الفصل السابع

النتائج

ينبغي أن تحصل على ما يكافئ ما تدفع!
عندما وصفت هيلاري رودهام كلينتون مبلغ ١٫٧ مليون دولار بأنه «ثمن عادل» مقابل منزلها الجديد، كانت حينها تشير إلى عدالة الحصول على ما يكافئ ما تدفعه.1 مقابل مبلغ ١٫٧ مليون دولار، حصلت على منزل مبني منذ مائة عام على الطراز الكولونيالي الهولندي على مساحة ٤٨٣ مترًا مربعًا، ويضم ٧ حجرات نوم، ويقع على بعد حوالي ٣٥ ميلًا من مدينة نيويورك. كان مبلغ ١٫٧ مليون دولار عادلًا لأن المقابل كان منصفًا؛ فما حصلت عليه كافأ ما دفعته.
وعندما كتب مراسل صحيفة «مونتِري هيرالد» أنه «فيما مضى كانت تُطَبَّق قاعدة «أول القادمين أول المخدومين» على رواد الحفلات الموسيقية في حصولهم على التذاكر، فيتمتع الجميع بفرصة عادلة للحصول على التذاكر بسعر ثابت»،2 كان يقصد بذلك العدالة التي يكتنفها فعل دفع الجميع للمبلغ ذاته. وكان هذا عادلًا بسبب الإنصاف؛ فالجميع أُتيحَت لهم فرص متكافئة للحصول على التذاكر بالسعر نفسه.
عندما انشغل البرلمانيون الإنجليز بمسألة أن تكون كلفة العون القانوني «عادلة للمستضعفين»،3 كانوا يفكرون في توفير امتيازات سعرية خاصة للفقراء. من العادل ضبط السعر ليلائم الفقراء، فللمحرومين الحق في الحصول على السلع الضرورية ليقيموا أَوَدَهم حتى إن لم يكن بمقدورهم شراؤها.
جدول ٧-١: الأسعار العادلة شخصيًّا مقابل الأسعار العادلة اجتماعيًّا.
الأسعار العادلة على المستوى الشخصي الأسعار العادلة على المستوى الاجتماعي
كيف يعي المرء أن السعر عادل له شخصيًّا؟ كيف يحكم المرء على أن السعر عادل للمجتمع عمومًا؟
التقيد بالمعايير الوصفية للأسعار وممارسات التسعير: التقيد بالمعايير الوصفية للأسعار وممارسات التسعير:
• أن يكون السعر مكافئًا للسعر المتوقع أو أقل منه. • الإنصاف: أن يعكس السعر قيمة المنتج.
• أن يتفق السعر وممارسات التسعير المتوقعة. • العدالة: أن يكون السعر متساويًا للجميع.
• الحاجة: أن يُعدَّل السعر لصالح الأفراد الأقل دخلًا.
ما قصده كلٌّ من هيلاري والصحافي والبرلمانيين، أن نتيجة السعر تكون عادلةً اجتماعيًّا إذا كان المقابل منصفًا، والنتيجة متكافئة بالنسبة للجميع، لكن ينبغي أن يُعدَّل السعر من أجل الفقراء؛ فالإنصاف والتكافؤ والحاجة هي المعايير التقادمية الثلاثة للعدالة التوزيعية،4 التي هي أساس الحكم على العدالة الاجتماعية للنتائج. رغم أن العلماء الاجتماعيين حددوا نظريًّا معايير هذه النتائج، فقد ثبت عمليًّا أنها المقاييس نفسها التي يستخدمها الجميع عند تقييم العدالة.5
تقوم العدالة الاجتماعية للنتائج على السعر الذي يراه المجتمع عمومًا «عادلًا»، أي العادل اجتماعيًّا، في مقابل السعر أو الممارسة التسعيرية التي يتوقعها الأفراد. (انظر الجدول ٧-١ للمقارنة بين عدالة الأسعار الشخصية والاجتماعية.)

بافتراض أن العملاء يريدون بالفعل منتجًا من المنتجات، فإذا كان السعر جائرًا على المستوى الشخصي يبدأ قلقهم بشأن العدالة الاجتماعية، فحينها يسأل الناس أنفسهم إذا كان السعر مبررًا.

عندما يكون السعر جائرًا على المستوى الشخصي، سيكون من المفيد حينها إعطاء العميل سببًا وجيهًا لذلك.6 إذا كان بوسع الشركة تقديم تفسير، سيقبل الناس بسعر جائر على المستوى الشخصي بوصفه عادلًا اجتماعيًّا؛ وعليه، نصح الباحثون الشركات بأنها ينبغي أن تعطي دومًا سببًا، لا سيما للإجراءات السلبية مثل زيادة السعر،7 لكن يجب أن يكون السبب وجيهًا. «قد يُعتَبَر التبرير غير الوافي أكثر جورًا من عدم تقديم سبب على الإطلاق.»8
السبب الوجيه قد يكون عذرًا أو تبريرًا، والعذر الوجيه هو الذي يوضح أنه لم تُتَحْ أي نتيجة أخرى.9 «لم يكن أمامنا سوى هذا الخيار؛ كانت أيدينا مغلولة.»
والتبرير الشرعي هو ذلك الذي يتحلى بالمقبولية الاجتماعية. في دراسة تناولت الاستجابة لطلبات التقدم أدوارًا في طابور منتظر، كانت المحصلة أن «الامتثال لطلب التقدم يزيد عندما يصحب الطلب تبرير مقبول اجتماعيًّا.»10 كي يكون التبرير مشروعًا، يجب أن يتفق الإجراء المتخذ والمعايير الاجتماعية.11 وفي حالة نتائج السعر، كما هو الحال مع النتائج عمومًا، فإن المعايير هي الإنصاف والعدالة والحاجة.

معيار الإنصاف

حسب معيار الإنصاف الاجتماعي، ينبغي أن يتفق السعر و«قيمة» المنتج. كما هو واضح لن تُجري عملية الشراء إن لم ترَ أنك تحصل على ما يستحق ما تدفع، لكن إلى جانب المعيار الاجتماعي، ثمة عنصر انفعالي: ينبغي لك أن تحصل على مقابل لما تدفع، فهذا ما يُعتبر عادلًا!

لكن كيف لنا أن نقرر قيمة شيء من الأشياء؟

إن تحديد القيمة مسألة عسيرة؛ لأن أحكام الناس على القيمة متقلبة وعرضة للانحياز بسهولة، ويتضح تقلب الأحكام المصدرة على القيمة في سلسلة من الدراسات بالغة الإثارة للاهتمام، أجراها ثلاثة باحثين يسدون الفجوة بين فروع الاقتصاد وعلم النفس وعلم الاجتماع، وهم: دان آريالي، وجورج لوينستاين، ودرازن بريليك.12

عرض هؤلاء الباحثون على الأفراد الخاضعين للدراسة مجموعة من المنتجات، وسألوهم أولًا إن كانوا سيشترون المنتجات مقابل سعر حُدد اعتباطيًّا؛ إذ استخدموا آخر عددين من رقم الضمان الاجتماعي الخاص بكل شخص من الخاضعين للدراسة، أيًّا كان هذان العددان، ثم سألهم الباحثون عن أقصى سعر سيدفعونه مقابل كلِّ منتَج.

عندما عُرض عليهم سعر بيع مرتفع في البداية، قال أفراد الدراسة إنهم سيدفعون ما يقارب ضعف ما سيدفعه مَنْ عُرض عليهم سعر بيع منخفض في البداية. تأثر تقييم الأفراد بشكل واضح لقيمة المنتج بالسعر الأول الذي طُرح عليهم، حتى إذا كان السعر الأول عشوائيًّا.

وفي دراسة لاحقة، أظهر الباحثون أنه يمكن تغيير تفكير الناس تمامًا إلى الرأي المقابل، فمن التفكير في أنه ينبغي لهم الدفع مقابل شيءٍ، إلى التفكير أنه ينبغي لهم الحصول على مقابلٍ إزاءه؛ حيث سأل الباحثون مجموعة من الأفراد الخاضعين للدراسة: إنْ كان كلٌّ منهم سيدفع ١٠ دولارات كي يقرأ أحدهم له مجموعة والت ويتمان الشعرية «أوراق العشب» لمدة ١٠ دقائق، ثم سأل الباحثون مجموعة أخرى إنْ كانوا سيستمعون إلى قراءة شعرية لمدة ١٠ دقائق إن حصل كل فرد منهم على ١٠ دولارات. بعد ذلك، سأل الباحثون كلتا المجموعتين أن تحدد سعرًا لقراءة أقصر تستمر لثلاث دقائق.

تأثرت إجابات كلتا المجموعتين بما إذا كانت قد سُئلت في البداية عن مقدار ما ستدفع مقابل القراءة أو مقدار ما ستطلب مقابلها. المجموعة التي طُلب منها في البداية أن تدفع، لم تقترح سوى أسعار أقل؛ لأن القراءة ستستغرق ٣ دقائق فحسب لا ١٠. أما المجموعة التي سُئلت عن المبلغ الذي ستحصل عليه مقابل القراءة لها، فاقترحت أسعارًا أقل مقابل وقت القراءة الأقل. وهكذا، فحتى القيمة الموجبة أو السالبة للسلعة تعتمد على الطريقة التي صيغ بها السؤال، فما يُدفع المال مقابله في بعض المواقف يمكن الحصول على مال مقابله في مواقف أخرى.

وكما يوضح الباحثون، هذا بالضبط ما فعله توم سوير (شخصية في رواية «مغامرات توم سوير» للأديب مارك توين) عندما استمال الفتية إلى دفع نقود مقابل أن يَطْلُوا السور الذي عهدت إليه الخالة بولي بطلائه. ويتجسد مثال آخر في اعتياد أعضاء المجالس الاستشارية بالجامعات الأمريكية على التبرع للكليات التي تخرجوا فيها؛ لكن في بلدان أخرى، على الجامعات أن تدفع للخريجين للعمل لديها. في بلدة في نيوزيلندا تطل على البحر قمت بزيارتها، يحصل ساعي البريد على مبلغ مقابل خدمة توصيل البريد إلى المناطق الريفية، لكنه كان يحصِّل مبالغ من السياح مقابل توصيلهم في طريقه بعربته.

لا تتسم الأحكام المصدرة على القيمة بالتقلب فحسب، بل بالتفاوت أيضًا. فكما يجري المثل: «الناس فيما يعشقون مذاهب»، كذلك القيمة في ذهن المستهلك، وهذا يصعِّب من تحديد العدالة بِناءً على تكافؤ المقابل، فمن يعطون قيمة كبيرة للمنتج سيجدون السعر عادلًا، أما من يولونه قيمة أقل فسيجدون نفس السعر جائرًا.

أتذكَّر عندما كنت أعيش في جبال كولورادو، واضطررت لشراء سيارة؛ فالعواصف الثلجية هناك يمكن أن تكون مروِّعة. عندما توجهت إلى تاجر السيارات وشاهدت شاحنة خفيفة مفتوحة رباعية الدفع ذات عجلات ضخمة، لم أتمالك نفسي من الإعجاب بها، وأدركت أن تلك الإطارات ستسير بالشاحنة عبر أي عاصفة. كنت على استعداد لدفع أي مبلغ مقابل الحصول على هذه الشاحنة؛ فقد كانت قيمتها لي أكبر بكثير من قيمتها لدى شخص يعيش في ميامي، فهل كان من العدل أن أدفع زيادة على ثمنها؟ بالتأكيد!

تتأثر كذلك تقديرات القيمة بالمعايير الاجتماعية التي تحكم الثقافة السائدة. في الاتحاد السوفييتي المتفكك، كانت أتعاب الطبيب أقل من أتعاب السباك؛ قيل لي إن السبب أن الأطباء كانوا يفعلون ما يريدون فعله أما السباكين فلا! في تلك الثقافة كان المعيار الاجتماعي يقضي بأن يحصل السباكون على أتعاب أعلى.

تنال الخدمات في ألمانيا عمومًا قيمة أعلى منها في الولايات المتحدة. عندما كنت أعيش في ألمانيا، دُهشت من التكلفة المرتفعة لتصفيف الشعر والتنظيف الجاف ومعالجة الصور؛ فالعمال في الثقافة الألمانية يتمتعون بتقدير كبير.

وكذا تتأثر حسابات القيمة بمختلف العوامل المستخدمة كأساس للحساب. والفنادق مثال دالٌّ على ذلك: تعتقد سلسلة فنادق «موتيل ٦» على الطرق السريعة أنه من العادل تحصيل مبلغ من الشخصين النازلين بغرفة واحدة يزيد على المبلغ المحصَّل من فرد واحد؛ لأن نزيلي الفندق يحصلان على ضعف المنافع التي يحصل عليها النزيل المنفرد. يرى أحد الفنادق التي أقمت فيها على شاطئ البحر أنه من العادل أن يدفع النزلاء أكثر مقابل الإقامة في حجرات تطل على المحيط. في ألمانيا، يظن أحد ملَّاك الفنادق المبتكِرين أنه من العادل تحصيل مبالغ أكبر من ممتلئي الأجسام لأنهم يشغلون حيزًا أكبر، وجعل أساس تسعير حجرات فندقه وزن العميل: ٠٫٦٤ دولار للكيلو جرام (٢٫٢ رطل).13

يتجسد مثال آخر في اختلاف أسس تحديد القيمة في كيفية تحديد الأطباء اليوم أتعابهم مقارنةً بالكيفية التي كان أحد أسلافي — وكان طبيبًا في أولد سالم — يحددها بها. كان المرضى في مطلع القرن التاسع عشر لا يدفعون للطبيب أتعابه إلا إذا شفاهم. كانت القيمة معتمدة على نجاة المريض، فإذا قضى المريض نحبه — كما حدث لبعضٍ من مرضى سَلَفي جرَّاء علاجاته البدائية — لا يضطر ورثته إلى دفع مقابل العلاج.

أما اليوم، فعلى المرضى بعيادة طبيبي دفع أتعاب حتى إن فوَّتوا ميعاد الطبيب أو تأخروا في الاتصال للاعتذار؛ فالقيمة معتمدة على وقت طبيبي.

إلى جانب النظر إلى الإنصاف باعتباره مكافئًا للقيمة والسعر، يمكن أيضًا النظر إليه كمقارنة بين مدخلات ومخرجات المشتري في مقابل مدخلات ومخرجات البائع. ولكي يأخذ المشتري هذه المقارنة بعين الاعتبار لا أكثر، ينبغي له أن ينشغل قليلًا بمصلحة البائع، ولا عجب أن الأبحاث تشير إلى أن هذا لا ينطبق على المعاملة بين التاجر والمستهلك.14
المشترون في سوق اليوم هم السادة. إنهم يطلبون نتائج أفضل مما يحصل البائعون عليه.15 يعتقد المشترون أن «النتائج التي يخرج بها البائعون لا تمتُّ بصلة إلى العدالة»،16 فيبدو أن مسألة الإنصاف بين البائع والمشتري ليست ذات بالٍ، طالما يحصل المشتري على أكثر مما يدفع مقابله، فلا تصبح هذه المسألة شغلًا شاغلًا إلا عندما يقل ما يحصل عليه المشتري — كما هو الحال مع شركات المنتجات النفطية — حيث يصبح التعادل مع البائع مشكلة. في أغلب الحالات يُبدي المشترون انحيازًا للمصلحة الذاتية، ويظنون أنه من العادل أن يحصلوا على قدر ما يحصل عليه البائع، أو يُفضلون الحصول على أكثر منه، فهذا يُعتبر منصفًا.

ثمة مثال آخر على مؤسسة بذلت جهدًا كي تكون منصفةً، يتمثل في حالة جامعة كولورادو في بولدر. تحصِّل الجامعة مبالغ مختلفة مقابل تصاريح ركن السيارات، حسب المسافة التي يضطر عضو هيئة التدريس إلى قطعها سيرًا، من باحة الانتظار إلى مكتبه. لباحة الانتظار قيمة أعلى لدى من يقطعون مسافة سير أقصر؛ ومن ثَمَّ فمن المنصف تغريمهم رسومًا أعلى.

وفي مثال آخر على الإنصاف: لا تكتفي شركة جيت بلو بتنويع الأسعار وحدها بل المنتج أيضًا. تتيح الشركة للركاب في مؤخرة الطائرة مساحة أكبر للقدمين عن التي يحصل عليها ركاب المقدمة، ومنطق الشركة هو أن هذا لتعويض سرعة الخدمة التي يحصل عليها ركاب المقدمة، وسرعة خروجهم من الطائرة. وهكذا تظل المقايضة منصفة.

معيار التكافؤ

إذا كانت المقايضة منصفةً، فإنها تُعتَبر عادلةً طالما أنها تستوفي معيار التكافؤ.17 يقوم هذا المعيار الاجتماعي على الاعتقاد الأمريكي القائل بأن «جميع البشر سواسية»، وينبغي لهم أن يُعامَلوا بمساواة، وينبغي لهم جميعًا أن يدفعوا السعر نفسه.
التكافؤ أساس فكرة الفيلسوف جون رولز عن العدالة التي تتحقق عندما تُوزع الحصص خلف «ستار من الجهالة»،18 وفكرته هي أنه إن لم نعلم المركز الذي سنناله في المجتمع في المستقبل، فسنوزِّع كل السلع بالتساوي. التكافؤ هو أيضًا أساس فكرة عالم الاقتصاد هال فريان «التوزيع المنزَّه عن الحسد»؛ حيث إن التوزيع العادل هو التقسيم الذي لا يفضِّل بمقتضاه المرء حزمة السلع التي يحصل عليها غيره.19

يتأثر كثيرًا كلٌّ من معياري الإنصاف والتكافؤ في أسعار البيع للمستهلك، بالانحياز إلى العدالة التي تحقق المصلحة الذاتية، الذي ذكرناه آنفًا. كلنا نميل إلى قبول معاملة غير منصفة إن كانت في مصلحتنا، لكن عندما نضطر إلى الدفع أكثر مما يدفع الآخرون، تثور ثورتنا.

فعلى سبيل المثال: تشير أبحاث حديثة إلى أنه كثيرًا ما تزداد احتمالات اعتراض المستهلك على زيادة في السعر عندما يعرف أن غيره يدفع أقل،20 وخلُص الباحثون إلى أن «تبعات اكتشاف أن عميلًا آخر توصَّل إلى صفقة أكثر ربحًا، له أثر على رضا المستهلك، أكبر كثيرًا من الآثار المباشرة للصفقة التي حصل عليها المشاركون أنفسهم.»21

تناولت الدراسات باستفاضة العدالة النسبية في الإدارة فيما يتعلق بالرواتب، فمبلغ الراتب على قدر كبير من الأهمية، لا من حيث العائد النقدي فحسب، وإنما أيضًا من حيث المكانة الاجتماعية، فحصول المرء على راتب أعلى من غيره دلالة على التفوق. لكن في المقابل، الأهمية الرمزية لحصول مشترٍ على سعر أفضل من مشترٍ غيره، لن تُشبع غروره بدرجة عظيمة، إلا أن المشترين لا يزالون أحيانًا يزِنون عدالة ما يدفعون بما يدفعه غيرهم.

نرى أنه من الجائر أن نضطر إلى الدفع أكثر من الآخرين. نرى أنه من الجائر أن نضطر إلى دفع ضعف ما يدفعه الكنديون مقابل العقاقير الطبية، وضعف ما يدفعه الأوروبيون مقابل الكتب المقررة،22 فدفع مبلغ أكبر ينتهك مصلحتنا الذاتية ومعيار التكافؤ لدينا.

ورغم أن معيار التكافؤ يتأثر تأثرًا كبيرًا بالمصلحة الذاتية، فإن مفعول المعيار على السلوك يتجاوز تأثير المصلحة الذاتية عليه. أظهر الباحثون أن تأثير معيار التكافؤ باستخدام نسخة معدَّلة من «ألعاب الدكتاتور»، وتتكون اللعبة من دكتاتور ومتفاعل، حيث ينفصل الاثنان، ولا يُسمح لهما بالحديث معًا. لكنْ كلاهما يعلم أن الدكتاتور أُعطي مبلغًا معينًا من المال — ١٠ دولارات على سبيل المثال — ليقسمه عليهما. في النسخة التقليدية من اللعبة، بإمكان المتفاعل إما قبول القسمة أو رفضها، فإن رفضها، لا يحصل أيهما على شيء.

في النسخة المعدَّلة من اللعبة، لا يملك المتفاعل خيارًا سوى قبول أي مبلغ يخصصه الدكتاتور له.23 لا يوجد أي وعيد بالعقاب؛ ومن ثَمَّ لا سبب يثني الدكتاتور عن الاحتفاظ بالمبلغ كله لنفسه. لكنه لا يفعل هذا؛ فالدكتاتور يستمر في إعطاء المتفاعل جزءًا من المبلغ؛ فهو يحترم معيار التكافؤ.
في استعراض لنتائج هذه اللعبة، عبَّر بعض الباحثين عن قلقهم إزاء اتِّباع الدكتاتور للمعيار، لا لسببٍ إلا لأنه تحت المراقبة، وليس لأنه عابئ حقًّا بالعدالة. ولاختبار هذا الاحتمال، نظَّم الباحثون لعبة لا يطَّلِع فيها مراقب التجربة على أفعال الأفراد المشاركين،24 ومجددًا اقتسم الدكتاتور جزءًا من المبلغ مع المتفاعل؛ فالمرء يلتزم بمعيار التكافؤ الاجتماعي حتى عندما لا يوجد رقيب.
ورغم أن تكافؤ النتائج معيار اجتماعي أمريكي يُسترشد به، فلا نزال نشدد أكثر على تكافؤ الفرص، حتى إن تسبَّب في عدم تكافؤ النتائج. وحسبما كتب عالم الاجتماع إدوارد سامبسون: «إن جوهر مبدئنا الغربي الحديث، القائم على نظام حُكم الكفاءات، أن جميع الأشخاص جديرون بفرصة متكافئة لاستغلال طاقاتهم ومواهبهم من أجل تحقيق كل صور التفاوت الممكنة في النتائج المتعلقة بالثروة والمكانة الاجتماعية.»25

وبتطبيق هذا المبدأ على الأسعار، فمن حق كل المستهلكين الحصول على السلع بشكل متكافئ بأقل سعر ممكن. إذا قدت سيارتي إلى بقعة بعيدة من البلدة كي أحصل على خصم ٢٠ في المائة، فمن العادل لي أن أحصل على سعر أقل من هؤلاء الذين لم يتكبَّدوا مشقة الانتقال مثلي، ففرصة التمتع بالخصم متاحة لهم كذلك. كلُّ ما في الأمر، أنني إذا كنت قد قطعت هذه المسافة ولم يقطعوها هم، يحق لي أن أدفع أقل.

لكن يُنتهك معيار تكافؤ الفرص عندما تفرض المحالُّ بوسط المدينة أسعارًا أعلى من أي مناطق أخرى، فكثير من سكان وسط المدينة الذين يرتادون تلك المحالَّ بانتظام، لا يُتاح لهم سبيل للذهاب إلى متاجرَ أخرى،26 فلا يمكنهم حمل كميات ضخمة من السلع المخفضة من متجر سامز كلوب إلى منازلهم، مستقلين المواصلات العامة؛ ففي هذه الحالات، يستغل تجار التجزئة الأشخاص الذين يحتاجون إلى سلعهم.

معايير خاصة للحاجة

دعا عالم النفس الاجتماعي مورتن دويتش إلى استخدام معايير متخصصة لاحتواء الأشخاص المحتاجين،27 فحسبما ذهب إليه دويتش، يسلِّم المجتمع بأن الأشخاص المحرومين مستحِقون لمعاملة خاصة لا يأخذها معيارا الإنصاف والتكافؤ في الاعتبار. وطبقًا لمعيار الحاجة، ينبغي توزيع النتائج بحيث يكون بوسع الجميع استيفاء متطلبات البقاء على الأقل.

في الولايات المتحدة، نلبي الحاجة البشرية إلى المواد الضرورية بكوبونات المعونات الغذائية المجانية، وملاجئ المشردين، وبرنامج ميديكير للرعاية الطبية للمسنِّين. توفر شركات الطيران أسعارًا خاصة للمسافرين عند وفاة أحد ذويهم. وشركات المستحضرات الدوائية توفر العقاقير دون مقابل أو بسعر مخفض إلى الفقراء. ونحن كبلد نثور عندما تتباطأ الحكومة في تقديم سبل الغوث إلى ضحايا الكوارث؛ مثل إعصار كاترينا.

إننا نعترض عندما يضطر المرضى غير المشمولين في مظلة التأمين الصحي إلى دعم المرضى أصحاب التأمين الصحي. توصلت دراسة أجرتها شركة بريميرا بلو كروس إلى أن «المستشفيات في ولاية واشنطن حصَّلت مبلغًا إضافيًّا قدره ٧٣٨ مليون دولار — أو ١٤٫٣ في المائة من عائداتها — من المنتفعين من خدماتها غير المؤمَّن عليهم؛ لتغطية المبالغ غير المحصَّلة من المنتفعين من برنامج ميديكير للرعاية الطبية للمسنين، وبرنامج ميديكيد للرعاية الصحية لمحدودي الدخل.»28 رفع النائب العام عن ولاية ويسكونسن شكوى بحق مستشفيين لممارستهما الجائرة بتغريم المرضى غير المؤمَّن عليهم مبالغ إضافية.29
نرفع صوتنا بالاعتراض عندما تحصِّل شركة التأمين مبالغ أكبر من الأسر ذات التقييم الائتماني الأقل، ونفكر في وضع قواعد منظمة للحد من الكلفة العالية للقروض الصغيرة قصيرة الأجل التي يحصل عليها العمال محدودو الدخل. وحسب إحصاءات مركز الإقراض المسئول، يمكن أن تبلغ الرسوم السنوية على هذه القروض ما بين ٣٠٠ في المائة إلى ١٠٠٠ في المائة.30

إلا أنه يصعب تحديد الشخص المحتاج. يقوم التحديد ذاته على معايير اجتماعية، وطبقًا للأرقام الصادرة عن الحكومة الأمريكية، فإن عتبة الفقر لأسرة مكونة من أربعة أفراد تبلغ ٢٠٤٤٤ دولارًا. لكن الدراسات التي أجرتها جامعة هارفرد ترى أن أي أسرة يقل دخلها عن ٦٠٠٠٠ دولار أسرة محتاجة؛ ومن ثَمَّ من حقها الإعفاء من رسوم الدراسة.

وفي المقابل، يُعامَل كبار السن كمحتاجين رغم أن نسبة المسنين الذين يعيشون تحت خط الفقر انخفضت من حوالي ٣٥ في المائة في عام ١٩٥٩ إلى ١٠ في المائة في عام ٢٠٠٤.31 مع ذلك، لا يزال كبار السن يحصلون على خصومات بالمزارات الترفيهية ووسائل النقل، فهذا هو المعيار الاجتماعي السائد.

تضارب المعايير

على رأس صعوبات تحديد معايير التكافؤ والمساواة والحاجة، تظهر معضلة كبرى عندما تتضارب هذه المعايير؛ فعلى سبيل المثال: كيف تحصِّل مبلغًا أقل من شخص محتاج، وتستمر في معاملة الجميع بالتساوي؟ كيف يمكنك أن تعامل الجميع بالمثل مع منح البعض خصومات؟ يود الناس حصول الجميع على أسعار منخفضة لكنهم يريدون مساومات خاصة لهم وحدهم؛ يريد المستهلك «أسعارًا منخفضة يسيرة» وكذلك صفقات خاصة.32
كان على شركة جنينتك للأدوية مجابهة هذه المعايير المتضاربة، فهي تدافع عن التكلفة المحتملة لعقارها المعالج للسرطان أفاستين، والبالغة ١٠٠٠٠٠ دولار سنويًّا بقولها إن السعر منصف؛ فهو يعكس قيمة قدرة العقار على إنقاذ حياة المريض.33 لكن الأطباء قلقون من أن السعر يعني أن بعض المرضى لن يتمكنوا من شرائه. حتى مع المظلة التأمينية، سينفق المريض من جيبه ما بين ١٠٠٠٠ دولار إلى ٢٠٠٠٠ دولار، ويطلق المعلقون على هذا «مغالاة في التسعير.»34

ترد شركة جنينتك بالاستشهاد ببرامجها لمساعدة المرضى المحتاجين كي يشتروا العقار، بما فيها تبرعها بحوالي ٢١ مليون دولار إلى الجمعيات الخيرية التي تساعد المرضى على سداد المبلغ المتبقي بعد التغطية التأمينية، وتزعم الشركة أن سعرها عادل؛ لأنه ينقذ حيوات المرضى، ولأنها تقدِّم المساعدة للمحتاجين. لكن الجمهور لا يقبل ذلك؛ إذ يشعر بأن الشركة ربما تلتزم بمعيار الإنصاف في أن عقار أفاستين ينقذ حياة المرضى، لكنها لا تنفك تنتهك معيار الحاجة، وهذا تضارب في المعايير، وهنا مكمن المشكلة.

ثبات الكلفة في مقابل تفاوتها مثال آخر على تضارب المعايير؛ فالرسم الثابت عادل لأنه متساوٍ للجميع، أما الرسم المتفاوت فعادل لأنه منصف؛ إذ يعكس الاستخدام الفعلي. ويمكن أن يؤدي هذا التضارب إلى صدامات كبرى، فكما ذكرنا في الفصل الأول، اندلعت أعمال الشغب في جنوب أفريقيا لأن أعضاء جالية مختلطة العرق كانوا يدفعون مقابل الكهرباء بناءً على الاستخدام، في حين كان غيرهم يدفع رسمًا ثابتًا.35 الجالية المختلطة الأعراق شعرت أن الآخرين يحصلون على معاملة تفضيلية بنحو جائر؛ وعليه، اندلعت شرارة أعمال الشغب، وقُتل فيها أربعة أشخاص.
يطلعنا علماء الاجتماع على أن اختيار المعيار المزمع اتباعه يعتمد على الأهداف الاجتماعية للموقف المعني.36 إذا كان الهدف هو الرفاهة الاجتماعية، فستكون الحاجة هي المعيار المهيمن لمساعدة المحرومين. ولهذا السبب غالبًا ما يجري تعديل مصاريف الجامعات بناءً على حاجة الطلاب المالية. وإذا كان الهدف هو الحفاظ على العلاقات التعاونية، فسيهيمن معيار التكافؤ بحيث يُعامَل الجميع على حد سواء؛ ولذا تعرض شركة ساترن (التابعة لجنرال موتورز) سعرًا لا يقبل المساومة. وإذا كان الهدف هو تعزيز الإنتاجية الاقتصادية، فسيهيمن الإنصاف بحيث يُكافأ الناس حسب إسهامهم. ولهذا السبب يتحدد سعر أغلب السيارات — باستثناء سيارات ساترن — من خلال مهارة المشتري في المساومة.

موجز الفصل

إن انتهى المستهلكون إلى أن معايير العدالة التوزيعية قد جرى استيفاؤها، فسيعتبرون السعر عادلًا اجتماعيًّا. ربما لا يعجبهم السعر، أو ربما يكون في نفوسهم شيء من السخط والضيق، وربما يظنون أنه جائر على المستوى الشخصي، لكنهم سيعتبرونه عادلًا اجتماعيًّا إذا رأوه منصفًا وموحَّدًا على الجميع، إضافة إلى تعديله من أجل المحتاجين.

لكن تحديد إن كانت نتيجة السعر عادلة اجتماعيًّا أم لا ليس بالأمر اليسير؛ إذ يصعب التوصل إلى ما يُعتبر منصفًا أو متكافئًا، ومتى ينبغي منح تنازلات نظرًا للحاجة؛ ولمن؟ رغم وضوح المفاهيم، فإن وضعها موضع التنفيذ ليس كذلك، ولا يوجد عامل واحد يضمن لمس المرء العدالة. نتيجة لذلك، كثيرًا ما لا يتيقن العملاء من استيفاء المعايير التقادمية للعدالة التوزيعية؛ وعليه، فغالبًا ما يكون الموقف ملتبسًا.

في المواقف التي يظن العملاء فيها أن معايير العدالة التوزيعية قد انتُهكت — سواء كان الانتهاك واضحًا وضوح الشمس أم ملتبسًا — سيجدون ما يدفعهم لتحري السبب. والكيفية التي يحدد بها العملاء الأسباب وراء الأحداث، لا سيما الأحداث السلبية، هي محور «نظرية العزو السببي»، وهي موضوع الفصل التالي.

تعريفات

معايير النتيجة: قواعد متفق عليها بالإجماع حول الشخص الذي ينبغي أن يتحمل مختلف التكاليف في مختلف المواقف.
القيمة: الاستحقاق المادي المحدد ذاتيًّا لسلعة أو خدمة، وتُقاس كميًّا بالسعر.
معيار التكافؤ: القاعدة القائلة بأن الجميع ينبغي أن يتحملوا المبلغ نفسه، فينبغي إتاحة فرص متساوية للجميع للحصول على أدنى سعر ممكن.
التوزيع المنزَّه عن الحسد: اقتسام المنافع، بحيث لا يشتهي أحدهم حزمة المنافع التي يحصل عليها غيره.
العدالة النسبية: حكم يركن إلى الكيفية التي يُعامَل بها الفرد مقارنة بالكيفية التي يُعامَل بها الآخرون.
لعبة الدكتاتور: منهج بحثي، يحصل فيه شخص على مبلغ من المال، بحيث يقتسمه مع شخص آخر؛ إذا رفض الشخص الآخر نصيبه المخصص له، لا يحصل أيهما على نصيبه.
الدكتاتور: طرف لعبة الدكتاتور الذي يحصل على المال، ويقرر توزيع الحصص.
المتفاعل: طرف لعبة الدكتاتور الذي يقرر قبول أو رفض الحصة التي يخصصها له الدكتاتور.
معيار الحاجة: القاعدة القائلة بأنه ينبغي إعطاء اعتبارات خاصة لمن هم أقل حظًّا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤