الأنشودة الثالثة عشرة١

وصل الشاعران إلى الدائرة الثانية من الحلقة السابعة، وكانت غابة برية جافة الأشجار، وبها أعشاش الهربوسات التي كانت لها وجوه النساء وأجسام الطيور. سمع دانتي في كل جانب نُواحًا لم يعرف مصدره، فتولاه الرعب والاضطراب. أشار عليه فرجيليو أن يقطع غصنًا حتى يعرف السر، ففعل، فصاح جذع الشجرة متألمًا وقد سالت منه الدماء، فزاد رعب دانتي واضطرابه. اعتذر فرجيليو للنفس الجريحة التي سكنت تلك الشجرة. كانت هذه روح بييرو دلا فينيا، الذي خفَّ ألمه عندما علم أن دانتي سيجدد ذكره عند عودته إلى الدنيا. قال إنه كان موضع ثقة الإمبراطور فردريك الثاني، ثم أثار الحقدُ عليه النفوس، ففقد مركزه، وارتكب جريمة الانتحار، وبذلك أصبح غير عادل مع نفسه العادلة. سأله فرجيليو كيف تتحد نفس المنتحر بهذه الأشجار، فأفاده بأن مينوس حارس الجحيم يرسلها إلى هذه الغابة، حيث تنبت شجرة جافة قاسية، ثم تهاجمها الهربوسات وتتغذى منها. وفجأة سمع الشاعران أصوات الصيد والوحوش قادمة نحوهما، ورأيا روحين تهربان من كلاب متحفزة تطاردهما، وكانتا روحَي مُواطن من سيينا وآخر من بادوا، وقد أسرفا في أموالهما وأموال غيرهما. لجأت إحداهما إلى بعض العشب الكثيف محتمية به، فمزقتها الكلاب إربًا، فصاحت روح مُواطن فلورنسي سكن فيها، وقالت إنه لولا وجود بقية من تمثال مارس راعي فلورنسا القديم، لَما استطاع الفلورنسيون أن يعيدوا بناء مدينتهم بعد غارة أتيلا، وتنبأ لفلورنسا بالصراع الداخلي الدائم.

(١) لم يكن نيسوس قد وصل هناك بعد، حينما دخلنا في غابة،٢ لم يدل عليها طريق.٣
(٤) لا أوراق خضراء بها، بل داكنة اللون، ولا غصون ملساء، بل ملتوية كثيرة العُقد، ولا فاكهة بها، ولكن أشواك ذات سموم.٤
(٧) وليس لتلك الوحوش المفترسة، التي تكره المناطق المزروعة بين تشيتشينا وكورنيتو، أجمات في مثل هذه الكثافة والخشونة.٥
(١٠) هنا تبني أعشاشَها الهربوساتُ القبيحة،٦ التي طرَدَت أهلَ طروادة من استروفاديس،٧ بنبوءة حزينة عن محنة المستقبل.
(١٣) إنهن ذوات أجنحة كبيرة، ولهن رقاب أناسيٍّ ووجوه بشرٍ، وأقدامٌ ذات مخالب، وبطونٌ كبيرةٌ يكسوها الزَّغَب،٨ ويُطلقن نُواحًا، فوق الأشجار الغريبة.٩
(١٦) بدأ أستاذي الطيب قائلًا: «اعلم قبل أن تتقدم إلى الأمام، أنك في الدائرة الثانية، وستبقى بها
(١٩) حتى تبلغ الرمل الرهيب؛١٠ ولذا فانظر جيدًا، وسترى أشياء يمكن أن تنزع من نفسك الثقة في كلامي.»١١
(٢٢) وسمعتُ من كل جانب نواحًا ينطلق، ولم أرَ إنسانًا يُصدره؛ ولذا توقفتُ عن المسير وقد تولاني الاضطراب.١٢
(٢٥) إخال أنه ظن أني اعتقدتُ١٣ أن هذه الأصوات الكثيرة قد صدَرَت، من بين تلك الجذوع، عن قومٍ أخفَوا أنفسهم عنَّا.١٤
(٢٨) ولذا قال أستاذي: «إذا قطعتَ من إحدى هذه الأشجار غصنًا صغيرًا، فستصبح كل أفكارك دون أساس.»١٥
(٣١) عندئذٍ مددتُ يدي إلى الأمام قليلًا، وانتزعتُ غصنًا صغيرًا من فرعٍ كبير، فصاح جذعه: «لماذا تقطعني؟»١٦
(٣٤) ولما اسودَّ بعدئذٍ لونه بالدم، عاد إلى صياحه:١٧ «لماذا تمزقني؟ أليس في قلبك من الرحمة أَثارةٌ؟١٨
(٣٧) لقد كنا رجالًا، وأصبحنا الآن أشجارًا، وينبغي حقًّا أن تكون أرحم يدًا ولو كنا نفوس أفاعٍ.»١٩
(٤٠) وكغصن أخضر يحترق أحد طرفيه، ويقطر الآخر ماءً،٢٠ ويصرصر من أثر الهواء الذي يخرج منه؛٢١
(٤٣) كذلك خرج من الغصن المقطوع الدمُ والكلام معًا،٢٢ عندئذٍ تركتُ الغصن يسقط،٢٣ وظللتُ كرجلٍ يساوره الخوف.٢٤
(٤٦) وأجابه حكيمي قائلًا:٢٥ «أيتها النفس الجريحة، لو أنه استطاع من قبل أن يُصدِّق ما رآه في شِعري وحده،٢٦
(٤٩) لما مد إليكِ يدًا، ولكن الشيء الذي لم يُصدِّقه، جعلني أدفعه إلى عملٍ يَثقُل على نفسي ويصعب.٢٧
(٥٢) ولكن خبِّره مَن كنتَ، حتى يصحِّح بعضَ ما فعل، فيجدِّد ذكراك فوقُ، في الأرض،٢٨ حيث من حقه أن يرجع.»٢٩
(٥٥) قال الجذع:٣٠ «إنك تغريني هكذا بمعسول الكلام، فلا أستطيع صمتًا،٣١ وعسى ألا يكون ثقيلًا عليك، إذا أطلتُ في الحديث قليلًا.
(٥٨) أنا ذاك الذي استحوذ على مفتاحَي قلب فردريك،٣٢ وأنا الذي أدارهما فاتحًا مغلقًا برفقٍ ولين،٣٣
(٦١) إلى أن كدتُ أُبعِد عن سرِّه كل إنسان، وحملتُ الأمانة للمنصب المجيد، حتى فقدتُ في ذلك الكرى ونبضات القلب.٣٤
(٦٤) والعاهرة٣٥ التي لم تُحوِّل أبدًا عينيها الداعرتين عن منزل قيصر، والتي هي هلاكٌ للجميع، وإثمٌ لكل بلاط؛
(٦٧) أشعلتْ عليَّ كل النفوس، وسعَّر المشتعلون حقدًا قلبَ أغسطس هكذا،٣٦ حتى تحولتْ أمجادي السعيدة إلى أتراحٍ حزينة.٣٧
(٧٠) ونفسي التي أحسَّت بالزراية، وهي معتقدةٌ أنها تهرب من الزراية بالموت،٣٨ جعلتني غير عادلٍ مع نفسيَ العادلة.٣٩
(٧٣) وأُقسم لك بالجذور الجديدة من هذه الشجرة،٤٠ إني لم أنكث أبدًا بعهد سيدي، الذي كان جديرًا بكل تشريف.٤١
(٧٦) وإذا رجع أحدكما إلى الأرض فليُرضِ ذكراي، التي لا تزال صريعة طعنةٍ، سدَّدها إليها الحسد.»٤٢
(٧٩) تمهَّل الشاعر قليلًا ثم قال لي:٤٣ «ما دام قد سكت، فلا تُضيِّع وقتًا، ولكن تكلم، واسأله إذا راقك المزيد.»
(٨٢) حينئذٍ قلتُ له: «زده أنت سؤالًا عما تعتقد أنه يُرضيني؛ فإني لا أستطيع؛ لأن فرط الأسى يُضنيني!»٤٤
(٨٥) وعلى ذلك استأنف قائلًا:٤٥ «فليؤدِّ لكِ هذا الرجل طوعًا ما تمناه حديثك، أيتها الروح الحبيسة، ولعلَّه يرضيكِ بعدُ٤٦
(٨٨) أن تُخبرينا كيف تتحد النفس بهذه العُقَد، وأخبرينا إذا استطعتِ،٤٧ هل تتحرر أبدًا إحدى النفوس من مثل هذه الأعضاء!»
(٩١) عندئذٍ زفر الجذع بقوةٍ،٤٨ فتحوَّل ذلك الزفير٤٩ إلى هذا الصوت: «ستتلقى الجواب بكلامٍ وجيز.
(٩٤) عندما تغادر الروحُ القاسية الجسد،٥٠ الذي انتزعتْ منه نفسها،٥١ يرسلها مينوس٥٢ إلى الهوة السابعة.
(٩٧) وتسقط في الغابة،٥٣ وليس لها مكانٌ مختارٌ، ولكن حيث يقذف بها الحظ، وهناك تنبت مثل حبة حنطة.٥٤
(١٠٠) وتنبعث ساقًا وتصير نباتًا بريًّا،٥٥ وحين تتغذى الهربوسات بعدُ على أوراقها، تؤلمها،٥٦ وتجد منفذًا للألم.٥٧
(١٠٣) وسنذهب كالأخريات بحثًا عن أجسادنا،٥٨ ولكن لن تلبسه إحدانا حقًّا؛ إذ ليس عدلًا أن ينال الإنسان ما خلعه بنفسه.٥٩
(١٠٦) وسنجرُّها ها هنا، وستُعلَّق أجسادنا في الغابة الحزينة، كلٌّ منها في الشجرة البرية التي يسكنها شبحه المعذب.»٦٠
(١٠٩) كنا لا نزال منصتَين٦١ إلى الجذع على ظن أنه أراد أن يقول لنا غير ذلك، حيث فاجأَنا دويٌّ شديدٌ،٦٢
(١١٢) كمن يُحس بالخنزير ورَكْب الصيد٦٣ مُقبِلًا على مكان وقوفه، ويسمع الوحوش وتكسُّر الأغصان.٦٤
(١١٥) وإذا هناك اثنان٦٥ على الجانب الأيسر، عاريان ممزقان يُمعنان هربًا، حتى حطَّما في الغابة كل غصن.
(١١٨) صاح المتقدم:٦٦ «عجِّل الآن! عجِّل أيها الموت!»٦٧ وصاح الآخر الذي بدا متأخرًا عنه كثيرًا:٦٨ «لم تكن ساقاك يا لانو
(١٢١) سريعتين هكذا في معارك توبو!»٦٩ وربما لأنه أعوزه النَّفَس، جعل من نفسه ومن الدغل مجموعة واحدة.٧٠
(١٢٤) ومن خلفهما كانت الغابة ملآى بكلابٍ سوداء متحفزةٍ سريعة العدو، ككلاب سلوقية انطلقت من سلاسلها.٧١
(١٢٧) وأنشبتْ أسنانها في ذاك الذي كان مُختفيًا،٧٢ ومزَّقَته إرْبًا إرْبًا، ثم حملت تلك الأشلاء المعذبة.٧٣
(١٣٠) حينئذٍ أخذني دليلي من يدي،٧٤ وقادني إلى الدغل الذي كان يبكي دون طائل، من خلال جراحه الدامية.٧٥
(١٣٣) قال الدغل:٧٦ «أنت يا جاكومو دا سانت أندريا، ماذا أفدتَ إذ جعلتني دريئةً لك؟ وأي ذنب لي أن كانت حياتك آثمة؟»٧٧
(١٣٦) فلما وقف عنده أستاذي قال: «مَن ذا كنتَ، أيها الذي يتدفق من جراحه العديدة٧٨ الكلامُ الأليم مع الدم؟٧٩
(١٣٩) أجابنا: «أيتها النفسان اللتان جئتما لتشهدا العذابَ المُزري، الذي جرَّدني هكذا من أوراقي،
(١٤٢) هيا إلى جمعها عند أسفل الدغل الحزين. لقد كنتُ من المدينة٨٠ التي استبدلَت المعمدان٨١ براعيها الأول؛٨٢ ولذا فإنه
(١٤٥) سيجعلها بفنه على الدوام شقية،٨٣ ولولا أن بعض ملامح منه لا تزال باقيةً٨٤ فوق جسر الأرنو،٨٥
(١٤٨) لكان أولئك المواطنون،٨٦ الذين أعادوا بناءها بعدُ فوق ما خلفه أتيلا من رماد، قد أتَوا عملًا غير ذي جدوى.٨٧
(١٥١) ولقد جعلتُ من بيتي مِشنقة لي.»٨٨
١  تُسمَّى أنشودة المنتحرين، أو أنشودة بييرو دلا فينيا.
٢  أي: إنه في الوقت الذي كان فيه نيسوس يسير في اتجاه رفاقه، كان الشاعران يسيران في اتجاه الدائرة الثانية من الحلقة السابعة.
٣  لم يكن في الأرض أي دليل على طريق يؤدي إلى غابة المنتحرين.
٤  لم تكن هذه غابة خضراء، بل كانت غابة موحشة، معقدة الأشجار، ذات أشواك سامة.
٥  أي: إن الحيوانات المفترسة في تسكانا لم تكن تعيش في غابات من هذا النوع. يشير دانتي بهذا إلى بعض أجزاء إيطاليا في منطقة ماريما التسكانية. وتشيتشينا (Cecina): نهر في إقليم فولتيرا، وكورنيتو (Corneto): مدينة صغيرة في تسكانا، وكان بها غابات كثيفة امتلأت بالوحوش، وانتشرت فيها الملاريا في عهد دانتي.
٦  هربوسات جمع هربوسة (Harpies)، حيوانات خرافية في الميتولوجيا القديمة، لها جسم الطيور ورأس النساء.
ويوجَد نحت روماني يمثل الهربوسة على قاعدة عمود، وهو في كاتدرائية كريمونا في لمبارديا. وكذلك يوجَد نحت آخر يمثِّلها، ويرجع إلى القرن ١٢، وهو في كاتدرائية بورجو سان دونينو.
٧  عندما قَدِم إينياس ورفاقه إلى جزر استروفاديس (Strophades) في بحر إيجه، هاجمت الهربوسات طعامهم، وتنبأت إحداهن، وهي تشيلاينو (Celaeno)، بأنه ستحل بهم مجاعة رهيبة:
Virg., Æn., III, 253.
٨  استمد دانتي هذه الأوصاف من فرجيليو:
Virg., Æn., III, 216.
٩  كانت الأشجار غريبة على دانتي؛ لأنه لم يعرف حقيقتها بعد.
١٠  أي: حتى الدائرة الثالثة من الحلقة السابعة التي تحددها الرمال الملتهبة:
Inf., XIV.
١١  يعني أن الكلام عن الأشياء التي سيراها لا يكفي، ومن الصعب تصديقه، ولا بد من رؤيتها.
١٢  استولى على دانتي الاضطرابُ لأنه سمع نواحًا لم يعرف مصدره.
١٣  كان تكرار حروف بعض الكلمات والألفاظ أمرًا شائعًا في عصر دانتي.
١٤  اعتقد دانتي أن بعض النفوس قد اختفت بين جذوع الأشجار.
١٥  يعني أنه إذا قطع غصنًا فستزول عنه الأفكار التي تواردت عليه بشأن هذه الأصوات المجهولة.
١٦  هذا كلام رقيق يعبر عن نفس متألمة تشكو القسوة التي أصابتها، وتسأل العطف والرحمة. ويشبه هذا قول فرجيليو:
Virg., Æn., III, 22 …
١٧  هذا هو بييرو دلا فينيا (١١٩٠–١٢٤٩ Pier della Vigna). وُلد في كابوا، ودرس القانون في بولونيا، ودخل في خدمة الإمبراطور فردريك الثاني ونال ثقته، وشغل عدة وظائف، واشتغل بالقضاء، وقام بوضع قوانين الدولة وتنظيمها، وكتب رسائل لاتينية، وشعرًا باللهجة العامية. وساعد فردريك في كفاحه ضد البابا. وبعد سنوات طويلة فقدَ ثقة الإمبراطور، ولا يُعرف السبب تمامًا؛ يُقال إن هذا التغير حدث لأن بييرو بدأ يميل إلى البابا، أو بسبب وقوعه في حب الإمبراطورة. عزله فردريك وحبسه وأفقده النظر، فانتحر بييرو في سجنه في بيزا أو في سان مينياتو.
١٨  هكذا يستثير بييرو دلا فينيا الرحمةَ في قلب دانتي، يسأله أليس في قلبه ذرة من الرحمة؟ ويسأل من؟ يسأل دانتي الذي يفيض قلبه بالعطف والرحمة! وورد هذا المعنى في الإنيادة:
Virg., Æn., III, 37.
١٩  يكفي ما نال هؤلاء في الدنيا، وما ينالهم الآن في الجحيم. يطلب بييرو الرحمة في عالم لا رحمة فيه.
٢٠  يقطر طرفه الآخر ماءً كأنه يبكي بفعل النار في الطرف الأول.
٢١  هذا وصف دقيق للغصن المحترق مستمد من الملاحظة.
٢٢  خروج الكلام مع الدم دليل على الألم الهائل الذي كان يُعانيه بييرو.
٢٣  تألم دانتي للكلام الذي ينزف الدمع معه، فسقط فرع الشجرة من يده، ووقف خائفًا مبهوتًا لا يقوى على النطق.
٢٤  يشبه هذا قول فرجيليو:
Virg., Æn., III, 29.
٢٥  أي: فرجيليو.
٢٦  يشير فرجيليو إلى ما ورد في الإنيادة عن إينياس وبوليدورس:
Virg., Æn., III, 22 …
ورد في تراث الشرق والإسلام صور عن العلاقة بين النبات والحيوان، مثل أشجار النساء في جُزر الواق واق في بحر الصين:
سراج الدين أبو حفص عمر بن الوردي، خريدة العجائب وفريدة الغرائب، القاهرة، ١٣١٦ﻫ، ص٨٢.
ألف ليلة وليلة، طبع القاهرة، قصة حسن الصائغ البصري، ليلة ٧٥٨.
حسين فوزي، حديث السندباد القديم، القاهرة، ١٩٤٢، ص٩٨، ٢٢٨.
٢٧  أي: إن عدم تصديق دانتي لما ورد في شعر فرجيليو حمله على أن يقطع الغصن، مما يأسف له فرجيليو ذاته.
٢٨  تجديد الذكرى في الدنيا تعويض جزئي عما أصابه، ويدل هذا على أن الموتى عند دانتي يتطلعون إلى الدنيا دائمًا.
٢٩  من حق دانتي أن يرجع إلى الدنيا لأنه لا يزال إنسانًا حيًّا.
٣٠  أي: بييرو دلا فينيا.
٣١  ما إن انتهى فرجيليو من الكلام حتى سكن ألم الجذع لذكرى العالم الحبيب، ولم يستطع أن يلزم الصمت أمام هذا الإغراء. تكلم الجذع دون أن يعرف شخص دانتي، بل ويود ألا يكون كلامه ثقيلًا عليه. هذا كلام رقيق يصدر عن إحساس مرهف يشبه ما نطقت به فرنتشسكا دا ريميني من الكلام العذب الرقيق الممزوج بالأسى:
Inf., V, 72 …
٣٢  هو الإمبراطور فردريك الثاني الذي حكم نابلي وصقلية، وسبقت الإشارة إليه:
Inf., X, 119.
٣٣  أي: إنه سيطر على قلب فردريك، حتى لم يكن يقبل شيئًا أو يرفضه إلا باستشارة بييرو دلا فينيا ورأيه.
٣٤  يعني أنه عمل بكل إخلاص، وضحى في ذلك بالنوم والجهد.
٣٥  يقصد الحقد والحسد الذي يشبِّهه دانتي بالمرأة الداعرة في بلاط الملوك.
٣٦  أي: فردريك.
٣٧  أي: إنه فقدَ بالحقد أمارات التشريف، وأصابته أحزان مفجعة.
٣٨  اعتقد بييرو دلا فينيا أن الموت يغسل الإهانة التي لَحِقته. ويُقال إنه انتحر في سجنه بأن ضرب رأسه في الحائط فمات.
٣٩  يعني أنه ارتكب بانتحاره عملًا غير عادل ضد شخصه العادل، الذي لم يرتكب إثمًا يستحق من أجله الإهانة التي لَحِقته.
٤٠  أي: إن نفسه تحولت إلى هذه الشجرة منذ زمن غير بعيد.
٤١  يُثني دانتي هنا على فردريك، ولو أنه وضعه مع الهراطقة.
٤٢  يرجو أن يدحض أحدهما في الدنيا التهمة الكاذبة التي انصبَّت عليه.
٤٣  أمام هذا الأسى والصدق والبراءة سكت فرجيليو لحظة، وسكت معه دانتي، وأخذا يستعرضان ما قاله.
٤٤  استولى الأسى على دانتي فلم يستطع متابعة الكلام.
٤٥  أي: عاد فرجيليو إلى الكلام.
٤٦  يخاطب فرجيليو روح بييرو دلا فينيا بالحال التي هي عليها.
٤٧  أي: إنه لا يريدها أن تفعل ما فوق الطاقة؛ إذ يكفي ما هي عليه من العذاب. هذا كلام رقيق عطوف في عالم لا رحمة فيه.
٤٨  هذا تنهُّد العذاب، وزفرة الأسى أرسلها الجذع بقوة.
٤٩  تحول هواء التنهد إلى كلمات ممزوجة بالأسى والألم. لم يتكلم بييرو دلا فينيا سريعًا؛ لأن الأسى أوقفه قليلًا.
٥٠  الروح قاسية لأنها قتلت صاحبها.
٥١  هذا تعبير عن القسوة التي ارتكبها المنتحر ضد نفسه.
٥٢  مينوس حارس الجحيم وقاضيه. وسبق ذكره:
Inf., V, 4 …
٥٣  أي: هذه الغابة في الدائرة الثانية من الحلقة السابعة.
٥٤  ينبت هذا الحب من الحنطة (spelta) في الأرض الخصبة وغير الخصبة.
٥٥  يعني أن نفس المنتحر تتحول إلى شجرة برية تحس الألم والعذاب. وهذا ربط بين الإنسان والنبات.
٥٦  تتغذى الهربوسات على أوراق الشجرة وتمزقها وتؤلمها.
٥٧  عندما تتمزق الأوراق تخرج آهاتها، ويفيض الدم من الأغصان، وهذا هو مخرج الألم. وعقاب المنتحر عند دانتي هو أن تُلاقي روحه هذا التمزيق المستمر كأنه الانتحار المتكرر، لاعتداء الهربوسات الدائم.
٥٨  أي: إنهم سيذهبون مثل سائر الآثمين للبحث عن أجسامهم في وادي يوسافاط يوم القيامة، عند المسيحيين.
٥٩  يعني أن الأشياء التي لا يمكن للإنسان أن يعطيها لا يجوز له أن ينزعها، ويجب عليه أن يحتفظ بها إلى الوقت الذي يريدها من أعطاه إياها، أي: الله. وإذا نزعها الإنسان عامدًا، فلا يجوز أن يحوزها مرة أخرى.
٦٠  شبحه معذب لأنه ارتكب الانتحار. سكت بييرو دلا فينيا عند ذلك، كما سكت فاريناتا دلي أوبرتي عندما تحدث عن بعض صفات الموتى:
Ind., X, 73–108.
رسم دانتي في شخصية بييرو دلا فينيا صورة إنسانية حية. وهو يمثل الرجل المثقف الواسع الإدراك الذي تمتع بالمنصب الرفيع. وقد عاون الإمبراطورَ فردريك الثاني في كفاحه ضد البابوية، ثم أثار الحاقدون عليه قلب الإمبراطور، ففقد أمارات التشريف، وسُجن وفقدَ البصر. وهو الرجل الحي الذي أحس بالإهانة، فلا يطيق صبرًا ويُؤثِر الانتحار. وهو مرهف الحس رقيق المشاعر يجذبه كلام دانتي الرقيق، ويقترب في إرهاف الحس — مع اختلاف الموقف — من فرنتشسكا دا ريميني. وهناك تجاوب بين دانتي وبييرو دلا فينيا، ويتشابهان في معارضة البابوية، وفي التنكيل بهما. وهو حريص على أن تُدحَض تهمته، وينال الذكرى الحسنة في الأرض. وهذه صورة أخرى حية ناطقة مرهفة الحس، تعبِّر عن نفسها بصدق وصراحة، رسمها دانتي في تلك الغابة الموحشة.
ويوجَد تمثال نصفي يُقال إنه لبييرو دلا فينيا، وهو في متحف كابوا في شمال نابلي.
٦١  سكت بييرو دلا فينيا عن الكلام، وسادت فترة صمت في هذه الغابة الرهيبة، وأنصت كلٌّ من الشاعرين إلى الجذع، ظنًّا منهما بأنه سيتابع الكلام.
٦٢  قطع هذا السكونَ دويٌّ مفاجئ. ويشبه هذا قول فرجيليو:
Virg., Æn., VI, 559.
٦٣  يعني أنه يسمع صوت الصيادين وأدواتهم وكلابهم في أثناء السير.
٦٤  يشبه هذا قول هوميروس:
Hom., Ill., XII, 45–47.
٦٥  الأول هو لانو دي سيينا (Lano di Siena) الذي أسرف في ماله ومال غيره، وقُتل في معركة توبو (Toppo) بين جند سيينا وأريتزو في ١٢٨٨. والثاني هو جاكومو دا سانت أندريا (Giacomo da Sant’ Andrea)، وهو مواطن من بادوا اشتهر بالإسراف في ماله ومال الناس، وكان من أتباع فردريك الثاني. ويُقال إن أتزيلينو دا رومانو قد قتله في ١٢٣٩.
وضع دانتي المسرفين في مالهم ومال الناس مع المنتحرين؛ لأنهم يتشابهون في الإضرار بأنفسهم. وسبق أن عذب المبذرين بطريقة أخرى:
Inf., VII.
٦٦  أي: لانو دي سيينا.
٦٧  يقصد موت الروح، أي: الموت الثاني.
٦٨  أي: جاكومو دا سانت أندريا.
٦٩  تقع توبو على مقربة من أريتزو. أي: إنه لم يكن سريعًا إلى الهرب في معركة توبو كما هو الآن.
٧٠  أي: إنه اختفى داخل الأعشاب المتشابكة.
٧١  تجري هذه الكلاب المتحفزة وراء هؤلاء الآثمين، وتطاردهم بعنف وقسوة، وهي بالنسبة لهم كالهربوسات للمنتحرين.
٧٢  المقصود جاكومو.
وفي التراث الإسلامي صورة تحوي بعض الشَّبه لما أورده دانتي في عقاب مَن يناجي رجلًا وعنده آخر، ومن يتعظم على الناس، ومن يمزق نفسه فتمزقه كلاب النار يوم القيامة:
القرآن، النازعات: ٢.
أبو حامد الغزالي، كتاب إحياء علوم الدين، القاهرة، ١٣٥٢ﻫ، ج٣، ص٢٥٦.
٧٣  يصور دانتي هنا منظرًا رائعًا يبدأ بسكوت بييرو دلا فينيا، وسكوت دانتي وفرجيليو معه لحظة، ثم يُسمع صوت وضوضاء فجأة، ثم يبدو آثمان عاريان يهربان وقد تولاهما الرعب، واحد يسبق، والثاني يتأخر لأن الرعب قد أعجزه عن الجري، ويحتمي بين مجموعة من الأعشاب البرية، ثم تظهر كلاب متحفزة تطارد هذين الآثمين، وتنهش ذلك المختفي بين الأغصان وتُقطعه إربًا، وتحمل أشلاءه بعيدًا. يحدث هذا بالتتابع في لمح البصر، ويبدأ نقطة، ثم يستعرض المنظر ويتسع حتى نهايته. هذا وصف دقيق مستمد من حياة الصيد، ومن دراسة معنى الخوف والرعب في الإنسان. رسم دانتي هذا كله بريشة صادقة، وكشف عن بعض مظاهر النفس البشرية.
٧٤  هذا لون من ألوان العطف الذي أبداه فرجيليو نحو دانتي دائمًا.
٧٥  عندما نهشت الكلاب ذلك المختفي بين الأعشاب، نهشت أعشابًا أخرى ومزقتها، وكانت روح واحد من الذين ارتكبوا جريمة الانتحار، فسالت الدماء.
٧٦  هذا صوت مواطن فلورنسي لا تُعرَف شخصيته. يرى بعض النقاد أنه ربما كان لوتو دلي آلي (Lotto degli Ali)، القاضي الفلورنسي الذي انتحر تكفيرًا عن حكم خاطئ أصدره. ولا بد أن هذا الآثم كان قد مات منذ زمن قليل؛ لأنه لم ينبت شجرة كبيرة مثل بييرو دلا فينيا، الذي مات في ١٢٤٩.
٧٧  يقول صاحب الصوت إنه يكفيه ما فيه من عذاب، ولا داعي لتمزيقه على ذلك النحو.
٧٨  الجراح العديدة بسبب التمزيق.
٧٩  يتدفق الكلام الأليم مع الدم، وهذا تعبير عن منتهى الأسى والألم.
٨٠  أي: من فلورنسا.
٨١  هو يوحنا المعمدان الذي أصبح حامي فلورنسا في العهد المسيحي.
٨٢  كان مارس إله الحرب راعي فلورنسا في العهد الوثني.
٨٣  يعني أن مارس سيجعل فلورنسا ضحية للحروب والصراع الداخلي دائمًا.
٨٤  هذه إشارة إلى تمثال الإله مارس في فلورنسا. ويُقال إن فلورنسا عندما تحولت إلى المسيحية وضعت تمثال مارس فوق برج على مقربة من نهر الأرنو. وعندما أغار الهون على فلورنسا ألقَوا بالتمثال في نهر الأرنو، ثم أُخرج من النهر في عهد شارلمان ووُضع عند رأس الجسر القديم، وظل هناك حتى ١٣٣٣، حيث تحطم في أثناء الصراع الداخلي في فلورنسا، وبقيت منه قطعة من الحجر.
وتوجَد صورة صغيرة لتمثال مارس عند الجسر القديم، ويبدو فيها مارس على جواد يعدو فوق عمود عالٍ، وترجع إلى القرن ١٤، وهي في مكتبة كيدجي في روما.
٨٥  هذا هو الجسر القديم (Ponte Vechio) المشهور في فلورنسا، ويرجع بشكله المعروف إلى القرن ١٤، وقد سَلِم في أثناء الحرب العالمية الثانية، وإن كانت القنابل قد أصابت زاوية مبانيه عند طرفه الجنوبي الغربي، كما رأيته في ١٩٤٩، وقد جرى إصلاح ما انهدم.
٨٦  أي: إنه لو لم يبقَ من تمثال مارس شيء لما استطاع الفلورنسيون أن يعيدوا بناء مدينتهم في عهد شارلمان في ٨٠١.
٨٧  أغار أتيلا على إيطاليا في ٤٥٠، وألحق الدمار بفلورنسا.
٨٨  يعني أن ذلك المواطن الفلورنسي قد انتحر في مسكنه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤