تمهيد

(أ) الشعر والتراث والهويَّة السرديَّة

(١) إننا ونحن نتحدث عن الحداثة والابتكار والفن والتجديد لا ننقطع عن التراث مُمَثَّلًا هنا في الشعر الجاهلي، حتى ونحن ننظر لأحدث أشكال الكتابة الأدبيَّة، وأكثر حركات الفن تقدميَّة، وليس هذا اعتزازًا ساذجًا بركامٍ لا حياة فيه، أو تقديرًا تاريخيًّا فقط لِبُعْده الإنساني؛ إذ التراث لا يعني الانقطاع أو الانفصال؛ بل هو حضور الأب في الابن، حضور السلف في الخَلَف، حضور الماضي في الحاضر. إنه مقومٌ أساسٌ من مقومات الذات العربية، وعنصر رئيسٌ من عناصر وحدتها، هذا التراث ليس ثقافة الماضي، إنه تمام هذه الثقافة وكُلِّيتها؛ فليس للتراث ذلك البُعْد الماضوي المنقطع؛ فهو لا يفتأ يمارس ثِقل حضوره الضاغط على الوعي العربي في لحظته الحاضرة، واستشرافه المستقبلي. إن التراث عندنا إرفادٌ بإبداع حَيٍّ نشط يُمكن تفعيله في واقعنا بالعودة إلى أكثر لحظاته النسبيَّة ابتكارًا، فالتراث في الوعي العربي المعاصر «لا يعني فقط «حاصل الممكنات التي تحققت»؛ بل يعني كذلك «حاصل الممكنات التي لم تتحقق وكان يمكن لها أن تتحقق»، إنه لا يعني «ما كان»؛ بل أيضًا، ولربما بالدرجة الأولى، «ما كان ينبغي أن يكون».»١

وهنا يسائل الكتاب الهويَّة من باب السرد، أو بالأحرى، هو يَدْرُس السرد بما هو مكون من مكوناتها؛ بل هو إطار معرفي لتحديدها.

(٢) يطرح «بول ريكور» مفهوم «الهويَّة السردية»، ويعني به: تلك الهويَّة التي يكتسبها الإنسان من خلال وساطة «الوظيفة الحكائيَّة»، أي عبر إنتاجه لمختلف ضروب القَصِّ والسرد والحكاية وانفعاله بها.٢ وهنا تُعَرَّف «الذاتيَّة» بأنها هي ذلك النوع من الهويَّة الذي لا يوجِدُه سوى التأليف السردي وَحده في حركيَّته؛ ومن ثَم فالذاتية ليست أحداثًا مفككة، ولا هي جوهريَّة لا تبديل فيها، أو ممتنعة على التطور. وعلى هذا النحو لن نتوقف عن إعادة تأويل الهويَّة السرديَّة التي تشكلنا في ضوء المرويات التي تقترحها علينا الثقافة التي نعيشها؛ إذ الحياة أصلًا هي حقل من الفعالية البنائيَّة، المستعارة من الفهم السردي الذي نحاول من خلاله أن نكتشف الهويَّة السردية التي تشكلنا.٣

ولمَّا كان لكل ثقافة طرقها وأساليبها في السرد والرواية، وكان لكل جماعة تاريخيَّة أحداثها المؤسسة لهويتها الجماعيَّة التي تتم استعادتها التأويليَّة والحكائيَّة باستمرار، فإننا نستطيع الانصراف إلى الحَبكات التي تلقيناها في كل نماذج تراثنا. ونستطيع أن نُجرِّب مختلف الأدوار التي تتبناها الشخصيات الأثيرة في القصص العزيزة علينا. وبواسطة «هذه التحولات الخياليَّة لذاتنا» نحاول أن نحصل على «فهم ذاتي لأنفسنا». وهنا تصبح «الهوية السرديَّة» صورة الذات المتحركة، التي لا تتحقق إلا بالسرد، كما لا تصبح «الذات» هي «الأنا» المعطاة منذ البدء، الأنا النرجسيَّة في تشكلها؛ وإنما تصبح مُعطًى تُمليه رموز الثقافة، معطى تشكله مرويات تراثنا، ومن هنا فوحدتها ليست وحدة جوهرية أو ثابتة، وإنما هي وحدة سرديَّة.

وعلى هذا النحو فمعرفة الذات نمط من التأويل يجد في السرد — من بين ما يجد في إشارات ورموز أخرى — وساطتَه الأثيرة؛ إذ الذات لا تعرف ذاتها مباشرةً؛ بل تعرفها بطريقة غير مباشرة من خلال العلامات الثقافيَّة بجميع أنواعها، تلك التي يتم إنتاجها استنادًا إلى وساطات رمزيَّة تنتج دائمًا وأساسًا الفعلَ.

وتقوم الوساطة السردية — كما يقول «ريكور» — على التاريخ بقدر ما تقوم على الخيال، مُحَوِّلة قصَّة الحياة إلى قصة خياليَّة أو إلى خيال تاريخي يمكن مقارنته بسِيَر أولئك العظام الذين يتضافر بهم التاريخ والسرد؛ ومن ثَم فالهوية السردية مفهوم ينصهر فيه السرد التاريخي والسرد الخيالي معًا في تجربة واحدة. إن حياة الناس، على سبيل المثال، تصبح أكثر معقوليَّة بكثير، حين يتم تأويلها في ضوء القصص التي يرويها الناس عنها، وتصبح «قصص الحياة» نفسها أكثر معقوليَّة حين يُطبِّقُ عليها الإنسان النماذجَ السرديَّة أو الحبكات المستمدَّة من السرود التاريخيَّة والخياليَّة.٤

ويحدثنا «ريكور» عن بعض حلقات سلسلة قصص تجربتنا اليوميَّة التي ربما لا نلتفت إليها، فخلاف القصص الفعليَّة ثمة «قصص لم تُرْوَ من قبل»، ومنها جلسات التحليل النفسي؛ حيث يُزَوِّدُ المريضُ المحللَ النفسي بشظايا متفرقة من القصص الحيَّة، والأحلام، والمشاهد الأوَّليَّة، والقصص المتباينة، وعلى المحلل أن يكوِّن من هذه الشظايا القصصيَّة سَرْدًا يمكن أن يكون أكثر احتمالًا، وأكثر معقوليَّة.

والتأويل السردي الذي تؤديه هنا نظرية التحليل النفسي يعني أن قصة الحياة تنشأ عن قصص لم يسبق لها أن رُويَت، وكانت مكبوتة تحت ثقل القصص الفعليَّة التي تتولى الذاتُ أمر العناية بها، وترى أنها تشكل «هويتها الشخصيَّة»؛ فالبحث عن الهوية الشخصيَّة هو الذي يضمن الاستمرار والتواصل بين القصَّة الممكنة أو الضمنيَّة والقصَّة الصريحة أو الفعليَّة التي نتظاهر بتحمل مسئوليتها.

وخلاف هذه «القصص التي لم تُرْوَ من قبل» هناك «القصَّة غير المرويَّة بصورة مقنعة»، كما في حالة الحاكم الذي يحاول أن يتفهم المدعى عليه، بحل لغة خيوط المؤامرات التي وقع في شراكها. وهذا الشخص المشتبه فيه، يمكن أن يقال عنه إنه «مشتبك في قصص» تحدث له قبل أن تروى أيَّة قصة، ثم يبدو هذا الإيقاع والتورط وكأنه ما قبل تاريخ القصَّة المرويَّة، وهو البداية التي يختارها الراوي لها، وما قبل تاريخ القصَّة هو ما يربطها بكلٍّ أكثر اتساعًا ويعطيها خلفيتها، وتتكون هذه الخلفيَّة من التراكب الحَيِّ للقصص المعيشة جميعًا.٥

إن كل تعاملاتنا القرائيَّة مع الشعر، مع ما يطرحه من طوابع حكائيَّة أو قصصيَّة ليست مجرد متابعة لقصص تُروى، أو حكايات يتم تقديمها؛ وإنما هي تجارب للعيش في النصوص، تجارب للحياة في النص على نحوٍ مُتَخَيَّل. وكل قراءة هي إعادة إنتاج ﻟ «حكاية النص»، هي حوار جدلي خلَّاق بين ما يطرحه النص وما تقدمه موسوعة القارئ لفهم حبكة النص وعلاقات الشخوص ونظام الأحداث وعلاقاتها. بعبارة أخرى: محاولة لإنتاج عالمٍ سَرديٍّ موازٍ.

ويأتي الشعر العربي القديم ليكون هو النَّصَّ الأوَّل الذي راكم فيه العرب تصوراتهم عن الحياة والمجتمع والقبيلة والفرد، والطبيعة، والمعارف، والقيم. غير منحاز في ذلك إلى طبقةٍ دون أخرى. لقد تجلَّى فيه السائد كما تجلى المهمش، فكان بحق ممثلًا للحياة العربية؛ لقد ظهر فيه الشعراء الفرسان، وذوو الحظوة والأمراء كما ظهر فيه أيضًا المعدمون والفقراء والعبيد والصعاليك والنساء، ظهر فيه الأعلام المشهورون كما ظهر المُجَهَّلون. قَدَّم شعراءَ وَثَنيِّين ونصارى كما قَدَّم المُتَحَنِّفِين. كل هذا رواه العرب وحفظوه وعاشوا به. ومن هنا فعندما يقدم الشعر العربي سرده فإنه يقدم مُجمل أبعاد الذات العربيَّة وبنياتها الذهنيَّة والفكريَّة، إنه يقدم جانبًا من الهوية السردية للذات العربيَّة.

(٣) وتشكيل تراثٍ ما يعتمد — كما يقول بول ريكور — على عاملين؛ هما: المُبْتَكَر annovation، والراسِب sedimentation، ويُعْزَى للراسب تلك النماذج التي تشكل أنماطَ بناء الحبكة، والتي تسمح لنا أن ننظم تاريخ الأنواع الأدبيَّة. وفي هذا لا نغفل حقيقة كون هذه النماذج لا تشكِّل ماهياتٍ أبديَّة ثابتة؛ بل إنها تنبع من تاريخ مترسب طُمِسَ تكوينه من قَبْل. ولا يُسْتنفَدُ تحديدُ هويَّة عمل ما باستنفاد النماذج التي ترسبت قبله؛ بل لا بد من الاعتداد بدور ظاهرة الابتكار أيضًا في تحديد هذه الهويَّة. إن كل تجربة سابقة شكلت راسبًا ما للنماذج السرديَّة كانت عند لحظةٍ نابعةً من ابتكارٍ، وقدَّمَت دليلًا هاديًا لتجريبٍ آخر في الميدان السردي. ولا يعني هذا جمود الراسب؛ فالقوانين التي تشكل نوعًا من القواعد التي تتحكم في تأليف الأعمال الجديدة تتجدد بدورها، ويبقى المجال مع الابتكار متسعًا للتجديد، ولكن الابتكار أيضًا ليس عملية منفلتة؛ إذ يظل الابتكار سلوكًا تحكمه القواعد، فهو يرتبط بطريقة أو بأخرى بالنماذج التي يوفرها التراث.٦ وعلى هذا النحو يظل كل ابتكار مشدودًا إلى الراسب، ويظل الراسب فَعَّالًا دائمًا إزاء كل تجديد، ويظل أيضًا الانحراف إمكانًا ضمنيًّا في العلاقة.

ومن ثَم لا يمكننا الحديث عن السرديات العربيَّة المعاصرة دونما محاولات تتوفر على دراسة أشكال السرد العربي القديم، نثرًا كان أم شعرًا، ذلك أن المبتكر والجديد لا يتم وفق ألمعيَّة إبداعيَّة منقطعة عن الجذور، عن الماضي، أو مُرتميةً تمامًا في حضن الثقافات الأخرى.

(ب) قِدَم مشكلة الأنواع الأدبيَّة وأصالتها النقدية

(١) تظل مشكلة الأنواع إحدى أقدم مشكلات الشعرية وأوسعها جَدَلًا؛ إذ يعاودنا الحديث دومًا عن الأنواع بدءًا من «أرسطو» Aristote ومرورًا في العصر الحديث ﺑ «نورثروب فراي» Northrop Frye، و«فيليب لوجون» Philippe Lejeune و«روبرت شولز» Robert Scholes، و«هيلين سيكسُوس» Helene Cixous و«تزفيتان تودروف» Tzvetan Todorov و«جيرار جنيت» Gérard Genette، وعشرات غيرهم. ولا يفتأ الموضوع يُطْرَح من جديد مع معظم النصوص الإبداعيَّة المجاوزة التي لا تعبأ كثيرًا بالتقاليد الموروثة أو النظام السائد، وإنما تبحث عن أدائيات جديدة، وبخاصَّة عندما تُسْتَثْمر خصائص أنواع أخرى.
والاهتمام بمسألة النوع نابع من الأهمية التي تأخذها مسألة النوع في إضاءة التطور الداخلي للأدب؛ فكل تاريخ للظواهر الأدبيَّة لا يمكن له أنْ يُدَون بعيدًا عن مسألة النوع الأدبي. هذا فضلًا عن أن «النوع الأدبي محكومٌ في نشأته وتطوره بوضع تاريخي اجتماعي محدد، ومحكوم في طبيعته وطاقاته ووظيفته بالوفاء بحاجات اجتماعيَّة معينة يحددها ذلك الوضع التاريخي الذي أثمر هذا النوع».٧ هذا فضلًا عن أن كل مرحلة من مراحل المجتمع تتجَسد علاقتها بالعالم عبر فنون مخصوصة وأنواع أدبيَّة بعينها، كل منها قادر على استيعاب ثقافة المجتمع في هذه الفترة، ونظامه الاجتماعي وأُفُقه الجمالي.

وينشأ النوع، كما عند باختين، من طبيعة التوجه المزدوج للعمل — بل لكل تلفظ — نحو موضوعه، ونحو مُحَاورٍ بعينه، وهذان المقومان عنده هما معيار افتراق الأنواع وتمايزها. يقول: «إن الكينونة الفنيَّة، من أي نمطٍ كانت، أي من أي نوع، متصلةٌ بالواقع استنادًا إلى شرطٍ مزدوج، وتُحَدِّد مُتَعيِّنات هذا التوجه المزدوج نمطَ هذه الكينونة، أي نوعها.

إن العمل يتوجه أولًا إلى مستمعيه ومتلقيه، وإلى مجموعةٍ من الشروط المُحَدَّدة الخاصَّة بالأداء والفهم. كما أن العمل يتوجه ثانيةً إلى الحياة، من الداخل، عبر محتواه الموضوعاتي Thematic،٨ إن كل نوع يوجه نفسه «موضوعاتيًّا»، بطريقته الخاصَّة، وإلى الحياة وأحداثها ومشكلاتها …».٩ وهو تصور، كما يقول تودروف، يقوم على العلاقة بين العمل والعالم؛ فاستنادًا إلى العالم غير المحدود وما حُبِي من خصائص وسمات لا حصر لها، يقوم النوع بعمليَّة انتخاب لبعض هذه السمات، ممزِّقًا وجود هذه السلسلة غير المحدودة من الخصائص لينشئ نموذجًا خاصًّا للعالم؛ ومن ثَم فالنوع إذن يشكل «نظامًا مُنَمْذجًا يقترح صورة شبيهة بالعالم»،١٠ وعلى هذا النحو يصبح «لكل نوع منهجه، وطرائقه لرؤية الواقع وفهمه، وهذا المنهج، وهذه الطرائق هي صيغته الحَصْريَّة، وعلى الفنان أن يتعلم كيف يرى الواقع بعيون النوع».١١
(٢) والعلاقة بين النص والنوع علاقة جدليَّة ومبنيَّة أيضًا بالتراتب؛ فالنصوص تنشئ معًا أنواعًا، يُنْظَر إليها على أنها «ضرورات نظاميَّة تُلْزِم الكاتب من جهة، وكذلك يَلْزَمها الكاتب بدوره».١٢ وكما هو الأمر على هذه العلاقة الجدليَّة إبداعيًّا، فالأمر ذاته عند دراسته، يقول تودروف: «إن كل دراسة أدبيَّة لا بد أن تسير في حركة مزدوجة: من العمل المعين إلى الأدب في عمومه (أو النوع)، ومن الأدب في عمومه (أو النوع) إلى العمل المعين، ولا بد أن نعطي لهذه الحركة — أو تلك — الحق مؤقتًا في أن تشير إلى الاختلافات والتشابهات؛ فهذه عمليَّة مشروعة تمامًا؛ بل إن من طبيعة اللغة أن تتحرك في إطار من التجريد، وفي إطارٍ من «النوعيَّة» Generic.١٣
ومقولة النوع ليست مقولة ثابتة مطلقة؛ إذ تمثل «الأنواع فصائل مفتوحة، وكل عمل جديد يُبَدِّلُ النوع، من خلال الإضافة إليه أو التناقض معه، أو [مع] العناصر المتغيرة».١٤ كما يرتبط النوع الواحد بسائر الأنواع الأخرى المرافقة له أو المحيطة به. يقول تودروف: «تشكل [الأنواع]١٥ داخل كل مرحلة نسقًا، إنها لا يمكن أن تُعْرَف إلا في العلاقات المتبادلة فيما بينها، فلن يعود ثمة نوع — «تراجيديا» [مثلًا] — وحيدٌ: سَيُعاد تعريف التراجيديا في كل لحظة من التاريخ الأدبي بارتباطٍ مع الأنواع الأخرى المتعايشة».١٦

(ﺟ) حول غنائية الشعر العربي القديم

(١) ساد الأدب ودراسته في جل الأوقات اعتقادٌ جازم بكون القصيدة العربية القديمة والحديثة في شكلها الموروث قصيدة غنائية بامتياز. يرتبط بهذا الاعتقاد تصورٌ آخر مفاده الإيمان المطلق بصفاء الأنواع واستقلالها، بما أفضى إلى ضرورة الاستسلام البَدَهي بضرورة اندراج كل نص في نوعٍ بعينه من الأنواع المعروفة بما يَئُول إلى مَظْهرٍ من التطابق التام بين النص وتقاليد النوع.

وظل الإيمان بصفاء الأنواع أو نقائها مُكَرِّسًا لوضعٍ يمتنع فيه على الوعي النقدي الاعتقاد في المبدأ الجمالي الذي يزحزح العلاقة بين الأنواع الأدبيَّة، فَتُهْدَر طاقة النصوص الساعية نحو التجديد والاختلاف، وتعود النصوص من الإنتاج الأدبي ليتم تشذيبُها وتهذيبها، ورَد المختلف إلى المؤتلف، أو رَد الجديد إلى المألوف والمعتاد.

ورؤيتنا المعاصرة لمسألة الأنواع رؤية تقتفي، منذ مطالع النهضة، التصنيف الأوربي للأنواع، والذي يعود غالبًا إلى أرسطو في تفرقته بين الشعر المسرحي والملحمي والغنائي؛ ﻓ «الغنائي» في الشعر اليوناني القديم — في تعريف مجدي وهبة وكامل المهندس: «صفة تطلق على ذلك الشعر الذي يُنْظَم بقصد التغنِّي به في موضوعات المديح أو الرواية أو السرد القصصي على أوتار القيثارة القديمة المسماة باللِّيرا»  Lyra.١٧
ويبدو الوصف «غنائي» في الآداب الحديثة أيضًا لا ينفصل جذره عن البُعْد القديم في الحضارة اليونانيَّة، سواء في صلته بالغناء؛ بانقطاعه عن هذا الدور مع الاحتفاظ ببعض المقومات الشكلية والموضوعيَّة، أو في صلته بالملحمة والمسرحيَّة وعبر تمايزه عنهما، بوصفه تعبيرًا عن انفعالات ذاتيَّة. ﻓ «الغنائي» «في الآداب الحديثة: صفة لشعر لا يُتَغَنَّى به موسيقيًّا، وإنما يحتفظ بشكل القصائد الغنائيَّة اليونانيَّة القديمة وببعض موضوعاتها؛ فهو شعر يعبر عن انفعالات الشاعر لما يؤثر في نفسه من أحداث، خلافًا للملحمة التي يَرْوي فيها الشاعر روايةً أو سردًا بُطوليًّا يُهمُّ جميع أفراد المجتمع الذي ينتمي إليه، وعلى عكس الشعر المسرحي الذي يقدم فيه الشاعر روايته بوساطة ممثلين وحوار وإيماء ومناظر منقوشة في كثيرٍ من الأحيان على خشبة المسرح. وقد يكون هذا الانفعال الذي يعبر عنه الشاعر في الشعر الغنائي فرديًّا ذاتيًّا بَحْتًا؛ كالحُبِّ، وقد يكون جَماعيًّا (على نحو ما كان في الشعر اليوناني القديم) مثل تمجيد الأبطال أو الاحتفال بالنصر».١٨
ومدار «الغنائية»  Lyricism على هذا النحو على «ذاتيَّة الشاعر»، فتكون هي النزعة التي «تدفع الشاعر إلى التعبير عن انفعالاته بطريقة أخَّاذة تستميل النفوس من حيث الفكرة التي تخاطب العقل، والشعور الذي يناجي القلب، وموسيقى الشعر التي تتردد في الأذن، والصورة الشعريَّة التي تَمْثُل في الخيال».١٩
استقر التصنيف النقدي على تقسيمه الأنواع للدرامي والملحمي والغنائي، وما كان من محاولات كانت خُطى على طريق استكشاف «مقولات» ما تحت هذه الأنواع؛ فيقترح «ديوميد»٢٠ في القرن الرابع تصنيفًا يميز فيه بين الغنائي والدرامي والملحمي من خلال مقابلة هذه الأنواع بالصوت المهيمن على العمل؛ فما هو غنائي تمثله الأعمال التي يتحدث فيها المؤلف وحده، وما هو دارمي تمثله الأعمال التي تتحدَّث فيها الشخصيات وحدها، وما هو ملحمي تمثله الأعمال التي يملك فيها المؤلف والشخصيات معًا الحق في الكلام.
وكذلك يؤكد «جوته» أن ليس ثمة غير ثلاثة أشكال طبيعيَّة شَرْعيَّة رسميَّة للشعر:
  • ذلك الذي يحكي بوضوح (الشعر الملحمي).

  • الشكل ذو الانفعال المتعالي (الشعر الغنائي).

  • ذلك المنشغل بالذاتي (الشعر الدرامي).

ومن هنا يستكشف «تودروف» عمق هذه الأجناس من خلال الضمائر؛ حيث يقترن الضمير «هو» بالملحمة، ويرتطب الضمير «أنا» بالشعر الغنائي، في حين يقترن «أنت» بالدراما. أما «إميل ستايجر» فيعطي تفسيرًا زمنيًّا للأجناس، فيربط الغنائي بالحاضر، والملحمي بالماضي، والدرامي بالمستقبل.

ويختزل تودروف هذه التصنيفات الكبرى في الجدول التالي:

ديوميد جوته إميل ستايجر
غنائي يتحدث المؤلف وحده الشكل ذو الانفعال المتعالي أنا الحاضر
ملحمي يملك المؤلف والشخصيات حق الكلام الشكل الذي يحكي بوضوح هو الماضي
درامي تتحدث الشخصيات وحدها الشكل المنشغل بالذاتي أنت المستقبل
وفي تصور آخر يقترح «رينيه وليك» خروجًا على حيز التقسيم اليوناني القديم؛ ملحمة، دراما، شعر غنائي، والجدل العريض حولها، وفي ضوء اشتباك الأنواع وتعددها بشكل مفرط في العصر الحديث؛ يقترح، نزولًا بالأنواع إلى أساس أدبي مشترك، أن تكون الأنواع هي: السرد، الحوار، الغناء.٢١
(٢) وغير خافٍ ارتباط وَسْم الشعر العربي القديم بالغنائية بالمنجز النقدي الغربي في نظريته عن الأجناس الأدبيَّة، ومهما قِيل عن ارتباط الشعر العربي القديم بالغناء، وقام الدليل على ثرائه النغمي فإن هذا الارتباط التأثيلي يعود أيضًا إلى النظرية الغربيَّة في مفهومها عن «الشعر الغنائي»،٢٢ نعم قد يرتبط الغناء بالشعر، ولكن الشعر مطلقًا لم يتوقف عند حدود الغناء، ويرتهن وجوده به، على نحو ما كان الشعر الغنائي اليوناني والروماني.
ولم يكن وصف الشعر العربي ﺑ «الغنائية» من عَمَل النقد العربي القديم، فقد كانت تصنيفات الشعر عندهم حسب طبقات الشعراء، ثم حسب القَدَامة والحداثة، والأغراض الشعرية، والأساليب الشعرية أيضًا»٢٣ وكانت مسألة الأغراض هي ما استقطب جل اهتمامهم.
لقد وقع التنظير النقدي العربي الحديث في أسر مقولة النوع وفق التقسيم الأوروبي، ووجدنا أنفسنا نحدد مظاهر تحقق هذه المقولة في النصوص باعتقادٍ مُفْرِط بصفاء الأنواع ونقائها، ورُحنا نتابع التنظير الأوروبي في ظل غيابٍ حقيقي للوعي بإطار هذا التقسيم وظروفه الأدبيَّة نفسها؛ إذ كان التصنيف بالملحمي والدرامي — كما يرى د. محمد بنيس — هو التصنيف الذي حدد به الأوروبيون أصولهم الشعرية منذ اليونان في النص والنظرية على السواء، وكان الملحمي والدرامي هما المصدرين الأساسيَّين لكل تصنيف وتعيين يَمَس الأنواع الكبرى، ولم يكن ذلك حال الغنائيَّة. يقول: «إنها مصطلح أوروبي، تأكيدًا، ولكنها في الوقت ذاته، تعيينٌ لما لا ينضبط في إحدى الخانتين المهيمِنَتين؛ الشعر الملحمي والشعر الدرامي. إن الغنائيَّة تعيين بالسلب لكل نَصٍّ استعصى على الانضباط في الجنسين الشعريَّين الأوروبيَّين بامتياز؛ بل إن سيادته، وليس مجرد الإشارة إليه، في الخطاب النقدي والتصنيف [النوعي] متصلة بانتشار نص شعري كانت له صفة الهامشي».٢٤ وهو نفسه ما قال به «رينيه وليك» الذي يقرر أنه منذ أرسطو وحتى القرنين السابع عشر والثامن عشر كانت التقدمة لكل من الملحمة والمسرحيَّة، أو للملحمة والمأساة إن رُمْنا الدِّقة، وعلى الدوام كان يُنْظَر إليهما بوصفهما نوعين سامِيَيْن متنافسين بالنظر للشعر الغنائي، الذي كان دونهما على سلم الأنواع.٢٥
ويدافع «وليك» عن خصوصية كل ثقافة فيما يتصل بأنواعها الأدبيَّة؛ بحيث لا يَفْرِض النموذج الأوروبي القديم سطوته على تصنيف المنجز الأدبي للثقافات والشعوب الأخرى: «علينا ألا نحصر شُقَّة علم [الأنواع] الأدبية في دراسة تقليد أو مبدأ واحد … إذ لكل ثقافة [أنواعها] الأدبيَّة؛ الصينيَّة والعربيَّة والأيرلنديَّة، وهناك أنواع بدائيَّة شفاهيَّة، وقد زخر الأدب الوسيط بالأنواع. وليس علينا أن ندافع عن الطبيعة «الأمثل» للأنواع الإغريقيَّة-الرومانيَّة. كما إننا لسنا ملزمين بالدفاع عن مبدأ نقاء الجنس، في شكله الإغريقي-الروماني، ذلك المبدأ الذي يرتكز على نوع واحد من الأسس الجماليَّة.»٢٦

لقد عُرِّفت القصيدة الغنائية الأوروبيَّة بالنظر إلى الدِّراميَّة والملحميَّة في حقبتها التاريخيَّة المتقدمة، اليونانية والرومانيَّة، وسَرَى هذا التصنيف الأدبي. ونحن على هذا النحو إنما نُعَرِّف القصيدة العربيَّة بالنظر إلى ثقافات مغايرة تمامًا، وفي حقب تاريخيَّة أخرى. صحيح أن وصف القصيدة العربية المعاصرة بالغنائية، وعلى الخصوص في ظل الدراما والملحمة؛ قد يكون هو الأوفق والأكثر تجانسًا مع واقع الأنواع، ولكن في إطار الشعر العربي القديم تغيب مسوغات هذا التصنيف؛ حيث الشعر هو هذا الشعر فقط بما ينطوي عليه من قيم سرديَّة، ورسائليَّة، وحجاجيَّة، ودراميَّة، وغنائيَّة أيضًا بالمفهوم الذاتي الانفعالي. يظل الشعر هو الشعر في انفتاحه على الحِكَم، والمواعظ، والمنافرات، والتهديدات، والتنديد، والرسائل، والمفاخرات، والمدح، والهجاء، والرثاء، والغزَل، ليضحي الشعر هو النوع الجامع لبذور أنواع كثيرة في ثقافات أخرى مختلفة، أو بعبارة أخرى لتتحقق سائر الأنواع ضمنيًّا عبرَه، ليضحي الشعر مرادفًا ضمنيًّا للأدب في الثقافة العربيَّة. لقد حفل الشعر في القصيدة العربية عبر تحقُّقاتها المختلفة بقيم فنية مختلفة، وبقي العَروض (بما هو قيم وزنية وقافَويَّة) حائلًا دون انسرابه إلى أنواع أدبية أخرى؛ حيث لم يكن الإيقاع عنصرًا مضافًا إلى القصيدة، أو مجرد مزاوجة بين النظام اللغوي والنظام الإيقاعي، وإنما هو تلاحم وتفاعل يُبَلْور في النهاية الحَدَث الشعري الذي هو القصيدة.

لم يكن لدي الجاهليين جنس أدبي يمثل سَرْدهم. لديهم بعض الأخبار، لكنها لم تأخذ طابع الفن، ليس لديهم قصة أو رواية أو كتابة تاريخيَّة، أو سيرة شعبيَّة، ومن ثم أتى سردهم كُله أو جُلُّه في شعرهم، وكان الشعر عندهم نوع الأنواع.

لقد كان الشعر عند العرب، كما يقول ابن سَلَّام: «ديوانَ علمهم ومُنْتهى حُكْمهم».٢٧ وهو ما عَبَّر عنه عمرُ بن الخطاب — رضي الله عنه — قبل ذلك بقوله: «كان الشعرُ عِلمَ قوم لم يكن لهم علمٌ أَصَحُّ منه».٢٨ ومقولتا عمر بن الخطاب وابن سَلَّام تقِفان عند الشعر — عند العرب — بوصفه علمهم وحُكْمَهم، والحكم والحكمة سواء،٢٩ غير أن مقولة عمر بن الخطاب تقف عند التأكيد على صِحَّة هذا العلم والتثبُّت منه، ولعلها تدور على وجه الخصوص في فلك روايته وتدوينه والتثبت منه؛ بينما تتوقف مقولة ابن سلَّام عند الجمع والتسجيل؛ إذ الديوان في المعاجم: مجتمع الصُّحف، والدفتر الذي يكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء. وهو فارسي مُعَرَّب٣٠ ولعله من العجب أن يكون هذا قَدَر الشعر مع الوصف والتصنيف منذ هذا العهد المبكر؛ فيوصف الشعر بما هو مُعَرَّب، وكأن محاولة محاصرة هذا الفن الآبق تحتاج إلى «لغة جديدة» للإحاطة بصفته.

لقد عَدَلت مقولة ابن سَلَّام عن لفظة «الكتاب» مثلًا، المفردة الأصيلة، على ما فيها من دلالة الاستيعاب إلى لفظة «الدفتر» الذي ترشِّحُ دلالته، إضافةً إلى دلالة التسجيل والتأريخ، إلى دلالة ملاحقة الأحوال وتتبُّعها، ليظل الرصد والتسجيل فعلًا حاضرًا ملازمًا ﻟ «الآن»، ملازمًا ﻟ «اللحظة» في كل تجدداتها. والشعر حينئذٍ فيه أيضًا قيمة «الصدق»، الذي هو مبدأ متوافق مع قانون العمل الداخلي، فيضحي صدقًا أخلاقيًّا مع الجُنْد وأهل العطاء، وصِدْقًا فنيًّا طِبقًا لتقاليد النوع.

ويبقى في جميع الأحوال أن أوَّل ما يستفاد من هاتين المقولتين هو عَدُّ الشعر «نَصَّ الثقافة العربية العريض»، والذي كان مُحصلة تفاعل جَدَلي بين تشكيلهم له، وتشكيله لهم؛ فالعلم والحكمة تصنعان البشر والأجيال كما صنعتها، وهو أيضًا النص الذي تماهت فيه الذات العربيَّة؛ فرديَّة وجماعيَّة، وتفاعلت مع العالم، يقول هيدجر: «إن ما يستهوينا في لقية متحفيَّة، ليس كونها منتمية إلى الماضي؛ بل كونها مُضَمَّخة بالوجود في العالم.»٣١
مقولة: «الشعر ديوان العرب» لا تعني فقط أن الشعر جمع معارفهم وفنونهم؛ بل تعني أيضًا اختراق أجناسهم الأدبيَّة المحتملة أو نوياتها لهذا الجنس المتعين (الشعر). ربما لم تَنْمُ هذه الأجناس الأدبيَّة، أو لنقُل بتعبير آخر: هيمنت٣٢ الوظيفة الشعرية على سائر الوظائف الأخرى، وفي الحالتين يعود الأمر لظروف ثقافيَّة خاصَّة، ربما في مقدمتها الطابع الشفاهي للثقافة العربيَّة، وتحديدًا لثقافة الجاهلين، وعلاقة الثقافة الشفاهية بالوزن والإيقاع بوصفه مقومًا من مقومات حفظ المادة المرويَّة.
وينظر الكتاب إلى السرد بوصفه مقولة مُهَيْمَنًا عليها داخل القصيدة من قبل الوظيفة الشعرية. وفي إطار الشعر طالما ثمة حدث أو قول، وثمة فاعل، فثمة سرد على الدوام، فإذا ما تتابعت الأحداث والأقوال امتدَّ الشعر. إننا نستطيع على الدوام أن نرى بنًى حكائية في نصوص يُعْتَقد أنها غير حكائيَّة، يقول أمبرتو إيكو: «يسعنا أن نُفَعِّل حكايةً، أو تواليةً من الأعمال، حتى في نصوص غير حكائيَّة، وحتى في الأعمال اللسانيَّة المحضة الأكثر أوَّليَّةً، شأن الأسئلة، والأوامر، والعهود أو مقاطع من أحاديث. ففي مقابلة الأمر التالي: «تعالَ إلى هنا» يمكن لنا أنْ نوسِّع البنية الخطابيَّة إلى قضيَّة حكائيَّة كبرى من النموذج الآتي: «ثمة امرؤ يعبِّر بطريقة آمرة عن الرغبة في أن يَعمد المتلقِّي، الذي يُظهِر نحوه مسلكًا من الألفة، إلى الانتقال من موقِعِه حيث هو والدنوِّ من الموقع حيث فاعل التلفُّظ». وعلى هذا فقد تبدو هذه الجملة قصَّةً قصيرة، وإن تكن أهميتها ضئيلة.»٣٣

ألا يقدم الشعر «منطوقًا» ما يُطلقه متكلم/سارد أيًّا كان، متوجهًا به لقارئٍ ما/مسرد له، حاضر حقيقةً أو مُتَخَيَّل، يمثل كلامُه «مُرْسلة». داخل هذه المرسلة أليس ثمة «سجلات» للكلام، بنية للسرد، تحولات لوجهة النظر، أفعال متعلقة بأشخاص ورموز، أليس ثمة محكي تدور عليه القصيدة. إن متابعة القصيدة وتفحصها يقدم لنا متخيَّلًا سَرْديًّا ما، مبنًى حكائيًّا يتعين دَرْسه.

والبحث عن سرديَّة القصيدة الجاهليَّة ليس بحالٍ رفضًا لفكرة الأنواع أو إعادة تصنيف للشعر القديم تحت مقولة «السرد»، وإلا كان الأمر استبدالًا بالنوع الشعري نوعًا آخر هو النوع السردي، وإنما هو محاولة تهدف إلى خلخلة قيمة الثبات واليقين التي تجعل من الشعر نوعًا صافيًا بإطلاقٍ، كما تهدف إلى نقض انفراد مقولة «الغنائية» بالقصيدة العربية القديمة، من خلال تحقيق مقولة أخرى مقابلة هي مقولة «السرد» التي يراها الكتاب جوهريةً في القصيدة العربية القديمة في كثيرٍ من الأحيان. إن الشعر الذي هو نوع الأنواع في الثقافة العربية، لا تحيط به مقولة الغنائيَّة التي تجور على ما فيه من قيم سردية وأخرى دراميَّة حسب تصنيفات الأنواع الشهيرة.

ولن يصاب الكتاب بخيبة أمل غير متوقعة عندما يطالع في الشعر سرودًا غير مكتملة، أو نماذج متكررة حكمتها نمطيَّة واضحة توشك أحيانًا — خاصةً في الظاهر — أن تُفْقِد هذه السرود خصوصيتها، ذلك أننا في كثيرٍ نقيس ضمنيًّا هذه السرود إلى أشكال أخرى وتحققات سرديَّة نوعيَّة مختلفة؛ فالكتاب لا يستكشف داخل الشعر نوعًا من القصَّة القصيرة Short Story، وإنما يبحث عن المبادئ العامة للسرد وإشتغالها في القصيدة، بما قد يغدو معه السردُ عجلةً تدور عليها الفاعليَّة الشعرية لإنتاج القصيدة أو قوة فاعلة في القلب من مركز إنتاج الفاعلية الشعرية نفسها، ولربما اختلف الأمر بين قصيدة وأخرى.

وليس الحديث عن سردية القصيدة نوعًا من مسايرة الشائع بالبحث عن كل ما هو سردي؛ إذ تكشف القصيدة القديمة عن بعض جوانبها السرديَّة، حتى مع أكثر الدراسات تقليديَّة، وليست محاولة نثر القصيدة أو فك أقوالها الشعريَّة في أقوال نثرية سوى جانب من الإحساس بسرديتها، ويؤكد ذلك عدم قدرتنا في كثير من الأحايين على إعادة نثر بعض صور أو قصائد الشعر الحديث، خاصةً الشعر الرمزي بالمفهوم الأوروبي، والشعر الذي يأخذ طابعًا سرياليًّا.

وأغلب رؤيتنا للسرد في القصيدة العربيَّة القديمة كانت ملاحظة بعض المظاهر الناتئة للحكي في جسد الغناء داخل القصيدة، اعتدادًا بالتباعد الشديد بين السرد والقصيدة العربيَّة القديمة. وظل الحديث عن بعض المقاطع السرديَّة الشهيرة في بعض القصائد هي ضالَّة من يتحدث عن السرد في القصيدة القديمة دون الالتفات إلى أن رقعة السرد داخل القصيدة العربيَّة أوسع كثيرًا مما قد يُظَنُّ.

ومن النقاد من يُعَبِّر عن هذه الأزمة التي أضحى معها مفهوم «الغنائية» مفهومًا حاكمًا لنظرتنا إلى الشعر العربي القديم بشكل يُعيق أي تعامُل آخر معه، يعبر عنها بقوله: «يسود الاعتقاد بغنائيَّة الشعر العربي القديم، وهيمنة هذه «الغنائيَّة» كرؤية وقواعد وقوانين لها قوة الخطاب، مما يؤخِّر أي نزوع درامي خاص، أو سردي عام، تحمله الكتابة الشعرية العربيَّة. وبذا يصبح البحث عن تشكلات سرديَّة في شعرنا العربي القديم، ضَرْبًا من الإقحام أو القهر، أو تقويل النصوص وتجاوز حدود التأويل الممكن، تلك المقدمة الاعتقاديَّة ونتيجتها، فَرَضَت تعاملًا «غنائيًّا» كذلك، سواء في تجنيس الأعمال الشعرية الموروثة، أو فحص شعريتها، وتصنيف أغراضها. فلم تجر قراءة «سرديَّة» للشعر العربي القديم، تبعًا لشيوع ذلك الاعتقاد الذي صار من بديهيات الخطاب النقدي التقليدي.»٣٤

وكذلك يشير د. محمد مفتاح في خاتمة تحليله لرائيَّة ابن عَبْدون التي مطلعها:

الدَّهر يَفْجعُ بَعْدَ العَيْن بالأثَر
فما البُكاءُ على الأشباح والصُّوَر
إلى عدم استيعاب مقولة نوعيَّة واحدة للقصيدة دون المقولات الأخرى؛ حيث يرصد في القصيدة ثلاث بنيات أساسيَّة؛ هي بنية التوتر، وبنية الاستسلام، وبنية الرجاء والرهبة، ويرى أن «كل بنية اتسمت بخاصيات مميزة، فهي ذاتيَّة غنائيَّة في المطلع، وهي ملحميَّة في الوسط، وهي مأساويَّة في الأخير … [ﻓ] النوع الشعري الصرف الذي لا تشوبه شائبة من نوع آخر غير موجود على الإطلاق.»٣٥

(د) حول مفهوم السرد

يَصْدُقُ على السرد بالفعل التصور الفلسفي٣٦ للمقولة من حيث هي «تصور ينطبق بالضرورة على كل شيء في الكون»؛٣٧ إذ يمثل السرد في النظرية الأدبيَّة الحديثة — كما عند «رولان بارت Roland Barthes» — فعلًا لا حدود له، يرتبط بالإنسان في العالم، ولا يَحُدُّه نظامٌ لسانيٌّ أو غير لسانيٍّ. إنه أنواع لا حصر لها، وفعلٌ لا حدود له. «فالسرد يمكن أن تحتمله اللغة المنطوقة، شفويةً كانت أم مكتوبة، والصورة، ثابتةً كانت أم متحركة، والإيماء، مثلما يمكن أن يحتمله خليطٌ مُنَظَّمٌ من كل هذه المواد.
والسرد حاضرٌ في الأسطورة، وفي الحكاية الخرافيَّة، وفي الحكاية على لسان الحيوان، وفي الخرافة، وفي الأقصوصة، والملحمة، والتاريخ، والمأساة، والدراما، والملهاة، والبانتوميم، واللوحة المرسومة … وفي النقش على الزجاج، وفي السينما … والخبر الصحفي التافه، وفي الحادثة. وفضلًا عن ذلك فإن السرد بأشكاله اللانهائيَّة تقريبًا حاضرٌ في كل الأزمنة، وفي كل الأمكنة، وفي كل المجتمعات، فهو يبدأ مع تاريخ البشريَّة ذاته، ولا يوجد أي شعب بدون سرد، فلكل الطبقات ولكل الجماعات البشريَّة سرودُها، هذه السرود في غالب الأحيان مستساغة بشكل جماعي من قِبل أُناس ذوي ثقافات مختلفة، إن لم تكن متعارضة. فالسرد لا يعير اهتمامًا لا لجودة الأدب ولا لرداءته، إنه عالمي، عبر تاريخي، عبر ثقافي، إنه موجود في كل مكان تمامًا كالحياة.»٣٨
لقد أصبح يُنْظر، حتى لهذه الأعمال التي تبتغي «الحقيقة»، على أنها مجرد سرود. يقول هشام شرابي: «إن التاريخ أو سرد الوقائع «كما حدثت بالفعل» إنما هو ضَرْبٌ من القصَّة. والادعاء أن هذا السرد هو حقيقة ما جرى لا يُغَيِّر من «روائيَّة» التاريخ. لقد بتنا ندركُ منذ انبثاق التفسير النقدي الحديث للمعرفة — وبخاصَّة للمعرفة التاريخيَّة — أن الحقيقة، ولا سيما الحقيقة التاريخيَّة، صعبة المنال، لا لأنها مبهمة أو ناقصة التوثيق؛ بل لأنها بطبيعتها «لغويَّة»، تحكمها قوانين اللغة والتعبير مثلما تحكمها متغيرات المكان والزمان. ومهما اعتمدنا المصادر والوثائق سندًا لبحوثنا «العلميَّة» و«الموضوعيَّة»، فهي ليست في آخر الأمر إلا تعبيرًا عن الواقع الذي نحياه، والتجربة التي نمر بها.»٣٩

إن فعل القص أو السرد عملية أدائيَّة نقوم بها دومًا في تجربتنا الثقافية؛ بل نقوم بها جميعًا في تجربتنا الحياتيَّة اليوميَّة. إننا نحول كل ما نحسُّه ونَمُرُّ به إلى تجارب سَرْديَّة قيد الاستعمال في المستقبل، بعد أن أحلنا كل الماضي إلى سرودٍ ننتجها الآن، ونُعيد إنتاجها في المستقبل.

إن كل ما نَمُر به ويَمُرُّ بنا يتحول إلى سَرْد، وكأن السرد طاقة ملازمة للأحداث تنتظر المستقبل أو مرور اللحظة لتعيد الحياة للأحداث والوقائع. إن السرد هو فعل الحياة الجديدة التي توهَبُها الأحداثُ والوقائع، بعد أن قضى عليها الزمن الحاضر بمروره. وكل ما يَنْفَصِلُ عن مجرى التبادل الثقافي، ومجرى الحدوث الآني يتحول إلى «سَرْد» في المستقبل.

ولم يتوقف السرد عند كونه مظهرًا من مظاهر الإنتاج الأدبي لم يَعُد مجرد شكلٍ أو بناء أدبي؛ بل أصبحت ثقافة ما بعد الحداثة تتحدث عما يسمى ﺑ «السرديات الكبرى، أو الحكايات الكبرى»٤٠ ويُشار بها إلى الأنساق الفكريَّة الكبرى بما تقدمه من تفسيرات كليَّة للظواهر. لم تَعُد الحكاية Récit-Narrative مُجَرَّد حقلٍ للبحث؛ بل نُظِر إليها «بوصفها «لحظةً محوريةً» للعقل البشري، و«نمطًا للتفكير» مشروعًا بقدر مشروعيَّة المنطق الصوري».٤١ إنها أحد الأشكال المجردة التي نُكوِّن من خلالها خبراتنا بالعالم، شكلٌ مُفَرَّعٌ من المضمون نُسقطه على المادة الخام المتدفقة في الواقع،٤٢⋆⋆ ومن ثم يأتي العالم إلينا — عبر هذا المفهوم ما بعد الحداثي — في شكل حكائي؛ بل من الصعب التفكير في العالم بوصفه وجودًا خارج الحكاية، فكل ما نحاول استبداله بالحكاية نجده بعد الفحص الدقيق نوعًا آخر من الحكاية.
فإذا ما تركنا هذه المفاهيم العامة للسرد ودخلنا إلى حيز التعبير الأدبي ونقده فإن المصطلح يواجه طائفة واسعة من الاشتباكات الاصطلاحية٤٣ غير أنه يمكننا مبدئيًّا الاقتصار على التعريف العام، وبخاصَّة ونحن ننتقل ببحث المعطيات السردية من نوع أدبي (القصة، الرواية، الأمثولة، حكاية الحوريات … إلى نوع آخر (الشعر)، فَيُعَرَّف السرد بكونه: «إنتاج حكاية؛ سرد مجموعة من المواقف والأحداث»٤٤ أو هو بتعبير آخر: عرضٌ لحدث أو لمتوالية من الأحداث، حقيقيَّة أو خياليَّة، عرض بواسطة اللغة، وبصفة خاصَّة بواسطة لغة مكتوبة،٤٥ والسرد على هذا النحو صيغة تمثيليَّة، تمثل معادلًا لفظيًّا لوقائع لفظيَّة أو غير لفظيَّة.
ويُشْترط في السرد عند «برنس» أن يقدم الكلام «حَدَثًا»، وأن «يُروى» هذا الحدث؛ فعبارات مثل: «الإنسان فانٍ»، «السكر حلو المذاق»، «محمد طويل، وفاطمة قصيرة» ليست سَرْدًا؛ لأنها لا تقدم أي حدث. وبالمثل، لا يشكل العرض المسرحي الذي يقدم عِدَّة أحداث مبهرة سردًا؛ لأن هذه الأحداث تحدثُ مباشرة على خشبة المسرح عِوضًا عن أن تُرْوى. وطبقًا لذلك فإن عبارات من مثل: «فتح الرجلُ الباب»، «سقطت الزجاجة على الأرض»، «ماتت سمكة الزينة» تُعَدُّ سَرْدًا. ولكيلا يكون السرد مجرد وصف حدثٍ، حَدَّده بعض السرديين بكونه سردًا لحدثَين، على الأقل، حقيقيين أو خياليين، أو موقف واحد وحدث واحد، لا يقتضي أحدهما الآخر منطقيًّا أو يَسْتلزم وجوده.٤٦
وكذلك ينظر «جنيت» لحدثٍ واحد على أنه سرد، إنه يمثل عنده الحكاية الدنيا؛ لأن الحكاية عنده قد تكون تطويرًا أو تمطيطًا لفعلٍ؛ يقول: «وما دامت كل حكاية … إنتاجًا لغويًّا يضطلع برواية حدث أو عدة أحداث، فلعله من الشرعي تناولها بصفتها التطوير «الضخم بالقدر المراد» الذي تخضع له صيغة فعليَّة، بالمعنى النحوي للفظة — أي تمطيط فعل من الأفعال.»٤٧ ويقول: «وعندي أنه حالما يكون هناك فعل أو حدث، ولو فريد، فهناك قصَّة؛ لأن هناك تحوُّلًا، مرورًا من حالة سابقة إلى حالة لاحقة وناتجة.»٤٨ فإذا كان «فورستر» يميز بين القصة: «مات الملك، ثم ماتت الملكة»، والحبكة: «مات الملك، ثم ماتت الملكة حزنًا»، فإن الحكاية الدنيا عند «جنيت» هي: «مات الملك» وكفى، فإذا ما أريدت تفاصيلُ أُعطيت.٤٩
لقد سعى الكثير من النقاد إلى تطوير نظام شامل لدراسة السرد في النصوص، ومنهم «فلاديمير بروب»، و«رولان بارت»، و«تزفيتان تودروف»، و«الجيرالد جوليان غريماس»، و«جيرار جنيت» وغيرهم، والكتاب يعتمد، أكثر ما يعتمد، الأطروحات التي تعود إلى أساس بِنيوي؛ مثل أطروحات «جنيت» و«بارت»، وفيها يقوم البناء السردي بالأساس على بحث العلاقة بين النظام الذي يحكم الأحداث كما يرويها النص، وترتيبها من حيث الحدوث التاريخي، وأخيرًا عملية السرد نفسها،٥٠ ومن هنا لا ينشغل البحث السردي بتحليل المضامين أو الموضوعات السرديَّة، كما عند جنيت؛ إذ يرى أن خصوصيَّة النمط السردي الوحيدة تكمُن في نمطه وليس في مضمونه.٥١ والكتاب في انشغاله بالبناء السردي لا يتوفر على تأويل النصوص أو تفسيرها، وإن كان يلزم جانبٌ من التأويل لكل بحث في بناء السرد؛ كي يتقدم في تحليله.

(ﻫ) المفضليات؛ مدونة الدراسة

آثر الكتاب اختيار «المفضليات» أو «كتاب الاختيارات» للمُفَضَّل الضَّبِّي ليكون مادةً للبحث. وهو اختيارٌ وراءه دوافع عِدَّة، منها:
  • محاولة الابتعاد عن شعر شاعر واحدٍ بعينه، أو مجموعة محدودة من الشعراء، وهذا حتى تكون العينة — محل الاختيار — أكثر تمثيلًا من حيث تنوع الشعراء للمادة محل الدراسة.

  • كون هذه المجموعة أقدم مجموعة شعرية صُنعت في اختيار الشعر العربي، وما كان يصنعه الرواة قبلها كان جمعًا لأشعار القبائل؛ فكانوا يضُمُّون أشتات شعر المنتمين إلى قبيلة واحدة، ويجعلون كُلًّا منها كتابًا.٥٢ وكانت كتب الاختيارات الأخرى؛ مثل: «الأصمَعيات» لأبي سعيد بن عبد الملك الأصمعي، و«جمهرة أشعار العرب» لأبي زيد محمد بن أبي الخطَّاب القُرشي، و«مختارات شعراء العرب» لأبي السعادات ابن الشجَري؛ كتبًا لاحقةً لاختيارات المفَضَّل.
  • والمفضليات مجموعة ممثِّلة — ربما أكثر من غيرها — للشعر العربي، سواء لاتجاهاته الفكرية والاجتماعية، أو لخصائصه الفنيَّة. يقول عنها د. ر. بلاشير: «إن لدينا مجموعة نادرة تفوق مجموعات ابن سلَّام، وابن قُتَيبة، وأبي زيد القرشي، في عكسها اتجاهات الشعر العربي منذ عصور الجاهليَّة حتى منتصف القرن الأوَّل للهجرة.»٥٣
  • ينضاف إلى هذا أن المفضليات قصائدُ كاملة ومقطَّعات مستقلة أوردها صاحب الاختيار تامة، على خلاف حَمَاسة أبي تمَّام مثلًا، التي هي مقتطفات ومقطعات قِصار.٥٤
  • والشائع عن المفضليات أنها في الأصل اختيار الإمام إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، المعروف بالنفس الزكيَّة؛ إذ استجاد عِدَّة قصائد كانت نواةً لها، ثم كانت زيادات الأصمَعي،٥٥ ومن ثَم فهي اختيار فردي من جهةٍ ومتعدد جماعي من جهة أخرى؛ فردي من حيث مبتدأ الاختيار وبداية التحديد وهو ما يكفل للعينة اتحاد الذوق الجامع ووحدته، وفي ذات اللحظة، وعيَه باختلاف النصوص وتمايزها، وهذا الذوق هنا هو الذوق الفريد المُدَرَّب الخبير بمادته. هذا الذوق حظِي بتأكيد آخرين وتشديدهم عليه، والزيادة إلى ما اختير في بعض الأحيان، وهي زيادة لم تكن مفرِطةً في النسخة المعتمدة. وتبقى المفضليات في التحليل الأخير نتاج اختيارات فرديَّة مضافة ومتراكمة، تداخلت فيما بينها بما لم يَعُد ميسورًا معه معرفة الأصل من المزيد إلا قليلًا.٥٦ هذه المختارات حققت رضًى واسعًا لدى اللاحقين من الرواة والشُّراح والمتأدبين.٥٧

وكان نُصْب عينَي الكتاب أيضًا تنوع العينة بين القصائد الطويلة والمتوسطة والقصيرة، وكذا المقطَّعات، وهو ربما ما لم تتوفر عليه عينة أخرى، هذا إضافة لاتساعها من حيث عدد الأبيات، وكذا من حيث عدد الشعراء وتنوُّع انتماءاتهم القبليَّة، هذا مع الوعي بإطارٍ زمنيٍّ محدد يجمع بينهم.

ومن ثم فالمفضليات عينة متوازنة نسبيًّا بالنظر إلى غايات الكتاب وأهدافه، سواء أكان ذلك فيما يتعلق بالشعر أم بالشعراء. يقول د. ر. بلاشير: «إن المفضليات مؤلفة من مقطوعات شعرية، وأحيانًا قصائد كاملة، ويمكن حصر أصحاب القصائد، وجُلُّهم من قبائل بَدويَّة، في أواسط الجزيرة العربيَّة وشرقِيِّها، محدودة زمنيًّا على وجه الإجمال بين ٥٥٠ و٦٥٠م.»٥٨

وفيما يلي جدول بقصائد المفضليات موزعةً في فئات لأطوال القصائد؛ للنظر فيما إذا كان ثمة ارتباط بين السرد في القصيدة وطولها، فضلًا عن الوقوف بدقة على صورة واضحة لتكوين المفضليات من حيث أطوال قصائدها.

وُزِّعَت أطوال القصائد في فئات عشرية، في ترتيب متصاعد؛ الفئة الأولي على سبيل المثال يندرج تحتها المقطعات والقصائد التي تتراوح أطوالها من بيتَين إلى عشرة أبيات، والثانية يندرج تحتها القصائد التي تتراوح أطوالها بين أحد عشر بيتًا وعشرين بيتًا، وهكذا.

والمفضليات كما في تحقيق أحمد محمد شاكر وعبد السلام محمد هارون مدونةٌ عدد أبياتها كما ذَكَرا (٢٧٢٧) بيتًا، موزعة على (١٣٠) قصيدة ومقطعَّة، ﻟ (٦٦) شاعرًا. ولكل من المفضليتين (٣١)، (٩٢) روايتان؛ للمفضلية (٣١) رواية طولها (١٨) بيتًا وأخرى (٣٦) بيتًا، وللمفضليَّة (٩٢) روايتان إحداهما (١٣) بيتًا والأخرى (١٢) بيتًا، والمحققان يعدان كل رواية قصيدةً في حساب عدد أبيات المدونة، ولكن الكتاب في إحصائه آثر إثبات رواية واحدة، الأطول فيهما. ومن ثَم يصبح إجمالي عدد الأبيات في هذا الإحصاء (٢٧٢٧ − (١٢ + ١٨)) = (٢٧٢٧ − ٣٠) = ٢٦٩٧.

والجدول السابق يبين:
  • عدد القصائد، وعدد أبياتها داخل كل فئة من فئات أطوال القصائد، وكذا متوسط طول القصيدة داخل كل فئة.

  • وكذا يبين كيف مُثِّلت المقطعات والقصائد الطويلة تمثيلًا واضحًا إلى جانب القصيدة المتوسطة الطول داخل المدونة.

  • الجدول يبين أيضًا أن أعلى فئتين كانتا فئة القصيدة التي يتراوح طولها بين (١١ : ٢٠) بيتًا، وبلغت نسبة أبياتها في المدونة (٢٣٪) من نسبة الأبيات. كما بلغت نسبة قصائدها (٣٣٪) من قصائد المدونة، تلتها فئة القصائد التي يتراوح طولها بين (٢١ : ٣٠) بيتًا، وبلغت نسبة أبياتها (٢٠٪) من نسبة الأبيات، وبلغت نسبة قصائدها (١٧٪) من نسبة القصائد. مَثَّلت القصيدة التي يتراوح عدد أبياتها بين (١١ : ٥٠) بيتًا، بواقع (١٨٣) بيتًا؛ مَثلت نسبةً بلغت (٦٨٪) من المدونة، موزعةً على عدد من القصائد بلغ (٨٢) قصيدةً، بنسبة (٦٣٪) من القصائد. هذا في حين جاءت القصيدة التي أبياتها من (٢ : ١٠) أبيات، بواقع (٢٧٧) بيتًا لتمثل (١٠٪) من أبيات المفضليات؛ جاءت في (٤٠) مُقطَّعة وقصيدة قصيرة، أي بنسبة بلغت (٣٠٪) من قصائد المدونة. وأتت القصيدة الطويلة، وهي ما كانت أبياتها (٥١–١٠٨) بيتًا، وبلغ عدد أبياتها (٥٨٧) بيتًا بنسبة (٢٢٪) من المدونة؛ أتت موزعةً على عدد من القصائد بلغ (٨) قصائد، أي بنسبة (٦٪).

  • والمفضليات مع ما سبق لا تمايز فيما بين القصيدة المتوسطة والطويلة والمقطعة، إنما تترتب القصائد والمقطعات داخلها بما لا يُنبئ عن أي انحياز.

والجدول والرسم البياني التاليان يُبيِّنان متوسط طول القصيدة داخل كل عشر مفضليات مرتبة تباعًا:
  • يشير المحور الأفقي إلى ترتيب قصائد المفضليات في فئات. كل فئة عشر مفضليات متتالية.

  • ويشير المحور الرأسي إلى متوسط طول القصيدة داخل كل فئة.

إن تداخل ترتيب المقطعات مع القصائد المتوسطة أو الطويلة، ودوران هذا التداخل على طول المدونة جعل متوسط طول القصيدة داخل كل عشر مفضليات متتالية لا يزيد عن (٣٧) بيتًا، ولا يقل عن (١٠) أبيات، وعلى مدار ثماني فئات كان فيها ثمانون قصيدة لم يقِل متوسط طول القصيدة داخل كل فئة عن عشرين بيتًا، ولعل هذا لم يكن إلا لتجاوُر المقطعة تمامًا — كتفًا إلى كتف — مع القصيدة المتوسطة والطويلة بعَدِّ كُلٍّ ممثلًا للشعر.

وإزاء كل ظاهرة أو مبدأ يتم فحصه يقف الكتاب أمام عِدَّة نماذج من قصائد متعددة، إن لم تكن في معظم الأحيان جل تحققات الظاهرة في العينة المدروسة، وعندما أخذنا نموذجًا واحدًا أو اثنين كان هذا مُوَزعًا على عدد كبير نسبيًّا من القصائد، وكان نموذجًا ممثلًا بقوة للظاهرة محل الدراسة؛ إذ ليس من اللازم لدراسة ظاهرةٍ من الظواهر دراسة كل مثالٍ من أمثلتها، أو ربط المسألة بكثرة الأمثلة والشواهد، فمدار الأمر على الاستنتاج، والعمل على استكشاف المبدأ العام، فليس المعول — كما يقول فلاسفة العلم — على كم الملاحظة، وإنما المعول دومًا على التماسك المنطقي للنظرية.٥٩
١  د. محمد عابد الجابري، التراث ومشكل المنهج، مقال ضمن كتاب: المنهجيَّة في الأدب والعلوم الإنسانيَّة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط١، ١٩٨٩م، ص٧٥.
٢  حسن بن حسن، النظرية التأويليَّة عند ريكور، نشر: ج. ج. تنسيفت، ط١، ١٩٩٢م، ص٢٦.
٣  بول ريكور، الحياة بحثًا عن السرد، (مقال) ضمن كتاب: الوجود والزمان والسرد؛ فلسفة بول ريكور، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء/بيروت، ط١، ١٩٩٩م، ص٥٤، ٥٥.
٤  بول ريكور، الهوية السرديَّة، (مقال)، السابق، ص٢٥١، ٢٥٢.
٥  بول ريكور، الحياة بحثًا عن السرد، ص٥١، ٥٢.
٦  بول ريكور، السابق، ص٤٥.
٧  د. عبد المنعم تليمة، مقدمة في نظرية الأدب، سلسلة كتابات نقدية، الهيئة العامة لقصور الثقافة، ١٩٩٧م، ص١٧٣، ١٧٤.
٨  استبدل الكتاب الترجمة «الموضوعاتي» بالتعريب: «الثيمي».
٩  تزفيتان تودروف، باختين؛ المبدأ الحواري، ترجمة: فخري صالح، سلسة آفاق الترجمة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، ١٩٩٦م، ص١٨٨.
١٠  تزفيتان تودروف، السابق، ص١٨٩.
١١  السابق، نفسه.
١٢  رينيه وليك، أوستن وآرن، نظرية الأدب، تعريب: د. عادل سلامة، دار المريخ للنشر، ١٤١٢ﻫ/١٩٩٢م، ص٣١٣.
١٣  تزفيتان تودروف، الأنواع الأدبية، (مقال) ضمن كتاب: القصة، الرواية، المؤلف؛ دراسة في نظرية الأنواع الأدبية المعاصرة، ترجمة وتقديم: د. خيري دومة، مراجعة: ا. د. سيد البحراوي، دار شرقيات للنشر والتوزيع، ط١، ١٩٩٧م، ص٤٣.
١٤  رالف كوهين، التاريخ والنوع، ضمن كتاب: القصة، الرواية، المؤلف، ص٢٦.
١٥  استبدلنا كلمة «النوع» بكلمة «جنس» و«الأنواع» ﺑ «الأجناس» وهذا على طول الاقتباسات.
١٦  تزفيتان تودروف، الأجناس الأدبيَّة، ترجمة: جواد الرامي، مجلة نوافذ، النادي الأدبي الثقافي بجدَّة، العدد٤، صفر ١٤١٩ﻫ/١٩٩٨م، ص٥١.
١٧  مجدي وهبة وكامل المهندس، معجم المصطلحات العربيَّة في اللغة والأدب، مكتبة لبنان، بيروت، ط٢، ١٩٨٤م، ص٢٦٧.
١٨  السابق، نفسه.
١٩  نفسه.
٢٠  انظر في هذه الاقتراحات: تزفيتان تودروف، الأجناس الأدبيَّة، ص٥٦–٥٨.
٢١  رينيه وليك وأوستن وآرن، نظرية الأدب، ص٣١٧.
٢٢  يختلف كثيرًا وصف «الغناء» الذي وصف به الشعر العربي القديم عن «الغناء» صفةً للشعر اليوناني والروماني؛ إذ إنه مع الشعر العربي أقرب إلى الوصف المجازي، أما مع اليوناني والروماني فهو لُبُّ الشعر وحقيقته؛ إذ نُظِمَ ذلك الشعر أساسًا بقصد التَّغَنِّي به على أوتار القيثارة القديمة المسَمَّاة باللِّيرا. و«الغناء» مع الشعر العربي القديم وَصفٌ مرادف ﻟ «الإنشاد»، والإنشاد: رفع الصوت بالشعر.
ﻓ «أنشد الشعر: قرأه رافعًا به صوته» (الوسيط، مادة «نشد»).
يقول أ. علي الجندي: «والأصلُ في الشعر أن يُلقى إلقاء، وإن شئت فقل: يُنْشد إنشادًا؛ لأنه غناء، أو بسببٍ من الغناء! وكثيرًا ما يوصف بأنه: سجع الحمامة، وتغريد البلبل، وصدح العَنْدليب، وشَدْو الهَزار، ورنين الوتر، ووَسْوسة الحُليِّ … وكما أن الشعر غناء، كذلك الشاعر مغنٍ، أو شبيه بالمغَنِّي، وقد كان اليونان والرومان يقولون: غَنى، لمن ينظم أو يقول شعرًا» (على الجندي: الشعراء وإنشاد الشعر، دار المعارف، ط٢، ص٢٢).
ولا يخفى هذا التردد في الجزم بربط الشعر العربي بالغناء كما هو الحال في الشعر الأوروبي، على الرغم من أنه في ذات اللحظة يتخذ قرينة للقول بصلته بالغناء.
٢٣  د. محمد بنِّيس، الشعر العربي الحديث؛ بنياته وإبدالاتها، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط٢، ٢٠٠١م، ٤/ ٣٢.
٢٤  د. محمد بنِّيس، السابق، ٤/ ٤٤.
٢٥  انظر: رينيه وليك وأوستن وآرن، نظرية الأدب، ص٣١٨–٣٢٠.
٢٦  السابق، ص٣٢٥، ٣٢٦.
٢٧  ابن سَلام الجُمَحي، طبقات فحول الشعراء، تحقيق: محمود محمد شاكر، دار المدني، ط٢، ١/ ٢٤.
٢٨  السابق، نفسه.
٢٩  مرتضى الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، دراسة وتحقيق: على شِيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ١٤١٤ﻫ/١٩٩٤م، مادة «حكم».
٣٠  ابن منظور، لسان العرب، دار المعارف، مصر، مادة «دون».
٣١  انظر: سعيد الغانمي، الفلسفة التأويليَّة عند بول ريكور، ص٣٠.
٣٢  في سبيل الحديث عن مسألة الأنواع نجد هنا أن من المفيد الاعتداد بمفهوم القيمة المهيمنة في العمل الأدبي كما طرحه الشكلانيون الروس.
والقيمة المهيمنة: هي ظاهرة بروز أحد أنساق التركيب وهيمنته على بقيَّة أنساق المركب. ففي العمل الفني هناك مجموعة من القيم أو العوامل التي تحكم، بشكل من الأشكال، بناء العمل؛ لتعطيه ماهيَّته وخصائصه النوعيَّة. ومن تفاعل مكونات العمل ترتقي مجموعة من العوامل على حساب مجموعة أخرى، وفي عملية الارتقاء هذه يغير العامل المرتقي العوامل الأخرى التي تغدو تابعةً له، ويُسَمَّى المرتقي حينئذٍ المسيطر أو الباني أو القيمة المهيمنة، ومن خلال تطور العلاقة فيما بين العامل المسيطر أو الباني أو القيمة المهيمنة والعوامل الأخرى التابعة له؛ يمكننا أن نُدْرك «الشكل». فالواقعة الفنيَّة — كما يراها «تينيانوف» — لا توجد منفصلة عن إحساس كل العوامل بالخضوع والتبدل تحت تأثير القيمة المهيمنة، فإذا ما تلاشى الإحساس بتفاعل العوامل فإن الواقعة الفنيَّة تُمْحَى ويغدو الفنُّ آليَّة.
والمصطلح يعبر عن ظاهرة تزامنيَّة عندما يتعلق الأمر بنوع محدد، ويعبِّر عن ظاهرة زمنيَّة حينما يتعلق الأمر بسيرورة الانتقال من نوعٍ إلى آخر.
انظر:
رومان جاكُبسون، القيمة المهيمنة.
يوري تينيانوف، مفهوم البناء.
مقالان ضمن كتاب: نظرية المنهج الشكلي؛ نصوص الشكلانيين الروس، تحرير: تزفيتان تودروف، ترجمة: إبراهيم الخطيب، الناشر: الشركة المغربيَّة للناشرين المتحدثين، مؤسسة الأبحاث العربيَّة، بيروت، ط١، ١٩٨٢م.
٣٣  أمبرتو إيكو، القارئ في الحكاية؛ التعاضُد التأويلي في النصوص الحكائيَّة، ترجمة: أنطوان أبو زيد، المركز الثقافي العربي، بيروت/الدار البيضاء، ط١، ١٩٩٦م، ص١٣٧ وما بعدها.
٣٤  حاتم الصكر، السرد في الشعر العربي القديم؛ استراتيجيات الرؤية وآليات القصص (مقدمة نظرية وتطبيق نَصِّي)، مجلة آفاق، مجلة اتحاد كتاب المغرب، العدد ٦١/ ٦٢، ١٩٩٩م، ص٣١، ٣٢.
٣٥  د. محمد مفتاح، تحليل الخطاب الشعري (استراتيجيَّة التناص)، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء/بيروت، ط٣، ١٩٩٢م، ص٣٣٩.
٣٦  المقولة Category: مصطلح يعني — كما عند أرسطو، أو مَنْ صَكه واستخدمه بمعناه المنطقي — التصورات الأوليَّة أو المفاهيم التي يقوم عليها الفَهم، وسميت كذلك لأنها محمولات؛ حيث المقولة بمعنى المحمول أو بمعنى الملفوظ أي القول، والتاء للمبالغة أو للنقل من الوصفيَّة إلى الاسميَّة.
وهي عند «كانط»: التصورات الكليَّة الأساسيَّة التي يتضمنها العقل المحض. وهي صورة قبْليَّة للمعرفة، تُسْتنبط من طبيعة الحكم في مختلف صوره، وتمثل الجوانب الأساسيَّة للتفكير النظري أو الاستدلالي. وهي عند «رينوفيه»: القوانين الأوليَّة، والعلاقات الأساسيَّة التي تحدد صورة المعرفة وتنظم حركتها.
انظر المدخل (مقولة) عند كل من:
عبد المنعم الحفني، المعجم الفلسفي، الدار الشرقية، مصر، ط١، ١٤١٠ﻫ/١٩٩٠م.
جميل صليبا، المعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، مكتبة المدرسة، بيروت، ١٩٨٢م.
لالاند، موسوعة لالاند الفلسفيَّة، تعريب: خليل أحمد خليل، منشورات: عويدات، بيروت/باريس، ط٢، ٢٠٠١م.
٣٧  ولتر ت. ستيس، معنى الجمال؛ نظرية في الإستطيقا، ترجمة: إمام عبد الفتاح إمام، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ٢٠٠٠م، ص٢٤٦.
٣٨  رولان بارت، التحليل البنيوي للسرد، ضمن كتاب: طرائق تحليل السرد الأدبي؛ دراسات، سلسلة ملفات، منشورات اتحاد كُتاب المغرب، الرباط، ط١، ١٩٩٢م، ص٩.
٣٩  هشام شرابي، الرحلة الأخيرة، دار توبقال للنشر، ط١، ١٩٨٨م، ص٩.
٤٠  انظر: جان-فرانسوا ليوتار، الوضع ما بعد الحداثي (تقرير عن المعرفة)، ترجمة: أحمد حَسَّان، دار شرقيات، ط١، ١٩٩٤م. وبخاصة الأقسام ٥–١٠، ص٣٦–٥٩.
٤١  فريدريك جيمسون، مقدمة كتاب الوضع ما بعد الحداثي، ص١١.
٤٢  ⋆⋆ لمزيد من التفصيل حول ذلك وحول علاقة الحكاية الأدبيَّة بالدرس الفلسفي، أو بالأحرى علاقة بنية الحكاية بطريقة عمل الفكر واللغة وبالمجتمع الإنساني في ثقافة ما بعد الحداثة، انظر: د. منى طلبة، قراءة لمفهوم «الحكاية» عند ليوتار وريكور كمنظورين متقابلين لما بعد الحداثة، مجلة قضايا فكرية، الكتاب التاسع عشر والعشرون، أكتوبر، ١٩٩٩م. ص٤٢١–٤٥٣. وأيضًا: صوفي بيرتو، الزمن والحكي وما بعد الحداثة، ترجمة: إبراهيم عمري، مراجعة: محمد السرغيني، مجلة نوافذ، النادي الأدبي بجدة، العدد الرابع، صفر ١٤١٩ﻫ/يونيو ١٩٩٨م، ص٨٢–١٠٠.
٤٣  يمكن إعادة تعريف مصطلح السرد Narration في ضوء التمييز بينه وبين عددٍ من المصطلحات الأخرى؛ مثل المحاكاة أو التمثيل، والوصف أو التعليق، والخطاب …
انظر: جيرالد برنس، قاموس السرديات، ترجمة: السيد إمام، ميريت للنشر والمعلومات، ط١، ٢٠٠٣م، ص١٢٢.
انظر: جيرار جنيت: حدود السرد، ترجمة: بنعيس بوحمالة، ضمن كتاب: طرائق تحليل السرد الأدبي، ص٧٢–٨٣.
٤٤  جيرالد برنس: قاموس السرديات، ص١٢٢.
٤٥  جيرار جنيت، حدود السرد، ص٧١.
٤٦  جيرالد برنس، السابق، ص١٢٢ وما بعدها.
٤٧  جيرار جنيت، خطاب الحكاية؛ بحث في المنهج، ترجمة: محمد معتصم، عبد الجليل الأزدي، عمر حلي، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط٢، ١٩٩٧م، ص٤١.
٤٨  جيرار جنيت، عودة إلى خطاب الحكاية، ترجمة: محمد معتصم، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء/بيروت، ط١، ٢٠٠٠م، ص١٩.
٤٩  جيرار جنيت، السابق، ص٢٠.
٥٠  ميجان الرويلي، وسعد البازعي، ص١٧٥.
٥١  جيرار جنيت، السابق، ص١٧.
٥٢  أحمد محمد شاكر، عبد السلام محمد هارون، مقدمة تحقيق المفضليات، دار المعارف، القاهرة، ط٨، ص٩.
٥٣  د. ر. بلاشير، تاريخ الأدب العربي، ترجمة: إبراهيم الكيلاني، دار الفكر المعاصر، بيروت/دار الفكر، دمشق، ١٤١٩ﻫ/ ١٩٩٨م.
٥٤  يقول التبريزي: «ومن أجود ما اختاروه من القصائد المفضَّلِيات، ومن المقطَّعات الحماسة.» انظر: التبريزي، شرح الحماسة، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، ص٣.
٥٥  انظر: ابن النديم، الفهرست، تحقيق: د. ناهد عباس عثمان، دار قَطَري بن الفُجاءة، ط١، ١٩٨٥م، ص١٣٦.
انظر: أبو علي القالي: الأمالي، دار الكتب العلميَّة، بيروت، ٢: ١٣٢.
انظر: أبو الفرج الأصفَهاني: مَقاتل الطالِبيين، شرح وتحقيق: السيد أحمد صقر، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط٢، ١٤٠٨ﻫ/ ١٩٨٧م، ص٢٩١ وما بعدها.
انظر: مقدمة تحقيق المفضليات، ص١٠–٢٣.
انظر: د. ناصر الدين الأسد: مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخيَّة، دار الجيل، بيروت، ط٨، ١٩٨٨م، ص٥٧٣: ٥٧٧.
انظر: د. الطاهر أحمد مكي: دراسة في مصادر الأدب، دار المعارف، ط٧، ١٩٩٣م، ص١٠٦، ١٠٧.
٥٦  يقول محقِّقا المفضليات: «فإنه لا يخالجنا رَيْبٌ في أن المفضَّل لم يخرج كل هذه القصائد التي شرحها الأنباري، التي تسمى «المفضَّلِيات»، وأن كثيرًا منها أُدخِل في أثنائها من بعده. ونرى أن أصلَها السبعون التي اختارها إبراهيم بن عبد الله بن حسن، والتي يقول المفضَّل فيها: «صَدرتُ بها اختيارَ الشعراء، ثم اتممتُ عليها باقي الكِتاب»، وأنه زادها بعدُ عشْرًا، حين تقدم إليه المنصورُ في اختيار قصائدَ للمهدي، فصارت ثمانين، وأن هذه الثمانين هي أصل الكتاب عن المفضَّل، لم يتجاوزها، ثم قُرئت على الأصمَعي، فأقرَّها وزادها قصائدَ، وزاد في بعض قصائدها أبياتًا، واختار قصائدَ أُخَرَ. ثم جاء مَن بعدَ الأصمَعيِّ، وزادوا في القصائد — أصلها ومزيدِها — أبياتًا دخلت في روايتَي المفضل والأصمعي، حتى اختلطت كلها، فلم يكن ميسورًا أن يجزم جازمٌ بما كان أصلًا وما كان مزيدًا، إلا قليلًا، ونحن موقنون أن السبعين التي بُني عليها الكتاب، والعشرَ التي زاد المفضل، ليست الثمانين الأُولى من هذه المجموعة، وإنما هي ثمانون قصيدةً مُفَرقة في الكتاب، لا نوقن في قصيدة بعينها أنها منها أو من غيرها، إلا قليلًا أيضًا.»
انظر: مقدمة التحقيق، ص١٣، ١٤.
٥٧  مع ما حفلت به المفضليات من عناية المتأدبين وتعاور هؤلاء الثلاثة المشار إليهم على الاختيار؛ لا نعدِم مَنْ لا يُعجبه بعض هذا الاختيار؛ فهذا ابن قُتيبة يُدْرج قصيدة المرقَّش الأكبر التي أولها:
هل بالديار أن تجيب صَمَمْ
لو كان رَسْمٌ ناطِقًا كلَّمْ
يُدْرِجها في باب الشعر الذي «تأخر معناه وتأخر لفظُه»، ويقول معلقًا: «والعجب عندي من الأصمعي، إذ أدْخله في متخيَّرِه، وهو شعر ليس بصحيح الوَزن، ولا حَسَن، الرَّويِّ، ولا متخيَّر اللفظ، ولا لطيف المعني.» انظر: ابن قتيبة، الشعر والشعراء، شرح وتحقيق: أحمد محمد شاكر، دار الحديث، القاهرة، ط١، ١٤١٧ﻫ/ ١٩٩٦م، ج١، ص٧٢.
٥٨  د. ر. بلاشير، تاريخ الأدب العربي، ص١٧٩.
٥٩  مهما بلغ عدد الأمثلة المدروسة المُصَدِّقة للظاهرة، فلن يحكم ذلك على الظاهرة بالصِّدْق، فقولنا: «كل البجع أبيض» قضية لن يثبت صدقها ملايين البجعات البيضاء، فمن أدرانا أنه توجد بجعة ليست بيضاء، لكن لم تصادفنا، ولم نرَها بعد، لكن رؤية بجعة واحدة غير بيضاء كافٍ لإثبات كذب القضيَّة.
انظر: د. يُمنى طريف الخولي، فلسفة العلم في القرن العشرين؛ الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبليَّة، سلسلة عالم المعرفة، العدد ٢٦٤، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ١٤٢١ﻫ/ ٢٠٠٠م، ص٣٥٥.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤