ختام

النساء في الطب اليوم

تُلخِّص الدكتورة روزا لي نمير، أستاذة أمراض الأطفال في جامعة نيويورك ومن أئمة الطبيبات في عصرنا الراهن، موقف الكثيرين من مُعاصريها فتقول: «ما كنت لأستطيع مُطلَقًا أن أصنع ما صنعَته النساء الرائدات في الطب، فما كنت لأُطيق ما وُجِّه إلى الدكتورة إليزابث بلاكويل — وهي أول طبيبة — وتحمَّلَته من إهانات وسخرية وزراية.»1 ولحُسنِ الحظ ليس مطلوبًا من امرأة اليوم أن تتحمل شيئًا من هذا؛ فقد تهاوت جميع الحواجز التي تَحُول دون دخول مدرسة الطب، أو الحصول على مناصب الأطباء المُقيمين، أو الشروع في الممارسة الطبية. وأوضحت الدكتورة بيفرلي س. مورجان، الأستاذة المساعدة لطب الأطفال (فرع أمراض القلب) في جامعة واشنطن، في دراستها عن القبول في مدارس الطب عن المدة من سنة ١٩٢٩ إلى سنة ١٩٦٢م، أن «النسبة المئوية للمتقدمين المقبولين تكاد تكون مُتساوية في الجنسَين».2 وقد انتهى عهد كليات الطب النسوية الخاصة في سنة ١٩٧٠م، عندما صارت كلية الطب النسوية في جامعة بنسلفانيا «كلية طب بنسلفانيا المشتركة».

وقد تزايد — باطِّراد — عدد النساء اللواتي دخلن ميدان الطب في العقود الثلاثة الأخيرة. ومع أن نسبة النساء إلى الرجال لم تزَل مُنخفِضة نسبيًّا، إلا أنه يوجد الآن أكثر من ٢٤٠٠٠ طبيبة في أمريكا.

وفي دراسةٍ حديثة للدكتورة جوزفين إ. رنشو، وهي طبيبةٌ مُمارِسة للتوليد وأمراض النساء، وللآنسة ميريلاند إ. بنيل، من مكتب صحة القُوى العاملة، وقد شمِلَت هذه الدراسة ٣٢٥٠٠٠ طبيب في الولايات المتحدة، اتَّضح أن ٧٣٪ من جميع النساء الطبيبات العاملات مُنتشرات في سبعة اختصاصات،3 وتأتي على رأس القائمة أمراض الأطفال، وبها ٣٦٣٢ طبيبة. وهذا لا يكاد يُثير الدهشة، بما أن العناية بالأطفال أمرٌ طبيعي بالنسبة للمرأة. وفي الواقع أن ٢٠٫٣٪ من الأخصائيين في أمراض الأطفال طبيبات. ويأتي الطب النفسي في المرتبة الثانية، وتعمل به ٢٧٨٨ طبيبة. وهذا أيضًا ليس غريبًا؛ لأن المكروبين يتَّجهون — بغريزتهم — إلى المرأة طلبًا للنصح والطمأنينة. والممارسة العامة بها ٢٤٥٤ طبيبة، وفي الطب الباطني ٢٠٦٨ طبيبة، وفي التخدير ١٤٦١ طبيبة، وفي أمراض النساء والولادة ١٢٥٥ طبيبة، وفي الباثولوجيا ١١٦٤ طبيبة.

واتَّضح أن ٧٦٠ طبيبة فقط تخصَّصْن في الجِراحة. وهذا لا يُخالف ما هو مُتوقَّع؛ فقد كان الجرَّاحون آخر المُتخصِّصين، حتى عند التفكير في قبول النساء داخل حِماهم المقدس، ولكن هذه المعارضة تتقوَّض، ويبدو أن دخول مزيد من النساء عالَم الجِراحة أمرٌ مُؤكَّد.

وإذا التفَتْنا إلى الأطباء المُشتغلين بأنشطة لا تنصبُّ على العلاج المباشر للمرضى — كالتعليم والبحث والإدارة وما إلى ذلك — وجدنا أن ١٤٫٣٪ من كل الحاصلات على دكتوراه الطب والعاملات فعلًا موجودات في هذه المجالات، في حين أن ١٠٫٣٪ فقط من الدكاترة الرجال يقومون بهذه المهام. وعلى هؤلاء الرجال والنساء تهبط الشهرة والدعاية في معظم الأحيان أكثر مما تهبطان على العاملين الكادحين في الميدان.

إن التقويم الصحيح لإسهام الفرد لا يستطيعه إلا التاريخ، أما محاولات الأفراد لتقدير إنجازات الأحياء فكثيرًا ما تكون مُضلِّلة، وقلَّما تكون موضوعية. ومع هذا فمن بين النساء البارزات اليوم في الطب تبدو المذكورات فيما بعدُ كمَنْ يَبرُزن من غُرفة انتظار التاريخ:
  • في طب الأطفال: ماري إلين إفيري لعملها الرائد في الأمراض الرئوية. وروز لي نمير لإسهامها البارز في المنظمات التعليمية والاجتماعية. وباتريشيا سليفان لبحثها في نمو الأورام لدى الأطفال كنتيجةٍ مُمكِنة لقنبلة هيروشيما.

  • في ميدان العلاج النفسي: كاثراين رايت لفتحها عيادةً من أوائل عيادات الصحة العقلية. آنا فرويد، وكارين هورني، وميلاني كلاين، لتَقدُّمهن الكبير في العناية النفسية بالأطفال.

  • كارول بيرتش عالمة أبحاث الدم التي دُعِيت إلى إسبانيا لتُعالِج أعضاء الأسرة المالكة، ولإسهامها في طب المناطق الحارَّة في الهند وفي أفريقيا. وهيلين جونسون لبحثها الهامِّ في أمراض الدم.

  • فرجينيا أيجار، وميدانها الأساسي هو التخدير؛ لابتكارها طريقة لتقدير الوظائف الحيوية لطفل حديث الولادة بعد مرور ستين ثانية فقط على مولده.

  • إليزابث إ. ماكجرو لبحثها في السرطان الذي يتضمَّن ابتكارها مع جورج ن. بابا نيكولاو ما يُعرَف بِاسم «لطخة باب». وهو اختبارٌ مهبلي للكشف عن السرطان النسائي.

  • إديث بوتر الرائدة العالمية في باثولوجيا الأطفال، ولا سيما لعملها الفريد عن المشكلات السابقة للولادة.

  • ليونا باومجارتنر؛ لإسهاماتها التي لا تُقدَّر بثمن في الصحة العامة بإدارة الصحة بمدينة نيويورك ووكالة التنمية الدولية.

  • فرانسيس أولدهام كيلسي، من إدارة الغذاء والعقاقير، التي كسبت عرفان أمريكيين لا يُحصى عددهم بسب يقظتها في التوقع المُبكِّر للجوانب الضارَّة لعقار الثاليدومايد.

  • كاثراين ستيفنسن أول امرأة تحصل على عضوية تخصُّص جِراحة التجميل، وهي أيضًا مُؤلِّفة ومُحرِّرة بارزة.

  • آلما ديا موراني، الجرَّاحة ذات الشهرة العالمية بفيلادلفيا لابتكارها — مع زميلها ج. جيرشون كوهن — جهاز بانورامكس. وهو جهاز للأشعة السينية ليس أكبر من ضاغط اللسان يسمح بالفحص بالأشعة السينية للمناطق العسيرة مثل عظام الوجه.

  • هيلين تاوسيج؛ لعلاجها بالجِراحة العيوب الخلقية في القلب.

  • أليس ماكفرسون؛ لعملها البارز في علاج الانفصال الشبكي.

  • مودسلاي؛ لبحوثها في السرطان، ومن خلالها كشفت عن العلاقة بين الوراثة ومقاومة خبث الأورام.

وماذا عن مستقبل المرأة في الطب؟

في ديسمبر سنة ١٩٦٨م وضعت الدكتورة أليس تشينورث، الرئيسة المُتقاعدة لجمعية الطبيبات الأمريكيات، هذه الأسئلة في رسالتها إلى الجمعية: «هل تغيَّرت تدريجًا توقُّعات الجمعية من النساء، بحيث يتوقع الآن من النساء الموهوبات أن يتطلعن إلى حياةٍ مهنية، وفي الوقت نفسه يُواصِلن دورهن النسويَّ كزوجات وأمهات؟ إن الاعتقاد السائد الآن هو أن تحقيق الذات والإسهام الجوهريَّ في المجتمع هدفان للمرأة يستحقَّان العناء.»

وقد أجابت بنفسها عن أسئلتها، مُستندةً إلى ملاحظاتٍ كانت قد أبدَتها قبل سنتَين الدكتورة روز ماري بارك، التي كانت يومئذٍ رئيسة كلية بارنارد: «إنَّ رأيَ الدكتورة بارك مأخوذ في الاعتبار، وهو أن نساء اليوم في مُفترق الطُّرق؛ لأن أمامهن اختباراتٍ كثيرةً مفتوحة؛ فإذا قرَّرَت النساء استغلال الفرص التي يُقدِّمها لهن المجتمع، لَاستطعن أن يعِشْن حياةً متنوعة وخِصبة، تتجاوز في تنوعها وخصوبتها حياة الأجيال الأخرى. وهي تقول إن المسألة تتعلق برفع أنظار النساء إلى أكثر مما يتعلق باختراق الحواجز؛ لأنهن بهذا الاختيار إنما يتطلعن إلى المشاركة الكاملة في الأنشطة المهنية، وفي الحياة الاقتصادية.»4

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤