الفصل السادس

الْأَرْنَبُ بيتر يَسْتَمِعُ إِلَى صَوْتِ الْبَاطِلِ

لَمْ يَكُنِ الْأَرْنَبُ بيتر مُنْصِفًا. نَعَمْ، لَمْ يَكُنْ بيتر مُنْصِفًا؛ فَالْأَشْخَاصُ الشَّدِيدُو الْفُضُولِ فِيمَا يَخُصُّ شُئُونَ الْآخَرِينَ نَادِرًا مَا يَكُونُونَ مُنْصِفِينَ. وَهُوَ لَمْ يَقْصِدْ أَلَّا يَكُونَ مُنْصِفًا. كَلَّا! لَمْ يَقْصِدْ بيتر أَلَّا يَكُونَ مُنْصِفًا؛ فَعِنْدَمَا تَرَكَ السِّنْجَابَ الْأَحْمَرَ ثرثار جَالِسًا عَلَى الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ عَلَى أَطْرَافِ بُسْتَانِ الْمُزَارِعِ براون الْقَدِيمِ، كَانَ يَنْتَوِي الْعَوْدَةَ إِلَى دَارِهِ فِي الدَّغَلِ الْعَزِيزِ دُونَ مُوَارَبَةٍ. وَكَانَ مُحْبَطًا بَعْضَ الشَّيْءِ؛ لِأَنَّ ثرثار لَمْ يُطْلِعْهُ عَلَى مَكَانِ بَيْتِهِ الْجَدِيدِ تَحْدِيدًا. لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ مُهِمًّا فِي الْوَاقِعِ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْرِفَ فَحَسْبُ، لَيْسَ أَكْثَرَ. وَكُلَّمَا قَفَزَ مُبْتَعِدًا عَنِ الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ، بَدَتْ تِلْكَ الرَّغْبَةُ فِي مَعْرِفَةِ مَكَانِ بَيْتِ ثرثار بِالضَّبْطِ تَتَنَامَى؛ فَتَوَقَّفَ بيتر فِي مَكَانِهِ وَنَظَرَ إِلَى الْوَرَاءِ. لَمْ يَكُنْ بِإِمْكَانِهِ رُؤْيَةُ ثرثار وَقْتَهَا؛ إِذْ وَارَتْهُ الشُّجَيْرَاتُ. وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ رُؤْيَةُ ثرثار، فَبِالتَّأْكِيدِ لَنْ يَتَمَكَّنَ ثرثار مِنْ رُؤْيَتِهِ.

جَلَسَ بيتر وَبَدَأَ يَجْذِبُ شُعَيْرَاتِ شَارِبِهِ كَعَادَتِهِ حِينَمَا يُحَاوِلُ اتِّخَاذَ قَرَارٍ مَا. فَقَدْ بَدَا وَكَأَنَّ صَوْتَيْنِ خَفِيضَيْنِ كَانَا يَقْتَتِلَانِ بِدَاخِلِهِ. قَالَ أَحَدُهُمَا: «امْضِ إِلَى بَيْتِكَ كَأَيِّ صَدِيقٍ صَالِحٍ وَلَا تَتَدَخَّلْ فِيمَا لَا يَعْنِيكَ.» أَمَّا الْآخَرُ فَقَالَ: «تَسَلَّلْ عَائِدًا إِلَى الْجِدَارِ الْقَدِيمِ وَرَاقِبْ ثرثار حَتَّى تَعْرِفَ مَكَانَ بَيْتِهِ الْجَدِيدِ بِالضَّبْطِ؛ فَهُوَ لَنْ يَعْرِفَ شَيْئًا عَنِ الْأَمْرِ أَبَدًا، وَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ.» وَكَانَ ذَلِكَ الصَّوْتُ أَعْلَى مِنَ الْأَوَّلِ، وَقَدْ رَاقَ لِبيتر.

فَقَالَ: «أَظُنُّنِي سَأَفْعَلُ ذَلِكَ.» وَدُونَ انْتِظَارِ رَأْيِ الصَّوْتِ الْأَوَّلِ فِي هَذَا الْأَمْرِ، اسْتَدَارَ وَعَادَ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ بِحَذَرٍ وَهُدُوءٍ بَالِغَيْنِ إِلَى الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ. وَعَلَى مَقْرَبَةٍ مِنْهُ كَانَتْ ثَمَّةَ شُجَيْرَةٌ صَغِيرَةٌ كَثِيفَةٌ. وَبَدَا لِبيتر وَكَأَنَّهَا نَمَتْ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ خُصُوصًا لِكَيْ تُوَفِّرَ لَهُ مَخْبَأً، فَزَحَفَ أَسْفَلَهَا وَانْبَطَحَ عَلَى الْأَرْضِ؛ فَتَسَنَّتْ لَهُ رُؤْيَةُ امْتِدَادِ الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ مِنَ النَّاحِيَتَيْنِ. وَكَانَ ثرثار جَالِسًا حَيْثُ تَرَكَهُ تَمَامًا، وَيَنْظُرُ فِي الِاتِّجَاهِ الَّذِي سَلَكَهُ بيتر عِنْدَمَا وَدَّعَهُ. فَضَحِكَ بيتر لِنَفْسِهِ مُفَكِّرًا: «إِنَّهُ يَنْتَظِرُ لِلتَّأَكُّدِ مِنْ رَحِيلِي قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى بَيْتِهِ الْجَدِيدِ. سَأَخْدَعُهُ هَذِهِ الْمَرَّةَ.»

فَقَالَ الصَّوْتُ الْخَافِتُ: «يَنْبَغِي أَنْ تَخْجَلَ مِنْ نَفْسِكَ أَيُّهَا الْأَرْنَبُ بيتر، لَيْسَ هَذَا مِنْ شَأْنِكَ.»

أَمَّا الصَّوْتُ الْخَفِيضُ الْآخَرُ بِدَاخِلِهِ فَقَالَ: «أَنْتَ لَا تَتَسَبَّبُ فِي أَيِّ ضَرَرٍ؛ فَثرثار لَا يَحِقُّ لَهُ أَنْ يُحَاوِلَ الِاحْتِفَاظَ بِمَكَانِ بَيْتِهِ الْجَدِيدِ سِرًّا، عَلَى أَيِّ حَالٍ.» وَبِسَبَبِ فُضُولِهِ الْكَرِيهِ، رَاقَ هَذَا الصَّوْتُ لِبيتر أَكْثَرَ وَاسْتَمَعَ إِلَيْهِ، وَبَعْدَ بُرْهَةٍ يَئِسَ الصَّوْتُ الْأَوَّلُ وَتَوَقَّفَ.

جَلَسَ ثرثار فِي مَكَانِهِ وَقْتًا بَدَا لِبيتر أَنَّهُ طَوِيلٌ جِدًّا، وَلَكِنَّهُ فِي النِّهَايَةِ هَزَّ ذَيْلَهُ الصَّغِيرَ هَزَّةً مُفَاجِئَةً طَرِيفَةً، وَرَكَضَ مَسَافَةً قَصِيرَةً عَبْرَ الْجِدَارِ الْقَدِيمِ، ثُمَّ بَعْدَ أَنْ أَلْقَى نَظْرَةً خَاطِفَةً حَوْلَهُ اخْتَفَى فِي إِحْدَى الْفُتْحَاتِ، وَبَعْدَ دَقِيقَةٍ أَطَلَّ بِرَأْسِهِ لِيُلْقِيَ نَظْرَةً أُخْرَى ثُمَّ اخْتَفَى ثَانِيَةً، وَكَرَّرَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كَأَنَّهُ قَلِقٌ.

فَضَحِكَ بيتر فِي نَفْسِهِ وَقَالَ: «هَا هُوَ بَيْتُهُ الْجَدِيدُ هُنَاكَ. وَالْآنَ وَقَدْ صِرْتُ أَعْرِفُ مَكَانَهُ، أَظُنُّنِي سَأُسْرِعُ بِالْعَوْدَةِ إِلَى الدَّغَلِ الْعَزِيزِ.» وَكَانَ يَهُمُّ بِالرَّحِيلِ عِنْدَمَا خَرَجَ ثرثار مِنَ الْفُتْحَةِ وَجَلَسَ عَلَى حَجَرٍ كَبِيرٍ. كَانَ يَتَحَدَّثُ بِصَوْتٍ عَالٍ، وَأَصْغَى بيتر إِلَيْهِ؛ وَمِنْ ثَمَّ بَدَأَتْ أُذُنَاهُ الطَّوِيلَتَانِ تَحْمَرَّانِ؛ إِذْ كَانَ مَا سَمِعَهُ الْآتِي:

سَرَّنِي أَنَّ بيتر لَيْسَ بِمُتَلَصِّصٍ؛ فَمَا أَبْغَضَ الْمُتَلَصِّصِينَ!
وَمَا أَفْظَعَ أَنْ يَسْعَى الْبَعْضُ إِلَى التَّطَفُّلِ عَلَى الْآخَرِينَ!

ثُمَّ جَرَى ثرثار مُتَوَارِيًا عَنِ الْأَنْظَارِ، بَيْنَمَا أَسْرَعَ بيتر مُبْتَعِدًا. وَكَانَتْ أُذُنَاهُ مَا زَالَتَا مُحْمَرَّتَيْنِ، وَلِسَبَبٍ مَا لَمْ يَجِدْ مُتْعَةً كَبِيرَةً فِي فِكْرَةِ أَنَّهُ اكْتَشَفَ سِرَّ ثرثار كَمَا تَخَيَّلَ أَنْ يَحْدُثَ. وَفِي فُتْحَةِ الْجِدَارِ الْحَجَرِيِّ الْقَدِيمِ كَانَ السِّنْجَابُ الْأَحْمَرُ ثرثار يَضْحَكُ كَمَنْ يَضْحَكُ عَلَى دُعَابَةٍ رَائِعَةٍ. وَهُوَ مَا كَانَ بِالْفِعْلِ، وَكَانَ الْأَرْنَبُ بيتر ضَحِيَّتَهَا؛ فَهُوَ لَمْ يَكْتَشِفْ بَيْتَ ثرثار الْجَدِيدَ عَلَى الْإِطْلَاقِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤