مكتوب

١

بحث الغريب عن رئيس الكهنة في أحد الأديرة. «أريد أن أجعل حياتي أفضل مما هي عليه، ولكنني لا أستطيع أن أمنع نفسي من التفكير في الخطيئة.»

لاحظ رئيس الكهنة أن الرياح كانت تهبُّ في الخارج قويةً ومنعشةً فقال للغريب: الجو هنا حارٌّ ومكتوم كما ترى، لماذا لا تخرج وتأتي بقطعة من الريح علها تلطِّف جو المكان؟

قال الغريب: ولكن ذلك مستحيل.

قال رئيس الكهنة: ومن المستحيل، كذلك، أن تمنع نفسك من التفكير فيما يغضب الله … لكنك إذا عرفتَ كيف تقول «لا» للإغراء والغواية … فلن يمسَّك ضُر.

٢

قال التلميذ لمعلمه: لقد أمضيتُ معظم يومي في أشياءَ ما كان ينبغي لي أن أفكر فيها، وأرغب في أشياءَ ما كان ينبغي أن أرغب فيها … وأرسم خططًا ما كان يجب أن أرسمها. دعا المعلم تلميذه لكي يخرج للتمشية معه في الغابة خلف منزله، وكان وهما يسيران يُشير إلى كل نباتٍ يصادفهما ويسأله عن اسمه.

قال التلميذ مرة: «هذه بيلادونا.» وقال المعلم: «ومن يأكل أوراقها يموت … ولكنها لا تقتل من يكتفي بالنظر إليها.

وهكذا فإن الرغبات السلبية لا تؤذيك إذا أنت لم تسمح لها بإغوائك!»

٣

دنا التلميذ من معلمه ليسأله: أبحثُ عن الاستنارة الروحية منذ سنوات وأشعُر بأنني قد اقتربتُ منها، ليتَكَ تدلُّني على الخطوة التالية يا سيدي!

سأله المعلم: كيف تُعيل نفسك؟

قال التلميذ: لم أتعلم ذلك بعدُ. أبي يكفُلني، ولكن ذلك ليس مهمًّا.

قال المعلم: الخطوة التالية هي أن تنظر إلى الشمس نصف دقيقة. ونفَّذ التلميذ وصية معلِّمه الذي طلب منه بعد انقضاء نصف الدقيقة أن يصف له الحقل الذي كانا يقفان فيه.

قال التلميذ: ولكنني لا أستطيع؛ فقد أرهقَت الشمس عيني.

قال المعلم: من يبحث عن الضوء ويتهرب من تبعاته لا يمكنه أن يجد الاستنارة. ومن يحدِّق في الشمس ويظل على حاله لن يصيبه في النهاية سوى العمى.

٤

كان الرجل يجول في الوادي عندما التقى بالراعي العجوز. اقتسم معه طعامه، وجلسا طويلًا يتحدثان عن هموم الحياة.

قال الرجل: من يؤمن بالله عليه أن يعترف بأنه ليس حرًّا؛ لأن الله هو الذي يحكُم كل خطواته.

لم يرُدَّ عليه الراعي، ولكنه اقتاده إلى وهدٍ شديد الانحدار، حيث كان يمكن الاستماع بوضوح إلى صدى أي صوتٍ مهما كان ضعيفًا.

قال الراعي: الحياة هي هذه الجدران، والقدَر هو الصوت الذي يصدُر عن أيٍّ منا. وما يصدر عنا يرتفع إلى قلبه لكي يعود إلينا على الشكل نفسه. إن الله صدى أفعالنا يا بُني!

٥

بين فرنسا وإسبانيا تُوجد سلسلة من الجبال. في الجبال قريةٌ تُسمَّى أرجيلس. في القرية تلٌّ يؤدي إلى الوادي. كل مساء، يصعد الرجل العجوز التل، وينزل. عندما ذهب المسافر إلى أرجيلس لأول مرة، لم يكن يعرف ذلك. وفي زيارته الثانية لاحظ أنه لأول مرة، لم يكن يعرف ذلك. وفي زيارته الثانية لاحظ أنه يلتقي في طريقه بالرجل العجوز نفسه. وفي كل مرة بعد ذلك كان يراقبه عن كثب … ثيابه … قبعته … عصاه … نظارته.

والآن، عندما يتذكَّر تلك القرية يتذكَّر الرجل الذي كلَّمه مرةً واحدة فقط وسأله مازحًا: «هل تعتقد أن الله يعيش في هذه الجبال المحيطة بنا يا أبي؟»

قال الرجل: «إن الله يعيش في الأماكن التي يسمحون له بدخولها يا بُني!»

٦

اجتمع المعلم ذات ليلةٍ بتلاميذه، وطلب منهم أن يوقدوا نارًا، يجلسون حولها يتسامرون.

«طريق الروح يشبه هذه النار أمامنا. ومن يريدُ أن يُوقِد نارًا عليه أن يتحمَّل دخانها الذي يجعل العين تدمع والتنفُّس صعبًا. هكذا يُعيد المرء اكتشاف إيمانه؛ إذ بمجرد أن تتأجج النار، يختفي الدخان، ويضيء نورها أرجاء المكان جالبًا معه الحرارة والسكينة.»

سأل تلميذ: وماذا لو أشعل النار له شخصٌ آخر … وماذا لو ساعدنا غيره على تجنُّب الدخان؟»

قال المعلم: «من يفعل ذلك زائف؛ فهو يستطيع أن يحمل النار إلى حيث يريد وأن يطفئها عندما يريد. ولأنه لم يعلِّم أحدًا كيف يشعل النار لنفسه، فمن المحتمل أن يترك الجميع في الظلام!»

٧

خرج الرجل بحثًا عن راهب كان يعيش بالقرب من الدير … بعد تَجوالٍ في الصحراء وجدَه. «أريد أن أعرف الخطوة الأولى التي يجب أن يبدأ بها طريق الإيمان.»

أخذه الراهب إلى بئرٍ صغيرة، وطلب منه أن ينظر إلى خياله في الماء. حاول الرجل، ولكن الراهب كان يلقي بالحصى في الماء فيهتز.

قال الرجل: «لا أستطيع أن أرى وجهي وأنت تُلقي بالحصى في الماء هكذا.»

قال الراهب: «مثلما هو مستحيل أن يرى المرء وجهه في مياهٍ مضطربة، من المستحيل أن تبحث عن الله عندما يكون عقلك مضطربًا بسبب البحث. هذه هي الخطوة الأولى.»

٨

استُدعي الناسك العجوز للمثول أمام ملك الزمان الذي قال له: «إنني أحسُد رجل الدين الذي يقنع بالقليل الذي لديه، مثلك أيها الناسك.» قال الناسك: «بل أنا الذي أحسدك يا مولاي؛ لأنك قانع بما هو أقل مما لديَّ.»

قال الناسك: «هذا صحيح يا مولاي، ولكنني أملك موسيقى الأكوان والجبال والأنهار في العالم كله … والشمس والقمر … لأن الله في قلبي … بينما مولاي يملك هذه البلاد فقط.»

٩

قال فارسٌ لصاحبه: «هيا بنا نخرج إلى الجبال حيث يقيم الله. أريد أن أثبت لك أن كل ما يفعله هو أنه يأمرنا فنطيع … بينما لا يفعل شيئًا لكي يريحنا من عنائنا.»

قال صاحبه: «أما أنا فسأخرج إلى الجبال لكي أقوِّي إيماني.»

وعندما وصلا إلى قمة الجبل ليلًا سمعا صوتًا في الظلام: «حمِّلا فرسَيْكما من الأحجار الموجودة على الأرض.»

قال الأول: «ألم أقل لك؟ ها هو بعد مكابدة الصعود يطلب منا أن نحمل أحجارًا. لن أطيعه!» أما الثاني ففعل كما أمره الصوت.

وعندما عادا إلى سفح الجبل، كانت أشعة شمس الصبح الأولى تلمع على الأحجار التي حملَها الفارس الأول. كانت الأحجار من أرقى أنواع الماس. يقول المعلم: قد تكون إرادة الله أحيانًا غامضة، ولكنها دائما لمصلحتك!

١٠

كان المستكشف الأبيض يريد أن يصل إلى مقصده في وسط أفريقيا. وعَد حامليه بمضاعفة الأجر لهم إن هم أسرعوا به. على مدى أيامٍ كان حاملوه يَجْرون به بأقصى ما يستطيعون من سرعة، إلا أنهم ذات مساء قرَّروا أن يضعوا حملهم … وجلسوا على الأرض رافضين أن يتحركوا خطوةً واحدة رغم وعده بجزيل العطاء.

عندما سألهم عن السبب قالوا: «لقد كنا نجري بسرعة لدرجة أننا لم نكن ندري ماذا نفعل، والآن علينا أن ننتظر قليلًا حتى تلحق بنا أرواحنا.»

١١

يقول المعلم: استمتع بكل ما أنعم به الله عليك اليوم. نِعَم الله لا يمكن توفيرها. ليس هناك بنك يستثمر لك النعم لكي تستخدمها وقت الحاجة. هيا! قبل أن تضيع منك إلى الأبد. الله يعرف أننا مبدعون في حياتنا. ذات يوم يعطينا الطين لصنع التماثيل، ويعطينا القماش والفرشاة في يومٍ آخر، لكننا لا نستطيع أن نستخدم الطين على القماش … ولا الأقلام لصناعة التماثيل. لكل يومٍ معجزته. تقبَّل نعمة الله، أنجز عملك الفني اليوم. غدًا يهبُك الله نعمةً أخرى.

١٢

كان «بوذا» جالسًا وسط تلاميذه ذات صباح عندما اقترب رجلٌ منهم ليسأل: «هل الله موجود؟» قال بوذا: «نعم! الله موجود.» بعد الغداء جاء آخر ليسأل: «هل الله موجود؟» قال بوذا: «لا! الله ليس له وجود!»

وفي آخر النهار جاء ثالث ليسأل السؤال نفسه، فقال له بوذا: «أنت أدرى بذلك!»

قال تلميذ: «غريبٌ أمرك يا سيدي. لقد أعطيتَهم ثلاثَ إجاباتٍ مختلفة عن السؤال نفسه.»

وقال تلميذٌ مستنير: «لأنهم ثلاثة أشخاصٍ مختلفين. لكلٍّ منهم أسلوبه في الاقتراب من الله، بعضهم مؤمن، وبعضهم منكر، وبعضهم في شك!»

١٣

كانت حواء تسير في الجنة عندما اقتربت منها الحية لتقول لها: «كلي هذه التفاحة.» رفضت حواء؛ لأنها كانت ممتثلة لأوامر الله. راحت الحية تُلِح عليها: «كلي! ستصبحين أكثر جمالًا من أجل زوجك.»

قالت حواء: «لستُ في حاجة لذلك؛ إذ ليس لديه غيري … وليس هنا سواي.»

ضحكَت الحية: «بلى! لديه امرأةٌ أخرى.»

ولأن حواء لم تصدِّقها اصطحبَتْها الحية إلى قمة تل، حيث كانت تُوجد بئر.

«ها هي المرأة الأخرى أمامك في قاع البئر. انظري! لقد خبأها آدم هناك.»

نظرت حواء فرأت صورة امرأةٍ جميلة. أكلَت التفاحة!

١٤

يقول المعلم: هناك إلهان؛ الإله الذي علمونا عنه وذلك الذي يعلمنا. الإله الذي يتكلمون عنه عادة، وذلك الذي يكلمنا. الإله الذي تعلمنا أن نخافه وذلك الذي يحدِّثنا عن الرحمة. هناك إلهان؛ الإله الذي في السماء وذلك الذي يشاركنا حياتنا اليومية. الإله الذي يأمر وينهى ويطلُب منا ويُثقِل علينا، وذلك الذي يعفو عن ذنوبنا ويغفر لنا شكوكنا. الإله الذي يهدِّدنا بالويل والثبور والجحيم، وذلك الذي يهدينا إلى الطريق المستقيم. الإله الذي يسحقنا تحت خطايانا … وذلك الذي يحرِّرنا بحبه!

١٥

كان المعلم وتلاميذه مسافرين عندما نَفِد منهم الطعام في الطريق. طلب المعلم من بعضهم أن يذهب ليحضر طعامًا، فعادوا في آخر اليوم ومع كلٍّ منهم ما استطاع أن يجمعه من إحسان الآخرين:

كان هناك فاكهةٌ معطوبة وخبزٌ يابس ونبيذٌ قارَب على الفساد.

كان بين التلاميذ من جاء بتفاحٍ ناضج وهو يقول: لقد فعلتُ المستحيل لكي أساعد معلمي وزملائي. قال وهو يقتسم التفاح معهم.

قال المعلم: ومن أين لك هذا التفاح؟

قال التلميذ: سرقتُه مضطرًّا؛ لأن الناس كانوا يعطونني طعامًا فاسدًا بالرغم من أنهم يعرفون أننا هنا لنشر كلمة الله.

قال المعلم: «اذهب بتفاحك ولا تعُد. إن من يسرق من أجلي سيسرق مني!»

١٦

اصطحب رجلٌ صديقه «حسن» إلى باب مسجد، حيث يقف شحاذٌ أعمى. قال الرجل: هذا الأعمى هو أحكم من في القرية.

سأل حسن الرجل الأعمى: منذ متى وأنت هكذا؟

قال الأعمى: منذ وُلِدت.

قال حسن: «لكن … كيف أصبحتَ حكيمًا؟»

قال: «منذ رفضتُ العمى وحاولتُ أن أكون فلكيًّا. وحيث إنني لا أستطيع أن أرى السماء، كان عليَّ أن أتخيل النجوم والشمس والمجرات. وكلما كنتُ أقترب من صنع الله، كنتُ أقترب من كلمته!»

١٧

يستطيع مدرب الحيوانات في السيرك أن يسيطر على الفيلة بخدعةٍ بسيطة. عندما يكون الحيوان صغيرًا يربط إحدى أرجله في جذع شجرة. ومهما حاول الفيل الصغير التخلص من القيد فهو لا يستطيع. وشيئًا فشيئًا يعتاد فكرة أن جذع الشجرة أقوى منه. وعندما يكبر ويصبح شديد القوة، ما عليك سوى أن تربط خيطًا رفيعًا حول رجله وتربطه بشُجيرةٍ صغيرة. لن يحاول أبدًا أن يخلِّص نفسه. أرجلنا، كما هو الحال مع الفيلة، مربوطة بقيودٍ واهية، ولكن حيث إننا قد اعتدنا منذ الطفولة على قوة جذع الشجرة، فنحن لا نجرؤ على المقاومة. نحن لا ندرك أن عملًا شجاعًا بسيطًا هو كل المطلوب لكي نحقِّق حريتنا.

١٨

قال شيطان لآخر: هل ترى ذلك الرجل الطيب المتواضع الذي يسير هناك؟ أنا ذاهب لأهزم روحه.

قال الشيطان الثاني: لن يستمع إليك؛ فهو مشغول بأفكاره الخيِّرة. لكن الشيطان تفكر في ثياب «جبريل» وذهب ليقول للرجل الطيب: «أنا هنا لمساعدتك.»

قال الرجل: «لعلك أخطأتَني يا سيدي؛ فأنا لم أفعل في حياتي ما يستحق اهتمام الملاك.» وسار في طريقه وهو لا يعرف شيئًا عما حدث.

١٩

ملكٌ إسباني فخورٌ بنسبه، معروف عنه أنه شديد القسوة على الضعفاء. كان يسير ذات يوم في «أراجون» مع كبار معاونيه، في نفس المنطقة التي كانت قد شَهدَت معركةً سقط فيها والده. وجدوا في طريقهم رجلًا بسيطًا يقلِّب في كَومةٍ من عظام الموتى.

«ماذا تفعل يا رجل؟»

قال الرجل: عندما علمتُ أن ملك إسبانيا قادم إلى هنا قرَّرتُ أن أجمع عظام والدك يا سيدي وأعطيها لك، إلا أنني لا أستطيع أن أجدها رغم ما بذلتُ من جهد. هذه يا مولاي العظام كلها، ولا فرق بين عظام الفلاحين والمتسولين والعبيد والملوك.

٢٠

التقى رجلٌ شرِّير بملاكٍ على أبواب جهنم. قال الملاك: يكفي أن تكون قد أتيتَ فعلًا واحدًا خيرًا في حياتك لكي يشفع لك … تذكَّر جيدًا! تذكر الرجل أنه كان يسير في غابةٍ ذات مرة فصادف عنكبوتًا في طريقة فاستدار حتى لا يطأه بقدمه. ابتسم الملاك، بينما كانت شبكة عنكبوت ترتبط من السماء لكي تحمل الرجل لتصعد به إلى الجنة.

انتهز عدد من المذنبين الفرصة وتعلقوا بالشبكة لكي يصعدوا معه، فالتفت إليهم الرجل لينهرهم ويدفعهم بعيدًا؛ خشية أن تنهار خيوط العنكبوت وتسقط بهم جميعًا. وفي نفس اللحظة، تقطَّعَت الخيوط وعاد الرجل مرةً أخرى بينما كان يسمع الملاك وهو يقول: يا للأسف! إن انشغالك بنفسك حوَّل الخير الوحيد الذي فعلتَه في حياتك إلى شر.

٢١

المعلم وتلميذه في الصحراء. المعلم يستغل كل لحظة لكي يتحدث مع تلميذه عن الإيمان وليقول له: توكَّل دائمًا على الله، إن الله لا يتخلى عن أبنائه. وفي الليل طلب المعلم من تلميذه أن يربط الخيل في صخرةٍ قريبة من الخيمة. ذهب التلميذ ليُنفِّذ أوامره، ولكنه لم ينسَ ما قاله المعلم، وقال لنفسه: «لعله يريد أن يختبر قوة إيماني؛ ولذا سأترك الخيل في رعاية الله.» وتركها دون أن يربطها.

وفي الصباح اكتشف التلميذ أن الخيل قد اختفت فعاد إلى معلمه ثائرًا … «إنك لا تعرف شيئًا عن الله، لقد تركتُ الخيل في رعايته، كما قلتَ، وها هي قد اختفت.»

قال المعلم: «إن الله كان يريد أن يحرس الخيل، ولكنه لكي يفعل ذلك، كان في حاجةٍ إلى يديك لكي تربطها.»

٢٢

اقتربت امرأةٌ من المسافر لكي تقول له: كنتُ دائمًا أعتقد أن لديَّ القدرة على شفاء الناس، ولكن لم تكن لديَّ الشجاعة لأجرِّب ذلك على أحد. إلى أن كان يومٌ عندما كان زوجي يعاني من ألمٍ شديد في ساقه اليسرى ولم يكن هناك من يساعده.

قرَّرتُ محرجةً أن أضع يدي على ساقه وأطلب أن يختفي الألم. فعلتُ ذلك دون أن أصدِّق أنني سوف أتمكَّن من مساعدته. وبينما يدي على ساقه سمعتُه يدعو الله: «ساعدها يا رب لأن تكون رسولًا لرحمتك وقدرتك.» شعرت بيدي تسخن وبدأ الألم في الاختفاء. بعد ذلك سألتُه: «ولماذا كنتَ تدعو الله؟» قال: «لكي أعطيك الثقة.»

واليوم، أصبحتُ قادرة — بفضل تلك الكلمات — على شفاء الناس.

٢٣

قال المعلم: امضِ في طريقك، ستجد أمامك بابًا كُتبَت عليه عبارة، عُد وخبِّرني ماذا تقول تلك العبارة. ذهب التلميذ بعد أن حشد لذلك روحه وجسده ووقته، ثم عاد ليقول للمعلم: «مكتوب: هذا مستحيل!»

سأله المعلم: وهل العبارة مكتوبة على جدارٍ أم على باب؟

– «على باب یا سیدي.»

– «حسنٌ يا بني، ضع يدك على المقبض، وافتح الباب.»

ذهب الطالب وفعل كما طلب منه. ولأن العبارة كانت منقوشة بالغبار، فإنها وقعَت عندما انفتح الباب. ولأن الباب أصبح مفتوحًا على مصراعَيه … واصل التلميذ طريقه.

٢٤

أغمض عينَيك، أو حتى وهما مفتوحتان تخيَّل المنظر الآتي: سرب طيور في السماء. والآن، قل: كم عدد الطيور التي رأيت؟ خمسة … عشرة … عشرون؟ أيًّا كانت الإجابة، وبالرغم من صعوبة تحديد عدد الطيور، إلا أن شيئًا واحدًا يبدو واضحًا في هذه التجربة: بإمكانك أن تتخيل سربًا من الطيور، لكن ليس بمقدورك أن تعرف عددها، مع أن المنظر كان واضحًا ومحددًا ودقيقًا. لا بُدَّ من أن تكون هناك إجابةٌ للسؤال. من الذي حدَّد عدد الطيور التي يجب أن تظهر في المنظر المتخيل؟

من المؤكد أنه ليس أنت!

٢٥

كان المثَّال «مايكل انجلو» يقول عندما يسألونه عن كيفية صنع تماثيله: «الأمر في غاية البساطة. عندما أنظر إلى كتلة الحجر أرى التمثال بداخلها، ويصبح كل المطلوب هو أن أزيل من حوله كل ما ليس ضروريًّا.»

ويقول المعلم: بداخل كلٍّ منا عملٌ فني مقدَّر له أن يصنعه. وتلك هي النقطة الرئيسية في حياتنا، ومهما حاولنا أن نخدع أنفسنا إلا أننا نعرف كم هي مهمة. العمل الفني بداخل كلٍّ منا تطمسه عادةً سنواتٌ من الخوف والتردُّد والشعور بالذنب، ولكننا إذا قرَّرنا أن نُزيل تلك الأشياء التي ليس لها علاقة، إذا توقفنا عن الشك في قدراتنا، فلسوف نستطيع أن نواصل حاملين الرسالة المقدَّرة لنا. ذلك هو السبيل الوحيد لكي نحيا بشرف!

٢٦

سأل التلميذ معلمه: كيف أعرف أفضل طريقة للسلوك في الحياة؟ طلب منه المعلم أن يصنع طاولة من الخشب. عندما انتهى منها تقريبًا ولم يكن عليه سوى أن يدُق بعض المسامير لتثبيت رقعة السطح، كان يدُق كل مسمار ثلاثَ دقاتٍ محددة، ولكن أحد المسامير كان صعبًا فكان لا بُدَّ أن يدق رابعة. إلا أن الدقة الرابعة أدخلَت المسمار عميقًا فتشقَّق الخشب.

قال المعلم: يدُك اعتادت على ثلاث دقات. عندما يصبح أي شيء عادة، فإنه يفقد معناه، بل إنه قد يُحدِث ضررًا. كل عمل هو ملكٌ لك. وهناك سرٌّ واحد: لا تدع عادةً تتحكم في سلوكك!

٢٧

كان صينيٌّ عجوز يسير وسط الجليد عندما قابل امرأةً تبكي. سألها: لماذا تبكين؟ قالت: «لأنني تذكَّرتُ حياتي الماضية، وشبابي الضائع، وجمالي الذي كنتُ أراه في المرآة، والرجال الذين أحببتُ وأحبوني. إن الله شديد القسوة؛ لأنه منحنا القدرة على التذكُّر؛ فهو يعرف أنني سوف أتذكَّر ربيع حياتي وأبكي.» وقف الرجل وسط الجليد متأملًا … يحدِّق في نقطةٍ ثابتة. وفجأة … كفَّت المرأة عن البكاء وسألَته: ماذا ترى أمامك؟ قال الحكيم: أرى حقلًا من الزهور. إن الله كان رحيمًا بي وكريمًا، فمنحني القدرة على التذكُّر؛ فهو يعرف أنني في الشتاء … سوف أتذكَّر الربيع دائمًا … وأبتسم.

٢٨

المعلم وعددٌ من تلاميذه. كلهم يحافظون على الصلاة في أوقاتها باستثناء تلميذٍ واحد. كان تلميذًا سكِّيرًا. عندما دنت ساعة المعلم دعا تلميذه السكِّير إليه، وأفضى له بكل أسراره المقدَّسة. كان التلاميذ يقولون فيما بينهم: يا للعار! لقد ضحَّينا بكل شيء من أجل معلمٍ عجَز عن معرفة خصائلنا. وقال المعلم: لقد أفضيتُ بأسراري المقدَّسة لرجلٍ أعرفه جيدًا. إن من يتظاهرون بالفضائل دائمًا عادةً ما يُخْفون غرورهم وكذبهم، وأنا اخترتُ التلميذ الذي استطعتُ أن أرى عيوبه … ذلك السكِّير!

٢٩

ضاعت ثروة الرجل الطيب كلها فجأة. ولأنه كان يعرف أن الله يساعده دائمًا … راح يصلي ويدعوه: ساعدني يا رب أن أكسب «اليانصيب». ظل الرجل يصلي سنواتٍ وسنوات، ولكنه لم يكسب، وبقي على فقره. وعندما مات كان في طريقه إلى الجنة لطيبته وورعه، ولكنه وقف عند الباب يعاتب ربه. قال إنه قضى حياته كلها مطيعًا لله، ولكن الله لم يجعله يكسب «اليانصيب»، «فهل هذا هو الوعد الحق؟»

وقال الله: كنتُ أريد أن أجعلك تكسب، ولكن بالرغم من رغبتي واستعدادي الشديدَين لذلك، إلا أنك لم تَشترِ ورقة «يانصيب»!

٣٠

تقول أسطورة الصحراء: إن بدويًّا كان يريد الانتقال إلى واحةٍ أخرى، فبدأ في تحميل جمَله. وضع البُسط والأواني وصُرَر الثياب، وكان الجمل مطيعًا يقبل كل ما يحمِّله إياه. وبينما هو على وشك الرَّحيل، تذكَّر البدوي ريشةَ طائرٍ زرقاءَ جميلة كان أبوه قد أعطاها له. جاء بها ووضعها على ظهر الجمل … لكن الجمل تهادى من فوره … ومات. ولا بُدَّ أن يكون البدوي قد وقف يتساءل: كيف لا يقوى الجمل على حمل ريشة!

إننا نفكِّر أحيانًا في الآخرين بالطريقة نفسها! عندما لا نفهم أن مزحةً صغيرة يمكن أن تجعل كأس المعاناة يفيض!

٣١

كان المسافر يتناول غداءه مع صديقةٍ له، وكان رجلٌ في حالة سُكْر على الطاولة المجاورة يحاول أن يتكلم معها أثناء تناول الطعام، طلبَت المرأة من السكران أن يكُف، ولكنه راح يقول: أنا أتكلم عن الحب بطريقة لا يستطيعها من ليس ثَمِلًا مثلي.

أنا سعيدٌ يا سيدتي، وأحاول أن أتواصل مع الأغراب … فما العيب في ذلك؟

قالت المرأة: ليس هذا هو الوقت المناسب!

قال: هل تعتقدين أن هناك أوقاتًا معينة هي المناسبة فقط للإنسان لكي يعبِّر عن سعادته؟ المرأة دعته للانضمام إليهما!

٣٢

يقول المعلم: كلنا محتاجون للحب. الحب جزء من الطبيعة البشرية مثل الأكل والشرب والنوم. وأحيانًا، قد تجد نفسك وحيدًا تمامًا تتأمل منظر الغروب الجميل وتفكِّر … هذا الجمال لا قيمة له؛ لأن أحدًا لا يشاركني إياه. في أوقاتٍ كتلك يجب أن تسأل: كم مرةً كان مطلوبًا منك أن تُحب وهربت؟

كم مرةً خفتَ أن تقترب من إنسانٍ ما لتقول له بثقة واطمئنان إنك تُحبه؟ إياك والعزة! إدمانها خطر كالمخدِّرات. إذا كان منظر الغروب لم يعُد له معنًى بالنسبة لك، فلتتواضع … اذهب وابحث عن الحب، ولتعلَم أنه كلما قويَت إرادتُك وزاد استعدادُك للحب، سيزداد ما تلقاه في المقابل.

٣٣

وقف الساحر وسط الساحة، وأخرج من جيبه ثلاث برتقالات، وراح يلعب بها في الهواء. تحلَّق الناس حوله مدهوشين لمهارته وخفة يده. قال أحدهم: وهكذا الحياة! دائمًا لدينا برتقالة في كلتا اليدَين … وثالثة في الهواء. لكن هي الحكاية كلها! لقد رماها بدُربةٍ وحنكة؛ ولذلك تدور في مدارها.

كلنا مثل هذا الساحر، نُلقي بحُلم في هذا العالم، ولكننا لا نتحكَّم فيه أبدًا، في أوقاتٍ كتلك لا بُدَّ أن تعرف كيف تترك نفسك بين يدَي الله وتسأل. لعل الحلم يدور في مداره الصحيح ويعود — متحققًا — إلى يدَيك.

٣٤

يقول المعلم: الكلمة قوة. الكلمات تغيِّر العالم والإنسان كذلك. ربما قيل لنا: إننا لا ينبغي أن نتكلم عن الأشياء الجميلة التي حدثَت لنا خشية حسد الآخرين. هذا ليس صحيحًا بالمرة. إن المنتصرين يتحدَّثون بفخرٍ واعتزازٍ عن المعجزات في حياتهم. عندما تطلق في الجو طاقةً إيجابية فسوف تجذب الكثيرين ممن يتمنَّون لك السعادة. الحُسَّاد والمهزومون والفاشلون لن يصيبوك بسوء … يستطيعون فقط إن أنت ساعدتَهم على ذلك. لا تخشَ شيئًا. حدِّث عن الأشياء الجميلة في حياتك مع كل من يريد أن يستمع إليك، وأينما وجدتَ آذانًا صاغية. روحُ العالم في حاجةٍ ماسَّة إلى سعادتك.

٣٥

سمع رجلٌ يعيش في تركيا عن معلمٍ في فارس. باع الرجل كل ما لديه دون تردُّد، وودَّع زوجته، وشدَّ رحاله إلى حيث كان المعلم بحثًا عن الحكمة. بعد سنواتٍ من التَّجوال وجد الكوخ الذي كان يعيش فيه المعلم. دقَّ الباب بحذَر واحترام، وعندما فتح له قال: لقد قطعتُ هذه المسافات كلها لكي أسألك سؤالًا واحدًا.

دهِش المعلم، ولكنه قال: تفضَّل، سلني سؤالًا واحدًا.

قال الرجل: أريد أن يكون سؤالي واضحًا، فهل تأذن لي أن أسأل بالتركية؟

قال المعلم: نعم! وها أنا ذا قد أجبتُ لك عن سؤالك الواحد، فإذا كان لديك شيءٌ آخر تريد أن تسأل عنه فاستفتِ قلبك يا بُني … وأغلق عليه بابه.

٣٦

سال التلميذ معلمه: من هو أبرع مبارز في العالم؟ قال المعلم: اذهب إلى هذا الحقل القريب من الدير، هناك صخرةٌ أريد إهانتها.

سأله التلميذ: ولكن لماذا أفعل ذلك؟ الصخرة لن ترُد عليَّ؟

قال المعلم: عليك بالسيف إذن؟

قال: لن أفعل … سينكسر السيف. وإذا هاجمتُها بيدي فلن يكون لذلك أثَرٌ عليها … بل إنني قد أكسر أصابعي. ومع ذلك فلم يكن هذا سؤالي. سؤالي: «من هو أبرع مبارز؟»

قال المعلم: أبرع مبارز هو ذلك الذي يشبه الصخرة. دون أن يجرِّد سيفًا من غمده إلا أنه يُثبِت أنْ لا أحد يمكن أن يقهره!

٣٧

الرجل الذي كان ينشُد الحكمة قرَّر أن يصعد الجبل؛ لأنهم قالوا له إن الله يظهر هناك مرةً كل عامَين. في عامه الأول هناك، كان الرجل يأكل من كل ما تنتجه الأرض. وبعد أن نَفِد الزاد عاد إلى المدينة. كان الرجل يحدِّث نفسه: «الله غير عادل، ألم يعرف أنني انتظرتُ عامًا بكامله لكي أراه؟ لقد عضَّني الجوع وكان لا بُدَّ من العودة إلى المدينة.»

وفي هذه اللحظة ظهر ملاكٌ ليقول له: «كان الله يريد أن يتكلم معك. لقد أطعمك عامًا كاملًا، وكان يتمنى لو أنك أنتجتَ طعامك بعد ذلك، لكن، ماذا زرعت؟ إن الذي لا يستطيع أن يزرع الفاكهة حيث يعيش لن يكون مستعدًّا لأن يتكلم مع الله!»

٣٨

صام ناسك عامًا كاملًا وكان لا يأكل إلا مرةً واحدة في الأسبوع. بعد هذه التضحية سأل الله أن يكشف له المعنى الحقيقي لآية في الكتاب، ولكنه لم يسمع ردًّا. قال الناسك لنفسه: يا لضيعة الوقت! لقد قدَّمتُ الكثير لله، ولكنه لم يستجب لي. من الأفضل أن أترك هذا المكان لأبحث عن كاهنٍ يعرف معاني الكتاب. وفي هذه اللحظة ظهر له ملاكٌ ليقول له: إن حياتك عامًا جعلَتك تعتقد أنك أفضل من الآخرين والله لا يستجيب لشخصٍ مغرور. وعندما تواضعتَ وقرَّرتَ أن تطلب معونة الآخرين أرسلَني الله إليك. وشرح له الملاك ما يريد أن يعرف.

٣٩

كان الطبيب الساحر يسير مع تلميذه في غابة أفريقية. ورغم لياقته البدنية العالية، إلا أن الطبيب كان يسير بحرص وحذَر شديدَين، بينما كان التلميذ يتعثَّر ويقع في الطريق. وفي كل مرة كان يقوم ليلعن الطريق والأرض ويتبع معلمه. بعد مسيرةٍ طويلة وصلا إلى مكانٍ مقدس. ودون أن يتوقف التفت الطبيب إلى التلميذ، واستدار، وبدأ العودة.

قال التلميذ: «لم تعلِّمني شيئًا اليوم يا سيدي.» قال بعد أن وقع مرةً أخرى.

قال الطبيب: كنتُ أعلمك أشياءَ ولكنك لم تتعلم. كنتُ أحاول أن أعلمك كيف تتعامل مع عثرات الحياة.

سأل التلميذ: وكيف ذلك؟

قال: «بالطريقة نفسها التي تتعامل بها مع عثرات الطريق … فبدلًا من أن تلعن المكان الذي تقع فيه … حاول أن تعرف سبب وقوعك أولًا!»

٤٠

كان الفيلسوف الألماني «شوبنهاور» يجول في شوارع «درسدن» بحثًا عن إجاباتٍ لأسئلة تؤرِّقه. وعندما مرَّ بحديقة قرَّر أن يجلس قليلًا ليتأمل الزهور. لاحظ سلوكَه الغريب أحدُ الجيران فاستدعى الشرطة. بعد دقائق، كان الضابط يسأله: «من أنت؟»

نظر إليه شوبنهاور من فوق لتحت قائلًا: «ليتك تساعدني على أن أجد إجابةً لهذا السؤال. وسأكون شاكرًا لك.»

٤١

يقول المعلم: إن كان لا بُدَّ أن تبكي … فابكِ مثل الأطفال. لقد كنتُ طفلًا ذات يوم … ومن أوائل الأشياء التي تعلَّمتُها في الحياة هو أن تبكي. البكاء جزء من الحياة. إياك أن تنسى أنك حر … وأن إظهار عواطفك ليس عارًا. اصرخ. انتحِب بصوتٍ عالٍ، اصنع ما يحلو لك من جلبة. هكذا يبكي الأطفال ويعرفون أسرعَ طريقةٍ لكي يعودوا إلى هدوئهم.

هل لاحظتَ كيف يتوقف الأطفال عن البكاء؟ يتوقفون لأن شيئًا ما يجذب اهتمامهم. شيء ما يدعوهم إلى المغامرة التالية. الأطفال سرعان ما يتوقفون عن البكاء. هكذا سيكون الأمر بالنسبة لك. لكن ذلك لن يحدث إلا إذا بكيتَ مثل الأطفال.

٤٢

يقول المعلم: لا بُدَّ من أن تُعنى بجسدك. الجسد معبد الروح، وهو جدير بحبك واحترامك، لا بُدَّ من الإفادة من الوقت على أفضل نحو. لا بُدَّ من أن نقاتل من أجل أحلامنا، وأن نركِّز جهودنا لهذه الغاية. لكننا يجب ألا ننسى أن الحياة عبارةٌ عن مسرَّاتٍ صغيرة. موجودة لكي تشجِّعنا، وتساعدنا في رحلة البحث، وتزوِّدنا بلحظاتٍ نتوقف فيها عن معاركنا اليومية. أن تكون سعيدًا ليس خطيئة. ولا ضرر من أن تكسر — من وقتٍ لآخر — بعض القواعد في الأكل والنوم والسعادة. لا تؤنب نفسك إذا أنت — أحيانًا — أضعتَ وقتك على تفاهاتٍ أو حماقاتٍ صغيرة. إنها المسرَّات الصغيرة التي تحفِّزنا.

٤٣

التقى المعلم بتلميذه الأثير، وسأله كيف تقدُّمه على طريق الروح.

قال التلميذ إنه كان قد أصبح قادرًا على تكريسِ كل دقيقةٍ من وقته لله.

قال المعلم: «كل ما يتبقى لك إذن هو أن تعفو عن أعدائك.»

نظر إليه التلميذ مدهوشًا: «لكن ذلك ليس ضروريًّا. أنا لا أحمل ضغينةً لأحدٍ من أعدائي.»

قال المعلم: «ولعلك تعتقد أن الله يحمل ضغينةً لك؟»

قال التلميذ: «لا يا سيدي!»

قال المعلم: «ومع ذلك فإنك تطلب عفوه. افعل الشيء نفسه مع أعدائك حتى وإن كنتَ لا تحمل ضغينةً لأيٍّ منهم. إن من يعفو يغسل قلبه ويطهِّره.»

٤٤

تحكي أسطورةٌ أسترالية عن كاهنٍ ساحر كان يسير مع شقيقاته الثلاث، عندما التقَوا بأشهَر مُبارز. قال المُبارز: «أريد أن أتزوَّج واحدةً من هؤلاء البنات الجميلات.»

قال الكاهن: «إذا تزوَّجَت إحداهن فستَحزَن الأخريان … لذا فإنني أبحث عن قبيلةٍ تُجيز زواج أبنائها من ثلاث.»

وواصلوا سَيرهم سنواتٍ دون أن يجدوا قبيلةً كتلك. قالت إحداهن بعد أن أعياهم المسير: «كان يمكن أن تسعد إحدانا على الأقل.»

قال الكاهن: «لقد أخطأتُ بالفعل … لكن الوقت فات.»

ثم إنه حوَّل الأخوات الثلاث إلى كُتلٍ من الصخر … لكي يدرك كل من يمُر بهن أن سعادة إنسانٍ ما لا تعني بالضرورة تعاسة الآخرين!

٤٥

يجيء يوم الجمعة فتعود إلى البيت. تحمل معك الصحف التي لم تتمكن من قراءتها على مدى الأسبوع. تدير جهاز التليفزيون دون صوت. تضع شريطًا في آلة التسجيل. تستخدم جهاز «الريموت كونترول» لتقفز من قناةٍ إلى أخرى وأنت تقلِّب الصفحات وتستمع إلى الموسيقى. لا جديد في الصحف، برامج التليفزيون مملَّة، والكاسيت استمعتَ إليه قبل ذلك عشرات المرات. زوجتك ترعى شئون الأطفال. تُضحِّي بأزهى سنوات العمر دون أن تفهم — حقيقةً — سببًا لذلك. تلتمس أنت عذرًا بينك وبين نفسك لتقول: «هكذا الحياة!» لا! الحياة ليست هكذا! حاول أن تتذكَّر أين ضيَّعتَ حماستك. خذ زوجتَك وأطفالَك وابحثوا عنها ثانيةً قبل أن يضيع العمر، الحب لم يمنع أحدًا من متابعة حُلمه.

٤٦

حضرت ثلاث جنيَّات الاحتفال بتعميد أمير. منحَته الأولى موهبة أن يجد حبيبته. ومنحَته الثانية مالًا يكفيه لكي يفعل ما يحلو له. ومنحَته الثالثة الجمال. وكما هو الحال في كل حكايات الجنيَّات … ظهَرَت ساحرة، ولأن أحدًا لم يدعُها إلى الاحتفال قرَّرَت أن تنتقم لذلك.

قالت: لأن لديك كل شيء، فإنني سأعطيك المزيد. ستكون موهوبًا في كل ما تحاول أن تفعله». شب الأمير وسيمًا وغنيًّا ومحبًّا، لكنه لم يكمل رسالته. كان رسامًا ممتازًا ومقَّالًا وموسيقيًّا ورياضيًّا … لكنه لم يستطع أبدًا أن يكمل عملًا يقوم به. سرعان ما كان يتشتَّت ذهنه فيتحوَّل إلى عملٍ آخر.

يقول المعلم: «كل الطرق تؤدي إلى المكان نفسه. لكن، اختَرْ طريقك واتبعه إلى النهاية، لا تحاول أن تسير في كل الطرق … في نفس الوقت!»

٤٧

كان الرجل يقود سيارته الفاخرة عندما انفجر إطارها. عندما حاول استبداله اكتشف أنْ ليس لديه رافعة. «حسن! سأذهب إلى أقرب منزل لأرى إن كان يمكن أن أستعير رافعة.» كان يقول لنفسه وهو يسير: «لكن الشخص الذي سأستعير رافعته قد يرى سيارتي الفاخرة فيطلب ثمنًا لذلك.» «ربما طلب عشرة دولارات.» «وربما خمسة عشر؛ لأنه يعرف أنني في حاجة إلى الرافعة.» «وقد يستغلني ويطلب مائة!» وكلما استمَر في سيره كان يرفع السعر. عندما وصل إلى أقرب منزل فتح صاحبه الباب. فجأةً صاح صاحبُ السيارة: «أنت لص! الرافعة لا تستحق كل ذلك … لا أريدها.»

من منا يستطيع أن يزعم أنه لم يتصرَّف هكذا أبدًا؟!

٤٨

هذا ما كتبه «بابلو کاسال» عازف الشيلُّو:

«دائمًا أولَد من جديد. كل صباح هو موعد لبدء الحياة. ومنذ ثمانين عامًا كنتُ أبدأ يومي بالطريقة نفسها، ولكن ذلك لا يعني أنه روتينٌ ميكانيكي. إن ذلك ضروري من أجل سعادتي. أقوم من النوم فأتجه إلى البيانو وأعزف مقدمتَين ومقطوعتَين من «باخ»، هذه الموسيقى بركةٌ لمنزلي، لكنها كذلك وسيلةٌ لإعادة الصلة بسر الحياة وبمعجزة أن تكون كائنًا حيًّا.

وبالرغم من أنني أفعل ذلك منذ ثمانين عامًا، إلا أن الموسيقى تعلمني دائمًا شيئًا جديدًا … رائعًا … لا يمكن تصوُّره!»

٤٩

سأل التلميذ معلمه: «وهل هناك ما هو أهم من الصلاة؟»

طلب منه المعلم أن يذهب إلى شُجيرةٍ قريبة ويقطع فرعًا منها.

وفعل التلميذ كما أمره. سأله المعلم: هل ما زالت الشجرة حية؟ قال التلميذ: «كما كانت من قبلُ».

قال المعلم: «اذهب وقطِّع الجذور.»

قال التلميذ: «إن فعلتُ ذلك تموتُ الشجرة.»

قال المعلم: «الصلاة هي أفرع الشجرة التي يُسمَّى جَذْرها الإيمان.»

الإيمان قد يُوجد دون صلاة، لكن لا يمكن أن تكون هناك صلاةٌ دون إيمان يا بُني!»

٥٠

يقول المعلم: «إن روح الله الموجودة فينا يمكن تشبيهُها بشاشة السينما. على الشاشة تقع أحداث. ناسٌ يحبون. ناسٌ يفترقون. كنوز تُوجد. بلادٌ بعيدة تُكتشَف. لا يهم الفيلم المعروض. الشاشة هي الشاشة. لا يهم إن انثالت دموع أو سالت دماء؛ فلا شيء يلطِّخ بياض الشاشة.

وكما هو الحال بالنسبة لشاشة السينما، فإن الله موجودٌ وراء كلٍّ من أحزان الحياة ومباهجها.

سنراها كلَّها عندما ينتهي فيلمُنا!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤