الفصل الثامن

المعركة من أجل الاعتراف بمكانة الطب النسوي في الولايات المتحدة

في الفترة المُمتدة من منتصف القرن التاسع عشر (ابتداءً من ١٨٥٠م) حتى العقد الأول من القرن العشرين، حقَّقت النساء نجاحًا بطيئًا، ولكنه راسخ الدعائم صَوْب هدف التعليم الطبي ومكانته في المهنة الطبية. وكان لا بد من العثور على حلٍّ آخر في انتظار فتح مدارس الطب الجامعية أمام النساء.

كليات الطب النسائية

من سنة ١٨٤٢م تحدَّث جماعة من الأطباء في فيلادلفيا — بما فيهم نفرٌ من الكويكر — في أمر إنشاء مدرسة طب للنساء. وظل المشروع في حدود الحُلم حتى سنة ١٨٤٨م، عندما بدأت الخُطط تتجسم تحت إلحاح الدكتور جوزيف س. لونجشور؛ فإن مِثل هذه المدرسة ذات أهمية خاصة لدى آل لونجشور؛ لأن أخت الدكتور لونجشور، آن ماري لونجشور، وزوجة أخيه حنة مايرز لونجشور، كانتا تتمرَّنان في عيادته، وتفتقران إلى دبلوم، ولا تتوقعان فرصة لممارسة الطب، ولا سيَّما في فيلادلفيا.

وكانت كلية الطب النسوية في بنسلفانيا، المُنشأة سنة ١٨٥٠م أول مدرسة طب قانونية للنساء. وكانت الكلية الأصلية تتكون من ستة من رجال الطب — من بينهم الدكتور لونجشور والدكتور برثلميو فوسل، وهو طبيبٌ كويكري. وكانوا جميعًا يُظهرون شجاعةً أدبية عظيمة؛ لأنهم يُواجهون التحامل والعداء المهني.

ولم يكُن مُناسبًا لامرأةٍ أن تدخل الكلية، ولكن في سنة ١٨٥٠م كانت هناك امرأتان فقط تحملان إجازة في الطب، هما إليزابث بلاكويل وليديا فولجر فاولر. ويبدو أن الدكتورة بلاكويل كانت على علم بفكرة الكلية، وهذا مثار دهشة بعض الشيء؛ نظرًا لأنها درست في فيلادلفيا في سنة ١٨٤٧م، وعملت هناك في ملجأ بلوكلي صيف سنة ١٨٤٨م. وهي على كل حال كانت في أوروبا عندما فتحت مدرسة فيلادلفيا أبوابها. وكانت الدكتورة فاولر مرتبطة بالتدريس في روشستر.

وقُيِّد في سنة ١٨٥٠م أربعون امرأة، بينهن ثماني نساء يُرِدن العمل للحصول على درجة الدكتوراه في الطب. وتخرجت الدكتورة حنة مايرز لونجشور في ديسمبر سنة ١٨٥١م، وبدأت الممارسة الخاصة في فيلادلفيا، وقامت بالتدريس أيضًا في الكلية.

وعملت الجمعيات الطبية على مستوى الولاية وعلى المستوى المحلي كلَّ ما في وُسعها لتسحق هذه المؤسسة الناشئة، وصدرت قرارات منها ضد أساتذة الكلية؛ على أساس أن نفرًا منهم مُمارسون غير قانونيين، وضد النساء عمومًا باعتبارهن «غير لائقات للطب».1 وقادت آن بريستون — وهي إحدى أوائل الخريجات، وكويكرية دمِثة — النضال ضد الجمعيات الطبية، وبعد فترةٍ قصيرة من التوقف بسبب الحرب الأهلية، فتحت المدرسة أبوابها مرةً أخرى بِاسم «كلية طب بنسلفانيا النسوية»، وصارت آن بريستون عميدتها.
ولا يدل تغيير الاسم على ابتعادها عن أغراضها الأصلية، «بل واكَبَت الكلية في تَقدُّم العلم. ولم تحظَ بمنحة أو عون من الولاية، شأن معظم المدارس الطبية في تلك الفترة؛ لأن العلم الطبي لم يكن قد أثبت كل هذه الجدوى بحيث يحصل من مجتمعٍ عملي الذهن على عونٍ عام أو خاص. وكان كل الأساتذة مشغولين بالممارسة الخاصة؛ فلم تكُن الكلية ليركبها الهمُّ بسبب رواتبهم، والمعامل كانت لم تزَل قليلة النفقة.»2 وفي أوائل التسعينيات من القرن التاسع عشر كان عدد المُلتحقين بالكلية ٦٦، نِصفهم من النساء.

وظلَّت الكلية تعمل مائة وعشرين سنة كمَدرسة طب للنساء. ومن بين الخريجين عددٌ من النساء اللواتي شقَقنَ الطريق للأخريات؛ آن كلارا سوين، دفعة ١٨٦٩م، كانت أول مُرسَلة طبية، وقد خدمت في الهند؛ وأنانبيراي جوسي في سنة ١٨٦٦م من الهند؛ وكونستانس ستون في سنة ١٨٨٧م من أستراليا؛ وسوزان لافليش بيكوت ابنة زعيم قبيلة أوماها في سنة ١٨٨٩م.

وأُنشئت ١٩ مدرسة طبية للنساء بين ١٨٥٠ و١٨٩٥م في بوستن ونيويورك وبلتيمور وغيرها من المدن. وكلية الطب النسوية بنيو إنجلند التي خلَفت كلية الطب النسوية ببوستن (وكانت لا تعدو أن تكون مدرسة للقابلات برغم هذه التسمية) اعتُمدت في ١٨٥٦م، وخُوِّلت منح الدرجات الطبية. وكانت هذه المدرسة أول مدرسة تمنح درجة طبية لامرأةٍ سوداء إلى ١٨٦٤م. وفي ١٨٧٤م اندمجت مع ما كان يُعرَف بِاسم القسم الطبي للمعالجة المثلية بجامعة بوستن ليكونا معًا قسمًا طبيًّا التعليمُ به مشترك للجنسَين.

وعلى يد الدكتورة كليمانس س. لوزير في سنة ١٨٦٣م فُتحت كلية الطب ومستشفى النساء بنيويورك. ومن بين خريجاتها إميلي جننجس ستون دفعة سنة ١٨٦٧م من كندا، وماري أوجستا جنيروزو استربلا من البرازيل في سنة ١٨٨١م.

وكما كتب الدكتور شريوك في سنة ١٨٧٠م: «كان واضحًا أن النساء قد دخلن مهنة الطب ليَبقَين، ولكن ظلَّت مكانتهن فيها غير راسخة. وكانت السنوات العشرون التالية سنوات نمو بطيء ولكنه مُتواصل في موارد مدارس النساء وفي عدد الخريجات. وتحسَّن التعليم بانتشار كليات صغيرة، وتدعيم دخولهن في العيادات العامة، وبتوسيع مستشفيات النساء.»3

الجامعات تفتح أبوابها

وفي سنة ١٨٧٣م عندما تقدَّمت لوسي وانزر بطلبها لدخول مدرسة طب تولندهول في سان فرنسيكو تلقَّت الرد التقليدي الذي أكل عليه الدهر وشرِب: «إن مدرسة الطب ليست المكان اللائق للمرأة.» ونصحوها أن تذهب إلى كليةٍ نسوية في الجانب الشرقي من البلاد، ولكنها أصرَّت على طلبها، وعرضت حالتها على لجنة الأوصياء. وبِناءً على توصية المُحامين قرَّروا أن قانون الولاية الأساسي صريح في أن الذكور والإناث على السواء لهم حق الاختيار بين كل أقسام الجامعة.»4 ورغم اقتراح العميد على رفاقها الطلاب «أن يجعلوا وجودها مصدر تعب شديد لها بحيث لا تُطيق البقاء»، إلا أنها سرعان ما صارت محبوبة، واستمرَّت هناك إلى أن تخرَّجت.5

وفي سنة ١٨٧٩م فتحت جامعة متشيجان أبواب مدرسة الطب بها للنساء، وتبِعَتها في ذلك جامعات إيوا ومينوسوتا وكولورادوا وكاليفورنيا وأوريجون وبفالو وسيراكوزا وبوستن ومنطقة كولومبيا وجونز هوبكتر في بلتيمور. وقد سبقت كلية طب كليفلند في منح الدرجات العلمية لإميلي بلاكويل وماري زاكر سيفسكا وبضع نساء أخريات، إلا أنها وافقت على تقريرٍ قدَّمته الجمعية الطبية الأمريكية يُناهض التعليم المشترك، ورجعت لقرارها الصادر سنة ١٨٥١م بمنع قبول النساء، وظلَّت كذلك حتى سنة ١٨٧٩م. وفي ١٨٨١م اندمجت الكلية مع جامعة ووستر (أوهيو)، فصارت القسم الطبي لجامعة ويسترن ريزرف.

التعليم المشترك

وكتب الدكتور شريوك عن الأيام الأولى من التعليم المشترك في جامعة جونز هوبكنز يقول: «كان يُسمح للطالبات بفحص الرجال فيما فوق العنق فقط — فهنا تدخل تواضع للرجال في الموضوع — مما أدَّى إلى حرج النساء عندما تم توزيعهن على عنابر الرجال.»6 وفي سنة ١٨٩٣م منحَت إليزابث جاريت أندرسون المدرسة مَبلغًا يَقرب من نصف مليون دولار، بشرط أن تُلغى الفوارق ويُرفَع الحظر القائم على الجنس؛ وبذلك صارت المدرسة — كما قال المُربِّي أبراهام فلكسنر — أول مدرسة طب ذات طابع جامعي حقيقي.»7

وفي سنة ١٩٠٠م أصبحت خمس وثلاثون إلى أربعين مدرسة طب نِظامية تَقبَل الطلاب من الجنسَين؛ وبذلك أتمَّت مدارس الطب النسوية الغرض منها، فصُفِّيت أو أُدمجت في مدارس الطب النظامية بعد أن صارت سياسات القَبول خالية من الموانع. وفي سنة ١٨٩٨م أغلق مستشفى النساء والأطفال وكذا مدرسة الطب النسوية بنيويورك أبوابها بعد ٢٠ سنة من النشاط، وتحول طالباتها إلى مدرسة طب كورنل المفتوحة حديثًا.

وهناك بعض الخلاف حول عدد مدارس الطب النسوية الباقية في سنة ١٩٠٠م؛ أكانت ثمانيَ مدارس أم أربعًا، والخلاف في الرأي حول المقصود بالضبط بكلية طب نسوية، ومنه نشأ هذا الخلاف في الرقم.8 وفي سنة ١٩١٠م — حسب قول أحد المصادر — لم تبقَ إلا مدرستان؛ كلية الطب النسوية ببنسلفانيا ومعهد العلاج المثلي بنيويورك. ويقول مصدرٌ آخر إن ثلاث مدارس كانت موجودة في كلٍّ من السنوات بين ١٩٠٤ و١٩٠٩م، وإن كلية الطب النسوية ببلتيمور التي تأسَّسَت سنة ١٨٨٢م استمرَّت تعمل خلال ١٩١٠م.9
ولم يعد التعليم المشترك الآن مقبولًا فقط، بل مستحسنًا وموضع تفضيل. وفي سنة ١٩١٠م انبرى فلكسنر ضد مدارس الطب التي تفصل بين الجنسَين قائلًا: «إن المبالغ الكبيرة التي تُخصَّص للتعليم الطبي النسوي يمكن أن تفيد فائدةً أعظم إذا استُخدمت لتنمية المعاهد ذات التعليم المشترك، حيث يستفيد منها الطلبة الذكور بدون خسارة على الطالبات، ولكن إذا كفَفْنا عن تنمية مدارس طب ومستشفيات مُستقلة للنساء، فمن الواجب إتاحة مزايا طبيب الامتياز (الطبيب المقيم) للنساء على قدم المساواة مع الرجال.»10
وكانت هذه النقطة عقبةً أمام الخريجات؛ فالامتياز والنيابة ووظائف الكلية ظلَّ حصولهن عليها صعبًا، وكانت نسبة الطالبات للطلبة في فصول التعليم المشترك غير كافية لرعاية كل المتقدمات والمؤهلات. ويُشير الدكتور شريوك في كلامه عن «خطوط الدفاع الكثيرة المحافظة» التي تعوق «القبول الكامل للنساء في الطب» إلى أنه «إذا اختُرق خط منها قامت المعارضة بإعادة إنشائه في المؤخرة؛ فإذا تمكَّنَت النساء من دخول المدارس ظلَّت المستشفيات مُقفَلة، وإذا فُتحت المستشفيات نهائيًّا ظلِلنَ محرومات من الامتياز والنيابة، وإذا ظهرت الطبيبات امتنع الأطباء عن التشاور معهن ومنعوا دخولهن إلى الجمعيات الطبية.»11

الجمعيات الطبية

في عام ١٨٥٣م كانت المحاولة الفاشلة التي قامت بها الدكتورة نانسي تالبوت كلارك لتصير عضوًا في الجمعية الطبية بمساشوستس، وظلَّت الجمعية تستبعد النساء حتى سنة ١٨٨٤م، وهي السنة التي قبلَت فيها الدكتورة إيما لويز كول ببوستن الحاصلة على درجة طبيبة من جامعة متشيجان.

لقد شرعت النساء يَطرُقن باب الجمعية الطبية بإقليم فيلادلفيا سنة ١٨٥٣م، وظلَّ معظم أعضائها مُناهِضين للطبيبات، حتى إن الجمعية في سنة ١٨٦٨م قرَّرَت أنه مُحرَّم على أعضائها التشاور مع الإناث، وأنه إذا قَبِل أي عضو كرسيًّا في كلية الطب النسوية فقدَ عضويته فورًا. وظل الأمر نافذًا لمدة ثلاث عشرة سنة حتى أصدرت الجمعية سنة ١٨٨١م القرار التالي:
«تقرَّر أنه يجوز للنساء الطبيبات الممارسات ذوات المكانة الطبية في المهنة، أن يخترن العضوية في هذه الجمعية طبقًا لنفس القوانين واللوائح التي تُنظم الآن قبول الرجال.»12 وبرغم هذا لم تُقبَل امرأة بالفعل إلا بعد سبع سنين، وهي الدكتورة ماري ويلتس المُتخرجة في كلية الطب النسوية ببنسلفانيا. ومن الطريف أن أول طبيب أسود قُبِل أيضًا سنة ١٨٨٨م.
ومسألة قبول الطبيبات في الجمعية الطبية الأمريكية — التي بلغت من العمر يومئذٍ ٢٢ سنة — أُثيرت لأول مرة في اجتماع واشنطن سنة ١٨٦٨م، ولكن النظر في إصدار قرار يؤيد صراحةً قبول المرأة للعضوية بها تأجَّل إلى أجلٍ غير مسمى، وكان الأعضاء مُتطرفين في عداوتهم. وفي سنة ١٨٧١م سجَّلت محاضر مناقشات الجمعية الطبية الأمريكية كلمة لألفريد ستيليه مُدرس الباثولوجي المرموق:
«ثَمة مرضٌ آخر صار وباءً. إن «قضية المرأة» فيما يتعلق بالطب شكلٌ من الأشكال التي تُناوش بها الآفة النسوية العالم، إنها في صورٍ أخرى تُهاجم المُحاماة، وتتسلل إلى صندوق المُحلِّفين، وتنوي بوضوحٍ أن تعتليَ مِنصَّة القضاء. إنها تُناضل، وإن كان عبثًا حتى الآن، أن تعتليَ الهيكل وتهدر من المنبر، وتهذي في الاجتماعات السياسية، وتُجادل في قاعة المحاضرات، وتُعدي الجماهير بسمومها، بل وتخترق النحاس الثلاثيَّ الطبقات الذي يُحيط بقلب السياسي. وفي التصور العلمي ليس هناك شيءٌ يفوق في طبيعته كون المرأة طبيبة. أوَليس التمريض أعظم عامل في علاج المرض؟ ومن أليَق بالتمريض من النساء؟ وهذا منطقٌ جدير بالموضوع، وهو من النوع الذي برعت فيه بنات حوَّاء.»13
وفي السنة التالية، في فيلادلفيا، قام الرئيس الجديد للجمعية الطبية الأمريكية الدكتور دافيد و. يانديل بالدفاع الخفيف عن حقوق المرأة في ممارسة الطب، ما دام الجمهور يريد ذلك، ولكنه تمنَّى أنهن «لن يُسبِّبن لنا الحرج بالتقدم بطلباتٍ شخصية لشغل مقاعد الجمعية».14
وفي سنة ١٨٧٦م حصلت ساره هاكيت ستيفنسون المُتخرجة في كلية شيكاغو الطبية النسوية على حق حضور اجتماع الجمعية بصفتها مندوبةً عن ولاية إلينوي بأن وقَّعت الورقة: «س. ستيفنسون.» ولما تبيَّن جنسها اقترح إحالة أسماء المندوبات الإناث إلى المستشار القضائي، ولكنَّ الاقتراح وُضِع على الرف وظل في مكانه نحو أربعين سنة، ولم تُقبَل الإناث في عضوية الجمعية قبل سنة ١٩١٥، وشهدَت نفس السنة تكوين الجمعية الطبية القومية للنساء، التي صارت فيما بعدُ الجمعية الأمريكية الطبية النسوية.15

والواقع أن أول جمعية قبلت النساء في عضويتها هي جمعية إقليم مونتجمري (بنسلفانيا). وجاء بمحضر مناقشات سنة ١٨٧٠م: نوريستاون في مايو سنة ١٨٧٠م، الدكتورة آنا لوكنز انتُخبت عضوًا، وهي أول طبيبة على الإطلاق تُنتخب في جمعيةٍ إقليمية في بنسلفانيا، أو ربما في الولايات المتحدة، وربما في العالم، وكانت تلميذة للدكتور هيرام كورسون ومُتخرجة في كلية الطب النسوية بفيلادلفيا. وقد يبدو أنه ينبغي للنساء الطبيبات أن يكون لهن حق لا مِراء فيه في أن يُصبحن عضوات في جمعية لعلم الولادة؛ إذ إن علم الولادة الحديث — على كل حال — نما من فن القبالة الذي كان ميدان النساء قبل ظهور الرجل المُولِّد بزمنٍ طويل، ولكن حتى في هذا المجال كنَّ مُستبعَدات منذ البداية.

ويرجع الفضل في تأسيس جمعية علم الولادة بفيلادلفيا سنة ١٨٦٨م إلى حدٍّ كبير لجهود الدكتور ألبرت ه. سميث، وهو كويكري ومعضد لكلية الطب النسوية، وكانت نيَّته الواضحة أن يُؤهِّل النساء لعضوية الجمعية، ولكنه أدرك الحاجة إلى التحرك بسهولة. وكان يقرأ بصورةٍ دورية في اجتماعات الجمعية بحوثًا علمية أعدَّتها طبيبات. وأخيرًا في اجتماع ٢ أكتوبر سنة ١٨٧٩م قدم هذا القرار: «نقترح أنه عندما يكون طبيب يتمتع بمكانةٍ قانونية سليمة، وأعلن عن طريقِ عضوٍ رغبته في أن يُقدم إلى الاجتماع عينة للفحص أو بحثًا علميًّا للقراءة ذا علاقة بموضوع الجمعية، يصبح هذا الطبيب ضيفًا على الجمعية في ذلك الاجتماع، ويمكن أن يدعوَه الرئيس للدخول في المناقشة التي يمكن أن يُثيرها هذا التقديم.»16
وعُرِض القرار على اجتماع نوفمبر وتأيَّد. وفي المناقشات التي تلت قال أحد الأعضاء: «ليس هناك ما يمنع من حضور النساء كزائرات، ولا يمنع من عضويتهن إلا استحالةُ الحصول على أغلبية الأربعة أخماس الضرورية لذلك. وإني لأُبدي رأيي الآن بأني سأُعطي صوتي لهن. لقد حصل النساء بالفعل على القبول في عددٍ من الجمعيات الطبية، وأصبحن عضوات يتمتعن بالتقدير في شئون العلم، وينبغي ألا يؤخذ في الاعتبار الجنس أو اللون.» أما الدكتور وليم جودويل، وهو رئيسٌ سابق للجمعية، فكان ضد هذا الرأي قائلًا: «إنَّ تربيتي ومشاعري تجعلان من المؤلم أن أُقابل نساءً في هذه الجمعية.» وأعطى ٩ أعضاء أصواتهن في صف قرار الدكتور سميث، و١٨ كانوا ضده.17

وظلَّت محاضر الجمعية ١٣ سنة لا تُشير إلى النساء كضيوف أو أعضاء. ثم في ٧ من أبريل سنة ١٨٩٢م وبدون ضجَّة سابقة كان ٧ من ١٣ طبيبًا مقبولين للعضوية نساءً، وكان راعيهن الدكتور سميث قد مات في سنة ١٨٨٥م، وقد استغرق حُلْمه قرابة ربع قرن لكي يتحقق.

ولكن ما قيمة ربع قرن؟ إن كلية الأطباء في فيلادلفيا، التي تأسَّست سنة ١٧٨٧م، عاشت ١٤٥ سنة كمُنظَّمةٍ مُقتصِرة على الذكور. وعندما قُدِّم اقتراح بقبول النساء في سنة ١٩٢٩م، أُحيل الموضوع إلى مُحامٍ استغرق سنةً كاملة كي يُقرِّر أن دستور الكلية يمكن أن يسمح بقبولهن. ولما سُوِّي هذا الموضوع استغرق الأعضاء عامًا آخر ليَبتُّوا في موضوع قبول النساء. وبما أن الدستور يسمح بذلك، والأعضاء راغبون، فالمسألة تنحصر الآن فيمن يختارونها. واستُشيرت الدكتورة مارتا تراسي عميدة كلية الطب النسوية، فاقترحت اسم الدكتورة كاثراين ماكفارلين (١٨٩٨–١٩٦٩م)، وهي أستاذة أبحاث في علم أمراض النساء بكلية الطب النسوية ببنسلفانيا.

وكتبت الدكتورة ماكفارلين: «في مساء ١١ من يناير سنة ١٩٣٢م قُبلتُ للعضوية، وبسط رئيس الكلية الدكتور فرانسيس ر. ياكار، طبيب الأنف والأذن والحنجرة، والمؤرخ الطبي المرموق، ذراعه ليُصافحني، وهنَّأني قائلًا: «لقد صنعتِ التاريخ الليلة يا دكتورة ماكفارلين».»18 والواقع أن الدكتورة ماكفارلين قد انضمَّت إلى صفوف الطبيبات ابتداءً من نانسي تالبوت كلارك، اللواتي صنعن التاريخ بالنضال في سبيل قبول النساء عضوات على قدم المساواة في المجتمع الطبي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤