الفصل الأول

يُمثل المرسح منظر الحوش الداخلي لمنزل رحيو بمدينة طيبة، على اليمين باب كبير موصل للطريق، وبجواره سطح مرتفع عن الأرض ببضع درجات، ويفصلهما جدار قصير أعلاه غير منتظم، وفي صدر الحوش سطح آخر مثله، ويصعد إليه ببضع درجات أيضًا ويُطل على النيل، ويُرى منه قلع مركب راسٍ، ويُرى من خلفه ضفة النيل الأخرى بنخيلها وأشجارها، وعلى يسار المرسح جدران المنزل المعد للسكن وبابه، وعلى جانبي الباب عمودان قاعدتهما على شكل سيقان السوسن (اللوتس)١ وتاجاهما على شكل زهرته، وبجوار العمود الذي على يمين الداخل شبه محراب فيه تمثال صغير للمعبودة إيزيس فوق قائمة من الخشب، وعلى جوانب السطحين مما يلي السلمين تماثيل للمعبودات آمون وتوبريس وغيرهما، وكذلك على جانبي الباب الخارجي من الداخل.

الواقعة الأولى

(يوما – تايا – حنو – ستسنيت – نجاوو – دليثي – رحاسي – موينه)

دليثي بيدها قيثارة تضرب على أوتارها وأمامها نجاوو ترقص على نغماتها، ورحاسي تتفرج عليهما، موينه تُلاعب عصفورًا في قفص معلق على جدار المنزل، يوما على السطح الأمامي وتايا بجوارها، ويوما متكئة بمرفقيها على الجدار تنظر للنيل شمالًا، ستسنيت مكبة على وجهها فوق حصير في وسط الحوش، وبجانبها دواة وفي يدها مرود وشم تنقش به صورة إيبيس على ذراع حنو الأيسر وهي مُكبة أمامها مثلها.

أثناء التمثيل يخرج خدم من المنزل لقضاء بعض الحوائج، ويدخل بعضهم حاملًا أواني من فخار بها ماء «بلاليص» وسلال من فاكهة «برتقال»، وعند دخول حاملة البرتقال تكون نجاوو قد فرغت من الرقص فتأخذ رحاسي برتقالتين من السلة، وتلعب بهما.

(الموسيقى وراء المرسح.)

ستسنيت (تخاطب حنُّو) : أما كنتِ تعلمين يا حنُّو أن من تنقش صورة إيبيس٢ على ذراعها الأيسر تظل سعيدة يومها كله؟
حنُّو : سعيدة اليوم كله! حقق الله فألكِ! إذن ربما أكون الفتاة التي تصطفيها الآلهة هذا المساء؛ لتكون قربانًا للنيل، وعروسًا لأوزيريس.
دليثي (تُخاطب نجاوو) : تباطئي، تباطئي، وأشبهي في حركاتكِ تمايل ورقة السوسن على وجه الماء، إذا أراد النيل جرَّها معه في تيار ضعيف، فتميل حينًا حتى تلطم وجه الماء ثم تستقيم.
نجاوو : حسنًا فأعيدي (تعيد دليثي النغمة).

(تدخل في هذه الأثناء حاملة سلة البرتقال فتتناول منه رحاسي اثنتين وتلعب بهما.)

رحاسي : لا تلبث نجاوو أن يذهب بها التيار! انظُرنَ كيف تحمَّست.
موينه : نعم، أخشى أن يذهب بها التيار، فقد علمتُ أنها تذهب بعد كل أصيل، إلى ضفة النيل؛ لاستماع أناشيد صانع السلال.
دليثي (تخاطب نجاوو) : أحسنتِ يا نجاوو، وأراكِ تستطيعين الليلة أن ترقصي مع الراقصات عند الصلاة الكبرى للإيزيس.
حنو (تخاطب ستسنيت) : وقد تعطَّرتُ هذا الصباح بالكِبا٣ بعد أن خلطته بالدراصيني والمرِّ والحبة الخضراء.
نجاوو (تخاطب موينه) : نعم أذهب وأسمع الأناشيد، أما أنتِ فلا تزالين صغيرة لا تعبأ بكِ الأبصار، ولا يهتمُّ بكِ صانع سلال ولا بائع فخَّار.
موينه : أتظنين؟ اقتربي وانظري، مَنْ أعطاني هذا العصفور الجميل؟ (تُخرج من القفص عصفورًا مربوطًا ساقهُ وتخاطبهُ) من صادك أيها الطائر وأهداني إياك؟ لينطق لسان حالك الفصيح، أما أنت فحاذر أن تبوح، حاذر أن تبوح.
حنو (تنظر في مرآة من المعدن) : يا ستسنيت، أجدُ الخط الذي على صدغيِّ مما يلي العين قصيرًا فهل لمرودك أن يُطيله فأزداد حُسنًا، ولعلَّ حظي يساعدني فتختارني الأرباب عروسًا؟ أليس كذلك يا تايا؟ ولكن ما لكِ مُبتعدةً عنَّا لا تتكلمين؟
تايا : أنظر طائفة من الطير تتضاءل كلما أوغلت صاعدة إلى القبة الزرقاء، أما أنتِ فلا تُعلِّقي الآمال على أن تكوني عروس الآلهة هذا المساء.
حنو : ولمَ؟
تايا : لا أعنيكِ فقط بل أعني أيضًا كل الحاضرات في هذا المكان؛ لأن الآلهة لا تأخذ الضحية من مدينة واحدة مرتين في عامين متواليين.
حنو : مطلقًا؟
تايا : قليلًا ما تفعل.
حنو : يا للأسف! ألا تأسفين لذلك يا نجاوو؟
نجاوو : لا أدري.
ستسنيت : لعلكِ ترغبين عن المجد؟
نجاوو : كلا، ولكني أُفضِّل أن أكون عروسًا لمن أُحبُّ.
دليثي : وي! والنيل إلهنا أترفضين خِطبتهُ؟
حنو : طوبى لمن تصبح عروسه!
موينه : أما أنا، فأفضل البقاء في الحياة.
ستسنيت : ولكن إذا وقع اختياره عليكِ؟
تايا : ألا تعلمين أنه يجوز لها الرفض؟
دليثي : نعم، ولكن يتحتم عليها إذ ذاك أن تبرح الديار، وهل يستطيع ابن النيل أن يبرح واديه؟ (تخاطب يوما) ما قولكِ يا يوما؟
يوما (إلى نفسها) : ربما …
رحاسي : ما تقولين يا يوما؟
يوما : لا شيء، إنما أُحدِّث نفسي.
موينه : تكاد يوما تخنقها العبرة، فقد أجهدت نظرها طويلًا في استطلاع الأفق فلم تظهر لها سفينة من تنتظر.
يوما : اسكتي يا صغيرة.
تايا (تخاطب دليثي) : ولكن لا بدَّ للسفينة المقدسة من عروس.
دليثي : نعم وبدون التضحية لا يفيض النيل فتجدب البلاد.
حنو : ولا تنبت الحنطة والفول والذرة والسوسن.
دليثي : فيموت القوم جوعًا.
حنو : إذن فالتي تُقدم نفسها قربانًا للنيل إنما تُحيي أمة بأسرها، ألا ترين يا نجاوو أن ذلك خيرٌ من جلب السعادة لرجل واحد؟

(سكوت)

يوما (إلى نفسها) : ربما …
حنو : ثم تُؤخذ من هيكل المعبود يوم العيد، في موكب مشهود، وفرعون قوَّاه الإله وعافاه …
دليثي : إنكِ لا تدرين يا حنو، وأراكِ تهرفين بما لا تعرفين.
حنو : كلا، وما قلتُ إلا حقًّا. أليس كذلك يا تايا؟ إن تايا لا تجهل شيئًا من تلك الطقوس، حيث كانت أختها في العام الماضي هي العروس.
موينه : حدِّثينا يا تايا بما يكون.
رحاسي : نعم، صفي لنا ما يحدث.
تايا : في اليوم الخامس من شهر بابه …
موينه : لا لا، اليوم، اليوم، ماذا يحدث اليوم؟
رحاسي : نعم، ماذا يفعلون اليوم؟ نحن نعلم أنهم يصلون لإيزيس، ولكن ماذا يفعلون قبل الصلاة وبعدها؟

(تجتمع الجواري حول تايا.)

تايا : عند الأصيل، وقبل أن تغيب الشمس بقليل، يسمع القوم نداءً من الهيكل، فيهرعون إلى أسطحة المنازل مرتلين نشيد إيزيس العظيم، ولا يُسمح بترتيله إلا مرَّة في العام في ذلك العيد، وتجتمع الكهنة في الهيكل يرتقبون النداء باسم التي يصطفيها المعبود قربانًا للنيل؛ ليفيض فيضانه السنوي العميم، فيصيح صائح من أعلى الأسوار مُعلنًا اسمها للناس، وعلى من سمعه أن يجهر به ليعلمه من لم يسمع فيبلغه لغيره، وهكذا تتناوله الأفواه والأسماع، حتى يعمَّ المدينة الخبر، فيتقاطر الناس إلى المنزل الذي باركه آمون، فتتجلى لأنظارهم الفتاة واقفة، وأهلها من حولها رُكَّع وسجود، فيهلل لها القوم ويكبرون، ويحيُّون في شخصها عروس المعبود.
الجميع (مبهوتات) : أُوه!
دليثي : وبعد أن يمضي شهر التطهير، يأخذونها إلى بيت المعبود.
نجاوو : ويوم المعجزات؟
رحاسي : نعم، ويوم المعجزات؟
تايا : تكون العروس أمام القوم لدى المحراب، فتصلي مع المصلين ضارعة، فيتزحزح الحجر الذي يحجب صورة إيزيس.
دليثي : فترى إيزيس عن كَثبٍ ويمكنها أن تمسها.
الجميع : أوه!
تايا : وتضرع إليها في مقدمة الناس، أن تُحني رأسها إشارة إلى أنها ستحمي مصر وساكنيها عامًا آخر، فإذا تضرع القوم وابتهلوا وصلُّوا صلاةً حارَّة، تحني المعبودة رأسها وتكون تلك أولى المعجزات.
دليثي : إذا أحنت المعبودة رأسها وهي من حجر، فتلك إحدى المعجزات.
تايا : فإذا كان في جموع المصلين عُمي فقد يبصرون، أو صمٌّ فيسمعون، أو بكمٌ فينطقون.
دليثي : وربما شُفيت مولاتنا الكريمة مييريس من عماها، فأبصرت عيناها.
حنو : وعندما تخرج العروس من الهيكل … خبرينا يا تايا كيف تخرج من الهيكل؟
تايا : قبل اليوم المحدد بثلاثة أيام، تأخذ المدينة؛ بل الأقاليم كلها في إقامة معالم الأفراح، وفي ذلك اليوم يجتمع الناس من كل صوب وحدَب لدى الهيكل، فتصطف الجنود الليبية لمنع الزحام وحفظ النظام. فتخرج العروس المصطفاة محلَّاة بثياب حُمر وذهب، على محفة عالية ينطلق منها البخور، ويحيط بها كبار كهنة آمون، فتمر بين تلك الجموع وأبصارهم حائمة عليها، وأكفُّهم مرفوعة إليها، ونغمات الأبواق والمزامير ممتزجة بأصوات التهليل والتكبير.
الجميع : أوه!
دليثي : ويذهبون بها إلى النيل؟
تايا : نعم، يذهبون بها إلى النيل، فتقلها سفينة آمون، وتلك السفينة يُؤتى بها من أقصى المحراب.
دليثي : وتبتعد بها السفينة عن الشاطئ.
تايا : وتبتعد بها السفينة عن الشاطئ حيث القوم ساجدون … (تقف قليلًا كأنها تريد إخفاء اضطرابها) ثم تعود السفينة بدونها.
الجميع (بصوت منخفض) : تعود السفينة بدونها؟!
تايا : وبعد يومين ترتفع مياه النيل.
الجميع : ترتفع مياه النيل؟!
تايا : نعم ترتفع، وتفيض في الترع، وتعم كل أراضي حاكابتاح٤ فتخصب الحقول، وتنبت سنابل الحنطة والفول، سنابل الحنطة الذهبية والسوسن والفول.
دليثي : وكلما جرى النيل؛ جرت الألسنة بشكر تلك التي فدت مصر العزيزة بنفسها.
حنو : ليتني أكون هي!
الجميع (إلا يوما) : ليتني أكون هي!

(يوما تنتصب ثم تجلس.)

تايا : لو تكونين هي يا يوما؟
يوما : إذن لربما أبيت.
الجميع : وي!
موينه (بتبسم ذي معنى) : أنا أدري السبب، أنا أدري السبب.
دليثي : أظنه …
تايا : تكلمي.
دليثي : أظنهُ عين السبب الذي يأتي بكِ إلى هذا المكان منذ أيام، فتظلين واقفة تسائلين الأفق.
يوما : نعم.
موينه : إنها ترتقب ظهور السفينة الآتية بالمسافرين من الشمال، فإن من بينهم فتى كاهنًا هو ابن صانع الفخَّار.
دليثي : الفتى الكاهن ابن صانع الفخار، والذي سافر منذ عامين.
يوما : إنه خطيبي.
رحاسي : ولكن أتعلمين ماذا يُقال؟
تايا : يُقال إن في تلك السفينة كاتبًا يدعو الناس إلى آلهة آخرين.
يوما : علمتُ.
دليثي : آلهة كاذبة.
موينه (بخبث) : إذن فسيحجز الكهنة السفينة، وتلبث يوما في انتظار خطيبها ثمانية أيام أخرى.
يوما : سأنتظر.

(يأتي وكيل صاحب الدار فيُلقي كلمات في أذن دليثي.)

دليثي : مولاتنا تنبهكنَّ أن أزفت ساعة الدخول.

(يخرجن من جهة اليسار، وتلتقط ستسنيت دواتها، ورحاسي برتقالها تلعب به، وتحمل موينه قفصها وتقفز به، وتتناول دليثي قيثارتها تُداعب أوتارها وتترنم مع حنو ونجاوو.)

دليثي وحنو ونجاوو :
شعرها أسود طويل
يشبه الليل البهيم

(يخرج الوكيل ثم يعود وفي يده سوط ووراءه رجل عجوز مسكين عاري الصدر ملطخ بالطين يحمل قصعة.)

الواقعة الثانية

(الوكيل – باخ)
الوكيل (يقف أمام تمثال تويريس) : ها هو، اقترب أيها الرجل وانظر، إن أذن المعبودة تويريس٥ قد انكسرت هذا الصباح، وأنت صانع فخار، فتستطيع لصقها قبل أن يراها ربُّ الدار عندما يحضر لصلاة الاصطفاء، ها هي الأذن أرجعها مكانها.
باخ (مضطربًا) : أنا … يجب … اليوم يعود ولدي.
الوكيل : ألستَ خادمنا؟
باخ : نعم.
الوكيل : وصانع فخار؟
باخ : نعم.
الوكيل : ألم تقل لي إنك قادر على عمل ما آمرك به؟
باخ : ما كنتُ أظن أنك تكلفني رفع يدي إلى المعبودة تويريس.
الوكيل : أطع.
باخ (يرتمي على قدميهِ) : عفوًا، عفوًا، لا أستطيع … ثم … ولدي … ولدي قادم من سفر طويل.
الوكيل : سأقرعك عشرين عصًا جزاء إجهادك لساني، فإذا لبثتَ على إبائك زدتها إلى مائتين.
باخ : مولاي!
الوكيل (يضربه بالسوط) : قم واشتغل.

(يهم بالخروج فيجري باخ وراءه.)

باخ : اسمع، اسمع، سأصنع ما تريد، ولكني لا أستطيع إنزال المعبودة من مكانها؛ لأن أطرافي لا تقوى على حملها.
الوكيل : سوكتي يعينك.

(يخرج فيصادف في طريقه سوكتي فيضربه بالسوط مُشيرًا له أن يلحق بباخ، فيُسرع إليه سوكتي بدون أن يُبدي تألمًا أو دهشة.)

الواقعة الثالثة

(باخ – سوكتي – ثم بتيو القزم)
باخ : يقول إنه يجب إنزال المعبودة إلى الأرض.
سوكتي : أنا أُنزلها؟
باخ : بل نحن معًا.
سوكتي (يرتعد ويقول بعد سكوت) : إني أخاف.
باخ : وأنا مثلك خائف.
سوكتي : إذا مسسناها مُتنا.
باخ : وسنموت تحت العصا إذا عصينا.
سوكتي : لمَ لم يتركوني في عملي فقد كان خيرًا لي.
باخ (بعد تفكير) : اسمع، يجب أن نُخطرها أننا إنما نفعل لرد أذنها لها.
سوكتي : نعم، يجب أن نُعلمها ذلك.

(يجثيان)

باخ : أيتها المعبودة وأم المعبودات، اغفري لنا رفع أيدينا الحقيرة إلى رأسكِ المقدس، وقعت أذنك ونريد ردها مكانها.
سوكتي : وهم يُجبروننا على إطاعة أمرهم، فأيتها الروح الإلهية المقدسة، خالقة الكون، اغفري لنا، إنما نريد إصلاح أذنكِ.
باخ (يقوم ويقول لسوكتي) : تعال.

(يدخل بتيو القزم وهو صعلوك قصير القامة محدودب الظهر، فعندما يرى باخ وسوكتي يمدان أيديهما إلى التمثال، يرتد مُسرعًا جزعًا فيقع، فيقوم فيقع، فيلتجئ إلى ركن ينظر منه إليهما، ثم يتقدم نحوهما رويدًا رويدًا أثناء ما يأتي.)

سوكتي : إنها لم تقل شيئًا!
باخ : يجب أن نلقيها على وجهها.
سوكتي : بتلطف.
باخ (يتناول الأذن) : أمسك هذه (يذهب فيأتي بالقصعة، ويضع فيها قليلًا من الطين، ويهيئ العجينة) هات (يتناول الأذن ويُلصقها) لندعها حتى تجف، والآن فتعال معي لنرى هل قدمت السفينة التي تقلُّ ولدي.
سوكتي : لن تراه.
باخ : لن أراه؟
سوكتي : إنه كاهن.
باخ : لمَّا يدخل الكهنوت بعد.
سوكتي : ولكنه تربى في الهيكل، فإلى الهيكل سيذهب.
باخ : سيجيء إلى هنا؛ لأنه يودُّ أن يرى أباه وأمه.
سوكتي : وخطيبته يوما.
باخ : وخطيبته يوما.

(يقصد باخ جهة اليمين، فيقترب بتيو من التمثال حذرًا، ثم يقف على مسافة منه.)

سوكتي : أنَّى وصل نظري لا أرى شيئًا.
باخ : ولا أنا … (فجأة) أرأيت التمساح؟
سوكتي : نعم، وها امرأة قادمة إلى النيل وجرَّتها على رأسها.
باخ : هذه كريبا امرأتي، ها هي تنظر علَّها ترى السفينة التي تحمل ولدنا ساتني.
سوكتي : إنها تعمقت في الماء!
باخ : لتأتي به نقيًّا صافيًا.
سوكتي : ولكنها في المكان الذي ظهر منه التمساح!
باخ : لا يهم؛ لأنها تحمل ريشة من ريش إيبيس … وأنا أعرف الكلمات السحرية التي تبعد التمساح، اسمع (يترنم): «إلى الوراء يابن ست٦ لا تظهر على الماء، لا تقبض. لا تفتح فمك. ليصبح الماء لهيبًا من نار أمامك، وليُلقَ سحر المعبودات السبعة والثلاثين في عينك. ربطتك، ربطتك، فقف يابن ست واحمها يا آمون يا زوج أمك.»٧
سوكتي (بغير دهشة) : قد اختفى التمساح!
باخ (كذلك) : وهل كان يستطيع غير ذلك؟

(بتيو وقد أصبح على مقربة من تمثال المعبودة، يمد أصبعه إليها حذرًا فيمسها، ثم يرتد ناجيًا بنفسه، فيعثر ويقع، ثم يقوم فيقترب من باخ وسوكتي.)

سوكتي (مُشيرًا إلى المعبودة) : أظنها جفت الآن.
باخ : نعم، فيها بنا.
سوكتي : لا أزال خائفًا.
باخ : وأنا أيضًا، ولكن تعالَ نتعاون عليها.

(يُقيمان التمثال ويضعانه حيث كان، ثم يرتدان فيقفان بعيدًا عنه ينظران إليه.)

سوكتي : إنها لم تصبنا بسوء!
باخ : كلا.
سوكتي (ضاحكًا) : هي هي.
باخ (ضاحكًا) : هي هي.
سوكتي (ضاحكًا) : هي هي هي.
باخ (ضاحكًا) : هي هي هي (يضحك بتيو معهما، يسمع من بعيد صوت بوق فيصعد سوكتي وباخ إلى السطح ينظران) هذا أمير المقاطعة يحملونه إلى مدينة الأموات،٨ روحه الآن أمام محكمة أوزيريس والقضاة الاثنين والأربعين.٩
سوكتي : لعلهم مُجازوه بما فعل من السيئات.
باخ : سيُجزى عليها ألف مثل، وسيمرُّ أولًا على بحيرة النار.
سوكتي (ضاحكًا) : باخ، باح، أتتصوَّره وهو في الآخرة في الأمنتي؟١٠
باخ (ضاحكًا) : نعم نعم، ويكون المحور القائم عليه باب الأمنتي في عينه اليمنى، وكلما فتح الباب أو أغلق يدور المحور في عينه فيفريها وهو يصرخ ويستجير.
سوكتي (مسرورًا) : وسيُجزى على شراهته ونهمهِ، فيعلق الماء والخبز فوق رأسه، وكلما همَّ بتناولهما تنشقُّ تحت قدميه هاوية تبعده عنهما.
باخ : ذلك لأنهم يجدون سيئاته تربو على حسناته.
سوكتي : ونحن، ونحن، قُل ماذا يكون مصيرنا؟
باخ : أما نحن فيرى القضاة أنَّا من الطاهرين.
سوكتي : وبعد وبعد؟
باخ : وبعد نذهب إلى الأمنتي، وبرزخ الأرواح.١١
سوكتي : نعم، وفيه؟ قل ماذا نجد في برزخ الأرواح؟
باخ : نجد عيونًا من ماء غير آسن.
سوكتي (مُقهقًا) : وماذا أيضًا؟ غير ذلك؟
باخ (كذلك) : وسنابل من بُر قيد ذراعين.
سوكتي (كذلك) : نعم نعم، سنابل من بُر قيد ذراعين.
باخ : وخبزًا من الذرة وفولًا.
سوكتي : ومقامع وأسواطًا، قل لي أهناك مقامع وأسواط؟
باخ : أبدًا.
سوكتي : أبدًا؟
باخ : وننسى هناك كل ما أصابنا.
سوكتي : وآكل حتى أشبع … كل يوم.
بتيو : أما أنا فتطول قامتي وتستقيم، وتصبح لي قدمان مثل باقي الناس.
باخ : إنه مُلك لا يعادله ملك الأرض.

(يضحكون، يظهر الوكيل.)

الوكيل : ماذا تفعلون؟ (يضربهم بالسوط) ها، سيدتكم قادمة، فانصرفوا من هنا.

(يخرجون، يُطأطئ الوكيل رأسه أمام سيدته مييريس العمياء، وهي قادمة تحمل زهورًا وتقودها يوما.)

الواقعة الرابعة

(مييريس – يوما)
مييريس (برفق) : دعيني يا يوما، فأنا أعرف كيف أصل إليها وحدي.
يوما : أمركِ يا مولاتي (وتتبعها مخففة وطء قدميها).
مييريس (مبتسمة) : أشعر بكِ خلفي، فلا تخافي عليَّ (تتقدم نحو تمثال إيزيس الصغير) أرأيتِ كيف بلغتها وحدي؟ لقد مضى عليَّ زمن طويل، وأنا أجيء إليها كل يوم لأقدم لها الأزهار، فدعيني.
يوما : حسنًا يا مولاتي (تبتعد).
مييريس (تتلمس التمثال كما يفعل الأعمى) : نعم، ها أنتِ يا إيزيس١٢ عرفتُ وجهك، وأشعر بابتسامة ثغرك، وقد أصبحت أناملي تعرف سيماك (تتناول من الزهور التي بين يديها فتضع منها على القائمة التي عليها التمثال)، هذه قرباني التي آتي بها كل يوم إليك؛ كأني بهذه زهرة سوسن١٣ بيضاء، إنها لكِ، ولا أظنني مخطئة إن كانت هذه أكبر منها وأطيب عَرفًا، (تشمُّها) إنها زهرة نيلوفر حمراء،١٤ وإليك أيضًا هاتين الزهرتين المقدستين إنهما يشرفان على وجه الماء عند الصباح، وتتفتح أكمامها عند الزوال، فإذا احتجبت الشمس وراء الأفق، تحتجبان تحت الماء، كما يحتجب تحت النقاب وجه الحسناء. يقولون إن هذه الزهور جميلة، ولكن وا أسفاه! لا أرى جمالها، هاكِ زهرة جَفْنٍ،١٥ وهذه زهرة فُتنة، عرفتها من عبيرها المتضوِّع، يقولون إن أشعة الشمس إذا عبثت بأكمام هذه الزهور صبغتها بأبهى الألوان التي تتمتع بها الأنظار، فلتقرَّ بها عيناك يا إيزيس. أما أنا فلا أرى جمالها! ولكني سآتي إليك كل يوم مدى العمر، راجيةً، متوسلةً، مُبتهلةً، أناديك في صلواتي بقلب محزون، أن ترأفي بحالي، وتُجيبي ندائي وتُنعمي عليَّ بما أنعمتِ على عبادك الآخرين؛ امنحيني نعمة البصر، امنحيني نعمة البصر لأرى أشعة الشمس المشرقة، أشعة آمون رع الإلهية المقدسة، وسأذهب هذا العام أيضًا، باكيةً، متوسلةً، إلى معبدك يا إيزيس في يوم المعجزات، وسأبتهل إليكِ لتكشفي عني غطائي فتتجلى عليَّ محاسن هذا الوجود. إيزيس اذكري أن مُصابي عظيم، وأنهُ كان لي طفل صغير كان يرى، نعم كان يرى، ثم ابتدأ يتكلم، فيصف لي ما يرى على قدر ما يتصور، فلم يكُ أشهى على قلبي من رؤية الأشياء بعينيه، وسماع وصفها بلسانه، ولكنه مات يا إيزيس ولم أره قط! والآن قرباني إليك دموعي وحسراتي، وحرقتي في صلاتي، ليلي دائم، أمَا لليلي من آخر؟ إن كنتِ لا تريدين يا إيزيس أن تكشفي عني ظلماتي، فعجِّلي بمماتي، أسلميني إلى المنون، محبة السكون؛١٦ لأحظى بعد الحساب برؤية ولدي المحبوب في الأمنتي، فأراه إذ ذاك لأول مرة، نعم لأول مرة … تقبلي يا إيزيس هذه الزهور (تقف)، تعالي يا يوما (تتأهب للخروج، ولكن تقف بغتة، وتصيح فرحة) ولكني أسمع صوتًا … نعم … اذهبي يا يوما وائتيني بإبريق الماء المصفى، لقد أقبل زوجي، ها هو.

(تخرج يوما وتعود سريعًا، وبيدها إبريق وطشت ومنشفة.)

الواقعة الخامسة

(مييريس – يوما – رحيو – ثم باخ)
مييريس : مرحبًا بك في دارك يا مولاي!

(تصب يوما الماء على يدي سيدها، وتُناوله مييريس المنشفة.)

رحيو : أنا سعيد برؤياكِ في منزلكِ يا مييريس، لعلك قضيت نهاركِ في صفاء؟
مييريس : نعم، فقد حضر لديَّ بعض الأطفال، وأخذوا يلعبون، فسرَّني ضحكهم ولعبهم، وكان صوت أحدهم يشبه صوت ولدي، فأدنيته مني، وتلمست وجهه بيدي كما كنتُ أفعل مع ولدي، فشعرت بشعرٍ كشعره، ورأس كرأسه، وجسم حيٍّ كجسمه، فاطمأنَّ له قلبي، وجفت عيناي فلم أبكِ، وكأن صوتًا خفيًّا كان يناديه من أعماق قلبي قائلًا: أيها الطفل الصغير، إن سنَّك سنُّ الذي سلبتنيهِ المنون، محبة السكون، ولكنه الآن في الأمنتي وبرزخ الأرواح، أسعد منك حالًا؛ لأنه في حماية من النوائب التي تترصدك، إنه أسعد منك حالًا؛ لأنه متمتع بالحياة في نور شمس من ذهب، وحوله جنات من زهور تجري فيها الأنهار المعطرة، وأنا إذا حانت ساعتي، وتلقفتني المنون محبة السكون، فيومئذٍ أراه، نعم أراه لأول مرة، فأداعبه كما أداعبك، وألاعبه كما ألاعبك، ويومئذٍ لا تُفرِّق بيننا المنون، اذهب يا ولدي والعب، إن السعادة ليست من متاع هذا العالم الفاني.

(يدخل باخ باحثًا عن قصعته.)

رحيو : أجبني يا باخ، ألا تذهب لاستقبال ولدك.
باخ : كنت أود يا مولاي، ولكني ذهبتُ إلى النيل الساعة فلم أجد به سُفنًا.
رحيو : لقد وصلت السفينة هذه الليلة، وأمر الكهنة أن تبقى في منعطف النهر إلى الساعة، فاذهب.
باخ : شكرًا لك يا مولاي (يخرج).
رحيو : أاستعدَّ كل من في الدار للصلاة لإيزيس، فقد أوشكت الشمس أن تغيب؟
مييريس : اذهبي واستعجلي من في الدار يا يوما.
يوما (تجثو متوسلة) : مولاتي!
مييريس (تضع يدها على رأس يوما) : ما بكِ؟
يوما : السفينة!
مييريس : وبعد؟ آه تذكَّرْت، أنتِ مخطوبة لابن صانع الفخار، ولكن لا يمكنك أن تخرجي الآن، فمن يدرينا أن لا تكوني التي يصطفيها آمون هذا المساء.
يوما : إن آمون لا يعرفني.
مييريس : إذا اصطفاكِ فهو يعرفك.
يوما : أنا … أنا خادمة حقيرة، لا أظن يا مولاتي، إنه لا يُحتمل.
مييريس : ولمَ؟
يوما : أتظنين أنه يُحتمل؟
مييريس : طبعًا، فبادري.
يوما (لنفسها وهي خارجة) : الإله آمون يصطفيني …! ربُّ الأرباب!
مييريس : رحيو، رحيو، أنحنُ وحدنا؟
رحيو : نعم.
مييريس : إذن قل لي ماذا جرى؟
رحيو : إهانة أخرى لحقت بي.
مييريس : كيف؟
رحيو : ما كدتُ أتمثل بين يدي فرعون في إيوانه، حتى هبطت له ساجدًا، فسألني بصوت جاف: ماذا تريد؟ وأنتِ تعلمين أن العادات تقضي على مخاطبه أن لا يجيب، وأن يتظاهر بأنه ارتج عليه لهيبته وجلاله …
مييريس : ألم تفعل كذلك؟
رحيو : فعلت ولكن …
مييريس : حاذر، أما من أحدٍ يسمعك؟
رحيو (متلفتًا) : كلا، ولكنه بدل أن يأمر بقيامي، أو يستعد لسماع كلامي — آه من هذا الكلب الحبشي — تظاهرَ بأنه لا يراني، فتركني جاثيًا أمامه طويلًا طويلًا، ثم لما تذكر أني لم أبرح مكاني، ورأى أن الغضب يكاد يذهب بجناني، قال إن روحًا خبيثة استولت عليَّ، وأخذ يتظاهر بالإشفاق علي ظاهرًا، وهو يهزأ بي باطنًا، وأخيرًا أذن لي بالانصراف، ونسي أنني لو كنت أريد …
مييريس : صه صه، ألا تعلم أن الآلهة على مقربة منك، وأنها تسمع صوتك.
رحيو (مستنكرًا) : هو هو. الآلهة!
مييريس : ماذا تعني؟
رحيو (مستهزئًا ثم متحمسًا) : أعني أني ابن رئيس كهنة، وأعرف هذه الآلهة، وقد نسي فرعون أني لو أردت أن أعدِّد للشعب ما أداه والدي له من الخدمات، وأن أُسلح رجالي الذين يشتغلون في مزارعي، وأن أرسلهم عليه …
مييريس : رحيو! رحيو!
رحيو : أتظنين أنهم يعصونني، إن فرعون لا يغفر لي أني ابن رئيس الكهنة السابق، وأن أبي كان صديق فرعون السالف، وأنه كان يريد أن يبدِّل آلهتهم بإله حق واحد، ونسي فرعون أني لو صحت في قومي؛ أن يا قومُ قد جاءني أبي في الرؤيا وأوحى إليَّ ما أوحى، لتبعني مِن قومي كل مَن أدمت ظهره عصا جابي الضرائب، وخشي أن يُؤخذ قسرًا إلى حرب لا يُعلم فيها من الغالب، وأقبل القوم إليَّ من كل حدب ينسلون، ويصدعون بما يُؤمرون.
مييريس : ولكنهم يخشون أربابهم.
رحيو : لن يخشوهم طويلًا!
مييريس : أسمعهم قادمين للصلاة.
رحيو : نعم، فلنتأهب للصلاة كيلا يكون لهم سبيل إليَّ حتى يئون الأوان.
مييريس : أي أوان؟
رحيو : لو أمكنني أن أتمم ما كان يفكر فيه أبي، وأنتقم أيضًا ممن ألحق بي كل هذه الإهانات …
مييريس : صه صه، أسمعهم مقبلين.

(تسمع أنغام مصحوبة بالموسيقى قادمة من بعيد.)

المصلون (من بُعد) :
إيزيس يا ذات العلا
أنتِ قصد المستجير
أنتِ عون للغني
أنتِ ذخرٌ للفقير

(تتقطع الأصوات عند دخول المرسح، تدخل نسوة الدار تتبعهن الخدم.)

الواقعة السادسة

(السابقون – النساء – الخدم – ثم ساتني)
رحيو (يتقدَّم نحو السطح ناظرًا للأفق) : لم تنزل الشمس عن الأكمة، ولكنني أرى في النيل … يوما، يوما، هذه السفينة القادمة بخطيبك.
يوما : ها هي! ها هي! قد وقفت، إنهم يدقون الوتد، حاذت الشاطئ، رموا الهلب، إن رجالًا يخرجون منها. هذا الرجل الغريب …
رحيو (مبتسمًا) : إنه ليس غريبًا.
يوما : لم أعرفه لتغير زيه.

(يدخل باخ.)

رحيو : ألَم تستقبل ولدك؟
باخ : وجدت يا مولاي على الطريق الموصل للنيل جعرانين ميتين.
رحيو : إذن لا يستطيع أحد أن يمر في ذلك الطريق قبل أن يُطهَّر، إلا رئيس الكهنة.
باخ : لقد نبهت المارة يا مولاي، فاضطروا أن يأخذوا طريقًا آخر طويلًا.
رحيو : وهل عرفت ولدك؟
باخ : كلا، ولكن سيخرج من السفينة مع الخارجين (يبتعد).
يوما : ولكن … ولكن ها رجل مقبل إلى هذا المكان، وهو ذلك الذي ظننته غريبًا، أين وجدت الجعرانين يا باخ؟
باخ : بالقرب من شجرة التين.
يوما (جزِعة) : ويلاه! سيمر من هناك …! إنه لا يدري (بارتياح) شكرًا لهم لقد نبهه بعضهم.
رحيو : إنه توقف.
يوما (بجانب شجرة التين تقول) : ولكنه استمر في طريقه، ويلاه! إنه سائر، لقد تقدم ومرَّ! «إلى مييريس» مولاتي مولاتي، إليَّ إليَّ … آه يا آمون!

(تهرب مع مييريس واضعة يديها على عينيها.)

رحيو : إنه قادمٌ إلى بابنا، ها هو.

(يدخل ساتني.)

ساتني (مُسلمًا مُحنيًا رأسه) : سلامٌ على رحيو.
رحيو : ماذا! أهذا أنتَ يا ساتني؟
باخ : ولدي!
ساتني (جاثيًا) : أبي.
باخ : أأنت، أأنتَ الذي مررت في هذا الطريق بالرغم من الجعرانين؟
ساتني : نعم، وسأوضح لك.
باخ : لا بد أنك مستظهر الكلمات السحرية؛ لأني أنا رأيتهما، رأيتهما بعيني رأسي، ويجب أن أتطهر قبل أن أقرب الصلاة، ألا تعلم أن اليوم عيد الاصطفاء؟
ساتني : أعلم ذلك، وأين يوما؟
باخ : إنها هنا، وستراها قريبًا.
رحيو : ساتني.
ساتني : أتناديني؟
رحيو : نعم، ألم ترَ الجعرانين على طريقك؟
ساتني : رأيتهما.
رحيو : ولم تتحوَّل عن الطريق؟
ساتني : كلا.
رحيو : ولمَ؟
ساتني : لأن قلبي استنار بالعلم حيث كنت.
رحيو : أنت كاهن، أفلم يكن من واجباتك أن تذهب أولًا إلى الهيكل قبل أن تجثو أمام أبيك؟
ساتني : لن أدخل الهيكل ما حييت.

(يسمع من بعيد صوت بوق ينفخ فيه طويلًا.)

رحيو : النداء للصلاة!

(يصعد إلى السطح، ويمد يديه إلى الشمس الغاربة، وتقف النساء مستقبلة إياها؛ بعضهن بيدهن القيثارات، والبعض بيدهن الدفوف والساجات أو المزامير، والبعض يرقصن، والخدم يصفقون بأيديهم توقيعًا على هذه الأصوات المصطحبة بالموسيقى من وراء المرسح.)

رحيو : إيزيس، إيزيس، إيزيس، أناديكِ ثلاثًا بالتعظيم والتقديس.
الجوقة (نشيد) :
إيزيس يا ذات العلا
أنتِ قصد المستجير
أنتِ عونٌ للغني
أنتِ ذخرٌ للفقير
رحيو : إيزيس احفظي لنا بُرَّنا، قُوتنا، من خبيث الرياح، واحفظي لنا جسم آبائنا، من بلاء الزمن.
الجوقة : إيزيس احفظي لنا بُرَّنا، قُوتنا، من خبيث الرياح، واحفظي لنا جسم آبائنا، من بلاء الزمن.
رحيو : إيزيس احفظينا.
الجميع : إيزيس احفظينا.
رحيو : هنا فاحفظينا، واحفظينا هناك.
الجميع : هنا فاحفظينا، واحفظينا هناك.
رحيو : وفي كل آن، وفي كل حال، وما دام هيكل، وما دام نيل.
الجميع : وفي كل آن، وفي كل حال، وما دام هيكل، وما دام نيل.
الجوقة (نشيد) :
إيزيس يا ذات الصفا
نيلكِ النيل الكبير
فأفيضيهِ على كل الورى
فيضكِ الوافي الغزير
رحيو : إيزيس!
الجميع : إيزيس!
رحيو : إيزيس!
الجميع : إيزيس!
رحيو : إيزيس!
الجميع : إيزيس!

(يخرُّ الجميع جاثين إلا المغنيات والراقصات.)

رحيو : نتوسل إليك يا آمون، أن تصطفي العذراء التي نقدمها قربانًا إليك، أغثنا باصطفائها يا آمون!
الجميع : أغثنا باصطفائها يا آمون!

(سكوت تام، يُسمع من بُعد صوت البوق.)

رحيو : هبُّوا فقد تمَّ الاصطفاء (يهبُّ الجميع، ويتكلمون فيما بينهم كما يشاءون).
رحيو (إلى ساتني) : لمَ لمْ تُصلِّ مع المصلين، ووقفتَ بعيدًا عن المبتهلين؟
ساتني : تعلمت الحكمة في بلاد قوم يعقلون.
رحيو : أنتَ! وهل نسيت أنك من كهنة آمون؟
ساتني : برئتُ من الكهنة ومن آمون!
أصوات : اسمعوا، اسمعوا، الاسم، يجهرون بالاسم.

(تُسمع جلبة من بعيد.)

رحيو : الاسم، الاسم.

(يصعد إلى السطح، ويظهر قرص الشمس محمرًّا عند الغروب، ويحمر الأفق.)

ساتني (إلى يوما) : لقد جمع الله شملنا يا يوما، وأراكِ كما كنتِ تحملين ثياب العذارى، أكنتِ مُترقبة عودتي يا يوما؟
يوما : نعم يا ساتني، كنتُ أترقب عودتك.
ساتني : ولم تبرح ذكراي من بالك؟
يوما : اسمع!

(جلبة من بعيد.)

أحد الخدم : يُخيَّل لي أني أسمعهم ينادون باسم رَوْنيت.
غيره : كلا كلا، ليس هذا الاسم.
ساتني : وما يعنيك من صياحهم، أنسيتِ عهودنا؟
يوما : كلا، اسمع.

(جلبة مقتربة.)

أحد الخدم : أمتيرا، أظنها أمتيرا.
غيره : كلا، أظنها حَيحور.
غيره : كلا، أمتيرا مقيمة في غير هذا الحي.
غيره : لا أستطيع تبين ما يقولون.
غيره : لأنهم مروا وراء النخيل.
ساتني (إلى يوما) : أجيبي، أما لكِ آذان إلا لهذا الصياح؟ إني أهواكِ يا يوما.
أحد القوم : إنهم يقتربون، إنهم يقتربون.
غيره : أظنهم يقصدون كارنو؛ لأن دارها قريبة من هنا.
غيره : كلا، بل أظنها حينحون أو كَرْما.
ساتني (إلى يوما) : أزال حبي من فؤادك يا يوما؟
يوما (مُلتهية عنهُ) : كلا، كلا، إني أحبك يا ساتني، ولكن يُخيل لي أن … اسمع، اسمي يصيحون بهِ!
ساتني : فلينادوا به ما يشاءون فإني هنا أحميكِ.
يوما : ولكن إذا كان الإله اصطفاني يا ساتني؟
ساتني : أي إله؟ إنما الكهنة هم الذين ينطقون.

(تقترب الأصوات.)

أحد الخدم (قادمًا) : هي يوما، وهم قادمون إلى هنا. أسرعوا، أسرعوا وأكرموا وفادتهم.
غيره : لا أظنها هي.
غيره : بل هي.
غيره : بلا شك هي.
غيره : لا لا.
غيره : هي هي يوما.
ساتني : لا تنخدعي، فما إلههم إلا من حجر.
يوما (فكرها شارد) : لا شكَّ أنهم ينادون باسمي.
أحد الخدم : قد قدموا.
غيره : ها هم.

(يأخذ الجمع الذي بالمرسح في الانسحاب.)

أحد الخدم (وهو خارج) : هي يوما.
أصوات (من الخارج) : يوما، يوما.
الوكيل (إلى رحيو) : مولاي، إنها يوما.
رحيو : إذن فاذهب واستقبل الوافدين كما تقضي به الطقوس.

(يخرج كل من بالمرسح إلا يوما وساتني.)

الواقعة السابعة

(يوما – ساتني)
ساتني : إذن أنتِ؟
يوما (متهللة) : نعم أنا!
ساتني : لكِ أن ترفضي.
يوما : نعم، ولكن أُجبر على مبارحة البلاد.
ساتني : نبرحها معًا.
يوما : أنا يا ساتني، أنا المُصطفاة، فكِّر في ذلك، إن الإله اصطفاني من بين أترابي جميعًا!
ساتني : لا تبقي هنا.
يوما : وأين تريد أن أذهب؟
ساتني : حيث أذهب.
يوما : نعم نعم، أنا المصطفاة! اسمع صوت الجماهير.
ساتني : ارفضي.
يوما (مبتسمة مشرقة الوجه) : وإذا رفضتُ لا تعود أنتَ تهواني.
ساتني : إنك لا تدرين إذن شيئًا، إنما يدعونك للموت.
يوما : نعم، وأي موت يا ساتني!
ساتني : أنتِ لي، وقد أقسمتِ على ذلك، أنسيتِ القسم؟
يوما : كلا، ولكن لم تخطر ببالي هذه السعادة لمَّا أقسمت.
ساتني : هيا معي.
يوما : دعني.
ساتني : هيا معي.
يوما : أتريد إذن حقًّا أن أرفض …؟
ساتني : نعم، لأني أهواكِ.
يوما : وأن أصم آذاني عن نداء إلهي؟
ساتني : اربأي بنفسك من الموت.
يوما : وما عسى القوم يقولون تحدثًا بي. تدبر، إن الإله اصطفاني أنا على حقارتي، وفضلني على غيري من العالمين، فضلني على من هُنَّ أبهى مني جمالًا، وأكثر مالًا، وأعزَّ نفرًا، أأختفي إذن من وجه الإله؟
ساتني : إذن أنت ترغبين الموت في سبيل الفخر؟
يوما : إنما أبتغيهِ في سبيل مصر، في سبيل فيضان النيل على أرض القطر، في سبيل إخصاب الحقول، في سبيل إنماء البقول، في سبيل إنبات الزرع، وإدرار الضرع، إني إذا صممت الآذان عن هذا النداء، وافتديت نفسي دون هذا الفداء، أصبح اسمي ممقوتًا وذكري مرذولًا، في كل مكان تنيره أشعة الشمس المقدسة، وتخرج من بين أترابي فتاة غيري، فتتحلى بالثياب المزركشة، وتخلع عليها الخلَع السنية، من نسيج التيل والخيوط الذهبية، وتتوَّج هامتها بإكليل من ورق السوسن المقدس؛ فتهلل لها الجماهير، وتقدَّم بدلي قربانًا للنيل.
ساتني : لتَمُت سواكِ من تشاء، أما أنتِ فستبقين لسعادتي وسعادتك.
يوما : بل لمذلتي ومذلتك.
ساتني : أنيري الأرض يا يوما بسناء جمالك، وأنعمي عليَّ بحفظ حياتك، وابقي معي أجمِّلك بأثمن الحلل، وأزيِّن صدرَكِ بأجمل الأزهار، وأعطِّر شعرك بأزكى الأعطار.
يوما : مياه النيل السندسية خير حلة، وزهوره الجميلة خير حلية.
ساتني : أكنتِ تهوينني؟
يوما : نعم كنتُ أهواك.
ساتني : اذكري، اذكري يا يوما إذ سافرت من عامين، وكنتِ تجرين بجانب السفينة على الشاطئ لتودعيني ما أمكنك المسير، يخيل لي الآن أني أرى قدميك الصغيرتين وهما عاريتان، وأسمع وقعهما على الرمل وهما مسرعتان، ولما شحطت السفينة، أتذكرين، ولبث القوم يدفعون قاع النيل، ليدفعوا السفينة إلى وجه الماء وهم ينشدون، أخذتِ أنت تصفقين وتنادينني، ولما عوَّمت السفينة، وصاح القوم صيحة الفرح، حزنتِ أنت، وسكنتِ مكانك وقد تولاكِ الجزع، وشعرتُ أنكِ تبكين، ثم صعدت إلى الجسر وأشرت إليَّ بيديكِ إشارة الوداع، وأخذ جسمك الصغير يتضاءل للنظر كلما ابتعدت السفينة، حتى حجبتكِ عنا غابات النخيل. أتذكرين، أتذكرين أنك وعدتني بانتظاري حتى أعود؟
يوما : وقد انتظرتك.
ساتني : أتذكرين إذ اتفقنا على مكان نبني فيهِ دارًا تجمعنا، أتذكرين؟
يوما : نعم.
ساتني : وهل تفضلين على دار الحبيب طمي النيل؟
يوما : طمي النيل مقدس، والنيل مقدس تسع مرات؛ فهو أبو مصر، وهو منبت النبات لإنسانها وحيوانها، وخير الزرع ما سُقي ماؤه، وهو يشرب ماء العيون.
ساتني : سأكشف عنك جهالتك يا يوما، فإنهم يعدونك ضحية لأكاذيبهم.
يوما : يا للآلهة! اتقِ غضبهم الشديد.
ساتني : إني لا أخشاهم، فهم لا يستطيعون شيئًا.
يوما : كيف تزعم ذلك؟ وأنا شاعرة بقوَّتهم الخفية في نفسي، وحبهم أمكن في قلبي من حُبِّ البشر، إني كنت أحبك يا ساتني إلى اليوم حُبًّا لا يعادله حبٌّ في الأرض، حتى كان يُخيل لي أن أنفاسك تُرسِل الحياة إلى نفسي، وما زلتُ إلى هذا الصباح، أخشى أن تصطفيني الآلهة فتفرق بيننا. فما الذي حوَّل قلبي إذن هذا التحويل، ومن عساه يكون سواهم؟ كنتَ لي كل شيء، فأصبحت الآن لا تُعد شيئًا مذكورًا في عيني، كنتُ أرتعد إذا رأيت عقربًا، وأبكي إذا أدمت أناملي أشواك التين، والآن لا أهاب الموت وهو يطلبني، فكيف يكون ذلك إذا لم تشأه الآلهة؟
ساتني : أصغي لي لأقنعك.
يوما : لن تزيدني أقوالك إلا اعتقادًا بمكانتي إذ اصطفاني الإله.
ساتني : إنما اصطفتكِ الكهنة.
يوما : الأمران سواء؛ فصوت الكهنة صوت الآلهة.
ساتني : هذا ما يدَّعون، وما كانت آلهة مصر لتكون، لولا أنهم ابتدعوها.
يوما : لقد ذهب القوم الذين كنت بينهم بعقلك (تتبسم تبسُّم إشفاق) مَن يستطيع أن يكفر بآلهة مصر؟ تدبَّر يا ساتني ما تقول.
ساتني : هذه الآلهة غير موجودة، ولا دار عليين ولا درك أسفل ولا جحيم.
يوما : ها ها، لقد فقدتَ الصواب بلا ريب يا ساتني، أتُنكر الجحيم؟ ولكننا نعتقد بوجود الجحيم.
ساتني : كيف ذلك؟
يوما : ألا ترى الشمس إذا مالت للغروب احمرَّ لونها؛ لتعرُّضها للهيب الجحيم عندما تعلوه، هلا نظرتَ فيأتيك بصرك باليقين؟ (تضحك) آلهة مصر لا وجود لها!
ساتني : نعم لا وجود لها، وما معابدنا إلا مرابط للأنعام والماشية من كل حيوان قذر حقير، أو منازل لأنصاب وأزلام لا تسمع ولا تعي فكيف لها تعبدين؟ صدقيني يا يوما فما عهدتني من الكاذبين، إني أهواكِ ولا أود أن أراكِ من الهالكين، وما افتداؤكِ أكاذيبهم بنفسك بنافعهم شيئًا، وما تضرين إلا نفسك لو كنتِ تعلمين، وما كانت مياه النيل طالبةً ضحيةً حتى تفيض فيضها العميم، وسواءٌ قُدِّمتِ لها فداء أم لم تُقدَّمي فهي فائضة، تلك سنَّة النيل من قديم، لا تذهبي ضحية لأكاذيبهم يا يوما واربأي بنفسك أن تكوني من الخاسرين. إني لا أقوى على بُعدك فمن لي بمن يقنعك باليقين؟ أتذكرين إذ سرتُ في طريقهم وبهِ جعرانان ميتان، ولم أتنحَّ عنهما، أأصابني أذى، أم أدركتني على زعمهم المنون؟ أليس في بقائي حيًّا بين يديك برهان مبين؟ إني أكاد أفقد صوابي إذ أراكِ مُعرضةً عما أقول، ففيمَ تفكرين؟ أين عقلك؟ أين فهمك؟ ألا تسمعين؟
يوما : إني لا أسمع إلا صوت قلبي.
ساتني : وسأنجو بكِ بالرغم منكِ.
يوما : وكيف ذلك؟
ساتني : أحُول بينهم وبينك بالقوة.
يوما : وبأي حقٍّ تحول؟
ساتني : سأنبئك به بعدُ فلا تعارضين.
يوما : إن فعلتَ نزعتُ حبكَ من فؤادي.
ساتني : لا يعنيني شيء بعد إذ تنجين.
يوما : ولكني أنتحر.
ساتني (يقبض عليها بكلتا يديه) : ويلك ألا تعقلين؟ ما هذا الثور وهذا العِسنت وابن آوى إلا أوثان!
يوما : ولكن آبائي كانت تعبدهم.

الواقعة الثامنة

(تدخل الجموع، رحيو وكان مُختفيًا وراء عمود في نهاية المنظر السابق يتقدم نحو القادمين.)

أصوات (رجال) : يوما! يوما!
أحدهم : إلى السطح!
آخرون : إلى السطح! لتصعد إلى السطح.
أحدهم : ولترفع ذراعيها إلى السماء، إشارةً إلى قبول الفداء.
ساتني (إلى يوما) : ابقي مكانك، سنهرب معًا.
يوما (بسرور وإشراق) : إنه اصطفاني من بين أترابي.
الجميع : يوما!
ساتني : إنها رافضة، إنها رافضة، وسأذهب بها.
الجميع : كلا، كلا، إلى السطح! إلى الصلاة، إلى الصلاة!
رحيو : تقدمي للصلاة يا يوما.
ساتني : إنها تأبى.
رحيو : لا تعترضها، أطلِق لها حريتها.
مييريس : اختاري لنفسك يا يوما بين عبد ومعبود.
رحيو : بين مجد الفداء …
ساتني : بل بين الإفك وبيني.
يوما : قد اختارني ربي فداءً لقومي.
ساتني : إنكِ تسعين للموت.
يوما : بل إلى الحياة الحقَّة الخالدة، إلى الحياة في ملكوت الآلهة.
ساتني : إنهم كاذبون.
يوما : صه …
ساتني : سأنجو بكِ بالرغم منكِ.

(تصعد يوما إلى السطح، وتستقيم مُستقبلةً الشمس الغاربة، وترفع يديها إلى السماء، يهلل القوم تهليلًا كبيرًا، فيصيح ساتني بأعلى صوته.)

ساتني : اسمعوا يا قوم إني هاديكم إلى آلهة خير من آلهتكم، إلى آلهة في غنى عن الضحايا.
الجميع : إنها آلهة كاذبة.
ساتني : إنها خير من هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون.
الوكيل : أسكته يا رحيو، أسكته.
رحيو (بصوت منخفض) : بل دعه يتكلم، دعه يتكلم.
ساتني : إني جئتكم لأكشف عنكم غطاءكم، وأُذهب عنكم جهالتكم، ولأدمر أوثانكم وأحطم أصنامكم، جئت لأهديكم إلى الحق، وأرشدكم إلى صراط مستقيم أفتعبدون ما لا ينفعكم شيئًا ولا يضركم، أفٍّ لكم ولما تعبدون.١٧
رحيو (إلى وكيله عندما يراه يقترب من ساتني ليسكته) : دعه يتكلم.

(بينما ساتني يتكلم، ينصرف القوم عنه، وتذهب مييريس بيوما، وتنزل الستار وساتني لا يزال يتكلم.)

هوامش

(١) لوتس: نبات مصري قديم كان يُعرف عند قدماء المصريين باسم «ششن» ومنه بالعربية «سوسن»، قال ديوسكوريدس: «اللوتس نبات ينبت في الماء إذا علا النيل أراضي مصر، وله ساق شبيه بساق الباقلي وزهره أبيض.» واشتهر عند العرب بعرائس النيل، ويسمى الجنس الأحمر منه نيلوفرا، وكانوا يصنعون من لبه قديمًا غذاء طيبًا.
(٢) إيبيس: طائر مصري قديم لم تزل منه بقية في أرض مصر، وعلى الأخص في الصعيد، ويسمى فيها الآن «أبو قردان» أو «أبو حنش»؛ لأنه يصطاد الأفاعي، وفي النوبة، ويسمى أبو حنِّس. وقال بعضهم: إنه الطائر المعروف باللقلق عند العرب وهو خطأ، ويظن العلماء أن إيبيس المصري طائر خرافي، وكان يسمى هبْ (ومنه كلمة إيبيس الإغريقية)، وكان قدماء المصريين يعظمونه ويقدسونه وينسبونه لرب الحكمة «توت»، ويرسمون هذا المعبود برأس إيبيس، وقد اكتشف الأثريون في العرابة المدفونة «أبيدوس» بصعيد مصر مقبرة لجثث محنطة من هذا الطائر.
(٣) كِبا: هو العود المتبخر به (لسان العرب).
(٤) اسم مصر القديم في الصعيد.
(٥) تويريس: معبودة كان يسميها قدماء المصريين «أبيت» أو «شيبوت» ويلقبونها بالكبرى «تاؤور» ومنه كلمة «توبريس» التي سماها بها «بلوتارخس» في كتابه «إيزيس وأوزيريس» وكانوا يمثلونها على صورة العسنت «جاموسة البحر» ولها ثديان مدليان، وكانت رمزًا على الأمومة والرضاع، وعبدوها على الأخص في مدينة طيبة، ومن صفات هذه المعبودة أيضًا؛ الانتقام، ويمثلونها رمزًا إليه مسلحة بسكين، وهي في صورة جسم عسنت له رأس لبوة.
(٦) ست هو الشيطان أو إله الشر.
(٧) قوله: «يا زوج أمك» إشارة إلى أنه أبو نفسه؛ أي موجد نفسه بنفسه، وهذه التعويذة منقولة من الآثار القديمة.
(٨) مدينة الأموات؛ أي القرافة.
(٩) هي المحكمة التي تحاسب أمامها الأرواح بعد الموت حسب اعتقاد قدماء المصريين.
(١٠) الأمنتي اسم الآخرة عندهم.
(١١) هي بعض جهات الجنة في معتقدهم.
(١٢) إيزيس بالأغريقية، وتسمى عند قدماء المصريين «ساييت وإيزايت وإيزيت وإيزي» كانت في البدء معدودة مصر السفلى، وكانوا يعتقدون أنها ولدت ابنها حوريس من غير ذَكر، وأنها تزوجت بعد ذلك أخاها أوزيريس، فتكون منها ومنه ومن ولدهما الثالوث المقدس، ولما اعتلى أوزيريس عرش العالم اعتلته إيزيس معه، وعاونته على تهذيب بني الإنسان، فوضعت أساس الطب، وأحكمت العلاقة بين الرجال والنساء بسن الزواج، وعلَّمت الإنسان طحن الحبوب على رحاة وكانت أول من نسج الأنسجة، ولما سافر أوزيريس للحرب قامت مقامه في الملك، فلما عاد زوجها قتله أخوهما ست (الشيطان إله الشر)، قطعت شعورها ومزقت ثيابها، ورحلت للبحث عن الصندوق الذي به جثة زوجها، فوجدته وأودعته تحت شجرة، فعثر به ست وقطع الجثة إربًا ووزعها في الأرض، فرحلت إيزيس تبحث عن تلك القطع حتى جمعتها، فحنطتها وردت إليها الحياة بمساعدة أختها «نفتيس» وابنها «حوريس» ومساعدة «أنوبيس» و«توت» ثم نقلت زوجها إلى العالم الآخر، وجعلته ملكًا على الأموات، ولما بلغ ابنها حوريس مبلغ الرجال ساعدته على أخذ الثأر من ست، ثم لحقت بأوزيريس في العالم الآخر. وكانت عبادة إيزيس شائعة في مصر، وأهم معابدها بجزيرة أنس الوجود، وآخر عهد المصريين بعبادتها سنة ٥٥١ للميلاد في أواخر حكم بوستنيانوس؛ إذ طرد رهبان تلك الجزيرة ما بقي فيها من المقيمين على عبادة إيزيس.
(١٣) راجع تفاصيل اسم الزهرة في [هامش ١ الفصل الأول].
(١٤) راجع تفاصيل اسم الزهرة في [هامش ١ الفصل الأول].
(١٥) الجفن: شجر طيب الريح (لسان العرب).
(١٦) وصف الموت في الآثار القديمة.
(١٧) ما أشبه هذا الموقف بموقف إبراهيم — عليه السلام — في قومه وقد ورد ذكره في القرآن الكريم: إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ … وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (سورة الأنبياء، آيات ٥٢–٥٥ و٥٧).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤