الفصل الثاني

المنطق

منهج المنطق هو التحليل النقدي القائم على التفكير، وينصبُّ هذا التحليل أولًا على اللغة، فيُميِّز فيها بين:
  • (١)

    الحدود التي تدلُّ على معانٍ كليَّة «مجردة» و«عامة» والتي يكون لها مفهوم وماصدق.

  • (٢)

    القضايا، التي تُثبت (أو تنفي) علاقات بين الحدود، والتي تُعبر عن أحكام.

  • (٣)

    الاستدلالات التي تستخلِص نتيجةً من عددٍ مُعيَّن من المقدمات.

مقولات أرسطو و«كانت» هي الصور العامة للفكر في إعداد المعاني الكليَّة والأحكام. مبادئ «المنطق العام» (أي مبادئ الهوية والتناقُض والثالث أو الوسط المرفوع) تسري على كل فكرٍ وكل لغةٍ تزعم لنفسها الاتساق.

غير أنَّ فلسفة العلوم تُقدِّم إلى المنطق منهجًا آخر أكثر خصوبةً من هذا المنهج بلا شك، وهو التحليل النظري الذي ينصبُّ على العِلم عند نشأته، ثم يتطوَّر إلى بحثٍ في المناهج العلمية، ونقد للمعرفة العلمية (أبستمولوجيا) ونظرية للمعرفة.١

الحقيقة ليس لها معيار

إذا كان المنطق علمًا معياريًّا، كانت الحقيقة «معيارًا» أي قاعدة أو أنموذجًا للكشف عن الحقائق أو التحقُّق من صدقها.

ولكن هل هناك «معيار Critere» للحقيقة، أعني علامةً تتَّسم بها القضايا الصحيحة وتتميَّز بها من القضايا الباطلة؟ وهل يتميَّز الصحيح من الباطل كما يتميَّز الأبيض من الأسود؟ لقد تساءل الإغريق عن ذلك قائلين: هل يحمل الحكم الصحيح طابعًا مميزًا، مماثلًا للعلامة التي تطبع على أجساد العبيد، وتمكِّن من التعرف عليهم إذا ما لاذوا بالفرار؟
لقد حاول فلاسفة العصر اليوناني القديم أن يعرفوا معيار الحقيقة هذا، غير أنهم عجزوا عن الوصول إليه؛ بل لقد اضطروا إلى التسليم أخيرًا بأن الفكرة ذاتها ممتنعة، إذ لو وُجِد مثل هذا المعيار، لما استطعنا أن نتصوَّر إمكان وقوع الناس في الخطأ، وإمكان اختلاف الآراء حول الموضوع الواحد، في حين أنه لو كان ثمة حقيقة، لكان من الجليِّ أنَّ رأيًا واحدًا منها هو الصواب. ومن جهةٍ أخرى، فلا شيء يُشبه الصواب، من الوجهة العملية، ولا شيء يبدو أشبَهَ بالحقيقة بالمعنى الحرفي، لهذا اصطلح (في الفرنسية vraisemblable وهي كلمة مشتقة من الحقيقة) أكثر من البطلان، فمثلًا: لا شيء أقرب إلى الواقع الفعلي من الحلم، ومن المحال، كما بيَّن ديكارت في «التأمُّل الأول»، أن يعلم المرء عِلم اليقين بأنه ليس نائمًا أو أن يُبرهن على ذلك برهانًا قاطعًا، وفضلًا عن ذلك، فمن أين يستمدُّ معيار الحقيقة سُلطته؟ أهو يستمِدُّها من معيارٍ آخر؟ وما مصدر هذا المعيار الآخر؟ إن مصدرَه معيار آخر، وهكذا إلى ما لا نهاية. والحق أن الشُّكَّاك اليونانيين قد جمعوا حول هذا الموضوع الدليل تلوَ الدليل، متحدِّين بذلك «التوكيديين dogmantiques» (أي أولئك الذين يقولون بوجود معيار أو مقياس) أن يأتوا بدليلٍ يثبت تأكيداتهم: أي أنهم كانوا يقولون للتوكيدي «برهن على برهانك.» فيقع التوكيدي في حيرة لا مخرج منها، إذ إنه: (١) إما أن يقتصر على أن يؤكد في تعسُّفٍ أن برهانَه يصلح في نظره هو، وذاك ما كان الشُّكَّاك يُسمونه موقف اﻟ hypothesis أعني التأكيد الاعتباطي دون برهان. (٢) وإما أن يُحاول أن يعلوَ على هذا الموقف، ولكنه سيظلُّ يعلو في هذه الحالة إلى ما لا نهاية له، وبالتالي لن يصِل أبدًا إلى البرهان المنشود، وذلك هو التسلسُل إلى ما لا نهاية له، وإما أن يُضطر إلى البرهنة عن طريق نفس الشيء المراد البرهنة عليه، وتلك هي حالة الدور أو diallèle (البرهنة على شيئين كل منهما بالآخر) ومن ذلك ننتهي إلى أن الحقيقة ليس لها معيار.

غير أن هذا لا يعني أنه ليس ثمة حقيقة، فمنذُ آلاف السنين التي ظلَّ الناس خلالها يستدلُّون ويُبرهنون ويتحقَّقون من صدق آرائهم، كان من المحال ألا تظهر خلال ذلك حقيقةٌ ما. وإن العِلم ليتقدَّم على الدوام، وهو يُقدم الدليل على حقيقته بما يُحرزه من نجاحٍ في كل الميادين.

والذي ينبغي أن نقوله هو أن «الحقيقة هي معيار ذاتها»، وكما قال سبينوزا٢ بحق «… فالحقيقة ليست في حاجة إلى أية علامة … ويكفي أن تكون لدينا الماهيات الموضوعية أو ما يُعادلها من أفكار عن الأشياء، للقضاء على كل شيء.» إن الحقيقة قد ظهرت رويدًا رويدًا عن طريق تقريبات متتالية، وخلال المحاولات والجهود والتأمُّلات والتعديلات، ثم حصلْنا عليها واكتسبناها: وإذن فلنتَّخِذها معيارًا في ذاتها.

المنطق يتبع منهج التحليل الفكري النقدي

إذن ليس المنطق وتأكيدًا لمعيار خارجي لا حقيقة، وإنما هو تحليلي وفكري، ونقدي.

  • (١)

    فهو تحليلي بمعنى أنه إذا اتخذ الحقيقة المُعطاة نقطةَ بدءٍ له، فإنه يرتقي منها الشروط التي جعلت هذه الحقيقة ممكنة.

  • (٢)
    وهو فكري واعٍ بمعنى أنه يصِل بهذه الطريقة إلى «معرفة قُدرتنا على المعرفة» كما يقول سبينوزا، فالفكر الواعي هو معرفة الفكر لذاته معرفةً إيجابية إرادية، ومن هنا نُدرك كيف أن كلمة الفكر الواعي réflexion تشتقُّ من اللاتينية reflectere التي تعني «الرد إلى الوراء» (أعني أن يرتدَّ المرء بفكره إلى الوراء ليعِيَ المرحلة التي قطعها).
  • (٣)
    وهو نقدي، بمعنى أنه متى انتهى من تحليل المعرفة والتفكير فيها تفكيرًا واضحًا، ميَّزَ بين ما هو صحيح وما هو باطل على نحوٍ أكثر دقة، وبذلك يستطيع أن يُحدِّد المنهج الذي يُفضي إلى المعرفة الحقة، ولقد كان «كانت»٣ هو الذي أدخل كلمة «نقدي» واستعملَها في الفلسفة بمعنى التفحُّص والاختبار المنهجي.

فكرة وجود منطق

يطلق اسم «المنطق العام» على دراسة جميع العمليات العقلية التي تتَّسِم بطابع «مقالي»، أعني أنها تتمثَّل، أو يمكن أن تبدو، في صورة سلسلةٍ ملفوظة من الأسباب المنطقية، والهدف من هذه الدراسة هو تحديد العمليات الصائبة، والتي تنتهي بالكشف عن الحقيقة، من بين سائر العمليات العقلية.

ولكن من أين نأتي بهذه العمليات؟ أول الطرُق التي تطرأ على الأذهان، وأوسعها انتشارًا، هي أن تُستمَدَّ مادة المنطق من اللغة.

ولا جدال في أن اللغة في ذاتها لا توصَف بالصدق، وإنما هي تُفيدُ الصواب والخطأ على حدٍّ سواء، وهي تحتمِل الحقيقة والبطلان معًا على قدَم المساواة، ولكن لا بدَّ أن اللغة قد اكتسبت — منذ أن وضعَتْها البشرية وتوارثَتْها وكمَّلتها — قدرة تُتيح لنا إيضاح الحقيقة وعرضَها لا الكشف عنها. فالقضية التي تُذكَر على حدة لن تنطوي بحسب صورتها وحدَها على شيءٍ يُنبئنا إذا كانت صادقةً أم كاذبة، فقد يقول المرء في دياجير الظلام «النهار طلع». فاللغة تسمح بوقوع الخطأ، وهي عطية الكذب، ولكن وسائل الربط بين أجزاء اللغة كفيلة بأن تكشف عن العمل الذي يمهد للوصول إلى الحقيقة. فإذا قلتَ مثلًا: «نحن في شهر أبريل، والساعة التاسعة صباحًا، إذن فالنهار طالع.» كانت العلاقة بين هذه القضايا، وخاصة بين القضيتين الأوليين اللتين تجمع بينهما واو العطف، وبين الثالثة، التي تُستهَل بالحرف «إذن»؛ نقول: كانت هذه العلاقة ذات دلالة كبرى. فمجموع القضايا الثلاث يكون ما يُسمَّى بالاستدلال. والاستدلال هو الطريقة المُثلى للوصول إلى الحقيقة أو لتوقِّي الخطأ. فالذي يُهمني في مجموعة القضايا التي ضربنا بها هذا المثل، ليس القضايا ذاتها وإنما هو العملية التي تَنتُج بها الثالثة من الأولَيين.

ودراسة هذه العملية لا تكشف لي عن حقيقة القضية، وإنما تكشف لي عن الطريقة التي نُقرِّر بها حقيقة إحدى القضايا.

  • المنطق العام، فلسفة النحو (التراكيب اللغوية): ولنقل بعبارةٍ أخرى، إنه من الممكن جدًّا أن يبدو المنطق كما لو كان تحليلًا واعيًا للنحو، لا لذلك الجزء من النحو المسمَّى بدراسة المفردات والأشكال اللغوية (وإن تكن لمعرفة الأشكال بعض الأهمية في دراسة ظاهرة تعدُّد معاني الألفاظ وعلاقتها بنهاية الكلمات … إلخ، وهي الدراسة التي تكشف عن علاقات، ومن ثم تُحدد على الأقل معالم الطريق الذي نصل به إلى الحقيقة)، بل للجزء الآخر المسمَّى ﺑ «التركيب اللغوي» فيكون المنطق العام أولًا فلسفة للتركيب اللغوي “phil. de la syntaxe” وبحثًا في التركيبات التي تُعبر عن عملية التحقق من صحة المعنى، وهو، على الأخصِّ، بحثٌ في الكلمات التي تُحدِّد المراحل الرئيسية لهذه العملية مثل: واو العطف، أو، إذن، لأن، رغم أن … إلخ، فالمنطق العام هو أولًا تحليل واع، يتعلَّق بأدوات العطف التي تفيد الارتباط والتبعية.

    وفضلًا عن ذلك، فإن كلمة «لوجوس» التي اشتُقَّ منها اسم المنطق في اليونانية، تُعبر أصلًا عن اللغة، وعن الجزء الإيجابي منها بوجهٍ خاص، أي عن الجزء الذي يُقنِّنه التركيب اللغوي على هيئة قواعد، ومن هنا جاءت المعاني المشتقَّة من هذا اللفظ القديم: كالاستدلال، والصلة، والحساب، والمنهج، والعلم.

  • التركيب اللغوي والديالكتيك: يمكننا أن نصِل إلى نتيجةٍ أفضلَ من هذه، لو درسنا اللغة وهي في غمرة أدائها لوظيفتها وفي أوج مرحلة البحث، أعني إذا صرفنا النظر عن التفكير في النحو الخاص باللُّغة العلمية المتداولة، التي تهتمُّ بالسلوك العلمي أكثر مما تهتمُّ بالصواب، وبالفعالية العملية أكثر من القيمة العقلية، لكي نفحص لغة البرهان والمحاجَّة والتفنيد، أي ما كان يُطلق اليونانيون عليه اسم الديالكتيك (Dialectique): وهذه الكلمة تدل على نوعٍ خاصٍّ من الحوار (dialogue) وهو حوار عارف يقظ، يعمل فيه المتحاوران سويًّا من أجل التمهيد للكشف عن حقيقة يكون اتفاقهما عليها ضمانًا لقيمتها، ولقد كان سقراط هو الذي وضع «أُسس» المنهج الديالكتيكي في القرن الخامس قبل الميلاد، كما أن المنهج الديالكتيكي كان هو ذاته المنهج المتَّبَع في محاورات تلميذه أفلاطون (القرن الرابع) ثم حاول أرسطو، وهو تلميذ أفلاطون، أن يَستخلِص قواعده، في نفس الوقت الذي حاول فيه أن يُحلِّل أعمَّ عمليات اللغة المتداولة وأكثرها شيوعًا.

تحليل اللغة المتداولة يؤدي إلى الحدود التي تعبر عن تصورات

إذا ما مضينا في تحليل اللغة المتداولة شوطًا بعيدًا، فإننا لا ننتهي في آخر الأمر، إلى «كلمات» بالمعنى الصحيح، بل إلى ما يُسمَّى بالحدود termes أي إلى كلمات لا تعبر عن علاقات، وإنما عن حقائق ذهنية يمكن أن تقوم بينها العلاقات فيما بعدُ، ومن الممكن أن يُقال عنها في ذاتها إنَّها خالية من التضمُّن كما قال أرسطو. ففي الجملة «القلم أسود» أو «القلم يكتب» تكون الكلمات «قلم، أسود، ويكتب» حدودًا.
والحد العام يُعبر عن تصور، وكلمة التصور (أو المفهوم) تطلَق على تمثُّلٍ مجرد عام، ومعنى ذلك بعبارةٍ أخرى أنه يشتمل على عددٍ مُعين من الصفات المستخلصة (أو المجردة) من تمثل (يقال عنه تبعًا لذلك إنه أكثر عينية) والمشتركة بين عدة أفراد لفئةٍ واحدة أو جنس واحد (عام) فتصور «القلم» مثلًا يشتمِل على صفات (كونه مصنوعًا من مادة «البلاستيك» مثلًا، ومنتهيًا بريشةٍ ثابتة. ومشتملًا على مُستودَع للحبر) وهذه الصفات مستخلصة من أقلام الحبر التي رأيتها، ومن جهة أخرى، فهو يمثل فئةً من الأشياء تشترك في هذه الصفات، ويُطلَق اسم «مفهوم التصور Comprehension ou connotation» على مجموع الصفات التي يجمع (connote) بينها التصور. أما «ماصدق التصور (extension)» فهو مجموع الأفراد الذين «يصدق عليهم». والتصور علاقة بين ماصدق ومفهوم. فهو إذن ينطوي في ذاته على إثباتٍ ضمني، ما دام يثبت أن الماصدق مُطابق للمفهوم، أي أن «الأقلام أقلام» وهو حُكم يشير الموضوع فيه إلى المفهوم، أي إلى مجموع الصفات: فأفراد فئة القلَم تُطابقها صفات كونها مصنوعة من مادة «البلاستيك» ولها ريشة ثابتة … إلخ.

وماصدق الحد ومفهومه لا يستقلُّ كلٌّ منهما عن الآخر، فإذا ما توسَّعنا في الماصدق، أي زدنا الفئة، اضطررنا إلى محو بعض الصفات، ما دامت كل صفةٍ تعدُّ شرطًا لدخول فردٍ في ماصدق التصور. كما أن زيادة المفهوم قد تدفعنا — لهذا السبب نفسه — إلى إنقاص الماصدق. فإذا أردت زيادة ماصدق تصور «الثدييات» حتى يشمل «الفقريات» كان من الضروري أن يفقد صفات: الولادة، وإرضاع الصغار، ووجود جهاز شعر جلدي، وهي الصفات التي لا تنطبق على كل الفقريات. أما إذا أردنا التوسُّع في صفات تصور الثدييات، كوجود الأسنان مثلًا، فإن الثدييات تقتصر عندئذٍ على أكَلَة اللحوم، أو أكَلَة العشب أو الحيوانات القارضة.

أرسطو يطلق اسم المقولات على أجناس الوجود

إذا نظرنا إلى التصوُّر من حيث مفهومه، وجدْنا أنه يمكن أن يكون موضوعًا لعددٍ كبير من الأحكام التي تحمل عليه صفات؛ فالقلم أسود والقلم عتيق … إلخ. وكل حُكم من هذه الأحكام يُحدِّد الموضوع من وجهة نظرٍ مختلفة. ولقد كانت وجهات النظر هذه هي التي سمَّاها أرسطو ﺑ «المقولات». وهو يُسمِّيها بأجناس الوجود، أي الضروب المختلفة التي يمكن أن يُوجَد عليها شيء ما، أو بعبارةٍ أخرى، أحوال الحمل المنطقي (attribution).

وهو يميز من هذه المقولات عشرًا، لا يحتاج المرء إلى تفكير طويل ليُدرك أنه استخلصها من النحو المتداول. والمقولة الأولى هي الجوهر أو الماهية (سقراط «إنسان») وهي تُناظر الاسم في النحو، والثانية هي الكم (طوله ذراعان) وهي تُناظر النعت العددي، والثالثة هي الكيف (أبيض) التي تناظر النعت الكيفي، والرابعة هي الإضافة (ضعف، نصف، أكبر من) وتناظر أفعل التفضيل، والخامسة هي المكان أو الأين (في المدرسة، أو في الميدان) وتُناظر ظرف المكان، والسادسة هي الزمان أو المتى (أمس، فيما مضى)، وتُناظر ظرف الزمان، والسابعة هي الوضع (جالس، مُضجع) وتُناظر الصفة أو اسم المفعول، والثامنة الملك (حذاؤه أو رداؤه) وتُناظر المضاف إليه، والتاسعة والعاشرة هما الفعل والانفعال (هو يَقطع، ويُقطع) وتُناظران الفعل المبني للمعلوم والمبني للمجهول.

الحُكم يُحدد معنى القضية

يؤلَّف بين الحدود على هيئة قضايا، وتُطلَق كلمة الحُكم على التأكيد، الموجَب أو السالب، الذي يُثبت أو ينفي علاقة بين حدَّين، وبالحُكم يُصبح للقضية معنًى.

ويطلق اسم الرابطة Copule على الكلمة التي تُعبر عن العلاقة بين الحدَّين، وهذه العلاقة قد تكون على أنواعٍ مُتباينة، وإن كان المنطق التقليدي قد ردَّها كلها إلى علاقة التضمُّن التي هي علاقة الموضوع بالصفة أو بالمحمول prédicat. وفي هذه الحالة تكون الرابطة هي دائمًا فعل الكينونة.٤ وعلى ذلك فالحكم في نظر المنطق التقليدي ينحصر في إثبات محمول لموضوع، أو نفي إمكان نسبة هذا المحمول إلى الموضوع. على أن وجهة النظر هذه ضيقة إلى حدٍّ بعيد، ولذا عمل المنطق الحديث، الذي امتدَّ فأصبح منطقًا رمزيًّا logistique على توسيعها إلى حدٍّ غير قليل.
ولكن حتى لو ظلَّ المرء مُلتزمًا حدود المنطق التقليدي، فسيُضطر إلى التمييز بين عددٍ من الطرق المختلفة التي يمكن أن تُقرَّر بها علاقة التضمُّن. وسوف نسترشد هنا بقائمة الأحكام التي عرضها كانْت في «نقد العقل الخالص».٥ فمن الممكن أن يُنظَر إلى الأحكام على أربعة أنحاء مختلفة، وفي داخل كل نحوٍ من هذه الأنحاء يمكننا أن نُميز بين ثلاثة أنواع مختلفة، فيكون المجموع اثنَي عشر نوعًا من الحكم، والأنواع الثلاثة المندرجة تحت كل قسمٍ مُرتَّبة فيما بينها بحيث أن الثالث منها يوفِّق بين تعارض الأول والثاني، ويستبقِي شيئًا من كلٍّ منهما، مما يؤدي إلى تكوين الثلاثي المشهور: القول، ونقيضه، والمركَّب من القول ونقيضه.
  • (١)
    فمن حيث الكم quantité تنقسِم الأحكام إلى كلية universels أو جزئية paraculier. ففي النوع الأول ينصب الحُكم على جميع ماصدقات الموضوع (كل إنسانٍ فانٍ) وفي الثاني على جزءٍ منه فحسب، هو فضلًا عن ذلك جزء غير مُحدد (بعض الناس أذكياء، يُوجَد أناس أذكياء). والمركب من الكُلي والجزئي هو المخصوص Singulier ولا يكون فيه للموضوع «ماصدق» وإنما يكون فردًا (سقراط إنسان)، بحيث يمكن في هذه الحالة أن نستخدمه في الاستدلال كما لو كان حدًّا جامعًا يُنظَر إلى جميع ماصدقاته.
  • (٢)
    ومن حيث الكيف (qualite) تنقسم الأحكام إلى موجبة affirmatifs وسالبة negatifs. ولكن (كانْت) يُضيف نوعًا ثالثًا، يُسميه ﺑ «اللامُحدَّد indéfini» ويكون مركبًا من الموجب والسالب، إذ إن هذا النوع موجب بحكم رابطته، سالب في محموله ومثاله: «النفس لا فانية»، أي أن النفس تندرج تحت ذلك النوع «اللامُحدد» من الكائنات التي ليست فانيةً.
  • (٣)
    ومن حيث الإضافة relation قد تكون الأحكام حملية، أو شرطية، أو انفصالية. فالحكم الحملي هو حكم بسيط تربط فيه العلاقة التي يثبتها (أو ينفيها) بين الموضوع والمحمول، أما الحكم الشرطي فهو حكم مركَّب يؤكد وجود علاقة بين حُكمَين يكون أحدهما المبدأ أو الشرط، والثاني نتيجة له، ومثال ذلك «إذا انخفض مقياس الضغط الجوي فسوف يسقط المطر» وأما الأحكام الانفصالية فهي عدة بدائل تثبت بها أن عددًا معينًا من الأحكام يَستبعِد كل منها الآخر، ولكنها تؤلِّف جميعها المجموع الكلي لمعرفة ممكنة، ومثال ذلك «يُوجَد العالم إما بمحض الصدفة، أو بفضل ضرورة داخلية أو نتيجة لعلَّةٍ خارجية.»
  • (٤)
    أما جهة الحكم modalité فهي الطريقة التي يرتبط بها الحكم بالذهن في مجموعه، أو إن شئتَ فقلْ هي الطريقة التي تربط الحكم بالتفكير، أو درجة اليقين التي يُحدِّد بها الفكر مرتبة الحُكم، وتعبر عنها عبارات: بالتأكيد، بلا شك، ربما، بالضرورة.
فالأحكام التي تكتفي بإقرار حقيقة، هي أحكام تقريرية assertoriques أما تلك التي تُعبِّر عن إمكانٍ فهي احتمالية problématique؛ فالأحكام الشرطية والانفصالية تجمع بين قضايا احتمالية، إذ إن الحكم «إذا انخفض مقياس الضغط الجوي سقط المطر» ينقسم إلى: من الممكن أن ينخفض مقياس الضغط، ومن الممكن تبعًا لذلك أن يسقط المطر. كذلك الحال في قولنا: العالم ربما كان يُوجَد بفعل صدفة عمياء، أو بفعل ضرورة خارجية … إلخ. والنوع الثالث من أحكام الموجهات يشتمِل على الأحكام الضرورية apodictiques التي تُعبِّر عن ضرورة، مثل: مجموع زوايا المثلث هو بالضرورة قائمتان، والحُكم الضروري هو المركب الذي يجمع بين الحقيقة والإمكان، إذ إنه يؤكد أن الحقيقة التي يقول بها هي الوحيدة «الممكنة» أو أن القضية التي تُناقِضها باطلة لأنها «غير ممكنة».

«كانت» ينظُر إلى المقولات على أنها تُعبر عن الوظائف الأساسية للتفكير

أراد «كانْت» أن يتوِّج المنطق بقائمة للمقولات على غرار ما فعل أرسطو من قبل. غير أن مقولاته، وإن كان بعضُها مماثلًا لمقولاتٍ أخرى عند أرسطو، ليست لها نفس دلالة المقولات الأرسطوطاليسية. بل إن بين الفلسفتَين فارقًا أساسيًّا في وجهة النظر: ذلك لأن الانقلاب الذي أحدثه «كانْت»، والذي كان استمرارًا لتفكير «ديكارت»، قد أحلَّ المثالية الحديثة محلَّ واقعية الفلسفة القديمة.

(١) واقعية أرسطو والمثالية الحديثة

قُلنا إن أرسطو قد نظر إلى المقولات على أنها «أجناس الوجود» فواقعيتُه في إخضاع التمثل الذهني للوجود، والحقيقة للواقع … وإذا ما وُوجِهَ الواقعي بالسؤال «فيمَ تكون حقيقة هذا الحُكم؟» كان جوابه «في مطابقته للواقع». غير أن هذه الإجابة، التي هي التعريف الواقعي للحقيقة، تنطوي على دورٍ منطقي (diallèle٦ إذ كيف يعلم المرء أن هذا الحكم مُطابق للواقع، إن لم يكن عن طريق التمثلات الذهنية أيضًا؟ إن الفيلسوف الواقعي يُحيلنا من التمثُّل إلى الواقع، ولكن لكي نعرِف الواقع، ينبغي له أن يُحيلنا من الواقع إلى التمثُّل، وهنا يظهر الدور بوضوح. هذا إلى أنَّنا متى أردْنا أن نعرف إن كان الحكم صادقًا أم لا، فإننا لا نرجع أبدًا إلى الواقع: فمثل هذا الرجوع خداع، ما دام المرء لن يهتدي على الدوام إلا إلى تمثُّلات ذهنية، وإنما يبحث المرء عن تمثلات مختلفة عن تلك التي بُني الحكم على أساسها أولًا، تتقاطع معها، وتؤدي إلى تكوين طائفةٍ من الأدلة. أي أن الذهن يتجِه في سعيهِ إلى الحقيقية، إلى بناء سلسلة من البراهين، ولا يعود مُطلقًا إلى الواقع، فعندما يقوم المرء بتحقيقٍ قضائي، لكي يهتدي إلى المجرم مثلًا، فإنه لا يسعى إلى الوصول إلى الجريمة كما وقعت حقيقة، إذ إن هذا الواقع قد اختفى على أية حال، وإن كان أحدٌ أدركه، فما ذلك إلا عن طريق التمثل الذهني. ذلك لأن عناصر التحقيق «أدلة» مادية أو «أقوال الشهود» فإذا ما اعترف المتهم، لم يكن في ذلك نهاية التحقيق، بل يبدأ ثانيةً وقد أُضيف إليه عنصر جديد، وهو شهادة المتَّهَم، وهي شهادة لها قيمتُها الكبرى، غير أنها لا تكفي، إذ إن أحدًا لا يعلم السبب الذي دعاه إلى الاعتراف، ولا يعرف إذا كان اعترافه صادقًا: فربما لم يكن مذنبًا، «واعترف» بدافع اليأس أو الإعياء، وهذا ما يعمل التحقيق على التثبت منه. فالبحث عن الحقيقة لا ينحصر في الاتصال المباشر بالواقع، وإنما في الجمع بين التمثُّلات والتحقُّق من صدق كلٍّ منها بوساطة التمثُّلات الأخرى. فالحقيقة هي ثمرة التحقُّق.

(٢) المنطق: علم التحقق من الصدق، وعلم البرهان

إذن فليس المنطق علمًا للوجود، وإنما هو علم للتحقيق والبرهان، وذلك ما سيتبيَّن لنا بمزيدٍ من الوضوح بعد دراستنا لفلسفة العلوم.

لكن في هذه الحالة لا تكون مقولات المنطق «أنماطًا للوجود»، وإنما هي أحوال الحمل المنطقي فحسب. فالوجود أمر يُقرِّره الحكم، وما كان يُظَنُّ «أنماطًا للوجود» ليس إلا أنماطًا للتفكير الذي ينطوي عليه الحكم، أو هو بعبارةٍ أخرى وظائف التفكير التي تنطوي عليها عملية الحكم.

وتلك هي مقولات «كانْت». وسوف يُمكننا تصنيف الأحكام من استنباطها، إذ إن كل فئة للحكم تُناظرها وظيفة إجرائية للتفكير الذي يحكم.

وعلى ذلك، تكون لدينا اثنتا عشرة مقولة، أربع رئيسية، تنطوي كل منها على ثلاث مقولات فرعية. ولقد عرفنا من قبل الأربع الرئيسية، وهي الكم والكيف والإضافة والجهة. ولنلاحظ أن الثلاث الأولى منها أرسطوطاليسية وهي تقابل الكم والكيف والإضافة، ولكنها تكتسب هنا معنًى جديدًا، أما الجهة فلم يكن أرسطو يَجهلها؛ بل لقد أوضح بجلاءٍ الفارقَ المنطقيَّ بين القضايا التقريرية والضرورية والاحتمالية.

والمقولات الفرعية للكم هي «الوحدة، والكثرة، والكلية totalité» ومن الجليِّ أن الثالثة هي المُركَّب من الأُولَيَين، إذ إنَّ الكلية هي وحدة الكثرة، فالرقم ٣ هو وحدة الكثرة ٣ × ١، إذ إن ١ × ٣ = ٣ × ١ (٣ مضروبة في ١ هي ١ مضروب في ٣).
والمقولات الفرعية للكيف هي الواقعية realité والسلبية négation والتحديد limitation وهنا أيضًا تكون الثالثة مركبًا من الأُولَيَين؛ فالتحديد هو الواقعية محددة و«محاطة» بالسلب.
والمقولات الفرعية للإضافة هي: الجوهر، والعلِّية، والمشاركة (التأثير المتبادل بين حقيقتَينِ مقترنتَين). ذلك بأن الحكم الحملي الذي يفيد التضمن يؤكد أن صفةً ما يجب أن تُحمَل على موضوع، يكون عندئذٍ جوهرًا لها، والحكم الشرطي يفيد وجود علاقةٍ بين علَّة ومعلول (في المثال السابق يكون انخفاض مقياس الضغط علامةً على حالةٍ جويَّة تُسبِّب المطر) والحكم الانفصالي يُقرِّر بين عددٍ مُعيَّن من الأحكام علاقة تزامن simultanéité ومساواة، واستبعاد مُتبادل.
والإضافة هي أهم المقولات، وهي التي أوحت إلى «كانْت» بأكثر المشاكل تعقيدًا وخصبًا. وسنعود إلى الكلام عنها في موضعٍ آخر.٧

والمشاركة (أو التأثير المتبادل) هي المركَّب من الجوهر والعلِّية، لأنها العلِّية المتبادلة بين جوهرَين يؤثر كلٌّ منهما في الآخر.

أما المقولات الفرعية للجِهة فهي «الإمكان» possibilité (وضده الاستحالة) والوجود existence (وضده اللاوجود) والضرورة nécessité (وضدها العرضية contingence) والضرورة هي المركَّب من الوجود والإمكان، إذ إن ما هو ضروري هو ما لا يحتاج إلا إلى أن يكون مُمكنًا لكي يُوجَد، ولقد تحدَّث ليبنتز عن الله بهذه العبارة الرائعة المستوحاة من فكرة الجهة فقال: «إن الموجود الضروري يُوجَد إذا كان ممكنًا.»

بعد كانْت، أكمل هاملان قائمة المقولات

كانَت قائمة المقولات عند «كانْت» نقطة بداية قوائم أخرى، نسبتها إلى قائمةٍ كانَت هي نفس هذه القائمة إلى قائمة أرسطو. فلنُعطِ فكرةً موجزة عن قائمة هاملان،٨ التي كانَت موضوعًا لبحثه في كتاب «دراسة العناصر الرئيسية في التمثل».
Essai sur les élémenls principaux de la représentation.

في هذا الكتاب تَطلَّع هاملان إلى بناء سلسلةِ المقولات كلها عن طريق العملية الثلاثية التي سار عليها كانْت، وهي: الوضع، ونقيضه، والمركَّب من الوضع ونقيضه.

(١) الإضافة، والعدد، والزمان

إن نقطة البداية هي مقولة الإضافة، إذ إن كل تفكيرٍ إنما ينحصِر في تقرير صلة أو علاقة بين حدودٍ متفرقة، والتفكير ربط؛ فالعالم في نظر الفكر «سلسلة مُتدرِّجة من العلاقات» ولا شيء مُنعزل فيه على الإطلاق، بل إن الأضداد إنما هي مُتضايفات، إذ إن كلًّا منها يستبعِد الآخر، وذلك، في الحق، نوع من التبعية المتبادلة. فالإضافة إذن هي المقولة الأولى، ونقيض الإضافة هو العدد؛ فالعدد مُكوَّن من وحدات، على أن الوحدات لا يمكن تقريرها، بوصفها وحدات، إلا إذا تصوَّرناها متفرقةً على نحوٍ ما. فعندما يُقال عن أشياءَ إنها «اثنان» مثلًا، يكون معنى ذلك أن لكلٍّ منها وجودًا مُستقلًّا يكون على نحوٍ ما، عالمًا لا سبيل للثاني إليه. وهكذا تكون لدينا مقولتان متضادَّتان: الإضافة والعدد، فماذا يكون المركَّب منهما؟ لا بد أن يكون مقولةً تستبقي من العدد قانون التشتُّت، والاستبعاد المتبادل الذي يُفرِّق بين الوحدات، ومع ذلك تُبقي على علاقة بينها. وذلك هو الزمان، إذ إن لحظات الزمان تفرُّ كل منها من الأخرى، إلى حدِّ أن كل لحظة تُلقي — في حينها — بالأخريات في هوة العدَم، التي يمثِّلها الماضي. ومع ذلك فإن لحظات الزمان تظلُّ مرتبطةً. ذلك لأن الماضي، وإن لم يعُد له وجود، فهو على الرغم من ذلك يتحكَّم في الحاضر، الذي يحتفِظ منه بأثر في الذاكرة. تلك إذن هي المجموعة الثلاثية الأولى: الإضافة والعدد والزمان وهي المجموعة التي تكوَّنَت بناءً على طريقة «كانْت».

(٢) الزمان والمكان والحركة

المقولة المقابلة للزمان هي — بطبيعة الحال — المكان. هذا إلى أن اللغة ذاتها تؤكد ثنائية الزمان والمكان، وليس من الصعب أن نُدرك فِيمَ يتضادَّان؛ فالزمان ينصرم والمكان باق، ويحفظ أجزاءه المختلفة معًا كما لو كانت «متزامنة»، والزمان يكون سلسلةً وحيدة، وليس له — كما قيل عنه — سوى بُعدٍ واحد، بحيث أنه إذا لم تتعاقَبِ الحادثتان في الزمان، أعني إذا لم تكن إحداهما سابقةً على الأخرى ولا لاحقةً بها، كانتا مقترنتَين في الزمن، وتنطبق إحداهما على الأخرى من الوجهة الزمانية. أما في المكان فمن الممكن ألَّا تتطابق الأشياء وذلك بصورٍ مختلفة (أي بثلاث طرق، ما دام للمكان ثلاثة «أبعاد») وإذن فهناك تضاد بين المكان والزمان، ولكن يوجَد بينهما، رغم ذلك، خصائص مشتركة تسمح بتكوين مركَّبٍ بينهما؛ فهما متجانسان ومتصلان، والمركَّب منهما هو الحركة؛ فالحركة هي تغيير الموقع في المكان خلال الزمان، وهي بدَورها متجانسةٌ ومتصلة، شأنها في ذلك شأن المقولتَين اللتين تكوَّنت منهما. فالمجموعة الثلاثية الثانية هي إذن: الزمان، والمكان، والحركة.

(٣) الحركة، والكيف، والاستحالة٩

تَستبقي الحركة من الفكرتَين اللتَين ولَّدتاها، صفةَ كونها «مُركبة» أعني أن أجزاءها لا يمكن أن تتَّحِد إلا مع تجاورها وبقائها متميزة، ولذا كان هناك علم رياضي خاص للحركة، كما أن هناك علمًا رياضيًّا خاصًّا للمكان وللزمان. فسرعة الحركة يمكن أن يُقال عنها أنها مجموع سرعات مُتعدِّدة أصغر منها، تُدرَك فيها بوضوح؛ فالجسم المتحرك الذي يتنقَّل بمعدل ١٠ أمتار في الثانية، يُصبح في نهاية هذه الثانية عند طرف خطٍّ يمكن أن يُميَّز فيه خطَّان كلٌّ منهما ٥ أمتار مثلًا، ويمثل كل منهما سرعة حركتَين تبلغ كل منهما هذه الحركة في البطء، تلك إذن هي صفة «التركيب» في الحركة، ومقابل المركَّب هو «البسيط»، والبسيط هو ما لا يتركَّب من أجزاء يمكن تمييزها، ومن ثَم كان بأسره في كلٍّ من أجزائه، فالشيء الأبيض يكون بياضه في المليمتر المربع منه معادلًا لبياضه في المتر المربع، وذلك ما يُعبر عنه القول إن الأبيض «كيف» فنقيض الحركة هو «الكيف»، والمركَّب منهما هو تحرك الكيف أو تغيُّره، الذي يطلِق عليه «هاملان» اسما أرسطوطاليًّا هو الاستحالة (كالابيضاض والاحمرار والاستدفاء والتصلب). تلك هي إذن المجموعة الثلاثية الثالثة: الحركة، الكيف، الاستحالة.

(٤) الاستحالة، النوعية، العلية

نستطيع أن نهتدي إلى نقيض الاستحالة إذا تصوَّرنا عالمًا تسودُه استحالة دائمة لا يُقابلها شيء، مثل هذا العالم تتغير كيفياته بلا انقطاع، دون أن يتمكَّن المرء من أن يميز فيها شيئًا ثابتًا، وفي مقابل ذلك، يتمثل الثبات في عالَم ترتبط كيفياته بعضها ببعض على نحوٍ تكون معه إحداها شرطًا في كيفياتٍ أخرى تندرِج تحتَها، وذلك هو اندراج الأنواع تحت الجنس، وهذا ما سمَّاه «هاملان» بالنوعية، وهو النقيض الثابت للاستحالة الدائمة التغيُّر، وهو أيضًا أساس التصنيف، أما المركَّب من الاستحالة والنوعية، فهو العلية: والواقع أن العلاقة بين العلَّة والمعلول هي في آنٍ واحد علاقة تغيُّر وثبات، إذ إن سلسلة العِلَل والمعولات هي تيارٌ لا ينقطع، ومع ذلك فإن هذا التيار تُنظِّمُه قوانين لا تتبدل. فالمجموعة الثلاثية الرابعة إذن هي الاستحالة، والنوعية، والعلية.

(٥) العلية، والغائية، والشخصية:

وطبيعي أن نقيض العلة هو الغائية. ففهم ظاهرة عن طريق علَّتها، هو تفسيرٌ لها من خلال الظاهرة التي تسبقها، والتي هي سببُها. أما فهمها عن طريق غايتها وهدفها، فهو البحث عن سببها في النتيجة التي ستتلوها، والتي تتَّجِه هي إليها. وعلى ذلك ففي وسعِنا أن نقول، في نفس الآن، إن البلورية تظهر في العين نتيجةً لنمو نسيجٍ مُعيَّن فيها — وذلك هو التفسير بالعلة — أو أنها تظهر للتمكين من الرؤية، وذلك هو التفسير بالغاية.

والمركَّب من العلية والغائية هو الشخصية، إذ إن الشخص علة تعمل على تحقيق غاية، وتضع لنفسها غايات مُعينة. والمجموعة الثلاثية الرابعة، وهي: العلية والغائية والشخصية، هي الأخيرة، إذ إنها تنتهي إلى القيمة العُليا، أي إلى قيمة الكائن الذي هو غاية لذاتِهِ وللآخرين، دون أن يجوز له أن يكون وسيلةً على الإطلاق، وفضلًا عن ذلك فالشخصية هي الشعور الذي يُقرِّر العلاقات ويتفهَّمها وبهذا تقفل الدائرة.

الاستدلال، أي تنظيم القضايا بحيث تؤدي إلى إيجاد نتيجة

تنظم القضايا في اللغة على صورة «جُمل»، وكثيرًا ما يتفق للجُمَل أن تُعبر عن أحكام معقدة، فمن الممكن مثلًا أن تعبر جملة في مجموعها عن حكمٍ شرطي أو حُكم انفصالي، وفي أحوالٍ أخرى تُعدِّل القضايا التابعة معنى القضية الرئيسية بفروقٍ طفيفة، بحيث تعبر الجملة كلها عن معنًى حلمي واحد، وعلى خلاف ذلك قد يحدث أن تبين القضية الرئيسية أن التابعة هي محض إمكان، أو أنها بعكس ذلك ضرورة، بحيث يكون المجموع حكمًا احتماليًّا أو ضروريًّا.

غير أن تنظيم الجملة يكون في أحوالٍ أخرى مختلفًا تمام الاختلاف. ويمكن أن يُقال بوجهٍ عام أن الجملة إذا كانت تبدأ بكلمة «بما أن» أو بغيرها من الكلمات التي تُنبئ بأننا سوف نقدِّم أسبابًا، فإن القضايا التابعة تُولِّد القضية الرئيسية، وتكون هي المكونات التي تنتُج عنها هذه القضية الرئيسية. وعندئذٍ لن تُعبر الجملة عن حكمٍ مركَّب بل عن استدلال.

والاستدلال اسم يُطلَق على تنظيمٍ منطقي يتألف من أحكامٍ مُكوِّنة تولِّد حكمًا ناتجًا، ويُسمَّى هذا الحكم الأخير «بالنتيجة» والمكونات «بالمقدمات» فإذا قلتَ مثلًا: «بما أن سقراط إنسان فهو فانٍ» تكون القضية الأولى هي المقدمة، والثانية نتيجة، غير أن اللغة فيها معنى التقدير والحذف في معظم الأحوال، وهي تنطوي على قدرٍ غير قليلٍ من المعاني الضمنية، فهنا تُوجَد مقدمة أخرى ضمنية هي: وكل إنسان فانٍ.

المبادئ العامة للمنطق الاستدلالي

لن نتحدَّث هنا عن المنطق الاستدلالي، إذ يبدو من المستحسَن في رأينا أن نستخلِصَه من المناهج العلمية، وإنما سنقتصِر على بيان مبادئه العامة، أعني القواعد التي ينبغي أن يلتزِمها التفكير في استدلاله حتى يتجنَّب كل خطأ.

هذه المبادئ ثلاثة: أولها يضع القاعدة العامة التي يلتزِمها الإثبات والآخران يضعان قواعد النفي وتلك هي: مبدأ الهويَّة، ومبدأ التناقُض ومبدأ الثالث أو الوسط المرفوع.

  • (١)

    مبدأ الهوية، وصيغته: أ هي أ أو أ تكون أ. ولكن لكي نفهم هذه الصيغة المقتضبة، ينبغي علينا أن نُفسِّر الرمز أ وكلمة «هي» أو «فعل الكينونة» تفسيرًا صحيحًا، إذ إن المبدأ قد أثار عددًا لا نهايةَ له من التفسيرات الباطلة، وأقدم هذه التفسيرات ينحصر في اعتقاد أنَّ أ تشير إلى «شيء» وأن فعل الكون يُفيد وجوده، لكن نظرًا لأن طبيعة الزمان ليست موضَّحةً في هذه الصيغة، فإن ذلك يُوحي بتفسير المبدأ على أنه «كل ما يُوجَد أزلي». مما يستتبع أن يكون القلَم والمنضدة أزلِيَّين — وهو محال — أو يكون القلم والمنضدة غير موجودين ما داما ليسا بأزليين.

    ولكن ما قيمة كل ما ليس بأزلي؟

    ومع ذلك، فعلى هذا النحو فَهِم الإيليون (مدرسة للفلسفة اليونانية في القرن الخامس ق.م.) مبدأ الهوية، وانتهوا من ذلك إلى أن الوجود أزليٌّ ثابت، وأن المتغير، والذي يخضع للزمان هو «لا وجود» — وذلك في الحق موقف فلسفي لا يمكن التمسك به.

    وإذن فالرمز أ لا يعني «شيئًا». أ يدل على فكرتنا على شيء، عندئذٍ يكون معنى المبدأ هو «أن فكرة الشيء هي فكرة ذلك الشيء» وفي هذه الحالة لا يكون للمبدأ معنًى؛ بل قد يكون عائقًا للفكر، إذ إنه يبدو مُعبرًا عن نهي؛ فهو ينهانا عن أن نقول عن فكرة الشيء سوى فكرة هذا الشيء فينهانا مثلًا عن أن نقول عن القلَم إنه أسود. وبعبارةٍ أخرى، فهو يَنهى عن إصدار أي حكمٍ يكون المحمول فيه مخالفًا للموضوع، ولنلاحِظ أن هذا هو تفسير مدرسةٍ يونانية أخرى، هي المدرسة الميغارية، تلامذة سقراط، الذين كانوا يمثلون نوعًا من الشُّكَّاك ويَدعون إلى الامتناع عن الحكم.

    ولكي نتخلَّص من هذا التفسير الباطل بدَوره، علينا أن نفهم أ بمعنى قضية، أو إثبات كامل، مثل «أكتب هذه السطور في ٢٥ أبريل سنة ١٩٤٢م في الساعة التاسعة صباحًا». فيكون معنى فعل الكينونة في «أ هي (تكون) أ» هو أن القضية، بكل ما وردَ فيها من شروط، صحيحة على مرِّ الزمان. فسوف يكون من الصحيح دائمًا أني كنت أكتب هذه السطور في … إلخ، وبعبارةٍ أخرى فالقضية الصحيحة تكون صحيحةً أبدًا، وهذا يستتبع القول بأن كل القضايا التي سوف أُصرح بها فيما بعد يجب أن تتَّفِق معها، أو تَنتج عنها. فمبدأ الهوية إذن يفرض على العقل الاتفاق المطلق مع ذاته، وهو كفيل بأن يجعلنا نقول (عند الحاجة) إن القضية تستتبع نتائجها، إذ لن تكون هذه النتائج سوى القضية ذاتها وقد حُدِّدت بصيغ مختلفة.

    وعلينا أن نلحَّ في تأكيد الشطر الثاني من هذا القول: فنتيجة القضية هي القضية ذاتها، ولكن في صورة أخرى، أي في صورة جزئية مثلًا. فإذا قلت: كل إنسان فانٍ، فينبغي لي أن أستنتج منها أن «كل واحد من أفراد الإنسان» فانٍ (وهذا ما يُسمَّى باستدلال التداخل)، وذلك عن طريق تفكيك الحد «كل إنسان» إلى أجزائه «جميع أفراد الإنسان».

    وقد يُقال إن هذا أمرٌ ليست له سوى أهمية ضئيلة، وإن مثل هذا الاستدلال لا يكون، في نهاية الأمر، سوى ذلك الشيء نفسه مرتَين (أي ما يُسمَّى بتحصيل الحاصل)١٠ وهذا صحيح، غير أنه قد يكون من المُهم أن نزيد إيضاح جزءٍ من القضية كان قبل ذلك كامنًا، وغير شعوري — وغالبًا ما تكون عملية الاستدلال عملية إيضاحٍ.

    وفضلًا عن ذلك، فمن المفيد أن نستخلِص النتائج إن كانت تترتَّب على «عدة» قضايا متشابكة، كما هي الحال في الرياضيات، فعندما يكون المثلث قائم الزاوية، فإن القضايا المتعلقة به تترتَّب على صفاته باعتبار أنه مثلث، وأنه قائم الزاوية.

  • (٢)

    مبدأ التناقض «أ ليست لا أ». والملاحظة التي قُلناها في المبدأ السابق بشأن معنى أ تسري على هذا المبدأ أيضًا: أما «لا أ» فتعني نفي القضية أ أو، كما يُقال «نقيض» أ، مثل «ليس من الصحيح أنني أكتب … إلخ.» ويميز المناطقة بين المتنافسَينِ والضدَّينِ، فبينما يكون النقيض نفيًا للقضية، يكون الضد مُقابلها. فإذا قلت «كل إنسان فان» كان نقيضها هو «ليس صحيحًا أن كل إنسان فان» ومن هذا ينتج أنه «ليس بعض الناس فانين» بينما الضد هو «لا إنسان فان».

    فمبدأ التناقُض يعني أن النقيضين لا يصدقان معًا، وبعبارة أخرى، إذا أثبتنا قضيةً لا يمكننا أن ننفيها في الوقت نفسه.

  • (٣)

    مبدأ الثالث أو الوسط المرفوع: ليس ثمة وسط (أو ثالث) بين «أ ولا أ» أي أن النقيضين لا يكذبان معًا.

    ويُسمَّى هذا المبدأ أيضًا بمبدأ البدائل L’alternative والبدائل يصدُر عنها حُكم انفصالي.١١ فإذا ما كوَّنت قضيتان بديلَين، فلا يمكن أن تكذِبا معًا، ولكن لابدَّ أن تصدُق إحداهما. وعلى ذلك فإذا أثبتنا بطلان قضية من هاتين القضيتَينِ، كانت الثانية صحيحةً بالضرورة.

    وهذا المبدأ يُستخدَم في ذلك النوع من الاستدلال الذي يُسمِّيه علماء الرياضة باسم «الاستدلال الامتناع».

    raisonnement par l’absurde.

أخصب أجزاء المنطق هو فلسفة العلوم

يكتسب المنطق أهمية جديدة إذا ما طُبق على العلم بدلًا من اللغة، والحق أنه يُوجَد اختلاف مزدوَج بين منطق اللغة ومنطق العلم.

  • (١)
    فاللغة تفتقر إلى الدقة، وكثير من ألفاظها — ومن بينها ألفاظٌ غاية في الأهمية — تحمِل أكثر من معنى. ولقد ذكرنا من قبل أن المنطق يدرُس بوجهٍ خاص معنى الكلمات التي تدل على روابط منطقية، وبخاصة روابط العطف conjonction. ولكننا نجد حرف العطف أو ou ينطوي في اللغة الفرنسية على معنى مزدوَج؛ فهو يُشير في الغالب إلى بدائل، أو إلى انفصالٍ حقيقي، مثل: النصر أو الموت، ولكنه يكتفي في أحوالٍ أخرى بالإشارة إلى مجرد الاختيار دون اكتراثٍ؛ الساعة الثانية أو الثالثة. ولقد ميَّزت اللغة اللاتينية ما تركَتْه اللغة الفرنسية غير محدد؛ ففي الحالة الأولى يستعمل في اللاتينية الحرف aut، وفي الثانية الحرف vel أو sive، ويعني «إذا شئت si tu veux» ومن الواضح أن هذَين الاستعمالَين ليسا متساوِيَين إطلاقًا في نظر المنطق.
    أما العلم فيستخدِم لغةً بلغت من الدقة حدًّا هائلًا، هي لغة الرياضة التي أدى إعدادها منذ أكثر من ألفي سنة إلى استبعاد كثيرٍ من ضروب اللبس، وحسبنا دليلًا على ذلك تلك التفرقة التي يستطيع الرياضيون تقريرها بين القضايا «المتبادلة les reciproques وبين القضايا العكسية les inverses» وهي التفرقة التي لا تلحظها اللغة المتداولة.
  • (٢)

    ليست اللغة «صحيحة» في ذاتها؛ بل تقتصر على أن تأتي بأداة يمكن كشف الحقيقة عن طريقها، في حين أن العِلم يشتمل على عددٍ هائل من القضايا التي تتحقَّق يوميًّا، وتكون نبعًا من الحقائق المادية ما علينا إلا أن ننهل منه.

    ومن ثم فإذا كان الأمر متعلقًا بالعِلم فليس للمرء أن يتساءل أهو صحيح؟ إذ إن السؤال ذاته لا يمكن أن يوجَّه، وحسب المرء أن يتساءل: كيف أصبح العلم صحيحًا؟ أو كما يقول «كانْت» في كتابه «المقدمات Prolégomènes» كيف تكون الرياضة ممكنةً؟ وكيف يكون عِلم الطبيعة المحض ممكنًا؟١٢

    وهذا السؤال المزدوج هو الذي يُلخِّص «فلسفة العلوم».

ويطلق اسم فلسفة العلوم على شكلٍ من أشكال المنطق، يطبق التحليل النقدي الواعي على العلم، وتمر فلسفة العلوم بالمراحل الآتية:
  • (١)

    تاريخ العلوم: وهذا الشكل الخاص من أشكال التاريخ يتميَّز بأنه على قدرٍ من الصعوبة، إذ يقتضي أن يجمع الشخص الواحد بين ثلاثة شخصيات مختلفة كل الاختلاف: شخصية المؤرخ، وشخصية العالِم بطبيعة الحال، وشخصية الفيلسوف أيضًا؛ لأن الجدير بالاهتمام في تاريخ العلوم، ليس هو تقدُّم نتائجُها؛ بل هو تطبيق المناهج، أو بعبارةٍ أصح، إعداد العقل لمناهج حلال مواجهته الواقع على أن العالِم يميل إلى أن يقصُر اهتمامه على النتائج، وعلى الحالات المتعاقبة التي تمر بها مسألةٌ ما، بل ربما ازداد تخصصًا، فاكتفى بالحالة الأخيرة لهذه المسألة، أما الفيلسوف فيؤثر أن يفحص الصراع الأبدي بين العقل والأشياء، والدروس الدائمة التي لا يُمحى تأثيرها، والتي تستخلص من كتابات عالِم عبقري قديم، مثل «رسالة في المنهج» لأرشميدس (القرن الثالث ق.م.) أو «المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية» لنيوتن (١٦٨٧م). ونقول بعبارة أخرى: إن تاريخ العلوم هو في نظر الفيلسوف، عرضٌ للعلم في حالة نشأته.

  • (٢)

    مناهج البحث العلمي: وهي الدراسة الفكرية الواعية للمناهج المختلفة التي تطبقها مختلف العلوم تبعًا لاختلاف موضوعات هذه العلوم.

    وسوف نُخصص الجزء الأكبر من هذا الكتاب للبحث في المناهج، وسنستخلص الأمثلة التي سنوردها من تاريخ العلوم، وسوف تتاح للقارئ فرص عديدة للإلمام بهذا التاريخ.

  • (٣)

    الإبستمولوجيا (النقد العلمي للمعرفة): وتدرس المنهج «العام» للعلوم والعمليات العامة التي يطبقها العقل البشري على العلم.

  • (٤)
    كان من الممكن أن نتوج هذه الدراسة «بنظرية في المعرفة»١٣ وهذا الاسم يطلق على التقدير النقدي الذي يُحدد قيمة المعرفة البشرية وحدودها، ولا جدال في أنَّنا لن نمتنع، خلال هذا الكتاب، عن إصدار أحكامٍ تقويمية على الطرق الخاصة التي تستخدِمها العلوم المختلفة، أو على الطرق العامة التي يتَّبِعها العقل البشري. ذلك لأننا قد ذكرنا أن المنطق معياري، فلَه الحق إذن في أن يُقدر الاتجاهات التلقائية للعقل ويُصلحها، وفضلًا عن ذلك كله، فإن إدراك منهجٍ ما عن وعي، وتقديره في تفاصيله، وإصلاحه، ثلاث عمليات مرتبطة، أو هي على الأصح، عملية واحدة متصلة. غير أن للتقدير الشامل طابعًا ميتافيزيقيًّا، لا تعود له بالمنطق صلة، لأنه لا يعود ينصبُّ على العقل وحدَه، وإنما هو خاص بالصلة بين هذا العقل والواقع منظورًا إليه في مجموعه، وفي صفاته الخاصة.
١  سوف نعرض لوجهة نظر المنطق الحديث في الفصل الثاني عشر (القسم الثامن).
٢  Spinoza: Traité ce la réforme de l’entendement. Œuvres traduites et annotéess par Appuhn paris, Garnier 1907, 1, p. 239.
٣  Critique de la raison pure, 1781; de la raison pratique 1788; du jugement 1790.
٤  يُلاحظ أن الرابطة لا تظهر في معظم القضايا في اللغة العربية وذلك تبعًا لمقتضيات التراكيب النحوية في اللغة العربية . (المترجم)
٥  Traduction Archambault (Flammarion) t.l. p. 113.
٦  انظر الفصل الثاني، القسم «١».
٧  انظر الفصل الثالث، قسم ١٥.
٨  ١٨٥٦–١٩٠٧م.
٩  الاستحالة هنا أن يستحيل الشيء إلى شيءٍ آخر، أو يُصبح شيئًا آخر altération ولا شأن لها بالمعنى الذي يُقابل الإمكان impossilbilité . (المترجم)
١٠  انظر في الفصل الثاني عشر، قسم ١٢ المعنى الذي يُضفيه المنطق الحديث على هذا اللفظ.
١١  ينبغي عدم الخلط بين البدائل وبين استدلال الإحراج dilemme فالبدائل تؤلِّف حكمًا لا ينتج عنه شيء مباشرة، أمَّا الإحراج فهو استدلال يَستخلِص من البدائل النتيجةَ القائلة إن الفرضَين (أو أي عدد آخر من المفروض) يرتدَّان عمليًّا إلى شيءٍ واحدٍ، وعلى هذا النحو يستدل «ماتان Mathan» في أتالي Athalie (الأبيات ٥٦٣–٥٦٦): أنه كان ينحدِر من أبوَين عظيمَين.
فسوف يُعجل مصيره الجليل بضياعه، وإن كان القدَر شاء أن يضعه من العامة المغمورين ففيمَ يُهمُّ أن يسكب بالصدفة دم وضيع.
١٢  Prolégomènes à toute métaphysique future … etc trad. Gibelin, Paris (Vrin) p. 39.
١٣  ظهر هذا التعبير للمرة الأولى بوصفه اصطلاحًا فنيًّا لدى الفلاسفة الألمان في نهاية القرن الثامن عشر وأواسط القرن التاسع عشر (كتاب Erkenntniss Theorie تأليف إدورد تسلر Eduaard Zeller ١٨٦٢) وتستخدم أيضًا في المعنى نفسه كلمة gnoséologie وإن كنا لا نُحبذ استخدام هذا اللفظ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤