الفصل التاسع

السكان والأمراض

(١) شكوك حول مصادر الإحصاء الأفريقية

إن المتتبع لتقديرات المكتب الديموجرافي التابع للأمم المتحدة لسكان أفريقيا في سنوات مختلفة، يجد أن عدد السكان يتزايد بنسب كبيرة، ففي تقديرات ١٩٥٠ كان سكان القارة ٢٢٢ مليونًا، وفي تقديرات ١٩٦٤ ارتفع العدد إلى قرابة ٢٩٥ مليونًا، وفي تقديرات ١٩٧١ بلغ عدد السكان نحو من ٣٥٨ مليونًا من الأشخاص (انظر جداول ٩-٤، ٩-١).

ولا شك أن هذه التقديرات خاضعة لنِسَب من الخطأ قد تبلغ درجة كبيرة في بعض الحالات، ومن الأدلة التي تؤكد ارتفاع نسبة الخطأ أن عهد أفريقيا بالإحصاءات حديث، وأن تكنيك الإحصاء على مستوى أقل مما يُطمأن إليه، هذا بالإضافة إلى أن الكثير من الإحصاءات ليست سوى نتاج دراسات بالعينة — أي لا تشمل كافة السكان. وفضلًا عن ذلك فإن هناك احتمالات التحيز التي تظهر من خلال الولاء القبلي أو السياسي أو الديني، والتي قد تتدخل في عملية جمع البيانات من ناحية، أو في عملية نشر البيانات الإحصائية من ناحية أخرى.

وبناءً على ذلك فإنه يمكننا أن ننظر بعين الشك إلى أرقام دولةٍ كجنوب أفريقيا؛ حيث تسود العنصرية القحة وتتحكم في البيانات المنشورة، فضلًا عن تحكُّمها في كل شيء آخَر بالنسبة للسواد الأعظم من السكان الزنوج والزنجانيين، وكذلك يمكننا أن ننظر بارتياب إلى عدد سكان إثيوبيا، إما بالنقص أو بالزيادة؛ لأنه لم تُجْرَ في هذه الدولة إحصاءات على الأخلاق، والأرقام المذكورة ما هي إلا تقديرات لا يؤيِّدها دليل، وتمثِّل أرقام نيجيريا أيضًا مثارًا كبيرًا للجدل؛ فقد قفزت تقديراتها من ٣٥ مليونًا عام ١٩٦١ إلى ٥٥ مليونًا عام ١٩٦٣ — وهو أول إحصاء تقوم به نيجيريا المستقلة — وارتفعت التقديرات إلى ٦٢٫٥ مليونًا عام ١٩٦٨ (أرقام الكتاب السنوي الديموجرافي ١٩٦٩)، ثم هبطت التقديرات إلى ٥٦٫٥ مليونًا عام ١٩٧١ (أرقام الكتاب السنوي الديموجرافي ١٩٧١)، وربما كان تقدير سكان نيجيريا لعام ١٩٧١ أقرب إلى الصواب من التقديرات والإحصاءات السابقة، فلا الموارد الطبيعية ولا طرق وتكنيك الأنشطة الاقتصادية تسمح بكثافة سكانية عالية ولا ازدحام سكاني، بالقدر الذي تشير إليه أرقام الستينيات.

وإلى جانب ذلك فإن هناك قصورًا آخَر يعرِّض الكثير من أرقام السكان والإحصاءات الحيوية للشك؛ وذلك هو أن نسبة عالية من الأفريقيين عامة، وسكان المناطق المدارية خاصة، ليس عندهم وعي إحصائي، ومردُّ ذلك النقص يعود إلى عدة أسباب من أهمها:
  • (١)

    انخفاض نسبة التعليم وقلة الوعي الثقافي.

  • (٢)

    الخوف الناجم من فرض ضرائب على الرءوس أو على مصادر الثروة والدخل — وخاصة الماشية — وهذا الخوف يعود إلى عهود الحكم الاستعمارية التي كانت تفرض ضرائب الرءوس، أو التي كانت تصادر الماشية في حالات الثورة أو الإخلال بالأمن الداخلي نتيجة النزاعات الدائمة بين القبائل.

  • (٣)

    حركة التجوال المستمر للقبائل الرعوية الكثيرة في أفريقيا، تزيد من مصاعب القيام بالعمليات الإحصائية أو التقدير السكاني.

  • (٤)

    هجرات العمل من الريف إلى المدن ومراكز التعدين المدارية تقيم عراقيل أخرى أمام الإحصاء السكاني؛ لأن الكثير من هذه الهجرات لا تُسجَّل، فضلًا عن كونها غير منتظمة، وتعتمد على مدى ما يعتقده الفرد المهاجر كافيًّا لاحتياجاته المباشرة من نقود — ومن ثَمَّ تجعله يترك العمل ويعود إلى قريته فجأةً، أو العكس.

  • (٥)

    هجرات العمل شبه الدائمة من مناطق الازدحام السكاني — مثل رواندا وبورندي وموزمبيق … إلخ — أو هجرات العمل الموسمية في مناطق زراعة المحاصيل النقدية، كلها تؤدي إلى تضارب كبير في أرقام الدول المصدرة والمستوردة للأيدي العاملة.

  • (٦)

    نقص واضح في أعداد النساء عند بعض المجتمعات المحافظة المتشددة في الفصل بين النساء والرجال في الحياة العامة، وكذلك نقص في أعداد الشبان عند المجتمعات التي تخشى الخدمة العسكرية الإجبارية.

وبالرغم من هذه النقائص فإن التقديرات المختلفة لأعداد السكان في أفريقيا تكون أساسًا طيبًا للدراسة لسببين:
  • أولًا: أنه لا يوجد لدينا سوى هذه التقديرات، ومن ثَمَّ لا مفرَّ من الاعتماد عليها إلى أن تظهر تدريجيًّا تقديرات أو إحصاءات أفضل، وفضلًا عن ذلك فإن هناك بعض الدول التي توجد لديها إحصاءات سكانية يمكن الركون إلى صحتها بنسبة عالية، مثال ذلك دول شمال القارة.
  • ثانيًا: أن الدراسة الاستقرائية لأعداد السكان وأنواع النشاطات الاقتصادية مقارَنةً بالموارد الطبيعية المتاحة وتكنيك الإنتاج، والخلفية التاريخية للأقاليم المختلفة، تنعكس كلها في صورة الخرائط العامة للكثافة السكانية، وتعطينا هذه الخرائط معامل ارتباط كبير مع الصفات والمقومات العامة لأقاليم أفريقيا الطبيعية، ويمكننا أن نتخذ من ظهور هذا الارتباط دليلًا يشير إلى صحة وسلامة التقديرات السكانية بدرجة لا بأس بها.
جدول ٩-١: تطور سكان أفريقيا منذ القرن السابع عشر.*
السنة تقديرات كارسوندرز السنة تقديرات الأمم المتحدة معامل الزيادة Index
١٦٥٠ ١٠٠ مليون شخص ١٩٣٠ ١٦٤ مليون شخص ١٠٠
١٧٥٠ ٩٥ مليون شخص ١٩٤٠ ١٩١ مليون شخص ١١٦
١٨٠٠ ٩٠ مليون شخص ١٩٥٠ ٢٢٢ مليون شخص ١٣٥
١٨٥٠ ٩٥ مليون شخص ١٩٦٠ ٢٧٣ مليون شخص ١٦٦
١٩٠٠ ١٢٠ مليون شخص ١٩٧٠ ٣٤٤ مليون شخص ٢٠٩
المصدر: تقديرات كارسوندرز وويلكوكس عن الكتاب السنوي الديموجرافي للأمم المتحدة لعام ١٩٥٣، وتقديرات الأمم المتحدة الأخرى عن الكتب السنوية المتعددة للهيئة نفسها، ومعامل الزيادة من حساب المؤلف.

(٢) تطور سكان أفريقيا

يلاحظ من هذا الجدول أن السكان قد تدهور عددهم الإجمالي في القرون ١٧، ١٨، ١٩، ولا شك أن ذلك راجع إلى تجارة الرقيق الأوروبية إلى الأمريكتين، وخاصة إلى الولايات المتحدة، التي بلغت ذروتها خلال القرن الثامن عشر، وبعد أن هدأت هذه الهجرة الجبرية خلال القرن التاسع عشر أخذت أفريقيا تعوض خسارتها تدريجيًّا، ومنذ بداية هذا القرن نلحظ نموًّا سريعًا في أعداد السكان، مرده إلى ما سبق أن ذكرناه بالإضافة إلى:
  • (١)

    استقرار الأوضاع السياسية بتقسيم أفريقيا وفرض «السلام» الاستعماري، وهو الذي أدى إلى إيقاف حروب ومشاحنات القبائل في معظم الأماكن.

  • (٢)

    تنمية اقتصادية حديثة في مناطق محدودة من القارة كلها تدخل نطاق النشاطات الاقتصادية الأولية: زراعة محاصيل نقدية ونمو إنتاج الثروة المعدنية، وقد خلقت هذه الأشكال الاقتصادية الحديثة نماذج جديدة من الحياة المستقرة في المدن، أو ما شابهها من معسكرات السكن عند أماكن التعدين.

  • (٣)

    ساعدت حياة «الأمن» و«المدن» على نمو سكاني معقول، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الأشكال الجديدة من السكن قد ساعدت على نمو الخدمات الصحية الحديثة، والوقاية من كثير من أمراض وأوبئة أفريقيا المتوطنة، وأخطرها مرض النوم والملاريا، ولا نغفل أيضًا أن ظهور بعض أنواع المواصلات الحديثة قد ساعَدَ على تغلغل النشاط الطبي في أماكن كثيرة من القارة.

وعلى هذا فإن عدة عوامل قد تفاعلت معًا في خفض نسبة الوفيات وزيادة النمو الطبيعي للسكان، وليس أدل على ذلك من أن نسبة الوفيات قد انخفضت من ٢٧ في الألف كمتوسط للقارة في أول الستينيات، إلى ٢١ في الألف عام ١٩٧١، في الوقت الذي احتفظت فيه المواليد بنسبة تتراوح بين ٤٥ و٥٠ في الألف للفترة ذاتها.

(٣) الموقف السكاني في أفريقيا والعالم

يعطينا جدول (٩-٢) وشكل (٣٨) نظرة عامة على توزيع السكان على قارات العالم وأقاليمه الكبري، ونصيب كل قارة من سكان العالم بالنسب المئوية ومعامل الزيادة السكانية index في السنوات الأربعين الماضية بحساب أن سنة ١٩٣٠ هي سنة الأساس = (١٠٠)، وتتضح من الجدول عدة حقائق نجملها فيما يلي:
  • أولًا: فيما يختص بنصيب أفريقيا من سكان العالم نلاحظ زيادة مستمرة في هذا النصيب من قرابة ٨٪ عام ١٩٣٠ إلى نحو ١٠٪ عام ١٩٧٠، وهي بهذا تشابه قارات العالم النامية: أمريكا الجنوبية وآسيا بالترتيب. ويعطينا شكل (٣٨) تأكيدًا لهذه الصورة، حيث نلحظ وجود أفريقيا وآسيا في مربع العالم القديم النامي، وأمريكا الجنوبية في مربع العالم الجديد النامي أيضًا، وفي هذا المربع الأخير تتواجد قارتَيْ أوشينيا (أستراليا وجزر الباسيفيك) وأمريكا الشمالية، لكنهما عامة تقعان على حافة المتوسط العالمي للزيادة السكانية، أي إن النمو السكاني فيهما خلال الستينيات كان يشير إلى استقرار نسبي واتجاه إلى نمط العالم القديم المتقدم (أوروبا والاتحاد السوفييتي)، حيث تهبط نسبة النمو السكاني كثيرًا عن المتوسط العالمي.
    جدول ٩-٢: أفريقيا بين سكان العالم.*
    السنة
    ١٩٣٠ ١٩٤٠ ١٩٥٠ ١٩٦٠ ١٩٧٠
    العالم عدد السكان بالملايين ٢٠٧٠ ٢٢٩٥ ٢٥١٧ ٣٠٠٥ ٣٥٠٠
    معامل الزيادة ١٠٠ ١١١ ١٢١ ١٤٥ ١٦٩
    أفريقيا عدد السكان ١٦٤ ١٩١ ٢٢٢ ٢٧٣ ٣٤٤
    ٪ من سكان العالم ٧٫٩ ٨٫٣ ٨٫٨ ٩٫١ ٩٫٨
    معامل الزيادة ١٠٠ ١١٦ ١٣٥ ١٦٦ ٢٠٩
    أمريكا الجنوبية عدد السكان ٧٤ ٨٩ ١١١ ١٤٥ ٢٠٠
    ٪ من سكان العالم ٣٫٦ ٣٫٨ ٤٫٤ ٤٫٨ ٥٫٧
    معامل الزيادة ١٠٠ ١٢٠ ١٥٠ ١٩٦ ٢٦٥
    آسيا عدد السكان ١١٢٠ ١٢٤٤ ١٣٨١ ١٦٦٠ ٢٠٠٠
    ٪ من سكان العالم ٥٤ ٥٤٫٢ ٥٤٫٨ ٥٥٫٢ ٥٧٫١
    معامل الزيادة ١٠٠ ١١١ ١٢٣ ١٤٨ ١٧٨
    أوروبا عدد السكان ٣٥٥ ٣٨٠ ٣٩٢ ٤٢٥ ٤٧٠
    ٪ من سكان العالم ١٧٫١ ١٦٫٥ ١٥٫٥ ١٤٫١ ١٣٫٤
    معامل الزيادة ١٠٠ ١٠٧ ١١٠ ١٢٠ ١٣١
    أمريكا الشمالية عدد السكان ١٦٨ ١٨٥ ٢١٨ ٢٦٧ ٣٢٠
    ٪ من سكان العالم ٨٫١ ٨ ٨٫٦ ٨٫٩ ٩٫١
    معامل الزيادة ١٠٠ ١١٠ ١٣٠ ١٥٩ ١٨٥
    أوشينيا عدد السكان ١٠ ١١٫١ ١٢٫٧ ١٥٫٨ ٢٠
    ٪ من سكان العالم ٠٫٤٨ ٠٫٤٨ ٠٫٥٠ ٠٫٥٣ ٠٫٥٧
    معامل الزيادة ١٠٠ ١١١ ١٢٧ ١٥٨ ٢٠٠
    الاتحاد السوفييتي عدد السكان ١٧٩ ١٩٥ ١٨٠ ٢١٤ ٢٤٠
    ٪ من سكان العالم ٨٫٦ ٨٫٥ ٧٫١ ٧٫١ ٦٫٨
    معامل الزيادة ١٠٠ ١٠٩ ١٠٠٫٥ ١١٩٫٥ ١٣٥
    ملاحظة: أعداد السكان عن الكتاب السنوي الديموجرافي للأمم المتحدة ١٩٧١، النسبة المئوية ومعامل الزيادة من حساب المؤلف.

    وفي (شكل ٣٨) أيضًا تتأكد العلاقة بين معاملين: النمو السكاني والسكن المدني الصغير — المشار إليه في الشكل بالمحلات السكنية التي يقل فيها عدد السكان عن عشرين ألفًا من الأشخاص، وهي بذلك تضم في أساسها السكن الريفي في العالم عامة، وفي القارات النامية بوجه خاص — وتتخذ هذه العلاقة الصورة التالية:

    (مج = أمريكا الجنوبية، ف = أفريقيا، س = آسيا، أوش = أوشينيا، مش = أمريكا الشمالية، ر = الاتحاد السوفييتي، و = أوروبا.)

    وبما أن أفريقيا تمثِّل أكبر نسبة من السكن الريفي والمدن الصغيرة، فهي في أعلى القائمة في مربع الزيادة المطلقة التي تترابط فيها مؤشرات الزيادة السكانية والسكن الريفي، وهي بذلك تختلف عن نمط أمريكا الجنوبية؛ حيث يشتد تأثير النمو السكاني بصورة أكثر فاعلية عن السكن الريفي، وربما أخذنا هذا مؤشرًا على أن سكان أفريقيا سيستمرون في النمو السكاني بفعالية أكثر من أمريكا الجنوبية، إذا ظلت نسبة سكن المدن الكبيرة قليلة في أفريقيا في المستقبل.

    figure
    شكل (٣٨): علاقة الزيادة السكانية والسكن الريفي للعالم.
  • ثانيًا: يوضح معامل الزيادة السكانية ١٩٣٠–١٩٧٠ أن أفريقيا تأتي في المرتبة الثانية بعد أمريكا الجنوبية، ويؤكد هذا (شكل ٣٩). ويمكننا أن نقول إحصائيًّا: إن أفريقيا على عتبة نمو سكاني كبير، فحسب توقعات ديموجرافيو الأمم المتحدة يتوقع أن يصل عدد سكان أفريقيا عام ١٩٨٠ إلى ٤٤٩ مليونًا، وبذلك يكون معامل الزيادة ٢٧٣ (بحساب سنة الأساس ١٩٣٠ = ١٠٠)، بينما يكون معامل الزيادة للعالم ٢٠٨.
    ولا شك في أن عددًا من العوامل التي كانت تؤدي إلى قلة الزيادة السكانية في أفريقيا خلال النصف الأول من هذا القرن، قد زالت أو كادت تزول، فإلى جانب انتهاء الأثر التخريبي الذي أحدثه الرق طوال القرنين السابع عشر والثامن عشر، فإن العوامل التي أعاقت النمو السكاني الأفريقي السريع كانت عديدة خلال أواخر القرن التاسع عشر ومعظم النصف الأول من هذا القرن. وأهم هذه العوامل هي:
    • (١) الحروب والنزاعات القبلية، وهذه قضى عليها الاستعمار الأوروبي طوال فترة تثبيت أقدامه التي امتدت إلى حوالي بداية الحرب العالمية الأولى.
    • (٢) التوسع الاستعماري لمختلف الدول من شواطئ القارة إلى داخليتها، صحبه أنواع عديدة من القمع العنيف لكافة المجتمعات التي قاومت التوسع الاستعماري داخل أراضيها، وقد تراوح القمع بين حروب فعلية وحملات تأديبية واضطهاد ومصادرة لمصادر حياة المتمردين على السلطة الاستعمارية، ومن بين الحروب الاستعمارية الطويلة الحربُ الإسبانية ضد إقليم الريف (شمال المغرب حاليًّا) والحرب الإيطالية ضد الليبيين، والحروب الإنجليزية ضد إمبراطورية الفولاني في شمال نيجيريا، وضد مملكة الأشانتي في وسط غانا، وحروب البوير ضد الزولو وغيرهم من قبائل البانتو في جنوب أفريقيا، وغيرها كثير في أنجولا (البرتغال)، وزائيري (الكنغو البلجيكي سابقًا)، وتنجانيقا (ألمانيا)، وقد أدت هذه الحروب والحملات التأديبية إلى قتل وتشريد وتجويع ونقل عدد كبير من السكان، مما أدَّى إلى إعاقة النمو السكاني لفترة طويلة، وقد استمرت هذه العمليات حتى نهاية الربع الأول من هذا القرن.
      figure
      شكل (٣٩): نمط معامل الزيادة السكانية في الأربعين سنة الماضية.
    • (٣) العمل الإجباري والسخرة التي أسَّسَ بهما الاستعمار الأوروبي قواعد استغلال الثروات الطبيعية الأفريقية في المناجم، وجمع المطاط الطبيعي، وأشكال أخرى من الثروة النباتية الطبيعية والزراعية وشق الطرق، وقد أدى تجنيد العمَّال لمثل هذه الأعمال إلى اختلال في التركيب الأسري السلفي، وظهور حياة العزوبة بين الرجال في معسكرات العمل المختلفة بصورة مؤقتة أو دائمة، وقد أدَّى ذلك إما إلى تأخير سن الزواج كثيرًا، أو عدم الزواج والالتجاء إلى البغايا الذين ظهروا كعنصر مكمل لحياة المعسكرات أو المدن الغريبة عن التركيب الاجتماعي الأفريقي السلفي، ولا شك أن نتيجة هذا قلة واضحة في النمو السكاني.
    • (٤) أدت حياة المدن والعمالة الأجيرة، وظهور فكرة النقود والاحتكاك الثقافي والحضاري المادي والسطحي مع الحضارة الأوروبية الصناعية، إلى ظهور عدد كبير من المشكلات والأمراض الاجتماعية، على رأسها الأمراض التناسلية، والإسراف في تعاطي الخمور، والأنفلونزا والسل، وتفكُّك الأسرة، وتداخُل غير متناسق لأفكار وممارسات اجتماعية وجنسية أوروبية على خلفية من التقاليد والممارسات السلفية، ونتيجة هذا بطبيعة الحال قلة واضحة في المواليد.
    • (٥) وإلى جانب الأمراض الأفريقية المتوطنة، فإن حياة المدن ومعسكرات التعدين والعمل الإجباري، قد أدخل عنصرًا جديدًا أدى إلى مزيد من التدهور الصحي نتيجة انخفاض أعمال الصحة العامة كالمجارير، وتكدس الناس في مساحات سكنية شديدة الضيق بالقياس إلى أنواع المساكن القديمة.
    • (٦) قلة الأجور وتدني مستوى الغذاء وعدم تنوُّعه وقلة أنواع منه كاللحوم أو أنواع من الحبوب، قد ساعدت على تدهور الأوضاع الصحية العامة، وأدى إلى نسبة مرتفعة من الوفيات بين الأطفال والبالغين على حدٍّ سواء. ويقول بعض الخبراء إن هذا الضعف العام في بناء الجسم والأحوال الصحية السكنية العامة، وشيوع أمراض تناسلية لا تؤهِّل السكان إلى زيادة طبيعية عالية، بل وتؤدي إلى حالات كثيرة من الإجهاض في أشهر الحمل نتيجة ضعف الأمهات. كما يقول بعض الخبراء إن نقص فيتامين «ﻫ E» الذي يساعد على الخصوبة والموجود في الحبوب والأسماك، ربما كان من أسباب قلة مواليد الزنوج في أفريقيا المدارية.١
    وأيًّا كانت العوامل الباقية في أفريقيا، والتي ما زالت تعمل على الحد من الزيادة الطبيعية — وخاصة العوامل ٤، ٥، ٦ المذكورة آنفًا — فإنها لم تَعُدْ تؤثِّر بنفس القوة التي كانت لها قبل منتصف هذا القرن، فمنذ منتصف القرن عامة، ومنذ استقلال معظم الدول الأفريقية في أول الستينيات بصفة خاصة، أخذت الحكومات تعطي اهتمامات واضحة للخدمات الصحية والتعليمية، وتخطِّط مشروعات سكنية وعمرانية بدلًا من النمو العمراني التلقائي الذي كان يرتبط في الماضي بمصالح الشركات الخاصة، كما ارتفع مستوى الأجور بصورة ملحوظة، وكل هذا علامات على طريق الخروج من مرحلة اقتصادية اجتماعية انتقالية إلى مرحلة أخرى أكثر ثباتًا. ويتضح ذلك من المؤشرات التالية (جدول ٩-٣)، ويظهر فيها زيادة واضحة في عدد التلاميذ المسجَّلين بالمدارس عن أمريكا الجنوبية وعن المتوسط العالمي، كما أن النمو السكاني الذي يرتفع إلى أعلى من المتوسط العالمي في حد ذاته دليل على نمو قطاع السكان كعنصر وكمؤشر ومؤثر في التركيب الاجتماعي الاقتصادي الأفريقي، أما بقية المؤشرات فهي أدنى من المتوسط العالمي لكلٍّ من أفريقيا وأمريكا الجنوبية — وهي الصفة الأساسية في مجموعة الدول النامية.
جدول ٩-٣: مؤشرات النمو في أفريقيا مقارَنةً بالعالم وأمريكا الجنوبية لعام ١٩٧٠.*
أفريقيا أمريكا الجنوبية المتوسط العالمي
سنة الأساس = ١٠٠ ١٩٥٠ ١٩٦٠ ١٩٥٠ ١٩٦٠ ١٩٥٠ ١٩٦٠
النمو السكاني ١٥٥ ١٢٥ ١٧٠ ١٣٠ ١٤٥ ١٢٠
السكان العاملين ١٤٠ ١٢٠ ١٦٠ ١٣٠ ١٣٠ ١١٥
التلاميذ المسجلين بالمدارس ٣٥١ ١٥٤ ٢٧٢ ١٥١ ٢٠٠ ١٣٧
جملة الإنتاج الزراعي ١٦٠ ١٢٠ ١٦٥ ١٣٠ ١٦٥ ١٣٠
إنتاج الغذاء ١٦٠ ١٢٠ ١٧٠ ١٣٥ ١٧٠ ١٣٠
الصادرات ٣٠٥ ١٨٥ ١٩٥ ١٤٠ ٣٨٥ ٢١٠
الواردات ٢٣٥ ١٣٥ ١٩٥ ١٤٥ ٣٨٥ ٢١٠
مجموعة المؤشرات بالنسبة للفرد
الإنتاج الزراعي ١٠٥ ١٠٠ ١٠٥ ١٠٠ ١١٥ ١٠٥
إنتاج الغذاء ١٠٥ ١٠٠ ١٠٥ ١٠٠ ١٢٠ ١١٠
الصادرات ١٩٥ ١٤٥ ١١٥ ١٠٥ ٢٧٠ ١٧٠
الواردات ١٥٠ ١١٠ ١١٥ ١١٠ ٢٧٠ ١٧٠
المصدر: الكتاب الإحصائي السنوي للأمم المتحدة ١٩٦٩.

وخلاصة القول: إن النمو السكاني في أفريقيا — برغم العوائق العديدة التي وقفت في وجهه خلال الجزء الأكبر من القرون الثلاثة الماضية — قد بدأ يدخل مرحلة جديدة يمكن أن تؤدِّي إلى ضغط سكاني عالٍ على الموارد المتاحة الحالية، ما لم تلتزم القارة بتخطيط وتكنولوجية جديدة في شتى أشكال الإنتاج، وما لم تنشئ شبكات طرق واتصال أرضية أكثر كفاءةً وأكثر شمولًا لنواحي القارة المختلفة.

(٤) نمط التوزيع السكاني في أقسام أفريقيا

تنقسم أفريقيا إلى عدة أقسام طبيعية وبشرية، بعضها شديد الوضوح وبعضها متداخل ويصعب تحديده، وسوف نأخذ إلى حدٍّ كبير بتقسيم الأمم المتحدة لأقسام أفريقيا الكبرى — ارتباطًا منا بالأرقام السكانية المتاحة. (انظر الخرائط ٤٠، ٤١، ٤٢)، وهذه هي أقسام أفريقيا حسب تقسيم الأمم المتحدة (الشعبة الديموجرافية واللجنة الاقتصادية لأفريقيا):
  • (١)

    أفريقيا الشمالية: ومجموع سكانها ٨٧٫٤ مليونًا من الأشخاص، وتشتمل على مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب والصحراء الإسبانية.

  • (٢)

    أفريقيا الغربية: ومجموع سكانها ١٠٣٫٦ ملايين من الأشخاص، وتشتمل على موريتانيا ومالي والنيجر ونيجيريا وداهومي وتوجو وفولتا العليا وغانا وساحل العاج وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغمبيا والسنغال.

  • (٣)

    أفريقيا الوسطى: ومجموع سكانها ٤٠٫٩ مليونًا من الأشخاص، وتشتمل على تشاد وأفريقيا الوسطى والكمرون وغينيا الاستوائية وجابون والكنغو وزائيري وأنجولا.

  • (٤)

    أفريقيا الشرقية: ومجموع سكانها ٩٩٫٥ مليونًا من الأشخاص، وتشتمل على إثيوبيا والصومال الفرنسي والصومال وكينيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا وبورندي وملاوي وزامبيا وروديسيا وموزمبيق ومدغشقر.

  • (٥)

    أفريقيا الجنوبية: ومجموع سكانها ٢٤٫٧ مليونًا من الأشخاص، وتشتمل على جمهورية أفريقيا الجنوبية وليسوتو وسوازي وبوتسوانا وناميبيا.

وبناء على الأرقام الواردة في جدول ٩-٤، فإننا نجد أن النمو السكاني ومسبباته من مواليد ووفيات تختلف كثيرًا في أقسام أفريقيا الكبرى على النحو التالي:

(٤-١) أفريقيا الشمالية

تتميز هذه المنطقة من القارة بأنها أكثر المناطق نموًّا، خاصة في الفترة الأخيرة، حيث يبلغ المتوسط العام للنمو السكاني للفترة ١٩٦٣–١٩٧١ حوالي ٣٪، وهو أعلى متوسط للنمو السكاني في أفريقيا، وقد سجَّلَ السودان أعلى نسبة نمو سكاني في مجموعة دول أفريقيا الشمالية، وهي النسبة الثانية في أفريقيا بعد روديسيا. وفي الوقت الذي ترتفع فيه نسبة النمو السكاني في السودان وليبيا والجزائر عن ٣٪ سنويًّا، نجدها تقل عن ذلك في المغرب ومصر،٢وتصل أدناها في تونس (٢٫١٪). انظر الخريطة رقم (٤١).
جدول ٩-٤: تقديرات سكان أفريقيا ١٩٧١*
مجموع ومتوسط أفريقيا ٣٠٣١٣٠٠٠ ٣٥٨٠٠٠٠٠٠ ١٢٫٧ ٢٫٤
الدولة وتاريخ آخر إحصاء المساحة ألف كم٢ تقدير عدد السكان بالمليون ١٩٧١ الكثافة شخص/كم٢ النمو السكاني ٪ السكن المدني ٪ من مجموع السكان
إثيوبيا (ت) ١٢٢٢ ٢٥٫٢٥ ٢١ ١٫٨ ١٠
أفريقيا الوسطى (٦٠) ٦٢٣ ١٫٦٤ ٣ ٢٫٢
الجزائر (٦٦) ٢٣٨١ ١٤٫٧٧ ٦ ٣٫٥ ٣٩
السنغال (٦١) ١٩٦ ٤٫٠٢ ٢١ ٢٫٤
السودان (٥٦) ٢٥٠٦ ١٦٫٠٩ ٦ ٢٫٨ ١٢٫١
الصومال (ت) ٦٣٧ ٢٫٨٦ ٤ ٢٫٣
الصومال الفرنسي (٦١) ٢٢ ٠٫١٠ ٤ ٢
الكمرون (٦٥) ٤٧٥ ٥٫٨٤ (١٩٧٠) ١٢ ٢٫٢ ٢٠٫٣
الكنغو (٦١) ٣٤٢ ٠٫٩٦ ٣ ٢٫٢
المغرب (٦٠) ٤٤٥ ١٥٫٢٣ ٣٤ ٢٫٧ ٣٥٫٢
النيجر (٦٠) ١٢٦٧ ٤٫١٣ ٣ ٢٫٧
أنجولا (٦٠) ١٢٤٧ ٥٫٤٣ ٤ ٢٫٥
أوغندا (٥٩) ٢٣٦ ١٠٫١٣ ٤٣ ٢٫٧ ٧٫٧
بوتسوانا (٦٤) ٥٧٠ ٠٫٦٧ ١ ٢٫٨ ٦٫٨
بوروندي (٦٥) ٢٨ ٣٫٦٢ ١٣٠ ٢ ٢٫٢
تشاد (٦٤) ١٢٨٤ ٣٫٨٠ ٣ ٢٫٣ ٦٫٩
تنزانيا (٦٧) ٩٤٠ ١٣٫٦٣ ١٤ ٢٫٦ ٥٫٥
توجو (٦٠) ٦٧ ٢٫٠٢ ٣٦ ٢٫٥ ١٣
تونس (٦٦) ١٦٤ ٥٫١٤ ٣١ ٢٫٣ ٤٠٫١
جابون (٦١) ٢٦٨ ٠٫٥٠ ٢ ١٫٤ ٣٢
جنوب أفريقيا (٦٠) ١٢٢١ ٢٢٫٠٩ ١٨ ٣٫١ ٤٧٫٩
داهومي (٦١) ١١٣ ٢٫٧٦ ٢٥ ٢٫٥
رواندا (٥٢) ٢٦ ٣٫٨٣ ١٤٥ ٢٫٩ ٣٫٥
روديسيا (زمبابوي) (٦٢) ٣٨٩ ٥٫٥٠ ١٤ ٣٫٤ ١٧٫٨
ريودورو (الصحراء الإسبانية) (٦٠) ٢٦٦ ٠٫٠٥ ٤٫٢ (؟)
زائيري (٥٨) ٢٣٤٥ ٢٢٫٤٨ ١٠ ٤٫٢ (؟) ١٥٫٧
زامبيا (٦٣) ٧٥٣ ٤٫٢٨ ٦ ٢٫٩ ٣٠٫٤
ساحل العاج (٥٨) ٣٢٢ ٤٫٤٢ ١٤ ٢٫٤
سوازيلاند (٦٦) ١٧ ٠٫٤٢ ٢٤ ٢٫٩ ٧٫١
الدولة وسنه الإحصاء المساحة ألف كم٢ تقدير عدد السكان بالمليون ١٩٧١ الكثافة شخص/كم٢ النمو السكاني ٪ السكن المدني ٪ من مجموع السكان
سيراليون (٦٣) ٧٢ ٢٫٦٠ ٣٦ ١٫٦
غانا (٦٠) ٢٣٨ ٨٫٨٦ ٣٧ ٣
غمبيا (٦٣) ١٠ ٠٫٣٧ ٣٣ ٢٫١ ٨٫٨
غينيا (٥٥) ٢٤٦ ٤٫٠١ ١٦ ٢٫٢
غينيا الاستوائية (٦٠) ٢٨ ٠٫٢٩ ١٠ ١٫٤
غينيا بيساو (البرتغالية) (٦٠) ٣٦ ٠٫٥٦ ١٦ ٠٫٩
فولتا العليا (٦١) ٢٧٤ ٥٫٤٩ ٢٠ ٢٫١
كينيا (٦٢) ٥٨٣ ١١٫٦٩ ٢٠ ٣٫١ ٩٫٩
ليبيا (٦٤) ١٧٥٩ ٢٫٠١ ١ ٣٫٧ ٢٤٫٦
ليبيريا (٦٢) ١١١ ١٫٥٧ ١٤ ١٫٩ ٢٦٫٢
ليسوتو (٦٦) ٣٠ ٠٫٩٣ ٣١ ٢٫٢
مالي (٦١) ١٢٠٣ ٥٫١٤ ٤ ٢٫١
مالاوي (٦٦) ١١٩ ٤٫٥٥ ٣٨ ٣ (؟) ٥
مصر (٦٠) ١٠٠٠ ٣٤٫١٣ ٣٤ ٢٫٥ ٤٢٫١
موريتانيا (٦٥) ١٠٨٥ ١٫٢٠ ١ ٢٫٢ ٦٫٧
موزمبيق (٦٠) ٧٨٣ ٧٫٣٦ ١٠ ١٫٤
ملاجاشي(٦٦) ٥٩٠ ٦٫٧٥ ١١ ٣ (؟) ١٤٫١
ناهيبيا (ج. غ. أفريقيا) (٦٠) ٨٢٤ ٠٫٦٥ ١ ٢
نيجيريا (٦٣) ٩٢٤ ٥٦٫٥١ ٦١ ٢٫٥ ١٦٫١
الجزر الأفريقية
الجزيرة وسنه الإحصاء المساحة ألف كم٢ تقدير عدد السكان بالمليون ١٩٧١ الكثافة شخص/كم٢ النمو السكاني ٪ السكن المدني ٪ من مجموع السكان
روينيون (٦٧) ٢٥١٠ ٤٦٠ ١٨٣ ٢٫٦
سانت هيلينا وأسنشن وترتستان داكونها (٦٦) ٣٠٠ ٦ ٣٠ ٣١٫٧
ساوتومي وبرنسيب (٦٠) ٩٦٤ ٧٠ ٧٣ ١٫٧
سيشل (٦٠) ٣٨٠ ٥٠ ١٣١ ٢ ٢٦٫٢
فرناندويو، أنوبون (٦٠) ٢٠٣٤ ٨٠ ٣٩ ٢٫١
كومورو (٦٦) ٢٧٠٠ ٢٧٠ ١٠٠
كيب فرد (٦٠) ٤٠٠٠ ٢٦٠ ٦٥ ٢٫٦
موريشس (٦٢) ١٨٠٠ ٨٣٠ ٤٦١ ٢ ٤٣٫٩
المصدر: الكتاب الديموجرافي السنوي للأمم المتحدة ١٩٧١.
ت = تقدير بمعنى لا يوجد إحصاء حتى الآن، (٦٠) = ١٩٦٠ تاريخ الإحصاء.

ولعل سبب ارتفاع متوسط النمو السكاني في هذا القسم من أفريقيا راجع إلى أن هذا القسم هو أكثر مناطق أفريقيا تقدُّمًا — باستثناء السكان البيض في جنوب أفريقيا — وأخذًا بأسباب العلاج والوقاية الصحية منذ فترة طويلة، هذا فضلًا عن أن التنمية الاقتصادية عامة آخذة بأسباب التقدم تكنولوجيًّا ومساحيًّا، بحيث تغطي أجزاء لا بأس بها من مساحات الإقليم، ويضاف إلى هذا كله نمو الثروة البترولية والغاز الأرضي في كلٍّ من ليبيا والجزائر، والصناعة في مصر، والثروة التعدينية في تونس والمغرب، والتنمية الزراعية عامة في غالبية دول أفريقيا الشمالية، وعلى الأخص التوسع المساحي الكبير في السودان.

ومن الملاحظ أن عدد سكان أفريقيا الشمالية يكاد أن يتناسب في نسبته إلى مجموع سكان القارة مع نسبة مساحتها إلى مساحة القارة، فسكان هذا القسم يكونون ربع سكان أفريقيا، ومساحته تبلغ ٢٨٪ من مساحة القارة، وبرغم هذا التناسب الواضح، إلا أن مساحات كبيرة جدًّا من هذا القسم نادرة السكان، ويرتبط ذلك بالتكوين الطبيعي لشمال القارة التي تحتوي على القدر الأكبر من الصحاري الأفريقية. وفي الحقيقة نجد أن سكان شمال القارة يتركزون في شريطين ضيقين هما:
  • (أ)

    الشريط الساحلي الشمالي المرتبط بساحل الأطلنطي والبحر المتوسط من المغرب إلى برقة في ليبيا، ويتسع هذا الشريط السكاني اتساعًا نسبيًّا في دول شمال غرب أفريقيا وخاصة في المغرب، حيث تكثر السهول وترتفع جبال الأطلس، وتكون مصادر جيدة لمياه الأنهار والينابيع، ويضيق الشريط كثيرًا في ليبيا ويقفر الساحل من السكان أو يكاد في منطقة خليج سرت.

  • (ب)
    الشريط السكاني النيلي الممتد من الدلتا جنوبًا إلى إقليم الجزيرة بالسودان، وفي هذا الشريط المتناهي الضيق في معظمه يشتد تركُّز السكان بصورة لا يكاد أن يكون لها نظير في العالم، وقد حلَّتْ موارد النيل المائية محل الأمطار في دول المغرب العربي، كدعامة الحياة الأساسية في وادي النيل، لكن تنظيم استخدام هذا المورد المائي من جانب السكان على صور وأشكال مختلفة على مرِّ التاريخ هو العامل الحاسم الذي أدى إلى تكثيف فعالية المياه، ومن ثَمَّ تكثيف السكان إلى هذا القدر الهائل.٣
figure
خريطة رقم (٤١).

وإلى جانب هذين الشريطين، فإننا نجد السكان ينتشرون بعدالة لا بأس بها في مساحات السودان الجنوبي، ويتركزون بكثافات عالية في الواحات المتناثرة في الصحراء الكبرى.

وينتمي سكان أفريقيا الشمالية إلى المجموعة العربية باستثناء الزنجانيين في السودان الجنوبي، وعدد آخَر من المجتمعات غير العربية يمثِّلهم بربر شمال أفريقيا، لكن الصفة الحضارية السائدة عند البربر هي العربية، كما يرتبط زنجانيو جنوب السودان بالحضارة العربية كمعبر ثقافي وحضاري عام. وفي خارج إطار أفريقيا الشمالية، كما رسمته الأمم المتحدة، نجد عددًا آخَر من سكان غرب أفريقيا مرتبط بالعروبة سلالةً أو حضارةً وثقافةً، خاصة في تشاد ومالي وموريتانيا، وعلى هذا فإن أفريقيا العربية تمتد أكثر من أفريقيا الشمالية، وتشمل — بصفة عامة — كل الصحراء الكبرى وأجزاء واسعة من نطاق السفانا السودانية من السنغال إلى بحيرة تشاد وبحر العرب في السودان، فضلًا عن مناطق أخرى محدودة في إثيوبيا والساحل الشرقي للقارة. ويمكننا أن نعتبر التقدير الإجمالي لسكان أفريقيا العربية هو حوالي ٩٥ مليون شخص.

جدول ٩-٥: أقسام أفريقيا الرئيسية سكانًا وكثافةً ونموًّا.*
أقسام القارة المساحة أعداد السكان بالمليون سكان ٩٧١٪ من مجموع القارة الكثافة شخص/كم٢ موليد وفيات نمو السكان متوسط ٩٦٣–٩٧١ في المائة
الف كم٢ ٪ من مساحة القارة ١٩٥٠ ١٩٦٠ ١٩٧١ متوسط ٩٦٥–١٩٧١ في الألف
مجمل القارة ٣٠٣٢٠ ١٠٠ ٢١٧ ٢٥٧ ٣٥٦ ١٠٠ ١١٫٧ ٤٧ ٢١ ٢٫٦
إفريقيا الشمالية ٨٥٢٥ ٢٨٫١ ٥١ ٦٥ ٨٧ ٢٤٫٥ ١٠٫٢ ٤٧ ١٧ ٣٫٠
إفريقيا الغربية ٦١٤٢ ٢٠٫٢ ٦٤ ٧١ ١٠٣ ٢٩ ١٦٫٨ ٤٩ ٢٤ ٢٫٥
إفريقيا الوسطى ٦٦١٣ ٢١٫٨ ٢٥ ٢٩ ٤١ ١١٫٥ ٦٫٢ ٤٥ ٢٤ ٢٫١
إفريقيا الشرقية ٦٣٣٨ ٢٠٫٩ ٦٢ ٧٧ ٩٩ ٢٧٫٩ ١٥٫٧ ٤٦ ٢٢ ٢٫٤
إفريقيا الجنوبية ٢٧٠١ ٨٫٩ ١٤ ١٨ ٢٥ ٦٫٩ ٩٫١ ٤١ ١٧ ٢٫٤
ملاحظة: لم تُضَفِ الجزر — ما عدا مدغشقر — إلى جملة سكان أفريقيا.

(٤-٢) أفريقيا الغربية

تمثِّل هذه المنطقة أكبر تجمُّع سكاني في القارة بالقياس إلى مساحتها، فهي تحتوي على ٢٩٪ من سكان أفريقيا في مساحة تساوي خُمْس مساحة القارة، وتتمثل في هذه المنطقة عدة مراكز للنشاط الاقتصادي الحديث منذ بضع عشرات السنين، ومن ثَمَّ نلحظ نمطًا في توزيع الكثافة السكانية المرتفعة مرتبطًا بتوزيع مناطق النشاط الاقتصادي الحديث، مثل إنتاج فول السوداني في شمال نيجيريا والسنغال، أو زراعات الكاكاو والبن في جنوب غانا وساحل العاج، وقد ارتفع النمو السكاني عامة تدريجيًّا في السنوات العشرين الماضية نتيجة انخفاض ملحوظ في نسبة الوفيات، وإن كانت هذه النسبة لا تزال مرتفعة، بالقياس إلى أفريقيا الشمالية، ومع ذلك فإن منطقة غرب أفريقيا تمثِّل ثاني مناطق أفريقيا من حيث النمو السكاني بعد القسم الشمالي من القارة، وهذا يفسِّر لنا كيف تزايد سكان أفريقيا الغربية عن أفريقيا الشرقية خلال الستينيات (راجع جدول ٩-٥).

وتركز سكان هذه المنطقة في نطاقين: أولهما النطاق الساحلي من السنغال إلى نيجيريا، مع زيادة كبيرة في الكثافة في مناطق نيجيريا وداهومي وتوجو وغانا الجنوبية، والمنطقة الجنوبية الشرقية من ساحل العاج، وهذه هي بعينها مناطق إنتاج الخامات النقدية الزراعية (زيت النخيل والكاكاو والبن) بالإضافة إلى نمو المصادر البترولية في جنوب نيجيريا، وهناك أيضًا منطقة كثيفة السكان في غينيا وسيراليون، حيث أدَّتِ الظروف الطبيعية إلى كثرة السكان في هضاب فوتا جالون والساحل الموسمي الزراعي، بالإضافة إلى الموارد التعدينية الرئيسية (الحديد والبوكسايت في غينيا والماس في سيراليون) وفي سهول سنجامبيا توجد منطقة ثالثة للتكاثُف السكاني مرتبطة بزراعة فول السوداني كمحصول نقدي حديث.

أما النطاق الثاني فيتمثَّل عامةً في صورة شريط متقطع من مناطق الكثافة السكانية المرتفعة، يمتد من الشرق إلى الغرب، ابتداءً من شمال نيجيريا إلى جنوب غرب مالي، ويشتمل هذا الشريط على منطقة الكثافة العالية حول كانو وإقليم الفول السوداني والقطن في شمال نيجيريا، بالإضافة إلى التركز السكاني القديم في منطقة هضبة جوس وباوتشي — التي تمثِّل منطقة التجاء للقبائل الوثنية وسط محيط الهوسا الإسلامي — وقد زاد عليها حديثًا استغلال الثروة المعدنية في تلك الهضبة. وفي الفولتا العليا نجد منطقة كثافة سكانية عالية ذات جذور تاريخية، حيث يزاوج السكان بين نشاطين قديمين: الزراعة والرعي، ونظرًا للضغط السكاني وفقر الموارد الزراعية والرعوية وتعرُّضها للجفاف في سنوات، فإن منطقة الفولتا العليا تمثِّل مركزًا من مراكز الهجرة الداخلية الرئيسية في غرب أفريقيا — خاصة الهجرة الموسمية للعمل في موسم الكاكاو والبن في غانا وساحل العاج. وأخيرًا نجد منطقة كثافة سكانية عالية في مالي حول مسار النيجر الأعلى وروافده، وخاصة حول باماكو — العاصمة — وعلى طول الخط الحديدي الممتد إلى السنغال، والطريق البري الممتد عبر الهضاب إلى غينيا.

figure
خريطة رقم (٤٢).
figure
خريطة رقم (٤٣).

وقد أسهمت الظروف الطبيعية عامة في إيجاد هذا النمط من التوزيع السكاني في أفريقيا الغربية، فالأقسام الشمالية من النيجر ومالي ومعظم موريتانيا كلها تقع ضمن النطاق الصحراوي الجاف قليل السكان، وإلى الجنوب منه تمتد السفانا السودانية القصيرة والمتوسطة في نطاق عرضي يمتد من بحيرة تشاد إلى مصب السنغال، وهذا النطاق هو مجال الحركة القديمة للقبائل المختلفة، خاصة القبائل الرعوية، كما أنه مجال طيب للإقامة الدائمة للمجتمعات الزراعية التي تعيش على محاصيل الحبوب وعلى رأسها الدخن، وهذا هو النطاق الذي استُخدِمَ بعض أجزائه لإنتاج المحاصيل النقدية في شمال نيجيريا وجنوب النيجر ومالي والسنغال؛ ومن ثَمَّ فإنه بصورة عامة نطاق متوسط الكثافة السكانية، توجد داخله مناطق كثافة أعلى، مثل شمال نيجيريا ومالي كما أسلفنا.

وإلى الجنوب من هذا النطاق تمتد السفانا العالية بأحراشها وإيكولوجيتها التي لم تساعد كثيرًا على السكن الكثيف إلا في مناطق محدودة جدًّا، مثل نطاق السكن الدائم حول النيجر الأوسط في نيجيريا (صيد الأسماك والزراعة المتنقلة)، ولهذا فإن نطاق السفانا العالية يمثِّل منطقة كثافة سكانية منخفضة بصورة عامة، تمتد من حوض البنوي في نيجيريا إلى كل النطاقات الوسطى من نيجيريا وداهومي وتوجو وغانا وجنوب الفولتا وشمال ساحل العاج، وتنتهي في داخلية ليبيريا وسيراليون، وأخيرًا يأتي نطاق الغابات الجنوبية الممتد بحذاء الساحل، وهو في مجموعه إقليم مرتفع الكثافة السكانية في الوقت الحاضر، كما كان كذلك في الماضي، خاصة في القسم الشرقي منه بين أواسط غانا (إقليم الأشانتي)، وجنوب توجو (إقليم الإيوي)، وجنوب داهومي (إقليم الداهومي)، وجنوب نيجيريا (أقاليم اليوريا والبنين والأيبو)، وهذه تاريخيًّا أقاليم الحضارة الزنجية العليا المعتمدة على حياة مستقرة قوامها زراعة الدرنيات المتعددة المحصول، وأشجار مثمرة أخرى منها نخيل الزيت ونخيل الرافيا، وقد أدت هذه الظروف التاريخية والظروف الاقتصادية الحالية إلى ارتفاع الكثافة كثيرًا في مناطق من غرب أفريقيا، خاصة في نيجيريا، إلى درجة لا نظير لها في أفريقيا المدارية العامة، فالكثافة السكانية في مناطق زراعة الدرنيات المتنقلة في جنوب نيجيريا تصل إلى قرابة ٩٠ شخصًا للكيلومتر المربع، بينما تبلغ نحو ٥٥ شخصًا/كم٢ في مناطق زراعة الحبوب المتنقلة في شمال نيجيريا، وترتفع الكثافة العامة (زراعية ومدنية) إلى ما بين مائة ومائتي شخص/كم٢ في جنوب نيجيريا، وإلى ما بين ٥٠ ومائة شخص/كم في منطقة كانو بشمال نيجيريا، وهذا يدل على تفاعل الخلفية التاريخية مع الظروف الحديثة في رفع تركُّز السكان في مناطق معينة من أفريقيا الغربية، كما يدل على غنى مساحات كبيرة من أفريقيا الغربية، وإمكانية التنمية الاقتصادية السريعة فيها نتيجة إمكان الحصول على الأيدي العاملة.

(٤-٣) أفريقيا الوسطى

تمثِّل هذه المنطقة الشاسعة التي تزيد مساحتها قليلًا عن أفريقيا الغربية، منطقة مغايرة تمامًا؛ فعدد السكان في أفريقيا الغربية يبلغ مرتين ونصف قدر عدد سكان أفريقيا الوسطى، والكثافة العامة قرابة ثلث الكثافة العامة في أفريقيا الغربية، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب طبيعية وبشرية.

ومن الأسباب الطبيعية العامة أن وسط أفريقيا — حسب تحديد الأمم المتحدة الممتد من تشاد إلى أنجولا — يشتمل على ثلاثة أقاليم طبيعية رئيسية، اثنين منها معاديين للسكن البشري بدرجات متفاوتة؛ ففي القسم الشمالي من تشاد والحافات الجنوبية من أنجولا تمتد مناطق جافة صحراوية وعشبية فقيرة، ويمتد نطاق الغابات الاستوائية الكثيفة في صورة مستطيل كبير من رأس خليج بيافرا إلى بحيرات النيل الأخدودية، ومن قرابة مصب الكنغو إلى بحيرة تنجانيقا، وبذلك يشتمل هذا النطاق على القسم الشمالي من جمهورية زائيري، وعلى كل جابون وغينيا الاستوائية وغالبية سطح جمهوريتَي الكنغو وأفريقيا الوسطى، والجزء الجنوبي من الكمرون. وفيما بين النطاق الجاف والاستوائي تمتد مناطق السفانا بأقسامها العديدة، أحسنها للسكن السفانا القصيرة في جنوب زائيري ومعظم غرب أنجولا، وجنوب تشاد وجنوب الكنغو وشمال الكمرون.

وقد ترتَّبَ على هذا التوزيع الإقليمي للأقسام الطبيعية ضعف شديد في نسبة الكثافة السكانية، فهناك مناطق داخل الغابة الاستوائية أو أقاليم السفانا العالية تكاد أن تكون مهجورة من السكان، ومناطق أخرى ترتفع فيها الكثافة إلى نحو ٥–١٠ أشخاص للكيلومتر المربع، ومناطق عشبية غنية ترتفع فيها الكثافة إلى أكثر من عشرين شخصًا/كم٢، مثل السفوح الغربية للأخدود الغربي المواجهة والمكملة لنطاق رعاة الهيما في هضبة البحيرات، وكذلك الحال في تلال ماندارا المعشبة في شمال الكمرون، والأجزاء الدنيا من حوض نهر شاري في تشاد، وهضبة بيهي في غرب أنجولا.

ولا شك أن الكثافة السكانية ترتفع بصورة ملحوظة في مناطق المدن الرئيسية، مثل كنشاسا وبرازافيل وياوندي وفورلامي ولواندا، كما أنها ترتفع أيضًا في مناطق النشاط الاقتصادي الحديث، خاصة مناطق التعدين الرئيسية في كاتنجا حول مدن لوبمباشي (اليزابثفيل) وجادوتفيل وكولويزي، ومناطق الاستيطان الأوروبي في أنجولا الغربية والجنوبية الغربية.

وبرغم ذلك فإن المنطقة ككل هي أقل مناطق القارة في درجة النمو السكاني السنوي، وقد كانت الزيادة السنوية في أواخر الخمسينيات لا تزيد عن ١٫٥٪، ولكنها ارتفعت مؤخرًا إلى حدود ٢٪، وهناك تضارُبٌ كبير في الإحصاءات الحيوية في دول أفريقيا الوسطى.

ويدل على ذلك الاختلافات بين أرقام الزيادة السنوية في خريطة رقم (٤١) وجدول ٩-٤. ومن الأمثلة الصارخة على هذا التضارب أن النمو السكاني في جمهورية زائيري بلغ ٤٫٢٪ لسنة ١٩٧١، بينما كان ٢٫٣٪ لسنة ١٩٦٩، وليس من المتوقع أن ترتفع الزيادة السنوية فجأةً مثل هذا الارتفاع المفاجئ، ومن ثَمَّ فإننا أميل إلى التحفُّظ والأخذ بأرقام ١٩٦٩؛ لأنها منسجمة مع المتوسط العام لأفريقيا الوسطى عامة لسنوات ١٩٦٣–١٩٧١ (انظر جدول ٩-٥).

(٤-٤) أفريقيا الشرقية

يمتد هذا القسم من أفريقيا امتدادًا كبيرًا من درجات العرض شمال وجنوب خط الاستواء (١٥° شمالًا إلى حوالي مدار الجدي جنوبًا)، وتكاد أن تشتمل على كل أفريقيا العليا باستثناء جنوب القارة. وقد أدى هذا التنوع في الموقع الفلكي وعلاقات السكان واتجاهات الرياح الممطرة والتنوع التضاريسي السريع في معظم المناطق؛ إلى إيجاد بيئات وإيكولوجيات للحياة كثيرة الاختلاف، سريعة التتابع، وقد انعكس كل هذا على الصورة العامة لتوزيع السكان بين تركيز واضح في مناطق محابية وفقر، أو ندرة سكانية في المناطق المعادية للسكن.

وهناك أمثلة كثيرة على هذا التغاير والتتابع المستمر لمناطق تحبِّذُ أو تعرقِل التكاثُف السكاني، ومن هذه الأمثلة ذلك التتابع السريع في الهضبة الحبشية بين سهول البحر الأحمر الضيقة المأهولة بالسكان في إريتريا، وتلك السهول الواسعة الداخلية المسماة سهول الآفار المقفرة من السكان، يلي ذلك الهضبة العالية خصبة التربة الوفيرة المطر الكثيفة السكان، ثم مناطق الغابات والأحراش الغربية المقفرة من السكان المطلة على سهول السودان.

والصورة نفسها تتكرر بوضوح أيضًا في دول شرق أفريقيا الثلاث: كينيا وتنزانيا وأوغندا؛ فساحل كينيا الجنوبية ومعظم سواحل تنزانيا يمثِّل منطقة كثيفة السكان خاصة فيما بين ممبسة وتنجا، وتمتد وراءه هضبة قليلة السكان فيما عدا المنطقة الجبلية الممتدة من كتلة كليمانجارو وميرو في اتجاه ميناء تنجا التنزاني عبر كتلة جبال أوزامبورا، وكذلك منطقة جبل كينيا وحافات ماو وأبرديري، ثم تليها منطقة أخرى قليلة السكان حتى سواحل بحيرة فيكتوريا التي ترتفع نسبة الكثافة السكانية حولها، وخاصة في أوغندا، ارتفاعًا كبيرًا. وإلى الغرب من فيكتوريا تظهر منطقة سهول ومستنقعات فقيرة في السكان، تليها حول بحيرات الأخدود الغربي في أوغندا وزائيري ورواندا وبورندي مناطق ذات كثافة سكانية عالية، هي في الواقع من أكثف مناطق السكن الزراعي الرعوي الأولي في كل شرق القارة، وعلى هذا النحو نجد تركُّز السكان أو ندرتهم على طول محاور عريضة من الساحل في موزمبيق إلى ما حول بحيرة نياسا المكتظة بالسكان، إلى مناطق زامبيا المقفرة في الشرق والغرب والمزدحمة بالسكان في النطاق الأوسط عند حزام النحاس، وعلى طول مسار الخط الحديدي العابر إلى روديسيا. وفي مدغشقر نجد تكاثف سكاني واضح على الساحل الشرقي والهضبة، بينما يقل التكاثف في القسم الغربي من الجزيرة.

وقد ساهمت أشكال النشاط الاقتصادي السلفي والحديث في مضاعفة التركُّز السكاني، ورفع كثافة السكان في المناطق التي تحبوها البيئات الطبيعية بمقومات الحياة المستقرة. ومن أنماط المناطق المتكاثفة سكانيًّا نتيجة تضافر الظروف الطبيعية والنشاطات الاقتصادية، غالبية المناطق المرتفعة ذات التربات البركانية والأمطار الوفيرة والحرارة المعتدلة؛ فحول مخروط جبل كينيا أو كليمانجارو تكاثف السكان قديمًا نتيجة ممارسة الزراعة الأولية، بينما انتشر الرعاة من أنصاف الحاميين في كثافة سكانية منخفضة فوق الهضاب الداخلية أو الأخدود الشرقي في تنزانيا وكينيا. ومن الظاهرات التي تستحق التسجيل، أن مناطق الجبال والحافات البركانية غنية التربة في باطن الأخدود الغربي، وعلى حافاته فيما بين بحيرة تنجانيقا وبحيرة إدوارد، مرورًا بمنطقة بحيرة كيفو وإقليم بوكافو في زائيري، وإقليمي رواندا وبوروندي؛ تُعَدُّ أكثف مناطق السكن الريفي الأفريقي قاطبة — باستثناء وادي النيل في مصر، والسبب في هذا راجع إلى عدة عوامل عملت معًا في اتجاه الزيادة السكانية واضطرادها في هذا الإقليم، فالمنطقة أولًا مهيَّأة بحكم مجمل ظروفها لقيام نشاط زراعي يدعم مجتمعات قروية مستقرة، وفي الوقت ذاته فإن المناطق الأقل خصبًا على منحدرات الأودية وسفوح الجبال العديدة في هذه المنطقة المعقدة تضاريسيًّا، شديدة التغاير إيكولوجيًّا في تتابع مستمر، قد ساعدت على وجود مراعٍ طبيعية تقيم أود مجتمعات رعوية، وعلى هذا فإن التداخل المستمر بين الراعي والمزارع قد ساعد على تداخُل آخَر بين مجمع الرعاة والزراع، وهكذا تعايَشَ الهيما الرعاة مع الهيرو الزرَّاع، ولما كان الرعاة مجتمعًا له تنظيماته العسكرية القوية، فقد تولَّى الرعاة الزعامة والسيادة، فيما يشبه طبقة أرستوقراطية إقطاعية، بينما خضع الهيرو الزرَّاع لهذا الحكم. وفي ظل دول الرعاة قام استقرار نسبي ساعد على الرخاء وحسن استغلال ما تقدِّمه البيئة، وتكثيف هذا الاستغلال مما ساعد على الزيادة السكانية، ومن ثَمَّ ارتفاع كثافة السكن والسكان.

وإذا كانت هذه هي الحالة الفريدة، فإن بقية شرق القارة يخضع لنظام التكاثف السكني الزراعي، أو قلة هذا التكاثف في مناطق الرعي شبه الجافة، ويتكرر هذا النمط كثيرًا: الهضبة الحبشية كثيفة السكان بالمقارنة بسهول وهضاب الصومال والجالا الرعوية، وسط وجنوب أوغندا الزراعي بالمقارنة بالشمال الرعوي، سهول تنزانيا الشرقية وجبالها وهضابها الغربية الزراعية بالمقارنة بوسطها الرعوي القليل السكان، هضاب ووديان مالاوي حول بحيرة نياسا بالمقارنة بمناطق زامبيا الشرقية شبه الجافة، أو داخلية موزمبيق بالقياس إلى السهول الغنية الساحلية، أو هضاب روديسيا الشرقية بالمقارنة بمنحدراتها الغربية الجافة، وأخيرًا شرق مدغشقر السهلي والهضبي الزراعي بالمقارنة بغربها الرعوي شبه الجاف.

وقد دخل عنصر الاستغلال الحديث الزراعي مناطق من مرتفعات شرق أفريقيا الصورة بعد الاستعمار الأوروبي واستيطان الجاليات الأوروبية، خاصة في مرتفعات كينيا على حافة الأخدود، وفي سفوح كليمانجارو وأوزمبورا في تنزانيا، وفي روديسيا الشرقية ومدغشقر الشرقية ومناطق مختلفة من موزمبيق البرتغالية، ويضاف إلى تكثيف إنتاج القرنفل، الذي بدأه العرب في زنجبار منذ قرون، إنتاجُ الكثير من المحاصيل النقدية في أوغندا وتنزانيا ورواندا ومدغشقر، والإنتاج المعدني المتعدد في مناطق محددة في أوغندا وتنزانيا وموزمبيق، وبصورة هائلة في حزام النحاس في زامبيا.

وأخيرًا فإن نمو المدن وظهور كثير من أشكال الحياة المدنية، وأنواع من الإنتاج الحديث المعدني والزراعي على طول خطوط المواصلات الحديثة، وخاصة الطرق الحديدية؛ قد أدَّى إلى مضاعفة التكاثف السكاني في مناطق أخرى، وعلى هذا تتعقد وتتداخل مناطق الكثافة العالية والمنخفضة كثيرًا في هذا القسم الشرقي من القارة، بحيث إنه يصعب علينا أن نجد نطاقات مستمرة متميزة بالكثافة العالية أو المنخفضة، كما سبق أن لاحظنا في شمال وغرب القارة، ومع ذلك فإنه يمكن القول إن أجزاء من مناطق حافات الأخدود الغربي والشرقي تكون أشرطة كثافة سكانية عالية، وإن القول ينطبق أيضًا على الساحل الشرقي في كينيا وتنزانيا، ولولا نقص البيانات لأمكن التعرُّف على مناطق كثيفة السكان في الهضبة الحبشية.

وعلى وجه العموم فإن سكان أفريقيا الشرقية يمثِّلون ثاني أقسام أفريقيا من حيث الكثافة العامة للسكان، وتنافس غرب أفريقيا في نصيبها من سكان القارة، وهي بظروفها الإيكولوجية المتنوعة ومناخها الأكثر اعتدالًا من غرب أفريقيا، يمكن أن تصبح منطقة سكنية جيدة متنوعة النشاط في أشكال النشاط الزراعي العام، بما في ذلك الثروة الغابية والحيوانية والسمكية.

(٤-٥) أفريقيا الجنوبية

تنقسم أفريقيا الجنوبية إلى قسمين واضحين، بواسطة خط يبدأ في الشمال الشرقي عند التقاء حدود جمهورية جنوب أفريقيا وروديسيا وبوتسوانا، ويمتد جنوبًا بغرب إلى مصب نهر أوليفانتس الشمالي (شمال كيبتاون بقليل) ويمثِّل القسم الذي يقع شرقي هذا الخط امتدادًا لظروف أفريقيا الشرقية العامة، لكنه أكثر انتظامًا من حيث تتابع أقاليم فيزيوجرافية واسعة وواضحة، فهناك السهل الساحلي الشرقي الذي يمتد دون انقطاع من موزمبيق إلى شرق إقليم الكاب عند إيست لندن، لكنه يتسع في الشمال ويضيق إلى أن يتلاشى في الجنوب.

وإلى الغرب من هذا السهل الخصيب الموسمي المناخ ترتفع الهضبة الأفريقية بسرعة في صورة حافات دراكنزبرج، وتستوي بعد ذلك لتكون هضابًا واسعة غير معقدة في إقليم الأورنج وترنسفال، وهضبة معقَّدة في دولة ليسوتو وشرقي الأورنج، وتنحدر هذه الهضبات في مجموعها صوب الغرب مع تصريف حوض الأورنج، إلى إقليم الحشائش القصيرة تمهيدًا للدخول في نطاق كلهاري الجاف.

وفي جنوب الهضبة الأفريقية تحتل السلاسل الالتوائية المتعددة والمتعاقبة مع الوديان الطولية، كلَّ جنوب وشرق إقليم الكاب، وتترك هذه الجبال جيوبًا ساحلية سهلة صغيرة عند مصبات الأنهار القصيرة التي تخترق محاور الجبال، وفي هذه الوديان والجيوب السهلية الساحلية نشأ تركُّز سكاني كبير، أوضح ما يكون في مناطق بورت إليزابث وموزل باي في الجنوب، وكيپتاون وما حولها وشمالها إلى خليج سانت هيلانة.

أما القسم الذي يقع غربي الخط الذي يقسم أفريقيا الجنوبية، فإنه يتكون في معظمه من حوض كلهاري والأورنج الغربي في الداخل، ومجموعة من الهضاب الأفريقية القديمة التي تشمل معظم ناميبيا، وأخيرًا سهل ساحلي ضيق إلى متسع في أحيان كثيرة هو عبارة عن صحراء ناميب الساحلية، وهذا القسم كله يكون الإقليم الجاف وشبه الجاف في أفريقيا الجنوبية، وبذلك فهو إقليم فقير في السكان إلا مناطق التعدين، أو حول مصادر المياه الجوفية، أو هوامش الإقليم الشمالية حيث يوجد بعض التصريف النهري المرتبط بتصريف حوض الزمبيزي في أحيان.

وعلى هذا فإن مجموعة الظروف الطبيعية قد ساعدت على تقسيم أفريقيا الجنوبية إلى عدة أقسام سكانية واضحة، وقد أسهمت أشكال النشاطات الاقتصادية السلفية والحديثة في مضاعفة أثر الظروف الطبيعية، فنجم عن ذلك كثافة سكانية عالية في ناتال الساحلية وفوق الهضاب الشرقية في الأورنج وترنسفال، وفي الجيوب الساحلية والأودية الجبلية المطيرة في جنوب وشرق إقليم الكاب.

وأعلى الكثافات السكانية تتمثل في المناطق التالية:
  • (١)

    السهل الساحلي في ناتال: حيث تُمارَس الزراعة النقدية بتركيز شديد، وخاصة بواسطة المجتمع الهندي المهاجر، وتمتد الكثافة العالية إلى بقية السهل حتى إيست لندن في الجنوب، لكنها تقل في الشمال صوب حدود موزمبيق، وذلك لامتداد نطاق من المستنقعات. وترتفع الكثافة السكانية في إقليمين صغيرين يمكن أن نلحقهما بهذا النطاق الساحلي: الإقليم الأول هو الذي تحتله دولة سوازي التي يتجمع فيها عدد كبير من البانتو المزارعين والرعاة، يمارسون نشاطهم في سهول حارة ترتفع تدريجيًّا إلى هضبة الترنسفال. والإقليم الثاني هو المنطقة الجبلية والهضبة الممتدة غربي السهل الساحلي في ليسوتو وشرق الكاب، حيث يتركز عدد كبير من البانتو في معازل عديدة يمارسون الرعي والزراعة، ويهاجر شبابهم بأعداد متزايدة للعمل في مختلف أنواع النشاط المديني في موانئ شرق الكاب، وخاصة إيست لندن القريبة.

  • (٢)

    منطقة الراند التعدينية والجزء المحيط بها من الهضاب في صورة نطاق يضم مجمع جوهانسبرج المديني، ويمتد شمالًا إلى بريتوريا، وتساهم الحياة المدينية والثروة المعدنية والصناعية والنشاط الزراعي الكثيف في المنطقة على رفع كثافة السكان في المنطقة كثيرًا.

  • (٣)

    منطقة كيبتاون ومنطقة الجبال في سيروس-ورستر، حيث تشترك المدينة الكبيرة ومناطق زراعة محاصيل البحر المتوسط في رفع الكثافة السكانية في هذه المنطقة.

وعلى العموم فإن أفريقيا الجنوبية ما زالت تكون منطقة قليلة السكان، وذلك راجع إلى انخفاض المواليد نسبيًّا عن بقية القارة، وإن كان انخفاض الوفيات أيضًا يؤدِّي إلى نسبة نمو معقولة، وهنا يجب ألا نغفل أثر حياة المعازل التي تفرض على البانتو، مما يؤدي إلى فقرهم اقتصاديًّا، وإلى انخفاض نسبة نموهم السكاني.

(٥) الهجرة الداخلية في أفريقيا

لا يسعنا إلا أن نختم موضوع السكان في أفريقيا بكلمة موجزة عن حركات الهجرة الداخلية في القارة، والحركات الداخلية ليست أمرًا غريبًا على القارة، بل إن تحركات القبائل الأفريقية الرعوية، وخاصة في نطاقات السفانا السودانية، وتلك التي تميِّز أجزاء كثيرة من شرق القارة وجنوبها، أمر يكاد يكون مسجلًا في التاريخ غير المكتوب لهذه الشعوب، لكن هذه التحركات قد توقَّفت إلى أبعد الحدود منذ بداية القرن الحالي، نتيجة فرض الحدود في عهد الاستقلال.

وبرغم هذه الحدود فإن هناك تحركات صغيرة المدى للأفراد وبعض العشائر مسموح بها من قِبَل الحكومات في حدود مكانية وزمنية ضيقة، وقد اتخذت هذه الإجراءات كنوع من تصحيح الأخطاء التي نجمت عن خطوط الحدود التي رسمها الاستعمار رسمًا تعسفيًّا، وكان من شأنها اقتطاع أراضي الكثير من القبائل بين دول مختلفة، أو فصل بعض القبائل عن أراضٍ تعد مجالها الحيوي.

figure
خريطة رقم (٤٤).

ومن الأمثلة على ذلك الحدود السياسية بين مصر والسودان التي لم تراعِ المجال الحيوي لقبائل البشارية والعبابدة، مما أدى إلى السماح بحركة البشارية شمالًا في بعض الأراضي المصرية، وحركة العبابدة جنوبًا في بعض الأراضي السودانية، وأدى في النهاية إلى ابتكار فكرة الحدود الإدارية المتعرجة بين الدولتين. ومثال آخَر هو حدود غانا الشمالية التي لم تراعِ تحركات قبائل جنوب جمهورية الفولتا أو قبائل شمال غانا حسب المواسم المختلفة داخل أراضي كلٍّ من الدولتين، وكذلك حدود غانا وتوجو التي فصلت شعب الإيوي إلى قسمين. وفي الحقيقة نجد غالبية الحدود السياسية في أفريقيا قد قسمت شعوبًا وقبائل لا حصر لها، مما يؤدي أو قد يكون في المستقبل مدعاة لإجراء تسويات إقليمية بين الدول المتجاورة.

وإلى جانب هذه الحركات المستمرة عبر الحدود السياسية الراهنة، فإن هناك هجرات العمل التي تشتمل أفراد أو جماعات قليلة من الشبان والرجال من مناطق الفقر الاقتصادي أو مناطق الازدحام السكاني، إلى المناطق التي تجتذب إليها الأيدي العاملة، وخاصة أنشطة الخدمات والنقل والصناعة في المدن، والنشاط التعديني في مناطق الثروة المعدنية الرئيسية: زائيري وزامبيا وجنوب أفريقيا، ولولا هذه الهجرات لما استطاعت الشركات أن تحقِّق ما تحقِّقه من إنتاج معدني وأرباح وفيرة. ونظرًا لأن هذا النوع من هجرات العمل لا ينتهي — نظريًّا — بالإقامة الدائمة في مكان العمل، فإن هذه الهجرة تشتمل في معظم حجمها على الرجال عامة والشبان بصفة خاصة؛ إذ إن القصد منها توفير بعض المال من أجل إرسال الحوالات البريدية النقدية لأسرة المهاجر، ولكننا نجد أن الجانب الأكبر من هذه الهجرة قد استقرَّ في أماكن العمل وتزاوَجَ محليًّا أو من أقاربه.

ومعظم هجرات العمل هذه تحدث في القسم الجنوبي من القارة، حيث نجد أكبر مصادر للثروة التعدينية المستغلة والمعروفة حاليًّا في أفريقيا، وخاصة في جنوب أفريقيا وزامبيا وزائيري، ولكن هذه الدول تتميز بكثافة سكانية منخفضة، فضلًا عن وجود مناطق كثيفة السكان فقيرة الموارد إلى جوارها، ولهذا نجد أن هجرات العمل قد تخطَّتْ شكل الهجرة الداخلية إلى هجرة العمل الدولية، وأكبر مصدر للعمَّال المهاجرين هي المستعمرات البرتغالية، وخاصة موزمبيق. وتصدر حكومات الاستعمار البرتغالي في موزمبيق وأنجولا تصاريح هجرة لعدد يتراوح سنويًّا بين مائة ومائتي ألف شخص، وتتكسب الحكومة البرتغالية من وراء إصدار هذه التصاريح، بالإضافة إلى عمولة تتقاضاها من شركات التعدين في جنوب أفريقيا. وهناك مصادر أخرى للأيدي العاملة المهاجرة من مالاوي وليسوتو وبوتسوانا ورواندا وبوروندي، وتتجه العمالة المهاجرة من مالاوي إلى زامبيا، ومن ليسوتو وبوتسوانا إلى جنوب أفريقيا، ومن رواندا وبوروندي إلى زائيري ومناطق التعدين في غرب أوغندا، وفي الحقيقة كان ضم رواندا وبوروندي إلى الكنغو (انتداب بلجيكي) بعد الحرب العالمية الأولى، نوعًا من الإنقاذ لمشكلة الأيدي العاملة للشركات البلجيكية في كاتنجا ومناطق التعدين الأخرى في بقية زائيري، الذي كان يعاني بشدة من نقص السكان؛ فقد كانت الكثافة السكانية في أواخر الخسمينيات نحو ٦ أشخاص/كم٢، وبالرغم من ارتفاعها إلى ١٠ في الوقت الحاضر إلا أنها لا تقارن بكثافة السكان في رواندا (١٤٥ شخصًا/كم٢)، وبوروندي (١٣٠ شخصًا/كم٢).

وإلى جانب ذلك فإن هناك هجرات عمل موسمية للمساهمة في جمع بعض المحاصيل في المزارع الواسعة أو مزارع المحاصيل النقدية، كما هو الحال في مزارع السيزال في تنزانيا والكاكاو في غانا، وهنا نجد هجرات موسمية في المناطق الداخلية من تنزانيا، أو من جمهورية الفولتا، ومثل ذلك يحدث أيضًا في نيجيريا وساحل العاج والسنغالي.

وأغرب أنواع هجرات العمل تلك التي تحدث بسبب الحج على طول طريق السفانا السودانية، فكثير من مسلمِي غرب أفريقيا كانوا يقومون برحلة طويلة إلى مكة المكرمة سائرين على أقدامهم عبر السفانا إلى السودان، ومن ثَمَّ عبر البحر الأحمر إلى الحجاز، ولما كان غالبية هؤلاء الحجاج فقراء، فقد كانوا يقطعون هذه الرحلة في عدة سنوات يقومون فيها أثناء انتقالهم بالمساعدة في الأعمال الزراعية أو غيرها من الأعمال لسكَّان القرى والمدن التي يمرون عبرها، وقد تطول إقامتهم فترات طويلة في قرية أو مدينة معينة خلال رحلة الذهاب أو الإياب، وقد ترتَّبَ على مثل هذه الرحلات انتشارٌ كثيرٌ من سكان غرب أفريقيا على طول السفانا في «حلات» تُسمَّى في جمهورية السودان باسم «حلة الفولاني» أو «الفلاته» كاسم جماعي يُطلَق على سكان غرب أفريقيا، وقد ساهَمَ هؤلاء كثيرًا في إقامة بعض الحِرَف اليدوية والعمل في مشروعات السودان الزراعية انظر خريطة رقم (٤٤).

(٦) الأمراض في أفريقيا

لا شك أن لكل قارة أمراضًا خاصة بها تتكون نتيجة لظروفها الخاصة، وهذه الأمراض كانت إحدى العوائق الرئيسية التي تقف أمام نمو أعداد السكان في الماضي، وأمام بذل المزيد من النشاط من أجل التقدم الاقتصادي في الوقت الحاضر، وهذا الوضع ينطبق تمامًا على أفريقيا؛ لأن أمراضها ومكافحة هذه الأمراض والوقاية منها جاءت متأخرة نتيجة تأخر كشفها كشفًا علميًّا، وفي أفريقيا أمراض عالمية معروفة، عرفها الأوروبيون حينما وصلوا القارة، ولكن أمراض أفريقيا المدارية أمراض خاصة لم تُعرَف على الفور. وفي الوقت الحاضر نستطيع أن نقول إن معظم أمراض أفريقيا قد عُرِف، ولكن الذي لا يوجد في معظم الأحيان للقضاء عليها عامل هام هو رأس المال، والخبرة الطبية الضرورية في العلاج والوقاية واستمرار البحث عن وسائل أجدى للعلاج وملاحقة تطور الأمراض بعد حصولها على مناعة ضد الدواء.

figure
خريطة رقم (٤٥).
ومن أهم أمراض القارة التي تؤثِّر على الماشية والإنسان معًا، مرض النوم Trypanosomiasis، الذي ما يزال منتشرًا في مساحة كبيرة من أفريقيا، وأضرار مرض النوم معروفة: فالوفاة أمر يكاد أن يكون محتومًا، والذي ينجو منه من الإنسان يظل قليل النشاط، وأكثر أخطاره المعروفة أنه يقضي على أعداد الماشية بحيث يتعذر مع وجوده وجود الماشية في أفريقيا الاستوائية، ولا شك أن الماشية والخيل كانت في الماضي عماد الغذاء والنقل، ولا شك أن الانتقال السريع بواسطة الخيل كان له أثره في نمو فتوحات المغول في آسيا، وفتوحات الأوروبيين في الأمريكتين اللتين لم تعرفا الخيول قبل وصول الأوروبيين، ورغم وجود الخيل والماشية بأعداد كبيرة في أفريقيا، إلا أنها لم تكن منتشرة في كل أرجاء القارة، بل مركزة في المناطق الخالية من مرض النوم، ولذلك فإن هذه المناطق هي التي تكوَّنت فيها الإمارات الأفريقية في السفانا السودانية على وجه الخصوص. ورغم دخول الخيل إلى مناطق أخرى من نطاق الغابات — جنوب نيجيريا على سبيل المثال — إلا أن الحيوان الموجود لم يكن من الكفاية والنشاط والقوة الجسمانية، كما هو الحال في غير مناطق مرض النوم.

ولقد أصبح في الإمكان مكافحة مرض النوم بواسطة تطعيم الإنسان والحيوان، وبواسطة تطهير الأحراش وقطع الأشجار، وهي مناطق توالُد هذا المرض؛ لأن ذبابة تسي تسي لا تستطيع أن تعيش في منطقة مكشوفة خالية من الأشجار، كما أن الغابات الكثيفة ليست منطقة تسي تسي الحقيقية، ولكن تطهير الأحراش وتحصين الإنسان والحيوان بالتطعيم أمر مكلِّف جدًّا، ونجاح أفريقيا في التخلُّص من مرض النوم مترتب على الأرصدة التي تُخصَّص لهذا العمل.

ويمكننا أن نقسِّم أمراض أفريقيا حسب عدة قواعد تبعًا لانتشارها وتوزيعها، أو تبعًا للتصنيف البيولوجي لمسببات الأمراض، أو تبعًا لتأثيرها على المصابين. وإذا أخذنا القاعدة الثالثة فإننا نستطيع أن نقسم أمراض أفريقيا إلى أربع مجموعات رئيسية:
  • المجموعة الأولى: تحتوي على كل الأمراض المرتبطة بالحياة الريفية الأفريقية، وبالتالي تشمل معظم الأفريقيين، وهذه عبارة عن أمراض تُنقَل أساسًا بواسطة الحشرات وغيرها من ناقلات المرض، ولا يمكن مكافحة هذه المجموعة أو وضعها تحت سيطرة الطب، إلا إذا أمكننا تحسين المساكن الأفريقية ومياه الشرب وتحسين الصحة العامة، وهذه المجموعة تشتمل على الملاريا ومرض النوم والحمى والصفراء والالتهاب الرئوي.
  • المجموعة الثانية: هي الأمراض التي ترتبط بالظروف غير الصحية والعادات غير الصحية التي تنشأ عن سكن الأحياء المكتظة في المدن الحديثة، واختلاط الناس من مختلف البيئات، ولبس الملابس الإفرنجية، وبما أن هذه الملابس في الواقع أغلى من الملابس الوطنية، فإن الأفريقي غير قادر على أن يمتلك أكثر من ثوب، وبالتالي تظل الملابس قذرة فترة طويلة، كما أنها تكون في أحيان غير صحية بالنسبة للظروف المناخية، ولقد عبَّرَ عن ذلك الأستاذ ورزنجتون فقال: «الملابس القذرة بديل بائس للعري النظيف.»٤ وتشتمل هذه المجموعة على الطاعون والتيفوس والجذام والبلهارسيا … إلخ.
  • المجموعة الثالثة: تنتشر بسبب الجهل مثل الأمراض التناسلية.
  • المجموعة الرابعة: أمراض سوء التغذية، ومن أهم هذه الأمراض التي لقيت عناية شديدة في الآونة الأخيرة، ما يُسمَّى باسم «كواشيوركر Kwashiorkor»، ويؤدي إلى عدة مظاهر مرتبطة بسوء التغذية، وخاصة النقص الشديد في البروتين، ويؤثِّر ذلك بشدة على الأطفال، خصوصًا بعد الفطام؛ فإنهم يُترَكون لغذاء من النشويات فقط، وقد أدت أبحاث بعض المختصين في هيئة الصحة العالمية إلى القول بأن مظاهر الإصابة بمرض الكواشيوركر تبدأ في الظهور على الأطفال الأفريقيين في سنتهم الثالثة.٥ ومظاهر هذا المرض تأخُّر النمو، البطون البارزة، وإصابة الكبد إصابة دائمة، وربما غيره من أعضاء الجسم، كما أنه يسبب ٣٠٪ من الوفيات من بين المصابين به، وتعزى عدة أمراض أهمها سرطان الكبد للكبار إلى الإصابة بالكواشيوركر في الطفولة. ويقال في أوروبا إن الإنسان يعدُّ عمره بمدى جودة الشرايين، وفي أفريقيا بمدى سلامة الكبد.٦ وإذا أخذنا بوجهة النظر العامة، فإنه يمكن أن نقول: إن غالبية أمراض أفريقيا يمكن أن يرتبط بالمجموعة الرابعة من الأمراض؛ لأن المجموعات الثلاثة السابقة عبارة عن تدهور حالة هي من قبلُ متدهورة بواسطة أمراض سوء التغذية.
ومن أبرز الدراسات الطلائعية في هذا الحقل تلك التي كتبها «أور» وزميله «جيلكس» Orr & Gilks عام ١٩٣١ عن الماساي والكيكويو في كينيا؛٧ فالماساي يعيشون على اللبن واللحم والدم الخام، وهو يتميز بنسبة ضخمة من البروتين والدهن والكلسيوم، أما الكيكويو فيعيشون أساسًا على الحبوب والجذور والفاكهة، وهو غذاء يكاد يمثِّل معظم أنماط الغذاء الأفريقي، ولقد وجدت الدراسة أن رجال الماساي عادة أطول بخمسة بوصات (١٣سم)، وأثقل بمقدار ٢٣ رطلًا (١٠ كيلوجرامات) عن رجل الكيكويو، وبالإضافة إلى ذلك فقوته العضلية ٥٠٪ أكبر من الكيكويو، كذلك لُوحِظَ أن أمراض الكيكويو أكثر وأوسع انتشارًا، وخاصة تشوُّه العظام والأنيميا وأمراض الأسنان والقرحة المدارية، بينما كانت أكثر الأمراض شيوعًا بين الماساي، التهاب المفاصل rheumatoid arthritis، وأمراض الأمعاء intestinal stasis،٨ وتدل هذه الدراسة بلا شك أن معظم أمراض أفريقيا مرتبط بسوء التغذية.

ولا تعني أمراض أفريقيا أنه لا يمكن التغلب عليها، ولكن لذلك شروط سبق أن ذكرنا منها المال والخبرة، ونضيف إليها ضرورة تحسين المواصلات؛ لأن العزلة في أماكن مبعثرة يتعذر الوصول إليها كانت من أهم أسباب التخلف في الماضي، ومن أهم أسباب انتشار الأمراض في الوقت الحاضر، والحقيقة أن الغزو الأوروبي لأفريقيا لم ينجح في القضاء على أمراض القارة، إنما في الحقيقة زاد من أمراضها نتيجة التجمع السكني غير الصحي في المدن التي أنشأها كعواصم إدارية، أو مراكز تجارية، أو مدن التعدين والصناعات التحويلية، ولم يَعُدْ أمام أفريقيا المستقلة في الوقت الحاضر إلا ضرورة مواجهة تركتها الماضية مواجهةً صريحة جدية بمساعدة الخبرة العالمية.

وفيما يلي عرض موجز لأمراض أفريقيا حسب المجموعات السابقة، متضمنًا كشفًا بأهم أمراض كل مجموعة على حدة:

المجموعة الأولى من الأمراض: أمراض الريف

  • الملاريا: يحتمل أن تزول من أفريقيا؛ لأن منظمة الصحة العالمية تقوم بحملةٍ منظَّمَةٍ ضد بعوضة الملاريا.
  • الحمى الصفراء: مرض للقرود قد يظهر في صورة وباء عند الإنسان وينقله إليه البعوض، وفي أحد هذه الأوبئة الأخيرة (١٩٥١) في نيجيريا مات ٦٠٠ شخص من إصابات عددها ٥٥٠٠ حالة.
  • مرض النوم: ينتشر بين الإنسان والحيوان بواسطة ذبابة تسي تسي من أنواع عديدة، ومن أهم وسائل مقاومته قَطْعُ الشجيرات والأحراش، وقتلُ الحيوانات البرية للتخلص من تلك الذبابة التي تحمل المرض وتستطيع مواصلة الحياة، وبالتالي ينتقل منها المرض. وتحصين الحيوانات المنزلية والإنسان، علمًا بأنه يجب تجديد التحصين كل ستة أشهر.
  • عمى الأنهار Onchocersiasis: يُنقَل بواسطة أنواع من الذباب من ديدان معينة قرب الأنهار إلى الإنسان، وتنتهي بالعمى؛ ولذا سُمِّي بهذا الاسم «عمى الأنهار».
  • الالتهاب الرئوي والسل: من بين أسباب الوفيات المرتفعة في أفريقيا.

المجموعة الثانية: الأحوال والعادات غير الصحية

  • (١)

    التراكوما: نسبة الإصابة عالية جدًّا وتؤدي إلى عمى كلي وجزئي، تُكافَح بواسطة المضادات الحيوية.

  • (٢)

    التيفوس: أنواعه عديدة في أفريقيا.

  • (٣)

    التيفود: منتشر في الأحياء الفقيرة من المدن وهو مرض معدي.

  • (٤)

    الديدان: تعيش في الأمعاء الدقيقة، وتمتص الدم، وتسبِّب الأنيميا أو فقر الدم والضعف العام. من السهل معالجتها منها، ولكن يمكن عودة الإصابة بها.

  • (٥)

    الطاعون: تنقله الحشرات الصغيرة (البراغيث والبق)، ويمكن مكافحته بسهولة.

  • (٦)

    الجزام: يمكن أن يدخل ضمن هذه المجموعة أو التالية من الأمراض. ما زال مشكلة، وليس من السهل معرفته في أوائل الإصابة، والحل الحالي هو العزل.

المجموعة الثالثة: أمراض الجهل

  • (١)

    الأمراض التناسلية: السيلان (أفريقي الأصل)، والزهري (مستورد).

  • (٢)
    يوز Yaus:٩ قريب من الزهري، ولكنه ليس مرضًا تناسليًّا، ويمكن أن ينجم عن الجروح التي لا تُطهَّر.
  • (٣)

    البلهارسيا: تسببها ديدان خاصة تعيش دورتها بين قواقع نهرية والإنسان، يؤدي إلى ضعف الجسم، خاصةً إذا ارتبط بسوء الغذاء.

المجموعة الرابعة

أمراض سوء التغذية: وأهمها كواشيوركر الذي سبق الكلام عنه وتوضيح أخطاره.

جدول ٩-٦: موجز الخدمات الصحية في أفريقيا.*
الدولة وسنة الأرقام عدد الأسرة في المستشفيات عدد الأفراد لكل سرير عدد الأطباء عدد الأفراد لكل طبيب عدد الصيادلة
متوسط أفريقيا ٧٦٠ ٢٤٠٦٧
إثيوبيا (٦٦–٦٩) ٩٣٠٠ ٢٤٨٥ ٣٤٥ ٧١٧٩٧ ٥١
أفريقيا الوسطى (٧٠) ٣٤٠٠ ٤٧١ ٤٢ ٣٨٣٣٣ ٤
الجزائر (٦٩) ٣٩٠٠٠ ٣٥٦ ١٦٩٨ ٨١٤٢ ٢٦٥
السنغال (٦٩-٧٠) ٥١٠٠ ٧٤٠ ٢٦٣ ١٤٩٤٣ ٦٤
السودان (٦٧–٦٩) ١٣٨٠٠ ١٠٥٦ ٨٠٦ ١٨٩٩٥ ٢٠٧
الصومال (٦٤–٦٧) ٤٤٠٠ ٥٦٦ ٧٢ ٣٦٢٥٠
الصومال الفرنسي (٧٠) ٩٠٠ ١٠٦ ٤٤ ٢٢٧٣ ٥
الكمرون (٦٩) ١٩١٠٠ ٣٠٠ ٢٢٥ ٢٥٩٥٦ ٦١
الكنغو (٦٧) ٥٠٠٥ ١٧٦ ١٢٧ ٧٢٤٤ ١٦
المغرب (٦٩) ٢٢١٠٠ ٦٨٠ ١١٤٤ ١٣١٥٦ ٣٤٩
النيجر (٦٩) ٢٠٠٠ ١٩٠٣ ٦٩ ٥٦٦٦٧ ٥
أنجولا (٦٩) ١٣٤٠٠ ٤٠٥ ٥٢٤ ١٠٣٦٣ ٧٤
أوغندا (٦٩) ١٥٥٠٠ ٦١٤ ١٠٩٩ ٨٦٩٠ ١١٧
بوتسوانا (٦٩) ١٧٠٠ ٣٧٦ ٢٧ ٢٣٣٣٣ ٢
بوروندي (٧٠) ٤٥٠٠ ٧٨٧ ٥٩ ٦٠٠٠٠ ٥
تشاد (٧٠) ٥٣٠٠ ٧٠٠ ٥٨ ٦٣٩٦٦ ٣
تنزانيا تنجانيقا (٦٩) ١٨٠٠٠ ٦٩٧ ٥٤٢ ٢٣١٧٣ ٥٢
زنجبار (٦٧) ٩٠٠ ٤٠٠ ٤٣ ٨١٤٠ ٣
توجو(٦٧-٦٨) ٢١٠٠ ٨١٧ ٦٨ ٢٦٠٢٩ ١٩
تونس (٦٩–٦٧) ١٢٥٠٠ ٤٠٥ ٦٥٦ ٧٣٤٨ ١٢٩
جابون (٦٩) ٥٠٠٠ ٩٨ ٩٦ ٥١٠٤ ١٢
جنوب أفريقيا (٦٢–٦٧) ٨٧٩٠٥ ١٨٩ ١٢٤٧٣ ١٥٠٢ ٣٦٣٩
داهوامي (٧٠) ٢٩٠٠ ٩٢٠ ٨٤ ٣٢٠٢٤ ٢٤
رواندا (٧٠) ٤٧٠٠ ٧٦٨ ٦٢ ٥٧٩٠٣
روديسيا (زمبابوي) (٧٠) ١٨٠٠٠ ٢٩٢ ٨٣٣ ٦٣٢٧ ٣١٠
ريودورو (٧٠-٦٩) ٣٠٠ ١٧٤ ٤٩ ١٠٢٠ ٤
زائيري (٦٨-٦٩) ٦١٥٠٠ ٣٢٣ ٦١٤ ٣٣٧١٣ ١٠٣
زامبيا (٦٧) ١١٧٠٠ ٣٣٨ ٢٤٥ ١٦١٢٢ ٧٦
ساحل العاج (٦٦–٦٩) ٧٦٧٢ ٥١١ ٢٠٧ ٢٠٣٣٨ ١١
سوازيلاند (٧٠) ١٥٠٠ ٢٩٠ ٥٢ ٧٨٨٥ ٧
سيراليون (٧٠-٦٩) ٢٥٠٠ ١٠٢١ ١٥٤ ١٦٢٤٩ ٧
غانا (٧٠-٦٩) ١١٤٠٠ ٧٩٣ ٥٧٥ ١٥٢٠٠ ٣٧٦
غمبيا (٦٦–٦٩) ٥٠٠ ٦٩٧ ١٩ ١٨٩٤٧ ٢
غينيا (٦٨-٦٩) ٤٦٠٠ ٨٠٦ ٧٧ ٤٩٧٤٠ ٨
غينيا الاستوائية (٦٧-٦٦) ١٦٣٥ ١٧١ ٥٣ ٥٠٩٤
غينيا بيساو (٦٩) ٩٠٠ ٥٩٦ ٣٠ ١٧٦٦٧ ٣
فولتا العليا (٦٩-٧٠) ٣٢٠٠ ١٦٤٠ ٥٨ ٩٢٧٥٩ ١٣
كينيا (٦٧–٦٩) ١٣٦٠٨ ٧٥٠ ١٢٤٨ ٨٧١٨ ١٦٧
ليبيا (٧٠) ٧٦٠٠ ٢٥٦ ٧٣١ ٢٦٥٤ ١٦٧
ليبيريا (٦٧-٦٦) ٢٢٠٠ ٥٠٩ ١١٨ ٩٢٣٧
ليسوتو (٦٩-٧٠) ١٩٠٠ ٤٧٤ ٣٥ ٢٩٧١٤ ٢
مالي (٦٨-٦٩) ٣٠٠٠ ١٥٧٢ ٨٠ ٦١٠٠٠ ١١
مالاوي (٦٥–٦٧) ٥٠٠٠ ٧٩٤ ٩٥ ٤٣٣٦٨ ٦
مصر (٦٨-٦٩) ٦٨٨٠٠ ٤٧٢ ١٦٢١٩ ٢٠٠٤ ٥٣٥٩
موريتانيا (٧٠-٦٩) ٢٠٠ ٥٢٤٧ ٤٤ ٢٥٩٠٩ ٨
موزمبيق (٦٧) ١٣١٠٠ ٥٤٩ ٤٤٣ ١٦٢٣٠ ١٠٤
ملاجاشي (٦٩) ١٩١٠٠ ٣٤٥ ٦٦٢ ٩٩٧٠ ٨٠
ناميبيا؟ (ربما أدمجت أرقامها مع جنوب أفريقيا)
نيجيريا (٦٦-٦٧) ٢٨٠٠٠ ١٨٦٧ ٢١٨٠ ٢٤٠٣٢ ٨٠٨
الجزر الأفريقية:
روينيون (٦٩) ٣٤٠٠ ١٣١ ١٧٣ ٢٥٤٣ ٦٥
سانت هيلانة وتوابعها (٦٦) ٦٨ ٧٠ ٣ ١٦٧٠
ساوتومي وبرنسيب (٦٦) ٢١٦٢ ٣٠ ٢٠ ٣١٥٠
سيشل (٦٦) ٣٤٨ ١٤٠ ١٢ ٤٠٠٠
كومورو (٦٧) ٥٥٠ ٤٢٥ ١٤ ١٧١٤٣ ١
كيب فرد (٦٩) ٣٧٦ ٦٦٥ ١٣ ١٩٢٣٠ ٨
موريشس (٧٠) ٣٣٠٠ ٢٤٨ ١٩٨ ٤٠٩١ ٥١
المصدر: الكتاب السنوي الإحصائي للأمم المتحدة ١٩٧١.
ملاحظة: في حالة وجود تاريخين أمام الدولة، فالرقم الأول خاص بالمستشفيات، والثاني يعود على الأطباء والصيادلة.
figure
خريطة رقم (٤٦).
figure
خريطة رقم (٤٧).
ويتضح من جدول ٩-٦، وخريطتَيْ رقم(٤٤ و٤٥)، أن معظم أفريقيا تعاني بشدة من نقص الأطباء والصيادلة، وإنْ كانت الحكومات تسعى جاهدة لتحسين الأحوال الصحية بافتتاح المستشفيات وتزويدها بالأطباء والمساعدين الطبيين، ويمكن أن نقسِّم النتائج التي يعطيها الجدول على النحو التالي:
  • أولًا: المناطق المتخلفة في الخدمات الطبية: بحساب متوسط أفريقيا في عدد الأفراد لكل سرير أو كل طبيب، نجد أن أكثر الدول تخلُّفًا في هذا المجال هي تلك التي توجد في نطاق السفانا السودانية من إثيوبيا إلى موريتانيا، وهي في غالبيتها دول فقيرة في مواردها المستخدمة حاليًّا، وتتصف باتساع مساحاتها مع ضعف بارز في وسائل النقل الحديث. والواقع أن غالبية هذه الدول تتميز بوجود منطقة مركزية واحدة يتكاثف فيها النشاط الاقتصادي والسكان والسكن، بينما بقية مسطح الدولة عبارة عن مناطق شاسعة من الصحاري أو السفانا أو الجبال الوعرة الفقيرة السكان، الذين يمارسون أشكالًا بدائية من الاقتصاد الاستهلاكي المباشر.

    وأعلى دول تتميز باشتراك مؤثرات ضعف الخدمات الصحية هي إثيوبيا والفولتا ومالي، بينما تنخفض تجهيزات المستشفيات كثيرًا عن معدل أفريقيا في نيجيريا وموريتانيا والسودان وسيراليون على التوالي، وينخفض عدد الأطباء عن المتوسط في تشاد والنيجر وغينيا وداهومي في أفريقيا الغربية، وفي أفريقيا الوسطى وزائيري في وسط أفريقيا، وفي الصومال في شرق القارة.

    ويمكن أن نلخِّص الموقف على النحو التالي:
    • (أ) دول تنخفض فيها كلُّ الخدمات الصحية عن متوسط أفريقيا: إثيوبيا – فولتا العليا – مالي – النيجر – داهومي – غينيا.
    • (ب) دول تنخفض فيها خدمات المستشفيات: نيجيريا – موريتانيا – سيراليون – توجو – السودان.
    • (جـ) دول ينخفض فيها عدد الأطباء: تشاد – أفريقيا الوسطى – زائيري – رواندا – بوروندي – مالاوي – الصومال.
  • ثانيًا: دول عند متوسط أفريقيا للخدمات الطبية: تتركز هذه الدول في منطقتين مكملتين للنطاق المداري الذي يحتوي مجموعة الدول السابقة الذكر؛ ففي غرب أفريقيا خدمات المستشفيات عند المتوسط في المنطقة الممتدة من السنغال إلى غانا باستثناء غينيا وسيراليون، وفي دول هذه المنطقة نجد عدد الأطباء يفوق المتوسط الأفريقي باستثناء ساحل العاج وغينيا وسيراليون، ويمكن أن نلحق الكمرون بهذه المجموعة من الدول، ولكن الخدمات الصحية التي تقدِّمها المستشفيات فيها أعلى بكثير من متوسط أفريقيا.

    أما مجموعة الدول الثانية فتقع في شرق أفريقيا؛ كينيا وأوغندا وتنزانيا وموزمبيق، وتتشابه حالة هذه الدول مع دول المنطقة الغربية من غرب أفريقيا في أن خدمات المستشفيات عند المتوسط العام الأفريقي، بينما يرتفع عدد الأطباء كثيرًا عن المتوسط إلا في حالة تنزانيا، ولعل اشتراك عدة ظروف كانت سببًا في ارتفاع مستوى الخدمات الصحية عامة عن بقية أفريقيا المدارية، فهذه الدول معظمها متقدم في نشاطه الاقتصادي — غالبًا محاصيل نقدية في غرب أفريقيا — أو نتيجة لوجود جاليات أجنبية أوروبية وهندية مستوطنة في شرق أفريقيا. ويضاف إلى ذلك أن معظمها دول صغيرة المساحة ذات كثافات سكانية منخفضة إلى متوسطة، مع جودة لا بأس بها في خطوط المواصلات في أقاليم الدولة المنتجة المزدحمة بالسكان، ووجود حياة مدينية متطورة الخدمات (دكار، وإيبجان، وأكرا، وكوماسي، وتاكورادي، ومنروفيا، ونيروبي، وممبسة، وكمبالا، ودار السلام، وتنجا، ولورنز، وماركيز).

  • ثالثًا: دول فوق المتوسط في الخدمات الصحية: توجد هذه الدول في منطقتين رئيسيتين هما: أفريقيا الجنوبية، وأفريقيا الشمالية أو العربية، بالإضافة إلى منطقة صغيرة في أفريقيا الاستوائية تشمل الكنغو وجابون وغينيا الاستوائية.

    وتوجد أعلى النسب في كافة الخدمات الطبية في جمهورية جنوب أفريقيا، وهي أقرب النِّسَب إلى متوسط أوروبا، ولكن تتفوق عليها جابون والكنغو وغينيا الاستوائية في خدمات المستشفيات للأفراد، أما دول أفريقيا الشمالية فمعدلاتها عالية وتترأسها في المجموع مصر وليبيا، وأقلها المغرب، وتنخفض الخدمات الصحية عامة في زامبيا وروديسيا وأنجولا عن جنوب أفريقيا وشمالها، وإنْ كانت فوق المتوسط الأفريقي بكثير.

    ولا شك أن تفوُّقَ جنوب أفريقيا يرجع إلى زيادة نسبة المستوطنين البيض عن أي دولة أخرى في القارة، وإلى غنى الدولة وكثرة الحياة المدينية وجودة المواصلات الحديثة — خاصة الحديدية — وفي هذا تتشابه روديسيا مع جنوب أفريقيا مع فوارق الحجم والثروة وعدد المستوطنين الأوروبيين.

    أما نطاق شمال أفريقيا فإن تحسُّنَ الخدمات الصحية فيه راجع إلى التقدم العام لدول هذه المنطقة، وكثرة التعليم، وانتشار التعليم الجامعي في مجال الطب وخاصة في مصر. والحقيقة أن تناسُبَ الخدمات الصحية العامة والخاصة في مصر مع مستوى دخول الأفراد، بالقياس إلى مثيل ذلك في جنوب أفريقيا، يجعل مصر في واقع الأمر الدولة الأفريقية المتصدرة في الخدمات الصحية، هذا فضلًا عن أن مصر تصدِّر جانبًا هامًّا من الخبرة الصحية — أطباء، صيادلة، وغير ذلك من الخدمات الطبية — إلى كثير من الدول الأفريقية من الصومال إلى نيجيريا، ومن الجزائر إلى زامبيا.

    وأخيرًا، فإن ارتفاع الخدمات الصحية بصورة مدهشة في الكنغو وجابون، إنما يرجع إلى كثرة ما أُنشِئ من مستشفيات ومراكز أبحاث لطب المناطق الحارة منذ فترة الاحتلال الفرنسي، وكثرة ما يُرصَد لهذه المراكز من اعتمادات وأموال، وما يُجلَب لها من أطباء وباحثين. أما في غينيا الاستوائية فإن ارتفاع الخدمة الصحية راجع إلى كثرة الخدمة الصحية في جزيرة فرناندوبو — مثلها في ذلك مثل ارتفاع الخدمات في كافة الجزر الأفريقية (راجع جدول ٩-٦).

    والخلاصة أن معظم أفريقيا تتشابه مع نمط الدول المتخلفة في العالم في قلة الخدمات الصحية بالنسبة للسكان، فعلى سبيل المثال نجد في إندونيسيا طبيبًا واحدًا إلى كل ٢٧ ألفًا من السكان، أما في الهند فإن النسبة حسنة جدًّا (طبيب لكل ٤٦٠٠ شخص) بالنسبة لكافة الدول المتخلفة. أما النِّسَب العالية للأطباء في بعض دول أفريقيا الجنوبية والشمالية، فإنها لا تضاهى بمثيلاتها في دول العالم المتقدم؛ ففي مصر وجنوب أفريقيا طبيب لكل ٢٠٠٤، ١٥٠٢ شخص على التوالي، بينما نجد النِّسَب التالية عند بعض الدول المتقدمة: بريطانيا طبيب لكل ٨٥٥ شخصًا، وفي الولايات المتحدة طبيب لكل ٦٦٩ شخصًا، وفي ألمانيا الغربية طبيب لكل ٥٦٨ شخصًا، وفي إيطاليا طبيب لكل ٥٥٣ شخصًا، وفي المجر طبيب لكل ٥٢١ شخصًا — وهي أحسن نسبة في العالم حسب إحصاءات ١٩٧١.

مراجع لمزيد من الاطلاع

  • Barbour, K. M., & R. M. Prothero, 1961. “Essays on African Populatior”. London.
  • Dudley Stamp, 1964. “Africa: A Study in Tropical Development” London.
  • Fordham, P., 1965. “The Geography of African affairs” London.
  • Lorimer, F., & M. Karp, 1960. “Population in Africa” Boston.
  • Orr, J. Boyd & J. D. Gilk, 1931. “The Physique and Health of two African Tribes” London.
  • U. N. Demographic Year book. 1971 New York.
  • U. N. Statistical Year book. 1971. New York.
١  عن: Harrison-church, R. J. “Africa and the Islands” London 1964, P. 68.
٢  انخفض النمو السكاني في مصر من نحو ٢٫٧٪ في أوائل الستينيات وأوسطها، إلى نحو ٢٫٢ في أول السبعينيات حسب تقدير الأمم المتحدة، وإذا كان هذا صحيحًا فإنه دليل على نجاح سياسة ضبط النسل، وإن كان ذلك الدليل غير مؤكَّد.
٣  حسب إحصاءات العينة لسنة ١٩٦٦ في مصر، كانت كثافة السكان إلى مجموع مساحات المحافظات — بما في ذلك محافظات القناة — ٨٤٥ شخصًا/كم٢، وإذا أخذنا كثافة السكن الريفي فقط (١٨ مليونًا)، فإننا نجد الكثافة ٥٤٥ شخصًا/كم٢، وهذا أو ذاك يمثِّل كثافة سكانية ضخمة بالقياس إلى حجم الموارد الزراعية وغير الزراعية المتاحة، مما يؤدي إلى بروز الضغط السكاني في مصر كمشكلة متعددة التأثير في مجمل الحياة؛ ومن ثَمَّ كانت الدعوة لضبط النسل ضرورة جوهرية.
٤  Worthington, E. B., “Dirty clothes are a poor substitute for clean nudity” Science in the Development of Africa, London 1958. P. 114.
٥  Carothers, J. C., “The African Mind in Health and Disease” W. H. O. 1953, P. 71.
٦  Ibid, P. 71.
٧  Orr, J. B. & J. D. Gilks, “The Physique and Healih of Two African Tribes” London 1931.
٨  «الحصر واعتقال البطن» معجم د. محمد شرف في العلوم الطبية والطبيعية، القاهرة ١٩٢٩.
٩  «قرحة الفرمبيزيا Frambesia أو البثور التوتية الثقيلة» د. محمد شرف في العلوم الطبية والطبيعية، القاهرة ١٩٢٩.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤