الفصل التاسع عشر

الممارسات

كيف إذن يُفترض لشركة ما إجراء تسعير عادل؟

إن كنت مديرًا لشركة، فستود أن يظن عملاؤك أن سعرك عادل؛ ومن ثَمَّ يشترون منتجك. هذا أمر جليٌّ، لكن كيفية إجرائك للتسعير العادل ليست جلية، بل إنها عسيرة بشكل خاص؛ لأنه توجد جوانب عادلة، وأخرى جائرة، لكثير من استراتيجيات التسعير الأساسية.

وفق الكتب التي تتناول التسعير، ثمة ثلاث استراتيجيات أساسية، وهي: التسعير القائم على المنافسة، والتسعير القائم على التكلفة، والتسعير القائم على المستهلك. ولك أن تضيف إليها استراتيجية رابعة: التسعير القائم على العرف؛ أي المنهج التقليدي المستخدم في أي مجال. (انظر الجدول ١٩-١ لأمثلة على استراتيجيات التسعير العادلة/الجائرة.) وتكون هذه الاستراتيجيات عادلة عندما تتبع معايير العدالة الشخصية والعدالة الاجتماعية.

التسعير القائم على العرف

دعونا نستهلُّ بالتسعير القائم على العرف لأنه الأسهل. التسعير القائم على العرف هو نظام التسعير التقليدي المعمول به في أي مجال. إنه نظام التسعير التي يتبعه أغلب الباعة. قد يضم استراتيجية من استراتيجيات التسعير الأساسية الثلاث كأساس له، لكنه يتمتع بجوانب متفردة خاصة بهذا المجال وحده.

جدول ١٩-١: أمثلة على استراتيجيات التسعير العادلة/الجائرة.
الصناعة منهجية التسعير تقييم العدالة الامتثال الملموس للمعايير الاجتماعية
التسعير القائم على العُرف
متاجر الملابس عرض السعر على بطاقة عادلة على المستوى الشخصي تخضع للمعايير الوصفية
أسواق السلع المستعملة المساومة لتحديد السعر عادلة على المستوى الشخصي تخضع للمعايير الوصفية
مكاتب المحاماة إدراج كلفة استخدام المصعد في سعر الاستشارة القانونية عادلة على المستوى الشخصي تخضع للمعايير الوصفية
العروض الترفيهية بالشوارع تمرير قبعة بين المشاهدين بعد العرض عادلة على المستوى الشخصي تخضع للمعايير الوصفية
التسعير القائم على المنافسة
توريدات المكاتب مضاهاة السعر الأدنى الذي يقدِّمه أي منافس عادلة على المستوى الشخصي تتبع معيار التسعير التنافسي
الأجهزة الإلكترونية خفض السعر بمرور الزمن عادلة على المستوى الشخصي تتبع معيار خفض السعر بحسب الطلب
الأحذية الحفاظ على ثبات السعر على مدار الزمن بإيجاد موردين أرخص عادلة على المستوى الشخصي تخضع لمعيار الأمر الواقع الاجتماعي
التسعير القائم على التكلفة
ورش إصلاح السيارات المطالبة بأسعار قطع الغيار بالإضافة إلى أجر العمل الاعتيادي بالساعة عادلة على المستوى الاجتماعي تخضع لمعيار الإنصاف الاجتماعي: ما تدفعه يكافئ ما تحصل عليه
متاجر البقالة بالتجزئة إضافة نسبة ربح إلى تكلفة السلعة عادلة على المستوى الاجتماعي تخضع لمعيار الإنصاف الاجتماعي: ما تدفعه يكافئ ما تحصل عليه
البنزين تحديد السعر حسب رفاهية المجتمع جائرة على المستوى الاجتماعي تنتهك معيار التكافؤ الاجتماعي
الصناعات الدوائية تحديد السعر حسب التكاليف مع تحديد حصة لكل الأبحاث والتطوير جائرة على المستوى الاجتماعي تنتهك معياري الإنصاف والحاجة الاجتماعيين
التسعير القائم على المستهلك
شركات الطيران تحديد السعر حسب تقلبات طلب المستهلكين جائرة على المستوى الاجتماعي تنتهك معايير الأمر الواقع والشفافية والتكافؤ والحاجة الاجتماعية
المغاسل يقل السعر المحصَّل مقابل غسل ملابس الرجال عن ذلك المحصَّل مقابل غسل ملابس السيدات جائرة على المستوى الاجتماعي تنتهك معيار التكافؤ الاجتماعي: السعر واحد للجميع
الفنون الجميلة عرض الرسوم بالمزادات عادلة على المستوى الاجتماعي تخضع للمعيار الاجتماعي المتمثل في السماح للمستهلك بالتعبير عن رأيه
أجزاء العدد والمعدات تحديد السعر حسب القيمة التي يقدِّرها المستهلك عادلة على المستوى الاجتماعي تتبع معيار الإنصاف: ما تدفعه يكافئ ما تحصل عليه

التسعير القائم على العرف عادل على المستوى الشخصي للمشترين؛ لأنه يخضع للمعايير الوصفية لما يُعتبر طبيعيًّا. إنه ما يتوقعه المشترون؛ فالمشترون يتوقعون تنزيلات لدى شراء الأجهزة الإلكترونية، وبطاقات الأسعار، في المتاجر متعددة الأقسام، ونسبة تسعة أعشار السنت الغريبة المضافة إلى أسعار الوقود. يتوقع المشترون خصومات على الكميات عند شراء علب الصابون المبشور الكبيرة. سيتوقعون أن تكون جميع نكهات الزبادي بالسعر ذاته، ويتوقعون أن يفاوضوا على سعر السيارة، وأن تكون أسعار مستحضرات التجميل ثابتة.

لا ينشغل المستهلك بعدالة التسعير القائم على العُرف حتى يُنتهك معيار وصفي، عندما يكون السعر غير متوقع، وهو ما يحدث عندما يصدر المرء حكمًا على السعر بأنه جائر، فمن الجائر تحصيل رسم مقابل استخدام المصعد، ومن الجائر المساومة على الأسعار بالمتاجر متعددة الأقسام، ومن الجائر عرض دمية عليها طلب كبير للمزاد؛ لأن الدمى عادة ما تُباع بسعر ثابت.1

التسعير القائم على المنافسة

شأن التسعير القائم على العُرف، يُعتبر التسعير القائم على المنافسة (أو التسعير القائم على السوق) عادلًا هو الآخر. إنه عادل لأن المنافسة أساسية في منظومتنا الاقتصادية القائمة على السوق الحرة. تجبر المنافسة الباعة على تحصيل أقل سعر بوسعهم تحصيله للتغلب على الخصم، ويعتبر المستهلكون هذه الممارسة عادلة على المستوى الشخصي.

في المقابل، من الجائر أن يتواطأ المتنافسون لإبقاء الأسعار مرتفعة. قد يقوم المتنافسون بذلك بشكل قانوني تمامًا، دون أن يتحدثوا إلى بعضهم فعليًّا، فبوسعهم ألا يضرب بعضهم أسعار بعض ببساطة. على سبيل المثال: جرت العادة أن تكون أسعار محالِّ البقالة في فنلندا أعلى من أي بلد آخر بأوروبا؛ لأن الشركات كافة حافظت على ارتفاع الأسعار. بعد انضمام فنلندا للاتحاد الأوروبي، دخلتها سلسلة المتاجر الكبيرة الألمانية «ليدل» المعهود عنها تخفيض الأسعار، فانخفضت الأسعار انخفاضات حادة. والآن أسعار محالِّ البقالة بفنلندا تنافسية جدًّا، وتحقق درجة كبيرة من العدالة.2

أما نقيض التسعير التنافسي فهو التسعير الاحتكاري — الذي يُعتبر فاسدًا من الأساس، حيث تقلل الشركات الاحتكارية من الخيارات المتاحة؛ الأمر الذي يمثل ظلمًا للمستهلك. بمقدور الاحتكاريين انتهاز سلطتهم السوقية واستغلال المستهلك، ما يضفي مزيدًا من الجور على السعر الجائر أصلًا.

يعترض المستهلكون أيضًا على السلطات شبه الاحتكارية للتكتلات التجارية مثل منظمة أوبك، التي بمقدورها التأثير على أسعار الوقود. وهم ساخطون على السلطة التي تتكون جرَّاء اندماج شركات البطاقات الائتمانية، فمثلًا، استحواذ بنك أوف أمريكا على شركة البطاقات الائتمانية إم بي إن إيه. ونتيجة لعمليات الاندماج، فإن بعض شركات البطاقات الائتمانية الآن في موقع يسمح لها بتغيير شروط العقود بموجب إخطار سابق بخمسة عشر يومًا فحسب،3 وبإمكانها فرض رسوم على تحويلات العملات الأجنبية، وبوسعها وصم المستهلك واعتباره خطرًا ائتمانيًّا إن حدث أن تأخر في السداد لأي دائن آخر، وهذه الإجراءات التسعيرية جائرة جورًا بينًا.

التسعير القائم على التكلفة

التسعير القائم على التكلفة (أو «المرابحة») يُعتبر أحيانًا عادلًا، وفي أحيان أخرى لا يُعتبر كذلك. إنه يُعتبر عادلًا4 على العموم؛ لأنه يخضع للمعايير الاجتماعية، ويُعتَقَد أنه منصف ومتكافئ للجميع وسهل الفهم. لكنه يمكن أن يكون جائرًا كذلك عندما لا تكون التكاليف جائزة أو شفافة.
يتوقف التسعير بالمرابحة على تكلفة العمالة والواردات، إلى جانب بعض الزيادة؛ لتعويض البائع عن وقته وجهده والمخاطرة التي يتكبَّدها. إنه ما اعتبره الاقتصادي آدم سميث السعر العادل بناءً على «الكد والعناء» المطلوبين في إنتاج السلعة.5 يُعتبر التسعير بالمرابحة منصفًا؛ لأنه يعكس تكاليف البائع، وهو ما يُعتبر مؤشرًا على القيمة الحقيقية للسلعة.
وعَى الباعة أن المستهلك يقبل التسعير بالمرابحة ويستعين به كثيرًا جدًّا لتبرير أسعارهم؛ فعلى سبيل المثال: نشرت شركة بارنز آند نوبل لبيع الكتب مطبوعة لتشرح السبب وراء تكلفة الكتب المقررة المرتفعة جدًّا. كان السبب «كأي متجر لبيع كتب الجامعة بمختلف أنحاء البلد — وبالقطع كأي تاجر تجزئة — التكلفة التي نتكبَّدها؛ فهي التي تحدد سعر منتجنا.»6

عندما تريد الشركات زيادة السعر، كثيرًا ما تستشهد بزيادة تكاليف التوريدات كتبرير، وتلقي باللائمة على الزيادة في العوامل الخارجية التي يصعب التحكم فيها. إنهم يدافعون عن إجراءاتهم بزعمهم: «لم نكن نريد رفع أسعارنا، لكن لم يكن لدينا أي خيار آخر!»

أحيانًا ما تستغل الشركات اعتقاد الجمهور في عدالة التسعير بالمرابحة. إنهم يقومون بذلك عندما ترتفع التكاليف، لكنهم لا يخفضون من الأسعار عندما تقل التكاليف. ولنا في قطاع البن مثال: من الناحية التاريخية، ارتفعت أسعار بيع البن بالتجزئة عندما ارتفعت تكلفة البن الأخضر، لكن عندما انخفضت أسعار البن الأخضر، لم يَتبع سعر بيع البن بالتجزئة نفس المنوال.

لنتأمل ما حدث لأسعار القهوة عقب انتهاء الاتفاقية الدولية للْبُن: حتى عام ١٩٨٩، تعاون تكتُّل تجاري للبلدان الزارعة للبن معًا من أجل إبقاء أسعار البن مرتفعة، لكن عندما انهارت الاتفاقية، هوى سعر بن الحبوب الخضراء من متوسطه البالغ ١٫١٤ دولار — والذي استمر مدة ٢٤ شهرًا — إلى ٠٫٨٢ دولار؛ أي انخفض بمقدار ٤٢ في المائة، إلا أن سعر التجزئة للبن المحمص انخفض من ٢٫٩٣ دولار إلى ٢٫٨٢ دولار؛ أي انخفض بنسبة ٤ في المائة فحسب.7 لم يشتكِ المستهلكون الأمريكيون لاعتقادهم أن أسعار البن المحمَّص تعتمد على تكلفة حبوب القهوة الخضراء.
يتسم التسعير القائم على التكلفة بالجور كذلك عندما يكون مجحفًا؛ فالسعر قد لا يعكس القيمة الحقيقية للسلعة؛ لأن التكاليف يمكن أن تشمل نفقاتٍ محل جدل. تأمَّل — على سبيل المثال — تخصيص النفقات الإدارية.8

يزعم قطاع الصناعات الدوائية أن أحد الأسباب وراء الارتفاع الشديد في سعر الدواء على هذا النحو هو تكلفة البحث والتطوير، لكنْ أيٌّ من تكاليف البحث والتطوير ينبغي تخصيصها لأي من العقاقير؟ هل البحث والتطوير الموجَّه إلى ذاك العقار بعينه؟ هذا ما يظن المشتري أنه سيكون عادلًا.

إلا أن شركات العقاقير الدوائية تظن أن العادل هو أن يشتمل كل علاج على نصيب من كل نفقات البحث والتطوير، التي لا يثمر كثير جدًّا منها دواءً ناجحًا أبدًا. كيف يتسنَّى للشركات استعادة تكاليفها غير ذلك؟ لذا تظل عدالة تخصيص النفقات الإدارية مسألة خلافية.

كما يتضمن جانب التكلفة من أسعار المرابحة رواتب المسئولين التنفيذيين، التي زادت مؤخرًا لمستويات جديدة. ثمة مثال مبيِّن يتجسد في رئيس شركة إكسون موبيل، الذي يتقاضى ١٤٤٥٧٣ دولارًا يوميًّا.9 يرى المستهلك أن مثل هذا الأجر باهظ على نحو جائر. وحسب استطلاع رأي أجرته شركة بلومبيرج عام ٢٠٠٦، فإن ٨١ في المائة من الأمريكيين يعتقدون أن المسئولين التنفيذيين يتقاضون مبالغ باهظة.10 ونسبة كبيرة من مديري الشركات، وهم الأشخاص أنفسهم الذين يحددون راتب المسئول التنفيذي، يعتقدون كذلك أن رواتب التنفيذيين مُبالَغ فيها.11
منذ أن اعتمدت هيئة الأوراق المالية والبورصات قواعد جديدة للإفصاح عن المعلومات، أصبح إجمالي راتب كبار التنفيذيين معروفًا للملأ. وحسب دراسة أجرتها شركة ميرسر لاستشارات الموارد البشرية لجريدة وول ستريت جورنال، فقد بلغ متوسط إجمالي الأجور المباشرة ٦٫٥ ملايين دولار في عام ٢٠٠٦.12 وهذا دالٌّ على وجود بون شاسع بين الإدارة التنفيذية العليا والعمالة المتوسطة. هذا التفاوت يثير بالتأكيد مزيدًا من الجدل.
يزعم أحد طرفي الجدل أن الأجر منصفٌ بسبب العمل الاستثنائي المطلوب من المسئولين التنفيذيين، ويصرُّ الجانب الآخر على أنه مجحف لأن أجر التنفيذيين لا يرتبط بأدائهم. وثمة مثال صارخ على هذا التفاوت يتمثل في الرئيس التنفيذي لشركة هوم ديبوت الذي ترك الشركة المتعثرة وفي حوزته «مكافأة فشل» بقيمة تزيد على ٢١٠ ملايين دولار.13

بالإضافة إلى التكاليف، فإن عدالة الجزء «الزائد» من التسعير بالمرابحة شاغل كذلك. إلى أين يذهب؟ يذهب كما هو واضح إلى الربح. كما طالعنا في الفصل الثاني عشر، يتغاضى المستهلكون عن الأرباح ما دامت الشركة تتعامل بعدالة، لكن عندما يشتبهون في قيام الشركة بممارسات جائرة، فإنهم يمعنون النظر في الأرباح التماسًا للعدالة.

لكن ما الذي يشكِّل الربح «العادل»؟

وفق معيار الإنصاف، الربح العادل هو الربح الذي يعكس المنفعة الإضافية التي تقدمها الشركة؛ الخدمات وضبط الجودة والابتكار وما إلى ذلك. هل يعكس هامش الربح البالغ ٨٦ في المائة على نظام تشغيل مايكروسوفت ويندوز الميزة الإضافية التي تقدمها مايكروسوفت؟ لا يرى كثيرون من المستهلكين ذلك.14 هل الربح غير المسبوق البالغ ٣٩٫٥ مليار دولار الذي حققته إكسون موبيل في ٢٠٠٦ منصف؟15
تشير شركة إكسون موبيل — دفاعًا عن نفسها — إلى أن نسبتها الربحية البالغة ٨٫٢ في المائة أقل من نسبة ربح شركات الأدوية البالغة ١٨٫٦ في المائة، ومن نسبة ربح قطاع المصارف البالغة ١٨ في المائة.16 لكن ٧٠ في المائة من الأمريكيين يعتقدون بالفعل أن أرباح شركات الأدوية باهظة جدًّا.17 وينطوي الوصف «باهظة جدًّا» — أيًّا كانت طريقة تعريفه — على سعر «باهظ جدًّا» بالنسبة إلى المستهلك، والأسعار الباهظة جدًّا تُعتبر جائرة.
كما ينتهك التسعير بالمرابحة المعايير الاجتماعية عندما تكون التكاليف مبهمة؛ فالمستهلك لا يستطيع فهمها.18 وفي حالة شركات الطيران، يبدو أن بعض المستهلكين لا يزالون يعتقدون أن أسعار شركات الطيران ينبغي تسعيرها حسب التكلفة، فيحسبون منطقيًّا أن تكلفة الطيران من نيويورك إلى سان فرانسيسكو يجب أن تكون أعلى من تكلفة السفر من نيويورك إلى إنديانا بوليس؛ ومن ثم، فمن المعقول أن تكون تذكرة السفر إلى سان فرانسيسكو أغلى، لكن عندما يكتشف المستهلك أن تذكرة السفر إلى إنديانا بوليس يمكن أن تكون أغلى في الواقع، فإنه يحكم على السعر بأنه جائر.

التسعير بناءً على المستهلك

أما الاستراتيجية الأخيرة من استراتيجيات التسعير الأربع فهي أكثرها إثارة للخلاف. إنها التسعير بناءً على المستهلك (وتضم بين ثناياها صورًا مختلفة يُطلق عليها التسعير «القائم على القيمة»، والتسعير «القائم على الطلب»، والتسعير «المتغير»، والتسعير «الديناميكي»). يعكس التسعير بناءً على المستهلك القيمة التي يلمسها المستهلك للمنتج أو الخدمة. عندما تزيد القيمة الملموسة، ينبغي للطلب أن يرتفع. وحسب فكرة الاقتصاديين عن العرض والطلب، ينبغي للأسعار حينها أن تزداد، على افتراض أن العرض سيظل على حاله.

يطلعنا الاقتصاديون على أن تحديد السعر حسب طلب المستهلك «يضمن عدم تبديد نقود من الممكن توفيرها.» المشكلة هي أن التسعير القائم على المستهلك يمكن اعتباره عادلًا أو جائرًا بناءً على المعيار المحتكَم إليه: الإنصاف أم الحاجة. يمكن أن يتوقف الطلب إما على القيمة الملموسة، وهذا منصف، أو على الحاجة الملموسة، وهذا جائر.

عندما يقوم السعر على القيمة التي يلمسها العميل، فهذا عادل. فالسعر المتوقف على القيمة يستوفي معيار الإنصاف، فما يحصل عليه المستهلك يكافئ ما يدفعه.

يمكن أن يكون للتسعير القائم على القيمة أثر بالغ على الأرباح، فتغيير الأسعار من التوقف على التكلفة فقط إلى التوقف على القيمة أدى إلى زيادة صافي ربح شركة باركر هانيفين من ١٣٠ مليون دولار في ٢٠٠٢ إلى ٦٧٣ مليون دولار في ٢٠٠٦.19 عندما أدى التغيير إلى سعرٍ أعلى من السعر المرجعي للمستهلكين، فإنهم أعرضوا في البداية، لكن عندما شُرحت لهم قيمة السلعة، قبلوا السعر باعتباره عادلًا.
مع ذلك، فرغم أن التسعير القائم على المستهلك يمكن أن يُعتبر عادلًا إن رأى المستهلك أنه مستند إلى القيمة، إلا أنه يمكن اعتباره جائرًا إن رأى أنه مستند إلى الحاجة، فاستغلال الحاجة ليس عادلًا.20
تأمَّل ما تعرضت له شركة كوكاكولا عندما طرحت ماكينات بيع الكولا التي ستحصِّل أسعارًا أعلى بالصيف بسبب زيادة الطلب. لم يفكر المستهلكون في القيمة الأكبر لمشروب الكولا في الطقس الحار؛ لم يفكروا إلا في أن الشركة تستغل حاجتهم الأشد لمشروب الكولا في فصل الصيف. كان رد فعل الجمهور عنيفًا لدرجة أن الشركة اضطرت إلى إلغاء المشروع بأكمله.21

للوقاية من رد فعل عنيف محتمل، لا ترفع كثير من الشركات أسعارها بناءً على الطلب، فقد جرت العادة ألا ترفع المسارح من أسعار تذاكرها عندما تعرض مسرحيات رائجة، ولا تزيد المطاعم من أسعار قوائمها بعطلات نهاية الأسبوع، وتحدد الفرق الرياضية أسعار تذاكر مبارياتها في مستهل الموسم ولا تغيرها، حتى إن حققت انتصارات وارتفع الطلب على تذاكر مبارياتها. أصر ستيف جوبز على تسعير جميع إصدارات تطبيق آي تيونز ﺑ ٠٫٩٩ دولار بدلًا من تحصيل مبالغ أعلى مقابل الأعمال التي كانت أكثر شهرة.

في المقابل، فمن المعروف عن شركات الطيران زيادتها الأسعار بسبب الطلب، وقد أفرخت عددًا كبيرًا من المؤيدين الجدد المتحمسين للفكرة، وذاعت ترشيحات واضعي استراتيجيات التسعير بالتسعير بناءً على المستهلك، أو ما يُطلق عليه في حالة شركات الطيران التسعير المتغير.

فعلى سبيل المثال: تنظر الآن دور السينما في تخفيض أسعار التذاكر في الأيام ضعيفة الكثافة الجماهيرية.22 ويتعرض القائمون على تطبيق آي تيونز لضغوط ممن هم بمجال الموسيقى للتحوُّل إلى التسعير القائم على الطلب، وحجتهم هي أن «القاعدة الأساسية في الاقتصاد: افرضْ سعرًا أعلى لقاء أعمال الفنانين الذين يرتفع الإقبال على أعمالهم وسعرًا أقل لقاء أعمال الفنانين التي لا تحظى بإقبال كبير.»23 ربما تكون هذه هي القاعدة الأساسية في الاقتصاد، وربما تخضع لمعيار الإنصاف، لكنها تنتهك معيار الحاجة.
في الواقع، وبناءً على الحاجة، فما يعتقد المستهلكون أنه عادل هو أن «تنخفض» الأسعار عندما يزيد الطلب على منتَج هم في حاجة إليه. تستجيب محالُّ البقالة على الأقل لهذا الاعتقاد، فحسب دراسة اقتصادية، «تخفِّض» محالُّ البقالة سعر علب التونة خلال فترة الصوم الكبير، وتقلل من سعر الجبن والرقائق بعيد الشكر، وتقدم الجعة بسعر مخفض في الصيف،24 ويرى المستهلك أن هذا عادل.

يعود جزء من المشكلة إلى كيفية تعريف «الحاجة». هل يعتقد المستهلكون أنهم «يحتاجون» إلى التونة أثناء الصوم الكبير أو «يحتاجون» إلى الجعة لعيد الاستقلال؟ أشك في أنهم يعتقدون ذلك. إنهم مثل طلبتي الذين يخبرونني بأنهم «يحتاجون» إلى هاتف محمول، لكني أظن أن هذا ترف، وبناءً على الحاجة، يعتقد المستهلكون أن السعر ينبغي أن يكون أدنى.

يصبح المستهلك عدائيًّا بصورة خاصة إزاء التسعير بناءً على المستهلك عندما تكون الحاجة مسألة مصيرية؛ على سبيل المثال: الطلب المُلِحُّ على المياه لضحايا الإعصار، أو طلب المرضى للعلاج. قال آلان جاربر — الخبير في اقتصاد الرعاية الصحية — دفاعًا عن شركات الأدوية: «سيكون من الجائر تصويرهم في صورة جشعة أو غير مسئولة إذا كانوا يفرضون السعر الذي بوسعهم الحصول عليه.»25 لكن من وجهة نظر المستهلك، فإن تحصيل أقصى ما يستطيع المستهلك دفعه عندما يكون في أشد احتياجه للسلعة هو استغلال للطلب القائم على الحاجة، وهذا جائر.

تأييد اعتقاد المستهلك بأن الأسعار ينبغي أن تقل تبعًا للطلب هو الفكرة التي تقوم عليها اقتصاديات الحجم الكبير. يبدو أن المستهلك يعتقد أن زيادة الطلب ستحتم زيادة العرض؛ وعليه، تنخفض تكلفة السلعة. هذا ما يحدث غالبًا في قطاع الإلكترونيات، فالاهتمام الواسع بأجهزة التليفزيون ذات الشاشات الكبيرة أدى إلى انخفاض أسعارها إلى النصف، ومن المتوقع أن يؤدي الطلب الهائل على أجهزة آي بود إلى تخفيض سعرها، وهو ما يُعتقد أنه عادل.

وتكون الأسعار القائمة على المستهلك عادلة كذلك عندما يكون المستهلك هو من يحدد السعر، لا البائع، فحينها يتمتع المستهلك بالقدرة على التعبير عن رأيه، ومن أمثلة ذلك المفاوضات — كما ناقشنا في الفصل السادس عشر — والمزادات.

في المزادات، يتمتع المستهلك بسيطرة كاملة على السعر الذي يدفعه. لكل مزايِد هدف مختلف، وقد لا تتوافر له سوى معلومات مجتزأة، لكنهم معًا يستقرون على سعر من خلال أفعالهم الجمعية. في دراسة حديثة، عزا ٨٣ في المائة من المشاركين نتائج المزادات إلى أفعالهم الخاصة.26

السعر الذي يستقر عليه المزاد سعر منصف؛ من حيث إنه يمثل إجماعًا على القيمة «الحقيقية» للسلعة، ويتمتع كل شخص برأي في تحديد تلك القيمة، وهذا عادل.

حسبما كتب عالم الاجتماع تشارلز سميث: «بالنسبة إلى كثيرين، بمن فيهم معظم الاقتصاديين، لا خلاف على أن وظيفة المزادات هي تحديد سعر «عادل».»27 ويقص حكاية مدير أحد المتاحف الذي أُجبر على عرض بعض اللوحات في مزاد، رغم أنه كان واثقًا من إمكانية حصوله على سعر أعلى في عملية بيع خاصة، لكن المتبرعين بالأعمال الفنية رأوا أن سعر المزاد أعدل.
ومع ظهور موقع إي باي، تزايد ذيوع المزادات، حتى الأسعار الباهظة قُبلت واعتُبرت عادلة؛ فعلى سبيل المثال: باعت ديانا دايسر شريحة البيتزا الخاصة بها التي تحتفظ بها منذ ١٠ سنوات، وتحمل حرقًا يشبه السيدة مريم العذراء على موقع إي باي مقابل ٢٨٠٠٠ دولار،28 ورغم أن السعر كان مبالغًا فيه، إلا أنه كان عادلًا لأن جميع المزايدين أُتيحت لهم فرصة متكافئة لتقدير قيمة شريحة البيتزا غير التقليدية.
والمزادات الآن في طريقها للانتشار إلى مجالات جديدة، فتعرض شركة تيكت ماستر تذاكر جولات نجوم الفنانين بالمزاد. والنتيجة هي أن التذاكر التي تبلغ قيمتها الاسمية ٣٥٠ دولارًا تُباع مقابل ٤٠٠ إلى ٥٠٠ دولار. ورغم أن هذه الأسعار تتجاوز القيمة الاسمية، إلا أنها أقل من أسعار المستغلين الذين يعيدون بيع التذاكر التي اشتروها ابتغاء الربح. ويطلق أحد المسئولين التنفيذيين في تيكت ماستر على المزايدة الإلكترونية «حلًّا سوقيًّا لمشكلة تعترض المجال. إنها تجعل من السوق ساحة أكثر تكافؤًا للمتنافسين.»29 يُعتقد أن هذا عادل؛ لأن المشتري لا البائع هو الذي يحدد السعر.

ومع ذلك، فالمزادات ليست عادلة بالضرورة. فهي ليست، مثلًا، وسيلة عادلة لتحديد سعر الدواء. دشَّنت شركة تُدعى فارمابيد موقعًا إلكترونيًّا في ١٩٩٩؛ حيث يتسنَّى للأطباء والمستشفيات المزايَدة على العقاقير ومنتجات الدم والتوريدات الطبية، وعندما تحققتُ منه مؤخرًا، وجدت أن الموقع لم يعد يعمل. إن طرح الدواء بالمزاد يُعتبر جائرًا لأنه استغلال للحاجة.

كما أنه ليس بالضرورة أن تحدد المزادات سعرًا عادلًا ومنصفًا، ومن الأمثلة السيئة المعروفة شركة جوجل التي طرحت أسهمًا للمزاد في اكتتابها العام الأولي. كان الهدف التمتع بالعدالة والشفافية، وإرساء سعر واقعي للأسهم، وجمع أكبر مبلغ مالي، إلا أن النتيجة لم تأتِ كما خُطط له. توقعت الشركة سعرًا بين ١٠٨ دولارات و١٣٥ دولارًا، إلا أن سعر الإقفال الفعلي كان ٨٥ دولارًا، لكن بعد غلق باب المزاد مباشرة ارتفع سعر السهم ١٨ في المائة ليبلغ ١٠٠٫٣٤ دولارًا؛30 وبذلك لم تحصل الشركة على سعر عادل.

مثلما يمكن أن تؤدي المزادات إلى أسعار منخفضة إلى حد جائر، فإنها قد تؤدي كذلك إلى أسعار مرتفعة بشكل جائر. ويشير مصطلح «لعنة الرابح» إلى الجور الواقع على العطاء الرابح عندما يكون «أكبر» فعليًّا من قيمة السلعة كما حددها أي شخص آخر، فمثل هذا السعر يكون أعلى من التقدير الإجماعي لقيمة السلعة. إقرارًا بهذه المشكلة، تبيع بعض المزادات السلعة إلى أعلى مزايد بالسعر قبل الأخير في المزاد؛ أي السعر الذي كان هناك مزايد آخر على الأقل مستعدٌّ لدفعه.

ثمة شاغل آخر بالمزادات، وهو أن الباعة لا يُفصحون دومًا عن كامل المعلومات، ويتضح ذلك في تجارة الخيول، فكما جرت التقاليد، «كان يُعتبر من العادل تمامًا أن يفعل الباعة كل ما في وسعهم كي يجعلوا جيادهم تبدو في حال وصحة أفضل.»31 إلا أن مثل هذه الممارسات كانت تقيدها في الماضي حاجة البائع إلى حماية سمعته داخل مجموعة تجار الخيول الصغيرة، لكن اليوم يوجد كثيرٌ من المشترين والباعة الجدد في السوق، ولذا، اضطر هذا القطاع التجاري إلى استحداث ميثاق أخلاقي يسمح للبائعين بإعادة جواد جرَى شراؤه بمزاد في ظل ظروف جائرة.32
لم يكن إجراء تثبيت الأسعار الذي أقدمت عليه دارا سوذبي وكريستي للمزادات، عادلًا — أو قانونيًّا — إلى حد بيِّن. نسقت الداران لسنوات فيما بينهما الرسوم المفروضة على الباعة، بما في ذلك اتفاق على العملاء الذين سيدفعون رسومًا أقل، والعملاء الذين لن يدفعوا أي رسوم مطلقًا؛33 وبذلك انتهكتا معيار التكافؤ الاجتماعي، الذي ينص على أنه ينبغي معاملة جميع المستهلكين بالطريقة نفسها. نتيجة لذلك، اضطرت دارا المزادات إلى دفع ٥١٢ مليون دولار على سبيل التعويض للعملاء الذي تلقَّوا معاملة جائرة.34

استراتيجيات أخرى للتسعير

إضافة إلى استراتيجيات التسعير الأربع الأساسية، ثمة منهجيات تسعير أخرى يمكن أيضًا أن تكون عادلة أو جائرة، بناءً على ما إذا كانت تستوفي معايير العدالة الاجتماعية. تتمثل إحدى تلك الممارسات في «التسعير الوقائي»؛ حيث يستوعب البائع الزيادات والانخفاضات البسيطة في الأسعار،35 وهذا تسعير عادل لأن السعر يستوفي معيار الثبات.

يُستخدم منهجٌ آخر هو «تسعير البوفيه» في المطاعم الصينية التي تطبق سياسة «البوفيه المفتوح»؛ حيث تُتاح كميات غير محدودة من الطعام مقابل سعر محدد سابقًا. يجد العملاء أن هذا عادل؛ لأن بوسعهم أن يضمنوا لأنفسهم مقابلًا منصفًا بالزيادة على أو الإنقاص مما يُقدم لهم. وبالمنطق نفسه، فالمتاجر التي تبيع سلعًا موحدة السعر مثل دولار ستورز عادلة في معاملاتها؛ لأنه بوسع العميل أن يحدد بنفسه القيمة المنصفة، فبمقدور العميل التحكم فيما إذا كانت قيمة ما يحصل عليه تكافئ دولارًا واحدًا.

تُعتبر «العروض المجمعة» — حيث يُباع منتجان معًا — عادلة على المستوى الشخصي عندما ينتج عنها سعر أدنى، لكنها جائرة على المستوى الاجتماعي عندما تمنح الشركة ميزة ظالمة، وهذا ما يحدث عند «ربط» المنتجات: أي جعل بيع سلعة بعينها «مرتبطًا» ببيع سلعة أخرى. وهناك المثال الكلاسيكي على هذا المنهج التسعيري حين لم يستطع عملاء كوداك شراء قطع غيار لمعدات كوداك الخاصة بهم، إلا بالاستعانة بخدمات شركة كوداك لإجراء التصليحات لمعدَّاتهم.36 لا يُعتبر مثل هذا القسر جائرًا فحسب، وإنما مخالفًا للقانون أيضًا.
ويمكن أيضًا أن يكون «الفصل» — بمعنى أن تُباع المنتجات التي كانت تُباع في الماضي حزمةً واحدةً، منفصلةً — عادلًا أو جائرًا. إنه عادل لأنه منهج منصف. عندما بدأت شركتا الطيران الإنجليزيتان فلايبي ورايانير تحصيل رسوم على الأمتعة المسجَّلة، شرحتا موقفهما بأنه صفقة عادلة لأن «المسافرين الذين لا يحملون حقائب لن يضطروا إلى الدفع مقابل حمل حقائب الآخرين.»37 ومن ثَمَّ، لم يكن أي شخص يدفع سوى مقابل الخدمة التي كان يحصل عليها، ولم يتحمل أحد جزءًا من تكلفة ما يحصل عليه غيره.
لكن الفصل ليس منهجًا عادلًا عندما يأتي كمفاجأة مزعجة؛ فعلى سبيل المثال: كانت أي أمتعة في الماضي مشمولة في تذكرة السفر، أما الآن، فقد باتت شركة بريتيش إيرويز تُحصِّل ١٢٠ جنيهًا إسترلينيًّا (٢٤٠ دولارًا) إضافية مقابل الحقائب الزائدة على الوزن، وهذا جائر لأنه غير متوقع.38

كما تصعِّب منهجية الفصل على المستهلك المقارنة بين الأسعار؛ لأنه لا يجد ما يحكم بناءً عليه، فبعض المتاجر تحصِّل رسمًا إضافيًّا مقابل إعادة التزود بالسلع، في حين لا تقوم بعض المتاجر الأخرى بذلك، وتفرض بعض مواقع الإنترنت رسمًا مقابل الشحن والتسليم، بينما لا تقوم بعض المواقع الأخرى بذلك. وبذلك ينتهك السعر معيار الشفافية، وهذا ليس بعادل.

التمتع بسمعة التسعير العادل

للرد على الاتهامات بالأسعار الجائرة، كل ما على الشركة عمله — كما هو واضح — أن تسعِّر منتجاتها بعدالة؛ أي عدم انتهاك المعايير الاجتماعية. (انظر «كيف إذن يُفترض بالشركات تطبيق التسعير العادل؟» في نهاية هذا الفصل.) مع ذلك، يصعُب أحيانًا اتِّباع هذه القواعد بسبب تضارب المزاعم حول العدالة.

يطالب المساهمون بعائد عادل، ويطلب الموظفون أجرًا عادلًا، ويشترط المورِّدون ربحًا عادلًا. ومن ثَمَّ، لا يمكن تحديد السعر على أساس ما يظن المستهلك أنه سعر عادل فحسب؛ فعلى الشركة أن توازن بين ما هو عادل لكل الأطراف المعنية.

إن لم تحقق الشركة هذا التوازن في السعر العادل، فسيقاطعها المستهلكون، أو يُضرِب موظفوها، أو ينسحب منها مستثمروها، أو يتخلى عنها مورِّدوها، أو كل ما سبق.

لكن عندما تحقق الشركة هذا التوازن، فإن سمعتها في تطبيق التسعير العادل تزدهر.

شركة جونسون آند جونسون مثال واضح على ما سبق؛ إذ احتلت الشركة المركز الأول لسبع سنوات متتالية من بين أبرز ٦٠ شركة في استطلاع معدل السمعة السنوي الذي تُجريه مؤسسة هاريس إنتر أكتيف لأبحاث السوق.39 يعود جزء من سمعة جونسون آند جونسون إلى منتجات الأطفال، والجزء الآخر إلى حالة الذعر من مادة التايلينول في عام ١٩٨٢، حينها دس شخص مخبول السم بكبسولات التايلينول، فلقى ٧ أشخاص نحبهم. سحبت شركة جونسون آند جونسون ما يربو على ٣١ مليون زجاجة، ما كلف الشركة أكثر من ١٠٠ مليون دولار.40

يبدو أن المستهلك يستجيب للأدلة الواضحة التي تُفيد بأن السعر لا يتوقف على الجشع وحده، وأن الشركة تُعنى بصالح عملائها. ولما كانت جونسون آند جونسون مستعدة لخسارة أرباحها لمصلحة العميل، فقد اكتسب المستهلكون ثقة في نزوع الشركة إلى فعل الخير. نتيجة لذلك، فرغم أن الصحافة كثيرًا ما تتشكك على صفحاتها في عدالة أسعار شركات المنتجات الدوائية الأخرى، كان من الواضح غياب جونسون آند جونسون من أخبار تلك الصحف.

إلا أن شركة مايكروسوفت تغلَّبت على جونسون آند جونسون في مُعامل السمعة السنوي هذا العام.41 كانت هوامش أرباح مايكروسوفت تُعتبر في الماضي جائرة؛ مما أثار الجدل حول عدالة أسعارها، لكن سخاء مؤسسة جيتس أبدى أن الشركة غير مدفوعة بدافع الجشع، وعلى إثر ذلك، لمعت سمعة جونسون آند جونسون.
أثبت الباحثون أن السمعة الطيبة تجابه مفعول الشكوك في عدالة الأسعار؛ فعندما تُعرَف الشركة بعدالتها، فإن المستهلكين يظنون فيها خيرًا حين تزيد من أسعارها.42 من ناحية أخرى، العكس صحيح أيضًا. تشير الأدلة من استطلاع مُعامل السمعة السنوي إلى أنه عندما يظن المستهلك أن أسعار إحدى الشركات جائرة، فإن سمعة الشركة تتأثر. على سبيل المثال: هناك ثلاث شركات نفط تفرض أسعارًا باهظة، وتجني أرباحًا كبيرة، هي من بين أدنى ١٠ شركات من حيث السمعة.

إلا أن السمعة ليس قوامها السعر المنخفض فحسب. في استطلاع معامل السمعة السنوي احتلت ستاربكس، بأسعارها العالية، المركز اﻟ ٢٨ من حيث السمعة، بينما احتلت وول مارت، بأسعارها المنخفضة، المركز اﻟ ٤٠. احتلت وول مارت هذه المرتبة المتدنية رغم حملة العلاقات العامة الضخمة التي أطلقتها. وهذا درس للشركات الأخرى؛ فهي تستوعب الآن أن الأفعال — كالذي قامت به جونسون آند جونسون ومايكروسوفت — أسبق على الأقوال.

وبوجه خاص، تبدي شركات أدوية مثل نوفارتس من خلال أفعالها أنها تتحمل مسئوليتها تجاه المجتمع جيدًا، فقد دشنت برامج لإتاحة العلاج لمن يحتاجونه ولا يقدرون على دفع ثمنه، كما توفر علاج مرضى السل والجذام بالمجان للعالم النامي.43
والأدلة على أن برامج شركات الأدوية لها مفعول إيجابي، تتجلى في الذيوع العظيم لسمعة شركة ميرك بين عامي ٢٠٠٥ و٢٠٠٦؛ ففي استطلاع معامل السمعة السنوي ارتفع تصنيف الشركة من المركز اﻟ ٤٥ إلى المركز اﻟ ٣٩. ويعكس هذا الارتقاء مساهمة شركة ميرك بمبلغ ٥٤٠ مليون دولار في ٢٠٠٤ في برامج مساعدة المرضى غير القادرين، ما يجعلها أكبر ثاني مساهم في الأعمال الخيرية، بعد مؤسسة جيتس مباشرة.44

بالإضافة إلى الأعمال الخيرية، ينبغي للشركات أن تبدي بجلاء أنها تخضع لمعايير التسعير الاجتماعية، وينبغي لها أن تضفي الشفافية على سياساتها التسعيرية، كما يتوجب عليها أن تشرح متى يصبح من غير الممكن تجنب زيادة الأسعار بسبب ظروف خارجية. كذلك ينبغي لها تدريب ممثلي خدمة العملاء لديها على تقديم الأسباب وراء الزيادات السعرية، وعلى عرض القيمة التي يحصل عليها العملاء مقابل ما يدفعون، وينبغي للشركات أن تُطلع موظفيها على المستجدات.

مثال على ذلك، لديَّ صديقة في بورنيو تدير فندقًا صغيرًا، عندما يريد أن يرفع الأسعار، فإنه يعقد اجتماعًا مع طاقم العاملين بالكامل ليناقش معهم الزيادات السعرية المقترحة؛ ومن ثَمَّ، يستوعب كل شخص الأسباب وراء الزيادة، وبوسعه عرض السعر الجديد على العملاء بثقة، فالمؤسسة كلها فخورة بأسعارها.

موجز الفصل

استراتيجيات التسعير الأساسية هي التسعير القائم على العُرف، والتسعير القائم على المنافسة، والتسعير القائم على التكلفة، والتسعير بناءً على المستهلك. يظن المستهلك أن كلًّا من التسعير القائم على العُرف، والتسعير القائم على المنافسة، عادلان على المستوى الشخصي. كما يظن أن التسعير القائم على العُرف عادل؛ لأنه يتبع المعايير الوصفية والتي ترسخت بصفتها عرفًا، ويقبل التسعير القائم على المنافسة بوصفه عادلًا؛ لأنه ينجم عنه أقل سعر ممكن، لكنه يحكم على التسعير القائم على التكلفة والتسعير بناءً على المستهلك، بوصفهما إما عادلَين على المستوى الاجتماعي، أو جائرَين على المستوى الاجتماعي، حسب الظروف.

إن اتبع البائع المعايير الاجتماعية فالسعر عادل. فمن العادل فرض السعر الطبيعي وجني الربح الطبيعي، لكن من الجائر أن تكون جشعًا. من العادل أن تُجري مقايضة منصفة، لكن من الجائر أن تستغل المستهلك.

إن انتهكت الشركات المعايير الاجتماعية، فسيرى المستهلك أن ثمة خطأ في السعر، ولن يدفعه، وربما يقاطع الشركة، ويرفع راية العصيان عليها، وهذا هو السعر الذي تدفعه الشركات مقابل التسعير الجائر.

تعريفات

التسعير القائم على المنافسة: تحديد السعر بناءً على أسعار المنافسين (يُطلق عليه أيضًا التسعير القائم على السوق).
التسعير القائم على التكلفة: تحديد السعر بناءً على التكاليف مع هامش الربح (يُطلق عليه كذلك التسعير بالمرابحة).
التسعير بناءً على المستهلك: تحديد السعر بناءً على المبلغ الذي يكون المستهلك مستعدًّا لدفعه (يُطلق عليه أيضًا التسعير القائم على الطلب، أو التسعير القائم على القيمة، أو التسعير الديناميكي، أو التسعير المتغير).
التسعير القائم على العُرف: تحديد السعر بناءً على التقاليد المتبعة في القطاع الذي تنتمي إليه.
لعنة الرابح: عندما يضطر المزايد الرابح بالمزاد إلى دفع مبلغ يزيد على المبلغ الذي كان أي مزايد آخر مستعدًّا لدفعه.
التسعير الوقائي: عندما يُبقي البائع على السعر نفسه رغم الاختلافات الطفيفة في التكلفة.
تسعير البوفيه: عندما يفرض البائع سعرًا ثابتًا مقابل الاستخدام غير المحدود للمنتج.
العروض المجمَّعة: عندما يشتمل السعر على أكثر من سلعة واحدة.
الفصل: حين تُباع السلع — التي كانت تُباع معًا في حزمة سعرية واحدة سابقًا — منفصلةً.

كيف إذن يُفترض للشركات تطبيق التسعير العادل؟

«بعدم انتهاك المعايير الاجتماعية للتسعير العادل!»

  • (١)

    ينبغي للسعر أن يظل مستقرًّا نسبيًّا مع مرور الزمن.

  • (٢)

    ينبغي تحديد السعر وفق التقاليد المتبعة في القطاع.

  • (٣)

    ينبغي أن يُحدد السعر وفقًا لقوًى خارجية غير قابلة للتحكم فيها.

  • (٤)

    ينبغي للسعر أن يعكس القيمة الحقيقية للسلعة.

  • (٥)

    ينبغي أن يتحدد السعر بطرق حيادية غير متحيزة.

  • (٦)

    ينبغي تحصيل السعر نفسه من الجميع، لكن ينبغي تعديله لمصلحة المحتاجين.

  • (٧)

    ينبغي أن تتسم طريقة تحديد الأسعار بالشفافية.

  • (٨)

    ينبغي أن يكون للمستهلك رأي في تحديد السعر.

  • (٩)

    ينبغي أن يتوقف السعر على تكلفة التوريدات والعمالة، إضافة إلى هامش ربح معقول.

  • (١٠)

    ينبغي أن يضاهي السعر أسعار المنافسين، أو يقل عنها، فيتفوق عليها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤