الفصل الخامس

ثرثار يَجِدُ بَيْتًا

عِنْدَمَا تَفْسُدُ خُطَطُكَ وَتَتَشَتَّتُ،
اعْقِدِ الْعَزْمَ عَلَى إِيجَادِ الْمَخْرَجِ.

اتَّجَهَ الْأَرْنَبُ بيتر مُبَاشَرَةً إِلَى الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ الْقَائِمِ عَلَى أَطْرَافِ الْبُسْتَانِ الْقَدِيمِ. أَخَذَ يَعْدُو بِأَقْصَى سُرْعَةٍ بِحَيْثُ لَمْ يَسْتَغْرِقْ بُلُوغُهُ الْجِدَارَ وَقْتًا طَوِيلًا. وَلَكِنَّ السِّنْجَابَ الْأَحْمَرَ ثرثار لَا يَشْعُرُ بِأَمَانٍ حَقِيقِيٍّ عَلَى الْأَرْضِ أَبَدًا مَا لَمْ يَتَوَافَرْ فِي مُتَنَاوَلِهِ شَيْءٌ يُمْكِنُهُ تَسَلُّقُهُ؛ لِذَا سَلَكَ طَرِيقًا طَوِيلًا عَبْرَ السِّيَاجِ ذِي الْقُضْبَانِ. وَلَطَالَمَا أَحَبَّ الرَّكْضَ فَوْقَ الْأَسْوِجَةِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِيُضَايِقَهُ الْبَتَّةَ هَذَا الصَّبَاحَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي عَجَلَةٍ مِنْ أَمْرِهِ. فَبَدَا لَهُ أَنَّهُ لَنْ يَصِلَ أَبَدًا. وَلَكِنَّهُ وَصَلَ بِالطَّبْعِ.

وَلَدَى وُصُولِهِ، وَجَدَ الْأَرْنَبَ بيتر جَالِسًا عَلَى عَتَبَةِ بَابِ الْخُلْدِ جوني، مُحْدِقًا فِي رُوَاقِهِ الطَّوِيلِ. وَبَيْنَمَا كَانَ ثرثار يَتَّجِهُ نَحْوَهُ بَأَنْفَاسٍ لَاهِثَةٍ قَالَ لَهُ بيتر: «إِنَّهُمَا نَائِمَانِ. لَقَدْ طَرَقْتُ الْبَابَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بِلَا جَدْوَى؛ فَهُمَا نَائِمَانِ، وَسَيَظَلَّانِ نَائِمَيْنِ حَتَّى مَجِيءِ الرَّبِيعِ. لَا أَفْهَمُ ذَلِكَ مُطْلَقًا. نَعَمْ، لَا أَفْهَمُ كَيْفَ يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْغَبَ فِي أَنْ يُفَوِّتَ عَلَى نَفْسِهِ هَذَا الطَّقْسَ الْبَارِدَ الرَّائِعَ.»

هَزَّ بيتر رَأْسَهُ فِي حَيرَةٍ ثُمَّ تَابَعَ التَّحْدِيقَ فِي الرُّوَاقِ الْخَالِي الطَّوِيلِ. وَبِالطَّبْعِ فَقَدْ كَانَ يَتَحَدَّثُ عَنِ الْخُلْدِ جوني وَزَوْجَتِهِ بولي، اللَّذَيْنِ خَلَدَا إِلَى النَّوْمِ لِحِينِ انْتِهَاءِ الشِّتَاءِ. فَلَطَالَمَا حَيَّرَتْ مَسْأَلَةُ النَّوْمِ تِلْكَ بيتر؛ فَقَدْ بَدَتْ لَهُ مَضْيَعَةً رَهِيبَةً لِلْوَقْتِ. وَلَكِنَّ ثرثار كَانَ مَشْغُولَ الْبَالِ إِلَى حَدٍّ مَنَعَهُ مِنْ إِضَاعَةِ الْوَقْتِ فِي التَّعَجُّبِ مِنْ نَوْمِ الْبَعْضِ طَوَالَ فَتْرَةِ الشِّتَاءِ. لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُمْكِنًا بِالنِّسْبَةِ لَهُ، وَالْآنَ بَعْدَ أَنْ أُقْصِيَ بَعِيدًا عَنْ دَارِهِ فِي الْغَابَةِ الْخَضْرَاءِ بِسَبَبِ خَوْفِهِ مِنِ ابْنِ عِرْسٍ شادو، لَمْ يَسْتَطِعْ إِهْدَارَ دَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ؛ فَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَجِدَ بَيْتًا جَدِيدًا ثُمَّ يَقْضِيَ كُلَّ دَقِيقَةٍ مِنَ النَّهَارِ فِي جَمْعِ مَخْزُونٍ جَدِيدٍ مِنَ الْغِذَاءِ مِنْ أَجْلِ الْأَيَّامِ الَّتِي يَكْسُو فِيهَا الْجَلِيدُ كُلَّ شَيْءٍ.

وَرَاحَ يَجْرِي مِنْ أَعْلَى الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ إِلَى أَسْفَلِهِ، بَاحِثًا عَنْ مَكَانٍ يُمْكِنُ أَنْ يَتَّخِذَهُ بَيْتًا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَا يُنَاسِبُهُ؛ فَهُوَ كَمَا تَعْلَمُونَ يُحَبِّذُ السُّكْنَى فِي الْأَشْجَارِ؛ فَهُوَ لَيْسَ كَالسِّنْجَابِ الْمُخَطَّطِ الَّذِي يَعِيشُ عَلَى الْأَرْضِ. مِسْكِينٌ ثرثار! لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَتَخَيَّلَ كَيْفَ يُمْكِنُ لَهُ الْعَيْشُ فِي الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ؛ فَجَلَسَ أَعْلَى حَجَرٍ كَبِيرٍ لِكَيْ يَسْتَرِيحَ وَيَتَدَبَّرَ الْأَمْرَ. كَانَ مُحْبَطًا، وَلَمْ تَبْدُ لَهُ الْحَيَاةُ تَسْتَحِقُّ الْعَيْشَ آنَذَاكَ. وَأَحَسَّ كَأَنَّ قَلْبَهُ سَقَطَ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ. وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ أَبْصَرَتْ عَيْنَاهُ شَيْئًا جَعَلَ قَلْبَهُ يَثِبُ وَثْبَةً كَبِيرَةً عَائِدًا إِلَى حَيْثُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ، وَفِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ أَتَى الْأَرْنَبُ بيتر يَثِبُ عَلَى طُولِ الطَّرِيقِ.

سَأَلَهُ بيتر: «أَلَمْ تَجِدْ بَيْتًا جَدِيدًا بَعْدُ؟»

رَدَّ عَلَيْهِ ثرثار قَائِلًا: «بَلَى، أَظُنُّنِي وَجَدْتُهُ.»

فَقَالَ بيتر: «مَرْحَى! كُنْتُ مُتَأَكِّدًا مِنْ عُثُورِكَ عَلَيْهِ هُنَا. أَيْنَ هُوَ؟»

فَتَحَ ثرثار فَمَهُ لِيُخْبِرَ بيتر ثُمَّ أَغْلَقَهُ فَجْأَةً؛ فَقَدْ تَذَكَّرَ فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ مَدَى صُعُوبَةِ أَنْ يَكْتُمَ بيتر سِرًّا؛ فَهُوَ إِنْ أَخْبَرَ بيتر، فَسَيُخْبِرُ بيتر شَخْصًا آخَرَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَطَبْعِهِ؛ وَمِنْ ثَمَّ يُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ الْخَبَرُ إِلَى شادو.

فَقَالَ ثرثار: «لَنْ أُخْبِرَكَ الْآنَ أَيُّهَا الْأَرْنَبُ بيتر. فَأَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أُطْلِعَ أَحَدًا عَلَى مَكَانِهِ قَبْلَ أَنْ أَتَأَكَّدَ مِنْ أَنَّهُ سَيُلَائِمُنِي.» ثُمَّ أَرْدَفَ، بَعْدَمَا ارْتَأَى مَدَى الْإِحْبَاطِ الَّذِي أَصَابَ بيتر: «وَلَكِنِّي سَأُخْبِرُكَ بِالْآتِي: سَوْفَ أَعِيشُ فِي هَذَا الْمَكَانِ تَحْدِيدًا.»

أَشْرَقَ وَجْهُ بيتر فَرَحًا عَلَى الْفَوْرِ. فَقَدْ ظَنَّ أَنَّ ثرثار قَصَدَ بِالتَّأْكِيدِ أَنَّهُ وَجَدَ فُتْحَةً فِي الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ، وَكَانَ وَاثِقًا تَمَامَ الثِّقَةِ مِنْ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ إِيجَادُهَا إِذَا وَاصَلَ الْبَحْثَ؛ فَكَرَّرَ قَوْلَهُ: «مَرْحَى! سَآتِي لِزِيَارَتِكَ كَثِيرًا. وَلَكِنِ احْذَرِ الْقِطَّةَ السَّوْدَاءَ بوسي؛ فَمَخَالِبُهَا حَادَّةٌ جِدًّا. أَظُنُّنِي سَأَعُودُ إِلَى الدَّغَلِ الْعَزِيزِ الْآنَ.»

فَنَادَاهُ ثرثار قَائِلًا: «لَا تُخْبِرْ أَحَدًا بِمَكَانِي.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤