الفصل السادس عشر

مُفَاجَأَةٌ سَارَّةٌ لِثرثار

لَمْ يَسْبِقْ لِلسِّنْجَابِ الْأَحْمَرِ ثرثار — مَصْدَرِ الشَّغَبِ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ — أَنْ لَقِيَ مِثْلَ تِلْكَ الرَّاحَةِ فِي حَيَاتِهِ. فَمَهْمَا بَلَغَتْ شِدَّةُ هُبُوبِ الرِّيَاحِ الشَّمَالِيَّةِ عَلَى أَنْحَاءِ الْمُرُوجِ الْخَضْرَاءِ وَعَبْرَ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ، مُرَاكِمَةً الثُّلُوجَ فِي أَكْوَامٍ هَائِلَةٍ، لَا يُمْكِنُهَا إِصَابَتُهُ بِأَدْنَى رَجْفَةٍ دَاخِلَ فِرَائِهِ الْأَحْمَرِ الصَّغِيرِ. وَدَائِمًا مَا يَجِدُ فِي مُتَنَاوَلِ يَدَيْهِ طَعَامًا وَافِرًا مِنَ الذُّرَةِ وَالْجَوْزِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الطَّعَامِ الْمُشَهِّي الَّذِي يُحِبُّهُ ثرثار. أَجَلْ، لَمْ يَجِدْ مِثْلَ تِلْكَ الرَّاحَةِ فِي حَيَاتِهِ قَطُّ. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَعِيدًا، لَمْ يَكُنْ سَعِيدًا بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ؛ فَقَدْ كَانَ سَجِينًا. وَمَهْمَا كَانَ السِّجْنُ لَطِيفًا، لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَشْعِرَ سَعَادَةً حَقِيقِيَّةً فِيهِ.

وَمُنْذُ أَنْ صَارَ سَجِينًا، تَعَلَّمَ ثرثار أَنْ يُغَيِّرَ فِكْرَتَهُ السَّابِقَةَ عَنِ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون تَمَامًا. وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ عَقَدَ صَدَاقَةً حَمِيمَةً مَعَ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون، فَقَدْ كَانَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون لَطِيفًا جِدًّا عَلَى الدَّوَامِ، وَدَائِمًا مَا كَانَ يَجْلِبُ لَهُ طَعَامًا شَهِيًّا.

فَقَالَ ثرثار: «إِنَّهُ لَيْسَ كَمَا ظَنَنْتُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَوْ كُنْتُ طَلِيقًا، مَا خِفْتُ مِنْهُ مُطْلَقًا. وَأَ… أَوَدُّ أَنْ أُخْبِرَ بَعْضَ سُكَّانِ الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ الصِّغَارِ الْآخَرِينَ عَنْهُ. لَوْ أَنِّي …»

وَلَمْ يُنْهِ ثرثار حَدِيثَهُ؛ فَقَدْ شَعَرَ بِغُصَّةٍ كَبِيرَةٍ فِي حَلْقِهِ؛ فَقَدْ كَانَ يُفَكِّرُ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ وَالْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ، وَكَيْفَ اعْتَادَ الرَّكْضَ عَبْرَ قِمَمِ الْأَشْجَارِ وَعَلَى طُولِ الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ. فَقَدْ كَانَ أَكْثَرَ مَا يُمَتِّعُهُ الرَّكْضُ وَالْقَفْزُ، وَالْآنَ لَمْ يَعُدْ سِجْنُهُ الصَّغِيرُ يَتَّسِعُ لِفَرْدِ سَاقَيْهِ. لَوْ أَنَّهُ يَسْتَطِيعُ الرَّكْضَ فَقَطْ — الرَّكْضَ بِكُلِّ مَا أُوتِيَ مِنْ قُوَّةٍ — مِنْ حِينٍ لِآخَرَ، كَانَ يَشْعُرُ أَنَّهُ سَيَصِيرُ أَكْثَرَ قُدْرَةً عَلَى تَحَمُّلِ سِجْنِهِ.

وَعَصْرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ ذَاتِهِ — بَيْنَمَا كَانَ ثرثار يَأْخُذُ قَيْلُولَةً فِي فِرَاشِهِ دَاخِلَ جِذْعِ الشَّجَرَةِ الْأَجْوَفِ — انْزَلَقَ شَيْءٌ عَبْرَ الْمَدْخَلِ الْمُسْتَدِيرِ الصَّغِيرِ، وَأَفَاقَ ثرثار فَزِعًا لِيَجِدَ نَفْسَهُ حَبِيسَ الْجِذْعِ الْأَجْوَفِ. فَلَمْ يَكُنْ أَمَامَهُ سِوَى أَنْ يَسْتَلْقِيَ عَلَى فِرَاشِهِ، وَيَرْتَجِفَ خَوْفًا، وَيَتَسَاءَلَ عَنِ الشَّيْءِ الْفَظِيعِ الَّذِي سَيَحُلُّ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَكَانَ بِإِمْكَانِهِ سَمَاعُ ابْنِ الْمُزَارِعِ براون مُنْشَغِلًا جِدًّا بِشَيْءٍ فِي قَفَصِهِ. وَبَعْدَ فَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ جِدًّا، تَدَفَّقَ الضَّوْءُ مَرَّةً أُخْرَى عَبْرَ الْمَدْخَلِ الصَّغِيرِ الْمُسْتَدِيرِ. وَكَانَ الْبَابُ قَدِ انْفَتَحَ. فِي الْبِدَايَةِ لَمْ يَجْرُؤْ ثرثار عَلَى الْخُرُوجِ، وَلَكِنَّهُ سَمِعَ الصَّفِيرَ النَّاعِمَ الْخَافِتَ الَّذِي يُنَادِيهِ بِهِ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون دَائِمًا عِنْدَمَا يُحْضِرُ لَهُ طَعَامًا شَهِيًّا أَكْثَرَ مِنَ الْمُعْتَادِ؛ لِذَا أَطَلَّ بِرَأْسِهِ فِي نِهَايَةِ الْأَمْرِ؛ فَوَجَدَ عَلَى أَرْضِيَّةِ الْقَفَصِ بِضْعَ ثَمَرَاتِ جَوْزٍ شَهِيَّةٍ؛ فَخَرَجَ ثرثار عَلَى الْفَوْرِ. ثُمَّ أَبْصَرَتْ عَيْنَاهُ الثَّاقِبَتَانِ شَيْئًا آخَرَ؛ كَانَ شَيْئًا عَجِيبًا مَصْنُوعًا مِنَ السِّلْكِ فِي طَرَفِ الْقَفْصِ.

فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثرثار بِقَدْرٍ كَبِيرٍ مِنَ الرِّيبَةِ. أَيُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ مِصْيَدَةً مَنْ نَوْعٍ جَدِيدٍ؟ وَلَكِنْ مَاذَا تَصْنَعُ الْمِصْيَدَةُ هُنَا، وَهُوَ سَجِينٌ أَصْلًا؟ فَالْتَهَمَ ثَمَرَاتِ الْجَوْزِ كُلَّهَا، مُتَطَلِّعًا طَوَالَ الْوَقْتِ إِلَى ذَاكَ الشَّيْءِ الْجَدِيدِ الْعَجِيبِ. وَبَدَا غَيْرَ مُؤْذٍ إِلَى حَدٍّ مَا؛ فَاقْتَرَبَ مِنْهُ أَكْثَرَ. وَأَخِيرًا قَفَزَ بِدَاخِلِهِ؛ فَتَحَرَّكَ؛ فَخَافَ ثرثار بِالطَّبْعِ، وَبَدَأَ يَرْكُضُ إِلَى أَعْلَى، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَصْعَدْ. نَعَمْ، لَمْ يَصْعَدْ؛ فَقَدْ كَانَ دَاخِلَ عَجَلَةٍ مَصْنُوعَةٍ مِنَ السِّلْكِ؛ وَكُلَّمَا رَكَضَ، دَارَتِ الْعَجَلَةُ؛ فَارْتَعَبَ ثرثار، وَكُلَّمَا زَادَ سُرْعَتَهُ، زَادَتْ سُرْعَةُ دَوَرَانِ الْعَجَلَةِ. وَأَخِيرًا اضْطُرَّ لِلتَّوَقُّفِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَقَطِّعَ الْأَنْفَاسِ وَمُنْهَكًا إِلَى حَدٍّ مَنَعَهُ مِنَ الرَّكْضِ خُطْوَةً أُخْرَى. فَعِنْدَمَا تَوَقَّفَ، تَوَقَّفَتِ الْعَجَلَةُ.

وَشَيْئًا فَشَيْئًا بَدَأَ ثرثار يَفْهَمُ؛ فَقَدْ صَنَعَ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون تِلْكَ الْعَجَلَةَ لِإِتَاحَةِ الْفُرْصَةِ لَهُ كَيْ يَرْكُضَ مِثْلَمَا أَرَادَ وَوَقْتَمَا أَرَادَ. وَحِينَ فَهِمَ ذَلِكَ، صَارَ ثرثار كَأَسْعَدِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي سِجْنٍ. فَكَمْ كَانَتْ مُفَاجَأَةً سَارَّةً! فَكَانَ يَرْكُضُ وَيَرْكُضُ عَلَيْهَا حَتَّى يُضْطَرَّ إِلَى التَّوَقُّفِ لِالْتِقَاطِ أَنْفَاسِهِ. فَتَطَلَّعَ إِلَيْهِ ابْنُ الْمُزَارِعِ براون وَضَحِكَ لِرُؤْيَةِ مَدَى السَّعَادَةِ الَّتِي أَدْخَلَهَا عَلَى ثرثار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤