبع من الرأسمال كرأسمال، بل ينبع من عملية الإنتاج بمعزل عن تحديدها الاجتماعي الخاص، الذي سبق أن اكتسب، في تعبير فائدة الرأسمال، أسلوب وجوده الخاص؛ ولذا فإن الرأسمالي الصناعي يظهر، في تمايزه عن مالك الرأسمال، لا كرأسمالٍ ناشط، بل كموظفٍ مستقل عن الرأسمال. يظهر بمثابة عامل، بل بمثابة عاملٍ مأجور! انظر: ماركس، «رأس المال»، الكتاب الثالث، الفصل ٢٣.
٩  والرأسمالي الصناعي إذا لم يفطن إلى أن اﻟ ١٠٠ وحدة ليست بأكملها ملكًا له وأن للرأسمالي المالي فيها نسبةً معلومة، فسوف يفلس؛ لأنه حينئذٍ سوف يحتاج إلى «كتلة قيمة زائدة» مقدارها ٣٠ وحدة، وهو ما لا يُتاح له فيسرع الخطى على طريق الإفلاس بسبب عدم فصله بين معدَّل ربح رأسماله الصناعي ومعدَّل فائدة الرأسمال الذي اقترضه من الرأسمالي المالي! والرأسمالي النقدي/المالي غالبًا ما يعوض الفرق بين الربح الذي يحصله الرأسمالي الصناعي والفائدة التي يحصل هو عليها؛ بخلق القيمة الزائدة داخله من خلال تقديم الخدمات المختلفة لعملائه، أو ربما بالظهور في السوق كرأسمالي صناعي بما تحت يدَيه من تراكم رأسمالي يمكنه من الإقدام على إقامة المشروعات بنفسه جانيًا الربح بدلًا من إقراض النقود للرأسمالي الذي يجني الربح ويدفع جزءًا منه فحسب كفائدة للرأسمال المقترض؛ وحينئذٍ سوف يتحدد ربحه طبقًا لقانون القيمة؛ فلو افترضنا وجود خمسة مصارف تُقدِّم، مثلًا، خدمة إيجار الخزائن الحديدية تبعًا لتوليفات مختلفة للرأسمال، فسوف تعدل المصارف توليفات رساميلها كي تتفق مع التوليفة المهيمنة طبقًا للقيمة الاجتماعية، والتي ستكون وفقًا للجدول ٣-١ «١٠٠ث + م» + «٥ق ز».
جدول ٣-١
القطاع الرأسمال (ث + م) القيمة الزائدة القيمة الفردية التوليفة الجديدة (القيمة الاجتماعية)
مصرف ١ ١٠٠ ١٨ ١١٨ ١٠٠ + ٥ = ١٠٥
مصرف ٢ ١٠٠ ٣٢ ١٣٢ ١٠٠ + ٥ = ١٠٥
مصرف ٣ ١٠٠ ٣٨ ١٣٨ ١٠٠ + ٥ = ١٠٥
مصرف ٤ ١٠٠ ١٧ ١١٧ ١٠٠ + ٥ = ١٠٥
مصرف ٥ ١٠٠ ٥ ١٠٥ ١٠٠ + ٥ = ١٠٥
١٠  «إن القيمة الزائدة إنما تتوزع في المجتمع الرأسمالي بين الرأسماليِّين، إذا تركنا جانبًا التقلُّبات العرضية في هذا التوزيع ونظرنا إلى القانون الذي يُنظِّمه، كأرباح أسهم تتناسب مع الحصة التي تخص كل واحدٍ منهم من الرأسمال الاجتماعي.» انظر: ماركس، «رأس المال»، الكتاب الثالث، القسم السابع، الفصل ٤٨.
١١  الواقع أن ماركس يبحث هنا ارتفاع وانخفاض قيمة الأرض لا تحديد الريع، خالطًا، في نفس الوقت، بينه وبين الفائدة.
١٢  وبما أن معدل الربح، كما سنرى بعد قليل، يميل إلى الهبوط بمضي التطور الاجتماعي قدمًا، والأمر كذلك بالنسبة لسعر الفائدة نتيجة نمو الرأسمال القابل للإقراض؛ فإن ثمن الأرض يميل إلى الارتفاع بصورةٍ مستقلة عن حركة الريع العقاري وحركة ثمن غلال الأرض الذي يؤلف الريع جزءًا منه. انظر: ماركس، «رأس المال»، الكتاب الثالث، القسم السادس، الفصل ٣٧.
١٣  «من وجهة نظر الرأسمالي يختلف الإيراد الصافي عن الإيراد الكلي لأن الأخير يتضمن الأجور بينما الأول لا يتضمنها. ومن وجهة نظر المجتمع أيضاً، مع نمط الإنتاج الرأسمالي، فإن الإيراد الكلي يتضمن الأجور بينما لا يتضمنها الإيراد الصافي.» بتصرف: ماركس، رأس المال، الفصل ٤٩.
١٤  يقرر جيمس مِلْ صراحة أن نفقة إنتاج السلعة هي التي تنظم قيمة مبادلتها. انظر: James Mill, “Elements of Political Economy” (London: Henry G. Bohn, 1844), p. 93.
١٥  يعتنق رامساي هذا التصور باعتباره الرأسمال أحد أجزاء منظم القيمة، على الرغم من وعيه بأن الرأسمال هو نتيجة العمل، وهو يستند إلى تفرقة آدم سميث بين المجتمعات البدائية والمجتمعات المعاصرة. ويذهب إلى اعتبار العمل بمفرده منظم القيمة، وذلك قبل تراكم الرأسمال، تحديدًا تراكم الرأسمال الأساسي. أما بعد تحقق تراكم الرأسمال فقد صار المنظم موزعًا بين كمية العمل وقيمة الرأسمال. للمزيد من التفصيل، انظر: Ramsay, “An Essay on the distribution of wealth”, op, cit, p. 56.
١٦  المصدر: ماركس، «رأس المال»، الكتاب الثالث، الفصل التاسع: تكوين معدل ربح عام، وتحول قيم السلع إلى أثمان إنتاج.
١٧  ربما هذا الذي دفع أرجيري إيمانويل (١٩١١–٢٠٠١م) إلى تصور التحول من القيمة إلى ثمن الإنتاج كانعطافٍ تاريخي؛ مؤداه التحول من جوهر إلى جوهرٍ آخر مختلف! من القيمة، التي لم تعُد تصلح في تصوره إلا لحكم العلاقات ما قبل الرأسمالية، إلى ثمن الإنتاج الذي أصبح القانون الحاكم لعلاقات الإنتاج الرأسمالية!
١٨  ماركس نفسه سوف يُضطر، في الكتاب الثالث، إلى أن يسميه ثمن إنتاج السوق! فلقد كتب في القسم السادس: «إن ثمن الإنتاج لا يتحدد بثمن التكلفة الفردي، بل بثمن التكلفة الوسَطي، في ظل الشروط الوسَطية للرأسمال الكلي، وهذا في الواقع هو ثمن إنتاج السوق، ثمن السوق الوسطي.» انظر: ماركس، «رأس المال»، الكتاب الثالث، القسم السادس، الفصل ٣٨.
١٩  أو وفقًا للمثل الذي يضربه ماركس، في الكتاب الثالث من رأس المال، فلو افترضنا أن الرأسمال الصناعي الكلي، عبارة عن ٧٢٠ رأسمال ثابت و١٨٠ رأسمال متغير، والقيمة الزائدة ١٠٠٪، فإن ثمن الإنتاج، وفقًا لمفهومه عند ماركس، سيتكون من ٧٢٠ث + ١٨٠م + ١٨٠ق ز = ١٠٨٠، وسيكون بالتالي معدل الربح ٢٠٪. وإذا أدخلنا الآن في التحليل ١٠٠ وحدة رأسمال تجاري، جاعلين له حصةً مماثلة في الربح بما يتناسب مع حجمه، فإن رأسمال التاجر سوف يُسهِم، كمحدد، في تكوين معدَّل الربح العام، وبذلك فإن الثمن الذي يبيع به المنتجون إلى التجار = ٧٢٠ث + ١٨٠م + ١٦٢ق ز = ١٠٦٢. ولو أضاف التاجر الربح المتوسط، والمحدد سلفًا في حقل الإنتاج، والبالغ ١٨ وحدة، إلى رأسماله البالغ ١٠٠ وحدة، فإنه سوف يبيع السلعة بما يساوي ١٠٦٢ + ١٨ = ١٠٨٠، أي يبيعها بموجب ثمن إنتاجها. انظر: «رأس المال»، الكتاب الثالث، الفصل ١٧.
٢٠  انظر: ماركس، «رأس المال»، الكتاب الأول، الفصل الرابع عشر. والكتاب الثاني، الفصل السادس. والكتاب الثالث، الفصل السابع عشر.
٢١  ويؤدي الارتفاع في كتلة الرأسمال التجاري بالنسبة إلى كتلة الرأسمال الصناعي إلى انخفاض معدل ربح الرأسمالي الصناعي؛ فلو افترضنا، كما افترضنا أعلاه، أن الرأسمال الصناعي = ١٠٠ وحدة والقيمة الزائدة = ٢٠ وحدة، وافترضنا أن هناك تاجرَين رأسمال كلٍّ منهما = ٥٠ وحدة، فسوف يَتلقَّى التاجران السلعة، وكما ذكرنا أعلاه، محملة ﺑ ١٠ وحدات كربح، لكل تاجرٍ منهما ٥ وحدات. وعلى هذا النحو تتوزع الأرباح وفق وزن كل رأسمال في حجم الرأسمال الكلي طبقًا لتحديد متوسط الربح بالرأسمال الإنتاجي الكلي + الرأسمال التجاري؛ إذ يحصل الرأسمالي الصناعي على ١٠ وحدات لمساهمته في الرأسمال الكلي على الصعيد الاجتماعي برأسمال قدره ١٠٠ وحدة، ويحصل الرأسمالي التجاري ككل على ١٠ وحدات لمساهمته في الرأسمال الكلي برأسمال قدره ١٠٠ وحدة؛ فلو افترضنا الآن دخولًا لاحقًا لكتلة رأسمالٍ تجاري قدرها ٢٠٠ وحدة، فسوف يُعاد تحديد الربح المتوسط بحيث يكون للرأسمال الصناعي ٥ وحدات، من كتلة الربح الاجتماعي، وللرأسمال التجاري ١٥ وحدة من هذه الكتلة؛ أي إن الرأسمال التجاري ككل يجني أرباحًا تفوق أرباح الصناعي ككل، أو على أقل تقدير يتساوى ربح الصناعي، مع انخفاضه المطرد، مع ربح التاجر.
٢٢  فالقيمة الاجتماعية، وكما ذكرنا، تتكون من كمية العمل الحي والمختزن والزائد، وليس من كمية العمل الحي والمختزن، و«متوسط» العمل الزائد، كما ذهب ماركس في ثمن الإنتاج، والذي لا يُعد في أفضل الأحوال سوى أحد تطبيقات ثمن السوق.
٢٣  لاعتبارات الشرح وتبسيط الأرقام افترضنا، تجاوزًا، أن زمن الإنتاج هو زمن الانتظار، كما افترضنا أن الرأسمال لا يعود محملًا بالربح إلا بعد ٢٤٠ يومًا في فرع إنتاج القوالب الخشبية، وليس ١٨ شهرًا طبقًا لمثال ماركس.
٢٤  على مستوى البدء في النشاط الاقتصادي السنوي يوضح فرنسوا كينيه أنه من اللازم وجود قدرٍ معين من الرأسمال للحصول على المواد الأولية التي يجري تحويلها أثناء عملية الإنتاج. كما يتعين وجود قدرٍ آخر من الرأسمال للحصول على أدوات الإنتاج المعمرة التي تُستخدم في أكثر من عمليةٍ إنتاجية كالمباني والأدوات، وأخيرًا يتعين وجود قدرٍ ثالث من الرأسمال، وهو الذي يُستخدم لاستصلاح الأرض وتحسينها وشق الترع والمصارف … إلخ. وعقب إتمام العملية الإنتاجية يتمكن العمل الزراعي من تحقيق الفائض؛ هذا الفائض يتم توزيعه من خلال نوعَين من التدفقات: تدفقاتٍ عينية وأخرى نقدية. ويتم توزيع وتداول المنتوج بشكلَيه بين الطبقات الثلاث التي حددها كينيه، وهي الطبقة المنتجة والتي اعتبرها ممثلة في طبقة المزارعين، وطبقة كبار الملاك وهم الملك والحاشية وكبار رجال الكنيسة، والطبقة العقيم وهي التي تضم أصحاب المهن والحِرَف وغيرهم من الذين لا يضيفون إلى المنتوج؛ فالنجار مثلًا في نظر كينيه غير منتج لأنه لا يضيف إلى المنتوج؛ إذ كل ما يفعله النجار بشأن طاولة الطعام هو إعادة تشكيل الخشب الذي هو مادةٌ موجودة في الطبيعة. على العكس من ذلك العامل الزراعي الذي يضيف إلى المنتوج الاجتماعي السنوي ويحقق بعمله الفائض الزراعي الذي يُستخدم جزءٌ منه في تجديد الإنتاج، وجزءٌ آخر يُستخدم، بعد بيعه وتحويله إلى نقود، في دفع الريع إلى الملاك العقاريين. إن ما نستخلصه من الجدول الاقتصادي عامة (وفي ظل التنظيم الاجتماعي الإقطاعي) هو وجود النقود، التي سوف تكتسب صفة الرأسمال، وقوة العمل المأجورة، وكذلك طبقة منتجة للفائض، العيني والنقدي، وطبقة أخرى تعيش على هذا الفائض دون مشاركةٍ فعلية في عملية الإنتاج. انظر: Francois Quesnay, “Le Tableau Economique” (Paris: A L’ Institut National d’ Etudes Démographiques, 2005), pp. 421–33.
وفي مناقشةٍ أصيلة للأفكار المركزية للطبيعيين والتي يمكن حصرها في: القانون الطبيعي، والمنتوج الصافي، وتداول الثروة. انظر: Henri Denis, “Histoire De La pensee Economique” (Paris: Presses Universitaires de France, 1966), pp. 169–77.
٢٥  تركنا للقارئ إجراء هذا التمرين الذهني. ويمكن الرجوع إلى: «رأس المال»، الكتاب الثاني، القسم الثالث، الفصل ٢١.
٢٦  فنمط الإنتاج الرأسمالي، في مذهب ماركس، لا يقتصر على إعادة إنتاج الرأسمال بصورةٍ مستمرة، ولكنه يعيد إنتاج فقر العمال المأجورين بصورةٍ مستمرة في ذات الوقت؛ بحيث إنه يضمن على الدوام تركُّز، وتمركُز، الرأسمال من جهة، ويضمن أيضًا وجود جماهيرَ غفيرة من العمال المأجورين المضطرين لبيع قوة عملهم إلى هؤلاء الرأسماليين لقاء كمية من وسائل العيش التي تكفي بالكاد لبقائهم قادرين على العمل، وعلى البقاء أحياءً ليوم العمل التالي، وعلى إنجاب الأجيال الجديدة من العمال من جهةٍ أخرى. إن الرأسمال لا يُعاد إنتاجه فحسب، بل يزداد ويتضاعف على الدوام بقدر ما تزداد وتتضاعف سطوته على طبقة العمال الأجراء المفتقرين لوسائل الإنتاج؛ فالرأسمال يعيد إنتاج طبقة العمال معدومي الملكية بمعدلاتٍ متزايدة أيضًا وبأعدادٍ هائلة! ويتساءل ماركس: ما هو مصير هذا العدد المتنامي من العمال؟ ويرى أنهم يُشكِّلون جيش الصناعة الاحتياطي الذي يتقاضى، في فترات الأزمات الدورية التي تمر بها الرأسمالية، أجرًا أدنى من قيمة عمله، كما أنه يُستخدم بصورةٍ غير دائمة؛ وبناءً عليه يضع ماركس، استنادًا إلى شرح ريكاردو، القانون العام المطلق للتراكم على أساسٍ من أنه كلما كانت الثروة الاجتماعية أكبر كلما تعاظم جيش الصناعة الاحتياطي، وكلما كانت نسبة الجيش الاحتياطي أكبر من الجيش الفعلي كلما تضَخَّمَت جماهير السكان الفائضين التي يتناسب بؤسها بصورةٍ طردية مع مشقة عملها. وأخيرًا، كلما اتسَعَت فئات المعدمين من الطبقة العاملة وجيش الصناعة الاحتياطي، كلما تزايَدَ الفقر على الصعيد الاجتماعي. تبرز هنا نظرية لماركس في الأجور، والتي تندفع نحو الانخفاض بسبب وجود هذا الجيش من المُتعطِّلين. قارب: ريكاردو، «المبادئ»، الفصل ٣١. ولسوف تَعتبِر جوان روبنسون (١٩٠٣–١٩٨٣م)، وهي تلميذة كينز ومن كبار مفكري ما بعد الكينزية، هذا «الجيش الاحتياطي» من طبائع الأمور التي تؤمن انتظام الإنتاج الرأسمالي إلا أن حل مشكلة البطالة لا بد وأن يستتبع البحث عن بدائل تُؤدِّي نفس الدور الذي يُؤدِّيه هذا الجيش الاحتياطي بالضغط على طبقة الشغيلة من أجل قبول العمل أيًّا ما كانت طبيعته وأيًّا ما كان ثمنه؛ فقد كَتبَت في مقدمة الترجمة الفرنسية لكتابها المهم الذي صَدَر في عام ١٩٤٧م تحت عنوان مقدمة إلى نظرية التشغيل: «إن نجاح سياسة التشغيل يثير العديد من المشكلات الجديدة؛ ففي ظل النظام القائم على المنشأة الخاصة كان وجود احتياطي من العاملين يقوم بدورٍ مهم. كانت البطالة تحافظ على الانضباط في الصناعة، وتُوفِّر المرونة الكافية لكي تتمكن من التأقلُم مع تطوُّر التقنية، والطلب المتنوِّع، وذلك بكبح الاتجاه نحو رفع الأجور الاسمية وتأمين الاستقرار الكافي لقيمة النقد. ولقد كانت البطالة وسيلةً قاسية وباهظة التكلفة للتوصُّل إلى تلك النتائج. وإذا تَعيَّن القضاء على البطالة، فيجب الآن البحث عن وسائلَ أخرى لتحقيق تلك الوظائف التي كانت تُؤدِّيها البطالة في سبيل توازُن الصناعة.» للمزيد من التفصيل، انظر: Joan Robinson, “Introduction to the Theory of Employment”, éd. London: MacMillan, 1937. Traduction française: Introduction à la théorie de l’emploi, éd., 1948, p. 1.
٢٧  انظر: ماركس، «رأس المال»، الكتاب الأول، القسم الرابع، الفصل العاشر.
٢٨  انظر: Ludwig von Mises, “Economic Policy: Thoughts for Today and Tomorrow”, Third Edition (Alabama: Ludwig von Mises Institute, 2006), p. 18.
٢٩  على سبيل المثال، انظر: A. Emmanuel, “Unequal Exchange; A Study of Imperialism of Trade” (New York: Monthly Review Press, 1972).
Samir Amin & J. Saigal, “L’échange inégal et la loi de la valeur: la fin d’un débat” (Paris: Éditions Anthropos-IDEP, 1973).
٣٠  «لا يمكن الحصول على قوانينَ اقتصادية للاقتصاد الدولي؛ ولهذا أعتقد أن ماركس لم يكتب في الاقتصاد العالمي.» انظر: Samir Amin, “The law of worldwide value” (New York: Monthly Review Press, 2010). p. 101.
٣١  فرفاق اليسار بعدما هجروا علم الاقتصاد السياسي وأعلنوا عجزه، في رأيهم، عن تفسير التبادل على الصعيد العالمي يؤكدون على أيديولوجيتهم: «لقد اختلفنا كثيرًا وسنظل مختلفين ولكن ما يجمعنا هو معاداة الإمبريالية!» انظر: S. Amin, “The law of worldwide value”, p. 110.
٣٢  «من الممكن مقارنة الرجل الذي تعلم أي صناعة تستلزم مهارة وكفاءةً فائقتَين بكُلفةٍ كبيرة من الجهد والوقت بواحدة من الآلات غالية الثمن؛ فالعمل الذي تعلم أن يقوم به سوف يعوض عليه، على ما يجب أن نتوقع، كامل نفقة تعلُّمه، فضلًا عن الأجور المعتادة للعمل العادي والأرباح المعتادة على الرأسمال المماثل من حيث القيمة على الأقل كما يتعين أن يقدم عمله ذلك كله في غضون فترة معقولة من الزمن، وذلك بالنظر إلى ما يحيط بمدة الإنسان من غموضٍ شديد». انظر: آدم سميث، «ثروة الأمم»، الكتاب الأول، الفصل العاشر. وانظر كذلك: جان بابي، «القوانين الأساسية للاقتصاد الرأسمالي»، ترجمة شريف حتاتة وآخرين (بيروت: دار القلم، ١٩٧٠م). حيث يذكر الأستاذ بابي نفقات التعليم والتدريب وفقًا لماركس الذي أشار إلى: «تكاليف التعليم والتي تدخل في دائرة القيم المنفقة على إنتاج قوة العمل.» انظر: ماركس، «رأس المال»، القسم الثاني، الفصل الرابع. بيد أن الاقتصاد السياسي، من بعد الكلاسيك وماركس، لا ينظر إلى العمل المختزن إلا بشأن الآلة! ولا يمد قوانينه، على الرغم من ادعائه أحيانًا غير ذلك، إلى الآلة المرتدية جلد البشر! وهذا يُعد تقليدًا متبعًا في علم الاقتصاد السياسي من جهة إغفال المجهود الإنساني المختزن في المنتِج نفسه؛ فلا ينظر علم الاقتصاد السياسي إلا إلى ما يحتاجه العامل كي يعيش وينتج السلعة، دون أن ينظر إلى كمية الطاقة الضرورية اجتماعيًّا التي تجدد إنتاج الطبقة ذاتها؛ لا ينظر إلى كمية الطاقة الضرورية التي جعلت من المرء عاملًا يمكن الدفع به إلى سوق العمل. على هذا الإغفال، انظر، على سبيل المثال: روزا لوكسمبورج، «تراكم الرأسمال» (١٩٦٣م)؛ فرانك، «نمو التخلف» (١٩٦٦م)؛ أوسكار لانج، «الاقتصاد السياسي» (١٩٦٦م)؛ براون، «التجارة الدولية والإمبريالية» (١٩٦٧م)؛ إيمانويل، «التبادل غير المتكافئ» (١٩٧٢م)؛ «الربح والأزمات» (١٩٧٤م)؛ بيرو سرافا، «إنتاج السلع بواسطة السلع» (١٩٧٣م)؛ ماندل، «النظرية الاقتصادية الماركسية» (١٩٧٣م)؛ كاي، «التنمية والتخلف» (١٩٧٥م)؛ أندرسن، «دراسات في نظرية التبادل غير المتكافئ» (١٩٧٦م)؛ موريس دوب، «دراسات في تطور الرأسمالية» (١٩٧٨م)؛ زيلكو، «القيمة الدولية» (١٩٨٠م)؛ أمين، «التراكم على الصعيد العالمي» (١٩٧٨م)؛ أمين، «قانون القيمة والمادية التاريخية» (١٩٨١م)؛ «مستقبل الماوية» (١٩٨٢م).
٣٣  فالعامل الأفريقي لا يتكلف منذ ولادته حتى يمسك بأدوات العمل ومواده سوى كِسراتِ خبز معدودة، وشربةِ ماء ملوَّثة، ومسكنٍ خرب، وتعليمٍ مُشوَّه استعماري … إلخ. وكل ذلك يمكن حسابه، وبدقةٍ علمية، بوحداتٍ حسابية من الطاقة المبذولة معبرًا عنها بعدد من السعرات الحرارية منذ الميلاد وحتى الممات، ليس بشأن العامل الأفريقي فقط، وإنما أيضًا بصدد العامل الأوروبي، الذي (قبل، وبعد) أن يُدفع به إلى سوق العمل، يأكل، ويتعلم، ويعالج، ويتنزه … إلخ، هو وطبقته، أفضل كثيرًا من العامل الأفريقي، رديء الصنع!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤