الفصل العاشر

النظريات الحالية في الفيزياء الرياضية النسبيَّة الخاصَّة والعامَّة١

في التفسير العلمي لظاهرةٍ من الظواهر، لا نكتفي بذكر القانون المعبر عنها، وبيان الطريقة التي تحدُث بها؛ بل نكشف أيضًا عن عِلتها، ونُبين سبب ظهورها، أي أن هذا التفسير لا يمكننا من التنبؤ بها، وذلك هو هدف النظريات العلمية.

والنظريات أعم من القوانين فهي تُعبر عن المبدأ العام لهذه القوانين، وهي تأتي بمنهج في التفسير والبحث، وتكشف بوجهٍ خاص عن علة الظواهر أو سببها.

وأشهر وأهم النظريات الحالية في الفيزياء الرياضية، نظرية النسبية الخاصة والعامة.

وقد ظهرت هذه النظرية في عام ١٩٠١م، بعد سلسلةٍ من التجارب التي بدأها قبل ذلك بعشرين عامًا، العالمان ميكلسون Michelson ومورلي Morley حول موضوع سرعة الضوء. ولما أراد أينشتين تفسير نتيجة هذه التجارب، اقترح أن نتصور المكان الذي ينتشر فيه الضوء على أنه وسطٌ يفرض على الضوء نوعًا من الانحراف الذي يمكن حسابُه مقدمًا، وبتأثير هذا الوسط، يُدرك مختلف القائمين بالملاحظة — أعني علماء الفلك الذين يتأملون السماء من كواكب أو نجوم يتغير موقع كل منها بالنسبة إلى الباقين — نقول يدرك كل منهم سماء مختلفة.

كذلك يتحكم تأثير المكان في ساعاتهم، بحيث إن الوقت الذي يقرؤه كلٌّ منهم يختلف في اللحظة الواحدة، وليس هذا فحسب؛ بل إنَّ كلًّا منهم يقدِّر مرور الزمن تبعًا لسرعة مختلفة.

بل إن هذا التأثير يمتدُّ إلى حدِّ تعديل كتلة الأشياء، لأن هذه الكتلة ليست ثابتة، وإنما تزيد بمقدارٍ محدَّد مع زيادة سرعة هذه الأشياء.

والجاذبية الكونية هي نتيجة هذا التأثير، الذي لا يؤدي إلى انحراف الضوء فحسب؛ بل إلى انحراف حركة الأجسام أيضًا. وهذا هو الذي يبدو لنا في صورة الجاذبية. لأنه عندما يُقال إن كوكبًا «يدور منجذبًا» حول الشمس، مثلًا، فمعنى ذلك أن حركته تنعطف نحو الشمس، ولولا هذا التأثير لسارت في خطٍّ مستقيمٍ وفي اتجاهٍ مطرد. ونحن نعلم أن الثقل حالة خاصة لهذه الجاذبية، وأن الجسم الذي يسقط يُجتذَب، أو يمكن أن يُجتذَب حول مركز الأرض.

ليس التفسير هو القدرة على التنبؤ بالظواهر وإثبات ضرورتها؛ بل هو على الأخصِّ جعلها معقولةً

لكي نفهم ما النظرية، ينبغي علينا أن ندرك، على وجه الدقة، ما الذي نتطلبه من العلم، وما الذي يتسنَّى للعلم أن يقدمه إلينا.

إنا نطلب من العلم أن «يفسِّر لنا الظواهر» فما التفسير؟

  • (١)

    إن تفسير ظاهرةٍ هو القول بإمكان التنبؤ بها، بحيث يقضي على ذلك الشعور الأليم الذليل بالانتظار القلق، الذي يسبق الظاهرة، حين يكون المرء جاهلًا بالعوامل التي تؤدي إلى وجودها حتمًا، أو تلك الدهشة المؤلمة التي تُصاحبها إذا ظهرت دون مقدمات سابقة. والأهم من ذلك أننا نستطيع في بعض الأحيان أن نأمُل في إحداث الظاهرة أو منع حدوثها إذا ما علِمنا شروط حدوثها، وكان من الممكن التأثير فيها، وعلى هذا الأساس يمكن التنبُّؤ بحدوث الخسوف، أو تحقيق الشفاء.

  • (٢)

    ونحن نعلم أن حتمية أية ظاهرة تصاغ في صورة قانون. فالتفسير إذن هو تحديد صيغة «القانون» الذي يكشف عما فيها من «ضرورة».

  • (٣)
    ولكي يصل المرء إلى القانون، يضطر في معظم الأحيان إلى المثابرة على ملاحظة التعاقب المعتاد للظواهر، وهذا ما يُسمى قانونًا «تجريبيًّا empirique» فمثلًا: يعمد المرء إلى وصف المراحل المتعاقبة التي يمر بها مرضٌ خلال تطوره: كالحمى الشديدة أو الخفيفة الدائمة أو المتقطعة، ثم الطفح، وأخيرًا ظهور القشور، غير أن المرء لا يقنع بهذا. أولًا لأنه لا يستطيع التنبؤ عن يقين طالما كان يقتصر على الملاحظة التجريبية لتعاقب الحوادث، وقد لفت ليبنتز٢ الأنظار إلى أن تعاقب الليل والنهار على نحوٍ ما يُلاحَظ تجريبيًّا، ليس أمرًا مضمونًا على الإطلاق، فهناك خطوط عرض يُقضى فيها على الليل في خلال جزء من السنة، بينما يحدث العكس خلال جزءٍ آخر. وأورد لتوضيح فكرته مثال «نوفازمبلا Nova Zembla» (زمبلا الجديدة التي تقع جنوب الدائرة القطبية الشمالية). فالمرء لا يمكنه التنبؤ عن يقين، طالما ظلَّ في مستوى «القانون» التجريبي وفضلًا عن ذلك، فإن رسالة الإنسان العُليا تقتضي منه ألا يقتصر على «التنبؤ» بل أن يسعى إلى «الفهم»، فتفسير الظاهرة هو جعلُها مفهومةً ومعقولةً.

التفسير بالقانون يجب إكماله بمعرفة السبب

إذا أردنا أن نفهم فمن الواجب معرفة السبب. ففي الطلب مثلًا لا تكتمل دراسة الأمراض (Nosologie) ولا دراسة الأعراض (Sémiologie) إلا إذا ارتبطتا بدراسة الأسباب (Etiologie)، ولكلمة السبب في مناهج البحث العلمي مَعنيان مختلفان كل الاختلاف، نرى أن نطلق عليهما اسم «المعنى الأكبر» والمعنى الأصغر. فبالمعنى الأصغر يكون السبب عنصرًا في القانون؛ فهو الظاهرة السابقة التي لا بدَّ «من وجودها» لحدوث الظاهرة التي يدور حولها البحث، فسبب النزلة الشُّعبية مثلًا هو التعرض للبرد، أما بالمعنى الأكبر، فالسبب هو عملية كيميائية تغير أنسجة الشعبتَين أو الرئتَين، وتؤدي إلى الإكثار من جراثيم معينة، فتثار عندئذٍ مجموعة عمليات منعكسة تؤدي إلى الحمى (وإن يكن الرأي لم يستقر بعد هذا التعليل). وبعبارة أخرى، فالسبب بالمعنى الأصغر يقف في نفس مستوى الظاهرة المراد تعليلها، وكل ما في الأمر يسبقها ويرتبط بها القانون أما بالمعنى الأكبر، فهو يكمن وراء الظاهرة، وينتمي إلى مستوى من مستويات الواقع أبعد غورًا وأكثر خفاء، ولكنه أقرب إلى العقل. وهكذا نفهم لماذا كانت المناطق القطبية تتمثَّل فيها تلك الظاهرة المزدوجة ظاهرة «الليالي البيضاء» في التعامد (الاعتدال) الصيفي، وظاهرة الليل ذي الساعات الأربع والعشرين، في التعامد (الاعتدال) الشتوي، وهي ظواهر يُعللها ميل المدار الشمسي نحو خط الاستواء.

ونقول بعبارةٍ أخرى أن سبب الظاهرة بالمعنى الأصغر، هو إجابة عن السؤال «كيف تحدث الظاهرة؟» وبالمعنى الأكبر. هو إجابة السؤال «لمَ؟» وهو السؤال الحقيقي.

ولنوضح هذه الفكرة مرةً ثانية بتعبيرٍ آخر فنقول إن السبب (الأصغر) يتركنا في مستوى الظواهر أي «المحسوس»، والسبب «الأكبر» يدفعنا إلى الدخول في ميدان «المعقول». وفي المثال الأخير الذي عرضناه، كما في أمثلة أخرى عديدة تُستمدُّ من البحث الكوني والفلكي، يكون الطابع العقلي رياضيًّا فحسب. وهو ينحصر كما كان يقول أنصار فلسفة ديكارت في أن نستبدل بالشمس المحسوسة، التي تُدفئ وتضيء، والتي لا تزيد في حجمها عن حجم منزل يبعُد عنَّا بضع فراسخ، شمسًا معقولة، رياضية خالصة، أكبر من الأرض بكثيرٍ وتقع على مسافة هائلة منها، وليست في حقيقة الأمر حارَّة ولا مضيئة، وإنما تبعث إشعاعات تختلف أطوال موجاتها، وتبعث فينا «إحساسًا» بالحرارة والضوء.

فتفسير ظاهرةٍ ما، هو بيان سببها، والدخول، عن هذا الطريق إلى ما أسماه أفلاطون «بالعالَم المعقول». ولقد كان أفلاطون يقول إن المعقول هو «الحقيقة» التي لا يعدو المحسوس أن يكون «مَظهرًا» لها. أما المحدثون فيميلون إلى التعبير عن هذه الفكرة بطريقة مختلفة بعض الاختلاف مؤداها أن المعقول هو «التركيب الباطن» للمحسوس، وهو أساس حقيقته.

النظريات العلمية هي تفسيرات عن طريق السبب

ظلَّ العلماء، طوال ما يقرُب من قرنَين من الزمان (القرنين الثامن عشر والتاسع عشر) يمتنعون عن التفسير بالسبب، ويقتصرون على التفسير بالقانون. وهذا هو ما أسماه «أوجست كونت» بالوضعية.٣ فقد امتنع الفلاسفة عن الإجابة عن السؤال: لمَ؟ ولم يسمحوا إلا بالإجابة عن السؤال: كيف؟
وهاك السبب: فمن المعروف أن نيوتن قد كشف عن قانون الجاذبية العامة في ١٦٨٧م أي في السنوات الأخيرة من القرن السابع عشر، وكان في هذا الكشف أنموذج رائع للمنهج الرياضي في علم الطبيعة،٤ غير أنَّ هذا الكشف ذاته كان يبعث في الأذهان سؤالًا مُلِحًّا هو: لماذا تتجاذب «كل» الأجسام تبعًا لهذا القانون؟ ومن أين اكتسبت المادة، إلى جانب صفاتها المعروفة والتي تبدو في نظرنا معقولة تمامًا كالامتداد، والحركة أو القصور الذاتي، تلك القدرة على الجذب من بعيد، وفي الحال؟ إنها قدرة عجيبة، تُذكِّرنا بالرغبة، وبالحب وتُقرِّب المادة من الروح. ولقد أدرك نيوتن هذه المشكلة بوضوح، ولكنه «أبى» أن يَحلَّها، وهكذا كتب في «الاستنتاج العام» الذي ختم به كتاب «المبادئ» يقول: «إنني لم أستطع الوصول حتى الآن إلى استنتاج سبب صفات الجاذبية هذه من الظواهر، ولست أودُّ أن أخمن فروضًا hypotheses non fingo إذ إن كل ما لا يستنتج من الظواهر يُعد فروضًا، والفروض … لا مكان لها في الفلسفة التجريبية.»٥ ولنلاحظ أن نيوتن يقول: لم أستطع «حتى الآن». مما يدلُّ على أن المشكلة كان لها معنى في نظره، على أن تلاميذه المباشرين وبخاصة «روجر كوتس Roger Cotes»، ثم تلاميذه الأبعد من هؤلاء، وهم رجال الموسوعة مثل (دالمبيير D. Alembert) والأبعد من الآخرين (في القرن التاسع عشر)، مثل أوجست كونت «والوضعيين» قد بالغوا كثيرًا في تأكيد فكرة نيوتن، فقالوا: إن المشكلة لا معنى لها، وليس لها وجود. فليس ثمة سبب للجاذبية؛ بل هي خاصة أولى للمادة، وليس لهذا النوع من المشاكل معنى علمي؛ فالعلم يستبعد الفروض، ولقد كان أوجست كونت يَنهى العلماء عن الخوض في النظريات المتعلقة بالتركيب الداخلي للمادة؛ بل في النظريات المتعلقة بالتركيب الكيميائي للنجوم.

على أن العلم المعاصر، منذ نهاية القرن التاسع عشر، قد أحلَّ لنفسه كلَّ هذه «المحرمات» واتخذ «النظريات» أساسًا له.

والمقصود بالنظرية (وهي ما يُسمِّيه نيوتن «بالفرض»)٦ تركيب علمي تتمثل فيه الخصائص الآتية:
  • (١)

    أنها عامَّة؛ فهي تنتظم علمًا أو عدة علوم، كالطبيعة والكيمياء بأسرها مثلًا، أو علم الحياة بأكمله.

  • (٢)

    أنها أشبه بالمبدأ (وذلك هو معنى الكلمة اليونانية) الذي تخرج منه سلسلة من القوانين.

  • (٣)
    أنها تأتي بمنهج للتفسير وللبحث.٧
وقد بدت هذه المسائل الثلاث كافية لمدرسة كاملة من العلماء والفلاسفة المحدثين، تجمعهم النزعة الوضعية (positivistes) أو كما يقال، النزعة «الاسمية»، بدرجات متفاوتة. ففي رأي هؤلاء أن التقدم الذي ننتقل به من القانون إلى النظرية ليس إلا تقدمًا في العرض، وفي «التعبير» عن القوانين وليس تقدمًا في التفسير مُطلقًا فالقوانين والنظريات صِيَغٌ ملائمة تشير إلى حقائق، ولها قيمة «التعريفات» على نحوٍ ما. وذلك هو الرأي الذي نجده لدى بيير دويم Pierre Duhem٨ وهنري بوانكاريه H. Poincaré.٩

ولكن وجهة النظر «الاسمية» لا تُضفي على الدور التنظيمي للنظريات في علم الطبيعة ما يستحقه من قيمة. فهذه النظريات تأتي أيضًا بأساس القانون، أو «بالسبب» كما قُلنا من قبلُ.

وتقدم إلينا نظرية النسبية الخاصة والعامة سبب الجذب الذي لم يكن نيوتن قد اهتدى إليه بعدُ. كما أن نظريات الانفصال discontinuité تعرفنا بالتركيب الداخلي للمادة والطاقة.

نظرية النسبيَّة الخاصَّة امتداد لمبدأ النسبيَّة

سبق أن أوضحنا معنى النسبيَّة في العلم، كما فحصنا فكرة النسبية من قبل، فلنُعِد ذِكرَ الجزء الثاني من مبدأ النسبية، وهو الجزء الذي يُهمنا وحده في هذا الصدد. ففي الملاحظة يجب أن نحسب حسابًا للملاحِظ، وبعبارة أخرى فالملاحظة ترتبط بالملاحظ، وهي ترتبط بوجهٍ خاصٍّ بموقع مكان الملاحِظ وحركته، ومكان الملاحظة بالنسبة إلينا هو الأرض في كل الأحوال.

وليس بديهيًّا أن الذي يلاحِظ وهو مرتبط بالأرض يستطيع أن يُجري نفس الأقيسة الفلكيَّة التي يجريها ملاحِظ يرتبط بكوكب آخر، إذ إن هذين الملاحِظَين تدفعهما حركتان مختلفتان، فالواجب إذن أن ندرس عن كثب كيف تؤثر حركتهما النسبية في ملاحظاتهما.

ولقد قلنا إن تطبيق الرياضيات على علم الطبيعة قد سمح بالتعبير عن هذا الارتباط، وكان ذلك بصور عديدة: ففي حالات معينة. الملاحظة ذاتها، ولكن في حالات أخرى — وهي التي تُهمنا في هذا المقام — لم يسمح هذا التطبيق إلا بالتنبؤ بالطريقة التي تبدو بها الظاهرة الملاحظة لو تأمَّلناها من مكان آخر للملاحظة. ويبدو هذا النوع من التحديد في الإدراك الحسي ذاته. فعندما نرى مكعبًا موضوعًا على منضدة، يمكننا أن نتكهن، بناءً على مناهج هندسية خاصة، كيف سيراه جار يُوجَد في وضع بعيد، أو في مكان يرسم زاوية قائمة مع مكاننا. وفي الفلك، تسمح الرياضيات بتصوُّر السماء كما يشاهدها أحد سكان المريخ أو عطارد. وبالاختصار، فإن فرض «كبرنك» ينحصر في أنه يستند إلى الرياضيات لكي يؤكد أنه لو وُجِد في الشمس ساكنٌ لرأي الكواكب، ومنها الأرض تدور حول ذلك النجم في مدارات مغلقة بسيطة تمامًا، هي دوائر كما يَصفها «كبرنك» وبيضاويات كما يؤكد «كبلر» على نحوٍ أدق.

فمَن الذي يكون على صواب، ويرى الحقيقة خيرًا من الآخر، ساكن الأرض أم ساكن الشمس؟ لقد تطور موقف العلم في هذه المسألة. ففي وقت كبرنك وكبلر، كان العلماء من أتباع كبرنك يقولون: إنه ساكن الشمس. على أن السبب الوحيد لقولهم هذا هو أن رؤيته أبسط وأكثر إرضاء للذهن، ولم يكن لديهم أي برهانٍ آخر على هذا الرأي؛ بل لقد اضطروا في واقع الأمر إلى وضع مبدأ يُعبِّر عن استحالة إيجاد أي برهانٍ آخر، هو مبدأ «القصور الذاتي interite». والتعبير الشائع عن هذا المبدأ هو: الجسم الذي لا تعترضه أية قوة أخرى، فالتعبير الصحيح عن مبدأ القصور الذاتي هو: الملاحِظ الذي يتخذ له موقعًا داخل نسق معين، لا سبيل له إلى معرفة ما إذا كان النسق ساكنًا أو متحركًا حركة مستقيمةً مطردة، ويترتب على ذلك أن الملاحِظ الذي يسكن الأرض ليس مُلزمًا بإدراك أن الأرض متحركة،١٠ فهو إذن على حق حين يعدها ساكنة. ولكن جميع الملاحِظين الآخرين الذين ينتمون إلى الكواكب الأخرى، الشمسية منها والتابعة، مُحقُّون بدورهم إذ يعدون أنفسهم ساكنين، ويؤكدون أن الأرض متحركة. فينبغي أن نبحث في الرياضيات عن وسائل تحويل الوصف الذي يُقدمه أحد الملاحظين إلى لغةٍ تُعبر عما يمكن أن يراه ملاحِظ آخر، وذلك مثلما نُحوِّل التوقيت المحلي لمدينة باريس إلى التوقيت المحلي لمدينة نيويورك.

فإذا ما سلَّمنا بهذا، كان لزامًا علينا، وفقًا لمبدأ القصور الذاتي، أن نقول عندئذٍ إنه ليس هناك ملاحِظ مميز، وليس هناك مكان مُطلَق للملاحظة، أعني مكانًا يرى فيه المرء المظاهر الحقيقية للسماء. فجميع المظاهر لها أساس على الأقل، إن لم تكن كلها صحيحة، وذلك وفقًا لمبدأ القصور الذاتي نفسه. ذلك هو «مبدأ النسبية عند نيوتن».

ولم يتيسر وضع هذا المبدأ إلا بعد تقدُّم ملحوظ في الرياضيات ساعدَ على الترجمة المتبادلة للمظاهر التي تبدو لملاحِظين مختلفين؛ وهي الترجمة التي تبلغ حدًّا عظيمًا من الصعوبة.

غير أن جميع مفاهيم الحركة النسبية والمطردة، ومبدأ القصور الذاتي، قد بُنيت على تصوُّر مكان مُطلق وزمان مطلق. وهذه المفاهيم هي التي ينبغي إعادة النظر فيها؛ لأنها لا تسمح بتفسير تجربة فيزيائية تُثير الدهشة، وهي تجربة ميكلسون ومورلي، التي لعبت دورًا حاسمًا في تطور العلم، وإنه لمن الغريب حقًّا أن يُصبح لهذه التجربة التي أُجريت في علم الطبيعة، مثل هذا الأثر الهائل في أفكارنا عن المكان والزمان. وفي نظرياتنا الفلكية والكونية.

(١) تجربة ميكلسون ومورلي

انتهى الأمر بنظريات الضوء إلى الاستقرار على النظرية التموجية، التي تؤكد أن الضوء «موجة»، أي أنه اهتزاز ينتشر في دوائر ذات مركزٍ واحد هو مصدر الضوء. ولكن، كما قال عالِم إنجليزيٌّ بتعبيرٍ ساخر: لا بد من فاعل لفعل «التموج»، أي من الضروري أن يُحدد الفرض «ما الذي» يتموج. وهكذا سلَّم الباحثون بأن الموجة هي اهتزاز ينتقل في وسطٍ سيَّال إلى أبعد حدٍّ، وغير مادي تقريبًا، يُسمى «بالأثير» وهنا يعرض لنا سؤال: إذا ما صدرت إشارة ضوئية من نقطة متحركة، فما مركز الكرة الذي ينبعث منه الضوء؟ أهو النقطة المتحركة؟ أم هو مكان معين في الأثير كانت هذه النقطة فيه عندما أطلقت الإشارة؟ يبدو أن الحُكم السليم يدفع إلى الجواب بأنه مكان مُعين في الأثير، ولكن هذه الإجابة تؤدي إلى النتيجة التالية: عندئذٍ يمكن معرفة الحركة «المطلقة» للنقطة وقياسها؛ لأن سرعة الضوء تزداد أو تنقص، بالنسبة إلى الملاحِظ المرتبط بالنقطة تبعًا لمدى اقتراب الملاحِظ من نقطة الأثير التي انبعثت منها الإشارة، أو ابتعادِه عنها.

على أن تجربة «ميكلسون» و«مورلي» قد أسفرت عن ضرورة التخلي عن هذا الافتراض الذي يبدو طبيعيًّا تمامًا في نظر الذهن المعتاد. ولقد أمكن تفسير النتيجة السلبية لهذه التجربة عن طريق «مبدأ النسبية» الذي وضعه أينشتين، ألا وهو أن: أية تجربة فيزيائية — سواء أكانت مغناطيسية كهربية أم ميكانيكية١١ — تجرى داخل إطار نسق من النوع المنسوب إلى جاليليو (أي تتحرك فيه نقطة مادية حرة حركة مُستقيمة مطردة، أو تظل ساكنةً) لا تسمح بتوضيح حركة هذا النسق بالنسبة إلى نسقٍ آخر من نفس النوع.

(٢) فلنصِف إذن تجربة ميكلسون ومورلي

مبدأ التجربة: لنفرض أن مصدرًا للضوء م يبعث شعاعًا ضوئيًّا في الاتجاه م ع ويصادف هذا الشعاع في ع عدسةً زجاجية مائلة بزاوية قدرها ٤٥ درجةً على الاتجاه م ع، فيخترق جزءٌ من الشعاع العدسة ويواصل سيره في الاتجاه ع ك، وينعكس جزء آخر بزاوية قائمة في الاتجاه ع كَ، وفي ك، كَ توضع مرآتان تعيدان الضوء إلى ع.

فلنتأمل الجزء ع ز، وهو الجزء المخترق للعدسة من كَ ع، والجزء ع ز، وهو الجزء المنعكس على العدسة من كَ ع. هذان الجزآن.

يتطابقان أي أنهما يتداخلان ونتلقاهما في «جهاز لقياس التداخل interférométre» يسمح بملاحظة حافات الضوء المتداخلة Franges d’interférence وبتحديد موضع هذه الحافات بدقة، وقياس بُعد كل منها.

وينظم طول الذراعين ع ك، ع كَ في الجهاز بدقة، بحيث إن الحافات تمثِّل إضافةً للموجتَين، وتبيَّن بذلك أن المسارات ع كَ، ع ز، ع كَ، ع ز تحدث في وقتٍ واحد.

عندئذٍ يدار الجهاز ربع دورةٍ في المستوى الأفقي، بحيث إن الفرع ع كَ مثلًا، الذي كان متجهًا من قبلُ من الجنوب إلى الشمال، يصبح متجهًا من الشرق إلى الغرب، والعكس إلى الفرع ع ك.

فما الذي يحدث في هذه الحالة؟

لنفرض أن الأرض، وبالتالي الجهاز، ساكنةٌ بالنسبة إلى الأثير، أي ساكنة سكونًا «مطلقًا» عندئذٍ يظل المساران، بعد تنظيمهما بحيث يحدثان في وقتٍ واحد، مقترنَين في الزمان، وتظل الحافات الضوئية المتداخلة في نفس مواضعها.

ولكن، لنفرض على العكس من ذلك، أن الأرض والجهاز — كما تقول نظرية «كبرنك» — متحركان، أي أن موقعهما بالنسبة إلى الأثير يتغير، ولنفرض مثلًا أن الأرض والجهاز يتحركان في اتجاه السهم س. فخلال الوقت الذي يستغرقه الضوء ليسير من ع إلى ك، ثم من ك إلى ع، تكون النقطة ع قد انتقلت بالنسبة إلى الأثير؛ فلا يكون المسار الذي يقطعه في الأثير الشعاع الراجع إلى ع هو ع كَ، ع، وإنما ع١ كَ ع٢ بحيث تمثل النقطتان ع١، ع٢ الموقعين اللَّذين يحتلهما ع في الأثير في بداية ونهاية مسار الشعاع ويكون شكل الضوء الذي يرسمه الأثير غير مطابق للشكل المادي للفرع ع كَ في الجهاز. فالثاني خطٌّ مستقيم، والأول مثلثٌ متساوي الساقين ارتفاعه هو هذا الفرع.

أما الشعاع ع ك، فيتقدم خلال هذا الوقت في اتجاه السهم، وإن تكن حركته أسرع بكثير من الجهاز فيُقابل المرآة ك على مسافة «أبعد قليلًا» في الأثير من تلك التي كان ينبغي أن يقابلها فيها. وفي العودة يقابل ع في نهاية مسار «أقصر قليلًا».

على أنه يتَّضِح بالحساب أن المسار المتعامد على السهم «يزداد تغيرًا» بالنقلة عن المسار الآخر الذي يحدُث في اتجاه السهم. فلكي يصل الضوء من العدسة ع إلى المرآة كَ ثم يعود، يسير في طريقٍ أطول منه حين يصِل من القطعة ع إلى المرآة ك ويعود، وذلك إذا افترضنا أن الذراعَين متساويان «من الناحية الهندسية».

وإذن، فإذا نُظم الجهاز بحيث يقوم بربع دورة في الاتجاه الأفقي، فإن عدم تساوي هذين الذراعَين لن يُعوِّض عدم تساوي المسارين، ولن يستطيع المساران الاقتران في الزمان، ولن يعود التداخل بعد ذلك بالطريقة السابقة. وهذا ما سوف يسجله جهاز قياس التداخل.

فلنلخِّص هذه المناقشة: إذا كانت الأرض تتحرك بالنسبة إلى الأثير تبعًا لما يقضي به فرض كبرنك، فمن الواجب أن تكشف تجربة ميكلسون ومورلي عن هذه الحركة بتغيير موضع خطوط الأشعة في كل مرةٍ يكون الجهاز فيها قد نُظِّم بحيث يتفق الوقت بالنسبة إلى اتجاه معين، ونجعل اتجاهه عموديًّا.١٢
نتيجة التجربة: على أن التجربة١٣ التي أُجريت على هذا النحو لم تؤدِّ أبدًا إلى تغيُّر موضع الخطوط، وهكذا تجري الأمور كما لو كانت الأرض ساكنةً في الأثير. ولتفسير هذه النتيجة الغريبة جرَّب بعضهم فرضًا قديمًا جدًّا، وهو التقلص (Cantraction) الذي قال به فتزجرالد Fitzgerald ولورنتز Lorentz. فالتجربة تخطئ بالقدر المناسِب الذي يؤدي إلى عدم إدراك تغير السرعة، والأدوات تتقلص بهواء الأثير الذي تُحدثه حركة الأرض.

ويُكمل فرض تقلص الأطوال هذا فرض آخر هو تمدد الزمان؛ فانكماش الأطوال وتمدد الزمان يبدوان نتيجتَين لمعادلات لورنتز التي سوف نتحدث عنها الآن.

التفسير الذي اقترحه أينشتين: غير أن «ألبرت أينشتين»١٤ هو الذي تقدَّم، في مُستهل هذا القرن، بتفسيرٍ شامل بالمعنى الصحيح لهذه الفروض المختلفة، وذلك حين وضع نظريته في «النسبية». ونقطة بداية هذه النظرية هي: من المحال أن نُفاضل، بوسائل فيزيائية، حتى لو كانت هذه الوسائل تجارب في الضوء، بين ملاحظات يقوم بها ملاحظون يتحرك كل منهم بالنسبة إلى الآخرين. بل الكل على حقٍّ. ولنعبر عن هذه الفكرة بالتعبير الرائع الذي وصفها به الفلكي الإنجليزي جينز. فكل ملاحِظ يجرُّ أثيره معه، وذلك شبيهٌ تمامًا بمَن يلاحظ قوس قزح، فإنه يرى قوس قزحه الخاص ويجرُّه معه.

وعلى هذا النحو يمكن الإبقاء على مبدأ النسبية، وفي الوقت ذاته، تصبح الظواهر قائمةً على أسس مشروعة، ولكن ذلك يفضي إلى تعقيد هائل للصيغ الرياضية الخاصة بالميكانيكا التقليدية، مما أوجب إدخال مناهج رياضية جديدة.

المفارقات الناجمة عن هذا التفسير: أدَّت هذه الآراء إلى نتائج مفرطة في غرابتها، في نظر التفكير العادي، أهمها ما يلي:
  • (١)
    نسبية التزامن Relativite de la simultaneite نحن نقرُّ بأن الحادثَين يكونان متزامِنَين إذا كانت الأشعة المضيئة التي تُنبئ عن وجودهما، والتي يفترض اتحاد طولها، تصل معًا إلى الملاحظ، على أن الحادثَين المُقرنَين «في نظر» ملاحِظ معين، ليسا كذلك «في نظر» ملاحِظ آخر بالنسبة إليه، إذ إن أحدهما يذهب لمقابلة الضوء، أو يبتعِد عنه، أما الآخر فينتظره. ولقد كان الرأي القديم هو أنَّ أحدهما مُخطئ والثاني مُصيب، ولكن الحق أن كليهما على صواب «فسرعة الضوء واحدة بالنسبة إلى الاثنين معًا».
  • (٢)

    نسبية المسافة: إن قياس المسافة يفترض التزامن، لأن قياس مسافةٍ ما، هو العمل على انطباق طول «مُحدد من قبل» على طول «معطى لنا». على أن هذا يفترض أنه متى انطبق الطولان في طرفٍ فإنما ينطبقان في الأطرف الأخرى في نفس اللحظة، وإذن فالمسافة نسبية هي الأخرى باعتبار الملاحظين، وذلك على الأقل بالنسبة إلى المسافة «الطولية» أي في اتجاه حركتهما النسبية، فالموضوع إذن يتغيَّر شكله بالنسبة إلى الملاحِظ الذي يراه من مركزٍ خارجي، وينكمش في نظره في اتجاه الطول. وهكذا نهتدي مرةً أخرى إلى التقلُّص الذي قال به فتزجرالد ولورنز، في صورة «المظهر الذي يبدو للملاحِظ الخارجي».

  • (٣)
    نسبية الزمان. نظرية «الزمان المحلي»: ليس موضوع بحثنا هذا هو ما يُسمِّيه الفلاسفة بالزمان، وإنما هو الزمان الذي يَقيسُه علماء الفيزياء. هذا «الزمان الفيزيائي» يُقاس بوساطة «الساعات» في علاقتها بظواهر مُحددة بدقة (كحركات، الأفلاك، واهتزازات ضوء ذي لونٍ واحد). فكل «ساعة» تتَّخِذ الثانية مثلًا وحدةً زمانية، والثانية هي الوقت الذي يعبُر فيه الضوء ٣٠٠٠٠٠ كيلو متر. ولما كانت المسافة نسبية باعتبار الملاحظين، فإن الثانية نسبية هي الأخرى، فعندما يكون أحد الملاحظين متحركًا بالنسبة إلى الآخر، فإن الثانية التي يعترف بها تبدو أطول من اللازم في نظر الملاحِظ الآخر. ولما أراد لانجفان Langevin أن يُبين إلى أي مدًى يستطيع البحث النظري الاستمرار في هذه المسألة، اقترح مثلًا غريبًا، أصبح فيما بعدُ مثلًا مشهورًا؛ فالمسافر الذي يُغادر الأرض في قذيفةٍ سرعتها ٢٩٩٧٥ كيلو مترًا في الثانية، ويقفز في طريقِهِ بعيدًا، ثم يعود بعد سنتَين، يجد أن الأرض قد انقضى من عمرها مائتا عام.١٥
  • (٤)

    نسبية السرعات: وهي نتيجة لنسبية الزمان، فالملَّاحون المختلفون لا يَقيسون الزمان بطريقة واحدة، ولا يُحدِّدون للسرعات نفس القيمة. وهذا يؤدي إلى هدم دعائم الميكانيكا بأَسرِها، إذ إنه عندما يؤلِّف المرء بين السرعات، فإن تقديرها لا يكون راجعًا إلى ملاحِظٍ واحد، فالصائد بالسنارة يُقدِّر سرعة السفينة بالنسبة إلى الشاطئ، والملاح يُقدِّر سرعة البحارة بالنسبة إلى السفينة التي يظل الملَّاح ساكنًا عليها، ويُعيد الصياد تقدير النتائج من جديدٍ فيعمل على إحداث «نقصان» فيها؛ إذ لما كان الملاح متحركًا بالنسبة إليه، فإنه يبدو له أن ساعته أكثر بطئًا مما ينبغي، أي أنه يغلو في تقدير السرعة، ويزداد مقدار النقصان الذي يفرض عليه بازدياد سرعة السفينة.

  • (٥)
    تغير الكتلة مع السرعة: لنفرض أن عاملًا ثابتًا من عوامل العجلة قد أثَّر في كتلةٍ ما. عندئذٍ تُضاف سرعة ثابتة إلى هذه الكتلة في نهاية كل وحدةٍ زمنية، ولكن، نتيجةً لما قُلناه منذ برهةٍ يُصبح الناتج في كل مرةٍ أقل من مجموعات السرعات (والحساب يثبت أنه يزداد قلة بالتدريج). وتضعف عجلة السرعة accélération بالتدريج، ويُثبت الحساب أنها تنعدِم تمامًا عندما نصِل إلى سرعة الضوء. على أن كتلة الجسم هي سبب نقصان السرعة التي تُعطى له. ومن هنا كانت هذه الكتلة تتزايد مع السرعة، وتُصبح لا نهائية عندما يبلغ الجسم سرعة الضوء.١٦

ولنقدِّم هنا إلى القرَّاء الذين اعتادوا البحوث الرياضية، ما يُقابل هذه النتائج المتعاقبة للنسبية من تعبيرات جبرية.

فلنفرض حادثًا تُحدِّده أربعة إحداثيات س، ص، ك، ل، وذلك تبعًا لنظامٍ مُعين في الإشارة، ولنفرض أن إحداثياته الجديدة سَ صَ كَ لَ، في نظامٍ آخر مُتحرك على طول المحور س للنسَق الأول بالسرعة ع، هذه الإحداثيات تُحدد بوساطة مجموعة ذات أربعة معادلات، ويُطلق اسم «مجموعة جاليليو» على هذه المعادلات كما كانت تُصاغ قبل نظرية النسبية بينما يُطلق اسم مجموعة لورنز على صورتها الجديدة.

وفضلًا عن ذلك، فبينما نجد في نظام جاليليو أن السرعة الناتجة هي الحاصل الموجَّه Somme vectorielle للسرعات المكونة نجد في نظام لورنز أن السرعة الناتجة هي:١٧

نظرية النسبيَّة الخاصة تُثبتها التجربة، كما ينبغي أن يحدث في كل نظرية

تبلغ النظريات حدًّا من العموم ومن البُعد عن الوقائع قد يؤدي بالمرء إلى الظن بأنها لم تَعد خاضعةً للإثبات التجريبي. غير أن هذا خطأ، فالنظريات تجريبيةٌ شأنها في ذلك شأن القوانين، أي أنها تخضع للتجريب. وهذا ما يُضفي عليها طابعها العلمي، وينبغي أن تتخذ صورة من شأنها أن يكون من الممكن تصوُّر وجود ظاهرة واحدة تستطيع تكذيبها. وبعبارةٍ أخرى، يجب ألا تتشكل بصورة من شأنها أن تُكذِّب مقدمًا الظواهر المضادة لها، وتلك إحدى الصفات التي تميزها من المعتقدات الخرافية، إذ إن الخرافة تتمثل دائمًا على صورة من شأنها، إذا ما كذبتها التجربة، أن نستشهِدَ باستثناءٍ مفهوم ضمنًا، أو بسوء فهمٍ يقضي على تفنيد الواقع لها؛ فالعدد ١٣ مثلًا يجلب الحظ السيئ، ولكنه قد يجلب حظًّا سعيدًا في بعض الظروف التي لا تُحدَّد بدقة، وقد تُوجَد حركات أو طقوس غير محددة تسمح بالتغلُّب على شؤمه. غير أن الأمر ليس كذلك في النظرية العلمية، فلا بدَّ أن يكون في وسع المرء أن يتصوَّر مقدمًا تجربة تُخطِّئها على نحوٍ قاطع. وذلك ما يعنيه «شوستر Schuster بكلمته التي اقتبسها الكيميائي ديكلو Duclaux» إن النظرية لا تساوي شيئًا إذا عجز المرء عن إثبات فسادها.١٨

فإذا كانت نظرية الزمان المحلي صحيحة، وإذا كانت الأشعة المضيئة هي ساعات، فلا بدَّ أن الضوء الآتي من نجمٍ يتمثَّل فيه الفرق بين الزمان المحلي للنجم والزمان المحلي للأرض، وذلك عن طريق تغييرٍ طفيف في ذبذبته. ويجب التعبير عن هذا التغيير بوساطة «تغير موضع الخطوط الضوئية» التي تكوِّن طيف هذا الضوء. ولقد أمكن ملاحظة هذا التغيير وحسابه، والاهتداء إليه طبقًا لما تقول به النظرية النسبية.

وإذا كانت الكتلة تزداد مع السرعة فلا بد أن يلاحَظ ازدياد في الكتلة عندما تُصبح السرعات مرتفعةً بالمقدار الكافي، على أن الأمر قد انتهى بالتجربة إلى إعطائنا سرعات عظيمة إلى حدِّ أنه يمكن التحقق منها؛ فالأشعة السالبة Cathodiques وأشعة بيتا B في الأجسام ذات الطاقة الإشعاعية هي جزيئات مادية. وقد أمكن قياس سرعتها، فإذا بها من ١٠٠٠ إلى ٥٠٠٠٠كم في الثانية. وهكذا أمكن قياس كتلتها وتبيَّن أنها تزداد مع سرعتها وفقًا لما تقول به نظرية النسبية.
وإذا كانت الميكانيكا الجديدة، التي نشأت عن نظرية النسبية صحيحة، فإن السرعة الناتجة عن جذب جسم يجب ألا تكون معادلة للحاصل الجبري لسرعة الجسم وسرعة الجذب؛ بل هي أقل من هذا الحاصل بمقدارٍ يمكن حسابه، وبالفعل استخدم كل من «فيزو Fizeau» (١٨١٩–١٨٩٦م) ومن بعده زيمان Zeeman (المولود في ١٨٦٥م)١٩ طريقة تجريبية لتحديد سرعة الضوء في الماء المتحرك، وكشفَا عن هذا الأمر العجيب؛ فهذه السرعة تظلُّ أقل من سرعة الضوء، في الماء مضافًا إليها بالحساب الجبري سرعة التيار. وتفسر نظرية النسبية الفارق القريب الذي نلاحظه تفسيرًا دقيقًا.

ففي وسعنا القول إذن بأن نظرية النسبية الخاصة قد حُققت تجريبيًّا.

نظرية النسبية العامة، وهي تطبيق النظرية السابقة على حركات الجذب، تفسر الثقل

لم تكن الصورة الأولى لنظرية النسبية الخاصة تصدُق إلا على حيزٍ محدود من الظواهر (والمقصود بالخاصة، أنها تختص فقط بدراسة الحركات المطَّردة التي تسير في خطٍّ مستقيم). وفي ١٩١٦م تقدم أينشتين بنظرية «النسبية العامة» التي تنطبق على كل الحركات أيًّا كان مسقطها وعجلتها.

ومن المبادئ الأساسية للنسبية العامة، مبدأ التكافؤ بين أي مجال للجاذبية وأي مجال للقوة راجع إلى حركة ذات عجلة. وقد صاغ «أينشتين» هذا المبدأ عندما تأمَّل المعنى المزدوج لكلمة الكتلة. ففي حالات مُعينة يُنظَر إلى الكتلة على أنها مُعامل للجذب (الكتلة ذات الثقل)، وفي حالات أخرى على أنها مُعامل للقصور الذاتي inertie (الكتلة ذات القصور الذاتي masse inerte).

وفي الحالة الأولى تربط المفاهيم الأساسية بالعلاقات الآتية:

القوة = الكتلة ذات الثقل × كثافة مجال الثقل.

وفي الحالة الثانية، تربط بالعلاقة الآتية:

القوة = الكتلة ذات القصور الذاتي × العجلة.

وبمقارنة هذَين التعبيرَين عن القوة، نصل مباشرة إلى العلاقة الآتية:
العجلة = × كثافة حدة المجال.
ولكن التجربة تثبت أن عجلة الجسم، في مجال الثقل الواحد، لا تتوقف على طبيعته (وهذا ما يعبر عنه القانون المعروف، القائل إن كل الأجسام تسقط في الفراغ بسرعةٍ واحدة) فلا بد إذن أن تكون: العلاقة بين علاقةٌ ثابتة مستقلَّة عن طبيعة الجسم. فإذا اخترنا الوحدات الطبيعية بحيث تكون هذه العلاقة مساوية لواحدٍ صحيح، أمكن القول بأن الكتلة ذات الثقل تساوي الكتلة ذات القصور الذاتي.
ومن هنا، فما دامت = ١، ففي وسعنا أن نصوع العلاقة التصويرية الآتية:

العجلة = كثافة المجال.

وقد لاحظ علم الفيزياء التقليدي منذُ عهدٍ بعيد تكافؤ الكتلة ذات الثقل مع الكتلة ذات القصور الذاتي، ولكنه اكتفى «بتسجيل» هذا التكافؤ دون «تفسيره» على حدِّ تعبير جان بكرل Jean Becquerel، وهاك التفسير الذي تقول به نظرية النسبية العامة: إن الصفة الواحدة للجسم تبدو، تبعًا للظروف، إمَّا على صورة قصور ذاتي، وإما على صورة ثقل. وبعبارةٍ أخرى فقوة الجاذبية هي قوة قصور ذاتي.

ولقد ضرب أينشتين نفسه مثلًا يقرِّب إلى ذهننا هذا التكافؤ بين الجاذبية والقصور الذاتي. فلنتصور حجرةً منعزلة، ساكنة بالنسبة إلى المكان المحيط بها، ولنفرض أن هذا المكان قد خلا من كل مادة، إلى حدٍّ لم يعُد فيه أي أثر للجاذبية. عندئذٍ لن تكون هناك قوة للجذب. وفي هذه الحجرة يُوجَد عالِم يقوم بالتجربة ومعه أجهزته، ولنفرض أن هذه الحجرة قد جُذبت إلى أعلى بقوةٍ ثابتة. عندئذٍ نقذف الأشياء التي تحتوي عليها الغرفة (التي كانت متوازنةً من قبلُ في أي موضع، ما دامت لا تخضع لأي تأثير من الثقل) نحوَ أرضية الحجرة بعجلةٍ ثابتة، فكيف يُفسِّر القائم بالتجربة هذه الملاحظات؟

قد يعتقد أن الحجرة تخضع لعجلة مطردة موجهة إلى أعلى، مما يُفسِّر سقوطه نحو أرض الحجرة بعجلة مطردة.

ولكنه قد يعتقد أيضًا أن الحجرة لا تزال ساكنة، وأن الأشياء هي التي أصبحت تخضع فجأةً لمجال جاذبية.

هذان التفسيران الممكنان يُثبتان تكافؤ التعليلَين. وتتوقف المسألة كلها على نظام الإشارة الذي نختاره لفهْم الظاهرة.

فإذا كانت التغيرات في طريقة إرجاع الظواهر إلى نظم الإشارة تؤدي إلى تفسيرات تبلغ هذا القدر من الاختلاف، أدركنا دون عناءٍ أنه قد أصبح من الضروري أن نتأمَّل عن كثب القوانين الرياضية التي تُعبر عن تغيُّر الأساس الذي نعتمد عليه من الوجهة المكانية والزمانية.

وعندئذٍ يجب أن نفترض أن المكان الزماني ليس في كل الأحوال إقليديًّا، وأنه يعبر عن خطٍّ منحنٍ تجاهَ كُتَل المادة. ومن هنا كانت الهندسة التي تعرض النظرية النسبية بوضوح هي هندسة المكان اللاإقليدي، وأعني به مكان «ريمان ruemann» تكون لدى المرء فكرة عن مكان «ريمان» هذا إذا ما تخلى في دراسة هندسة السطح الكروي عن كل مقياس يخرج عن السطح ذاته.
في هذا المكان الزماني الذي وصفه «ريمان» لا يسير شعاع الضوء في خطٍّ مستقيم؛ بل يسير في خط يُسميه علماء الرياضة «خطًّا مساحيًّا géodésique» والخط المستقيم هو الخط المساحي في مكانٍ بلا منحنيات (أي في المكان الإقليدي).

وفي عام ١٩١٩م عند حدوث كسوفٍ كلي للشمس، سنحت الفرصة للتحقُّق من هذه الظاهرة الأخيرة؛ فقد أُخذت صور للسماء تَبيَّن فيها أن النجوم التي تمر إشعاعاتها بحافة الشمس تُعطي على اللوحة الفوتوغرافية صورًا يبعُد موقعها قليلًا عن المكان المرسوم في خريطة السماء. وكان الانحراف ضئيلًا ولكن كان مطابقًا لما قال به أينشتين.

وجاء تأييدٌ آخَر لنظرية النسبية العامة لأينشتين من جانب عِلم الفلك. فلقد كان علماء الفلك يلاحظون أن الكوكب عطارد لا يسير في مدار بيضاوي تمامًا، كما يقضي قانون الجاذبية الذي وضعه نيوتن. فقد كانت قمة الشكل البيضاوي، المسمَّاة بنقطة القرب من الشمس périhelie تتقدَّم في كل دورة تقدمًا طفيفًا. ولقد كان تقدُّم قمة عطارد موضوعًا لدراساتٍ عديدة، وكان لوفرييه Le Verrier أحد مَن تصدُّوا لبحث هذا الموضوع، فكتب في عام ١٨٤٥م يقول: «لم يتطلَّب كوكب آخَر من الاهتمام ومن العناء ما تطلَّبَه عطارد، ولم يُكافئ كوكب آخر الباحِثِين على اهتمامِهِم وعنائهم بذلك القدْر من الحيرة والقلق، الذي كافأهم به عطارد.» ولقد أخذ لوفرييه على عاتقه القيام بحساباتٍ مطولة ليُحددَ موقع كوكب جديد افترض وجوده ليفسر انحرافات حركة عطارد، وبذلك كان يأمُل أن يُكرر التنبؤ الذي جلب له شهرةً عندما كشف عن الكوكب نبتون.

ولكن لم تُوجَد أية ملاحظة تُحقق تنبؤات لوفرييه على الإطلاق، ولا شك في أن هذا «الإخفاق» خليقٌ بأن يَلفت انتباه الفيلسوف، فها نحن أولاء نرى منهج التفسير ينجح تارةً ويُخفق تارةً أخرى، وذلك في ظروف تبدو متساويةً تمامًا.

وبعد هذا الإخفاق حاول بعض العلماء إدخال تعديلٍ طفيف على قانون الجاذبية الكونية القائل بالتناسُب العكسي مع مربع المسافات، ومع ذلك لم يتفق هذا التعديل مع الملاحظات اتفاقًا كاملًا.

ولما عدَّلت النسبية العامة قانون نيوتن تعديلًا أساسيًّا استطاعت إثبات شذوذ عطارد.

ومع ذلك ينبغي أن نُنبِّه الأذهان إلى أن البرهانَين اللذَين أتينا بهما الآن يتعلقان بظواهر تبلُغ من الضعف حدًّا يجعلنا نشك في إمكان الحصول على تفسيرٍ آخر لها.٢٠
وأيًّا كان الأمر، فليس لأحد أن يغفل عن مذاهب النسبية العامة تتمثل في أفق عقلاني جديد. فإذا جعلنا التنظيم العقلي لعِلم الفلك لدى «نيوتن» نقطة بدءٍ لنا انتهينا إلى تحديد القِيَم العلمية على مرحلتين:
  • (١)

    في المرحلة الأولى يؤيد المرء مذهبًا عقليًّا بسيطًا يُحدد القوانين الأساسية خلال مدارات بيضاوية (وهي صور للهندسة الأولية).

  • (٢)

    وعند التطبيق، يستعين المرء بفكرة الانحراف، لكي يُعلِّل وجود فرقٍ طفيف بين القانون الأساسي والملاحظة.

أمَّا إذا بدأنا بالتنظيم العقلي للنسبيَّة، فإنا ننتهي مباشرةً إلى الصورة المعقدة للقانون، فلا نهتدي إلى قوانين نيوتن البسيطة إلا في المرحلة الثانية، وعلى سبيل التبسيط، وعندئذٍ يُنظَر إلى هذه القوانين كما لو كانت صورًا متدهورةً للقانون المعقد.

ويبدو أن الفارق بين الانحرافات وضروب التدهور هو فارق في التوجيه بالنسبة إلى فلسفة الروح العلمية، وهذا موضوع سنعود إليه في ختام الفصل التالي.

وهناك ظاهرةٌ ثالثة فسرتها النسبية أيضًا، وهي تحول ألوان الطيف التي تبعثها النجوم البعيدة إلى اللون الأحمر.

فقد أدى هذا التحول إلى ظهور آراء غريبة في مجال الكونيات؛ إذ تبيَّن أن هذه الظاهرة، التي لوحظت أولًا في أشعة مضيئة يبعثها «رفيق سيريوس Sirius» وهو نجم مجاور لسيريوس ويدور حوله)، يمكن ملاحظتها بالنسبة إلى كل سديم، وأنها تزداد أهميةً كلما ازداد السديم بُعدًا. وفي هذه الحالة تكون ظاهرة تحول ألوان الطيف إلى الأحمر «ظاهرة مكبرة» وتُصبح الألوان فوق البنفسجية ألوانًا زرقاء.
ولمَّا كانت كل السُّدُم البعيدة تتمثل فيها هذه الظاهرة الطيفية، فلا بد من الاعتراف بأن كل السُّدم البعيدة تتباعد عن الأرض. وإذن فالكون يكبر بلا انقطاع. وتلك هي الفكرة المعروفة باسم الكون المتزايد في امتدادِه، ولقد كان أول من توسع في تحديد الصيغ الرياضية لهذه الفكرة هو الفلكي الإنجليزي «إدنجتن»، ثم توسع فيها من بعدِه البلجيكي الأب لومتر Lemaitre.

وسرعان ما ظهرت فروض أخرى حول تركيب الكون، ولكن يجب أن نلاحظ أنها تنطوي جميعًا على عمليات رياضية معقدة، وإذا لم يتذكر المرء أن الصورة التي نكونها عن الكون إنما هي تعبير عن آراء رياضية شُيِّدت بدقة عظيمة، ورُتِّبت فيما بينها بإحكامٍ هائل. كان في هذا ما يهدد بضياع قيمة هذه الصورة.

ومع ذلك فلزام علينا أن نُنبه إلى أن هذه النظريات وإن كانت محكمة الترابط في ذاتها، إلا أنها مُتعددة، وإن كثرتها وتبايُنها لكفيلان بأن ينبِّها الفيلسوف إلى أن يقف منها موقف الحذر، فلا ينسِب إليها حقيقة نهائية. والحق أن تطور النظريات الكونية منذ نصف قرن يثبت بوضوحٍ كافٍ أن هذه النظريات تمثل آراء تركيبية يلخص بها العالِم معرفة عصرٍ ما.

١  طلبة الفلسفة الذين ربما وجدوا شيئًا من الصعوبة في فهْم العرض التالي ابتداءً من الفقرة الرابعة لهم أن يكتفوا بالملخص المفصَّل بعض الشيء، والمبسط عن قصد، وهو الملخص الذي نُقدِّمه قبل الفصل.
٢  Monadolgie, § 28 et Nonveaux Essais, avant propos, ed. Janet (Alcan) t. I, p. 16.
٣  Cours de philosophie positive. Ire leçon, édition scolaire Hachette (Lalo), p. 7.
٤  لهذا حاولنا أن نعرض هذا المنهج بصورة دقيقة في القسم الرابع من الفصل السابع.
٥  Gay: Lectures scientifiques: Physique et Chimie يحسن قراءة الاستنتاج بأسره.
٦  ولكن لفظة نظرية «أصلح» إذ إن من المستحسن أن يُفهَم الفرض على أنه مرحلة من مراحل المنهج العلمي (انظر الفصل ٧ رقم ٤).
٧  لكي تفهم هذه الفكرة يستطيع القارئ الرجوع إلى ما قُلناه عن «نظرية التطور» وهي نظرية بيولوجية (الفصل الثامن قسم ١١).
٨  في كتاب:
La théorie physique, son objet et sa structure, paris che valier et Riviére 1906 chap v. de la seconde paris §
يقول في فصل عنوانه: «القوانين الطبيعية علاقات رمزية»:
Les lois physiques sont des relations symboliques (أي علاقات بين حدود لا تدل على حقائق فعلية؛ بل تشير إلى نظريات) في هذا الكتاب يقول «إن نفس معنى الكلمات (التي تتمثل في صيغة قانون في علم الطبيعة) يتغير تبعًا للنظرية التي يقول بها المرء». (ص٢٧٢).
وفي القسم «٣» يقول «إن القانون في علم الطبيعة ليس صوابًا ولا خطأ، وإنما هو يقترب من الصواب أو الخطأ فحسب.» وفي الفصل الثاني، القسم الثالث، يقول: «إن التجربة الفاصلة experimentum crucis مستحيلة في علم الطبيعة.»
٩  La Science et L'hypothèse, Chap X.
١٠  إذ يُمكننا أن نعد الحركة التي تدور بها الأرض حول نفسها وحول الشمس حركةً مطردة تسير في خطٍّ مستقيم، وذلك بالنسبة إلى المسافات القصيرة.
١١  في مبدأ النسبية عند نيوتن، كان الأمر يقتصر على التجارب الميكانيكية وحدها.
١٢  في مستهل كتاب برجسون: الديمومة والتزامن Durée Simultanéité (Alcan) نجد شرحًا لهذه النظرية، مقرونًا بحساباتها، كما يمكن رؤية الجهاز في قسم الطبيعة الضوئية في «قصر الكشوف» بباريس.
١٣  أجريت للمرة الأولى في عام ١٨٨١م، ثم أعيدت بعد ذلك عدة مرات.
١٤  وُلد ألبرت أينشتين في مدينة أولم Ulm سنة ١٨٧٩م (وتوفي عام ١٩٥٥م. المترجم).
١٥  لا شك أن هذا المَثل الغريب إنما قصد به التسلية، إذ إن الذي يحدث في الواقع، كما بيَّن برجسون (الكتاب السابق ص١٠٨) أن كلًّا من الملاحِظَين المشار إليهما، أعني المسافر وساكن الأرض، يظن أن الآخر ينسِبُ إليه مدة ليست هي المدة الخاصة به.
١٦  يُعبَّر عن الكتلة بالوزن، ويترتب على ذلك أن يطَّرِد مع السرعة، وبَيَّن الحساب أن الكيلو جرام يزيد ٣ سنتجرام إذا بلغت السرعة ١٠٠٠ كيلو متر في الثانية ويزيد ٦٠ جرامًا إذا بلغت ١٠٠٠٠٠ كيلو متر في الثانية، وأن وزنه يتضاعف إذا بلغت السرعة ٢٥٩٨٠٦ كيلو متر في الثانية، وهلمَّ جرًّا.
١٧  في هذه الصيغة الأخيرة يمكننا أن ندرك بسهولة أننا لو استبدلنا بإحدى السرعتَين V1 سرعة الضوء، أو بعبارة أخرى إذا حاولنا تحقيق سرعة الضوء لكان المحصل W مساويًا لسرعة الضوء ذاتها، وهذا يعني أنه ليس ثمة سرعة أكبر من سرعة الضوء ذاتها.
١٨  Burnschvicg: L’expérience humaine et la causalité physique (Alcan) S 194, p. 447.
١٩  تُوفِّي عام ١٩٤٣م. (المترجم)
٢٠  Louis de Broglie: La physique novelle et les quanta, p. 103.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤