الفصل العاشر

وَنَالَتِ الْمَتَاعِبُ مِنْ ثرثار فِي النِّهَايَةِ

لَا بُدَّ أَنَّكَ خَمَّنْتَ مَا كَانَ ثرثار يَعْبَثُ بِهِ. كَانَ مِصْيَدَةَ فِئْرَانٍ، وَقَدْ أَغْلَقَهَا دُونَ أَنْ يُصِيبَهُ أَذًى. وَلَمْ يَعْلَمْ ثرثار أَنَّهَا مِصْيَدَةٌ. كَانَ حَرِيًّا بِهِ أَنْ يَعْرِفَ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ؛ فَهِي لَمْ تَكُنْ تُشْبِهُ الْمَصَائِدَ الَّتِي كَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون يَضَعُهَا لَهُ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ مُطْلَقًا. وَقَدْ كَانَ خَبِيرًا بِتِلْكَ الْمَصَائِدِ وَلَا يَدْنُو مِنْهَا أَبَدًا. وَالْآنَ بَعْدَ أَنْ فَقَدَتْ مِصْيَدَةُ الْفِئْرَانِ مَا كَانَتْ تَحْمِلُهُ مِنْ إِثَارَةٍ، حَوَّلَ ثرثار انْتِبَاهَهُ إِلَى الشَّيْءِ الْعَجِيبِ الْآخَرَ. فَدَارَ حَوْلَهُ وَتَطَلَّعَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. كَانَ عَجِيبًا بِلَا شَكٍّ. أَجَلْ، كَانَ عَجِيبًا بِلَا شَكٍّ! فَقَدْ بَدَا كَبَيْتٍ صَغِيرٍ، وَإِنْ كَانَ بِإِمْكَانِهِ أَنْ يَرَى أَجْزَاءَهُ بِالْكَامِلِ. فَمَدَّ يَدًا وَلَمَسَهُ، وَلَمْ يَحْدُثْ شَيْءٌ؛ فَأَعَادَ الْكَرَّةَ. ثُمَّ قَفَزَ فَوْقَهُ، وَأَيْضًا لَمْ يَحْدُثْ شَيْءٌ؛ فَأَعْمَلَ أَسْنَانَهُ الْحَادَّةَ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ قَضْمِهِ؛ فَقَدْ كَانَ مَصْنُوعًا مِنْ أَسْلَاكٍ مَتِينَةٍ.

وَكَانَ بِدَاخِلِهِ طَعَامٌ يَبْدُو شَهِيًّا. وَكَانَتْ رَائِحَتُهُ ذَكِيَّةً أَيْضًا. فَبَدَأَ ثرثار يَتَسَاءَلُ عَنْ مَذَاقِهِ. وَكُلَّمَا تَسَاءَلَ، زَادَتْ رَغْبَتُهُ فِي الْمَعْرِفَةِ. فَلَا بُدَّ مِنْ سَبِيلٍ لِلدُّخُولِ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ الدُّخُولُ، فَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ سَيَتَمَكَّنُ مِنَ الْخُرُوجِ ثَانِيَةً؛ فَقَفَزَ إِلَى الْأَرْضِ وَرَكَضَ حَوْلَ الْبَيْتِ الصَّغِيرِ الْعَجِيبِ ذِي الْأَسْلَاكِ. وَفِي كُلِّ طَرَفٍ مِنْ طَرَفَيْهِ كَانَ ثَمَّةَ مَا يُشْبِهُ رَدْهَةً صَغِيرَةً مَصْنُوعَةً مِنَ السِّلْكِ. فَأَدْخَلَ ثرثار رَأْسَهُ فِي إِحْدَاهُمَا. وَبَدَتْ آمِنَةً تَمَامًا؛ فَتَسَلَّلَ إِلَى الدَّاخِلِ مَسَافَةً قَصِيرَةً ثُمَّ تَرَاجَعَ بِسُرْعَةٍ. وَلَكِنَّ شَيْئًا لَمْ يَحْدُثْ؛ فَأَعَادَ الْكَرَّةَ، وَلَكِنْ لَمْ يَحْدُثْ شَيْءٌ أَيْضًا.

فَقَالَ صَوْتٌ خَافِتٌ بِدَاخِلِهِ: «مِنَ الْأَفْضَلِ أَنْ تَبْتَعِدَ عَنْهُ.»

فَقَالَ ثرثار: «هَاهْ! وَلِمَ الْخَوْفُ! لَا يُمْكِنُ لِذَلِكَ الشَّيْءِ أَنْ يُؤْذِيَنِي.»

فَتَسَلَّلَ إِلَى الدَّاخِلِ قَلِيلًا، وَأَمَامَهُ مُبَاشَرَةً كَانَ ثَمَّةَ مَدْخَلٌ مُسْتَدِيرٌ صَغِيرٌ ذُو بَابٍ صَغِيرٍ مِنَ السِّلْكِ، وَدَفَعَ ثرثار الْبَابَ الصَّغِيرَ بِأَنْفِهِ، فَانْفَتَحَ قَدْرًا ضَئِيلًا لِلْغَايَةِ، فَتَرَاجَعَ بِرِيبَةٍ، ثُمَّ أَعَادَ الْكَرَّةَ. وَفِي تِلْكَ الْمَرَّةِ فُتِحَ الْبَابُ أَكْثَرَ. وَأَعَادَ الْكَرَّةَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا حَتَّى صَارَ رَأْسُهُ بِالدَّاخِلِ تَقْرِيبًا فِي النِّهَايَةِ، وَهُنَاكَ — أَسْفَلَهُ مُبَاشَرَةً — كَانَ الطَّعَامُ الَّذِي يَرْغَبُ بِشِدَّةٍ فِي تَذَوُّقِهِ.

وَفَكَّرَ ثرثار قَائِلًا: «يُمْكِنُنِي أَنْ أَثِبَ لِأَسْفَلَ مُبَاشَرَةً لِآخُذَهُ ثُمَّ أَصْعَدَ ثَانِيَةً عَلَى الْفَوْرِ.»

فَقَالَ الصَّوْتُ الْخَافِتُ دَاخِلَهُ: «لَا تَفْعَلْ ذَلِكَ. إِنَّ الذُّرَةَ جَيِّدَةٌ بِمَا يَكْفِي. هَذَا إِلَى جَانِبِ أَنَّ الْوَقْتَ قَدْ حَانَ لِعَوْدَتِكَ إِلَى الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ.»

فَقَالَ ثرثار: «لَنْ يَسْتَغْرِقَ الْأَمْرُ أَكْثَرَ مِنْ دَقِيقَةٍ، ولَا بُدَّ لِي حَقًّا أَنْ أَعْرِفَ مَذَاقَهُ.»

ثُمَّ قَفَزَ إِلَى أَسْفَلَ. طَقْ! فَنَظَرَ ثرثار إِلَى أَعْلَى. وَكَانَ الْبَابُ السِّلْكِيُّ قَدِ انْغَلَقَ. وَأَخِيرًا نَالَتِ الْمَتَاعِبُ مِنْ ثرثار. أَجَلْ، لَا شَكَّ فِي أَنَّهَا نَالَتْ مِنْهُ هَذِهِ الْمَرَّةَ؛ فَهُوَ لَمْ يَسْتَطِعْ فَتْحَ الْبَابِ السِّلْكِيِّ الصَّغِيرِ مِنَ الدَّاخِلِ؛ فَقَدْ وَقَعَ فِي الْمِصْيَدَةِ — مِصْيَدَةِ الْجِرْذَانِ السِّلْكِيَّةِ الَّتِي نَصَبَهَا ابْنُ الْمُزَارِعِ براون.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤