تقديم المجاهدة

أعاد إبراهيم سيف النصر ما قرأه في «المصري» على الجالسين: استدعاء السفير المصري في لندن، بناء مساكن للأهالي الذين دمرت قوات الاحتلال بيوتهم … معاقبة من يتعاون مع قوات أجنبية. توقف العمل في معسكرات الإنجليز بعد انسحاب عمال السكة الحديد وسائقي القطارات وعمال الشحن والتفريغ، وعمال الورش والمصانع والإدارات.

علا صوته بالفرحة: وإباحة حمل السلاح لكل المواطنين.

قال المهدي اللبان: يعني من حقنا حمل السلاح؟

قال أدهم أبو حمد: يكفينا حمل الهموم.

أعادت أحاديث الجالسين ما رددته الصحف والإذاعات: الفدائيين، كفر أحمد عبده، الإسماعيلية، التل الكبير، الدبابات، مدافع الهاون، أم صابر، عمر شاهين، البريجادير إكسهام.

قال عبد الله الكاشف: محطة الشرق الأدنى أذاعت نبأ انسحاب ٦٠ ألف عامل من معسكرات الإنجليز في القناة … الورش والمصانع والإدارات المختلفة.

الإذاعات والصحف والأخبار والتعليقات والمناقشات والشائعات. المظاهرات ظاهرة في معظم المدن. تسلل الفدائيين إلى معسكرات الإنجليز … الاستيلاء على الأسلحة والذخيرة … إشعال النيران … قطع خطوط التموين … نسف القطارات، ومستودعات البترول … مهاجمة الدوريات المسلحة … أيد الشيخ عبد الحفيظ تصريحًا لشيخ الأزهر إبراهيم حمروش، يحل فيه دماء الجنود الإنجليز.

طالت جلساته في القهوة. يسأل، ويجيب، ويناقش. وجد نفسه — دون أن يعد نفسه — قطرة في بحر آلاف المتظاهرين في ميدان المنشية. ابتلعته الأجسام المتلاحمة والنداءات واللافتات: اطردوا المستعمر بالسلاح … نريد السلاح … يسقط الدفاع المشترك … الوساطة الأمريكية خدعة … عمال القنال فداء للوطن … الإفراج عن المسجونين السياسيين … نؤيد إيران.

شمله ذعر حين مزق الطلبة صورة الملك فاروق، وداسوها بأحذيتهم، وهتفوا: أين أمك يا فاروق؟

نفذ من بين المتظاهرين إلى سوق راتب. نجا بنفسه من زحام المظاهرة.

قال فهمي الأشقر للشيخ أحمد أبو دومة: هل يشارك أطفال الكتاب في مظاهرات الطلبة هذه الأيام؟

قال أبو دومة: السياسة ممنوعة في الكتاب!

قال عبد الله الكاشف: أنا أرى أن فترات إيقاف الدراسة فاقت فترات الدراسة نفسها.

قال أدهم أبو حمد: بعد قرار تعيين حافظ عفيفي رئيسًا للديوان الملكي … تساوى الحدث السياسي والنكتة! لم تمضِ أيام على إزالة كفر أحمد عبده.

قال إبراهيم سيف النصر: لك حق … هذا ليس وقته … الناس تموت كل يوم في القناة.

أعاد فهمي الأشقر الاسم: حافظ عفيفي؟ أليس هو الرجل الذي انتقد منذ ثلاثة أشهر تفكير حكومة الوفد في إلغاء المعاهدة.

قال زكي بشارة: تعيين حافظ عفيفي إشارة البدء لمظاهرات صاخبة.

قال أحمد أبو دومة: بالمناسبة … من هو فيفي الذي هتفت المظاهرات بسقوطه مع حافظ عفيفي؟

قال إبراهيم سيف النصر: يقصدون مَن عيَّن حافظ عفيفي في منصبه!

قال أبو دومة: هذا الملك عدو نفسه!

قال أدهم أبو حمد: لماذا نلوم الملك ولا نلوم حكومة الوفد التي سكتت عما حدث كأنه في بلد آخر.

وتنهد: إن كان النحاس فوجئ بهذا التعيين، فهي مصيبة. أما إن كان لا يعلم، فالمصيبة أعظم!

وضرب راحة يده في الأخرى: من كان يتصور أن المظاهرات تهتف ضد النحاس؟!

وتحسَّس — بتلقائية — سجحات في جبهته. اجتذبه — عند خروجه من معهد الأحياء المائية — بحر مظاهرات بلا ساحل. الهتافات ضد تهاون حكومة الوفد في حماية الناس من عدوان الإنجليز. حطم المتظاهرون مصابيح النور، واقتلعوا الأشجار. ظل البحر على صخبه بعد أن منعت الحكومة المظاهرات. هتف المتظاهرون ضد الملك أيضًا! ناله — في عراكهم مع البوليس — ضربة قايش. بقي من أثر تورم الجبهة سجحات.

– الاستقالة هي ما يملكه الرجل حتى يستعيد شرفه!

قال أدهم أبو حمد: كل صحف المعارضة تتحدث عن الثورة … فمتى تقوم؟

كان يحرص على شراء روز اليوسف، واللواء الجديد، والاشتراكية، والدعوة، والكاتب، والملايين.

•••

مال عبد الله الكاشف من الشارع الخلفي لسيدي علي تمراز، إلى شارع إسماعيل صبري. هتف لرؤية بسيوني البتانوني زميله في الحقانية. أظهر الود، وإن داخَلَه حرج لم يَدرِ بواعثه.

– وحشني الزملاء.

قال البتانوني: نفتقدك كثيرًا يا عبد الله أفندي … ما كنت تفعله، لا يقوى عليه — صدقني — ثلاثة موظفين.

وهو يمد يده للمصافحة: قواكم الله!

فكر أن يعرض مساعدته. يأتي إليه الرجل بملفات تحتاج إلى إعداد ومراجعة، يقتل بها الوقت الذي قتله. ناقش الفكرة بينه وبين نفسه. لدقائق. وكان الرجل قد غاب في انحناءة الشارع.

رأى الأولاد يلعبون الكرة الشراب.

غالب التردد حين اصطدمت الكرة بقدميه.

ثم شاطها بكل قوته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤