الفصل الثالث

القراء الجامحون يتشاركون الكتب ويقرءون بصحبة قرَّاء آخرين

المكانُ الذي نحبه وطنٌ
وطنٌ قد تغادره أقدامنا
لكن قلوبنا لا تغادره أبدًا.
أوليفر ويندل هولمز الأب

من اللمحة الأولى، ستندهش من قلة نشاط القراءة في فصلي في هذه اللحظة، لكنْ إذا دققتَ النظر أكثر، فسترى حجمَ القراءة الذي يقود كلَّ شيء نفعله في الفصل المدرسيِّ. هناك في زاوية الفصل، تجلس كامرين وسابرينا على المقاعد القماشية المريحة؛ تُراجِع كلٌّ منهما العرضَ النقدي الخاص بالأخرى قبل نشرهما على مدوَّنة الفصل. يفتش ميشيل في مكتبة الفصل باحثًا عن رواية «ضربة النسر»؛ وهو الكتاب الرابع في سلسلة «ألكس رايدر»، وبالنظر إلى المعدل الذي يقرأ به، فإنه سينتهي من السلسلة عمَّا قريب؛ لذا فإني أفكِّر في الكتب التي قد يحب قراءتَها بعد ذلك. يجلس هايدن وسيمبا وكاميرون متحلِّقينَ حول جهاز كمبيوتر شخصي؛ يُجْرُون بحثًا عن معلومات تاريخية حول منظمة شباب هتلر في ألمانيا خلال ثلاثينيات القرن العشرين وأربعينياته، فقد أدَّتْ قراءةُ كتابَيْ «شباب هتلر» و«الفتى الجريء» لسوزان كامبل بارتوليتي وتبادُلهما بينهم إلى إثارة اهتمامهم حول الموضوع. سلون وجيسا عاكفتان على إعداد الصور والنص اللذين ستستخدمان إياهما في مقطع الفيديو الإعلاني عن كتاب «مباريات الجوع»؛ فهما تأمُلان في إقناع طلابٍ آخَرين بقراءة الكتاب أيضًا. قد لا تراني في البداية، لكنك ستجدني جالسةً على مكتبٍ بجوار أرمان بينما يعرِض عليَّ كيف يستنتج ما يحدث بين كل صورة وأخرى في سلسلة «مغامرات ماكس رايد»؛ وهي رواية مصوَّرة من تأليف الكاتب جيمس باترسون. أسجِّلُ ملاحظاتِه في دفتر الاجتماعات. وعلى اختلاف المهام التي نعكف عليها، فإن هدفنا المشترك — أن نُثرِي حيواتنا من خلال القراءة والكتابة — يوحِّدنا.

أقول لطلابي في الصف السادس مازِحةً: «أنتم عُصبتي.» لكني أؤمن بذلك بحق. وبنهاية العام الدراسيِّ، يكونون هم أيضًا قد صدَّقوا ذلك، وأقول «عصبة» لأننا قبيلة واحدة مثل سكان أمريكا الأصليين. ومع تبادُل الكتب ذهابًا وإيابًا، وتشارُك السطور التي تنال إعجابَنا من كتاباتنا، أو البحث عن مفاتيحي (مرارًا وتكرارًا)؛ نكوِّن عائلةً في الفصل الدراسي توحِّدنا حاجتُنا المشتركة لتعلُّم المزيد عن العالم وعن أنفسنا. وتؤكِّد تعامُلاتي مع الطلاب على احترامي لهم، وعلى توقعاتي العظيمة لهم. أظل أشعر بالقلق على طلابي بعد وقت طويل من تركهم فصلي، وتصبح خيوط حياتي متشابِكة في خيوط حيواتهم لعامٍ دراسيٍّ واحد على الأقل، بل غالبًا أيضًا ما يكون لوقت أطول. وبقدر ما آمل أن أغيِّر حيوات الأطفال، فإنَّ علاقاتي بطلابي تُغيِّرني. أتمنى أن يتذكر طلابي فصلَنا المدرسيَّ كوطنٍ قد يغادرونه، لكنه لن يغادرهم أبدًا؛ فهم سيظلون طلابي إلى الأبد، وسأظلُّ أنا معلمتهم إلى الأبد.

أتصوَّر أن فصلنا المدرسيَّ مكانٌ يُقدِّم لنا الدعمَ؛ حيث أجازِف أنا وطلابي ونتعلَّم. أرى فيه أشخاصًا عطوفين يحتضنون اختلافاتنا، ويكتشفون أوجه التشابه بيننا. إننا نضحك ونبكي معًا. إن الأمور التي يحتاج الطلابُ إلى تعلُّمها مهمة، لكن الظروف التي تتيح حدوثَ عمليةِ التعلم تهمُّني أكثر. تحتاج مجتمعاتُ التعلُّم الفعَّالة إلى الرعاية، وأنا أقضي وقتًا طويلًا في تكوين علاقات مع طلابي ومساعدتهم على التواصُل بعضهم مع بعض. وعلى الرغم من أن مقاييس العملية التعليمية وأهداف التعلُّم تُمْلِيان عليَّ المحتوى الذي يجب أن أدرِّسه، فإنني مَن يُشكِّل بيئةَ الفصل الدراسيِّ، بمساعدة طلابي؛ فالكيفيةُ التي نتواصل بها أنا وطلابي تخلق مناخًا يدعم التعلُّم، ويوفر الأمانَ الاجتماعي والعاطفي.

خلال مؤتمرٍ عُقِد مؤخرًا، سأل المؤلف والمعلم الشهير جيف ويلهلم حضورَ خطابه الافتتاحي، قائلًا: «ما هي محصلتكم النهائية؟ ما التغيير الذي تريدون إحداثه في طلابكم؟ والآن، كيف يدعم ما تفعلونه يوميًّا معهم هذا الهدفَ النهائي؟» أنا أريد أن يرى طلابي أنفسَهم كقرَّاء وكتَّاب، أريدهم أن يعرفوا مدى إيماني بهم، أريد من طلابي أن يشعروا أن لديهم ما يسهمون به في العالم. إن العملَ كلَّ يوم من أيام العام الدراسيِّ من أجل بناء مجتمع داخل الفصل المدرسيِّ يَلْقَى كلُّ فردٍ فيه التقديرَ والدعمَ؛ يخدم أهدافي النهائية. من السهل أن يضل المعلمُ الطريقَ في خِضَمِّ ذلك العمل الشاق الممل والروتيني الذي يقترن بالتدريس، والذي يتمثَّل في الاجتماعات والاختبارات والتصحيح، إلا أن التركيز على أهدافنا يساعد على وضوح الغاية، ويقلِّل استعدادَنا للمساومة في العمل الحقيقي داخل فصولنا المدرسية؛ وهو مساعدة الأطفال على تطوير قدراتهم على عيش حياة هادفة يملؤها العزم والفرح.

مُدَاخَلات القراء الجامحين

«من الضروري أن يكون هناك قرَّاء آخرون تتحدَّث معهم؛ لأنك إذا كنتَ القارئ الوحيد، وليس لديك مَن تتحدَّث معه، فإن الكتاب والانفعالات والشخصيات ستظلُّ سرًّا.» (آبي، طالبة في الصف السادس)

«لقد حصلتُ على ترشيحٍ لكتابٍ من كل شخصٍ في فصلي المدرسيِّ تقريبًا.» (كارسون، طالب في الصف الخامس)

«لديَّ كثيرٌ من الأصدقاء الذين يحبون قراءةَ نفسِ نوعية الكتب التي أحبُّها، فإذا وجدتُ أنني أحبُّ كتابًا بحق، فليس من الإنصاف ألَّا أخبرهم.» (زوي، طالبة بالصف السادس)

«أتحدَّث إلى أمي طوالَ الوقت عن الكتب.» (آنا، طالبة بالصف السادس)

«لقد اعتاد أخي على عدم القراءة كثيرًا، لكني أحضرتُ كتبًا إلى البيت من المدرسة، وهو الآن يقرأ كثيرًا، والآن يقرأ كتاب «الهرم الأحمر».» (كودي، طالب في الصف السادس)

(١) الشعور بالإحراج من القراءة

للأسف، المشاركةُ في بيئة قراءة جذَّابة لمدة عامٍ واحد ليسَتْ كافيةً لجعل طلابي قراءً نَهِمين، وكوْنُ الطلاب محاطين بقوًى ثقافية تغفل عن دعم القراءة، أو تحطُّ من قدرها دون موارَبةٍ؛ يفتُّ في عضد رغبة الطلاب في القراءة، ويَحُول دون احتفاظهم بأي حماسٍ لها. لا بد أن يحظى الطلاب بتشجيع مستمر على القراءة؛ ويتطلَّب ذلك ما هو أكثر من وجودهم في فصل مدرسيٍّ واحد مع معلم واحد لعام واحد.

توصَّلَ تقريرٌ حديث — صدَرَ عن مؤسسة ناشونال ليتراسي تراست الخيرية — إلى أن نسبة ١٧ بالمائة من الأطفال الذين أُجرِيت عليهم الدراسات يشعرون بالإحراج إذا رآهم أصدقاؤهم يقرءون (كلارك، ٢٠١٢). والإحراج يرتبط باحتياجنا إلى الشعور بالقبول الاجتماعي. إذا سبق لك وطاردْتَ طفلًا عاريًا حديثَ المشي، فستعرف أن الأطفال لا يُولَدون بإدراكٍ للسلوكيات المقبولة اجتماعيًّا، ويجب أن يتعلَّموا العادات الثقافية من الأشخاص الذين يشكِّلونهم ويُعلِّمونهم.

يعتمد نجاح الأطفال في المستقبل على اكتسابهم مهاراتِ تعلُّمِ القراءة والكتابة. لا بد أن يتعلَّم الأطفالُ القراءةَ والكتابة من أجل التحصيلِ العلمي، وأداءِ المهام الوظيفية والحياتية التي تتطلَّب الوصولَ إلى المعلومات وتوصيلها. وامتلاكُ مهارات تعلُّم القراءة والكتابة الأساسية يقع ضمن عاداتنا الاجتماعية؛ فنحن نتوقَّع من كل شخصٍ أن يتعلَّم كيفيةَ القراءة والكتابة؛ ومع ذلك، يبدو أن ثمة فارقًا بين القراءة الجيدة بالحد الكافي والقراءة في أوقات الفراغ. لا بأس من أن يقرأ الأطفال حين يُكلَّفون بأداء مهام أكاديمية، لكنْ إذا كانوا يفضِّلون القراءةَ على مشاهدة التلفزيون أو اللعب في الهواء الطلق، فإن هؤلاء القرَّاء أحيانًا ما يُصبِحون منعزلين عن المجتمع (إلا حين يكونون مع غيرهم من القراء). وينصب على آذان الأطفال وابلٌ من الحديث عن الأنماط السلبية المرتبطة بالقراءة: القرَّاءُ أشخاصٌ متكبرون فكريًّا، ومهووسون بالدراسة، وغير أكْفاء اجتماعيًّا، وديدان كتب. إذن، أين يتعلَّم الأطفالُ أن القراءة الجامحة سلوكٌ محرج غير مقبول اجتماعيًّا؟

يتلقَّى الأطفال أيضًا رسائلَ من البالغين بأن القراءة الجامحة ليست أمرًا ظريفًا. وحين لا يكون الآباء أمثلةً يُحتذَى بها فيما يتعلَّق بالقراءة، وحين يتحكَّم المدرسون في جميع ما يقرؤه الأطفال ويُقيِّمونه بالدرجات، وحين تُغلِق الجمعياتُ والمدارسُ المكتباتِ أو تتوقَّف عن تمويلها، فإننا نوصل لأبنائنا رسالةً مفادها أن القراءة ليسَتْ بالأمر الذي تكنُّ له ثقافتُنا التقديرَ كنشاطٍ حياتي. إذا كنا نريد أن يقرأ أبناؤنا أكثر، فعلينا أن نوفِّر لهم فصولًا مدرسيةً ومكتباتٍ ومنازل تكون فيها القراءةُ هي العادة، وإذا كانت القراءة بنَهَم أحد مقومات القبول الاجتماعي، فسوف يقرأ الأطفال، وإذا لم تكن القراءة تحظى باحترام كبير، فلن يحترمها الأطفال. لا يقرأ أي شخص إذا كان يتلقَّى رسائلَ واضحةً وضمنيةً بأن القراءة أمرٌ غريب؟ لا ينبغي أن تكون القراءة فعلًا استثنائيًّا تقوم به فئةٌ قليلة مُحِبَّة للكتب تغرِّد خارجَ سربِ الثقافة السائدة.

عندما نرشِّح كتبًا للأطفال ونشاركهم حياتنا كقرَّاء، فإننا نقدِّم لهم أكثر من ترشيحٍ رائع آخَر لكتاب أو تشجيعٍ على القراءة، بل ندعوهم إلى الانضمام إلى مجتمعٍ يقدِّر القراءة والقرَّاء. إن ازدياد عدد القراء في المجتمع يعود عليه بالنفع، لكنْ علينا أن نُظهِر أن ثقافتنا تُقدِّر ذلك. ويجب على المدارس أن تتأمَّل الكيفيةَ التي تؤثِّر بها العوامل الثقافية على آراء الطلاب تجاه القراءة، وتقيِّم الكيفيةَ التي تؤثِّر بها الرسائل الضمنية والصريحة التي يتلقَّاها الطلابُ البالغون على حياة القراءة. كيف يرى الآباءُ القراءةَ؟ ما الدور الذي تلعبه القراءةُ في ثقافتنا المدرسية؟ كيف تجد القراءةُ سبيلَها إلى الفصول المدرسية؟ كيف نجعل القراءةَ أمرًا عاديًّا ومتوقَّعًا في حياة الأطفال؟

(٢) دعم مجتمعات القراءة في المدرسة والبيت

توفِّر المدارس مراكز لتعلُّم مهارات القراءة والكتابة للعائلات التي تحتاج دعمًا ومصادر فيما يتعلَّق بالقراءة. إنَّ توجيهَ الآباء حول أهمية القراءة اليومية، وزيادةَ سبل الوصول إلى الكتب عبر المكتبات وحيازة الكتب، وتعزيزَ قيمة القراءة الجهورية؛ يجب أن تحتل مكانةً محورية من برامج توعية الآباء؛ فإرسالُ استماراتِ طلبِ الكتب إلى المنزل والاحتفالُ بيوم ميلاد الدكتور سوس ليسَا كافيَيْن. وفقًا لما ورد في بيكر وموس (١٩٩٣): «تحتاج القراءة إلى سياق اجتماعي أوسع يوفر فرصًا لا نهائية للتعلُّم المشترك بين الطلاب والآباء والمعلمين» (ص٢٤). يبدأ بناء مجتمعات القراءة التي تدعم الأطفال بتناول تجارب المشاركين في المجتمع ووجهات نظرهم. يفتقر كثير من الآباء إلى التجارب الفعالة الإيجابية مع القراءة في حياتهم، ولا يرون حاجةً مُلِحَّة في ذلك، أو لا يعرفون كيفية دعم مهارات القراءة والكتابة لدى أطفالهم بطُرق هادفة. عند إغراق الطلاب بالرسائل الداعمة للقراءة، يجب علينا أن نغرق آباءَهم بها كذلك.

إليكم فيما يلي بعض الطرق التي تلجأ إليها مدرستنا لتوصيل الرسالة إلى كلٍّ من الطلاب والآباء:
  • ضُمَّ ترشيحاتٍ للكتب ونصائحَ للقراءة المنزلية عند التواصُل مع الآباء في النشرات المدرسية ومواقع الفصول المدرسية.

  • فكِّرْ في إضافة كتابٍ مقترح كلَّ أسبوع إلى توقيع البريد الإلكتروني الخاص بك. أنا وكثير من الزملاء نفعل ذلك.

  • اطلبْ من المعلمين أن يقدِّموا ترشيحاتهم للكتب، وأن يؤكِّدوا على أهمية النماذج المُقتدَى بها في القراءة من خلال لافتات مكتوب عليها «أقرأ حاليًّا كتاب …» تُحدَّثُ باستمرارٍ، يُعلِّقونها خارج أبواب فصولهم المدرسية، ويُعلِن الطلابُ عن الكتب التي يرشِّحونها من خلال بطاقات مكتوب عليها «أقرأ حاليًّا كتاب …» يضعونها على خزاناتهم أيضًا.

  • اطلبْ من ناظر المدرسة أن يدعو الطلابَ وطاقمَ العمل والزوَّار بانتظامٍ إلى ترشيح كُتب للقراءة في أثناء الإذاعة الصباحية.

  • أنا وأمناء مكتبة المدرسة والطلاب نضع قوائم بالكتب كل ثلاثة أشهر لنُقدِّمها للآباء الذين يبحثون عن أفكار لهدايا، أو كتبٍ للقراءة خلال الإجازة، أو كتيبات إرشادية للمكتبة. استَشِرْ جمعية المكتبات في ولايتك، وزُرْ مواقع المكتبة العامة المحلية، أو اطلُبْ قوائم كتب من أمناء مكتبة المدرسة أو المكتبة العامة. تعاوَنْ مع زملائك لوضع قوائم تتناسب واحتياجات طلابك واهتماماتهم.

  • ادْعَمِ الطلاب والآباء الذين لا يحتفظون بأي كتب في البيت، ونظِّمْ فعاليات للاشتراك في المكتبة، واطلبْ من المكتبة العامة المحلية الإعلانَ عن معلوماتٍ حول برامج القراءة والبرامج الإثرائية الصيفية.

  • اسمَحْ بإعارة كتب مكتبة الفصل المدرسيِّ لآباء الطلاب وأشقائهم. احتفِظْ بمجموعات من الكتب في المكتب وفي الأماكن العامة الأخرى؛ لكي يستعيرها الآباء ويقرءوها مع أطفالهم؛ ووزِّعِ الكتب خلال اجتماعات أولياء الأمور واجتماعات رابطة الآباء والمعلمين/جمعية الآباء والمعلمين. نظِّمْ حدثًا لتبادُل الكتب أو للتبرُّع بها، ثم أعِدْ توزيعَ الكتب المُتبرَّع بها على العائلات.

  • اعملْ على زيادة سبل وصول الأطفال إلى الكتاب؛ فحين تُغلَق المدارس في الصيف، لا يستطيع كثيرٌ من الأطفال — خاصةً أطفال العائلات المحدودة الدخل — الحصولَ على كتب. فكِّرْ في مبادراتٍ تزيد من فُرَص وصول الطلاب إلى الكتب خلال شهور الصيف. في مدرستنا، نفتح أبواب مكتبة المدرسة يومين أسبوعيًّا طوال الصيف؛ حيث تتاح المكتبة لمدة ساعتين في صباح أيام الثلاثاء، وساعتين بعد ظهيرة أيام الأربعاء، مع تطوُّع الآباء وطاقم عمل المدرسة لفترة أو فترتين زمنيتين. وفي حرم المدرسة المتوسطة الخاص بالصفين الخامس والسادس، فإننا ندعو الطلاب المنتقلين إلى الصف الخامس والطلاب المنتقلين إلى الصف السادس، بالإضافة إلى طلاب الصف السادس الذين سيغادرون المدرسة، إلى زيارة المكتبة واستعارة الكتب. يُعِير كثيرٌ من المعلمين كتبًا من مكتبات فصولهم خلال فترة الصيف أيضًا. إن إتاحة الكتب بدرجةٍ أكبر للطلاب الذين قد لا يقرءون كثيرًا خلال فترة الصيف أهمُّ كثيرًا من تكلفة تعويض أي كتبٍ ضائعة.

  • وجِّهِ الآباء نحو طُرق دمج مزيدٍ من القراءة في روتين العائلة. ناقِشْ مع الآباء ضرورةَ تخصيص وقتٍ للقراءة يوميًّا، ووضِّحْ لهم كيفيةَ حشْوِ الأوقات المملة — مثل الانتظار في عيادة الطبيب، والذهاب والإياب من المشاوير والمواعيد — بمزيدٍ من القراءة. ويقدِّم كلٌّ من موقعي سكولاستيك (http://www.scholastic.com) وريدينج إز فاندمنتال (http://www.rif.org/us/literacy-resources.htm) مصادر مفيدة حول القراءة في البيت يمكنك مشاركتها مع الآباء. ينبغي أن يؤكد كل اجتماعٍ لأولياء الأمور، أو لقاءٍ مع الآباء، أو فعاليةٍ مدرسية؛ على ثقافة القراءة في المدرسة، ومدِّ نطاق هذه الثقافة إلى المنزل.

على مستوى الحرم المدرسيِّ، دقِّقْ في كل عنصر من عناصر اليوم الدراسيِّ لتحديد إنْ كانت إجراءاتك وسياساتك وأنظمتك تدعم قراءة الطلاب أم تعرقلها. أسمعُ عن معلمين في جميع أنحاء البلاد يحاربون ثقافاتِ مدارسهم من أجل إدخال عناصر نشاط القراءة المستقلة إلى فصولهم. إن ترسيخ عادات القراءة لمدى الحياة يتطلَّب دعمًا مدروسًا على نطاق المنظومة للمدرسين وأمناء المكتبة والطلاب.

إن اجتزاء فترات زمنية معقولة من أجل القراءة المستقلة ليس مهمة اختيارية زائدة عن الحاجة، ولا ينبغي للإداريين افتراض أن الطلاب يقرءون كلَّ يومٍ، خاصةً إذا لم يكن جدولُ المدرسة يتيح الوقتَ لذلك. عند وضع جدول المدرسة، ناقِشْ متى وأين وكيف سيقرأ الطلاب كلَّ يوم؛ إذ على الرغم من أننا لا نستطيع معرفةَ إنْ كان الطلاب يقرءون في المنزل أم لا، فإنَّ علينا أنْ ننظر كذلك في التكليفات المدرسية التي تؤثِّر على وقت الطلاب المتاح للقراءة.

يشكو كثير من طلاب المدرسة المتوسطة والثانوية من أنهم يُكلَّفون بفروض منزلية كثيرة جدًّا، حتى إنه ليس لديهم الوقت للقراءة من أجل المتعة. وتوصَّلَتْ دراسات متعدِّدة إلى أن تكليف طلاب المرحلة الابتدائية بفروض منزلية لا يعود بأي فائدة أكاديمية، ويعود بأقل فائدة على طلاب المرحلة الثانوية (كرالوفيك وبويل ٢٠٠٠، بينيت وكاليش ٢٠٠٦، كون ٢٠٠٦أ و٢٠٠٦ب). يعتقد ألفي كون (٢٠١٢) — الباحث والمُصلِح التربوي الشهير — أنه «إذا كنَّا نطلب من الأطفال ذوي الاثني عشر عامًا — فضلًا عن ذوي الخمسة أعوام — أداءَ فروض منزلية، فإن ذلك يرجع إما إلى أننا نجهل ما تقوله الأدلة البحثية، وإما إلى أننا نعتقد أنه ينبغي للأطفال أن يؤدُّوا الفروضَ المنزلية رغمَ أنف ما تخبرنا به الأدلة.» فعلى الرغم من الأدلة البحثية، يعتقد كثير من الآباء والمعلمين والإداريين أن الأطفال ينبغي أن يقضوا ساعاتٍ في أداء الفروض المنزلية بعد اليوم الدراسيِّ.

وبصفتي أمًّا، أشكُّ في قيمة معظم التكليفات المنزلية. حين تجلب سارة معها إلى المنزل لغزَ كلماتٍ متقاطعة لتُكمِلَه، من أجل درس اللغة الإنجليزية لطلاب الصف السابع الموهوبين والنابغين، كجزءٍ من الوحدة الدراسية عن رواية إس إي هنتون «الدخلاء»؛ أعرف أن وقتها سيُستَثمر استثمارًا أفضل لو كانت قضَتْه في القراءة. وأعتقد أن كلَّ مدرسة يجب أن تنظر في معتقداتها الثقافية عن الفرض المنزلي، وتتأمَّل سياسات الفروض المنزلية المدرسية. لا بد أن نشترك في حوارات عميقة حول أنواع الفروض المنزلية التي نطلب من طلابنا أداءَها، وكيف تفيدهم أكاديميًّا (وليس كيف نعتقد أنها تفيدهم فقط)، وما نتوقَّعه من الأُسَر فيما يتعلَّق بمساعدة أبنائها في أداء الفرض المنزلي والانتهاء منه. ينبغي ألَّا تكون الفروض المنزلية بمثابة عقوبة للأطفال المحرومين من الدعم العائلي، أو الوسائل التكنولوجية، أو الموارد الأخرى.

تأمَّلْ قدْرَ الوقت الذي نطلب من الطلاب أن يقضوه في أداء الفروض المنزلية كلَّ ليلة، كذلك. يقلِّل المعلمون من تقديرِ كمِّ الوقت الذي يستغرقه الطلاب في إنهاء تكاليفهم المنزلية بنسبة ٥٠ بالمائة (دولين، ٢٠١٠)؛ لذا لا بد أن يتحدث المعلمون مع زملائهم من المعلمين لنفس المرحلة الدراسية في المواد الأخرى؛ لتحديد إجمالي كمِّ الفروض المنزلية التي يكلِّفون طلابَهم بها، والأخذ في الاعتبار الوقت الذي سيقرأ فيه الطلابُ في المنزل. تُثبِت الأبحاث أن قدرةَ الطلاب على القراءة جيدًا تؤثِّر على أدائهم في كل مادة (كراشين، ٢٠٠٤). ومع ذلك، فإن على جميع المعلمين — لا معلمي قسم اللغة الإنجليزية فحسب — الالتزام بمبادرات تعلُّم مهارات القراءة والكتابة على مستوى المدرسة، وأن يدعموا تطوُّر الطلاب في القراءة؛ فإذا كلَّفْنا الطلابَ بفروض منزلية كثيرة جدًّا لدرجةٍ تجعلهم لا يقرءون كثيرًا، فربما نؤذيهم بذلك أكثر ممَّا نساعدهم.

بالإضافة إلى الجداول الدراسية وسياسات الفرض المنزلي، يجب على الأشخاص المعنيين أن ينظروا بعين الاعتبار إلى الدور الذي يلعبه تمويل المدرسة عند إطلاق مبادرات القراءة على مستوى المدرسة. يشتري معظم المعلمين الذين لديهم مكتبات في فصولهم الكتب من أموالهم الخاصة، فالمدارس التي تضم مكتبات في الفصول المدرسية تحوي مجموعاتٍ ضخمةً من الكتب، لديها كذلك طلابٌ يقرءون بمعدل أكبر، وطلاب يقرءون بفاعلية أكبر (ألينجتون، ٢٠٠٦). يقضي أمناء المكتبات وقتًا كبيرًا في جمع التبرعات لإكمالِ تمويلٍ هزيل للمكتبة؛ من أجل إمداد الطلاب وهيئة التدريس بالمواد والخدمات اللازمة. وعلى الرغم من الأثر الإيجابي للمكتبات المدرسية، وأمناء المكتبات الحاصلين على درجات علمية، على تحصيل الطلاب وانخراطهم في المدرسة (فرانسيس، لانس وليتسو ٢٠١٠، مركز نيويورك الشامل، ٢٠١١)، فقد استبعدَتْ مدارسُ كثيرةٌ جدًّا أمناءَ المكتبات المتخصصين، وخفَّضَتْ ميزانيات المكتبات. يبدو أن المال يتوافر دائمًا لتمويل مواد الإعداد للاختبارات والمؤتمرات وأدوات المناهج الدراسية، لكنه ينفد حين يتعلَّق الأمر بشراء كتب وتمويل التطور المهني.

إن ما ننفق عليه أموالنا يعكس قِيَمنا الحقيقية؛ فإذا كانت المدارس تريد أن يقرأ الأطفال أكثر (وهو ما يجب أن ترغب فيه إذا كانت تريد من الطلاب تحقيقَ النجاح في كل المواد)، فثمة عددٌ من الأشياء التي تستطيع القيام بها، بما في ذلك:
  • شراء مجموعة كبيرة متنوعة من الكتب لمكتبات الفصول المدرسية ومكتبة المدرسة، بدلًا من شراء مائة نسخة من نفس الكتاب من أجل وحدة دراسية عن رواية واحدة.

  • تعيين أمناء مكتبات من حملة الدرجات العلمية.

  • بَعْث المعلمين إلى مؤتمرات مهارات تعلُّم القراءة والكتابة، ودَعْم العضوية في منظمات علم القراءة والكتابة؛ مثل: جمعية القراءة الدولية، والمجلس الوطني لمعلمي اللغة الإنجليزية، وجمعية المكتبات الأمريكية. إن التطوير المهني ليس مجرد نفقات، وإنما استثمار.

  • الاشتراك في دوريات تعليمية؛ مثل: «ريدينج تيتشر»، و«جورنال أوف أدولسنت ليتراسي».

يتطلَّب بناءُ جماعات القرَّاء الفعَّالة على مستوى المدارس توجيهَ الآباء، والاستثمارَ من جانب الجهات المعنِيَّة في المدرسة، وأنظمةً تدعم المعلمين والطلاب.

(٣) مزايا مجتمع القراءة

أن تحيا بلا انتماءٍ لا يعني فقط أن تحيا في فقرٍ واضطرابٍ، بل أن تحيا منفصلًا عن المجتمع، منعزِلًا عن أهم شيء في الحياة؛ الجماعة.

فيرونيكا روث، «المختلفة»

تعجبتُ أنا وسوزي من أن كثيرًا جدًّا من المشاركين في استقصاء القارئ النَّهِم كشفوا عن أنهم لم يقرءوا بالقدر الذي كانوا يريدونه؛ نظرًا لقلة علاقاتهم الاجتماعية بالقرَّاء الآخَرين، فقد أقرَّتْ إحدى المشارِكات قائلةً: «زوجي ليس قارِئًا وعليَّ — كي أمضي وقتًا معه — أن أغيِّر عاداتي في القراءة.» يكوِّن كثيرٌ من القراء روابطَ مع قرَّاء آخَرين يستمتعون بمناقشة الكتب ومشاركتها، ويؤمنون بأن هذه العلاقات تُثرِي حيواتهم وتجاربهم مع القراءة. وقد يتكوَّن مجتمعُ القراءة الذي تنتمي إليه من صديقٍ واحد يناقشك في الكتب على الغداء، وربما يتكوَّن من أعضاء نادي الكتب الذي تشارِك فيه. تتضمَّن قبيلةُ القراءة خاصتي: زوجي وابنتيَّ وطلابي وزملائي في المدرسة وأعضاء نادي القراءة الشهري خاصتي، وعددًا لا يُحصَى من أصدقاء القراءة، فتكوينُ العلاقات مع قرَّاء آخَرين يدعم حياةَ القراءة خاصتي، ويربط بيني وبين قرَّاءٍ آخَرين مهتمين بالقراءة. فمَن الذين ستضمُّهم إلى مجتمع القراءة الذي تنتمي إليه؟

مداخَلات القرَّاء الجامحين

«أحبُّ الكيفية التي تربطني بالقراءة ومناقشة الكتب التي أقرؤها لطلابي على مستوًى مميز، ويتمثَّل أحد الأجزاء المفضَّلة لديَّ في عملية التدريس في إخبار طلابي بتجربة عامة عبر سرد قصة.»

«أستمتع بقراءة الكتب مع ابني ذي الثلاثة عشر عامًا، وأعتز بكل لحظة تمكنتُ خلالها من تحفيز اهتمامات القراءة لديه ومتابعتها منذ أن بدأ يُظهر حبَّه المبكر للكتب.»

«كانت عمتي هي مَن نمَّى حبي للقراءة؛ حيث كانت تعطيني كتبها المفضلة التي كانت تقدِّرها. لقد ورَّثتني حب الكتب، ورَّثتُه أنا بدوري إلى أبنائي وزوجي. ولم يكن زوجي قارئًا حين تزوجنا قبل حوالي ٣٠ عامًا، لكنه في العام الماضي قرأ أكثر من ٧٥ كتابًا!»

«أحب مشاركة الكتب مع الأطفال! سواء أكنتُ أقرأ بصوت مرتفع أم أرشِّح لهم كتبًا؛ فإنه ما من شيء يُشعِرني بمتعةٍ أكبر من إثارة اهتمام شخصٍ بكتابٍ ما.»

«إن معظم الكتب التي أقرؤها ترشيحاتٌ من أصدقائي.»

وقد عبَّرَتْ مشارِكة أخرى في الاستقصاء عن حاجتها لمثل هذه العلاقات، وعمَّا تشعر به من إحباطٍ عند التعامُل مع أشخاصٍ لا يقرءون:

حين تصادِف أشخاصًا آخرين يحبون الكتب، يبدو الأمر كما لو أن مستوى الأكسجين قد ارتفَعَ في الغرفة! لكنْ حتى بعد أن أصبحتُ راشدةً، أجد كثيرين ينبذون القرَّاء النَّهِمين، ويتحدَّثون عن مدى انشغالهم البالغ، في محاولةٍ لإحراجنا نحن القرَّاء وتصنيفِنا كأناسٍ بلا حياة اجتماعية. (وإلا فلِمَ نقرأ؟) إنني آسِفة على كل شيء يفتقده هؤلاء الأشخاص نتيجةً لبُعْدهم عن مجتمعات القراءة.

إننا جميعًا مخلوقات اجتماعية تسعى نحو الانتماء إلى آخرين يشاركونها نفسَ القِيَم والاهتمامات. يحتاج القراء إلى قراءٍ آخرين، ووجودُ مجتمعات قراءة في الفصل المدرسيِّ يفيد القراء الجامحين والقراء الأقل حماسًا، من خلال تخصيص مكانٍ للقراءة يدعم جميع القرَّاء بصرف النظر عن موقعهم على الطريق نحو القراءة الجامحة.

تنطوي مجتمعات القراءة على المزايا التالية:
  • «دعم العلاقات مع القراء الآخرين»: إن بناء العلاقات مع القراء الآخرين يستبقي حماس الطالب للقراءة؛ لأنه يؤكد على أن القراءة هواية مقبولة ومرغوب فيها. لن يصبح القراءُ منعزلين عن المجتمع حين يقرأ كلُّ مَن حولهم. وبالنسبة إلى الطلاب غير المتحمسين للقراءة، يقدِّم مجتمعُ القراءة دعمًا إيجابيًّا ونماذجَ مشجِّعةً يقتدون بها في القراءة، من خلال تكوين علاقات مع أصدقاء الفصل الذين يستمتعون بالقراءة استمتاعًا أكبر. أما بالنسبة إلى القراء النَّهِمين، فتقدِّم مجتمعاتُ القراءة في الفصل المدرسيِّ احترامًا وتقبُّلًا لسلوكياتهم في القراءة.

  • «زيادة مقدار ما يقرؤه القراء»: تتطلَّب مجتمعاتُ القراءة كثيرًا من القراءة. يستثمر الطلابُ وقتًا أكبر في القراءة حتى يمكنهم المشاركة على أكمل وجه في مناقشات الكتب، والانتهاء من قراءة الكتب التي يرشِّحها لهم نظراؤهم. إن القراءة بمشاركة صديقٍ تضيف القراءةَ إلى قائمة التجارب الممتعة التي يتشاركها الطلاب، وتذكي استعدادَهم للمزيد من القراءة.

  • «تحدي القراء لتوسيع حدود عالمهم»: إن التعرُّض المستمر للكتب والمؤلفين، والألوان الأدبية، وأساليب الكتابة؛ يشجِّع القرَّاءَ على التشعُّب وتجربة خبرات جديدة في القراءة قد لا يكتشفونها أو يجربونها بمفردهم. ينمو لدى الطلاب قدرٌ أكبر من الثقةِ في قدراتهم على قراءة كتب أطول، والالتزامِ بخطط قراءة طويلة المدى، مثل الانتهاء من قراءة سلسلة؛ لأنهم يرون رفاقهم يحقِّقون هذه الأهدافَ. يستمتع الطلابُ بالمكانة التي يحظَوْنَ بها عندما يكونون أول مَن يقرأ كتابًا جديدًا في الفصل، أو مَن يُعرِّفون أصدقاءَهم على مؤلِّف جديد.

  • «زيادة استمتاع القراء وتقديرهم لما يقرءونه»: إن الشيء الوحيد الذي يستمتع به القراء بقدر استمتاعهم بالقراءة تقريبًا هو الحديث عن الكتب مع القراء الآخَرين (الشكل ٣-١). إن النقاش مع القراء الآخرين يساعد الطلاب على توضيحِ فهمهم لما يقرءونه وتعميقِه. حين يعجب صديقٌ بكتابٍ استمتَعَ به صديقُه القارئ من قبلُ، فإن هذه العلاقة تزيد تقدير القارئ للكتاب، وتبني ثقةَ القارئ في خياراته، وتقوِّي العلاقةَ بينه وبين ذلك الصديق القارئ؛ إذ إن بينهما شيئًا مشتركًا آخَر، بل لقد رأيتُ طلابًا يوطِّدون علاقاتهم لأنهم بغضوا نفس الكتاب. حين يختلف قارئان على كتاب، فإن الجدل حول مزايا الكتاب وعيوبه غالبًا ما يقود كلا القارئين إلى تحليلٍ لموضوعات الكتاب، أو بِنْيَته، أو حَبْكته، أعمق ممَّا لو اتفقا عليه.
  • «اقتراح عناوين لمزيدٍ من القراءة»: إن أول طريقة يتعرَّف بها القرَّاء على الكتب التي قد يحبون قراءتها هي الترشيحاتُ التي يحصلون عليها من القراء الآخَرين. يجب على الطلاب أن يُقِيموا علاقاتٍ قائمةً على القراءة مع القراء الآخرين الذين يقدِّمون لهم اقتراحاتٍ بعناوين كتب، ويدعمون خياراتهم لما يقرءونه، ويرشدونهم إلى مزيدٍ من الكتب. يحافظ كثير من الطلاب على هذه العلاقات المبنية على القراءة خارج إطار المدرسة.

    fig14
    شكل ٣-١: كوَّنَ إنريكي وأنتوني مجتمعَ قراءة خاصًّا بهما، ويرشحان الكتب ويتبادلانها فيما بينهما.
  • «تشجيع الانتباه لما تقرؤه وتشاركه مع الآخرين»: يساعدنا أقراننا القراء على تحديدِ المواد التي نقرؤها بحسب أولوياتها. والسماعُ عن كتابٍ من عددٍ من القرَّاء الثقات يزيد اهتمامَ الطلاب، ويساعدهم على اختيار كتب معينة ليسبقوا الآخَرين في قراءتها. وعندما يرشِّح القراءُ كتبًا، فإنهم يأخذون في الاعتبار ما يعرفونه عن أصدقائهم كقرَّاء، والكيفية التي تلبِّي بها كتبٌ بعينها احتياجاتهم واهتماماتهم. كلما قرأ الطلاب أكثر، وكوَّنوا علاقات قوية مع القراء الآخرين، زاد الدعم الذي يحصلون عليه لخياراتهم وتجاربهم.

(٤) كيف يتشارك القرَّاء النهمون الكتب

إن القراءة في النهاية نشاطٌ اجتماعي. يشارِك الأشخاص الذين أجابوا على استقصاء القراءة الجامحة خاصتنا حبَّهم للقراءة والكتب عبر التفاعلات على الإنترنت، والمحادثات المباشِرة على حدٍّ سواء. وأكثرُ الطرق تكراريةً التي يتشارَك بها القراءُ النَّهِمون الكتبَ مع القرَّاء الآخَرين هي تبادل الترشيحات، سواء أكان ذلك خلال دردشة مع زملائك عند ماكينة التصوير الضوئي، أم بتدوين اقتراحاتك للكتب لشخصٍ غريب خلال الانتظار في صف المحاسبة على المشتريات. إن تقديم الترشيحات يتطلَّب أكثر من مجرد التذكُّر الفوري لأحدث الكتب المفضَّلة لديك. يأخذ القراءُ في الاعتبار كلًّا من تجاربهم مع القراءة ومعرفتهم بالقارئ الآخَر عند تقديم الترشيحات، فيُقلِّب القرَّاءُ العناوين المحتملة، ويقيِّمون كلَّ كتاب، ويتأمَّلون الجوانبَ التي استمتعوا بها فيه، والسببَ الذي قد يجذب قارئًا آخَر إليه. وعند تقديم الترشيحات، قد يقدِّم القراء معلوماتٍ إضافيةً حول المؤلِّف، وعناوينَ أخرى ترتبط بالكتاب المقترح، إلى جانب ردود أفعالهم الشخصية على النص.

إذا كنَّا نعرف القارئ الآخَر جيدًا، فإننا كقرَّاء نَهِمين نقترح كتبًا تناسِب اهتماماتِ الشخص الآخَر وتجاربَه. وعند تقديم الترشيحات لشخصٍ لا نعرفه جيدًا، فإننا نعتمد أكثر على المزايا الأدبية والنقد المهني؛ لأنهما يمنحان مصداقيةً لمقترحاتنا. عمليةُ التأمُّل والاختيار والاقتراح هذه هي تعريف استجابة القرَّاء الأصيلة في أصدق معانيها. وبالاستماع إلى الكتب التي يرشحونها للقرَّاء الآخرين، نعرف كثيرًا عنهم حتى لو لم نقرأ قطُّ كتبَهم المقترحة. وبتأمُّل ترشيحاتنا للكتب، يمكننا أن نكتشف أشياءَ كثيرةً عن أنفسنا، وعمَّا نقدِّره في الكتب. وفي النهاية، معظمُ القراء النَّهِمين لا يكتبون مراجعات نقدية أو ينشرون على مدونات. نحن، بالتأكيد، لا نبني نماذج مجسمة أو نكتب مذكرات يومية من وجهة نظر إحدى الشخصيات، بل حين ننتهي من قراءة الكتاب نتأمَّل في استجاباتنا له؛ فإذا كنَّا نكنُّ له تقديرًا، فإننا نشاركه مع آخَرين.

إن الغالبية العظمى من المجيبين على استقصائنا تربويون وآباء؛ لذا لم نتفاجأ بأن كثيرًا منهم أشاروا إلى أنهم يتشاركون الكتب والقراءة مع الأطفال عبر أنشطة الفصل التقليدية والأنشطة المنزلية، مثل: القراءة الجهورية والقراءة الجماعية. إن قراءة الكتب ومناقشتها معًا يفيد الأطفال، ويبني علاقاتٍ بين القراء الذين يتشاركون هذه التجارب.

يشارك أكثر من نصف المجيبين على استقصائنا في نوادي قراءة مع رفاق القراءة، وتعمل تلك النوادي كمنافذ اجتماعية للقراءة ومشارَكة الكتب. وقد عرَّف كثيرٌ من القرَّاء الجامحين زملاءَهم الأعضاء في نوادي القراءة بأنهم المجتمع الذي يلجئون إليه أولًا فيما يتعلَّق بالحصول على ترشيحات الكتب وتقديمها، حتى إنْ لم تكن الكتبُ التي يتشاركونها هي خيارات نادي القراءة.

يتشارك القرَّاء النَّهِمون الكتبَ مع الآخرين من خلال إعارة الكتب أو التبرُّع بها أو تداوُلها؛ ممَّا يزيد من سهولة الوصول إلى الكتب بين أفراد مجتمع القراءة الذي ينتمون إليه في خضم هذه العملية. إن الحديث عن الكتب يزيد مستوى الإثارة، لكن تمرير الكتاب مباشَرةً إلى أيدي القرَّاء الآخَرين يُضفِي على الكتاب المُرشَّح حسَّ الضرورة والإثارة الذي لا يستطيع كثيرٌ من القراء مقاومتَه.

يقدِّم كثير من القراء النَّهِمين انطباعاتهم عن الكتب التي يقرءونها لجمهورٍ أكبر عبر مدوناتهم الشخصية، أو عبر الآراء النقدية غير المُحترِفة التي تُنشَر على مواقع بيع الكتب، مثل أمازون وبارنز آند نوبل. إن القدرة على مشاركة الآراء حول الكتب تعطي القراء الفرصةَ للتأثيرِ في باقي القراء والإعلانِ عن اهتماماتهم في القراءة على الملأ.

مداخلات الطلاب القارئين

«أرسل لجريس رسائل نصية كثيرة عن الكتب.» (آدم، طالب في الصف السادس)

«لقد أخبرني كلٌّ من ماريانا وآدم بالكتب التي عليَّ أن أقرأها، وأصبحَتِ الكتبُ التي رشَّحاها لي بعضًا من أكثر الكتب تفضيلًا لديَّ.» (إيه جيه، طالب في الصف السادس)

«أعتقد أن القراءة فعليًّا أكثر إثمارًا من الحديث عنها.» (ميشيل، طالب في الصف السادس)

«لقد تغيَّرْتُ كقارئٍ لأنني وجدتُ أني أشجِّع الأشخاصَ الآخَرين على القراءة، بل إنني وضعتُ لأختي منهجيةً لقراءة الكتب.» (أليسون، طالبة في الصف الخامس)

«في بعض الأحيان، أشعر برغبةٍ مُلِحَّةٍ تحدوني إلى التحدُّث مع شخصٍ ما حين أصل إلى جزءٍ مثيرٍ من الكتاب.» (ونتر، طالبة في الصف الخامس)

(٤-١) مجتمعات القراءة على الإنترنت

يتيح ظهور مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر — بالإضافة إلى المواقع التي تقوم فكرتها على القراءة، مثل جودريدز — للقرَّاء فرصَ التواصُل مع القراء الآخَرين حول العالَم، وتوفِّر مجتمعاتِ قراءةٍ نَشِطةً لا يقيِّدها القربُ الجغرافي.

يتيح الوصول المباشِر لقراءٍ آخَرين كمًّا هائلًا من ترشيحات الكتب، ودعمًا مستمرًّا لهوسنا بالقراءة. عندما أبدَتْ حفيدتي إيما اهتمامًا غير عادي بالسلاحف، أرسلتُ استفسارًا على تويتر عن كتب تتكلَّم عن السلاحف، وفي خلال أقل من خمس عشرة دقيقة وصلني ثلاثون ترشيحًا لكتب عن السلاحف.

فإذا كنتَ تسعى لتكوين علاقاتٍ مع متخصِّصين آخَرين في مجال تعلُّم مهارات القراءة والكتابة، أو تريد زيادةَ معرفتك بالكتب، أو تحتاج إلى قرَّاء مماثِلين لك لدعمك؛ فأَلْقِ نظرةً على مجتمعات القراءة الآتية على الإنترنت:
  • «تويتر (@twitter)»: لا يمكنني أن أوفي قيمةَ موقع تويتر حقَّها مهما تحدَّثتُ؛ لكونه منبعًا مستمرًّا للتطوُّر المهني؛ إذ يقدِّم الموقعُ فَيْضًا لا نهائيًّا من ترشيحات الكتب والمعلومات عن القراءة والتدريس. يمكنك التواصُل مع تربويين يتشابهون في ميولك وأفكارك، ومتابَعة آخِر التطورات التي تطرأ على سياسة التعليم، ومتابَعة مئات المؤلِّفين والناشِرين والمعلِّمين، وأمناء المكتبات، وكتَّاب المقالات النقدية، الذين يقدِّمون بانتظامٍ لمحاتٍ عن الكتب المنتظَر صدورها، وروابط ومصادر لاستخدام الكتب ومشارَكتها مع القراء الآخرين.
  • «نردي بوك كلَب (www.nerdybookclub.com، #nerdybookclub، @nerdybookclub، http://www.facebook.com/nerdybookclub)»: نردي بوك كلَب هو شبكة من أمناء المكتبات والمعلمين والمؤلِّفين والنقاد والآباء تجتمع عبر مدوَّنة جماعية؛ تدعو القراءَ إلى كتابة تدوينات وآراء نقدية على المدونة. لقد بدأتُ هذه المدونة بالاشتراك مع صديقين لي هما: كولبي شارب وسيندي مينيك؛ لتكون مأوًى للقرَّاء الذين يريدون الاحتفاءَ بأدب الطفل والناشئين، ويشاركون الكتبَ والقراءةَ مع الأطفال في حياتهم. وتنصبُّ مبادئ مدوَّنة نيردي بوك كلَب على التالي:

    إذا كنتَ تقرأ، فأنتَ بالفعل عضوٌ في نادينا.

    لكلِّ قارئ قيمةٌ وصوتٌ بيننا.

    صوِّتْ لكتب أدب الطفل والناشئين المفضَّلة لديك خلال مسابقة الجوائز السنوية لنيردي بوك كلَب (ذا نيرديز). اشتَرِ قدحَ قهوة نيردي بوك كلَب الأنيق بشعاره الأصلي الجذَّاب من تصميم توم إنجلبرجر (تذهب عوائدُ هذه السلعة لدعم مؤسساتِ تعليمِ مهارات القراءة والكتابة)، أو مُرَّ سريعًا على قائمة الروابط الطويلة على المدوَّنة لتقودك إلى أفضل العروض النقدية والمقالات التحليلية عن القراءة والكتب.

  • «جودريدز (www.goodreads.com, @goodreads)»: إنني أعتبر موقع جودريدز بمثابة موقع للتواصل الاجتماعي بين القرَّاء، وأعتبره منظومةً متكاملة لتتبُّع قراءاتي. رتِّبْ رفوفَ الكتب خاصتك على موقع جودريدز وابتكِرْ تصنيفات فريدة من قبيل «الكتب التي تُبْكِيني»، أو «كتب الحرب العالمية الثانية». يمثِّل الأصدقاء على موقع جودريدز منبعًا لا ينضب لترشيحات الكتب والمراجعات النقدية التي يسترشد بها القارئ في وضع خطط القراءة، كما يفيد تطبيقُه المجاني للهاتف المحمول المستخدِمين في البحث عن الكتب خلال زيارات متاجر الكتب والمكتبات. يمكنك كذلك متابَعةُ آراء المؤلِّفين ومدوَّناتهم، والدخولُ في سَحْبٍ على جوائز، والاشتراكُ في مسابقات، أو إنشاءُ مجموعاتِ مناقَشةِ الكتب.
  • «فيسبوك سِنتوريَنز (http://www.facebook.com/#!/groups/243348159758)»: في نهاية كل شهر، يجتمع أكثر من سبعمائة قارئ على صفحة سِنتوريَنز لمشارَكة الكتب التي قرءوها على مدار الشهر المنصرم. وقد تحدَّى المشاركون في صفحة سِنتوريَنز أنفسهم لقراءة ١١٣ كتابًا عام ٢٠١٣. إنْ لم تتمكَّن من تحقيق هذا الهدف، فإن الصفحة تمثِّل مصدرًا ممتازًا لترشيحات الكتب. ومع النمو الهائل لأعداد المشتركين شهريًّا، فإنهم ينشرون ترشيحاتٍ للكتب، وآراءً وأسئلةً طوالَ الشهر. تقدِّم الصفحةُ قائمةً ممتازة بأصدقاء القراءة الذين يمكنك التواصُل معهم على فيسبوك.
    «تايتلتوك (#titletalk)»: هذا عنوان لمحادَثةٍ شهريةٍ على تويتر تنعقد في الأحد الأخير من كل شهر في الثامنة مساءً بالتوقيت الشرقي للولايات المتحدة. كلَّ شهرٍ، أقود أنا وشريكي في الاستضافة — كولبي شارب — مناقَشةً حول أحد الموضوعات المتعلِّقة بالقراءة؛ مثل: أوقات القراءة الجهورية، ودراسات الألوان الأدبية، والإعلان عن عامٍ جديدٍ للقراءة. يتضمَّن النصفُ الأول من دردشة تايتلتوك محادَثةً حول الممارسات التعليمية والموارد والأفكار المتعلِّقة بالعمل مع القرَّاء الصغار. أما الجزء الثاني من الدردشة، فيتضمَّن سيلًا من ترشيحات الكتب المتعلِّقة بموضوع النقاش من المشاركين. وتتولَّى سيندي مينيك مسئوليةَ موقع تايتلتوك ويكي (http://titletalk.wikispaces.com/)، الذي يضم أرشيفات لكلِّ محادَثة، بحيث يمكنك الوصولُ إلى المعلومات حين لا تستطيع الحضور أو الرجوعُ إليها لاحقًا. وللحصول على نصائح بشأن كيفية الانضمام إلى نقاشات تايتلتوك على تويتر، شاهِدْ دروسَ كولبي المفيدة على مدوَّنة شاربريد (http://sharpread.wordpress.com/2011/11/26/november-2011-titletalk/).

عبر مجتمعات القراءة هذه على الإنترنت وغيرها، يمكنك التعرُّف على قرَّاء آخرين من نفس عقليتك، وتوسيع آفاق حياة القراءة التي تحياها. تربط مجتمعاتُ الإنترنت القراء الجامحين بجموع القراء في العالَم الذين يدعمونك ويشجعونك على القراءة أكثر، وعلى مشاركتك أفكارك حول الكتب والقراءة أو عملك مع القرَّاء الصغار.

(٤-٢) كيف تصبح قارئًا قائدًا

معلم القراءة: معلِّم يقرأ وقارئ يُعلِّم.

ميشيل كوميراس، وبيتي بيسبلينجهوف، وجنيفر أولسون، «المعلمون كقرَّاء»

وصلت مالوري — التي عُهِد إليها بالتدريس لفصلي خلال التدريب الميداني للطلاب الجامعيين على التدريس — في يناير من أجل مناوبة الملاحظة خاصتها، التي تكون مرتين أسبوعيًّا. كانت ورشة القراءة والكتابة تجري على قدمٍ وساق خلال هذا الوقت من العام، وكان الطلاب قد قرءوا أعدادًا كبيرةً من الكتب، وكانوا جميعًا يتعاملون بسلاسة مع سَيْل المحادثات التي تدور يوميًّا في الفصل حول الكتب والقراءة. وخلال الحديث مع مالوري في يومها الأول، لخَّصْتُ لها روتينَنا اليومي، وأَرَيْتُها دفاترَ القراءة والكتابة لدى الطلاب، واختبرتُ معرفتَها بأصولِ تدريسِ ورش العمل. وحين دعوتها لحضور اجتماعات القراءة، خطر لي أنها إذا لم تكن تعرف كثيرًا عن أدب الطفل، فلن يكون لديها كثيرٌ لتُدلِي به خلال المحادثات مع الطلاب.

ومع مراعاة تجنُّب إهانتها، سألتُها قائلةً: «كيف تقيِّمين معرفتك بكتب الأطفال؟ أتخيَّل أنه لم تكن باستطاعتك القراءة كثيرًا خلال وقت فراغك بسبب مقرراتك الدراسية، لكن بإمكاننا العمل على هذا الأمر في أثناء وجودك هنا.»

فاعترفَتْ مالوري قائلةً: «لو قيِّمَتْ معرفتي بكتب الأطفال على مقياسٍ من ١ إلى ١٠، فإني سأحصل على ٢. لقد كان آخِر كتاب أطفال قرأتُه واستمتعتُ به هو «المانح»؛ قرأتُه وأنا في الصف الخامس.»

صُدِمتُ ولكني لم أُفاجَأ، وقلت: «عليكِ أن تعالجي هذه المشكلة يا مالوري. ينبغي لكِ أن تتعرَّفي على الكتب أكثر حتى تستطيعي التحدُّثَ مع الأطفال عن الكتب وترشيحَها لهم.» وهرولتُ إلى خزانات الكتب، وبدأتُ في التنقيب في الصناديق وأنا أسأل نفسي من أين نبدأ؟ كيف يمكن لمالوري أن تساعد في قيادة جماعة القراءة في الفصل الدراسي، في حين أنها لم تكن تعرف كثيرًا عن الكتب؟ وبالنظر في العناوين وأَخْذ عادات القراءة لدى طلابي في الاعتبار، قرَّرتُ أنه بإمكان مالوري البدء بالكتب الأساسية التي يستمتع بها أطفالٌ كثيرون، مثل «سارق البرق» لريك ريوردن، و«البلطة» لجاري بولسن (انظر الشكل ٣-٢). كان من شأن البدء بقراءةِ كتبٍ بارزةٍ تحظى بإعجاب كبير أن يمنح مالوري القدرةَ على الحديث مع الأطفال الذين قرءوا هذه الكتب، وأن يساعدها على أن ترشِّح كتبًا جيدة للطلاب الذين لم يقرءوها، وأن تبني أساسًا للأدب العالي الجودة الذي يمكنها مشاركته ودعمه لاحقًا مع طلابها. تذكَّرْتُ تقديرَها للويس لاوري، فوضعتُ لها روايةَ «عُدَّ النجوم» ضمن مجموعة الكتب التي كانت ستستعرضها، مُشِيرةً لها إلى أنها ستُعجَب بهذا الكتاب أيضًا. وقد ضحك عديدٌ من الطلاب الذين يجلسون بالقرب من مكتبةِ الفصل حين رأوني أجمعُ الكتبَ لمالوري.
fig15
شكل ٣-٢: مالوري تقرأ «سارق البرق» خلال وقت القراءة المستقلة.

علَّقَ إنريكي قائلًا: «لا تقلقي! إنها تفعل ذلك مع الجميع. يمكنك أن تثقي فيها؛ فهي تفهم في الكتب كثيرًا.»

سألتني مالوري — وقد تسلَّلَ إليها حماسنا — قائلةً: «ماذا يحب الأطفال؟ ما الذي ينبغي عليَّ قراءته في رأيهم؟»

انبهرتُ، وعلمتُ أن مالوري ستكون معلِّمةً رائعةً. يمكنني أن أعلِّمها معرفةَ الكتب، وتخطيطَ الدروس، ومهمةَ إدارة الفصل، لكنني لا أستطيع أن أعلِّمها الاهتمامَ بآراء الأطفال. استدرتُ إلى الأطفال وقلتُ لهم: «يا رفاق، الآنسة وايت تريد قراءةَ بعض الكتب التي تقرءونها حتى يُمْكِنها التحدُّث معكم؛ فماذا ينبغي لها أن تقرأ؟»

صاحَ طلابٌ من جميع أرجاء الفصل قائلين: «مباريات الجوع!»

تناوَلَ أنتوني نسختَه من كتاب «مباريات الجوع» من مكتبه، وجلَبَها إلى مالوري قائلًا لها في إشادة: «ستحبينها!»

ولأن مالوري كانت مستمتعة بالموقف بأكمله، ضحكَتْ وأعلنَتْ أنها تنوي قراءة «مباريات الجوع» أولًا. وذات صباح كانت مالوري تجلس إلى الطاولة الشبيهة بحدوة الحصان، مستغرِقةً تمامًا في رواية «مباريات الجوع»، وكانت تبكي بصوت خفيض، فنظرتُ خفيةً إلى جانب كتابها لأرى إلى أين وصلَتْ في الكتاب، فأدركتُ أنها كانت هناك في عُمْق الغابة مع كاتنيس ورو.

وحين رأيتُ مالوري تتحدَّث عن الكتاب مع اثنين من طلَّابنا لاحقًا، أدركتُ أنها قد باتَتْ تنتمي إلينا. لم تَعُدْ جالسةً في الفصل للمشاهَدة فحسب، بل باتَتْ جزءًا من جماعة القراءة التي ننتمي إليها، وتملك تجارِبَ وآراءً قوية متعلِّقة بالقراءة تساهِم بها. لقد احترم الطلابُ دورَ مالوري التدريسي في فصلنا، لكنهم احتضنوها لأنها كانت تقرأ معنا.

إن أكثر المعلمين فاعليةً هم المعلمون القارئون. يذكر موريسون وجيكوبز وسوينيارد (١٩٩٩): «على الأغلب، تتمثَّل أقوى سلوكيات المعلم تأثيرًا على تطوُّر مهارات القراءة والكتابة لدى الطلاب في القراءة الشخصية، سواء أكانت داخل الفصل أم خارجه» (صفحة ٨١). فالمعلمون الذين يقرءون من أجل المتعة يوظِّفون أفضلَ ممارسات التعليم في فصولهم المدرسية، مقارَنةً بالمعلمين الذين لا يقرءون من أجل المتعة (موريسون وجيكوبز وسوينيارد ١٩٩٩، ماكول وجيسباس ٢٠٠٩). بالتدقيق في الأبحاث التي أُجرِيت على أثر المعلمين القرَّاء على سلوكيات القراءة لدى طلابهم، وجد دريير (٢٠٠٢) أن «المعلمين الذين يكونون قراءً ملتزمين يتميَّزون بأنهم متحمسون للقراءة، وبأنهم قراء استراتيجيون ومستنيرون في الوقت نفسه، ومتفاعلون اجتماعيًّا مع ما يقرءونه. وهذه السمات تظهر في تفاعلاتهم داخل الفصل المدرسيِّ، وتساعد في تشكيل طلابٍ يكونون بدورهم قرَّاءً متمرِّسين» (صفحة ٣٣٨). إن المعلمين الذين يقرءون مُعدُّون إعدادًا أفضل لبناءِ مجتمعاتِ قراءةٍ في فصولهم المدرسية، وربْطِ طلابهم بالقراءة والكتب.

يؤكِّد أبلجيت وأبلجيت (٢٠٠٤) على أنه: «إذا كانت نماذجُ القراءة تؤثِّر في القراء، فمن المعقول أن يتأثَّر المعلمون بنماذجِهم الخاصة في القراءة أو مجموعةِ معتقداتهم كذلك» (صفحة ٥٥٥). بصفتنا قرَّاءً ملتزمين ومتحمسين، فإننا نقدِّم للطلاب نماذجَ قويةً يُحتذَى بها، ونشجِّعهم على أن يصبحوا هم أنفسهم قرَّاءً ملتزِمين. يستحق كل طفل أن يشارك مشارَكةً كاملةً في مجتمعاتِ تعلُّمِ مهاراتِ القراءة والكتابة؛ حيث يرحِّب جميعُ المتعلمين والمعلِّمين كذلك بأدوارهم كقراء وكُتَّاب، ويتشاركون حيواتهم الأدبية. يجب أن نُرِيَ طلابَنا كيف يبدو القارئُ النَّهِم من خلالنا كنماذج.

(٥) المناقشات الجماعية

لفَتَ الكتاب انتباهي للمرة الأولى لعدم وجود غلافٍ خارجيٍّ عليه. ولأن الأغلفة الخارجية تتمزَّق بسهولة، فإنني أخزِّنها متى استعار الطلاب كتبَنا ذات الأغلفة المقوَّاة؛ فذلك يحفظ الغلاف من التمزُّق، ويساعدني على العناية بالكتب الأغلى ثمنًا في مكتبة فصلنا. إن الكتب ذات الأغلفة المقوَّاة لدينا أجددُ بطبيعة الحال، ودائمًا ما يكون الطلبُ عليها مرتفعًا. تساءلتُ هل كان هذا الكتابُ الذي يصعب التعرُّف عليه هو أحدَ الكتب المُدرَجة على قائمة الكتب الأسيرة؛ تلك الكتب التي يبدو أنها قد استُعِيرَتْ للأبد. كان أندرو غارِقًا في الكتاب حتى إنه لم يَرَني إلى أن وقفتُ عند مكتبه، حين اختلستُ النظر من فوق كتفه لأرى اسمَ الكتاب. أخفى عني الغلافَ وبَدَا مُحرَجًا.

سألتُه قائلًا: «أندرو، ماذا تقرأ؟ هل هذا أحد كتبنا الأسيرة؟»

فتمتم ناظرًا لأسفل: «لا، إنه كتاب قد استعرتُه من آدم.» يتمتَّع آدم بذوقٍ تقدُّمي في الكتب، ودائمًا ما كان يجلب كتبًا من بيته ليشاركها مع زملائه.

فقلت لأندرو: «حسنًا، إذا كان آدم يحب هذا الكتاب، فربما يحب جميع زملائك قراءته. ما عنوان هذا الكتاب؟»

فاعترف أندرو قائلًا: «كيف أكون محبوبًا؟» بدأ عددٌ من الفتيان من أنحاء متفرِّقة من القاعة في الضحك ضحكاتٍ مكتومةً، متجنِّبين النظرَ إليَّ؛ ثم استكمل أندرو كلامه: «أعتقد أنه لا ينبغي عليكِ قراءة هذا الكتاب، سيدة ميلر.»

فسألتُه قائلةً: «ولِمَ لا؟»

فصاح آدم قائلًا: «لأنك إذا قرأتِه، فقد تمنعينا من قراءته!»

سألتُه شاعِرةً بالصدمة: «هل سبق لي أن حاولتُ منعك من قراءة كتابٍ ما؟ لِمَ قد أمنعك من قراءته؟»

قال أندرو وقد احمرَّت وجنتاه: «إنه للبالغين! يحتوي على أمورٍ خاصة بالفتيان! لا أعتقد أنه مناسب للفصل.»

«انظرْ. إذا كان هناك كثيرٌ من الأولاد في الفصل يقرءون هذا الكتاب — ومن الواضح أن كثيرًا منهم يفعلون — فينبغي لي أن أقرأه حتى يُمكِننا مناقشته معًا.» قلتُ ذلك بينما أنظر إلى كلٍّ من برايلين وأندرو وآدم وريد، وجميع الفتيان الآخَرين الذين كانوا يتجنَّبون النظرَ إلى عيني في تلك اللحظة.

هنالك، جاء دور أندرو في إبداء الصدمة؛ حيث قال: «إننا لا نريد أن نتحدَّث في ذلك معكِ! سيكون ذلك بَشِعًا؛ سيكون أمرًا مُحرِجًا!»

«كيف أكون محبوبًا؟» بقلم نيد فيزيني، هي قصة خيال علمي تتناول التحوُّل من سن المراهقة إلى البلوغ؛ حيث يستكشف الكِتابُ تجاربَ البطل في سن البلوغ وغريزته الجنسية الذكورية النامية. لقد أثار هذا الكتابُ اهتمامَ طلابي في المدرسة المتوسطة من الفتيان الذين يشعرون بالفضول إزاء أجسادهم ومشاعرهم المتغيِّرة. وفي حين أننا كثيرًا ما كنَّا نناقش ترشيحاتِ الكتب وآراءَنا النقدية ونتشاركها، إلا أن فكرة قيام مُدرِّسة أنثى — حتى إنْ كانت أنا؛ محل ثقتهم — بمناقشة هذا الكتاب معهم، لم تكن بالأمر الذي يريده هؤلاء الفتية. لقد خشي هؤلاء الطلاب من أن أحاوِل منعَهم من الحصول على كتاب «كيف أكون محبوبًا؟» أو أن أخبر آباءَهم، أو أن أحاول الحديثَ معهم عن محتوى هذا الكتاب، وهو الأمر الأسوأ على الإطلاق.

على الرغم من أنني متفقة على أنه يجب على المعلِّمين والآباء أن يكونوا واعِين بمحتوى مواد القراءة التي يقرؤها الأطفال، فإننا نتجاوز حدودَنا حين نقرِّر تقييدَ وصولِ الأطفال إلى الكتب لأننا لا نتقبَّل الموضوعات الصعبة أو المستفزة. يتمثَّل أحدُ أسباب استمتاع القراء الجامحين بالقراءة في أنه بإمكان الكتب أن تجيب عن أسئلتنا، وتساعدنا على استكشاف تجاربنا. كم ينبغي أن يكون عمر الأطفال قبل أن يمكنهم قراءة كتبٍ عن حيواتهم؟ إن كتبًا مثل «كيف أكون محبوبًا؟» تتيح فرصًا لمناقشة الموضوعات غير المريحة مع الأطفال، مع البقاء بعيدًا عن حقيقة هذه الموضوعات؛ إذن يجب علينا جميعًا أن نقرِّر ماهيةَ الكتب التي نسمح بقراءتها في فصولنا المدرسية بناءً على معرفتِنا بالكتب، وتجاربِنا مع الطلاب والآباء، والثقافةِ السائدة في مدارسنا.

بعد ظهيرة ذلك اليوم، اشتريتُ نسخةً من «كيف أكون محبوبًا؟» وقرأتُها خلال عطلة نهاية الأسبوع، وعندئذٍ أدركتُ أنه كان ينبغي لي تلافي الحديث مع الأولاد عن هذا الكتاب فحسب. بصفتي قارِئةً، لم أَرَ أن «كيف أكون محبوبًا؟» كانت جيدةَ المستوى؛ وبصفتي معلِّمةً، لم أكن أعرف كيف أناقِش الكتابَ مع الفتيان. من الواضح أنهم كانوا يتشاركون الكتابَ لتناوُله الفكاهي للموضوعات الجنسية مثل الاستمناء. كيف يمكنني أن أتحاور مع أندرو وآدم وبقية الفتيان دون الحديث عن سبب حبِّهم للكتاب؟ بسبب «كيف أكون محبوبًا؟» اكتشَفَ الفتيان أن الكتب يمكن أن تكون سلعًا تخريبية مهرَّبة، تستحق أن تُتَداوَل ذهابًا وإيابًا بين الأصدقاء؛ فالكتبُ تنطوي على أسرارٍ يمكنك مشاركتها مع الفتيان الآخرين. وعلى الرغم من أن طلابي الفتيان قد خشوا أن آخذ منهم «كيف أكون محبوبًا؟»، فقَدِ انزعجوا حين اكتشفوا أنني قرأتُها؛ ففقَدَ الكتاب جاذبيته، واختفى من فصلي وأيدي طلابي، ولم أناقشه فعليًّا معهم.

fig16
شكل ٣-٣: خلال وقت الراحة، تتشارك كلٌّ من ريجان وسارة وونتر نسخةً من رواية لورين ميراكل «أُحادِثُك لاحقًا».
لكني أدركتُ لاحقًا أنني صادرتُ الكتابَ بالفعل من أيديهم، فلقد أدَّى اندساسي في مجتمع القراءة الذي نما نموًّا طبيعيًّا إثرَ تشارُك الطلاب تجاربَ قراءة «كيف أكون محبوبًا؟» إلى تدميره. إذا كنا نريد لطلابنا بحقٍّ أنْ يصبحوا قرَّاءً جامحين لا يعوِّلون على دعمنا ورقابتنا، يكون أفضل ما يمكننا القيام به، في بعض الأحيان، هو أن نتنحى جانبًا. لقد تغيَّرَ دوري من مرشِدة للقراءة إلى شرطي قراءة، وهذا الدورُ لم يَرُقْ للفتيان؛ فعلى الرغم من أنه يتعيَّن علينا أن نظلَّ مطَّلِعين على ما يقرءونه، وأن نبقى على اتصالٍ بهم، فإنه لا ينبغي لنا أن نشارك في كل مناقشة، أو نصدِّق على كل كتاب. وإذا كان الطلاب يعتمدون على موافقتنا على كل كتابٍ يقرءونه، فإنهم بذلك لا يقرءون من أجل أهدافهم واحتياجاتهم الخاصة، بل يهتمون باسترضاء المعلم. في هذه الأيام، حين أرى الطلابَ يتداولون الكتبَ فيما بينهم — كما في حالة ريجان وسارة وونتر وهُنَّ يقرأْنَ روايةَ لورين ميراكل المثيرة «أُحادِثُك لاحقًا» خلال وقت الراحة (انظر الشكل ٣-٣) — فإنني أبتسِمُ فحسب وأمضي لسبيلي.

(٥-١) كتبٌ تَبْنِي مجتمعات

إذا أعطيتَ الناسَ كتابًا جيدًا يتحدَّثون عنه، يمكنك أن تَبْنِي مجتمعًا من جماعة متنوِّعة، تَنْبُتُ منه لغةٌ مشتركة.

نانسي بيرل، «عِشْق الكتب»

إن قراءة الكتب معًا تخلق تجاربَ مشتركةً تعزِّز بناء المجتمع، وتطوِّر الطلاب في مهارات القراءة والكتابة. خُذْ في اعتبارك الكتبَ الآتية كمختاراتٍ للقراءة الجهورية في بداية العام الدراسي، والتي من شأنها تشكيل علاقاتٍ بين الطلاب، وتعرِّفهم بنصوص جذَّابة عالية الجودة.

مجتمعات تقرأ وتكتب

  • «اسألني» من تأليف أنتي دام. مِن السؤال «مَن هو أعزُّ أصدقائك؟» الشائع، إلى السؤال «مَن تفتقد؟» الذي يستثير الفِكْر؛ يدعو كتابُ الأسئلة الجذَّاب هذا، الأطفالَ إلى الكشف عن معلومات شخصية، وتأمُّل حياتهم، والتعرُّف أكثر بعضهم على بعضٍ. ثمة رسومٌ جذَّابة تصاحِب كلَّ سؤال في الكتاب، وتقدِّم فرصًا لمزيدٍ من الإجابات. يمثِّل كتاب «اسألني» — الذي يهدف إلى أن يكون بادِئةً للمحادَثة بين الآباء والأطفال — مصدرًا فريدًا لموضوعات الكتابة والنقاش.

  • «حديث الكتب! قصائد عن الكتب» من تأليف لورا بوردي سالاس. تقدِّم هذه المجموعة إحدى وعشرين قصيدة عن كل شيء يتعلَّق بالكتب، من الشخصيات إلى الفهارس، إلى الاستغراق في النوم أثناء القراءة. إن كتاب «حديث الكتب!» — الفكاهي والتثقيفي على التوالي — هو النص المثالي لبدء عامٍ للقراءة، وتعزيز حبِّ القراءة.

  • «سامِحْني! لقد فعلتُ ذلك عمدًا: قصائد في الاعتذارات غير الصادقة» من تأليف جايل كارسون ليفين. تأسِّيًا بكتاب ويليام كارلوس ويليام «أريد فقط أن أقول»، تقدِّم ليفين ما يفوق الأربعين اعتذارًا غير صادق عن الأخطاء الفادحة. سيقدِّر الأطفال — الذين يستحثُّهم مربُّوهم من البالغين على الاعتذار — أمانةَ ليفين وحسَّها الفكاهي، وسيفكِّرون في كتابةِ اعتذاراتٍ غير صادقة بأنفسهم.

مجتمعات تقدِّر كلَّ أفرادها

  • «كلب الصيد صديقي» بقلم ليندا أوربان. تخشى ماتي برين — التي تتَّصِف بالخجل والانغماس في الذات — من بدء عامٍ دراسيٍ آخَر. ومع تَتَلْمُذها على يد ناظر المدرسة — عمِّها بوتلوك — تَأْمُل ماتي في تجنُّب التعامُل مع زملائها في الفصل حين يبدأ العام الدراسيُّ. إن «كلب الصيد صديقي» — المكتوب بأسلوب عبقريٍّ — كتابٌ مؤثِّر أنصحك بمشاركته في بداية العام الدراسيِّ، حين يكون كثيرٌ من الطلاب شاعِرين بالخوف والقلق بشأن العثور على أصدقاء.

  • «جنون» من تأليف شارون دريبر. ميلودي ذات الأحد عشر عامًا مصابَةٌ بشلل دماغي؛ تعيش في عالَم من الصمت، عاجِزةً عن الحديث أو الكتابة. وبالرغم من أنها بالغةُ الذكاء، فإن زملاءَها وعددًا ليس بقليلٍ من المعلمين يرونها بلهاء. إن مشاركة هذا الكتاب تثير حواراتٍ ساخنةً حول قبولِ جميع الطلاب في مدارسنا، وتقديرِ حقِّ كلِّ طفل في التعلُّم.

  • «يودا دمية الأوريجامي الغريبة» من تأليف توم إنجلبرجر. دوايت فتًى فاشلٌ شديدُ الغرابة؛ حتى إن الفتيان الآخَرين في الصف السادس غير المنتمين لفصله يتحاشَوْنَه. لأسباب غامضة، يصنع دوايت دمية يودا من الورق، ويلبسها في إصبعه، ويستخدِمها لتقديم النصح إلى زملائه في الفصل المدرسيِّ. عادةً ما يتجنَّب الأطفالُ الآخَرون دوايت، لكنهم ينجذبون إلى حكمة يودا المفيدة، على ما يبدو. يُوصِل هذا الكتابُ رسالةً مُفادُها أن كل طفلٍ لديه شيءٌ يساهم به. اقرأْ روايةَ «يودا دمية الأوريجامي الغريبة»، ثم عرِّفِ الطلابَ على باقي الكتب المتمِّمة لسلسلة دمية يودا؛ وهي: «انتقام دمية دارث الورقية»، و«سر دمية تشوباكا العرَّاف».

  • «الأعجوبة» من تأليف آر جيه بالاسيو. يُولَد أوجي بولمان بمتلازمة تريتشر كولينز، وهو اضطرابٌ جيني تنجم عنه تشوُّهاتٌ شديدة في الوجه. يتلقَّى أوجي تعليمَه المدرسي من البيت لسنواتٍ عديدة؛ بسبب حاجته المستمرة إلى جراحاتٍ موسَّعة، وخوفِ والدَيْه من المعامَلة التي قد يلقاها. في بداية صفه الخامس، يقرِّر والداه إرسالَه إلى مدرسة حكومية. «الأعجوبة» كتاب رائع عن الشجاعة والحب، والفارق الذي يستطيع شخصٌ واحد أن يصنعه في حيوات الآخَرين.

مجتمعات مَرِحة

  • «الدجاجة المزعجة» بقلم ديفيد إزرا ستاين. لقد حان الوقت لقصةِ ما قبل النوم للدجاجة الحمراء الصغيرة، لكنها متحمِّسة جدًّا للكتاب حتى إنها لا تستطيع الامتناعَ عن مقاطَعة والدها. إذا كانت هناك دجاجة على الغلاف، فبإمكانك أن تتوقَّع أن الكتاب مُضحِك. سيرى الأطفال أنفسَهم في هذه القصة الذكية، فاستخدِمْ هذا الكتابَ كانطلاقةٍ للمحادثات عن آدابِ سلوكيات الفصل، أو استمتعْ بفكاهة الدجاج فحسب.

  • «رُدَّ قبعتي» من تأليف جون كلاسن. أضاع الدبُّ بير قبعتَه الحمراء الطويلة، وبعد سؤالِ بقيةِ حيوانات الغابة عنها، يكتشف الدب المشتَّت في النهاية مكانَ قبعته. ونظرًا لاستمتاعهم بالنهاية المفاجِئة المبهمة والمثيرة للضحك، يخبرني طلابي في الصف السادس أن «رُدَّ قبعتي» أحدُ كتبهم المفضَّلة. وينقل كلاسن سياقَ حسِّه الفكاهي المرئي اللاتعبيري هذا إلى المحيط في الجزء الثاني من هذا الكتاب «هذه ليست قبعتي»؛ الحائز على ميدالية كالديكوت.

  • «كتاب العجائب» من تأليف آمي كراوس روزنثال. هل لديك الكثير من التساؤلات؟ هذه التشكيلة العشوائية من الأحجيات وألعاب الكلمات والقصائد تقدِّم لنا الإجابات عن تساؤلاتنا، وتشجِّعنا على الاستفسار. إن المختارات القصيرة ممتازةٌ لفتراتِ الانتقال، ولأوقاتِ الراحة المُنشِّطة للطاقة، ولبدايات الحصص الدراسية ونهاياتها.

مجتمعات تهتم بشأن العالَم

  • «حافلة اسمها الجنة» من تأليف بوب جراهام. ذات صباح، تكتشِف ستيلا حافلةً مهجورةً خارج منزلها، وتوحي الحافلة — التي يُطلَق عليها الجنة — إلى العدد المتنوِّع من جيران ستيلا بفكرةِ تحويلها إلى مساحة لتجمُّعاتهم. هذا كتاب ظريف يحكي عن مجتمع واحد، وعن الحافلة المتهالِكة والمفيدة في الوقت نفسه التي جمعَتْهم معًا.

  • «أربع عشرة بقرة من أجل أمريكا» من تأليف كارمن أجرا ديدي. في عام ٢٠٠٢، عاد كيملي ناييوما من نيويورك سيتي إلى قريته ماساي حامِلًا معه أخبارَ هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، فما كان من أهل قرية ماساي — الذين تأثَّروا بهذه الأخبار المروعة — إلا أن تبرَّعوا لأمريكا بأقدس وأقيم ممتلكاتهم، التي تمثَّلت في أربع عشرة بقرة. يُلقِي هذا الكتابُ المؤثِّر عن الرأفة والأملِ الضوءَ على الروابط التي تصلنا بعضنا ببعضٍ على مستوى المجتمع الدولي.

  • «يوم الغسيل» من تأليف ماوري جيه مانينج. تطير قطعة ملابس حمراء من أحد حبال الغسيل التي تعلو الفتى مسَّاح الأحذية الأمين، فيتسلَّق الفتى من نافذةٍ إلى أخرى في أحد مباني نيويورك الذي يحتوي على وحدات سكنية للإيجار، باحثًا عن صاحب قطعة الملابس. تحتفي رحلةُ الفتى إلى أعلى البنايةِ بتراث الهجرة الأمريكي الزاخر، وأهمية الأمانة والعطف في كل الثقافات.

تتيح الكتبُ الفرصةَ للضحك، والبكاء، والتعلُّم، وتوثيق العلاقات من خلال التجارب المشتركة في تعلُّم مهارات القراءة والكتابة. إن مشاركة الكتب الجذَّابة المحفِّزة للتفكير مع الطلاب تسهِّل نشأةَ مجتمعٍ للقراءة في فصلك المدرسيِّ. وأنت تتدبَّر أيَّ الكتبِ ستتشاركها مع طلابك، تأمَّلِ الكيفيةَ التي يعزِّز بها كلُّ كتابٍ منها مجتمعَ القراءة الذي تنتمي إليه.

(٥-٢) جرافيتي القراءة

نظرًا لأنني أكرِّس حوائطَ الفصل لأعمال الطلاب والمخططات المرجعية، أحبُّ تعليق لوحاتٍ أضيفُ أنا والطلاب إليها على مدار العام الدراسيِّ. خلال أحد دروس الكتابة عن كيفية صياغة افتتاحيات قوية — مأخوذ من أحد كتب جيف أندرسون (٢٠٠٥) — نقرأ الافتتاحيات المجمعة من الكتب التي نقرؤها خلال وقت القراءة المستقلة، ونلصق السطورَ الافتتاحية لكل كتابٍ عبر أرجاء الفصل. استمتَعَ الطلاب بالقراءة والمقارَنة بين افتتاحيات الكتب التي يقرؤها كلٌّ منهم، وأثار هذا النشاط كثيرًا من النقاشات حول حرفة الكتابة، وماهية الأشياء التي يمكننا توقُّعها بشأن الكتب، والكيفية التي أثَّرَ بها المؤلِّفون المرشِدون في كتاباتنا. حين تأمَّلْتُ هذا النشاطَ، أدركتُ استمتاعَ طلابي وانخراطهم في تحليل الاقتباسات وجَمْعها من الكتب التي قرءوها، ولمحت في ذلك فرصةً ما.

غطيتُ أحدَ الحوائط الطويلة عند مكتبة الفصل بورقٍ أسود اللون من تلك النوعية المستخدَمة للفِّ اللحوم، وبإطارِ لوحِ نشرات، وكتبتُ عليه «جرافيتي القراءة». وكتبت بسرعةٍ عبارةَ «مباريات الجوع» الشهيرة: «عسى أن تكون الاحتمالات دائمًا في صالحك!» عبر أسفل الورقة، ودعوتُ الطلاب إلى مشارَكةِ أي سطورٍ جذبَتِ انتباهَهم في الكتب التي يقرءونها. وقد تجاوَزَ حائطُ جرافيتي القراءة في الفصل كوْنَه مجردَ مجموعةٍ من الجمل إلى نشاطٍ للتعبير عن الآراء في الكتب؛ حيث نختار ونشارك من كتبنا السطورَ والكلمات التي جذبَتِ انتباهَنا لكونها جديرةً بالملاحظة، أو لكونها مميزةً بالنسبة إلينا (انظر الشكل ٣-٤).
fig17
شكل ٣-٤: حائط جرافيتي القراءة في فصلي الدراسيِّ.
fig18
شكل ٣-٥: اقتباس أليشيا على حائط الجرافيتي من كتاب قادر نيلسون «نحن السفينة».
أصبح حائط جرافيتي القراءة بؤرةَ تركيزِ الفصل؛ أولَ شيء يلاحظه الزوَّار حين يأتون إلى فصلنا (إلى جانب جميع الكتب التي لدينا). لقد أصبح كلُّ سطر شهادةً؛ شهادةً لصالح الكِتاب والقارئ الذي اختاره وكَتَبه (انظر الشكل ٣-٥). غالبًا ما يتجوَّل الطلاب بمحاذاة الحائط، يقرءون الاقتباسات، ويستفسرون عن العناوين، ويسعون إلى التعرُّف على زملائهم الذين كتبوها. اختار قراءٌ كثيرون كتبًا بعد قراءة سطرٍ واحد منها ممَّا هو مكتوب على الحائط. ولو كنتُ طلبت من طلابي أن يدوِّنوا ملاحظاتهم بشأن كل كتابٍ يقرءونه بهدف اختيار الاقتباسات المعبِّرة، لَرفضوا الانصياعَ، لكن أكثر من قارئ الآن كدَّسوا كُتَبَهم بالملاحظات اللاصقة لتحديد «سطور مثالية للتدوين على الحائط».

(٥-٣) إعلانات الكتب

مثل مناقشات الكتب، تمثِّل إعلانات الكتب شهاداتٍ مرتجلةً عن الكتب التي أقدِّمها أنا وطلابي. غالبًا ما أستغلُّ آخِر خمس دقائق من وقت الحصة الدراسية أو فترة التنقُّل بين النشاطات لإعلانات الكتب. إن تقديم إعلانات الكتب يتطلَّب قليلًا من الإعداد من جانب المعلم أو الطلاب يحاكي الكيفيةَ التي يتشارك القراءُ بها الكتبَ في العالَم الحقيقي. يسجِّل القراء على عجلٍ عنوانَ الكتاب واسمَ المؤلف على اللوح الأبيض، ويجلسون على كرسيي الأخضر، ويقدِّمون معلوماتٍ مختصرةً عن محتوى الكتاب، واقتراحاتٍ حول نوعية القرَّاء الذين قد يستمتعون بالكتاب بعدهم (الشكل ٣-٦). وبعد تعريف القارئ للكتاب، فإنني أسأل على الفور إنْ كان هناك أحدٌ آخَر في الفصل قد قرأ نفسَ الكتاب، وأدعو القراء الآخَرين إلى مشاركة انطباعاتهم.
fig19
شكل ٣-٦: ترافيس يقدِّم إعلانًا عن كتاب جون بوين «الفتى ذو المَنامة المخطَّطة».

حين ينتهي الطلاب من إعلانات الكتب، يكتبون عناوينَ الكتب وأسماءَ المؤلفين في بطاقة فهرسة، ثم أضيفها إلى قائمة مطولة معروضة في فصلنا المدرسيِّ. يسجِّل الطلاب أيَّ كتب تثير اهتمامهم في قائمة الكتب المخطَّط لقراءتها، التي يحتفظون بها في دفاترهم لهذا الغرض، ويرجعون إليها عند زيارة المكتبة مستعرِضين الكتب في الفصل المدرسيِّ، أو مناقِشين خطط القراءة خاصتهم معي خلال الاجتماعات. تقدِّر إعلانات الكتب خيارات القراءة الخاصة بالطلاب، وتمدُّهم بفرصة التأثير في القرَّاء الآخَرين، فالطلاب ينمُّون الثقة في خياراتهم للكتب عندما يرشِّحون كتبًا لقراءٍ آخَرين ينمُّون بِدَورهم وعْيَهم بعناوين الكتب التي قد يحبُّون قراءتَها.

(٥-٤) أبواب القراءة

fig20
شكل ٣-٧: باب القراءة في فصلي.
غالبًا ما يصمِّم المُعلِّمون لوحاتِ نشراتٍ داخلَ الفصل المدرسي ولوحاتٍ على أبواب فصولهم احتفالًا بالعام الدراسي الجديد، وترحيبًا بالطلاب في فصلهم المدرسي. يُضفِي بعضُهم طابعًا شخصيًّا على هذه اللوحات بصور عائلية، أو معلومات عن أنفسهم، أو يشاركون نشاطاتهم التي قاموا بها خلال العطلة الصيفية، أو يعطون الطلابَ لمحةً عن المشروعات القادمة، أو الوحدات التي سيدرسونها. في مدرستنا، نصمِّم هذه اللوحات المدرسية التي تحتفي ببداية العام الدراسيِّ من خلال تصميم أبوابٍ للقراءة على مستوى المدرسة؛ حيث يعرض طاقمُ هيئة التدريس وطاقمُ العامِلين — بدءًا من ناظر المدرسة إلى الاستشاريين وأمين المكتبة وكل معلم — الكتبَ والمجلات وصفحات الإنترنت والصحف أو الدوريات التي يرغبون في قراءتها. لكي تصمِّم بابًا للقراءة، انْسَخِ الأغلفة الورقية الخارجية للكتب، واطْبَعْ صورًا لصفحات مواقع الإنترنت، وصمِّمْ لوحةً مجمعة من الملصقات عن الكتب، ثم أَضِفْ صورَ أفراد طاقم العمل لديك بينما يستمتعون بكتبهم المفضَّلة. يمكن أن تستند موادُّ القراءة إلى مجالات المحتوى الدراسي، أو الاهتمامات الشخصية؛ مثل: الطهي، والرياضة، والسفر. يتضمَّن باب القراءة لديَّ كتبًا قرأتُها خلال تحدِّي «كل يوم كتاب» أثناء إجازة الصيف، بالإضافة إلى المجلات والدوريات والمدوَّنات التي أقرأها دوريًّا (الشكل ٣-٧). وقد أضفتُ اقتباسات عن القراءة شعرتُ أنها ستنال تقديرَ الطلاب وستُمتِّعهم، مثل نصيحة جاري بولسن لصغار الكتاب: «اقرأ كما يأكل الذئب.»

وقبل أن نزيح الستار عن أبواب القراءة خاصتنا خلال ليلة التعرُّف على المعلم — وهي أول اجتماع لنا بالآباء في بداية العام الدراسيِّ الجديد — أدركَتِ المدرسة المزايا التي تقدِّمها هذه اللوحاتُ للطلاب؛ إذ سيرى الطلابُ كلَّ معلمٍ — وليس معلم القراءة فحسب — كقارئ. لقد سلَّطَتْ أبوابُ الفصول الضوءَ على تركيز المدرسة بأكملها على القراءة، وبدأَتْ عامًا من مشارَكة النصوص ومناقشتها في كل فصل. إن تغطية حوائط الردهات والمكاتب بلوحات أبواب القراءة قدَّمَتْ ميزات غير متوقَّعة لمدرستنا أيضًا؛ فقد بدأَتِ المحادثات عن القراءة تدور بين الزملاء الذين لم يسبق لهم الحديث عن القراءة بعضهم مع بعض. أحدُ معلِّمي العلوم يهوى جمْعَ الحفريات، ويشترك في عديدٍ من المطبوعات التي تسبر أغوارَ مجالِ الاهتمام هذا، وأحدُ معلمي التربية البدنية علَّقَ نسخته اليومية من صحيفة وول ستريت جورنال على بابه، وبرَّرَ ذلك قائلًا: «أشكُّ في أن بعض الأطفال قد رأوا صحيفةً حقيقةً أو سمعوا عنها.» وقد قسَّمَتْ ناظرةُ مدرستنا سوزان بابَها إلى قسمَيْن؛ أحدهما للقراءة المهنية، والآخَر للقراءة الشخصية، وظلَّتْ تضيف الكتبَ لِلَوحةِ العرضِ هذه على مدار العام. وفي نهاية العام، أخبرتني سوزان: «إن لديَّ في قسم الكتب الشخصية كتبًا أكثر من قسم الكتب المهنية هذا العام.» فسألتُها قائلةً: «كيف تشعرين حيال ذلك؟» فقالت: «ينتابني شعورٌ رائع. لقد أعدتُ اكتشافَ القراءة من أجل المتعة من جديد. قبل ذلك، لم أكن أقرأ إلا من أجل العمل.»

fig21
شكل ٣-٨: باب القراءة الخاص بكاثرين وإيفري وروز.
وبعد مرور أسابيع قليلة من العام الدراسي، سلَّمْتُ باب القراءة خاصتي إلى أيدي طلابي. شكَّلَ الأطفال مجموعاتٍ من ثلاثة أو أربعة أطفال، واختارتْ كلُّ مجموعة موضوعًا لِلَوحة عرضها، واختاروا عناوين الكتب، ثم قدَّموا فكرتهم للفصل. وقد صوَّتَ الطلاب للفكرة المفضَّلة لديهم، ثم عُلِّق ذلك التصميم على باب فصلنا طوال الأسبوعين التاليين (انظر الشكل ٣-٨). لم أكلِّف جميع الطلاب بهذا النشاط، لكني شجَّعتُ أي طلاب لديهم أفكارٌ لِبابِ القراءة وساعدْتُهم على وضع خطة. غالبًا ما يستطلع الطلاب آراءَ زملائهم في الفصل حول اقتراحات الكتب بعد اختيار موضوعات أبواب القراءة خاصتهم. بهذه الطريقة، يساهم معظم طلابي بشيء للمشروع عمومًا. وقد علَّمَهم هذا النشاطُ الخطابةَ الإقناعية، ورسْمَ الخطط وتنفيذها، والعملَ الجماعي. قيَّمَ الطلابُ النصوصَ بناءً على معايير وضعوها بأنفسهم، وأخذوا جمهورهم في الاعتبار عند اختيار الموضوعات والعناوين.

إذا لم يكن باستطاعتك وضع لوحات ورقية على أبواب الفصول المدرسية بسبب القيود التي تفرضها المدرسة أو المنطقة التعليمية، ففكِّرْ في تصميم لوحاتِ ترشيحاتٍ مشابهة باستخدام أُطُر الصور الرقمية في المكتبة، أو الملصقات في الردهات وصالة الألعاب أو الكافيتريا، أو أقسام الترشيحات على مدوَّنة الفصل أو موقعه الإلكتروني. شجِّعْ طاقمَ العمل في المدرسة على مشاركة مقترحاتهم للكتب أيضًا، وأعلِنْ للطلاب والأُسَر والزملاء أن مجتمعك المدرسي يقرأ ويدعم كلٌّ من أفراده عاداتِ القراءة لدى الآخَرين.

(٦) نقاط نقاشية

أنا وسوزي ندرك أننا أكثر القرَّاء تأثيرًا في طلابنا في بداية العام الدراسيِّ؛ لأن كثيرين منهم يفتقرون إلى الثقة في أنفسهم فيما يتعلَّق باختيار الكتب لأنفسهم، ولا يعرفون كثيرًا عن الكتب والمؤلِّفين والمصادر التي تقودهم إلى مزيدٍ من مواد القراءة. وهذا الاعتماد المؤقَّت علينا يساعد قرَّاءَنا الناشئين على التجوُّل عبر المكتبة، أو تجربة قراءة كتبٍ لم يكونوا ليقرءوها في ظروفٍ أخرى، لكننا ندرك أن الطلاب يجب أن يتعلَّموا كيفية اختيار الكتب لأنفسهم، وهذا يعني بناءَ علاقاتٍ قائمةٍ على القراءة مع القرَّاء الآخرين الذين يدعمونهم ويشجعونهم.

(٦-١) القراء المركزيون

المركز السطحي للزلزال هو تلك النقطة من سطح الكرة الأرضية التي تقع مباشَرةً فوق الانفجار. تبدأ الموجات الزلزالية من هذه النقطة المركزية ثم تقل كثافتها، لكنها تغيِّر شكلَ المشهد على سطح الأرض. نشير كذلك إلى مثل هذا المركز في الفن والأعمال كطريقةٍ للإقرار بالتأثير والابتكار اللذين ينبعثان من منابع مشتركة، مثل: وادي السليكون كمركزٍ مؤثِّر لتصميم البرمجيات، أو ولاية سياتل كمركزٍ لموسيقى الروك المعرفة باسم «الجرَندج». في وقت مبكر من العام الدراسيِّ، أبحث عن الطلاب الذين سيكونون قرَّاءً مركزيين بارعين؛ هؤلاء الذين يتمتعون بالفعل بمعرفة كبيرة عن الكتب، وتبدو عليهم الثقة عند اختيار الكتب التي يقرءونها.

حين دخلَتْ كاثرين إلى فصلي في ليلة التعرُّف إلى المعلم، سارت من فورها إلى مكتبة الفصل، وبدأت تفتِّش في صناديق الكتب بينما كنتُ أتحدَّث مع والدتها. سِرْتُ في تمهُّلٍ إلى حيث تقف كاثرين وسألتُها قائلةً: «أي نوعٍ من الكتب تحبين أن تقرئي؟» ابتسمَتْ كاثرين وهي تسرد على مسامعي قائمةً مذهلة من الكتب، متوقِّفةً لتسألني إنْ كنتُ قد قرأتُ أيًّا من هذه الكتب. إن كاثرين عندما عرَّفَتْ نفسها فورًا كقارئة وسألَتْني عن قراءاتي، كانت تحاول سرًّا تحديدَ إنْ كنتُ أقرأ كثيرًا ولديَّ ما أقدِّمه لها كمرشدةٍ للقراءة. قدَّمتُ لكاثرين مجموعةً من الكتب الجديدة التي كانت على مكتبي، ودعوتُها إلى استعارة ما تشاء من الكتب. حين خرجتْ من فصلي بكتبٍ تقرؤها قبل بدء العام الدراسيِّ، أدركَتْ أنني احترمتُها كقارئة، وأنني استطعتُ أن أرشِّح لها كتبًا، وأن أنمِّي حياةَ القراءة الخاصة بها.

ومع استئناف العام الدراسيِّ، فتشتُ عن طرق لتحدِّي كاثرين. لم يكن دفعها إلى القراءة يمثِّل مشكلةً؛ فقد كانت واسعةَ الأفق إزاء الكتب التي تختارها؛ حيث كانت تقرأ كلَّ شيء أرشِّحه لها تقريبًا، وتكتشف كتبًا أكثر خلال زيارات المكتبة، لكنني لاحظتُ أن كاثرين لم تكن تتحدَّث كثيرًا مع الطلاب الآخَرين حول الكتب والقراءة. بخجلها وهدوئها، كانت تدردش معي حول الكتب كلَّ يومٍ، لكنها لم تقدِّم أيَّ ترشيحات أو تناقش الكتبَ مع أصدقائها. وحين سألتُ كاثرين عن السبب وراء عدم تطوُّعها بالتحدُّث عن انطباعاتها عن الكتب لزملائها في الفصل، أو بتقديم ترشيحاتٍ لهم، اعترفَتْ لي أنها كانت تشكُّ في أن الأطفال الآخَرين يحبون نفسَ الكتب التي تحبها هي.

يجب علينا تحديد القرَّاء المركزيين في فصولنا، ودَعْم تطوُّرهم، وزيادة تأثيرهم؛ فهؤلاء القراء الجامحون يمكن أن يكونوا أقرانَ قراءةٍ مؤثِّرين للطلاب الآخَرين؛ حيث يلعبون دورَ مصادرِ المعلومات عن الكتب، ويقدِّمون مثالًا نموذجيًّا لعادات القراءة التي يتميَّز بها القراءُ الجامحون.

حين تتأمَّل الطلابَ القرَّاءَ في فصلك؛ مَن منهم ستصنِّفهم كقراءٍ مركزيين، أو مَن لديهم الإمكانات المطلوبة ليصبحوا قرَّاءً مركزيين، من السهل تجاهُل احتياجات الطلاب الذين يستمتعون فعليًّا بالقراءة حين يلتحقون بفصولنا. ونظرًا لاطمئناننا إلى أن هؤلاء القرَّاء الجامحين يتطلَّبون منَّا قليلًا من التوجيه، فإن ذلك يغرينا بتركيز انتباهنا على الطلاب الذين يواجِهون صعوباتٍ في القراءة، لكنْ يجب علينا أن نتذكَّر أن جميع القراء يستحقون فرصًا للتطور. لقد كانت كاثرين تحب القراءة، لكنها كان تفتقر إلى الثقة في تأثيرها في القراء، ولم تشكِّل علاقاتٍ قائمةً على القراءة مع زملائها في الفصل. ومن دون التواصُل مع القراء الآخَرين من عمرها، رأت نفسها منعزلةً وبحاجةٍ إلى الاحتفاظ بحياة القراءة خاصتها لنفسها، وإلا جازفَتْ باحترام الأطفال الآخَرين لها. كيف يمكننا أن نساعد الأطفالَ الآخَرين مثل كاثرين، الذين يتمتعون بالإمكانية ليصبحوا قرَّاءً مركزيين، لكنهم لا يتشاركون ما يعرفونه مع الطلاب الآخَرين؟

يتطلَّب تقديرُنا للقراء المركزيين، ومواصَلةُ دعم تطوُّرهم كقراء جامحين، وتعزيزُ العلاقات بينهم وبين الطلاب الآخَرين؛ بعضَ الدهاء من جانبنا؛ فأنت لا ترغب في أن يعتقد طلابك أنك تفضِّل بضعة طلاب على الآخَرين، أو أنك تقدِّر بالأساس هؤلاء الأطفال في فصلك الذين يحبون القراءة بالفعل. شجِّعِ القراء المركزيين في فصلك على الترويج للكتب ومشاركة مقترحاتهم للكتب مع بقية الطلاب، من خلال مدوَّنة الفصل وإعلانات الكتب. عبِّرْ عن تقديرك للقرَّاء المركزيين علنًا من خلال سؤالهم عن آرائهم حول الكتب التي يقرءونها. حين ينهمر عليَّ سيْلُ الكتب الجديدة التي لا يمكنني قراءتها بسرعة كافية، أدعو القراءَ المركزيين في فصلي إلى قراءة الكتب وكتابة آرائهم النقدية فيها قبل إضافتها إلى مكتبة الفصل المدرسيِّ. هؤلاء القراء الجامحون يستمتعون بفرصةِ قراءة الكتب الجديدة قبل أي شخصٍ آخَر، وأنا أقدِّر خبرتَهم وإدراكَهم العميق لما يحب القرَّاءُ المستنيرون من نفس عمرهم قراءتَه.

قرَّائي المركزيون

حين أبحث عن ترشيحٍ لكتاب معين أو نصيحةٍ تستهدف طفلًا محددًا في فصلي، قد أبحث عن القراء الذين يتمتعون بالخبرة بأنواع الكتب التي أحتاج إليها، لكنَّ ثمة قليلًا من الأفراد الذين يقدِّمون لي شريحةً عريضة من الترشيحات، ويساعدونني على تنمية وتعميق معرفتي بالكتب، وزيادة مصادري من أجلي ومن أجل طلابي. أفكِّر في حياة القراءة خاصتي، وأميِّز القراءَ المركزيين حولي؛ هؤلاء الأشخاص الذين يؤثِّرون بي عبر معرفتِهم الواسعة بالكتب، وحماسِهم للقراءة، واستعدادِهم لمشاركة الترشيحات والمصادر. أتأمَّل القائمةَ اللانهائية من أمناء المكتبات والمعلِّمين والأصدقاء الذين يؤثِّرون في خياراتي للكتب، أحدِّد اثنين من القرَّاء المركزيين الذين يقدِّمون نقاطَ انطلاقٍ للمعلمين، الذين يرغبون في أن يظلوا مطَّلِعين على أحدث إصدارات الكتب، والمصادر المطبوعة والمتوافرة على الإنترنت، والمحادثات المستمرة حول أدب الطفل والقراءة.

جون شوماكر (أو السيد شو)

مدونة: ووتش. كونكت. ريد http://mrschureads.blogspot.com/@mrschureads

جون شوماكر هو مدير مكتبة مدرسة بروك فوريست للتعليم الابتدائي في أوك بروك، بولاية إلينوي، وهو أحد أعضاء لجنة الاختيار لجائزة نيوبيري لعام ٢٠١٤، بالإضافة على كونه أحد المُدرَجين على قائمة الأشخاص المؤثِّرين في مجال المكتبات في دورية لايبراري جورنال لعام ٢٠١١. في عام ٢٠١١، وضع جون هدفًا طموحًا يرمي إلى قراءة ٢٠١١ كتابًا، وقرأ ٢٠٩٠. يقدِّم جون مقاطعَ فيديو إعلانية للكتب، ولقاءاتٍ مع المؤلِّفين، ومعلوماتٍ ممَّا وراء الكواليس، وروابطَ مواقع، وأفكارًا لربط الطلاب بالقراءة، وترشيحاتٍ وقوائم كتب متمعنة؛ كلُّ ذلك عبر منشورات مدونته الغزيرة، وتغريداته واستعراضاته النقدية على جودريدز، والصور التي ينشرها على موقع بينتريست. فإذا رشَّحَ جون كتابًا، أشتريه، وإذا كان الكتاب بحوزتي بالفعل، يكون كتابي التالي.

الدكتورة تيري لاسِسْني (أو الأستاذة نانا)

المدوَّنة: ذا جودِس أوف واي إيه ليتريتشر: بيرلز فروم ذا جودِس http://professornana.livejournal.com/@professornana

تيري لاسِسْني أستاذة في قسم علم المكتبات بجامعة سام هيوستن الحكومية في هانتسفيل، بتكساس؛ حيث تعطي محاضراتٍ في أدب الأطفال والناشئين. وقد شاركَتْ تيري في عديدٍ من لجان جوائز الكتب، التي تتضمَّن لجنة جائزة برينتز، وجوائز أوديسي أوديوبوك، ولجنة جائزة أميليا إليزابيث والدن، التي تمنحها جمعية أدب المراهقين. ولكونها نصيرةً للقراء المراهقين وأدب الناشئين، فإنها تكتب كثيرًا عن حقوق المراهقين في تجارب قراءة جذَّابة ومناسبة. ومن خلال صفحاتِ كُتُبها، ومنشوراتِ مُدوَّنتها المتكررة، وعروضِها التقديمية في التطوُّر المهني، والعروضِ النقدية للكتب وقوائم الكتب والتغريدات؛ توسِّع تيري نطاقَ تفكيري حول القرَّاء الصغار، وتحثُّني على استطلاع الكتب والأنماط التي قد لا أكتشفها من دون تأييدها، بما في ذلك الكتب الصوتية، والروايات المصوَّرة، وعناوين كتب للمراهقين المثليِّين، ومزدوجي الميول الجنسية، والمتحولين جنسيًّا.

•••

إذا كان عليَّ أن أبدأ من جديدٍ في إعادة تشكيل قائمة أصدقائي على تويتر، وحسابي على جودريدز، وإشعارات آخِر الأخبار على المدوَّنة، فإن تيري وجون سيُعِيدانني إلى مئات من زملاء القراءة في أقل من شهر، فعَبْر إلمامهما العميق بالكتب واتجاهات النشر، وكرمهما فيما يتعلَّق بالموارد والوقت، فإنهما يغذِّيان مجتمعَ قراءةٍ نابضًا بالحياة على الإنترنت، ويؤثِّران في كثير من الأطفال من خلال معلِّميهم وأمناء مكتباتهم وآبائهم. لستَ بحاجةٍ إلى قائمةِ اتصالٍ مليئة بالأسماء لتجد مجتمعًا للقراءة، بل كلُّ ما تحتاجه هو شخصٌ واحد فحسب يشارِككَ حبَّكَ للكتب.

(٦-٢) تأثيرات القراء

ونظرًا لأنني أنا وسوزي ندرك أهمية علاقات الطلاب بالقراء الآخرين من أجل استدامة حيوات القراءة خاصتهم ودعمها، طلَبْنا من طلابنا التفكيرَ في القراء الذين يؤثرون فيهم ويمنحونهم الدعم. كذلك تساءلنا عن الكيفية التي كان يرى بها الطلابُ أنفسَهم بصفتهم قرَّاءً مؤثِّرين — وهو دور يتطلَّب مستوًى من الثقة والكفاءة الذاتية كقرَّاء. وهؤلاء الذين يشعرون أنهم على اتصالٍ بقرَّاء آخَرين تزداد احتمالاتُ بقائهم قرَّاءً متحمِّسين بعد ترْكِ مجتمعات القراءة في فصولنا المدرسية.

في الأحوال المثلى، يحدِّد الطلاب مجموعة متنوعة من أسماء أفراد العائلة والأصدقاء، ولا بأسَ من أن يُدرِج الطلابُ أسماءَ المعلمين وأمناء المكتبات أيضًا، لكنْ لا ينبغي أن نكون القرَّاءَ الوحيدين الذين يستطيع الأطفالُ اللجوءَ إليهم لمناقشة الكتب أو الحصول على ترشيحات.

إن الطلاب الذين يؤثِّرون في القراء الآخَرين، ويُقِيمون معهم علاقاتٍ قائمةً على القراءة؛ يشعرون بأنهم متمكِّنون وواسعو الاطِّلاع. وقد حدَّد الطلاب طرقًا متنوعةً للتواصل مع القراء الآخرين من خلال تقديم ترشيحات الكتب ومناقشتها وترويجها؛ وذلك من خلال أخذ الترشيحات وتقديمها، وإعارة الكتب واستعارتها ومناقشتها، وتقديم إعلانات الكتب، وكتابة العروض النقدية، ونشر التعليقات على مواقع الإنترنت.

ولكي ندعو الطلابَ إلى الأخذ في الاعتبار الدورَ المهم الذي يلعبه القراء الآخَرون في حياة القراءة التي يَحْيَوْنها، طلَبْنا منهم دراسةَ الكيفيةِ التي يؤثر بها القراءُ الآخَرون فيهم، والكيفيةِ التي يؤثِّرون هم بدورهم بها في القراء الآخَرين. سجَّلَ الطلاب هذه التأملات في نموذج تأثيرات القراء (انظر الشكل ٣-٩)، ويمكنك أن تجد نسخة فارغة في الملحق «ب». تمتدح كريستينا أباها لأنه شجَّعها على القراءة منذ سن مبكرة، قائلةً: «لقد كان أبي يقرأ لي وأنا طفلة صغيرة، وكان يصحبني كثيرًا إلى المكتبة.» والآن تشجِّع كريستينا والدَها على أن يقرأ «كتبًا روائية أكثر»، وترشِّح الكتبَ لابنة عمتها. أما ريد — وهو قارئ مركزي في فصل الحصة الثالثة لديَّ — فيخبرني بأنه يؤثر في «كل شخص أقابله.» وليس هذا بعيدًا عن الحقيقة.
fig22
شكل ٣-٩: يكشف تأمُّل ريد لتأثيراته في القرَّاء عن ثقته بنفسه وعن مجتمع القراء الكبير الذي ينتمي إليه.
fig23
(استكمال الشكل السابق.)

ردود الطلاب على نموذج تأثيرات القراء

«أقدِّم ترشيحات الكتب لأختي الصغيرة طوال الوقت، وقد رشَّحتُ لها كتاب «فتاة الحريق».» (أليسون، طالبة بالصف الخامس)

«أعارني مات نسختَه من رواية «البيتزا القاتلة»؛ لأن نسخة الفصل قد استعارها شخصٌ آخَر!» (نيكو، طالب بالصف السادس)

«تحدَّثتُ أنا وجريس عن رواية «سكين عدم النسيان»، وانضمَّ إلينا حديثًا آخَرون كثيرون قرءوها أيضًا.» (إيما، طالبة بالصف الثالث)

«أنا وآدم دائمًا ما نتحدَّث عن أفضل الكتب التي قرأناها.» (ريد، طالب بالصف السادس)

«أتحدَّث إلى أمي أحيانًا عن الكتب إذا كنتُ أرى أنها جيدةٌ بحقٍّ.» (براين، طالب بالصف السادس)

«أقيِّم الكتبَ وأنشر التعليقات أحيانًا على موقع جودريدز.» (كريستينا، طالبة بالصف السادس)

«لقد قدَّمتُ إعلانَ كتابٍ عن «هاري بوتر وجماعة العنقاء» للفصل.» (ونتر، طالبة بالصف الخامس)

يقر براين بأن: «صديقي جوزيف هو مَن دفعني إلى بدء القراءة، ومع كل مرة يضيف فيها كتابًا إلى موقع جودريدز أقرؤه وأتحدَّث معه عنه.» أما ماريانا، فتعتبر أصدقاءَها في القراءة أفضلَ مصدرٍ لترشيحات الكتب، تقول: «إن لأصدقائي — في جميع الأحوال تقريبًا — ذوقًا رفيعًا في الكتب، فإذا أحبوا كتابًا فإنني دائمًا، على الأغلب، أحبُّه أيضًا، أو أسعدُ بقراءته على الأقل.»

تكشف ردودُ طلابنا عن القوة التي تتمتَّع بها مجتمعاتُ القراءة وتستغلها في زيادة حماسها وانخراطها بالقراءة، ونظرًا لوجود الطلاب وسطَ أقرانٍ يستمتعون بالقراءة وبالكتب، فإنهم يقبلون القراءةَ بوصفها نشاطًا اجتماعيًّا متوقعًا. إن القراءة تتخلَّل نسيجَ ثقافتنا. خلال محادثتنا التأمُّلية، أكَّدَ الطلاب على أهمية علاقاتهم بالقراء الآخرين؛ يقول رايلي: «أعرف أنني لا أقرأ الكتابَ وحدي، وأن لديَّ أشخاصًا أتحدَّث إليهم.» بينما ذكرَتْ مريانا: «[إن التحدُّث مع قراء آخَرين] أمرٌ مهم بالنسبة إليَّ، علاوة على أنني أحبُّ الحديثَ عن الكتب!» ويتساءل مات قائلًا: «ما الفائدة من القراءة إذا لم يكن باستطاعتك أنْ تتشارك ما تقرأ مع آخَرين؟»

(٧) تتبُّع حياة القراءة

على خلاف عادات القراءة الجامحة الأخرى التي نستكشفها عبر صفحات هذا الكتاب، فإن أدوات دفتر القراءة التي نستخدمها لا ترتبط ارتباطًا مباشِرًا بمشاركة طلابنا في مجتمعات القراءة، بل يُثرِي الدفترُ عمومًا محادثات الطلاب حول الكتب والقراءة؛ إذ أرى أنا وسوزي الطلابَ يرجعون إلى دفاترهم كثيرًا عند مناقشة الكتب وتجارِبهم في القراءة مع زملائهم في الفصل، فقوائمُ القراءة تمدُّ الطلابَ بنسق عام لمشاركة تجاربهم في القراءة ومقارنتها. كذلك يتبادل الطلابُ قوائمَ القراءة خلال مناقشات الفصل وأنشطته، ويتداولون ترشيحات الكتب، ويتحدَّثون عن الكتب التي قرءوها أو خطَّطوا لقراءتها. وقبولُ الترشيحات من أقران القراءة يوسِّع آفاقَ معرفة الطلاب عن الكتب، ويبني العلاقات بينهم وبين الطلاب الذين يقرءون العناوين نفسها.

بتأمُّل حياة القراءة الجامحة لدى طلابنا، ندرك أن قليلًا منهم سيحتفظون بسجلات مفصلة لكل كتاب يقرءونه بعد مغادرة الفصل. هذه الأدواتُ تدعم وتساعد طلابنا؛ إذ تمدُّهم بالمعلومات التي تدعم تأمُّلاتِهم وتخطيطَهم، لكن نماذج دفتر القارئ الخاصة بنا ليست سوى أدوات مدرسية مؤقتة. إن تحويلَ الطلاب من قرَّاء خاضعين لما يُقرَأ لهم في الفصل إلى قراء مستقلين نَهِمين؛ يقتضي خوْضَ محادثاتٍ حول أسباب قيام بعض القراء بتوثيق حياة القراءة الخاصة بهم، والكيفية التي يفعلون ذلك بها. على مدار السنة الدراسية، أعرِّف طلابي على نفس الموارد المتاحة على الإنترنت التي أستعين بها لمتابعة حياة القراءة خاصتي، مثل جودريدز. مجتمعاتُ القراءة عبر الإنترنت هذه تمدُّ الطلابَ بطرق ميسورة للبقاء على اتصالٍ، سواء بقوا في المدرسة نفسها أو فصل اللغة الإنجليزية نفسه في العام التالي أم لا.

•••

آمل أن يستمر طلابي في دعم بعضهم بعضًا بشتى الطرق الممكنة؛ بصفتهم قراءً وأفرادَ مجتمعٍ يرعى أفرادُه بعضهم بعضًا. تبدو القراءة نشاطًا فرديًّا، لكنها ليست كذلك؛ فكلُّ كتاب يبدأ وينتهي بمشاركة أناس آخَرين؛ هم القراء الذين يقترحونه علينا ويشجِّعوننا على قراءته، والمؤلِّف الموهوب الذي صاغ كلَّ كلمة من الكتاب، والشخصيات الساحرة التي نلتقيها عبر صفحات الكتاب، والقرَّاء الذين نناقش الكتابَ ونشاركه معهم عند الانتهاء من قراءته. كتَبَ مؤلِّف أدب الطفل سي ألكسندر لندن (٢٠١١) يقول: «من حقائق الحياة أن الناس يستطيعون البقاء على قيد الحياة من دون كتب، لكنهم لن يتحمَّلوا العيش لوقتٍ طويلٍ بلا مجتمع ينتمون إليه، والمجتمع لا يقوم إلا على القصص.» يتضمَّن عامُنا الدراسيُّ قصصًا لا حصرَ لها داخل وخارج صفحات الكتب، فكلُّ كتاب نقرؤه ونتشاركه يربط بيننا. وهذا هو أفضل جزء في قصتنا؛ الجزء الذي يبقى طويلًا بعدما ينتهي الكتاب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤