خامسًا: القسمة الخماسية (الفارابي، ابن باجه)

(١) القسمة الثنائية

وقبل أن يَنتهي الفارابي إلى مفهوم «إحصاء العلوم»، هذا التصوُّر الجديد لمنظومة العلم، يَنتقل من القسمة الثنائية إلى القسمة الرباعية، حتى يَنتهي إلى القسمة الخماسية في «إحصاء العلوم»، بادئًا مِن تمثُّل الوافد حتى إبداع «الإحصاء»؛ حيث يتَّحد فيه الوافد والموروث اتحادًا عضويًّا.

(أ) العلم النظري والعلم العملي

وهي قسمة في الظاهر تبدأ من أرسطو واليونان، وفي الحقيقة تضع التقابل بين «عندهم»، في مقابل «عندنا»، دلالةً على التمايز بين الأنا والآخر، وهي قسمة تَنبع من تحليل التجربة الإنسانية «منذ أول الأمر»؛ أي القسمة العقلية في بداهات العقول «والذي يتشوَّق إليه الإنسان»، والعقل والتجربة عامان عند كل الشعوب.

يَنقسم العلم إلى علمٍ عملي يتشوَّق إليه الإنسان ليَنتفِع به في سلامة مطالب أربعة، وعلم آخر يتشوَّق إليه الإنسان لذاته زيادةً، وفضلًا على العلم النافع، وهو العلم النظري، والنفس بشَوقها تعرف أي العلوم تؤثر وأيها تتجنب، ويتضمَّن العلم العملي سلامة الأبدان والحواس والقوة النظرية والقوة العملية، فالنظر والعمل جزءان من العلم العملي، أما العلم النظري فهو ما يُطلب لذاته مثل الفنِّ؛ أي التماثيل والمناظر الأنيقة والمسمُوعات والروائح الطيبة والملموسات اللذيذة، ونفس القِسمة واردة أيضًا للعقل إلى عقلٍ نظَريٍّ وعقل عملي.١ وواضح أنَّ الفارابي يبدأ بالعلم النافع، ويَعتبر العلم النظري زيادةً وفضلًا، العلم العملي هو الأصل، والنظري هو الفرع، النظر جزء من العمل وليس العمل جزءًا من النظر، والنفس بطبيعتها تعرف أي العلوم تؤثر، وبها نزوعٌ نحو العمل، وهي نفس القسمة الموجودة في «التنبيه على سبيل السعادة»، قسمة العلم إلى نظري وعملي، وقسمة النظري ثلاثة، طبيعي وتعاليمي وإلهي، والعملي اثنان، إلى أخلاقٍ وسياسة.٢ فتتخلَّق القسمة الثلاثية من القسمة الثنائية.٣
ويقسم الفارابي المنطق إلى قياسي وغير قياسي، ثم ينقسم القياسي إلى خمسة أقسام: فلسفة، وجدل، وسفسطة، وخطابة، وشعر. ويَنقسم غير القياسي، وهي الصنائع إلى خمسة أقسام أيضًا: الفلاحة، والملاحة، والبناء، والتجارة، والطب وسائر الصنائع.٤

ثم يُوحِّد الفارابي بين الفلسفة والمنطق، ويقسم المنطق قسمة رباعية إلى مقولات، وعبارة، وقياس، وبرهان، ثم يُقسم الفلسفة أيضًا قسمةً رباعية، تعاليم، وطبيعية، وإلهي، ومدني، ثم يقسم التعاليم قسمةً رباعية: عدد، وهندسة، ونجوم، وموسيقى، ثم يعقد خاتمةً في الكليات الخمس، وصف المحمول بما يُشابه في الجوهر (جنس نوع)، أو في الحال (العرض)، أو ما يُباينه في الجوهر (الفصل) أو في الحال (الخاصة).

والمنطق هو أول الموضوعات بالتمرينات لتمثيل الوافد؛ أي للتقطيع والمضغ والبلع والهضم والتمثُّل والإخراج، ومقياس التقسيم هو القياس، ما قبل القياس مُقدمات له، المقولات، والعبارة، وما بعد القياس نتاج له، البرهان في صورته الكاملة وفي صورته الناقصة، والجدل والسفسطة، والخطابة، والشعر.

ويُسمي الفارابي المقولات المعقولات، وهو خروج من النقل إلى التحول قبل الإبداع، ويَحتار العرض بين النازل من الأبسط إلى معقولاتٍ، ثم عبارة ثم قياس ثم برهان أو الصاعد، وهو الأفضل من حيث التأسيس إلى المقولات ثم العبارة ثم القياس ثم البرهان.

وواضح أن الفلسفة باعتبارها منطقًا تستبعد الجدل، والسفسطة، والخطابة والشعر، والفلسفة باعتبارها عِلمًا تقدم التعاليم بدور المنطق ثم الطبيعة، ويُضاف المدني مثل إخوان الصفا، وفي قسمة التعاليم إلى حسابٍ وهندسة وفلك وموسيقى يُسمِّي الفارابي الحساب العدد، والفلك النجوم، وفي الكليات الخمس ما يُشبه المحمول في الجوهر اثنان، الجنس والنوع، في حين أن ما يشبه في الحال واحد هو العرض، وما يُخالف في الجوهر وهو الفصل واحد، وما يُخالف في الحال واحد هو الخاصة.

(ب) العلم الكلي والعلم الجزئي

ويَبدأ الفارابي كل كتاب أو مقال بإحصاء العلوم من أجل وضع الجزء في الكل، والبحث عن منظومة علمية تجمع بين الموروث والوافد، فيَنقسم العلوم إلى كليٍ وجزئي، يتعلَّق العلم الجزئي ببعض الموجودات أو بنصِّ الموهومات بالأعراض الخاصة، مثل علم الطبيعة الذي يَنظر في الموجودات، وهي الأجسام من جهة التحرُّك والتغير والسكون، وعلم الهندسة الذي ينظر في المقادير من جهة الكيفيات والإضافات، وعلم الحساب من جهة العدد، وعلم الطب من جهة الأبدان، صحتها ومرضها، وليس لها أن تنظر على العموم في جميع الموجودات، وقسمة العلم إلى كلِّي وجزئي هي نفسها قسمة العلم إلى علمٍ طبيعي وعلم إلهي، أو علم ما بعد الطبيعة، وهي نفس الثنائيات السابقة في قسمة العلم إلى نظري وعملي، ضروري واختياري، طبيعي وإنساني، وهي نفس قسمة الكندي إلى علمٍ إلهي وعلم إنساني، ويَستعمل الفارابي اصطلاح ما بعد الطبيعة، ويُحوِّله من قسمةٍ عرضية. وضع أندرونيقوس كتاب الحروف بعد كتاب الطبيعة إلى تسمية جوهرية، تشير إلى العلم الإلهي، ويجد له مكانًا في تصنيف العلوم. يظهر التضمُّن الكاذب في إطلاق كل ما يَتعلَّق بما بعد الطبيعة العلم الإلهي، والتشكُّل الكاذب في إطلاق كل ما يتعلَّق بما بعد الطبيعة؛ العلم الإلهي، والتشكل الكاذب في تسمية العلم الإلهي علمَ ما بعد الطبيعة.

والعلم الكُلي ينظر في الشيء العام لجميع الموجودات مثل الوجود والعدم، والوحدة والكثرة، والتقدُّم والتأخر، والقوة والفعل، والتام والناقص، والعلة والمعلول، والهوية والتشابه، والتساوي والموافَقة، والموازاة والمناسبة، وتنظير فيما يقوم مقام الأنواع كالمعقولات العشر، وأنواع الواحد بالشخص وبالنوع وبالجنس وبالمناسبة، ثم يتشعَّب كل ذلك ويَنتهي إلى العموم الجزئية، ويُمكن أن يُسمى هذا العلم باسم الله، والعلم الكلي علم واحد؛ لذلك كانت الوحدانية من صفات الله، والله مبدأ الوجود المطلق، موضوع العلم الكلي، هو العلم الإلهي لا الطبيعي، فهذا العلم أعلى من الطبيعي، ويُسمى ما بعد الطبيعة. ويستدلُّ الفارابي على صفات العلم الكلي أنه واحد؛ لأنه لو كان علمان كليان خاصان لكان واحد كليًّا والآخر جزئيًّا، ولا يُمكن أن يكونا جزئين، فهذا خلف.

وعلم التعاليم علم يَتناول موجودات وهمية، لا موجودات جزئية كالعلم الجزئي، وكلية كعلم ما بعد الطبيعة، موضوعاته ليس لها وجود البتة في الطبيعيات، لا وهمي ولا حقيقي، ومنها ما يوجد في الطبيعيات، وإن كان يتوهم مجردًا عنها، العلوم الرياضية مثل الهندسة والحساب من العلوم الجزئية؛ لأنَّها خاصة بموضوعاتٍ جزئية، المقادير أو الأعداد، والعلم التعاليمي أعلى من العلم الطبيعي؛ لأنَّ موضوعاته مُتجرِّدة عن المواد، ولكنه أقل من علم ما بعد الطبيعة؛ لأن تجرده عن المواد وهمي لا وجود له، وهو ما قاله ابن سينا بعد ذلك في أنواع الموجودات الثلاثة، بعد الكثرة وهي الموجودات الطبيعية، ومع الكثرة وهي الأعداد والرياضة، وقبل الكثرة وهو ما بعد الطبيعة.٥

(٢) القسمة الرباعية

وفي كتاب «الحروف»، يَقترح الفارابي قسمة رباعية للعلم: المنطق، والطبيعيات، والعلم المدني والرياضي، وعلم ما بعد الطبيعة. والعجيب وضع الرياضي مع المدني، وليس مع المنطقي وهو أقرب. وكأنَّ العلم المدني، وهو علمٌ أصيل عند الفارابي، يُزاحم الصوري، وهي نفس قسمة إخوان الصفا مع اختلاف في التسمية والترتيب، فقد سمَّى إخوان الصفا المنطق الرياضي، ويشمل الرياضة والمنطق، وسمَّوا الإلهيات الناموسية والشرعية، أي إخراج العلم المدني من الإلهيات، وليس بديلًا عن الرياضيات، وضع الفارابي العلم المدني مع علم التعاليم، مع أن التعاليم قبل المنطق زمانيًّا في تطور الإنسانية، وضع العلم المدني بين علم الطبيعة وعلم ما بعد الطبيعة، ولكنه إلى علم الطبيعة أقرب؛ نظرًا لأنه علم جزئي مرتبط بالموجودات، وكلها وهمية وليسَت فعلية، كما هو الحال في علم الطبيعة.

وأحيانًا تقوم القسمة على المقولات ما هو داخل المقولات وما هو خارج المقولات، وهي القِسمة الشهيرة بين عالم الأذهان وعالم الأعيان، بين الذهن الواقع أو العقل والوجود بلغة المُعاصرين، ثم تتشعَّب قسمة داخل المقولات بمقياس الإرادة، فمنها ما هو إرادي وهو العلم المدني، ولا إرادي وهو العلم الطبيعي، العلم له قطبان، الإنسان والطبيعة، فالعلم الطبيعي دراسة لمقولات الذهن اللاإرادية، أي تصورات الطبيعة ومفاهيمها، وأما علم التعاليم فينظر في الموجودات، من حيث هي كم وفي ماهيات الأنواع من حيث هي كم بعد تجريدها في الذهن، سواء كانت عن إرادة أو عن غير إرادة، علم التعاليم لا شأن له بإرادة الإنسان حضورًا أو غيابًا، أما الأشياء خارج المقولات فهي صناعة أخرى، علم ما بعد الطبيعة، تبحث في أسباب المقولات بما في ذلك التعاليم والعلم المرئي، وما يَشتمل عليه من الصنائع العملية، وكل ذلك داخل إطار العلوم النظرية؛ ومن ثَمَّ يكون السؤال: لماذا يكون علم ما بعد الطبيعة خارج المقولات، وهو يستعمل مقولات القوة والفعل، والصورة والمادة، والعلة والمعلول، والتقدم والتأخر، والجوهر والعرض، والكم والكيف، والزمان والمكان، والواحد والكثير … إلخ؟ وهل هو من العلوم النظرية أم إنه يتوجَّب نحو العمل بعد تأسيس النظر، ومن ثَمَّ يكون أقرب إلى العلم المدني، كما هو الحال عند إخوان الصفا، وكما سيتَّضح ذلك في «إحصاء العلوم».٦
والمعقولات لفظٌ إبداعي يُشير إلى المقولات الشهيرة في المنطق، وهي أول قسم به، بمَثابة الألفاظ التي منها تتركَّب العبارات، سواء في المنطق أو في العلم الطبيعي، أو في العلم المدني والتعاليم، أو في علم ما بعد الطبيعة، وهي موضوع لصناعة الجدل والسوفسطائية، والخطابة، والشعر، والصنائع العملية.٧ يبدأ التصنيف هنا من الألفاظ أو المقولات، أي مصطلحات العلم ولغته إذا كان المقصود المقولات بمعنى الألفاظ، أما إذا كان المقصود المقولات بمعنى المعقولات، فإنها تَشمل الموضوعات الأولى للعلوم، المنطق الوحيد هو الصناعة، وما سواه علوم؛ لأنه أقرب إلى الفن أو الآلة، منطق العلم أو علم العلم.

وتتكرَّر أفكار الفارابي وقسمته في عدة رسائل، سواء في «فلسفة أرسطوطاليس» أو «في تحقيق غرض أرسطو في كتاب ما بعد الطبيعة»، والسؤال التاريخي هو: هل كتب أرسطو في علم التعاليم أم إنها إضافة من المسلمين لهذا العلم، داخل نسق أرسطو من أفلاطون وفيثاغورس وأرشميدس وإقليدس، وإذا كان قد ضاع فمن أين أتى بها المسلمون؟

(٣) القسمة الخماسية

ويُمثِّل الفارابي قفزةً كبيرة في قسمة الحكمة، سواء من حيث المفهوم «إحصاء العلوم» أو من حيث المضمون، القسمة الخماسية حيث يَظهر التنظير العقلي، الذي يضم الوافد والموروث في وحدةٍ عضوية: علم اللسان، علم المنطق، علم التعاليم، العلم الطبيعي والإلهي، العلم المدني وعلم الفقه وعلم الكلام.٨ ومفهوم الإحصاء مفهوم جديد من إبداع الفارابي.٩ وهو الذي تحوَّل بعد ذلك إلى مفاهيم القسمة والتصنيف عند المتأخِّرين، وهو من أكبر رسائل الفارابي، وهو حدس رئيسي لديه، ويتكرَّر في عديدٍ من مؤلفاته، قبل أن يُخصص له مؤلفًا خاصًّا بهذا العنوان، الهدف منه استيعاب المعارف والعلوم كلها في نسقٍ كليٍ واحد، وضم الأجزاء إلى الكل، لا فرق بين وافد وموروث، وهو ما سماه ابن سينا بعد ذلك «أقسام العلوم العقلية»، وما سماه الخوارزمي «مفاتيح العلوم»، وقد استمر التقليد بعد ذلك حتى انفصل عن الحكماء، وأصبح علمًا مستقلًّا له مُصنفاته ومؤلفوه.١٠ ووجه الانتفاع به هو معرفة العلوم، والتمايز بينها، ووجه فائدتها، ومقارنة العلوم فيما بينها في الشرف واليقين والأحكام والمنفعة، وكشف ادعاء المدعين فيها، ومعرفة العالمين بها، بكلها أو أجزائها، ومنفعة المتعلم للعلم كي يَصير عالمًا، فالأمر ليس مجرَّد عدٍّ أو إحصاء، بل جزء من المعرفة العلمية.١١ ولفظ «علم» هنا لا يدلُّ فقط على العلم الطبيعي، بل أيُّ منظومة فكرية تتعرَّض لموضوعٍ ما، لا فرق بين العلم الطبيعي والعلم الإنساني.١٢

ويحصي الفارابي العلوم في هذه القسمة الخماسية بنيويًّا، بادئًا بعلم اللسان، فاللغة بداية الحكمة ثم علم المنطق، وقوانين الفكر تأتي بعد قوانين النحو، ثم علم التعاليم فالرياضيات تأتي بعد المنطق، ثم الطبيعيات والإلهيات في علمٍ واحد، الطبيعيات إلهيات مقلوبة إلى أسفل، والإلهيات طبيعيات مقلوبة إلى أعلى، وأخيرًا ضم العلم المدني مع علم الفقه، فالفقه هو علم المجتمع، ومع علم الكلام، فالكلام هو أيديولوجية المجتمع، ثقافته ونُظُمه السياسية، الكلام هنا جزء من إحصاء العلوم، ولا يُمكن تجاوزه كما حول ابن رشد لإفساح المجال للفلسفة، ولا يَنفصل إحصاء العلوم عن الرؤية الدينية؛ إذ يُحال إلى الله صراحةً في نهاية الكتاب، ويُمكن رد القسمة الخماسية إلى قسمةٍ ثنائية، النظري والعملي، الرأي والفعل، النظري اللسان والمنطق والتعاليم والطبيعي الإلهي، والعملي والمدني، والفقه والكلام، أربعة علوم نظرية وعلم واحد عملي يُساويها جميعًا، علم الكلام علم عملي في التأثير على سلوك الناس، خاصةً وأن أحد مسائله الإيمان والعمل، والإمامة وبها مصالح الناس، بل ويمكن القول أيضًا أن العلم الطبيعي يهدف إلى اكتشاف قوانين الطبيعة للسيطرة عليها. والعلم الإلهي باعث للجماعات وحركة التاريخ؛ ومن ثَمَّ فهما علمان عمليان، وقد تم وضع الرياضيات مع الطبيعيات، فالمناظر علم طبيعي رياضي وليس علمًا تجريبيًّا، ثم ينقسم كل علم مرةً قسمة ثمانية، مثل العلم الطبيعي أو سباعية مثل العلم الرياضي أو ثلاثية مثل العلم الإلهي.

وأكبر العلوم كما المنطق، ثم التعاليم، ثم العلم المدني وعلم الفقه وعلم الكلام، ثم العلم الطبيعي والعلم الإلهي، وأخيرًا علم اللسان.١٣ أكبرها المنطق، وأصغرها اللسان، بالرغم من وجود اللسان في البداية من حيث الأهمية، واضح أنَّ الفارابي منطقي، وعلم التعاليم ضعف علم اللسان، مع أن الفارابي لغوي أكثر منه رياضيًّا، ومع ذلك يُبين التحليل الكمي للعلوم أهمية المنطق والرياضة، باعتبارها أكبر الفصول الخمسة، يكونان أكثر من نصف العلم، كما أنَّ العلم المدني وعلم الفقه وعلم الكلام أهم من العلم الرياضي والعلم الإلهي، الإنسان والمجتمع أهم من العالم والله، مما يُبيِّن النزعة الإنسانية عند الفارابي، وأنه بحقِّ مؤسِّس العلوم الإنسانية.

(أ) علم اللسان

وهو عِلمان: علم حفظ الألفاظ الدالة، وعلم قوانين تلك الألفاظ، واللفظ إما مفرد أو مركب، عين أم جنس، اسم أو فعل أو أداة، ويتكوَّن علم اللسان من سبعة علوم: الألفاظ المُفرَدة، الألفاظ المركبة، قوانين الألفاظ المفردة، قوانين الألفاظ المركَّبة، تصحيح الكتابة، تصحيح القراءة، قوانين الأشعار، فالعلم هو العلم بالقانون، والقانون إدراج الجزئيات في الكليات، ورد الكثرة إلى الوحدة، مما يُبين أهمية علم التوحيد في اللسان، علم اللسان هو علم اللغة العام فوق علم النحو الخاص بكل أمة، لا يتعرَّض لعلاقة اللفظ بالمعنى أو اللغة بالفِكر، بل تدخُل القراءة والكتابة في علم اللسان، دون أن يكون لهما عِلمان مُستقلان، علم الأصوات وعلم الخط، وتدخُل قوانين الأشعار في علم اللسان، وليس مع باقي أجزاء المنطق؛ فالشِّعر لغة قبل أن يكون تخييلًا، وهي تقسيمات بسيطة وقليلة تخلو من العمق، وقد تتشعَّب دون غاية وكأنها غاية في ذاتها، التوضيح أمام الناس من أجل إيجاد منظومة عقلية متَّسقة.١٤

(ب) علم المنطق

والمنطق علم معياري يعصم الذهن من الخطأ، نسبته إلى الفكر مثل نسبة النحو إلى اللسان، والعروض إلى الشعر، الأول للمعقولات، والثاني للألفاظ، والثالث للأبيات، والكل يُعطي القوانين، غرضه تصحيح الرأي، فإن من يدعي الكمال يمكن امتحانه بالمنطق، وبدونه إما إحسان الظن بالجميع، أو اتهام الجميع، أو التمييز بينهم بلا دليل، فمن أحسن الظن به قُبل وقد يكون مُموهًا، ومن ظُن مُشنعًا ورُفض قد يكون سليم الرأي، وليس في الدُّربة بالأقاويل والمخاطبات الجدلية أو التعليمية غنًى عن المنطق، وإلا كان التدريب على حفظ الأشعار والخطب يُحيل صاحبه شاعرًا أو خطيبًا، كما لا يُغني كمال القريحة عن النطق؛ لأنَّ القريحة في حاجةٍ إلى ميزان، يُعطي علم المنطق قوانين النطق في الخارج، أي الألفاظ والعبارات التي تعبر بالصوت عما في الضمير، وقوانين النطق في الداخل؛ أي الفكر وقواعد الاستدلال المركوز في النفس، كما يقوم المنطق الثالث وهو الفطرة.١٥ وإذا كان علم النحو يُعطي قوانين لغة أمةٍ ما، فإنَّ علم المنطق يُعطي قوانين تعمُّ ألفاظ الأمم كلها.١٦
وموضوعات المنطق هي المعقولات، من حيث تدلُّ عليها الألفاظ، والألفاظ من حيث هي دالة على المعقولات، ومن ثَمَّ يتحوَّل المنطق الصوري على يد الفارابي إلى منطقٍ لغوي، وأجزاؤه ثمانية، يُقسمها الفارابي ثلاثة في مقابل خمسة، وليس أربعة في مقابل أربعة؛ لأنَّ المقولات والعبارة يؤديان إلى القياس في ترتيبٍ تصاعُدي، أما البرهان فهو قمة المنطق وذروته، فإن غاب يظهر الجدل والسفسطة والخطابة والشعر في ترتيبٍ تنازلي، وهي الأقيسة الجدلية والسوفسطائية والخطابية والشِّعرية، ويبدأ الفارابي بالخماسي أي التطبيق، ثم بعد ذلك بالثلاثي كعنصر مُشترك بين الأقاويل، البرهان أشرفها مقدمًا بالرياسة، وهو قصد المنطق مع إعطاء كل صناعة قوانينها، والخماسي قياسات يقينية وهو البرهان، وظنية وهو الجدل، ومغلطة ومقنعة ومخيلة، ويقوم الخيال مقام الروية في الأقاويل الشعرية، ويمكن أن يكون ترتيب الثلاثي تنازليًّا، القياس عمدة المنطق، ويحتاج إلى العبارة، والعبارة إلى المقولات، ثم يصعد إلى البرهان في منطق اليقين، ثم يبدأ التنازل من جديدٍ في منطق الظن.١٧

وأسلوب الفارابي واضحٌ وبسيط ودقيق، يستعمل التشبيهات ويضرب الأمثلة، فمن لا يستطيع المنطق يكون كحاطبٍ بليل، وربما يُقال إنَّ الفارابي يقلل من أهمية الفطرة والعادة، ومِن أهميته المنطق الطبيعي والاكتساب، إنما كان ذلك دفاعًا عن المنطق ضدَّ المنكرين له؛ إذ يَنقد الفارابي العصر الذي لا يعطي المنطق أهمية، ويُبين مضرَّة الجهل به، وهو البقاء في الظنون دون الانتقال إلى اليقين.

(ﺟ) علم التعاليم

ويَنقسم إلى سبعة أقسام: العدد أي الحساب، والهندسة، والمناظر، والنجوم أي الفلك، والموسيقى، والأثقال، والحِيَل، ويفصل الفارابي علم النجوم التعليمي؛ لأنه مرتبط بالعمرة أي الأرض، كما هو معروف حاليًّا في علم الجغرافيا البشرية، أما علم النجوم التعليمي فهو الذي يفرض الإشكال وحركات الأجسام والأرض المعمورة وغير المعمورة، ويُبين كم المعمورة وكم أقسامها العظمى، وهي الأقاليم، ويُحصي المساكن منها في كل وقت، وموضع كل مسكن، وترتيبه من العالم، وما يلزم ضرورةً أن يلحق كل واحدٍ من الأقاليم والمساكن عن دورة العالم، وما يَلزم ضرورةً أن يَلحق كل واحد من الأقاليم والمساكن عن دورة العالم المشتركة للكل، ودورة اليوم والليلة لوضع الأرض بالمكان الذي هو فيه مثل المطالع والمغارب وطول الأيام والليالي، فهو أقرب إلى علم الجغرافيا.

ولأول مرة يَدخل علم المناظر مع العلوم الرياضية، وهو وثيق الصلة بالهندسة، هو علم هندسي رياضي وليس علمًا تجريبيًّا طبيعيًّا، يقوم على التمييز بين ما يظهر للبصر خلال ما هو عليه بالحقيقة، وعلم الضوء جزء منه، وفيه الحديث عن الأشعة وأنواعها المستقيمة والمنعطفة والمنعكسة والمنكسرة وعلم المرايا، كما يَدخل علم الأثقال وعلم الحِيَل فيما يُسمى «الميكانيكا التطبيقية»، الحيل ليسَت عِلمًا مُستقلًّا فيما يبدو، ولكنها صناعة آلات للحساب والهندسة والموسيقى والفلك والمناظر والأثقال (الأوزان)، وفي علم النجوم يتم التمييز بين أحكام النجوم والنجوم التعليمي، الأول ربما ارتباط النجوم بآثارها في الأرض والبشر، والثاني الحساب الرياضي لعلم الفلك أي علم النجوم، وهو علم الأرض والمعمورة، فالأرض نجم، أحكام النجوم هي دلالة الكوكب على ما يحدث في المستقبل، وتحليل القوى ومِهَن الإنذار مثل الرؤيا والزجر والعرافة، وفي الموسيقى تتمُّ التفرقة بين الموسيقى الطبيعية بالفم والموسيقى الصناعية بالآلة، الموسيقى الصناعية محاولة لتكبير الموسيقى الطبيعية، وتَنقسم معظم العلوم إلى نظريةٍ وعملية مثل الحساب، والهندسة، والموسيقى مباشرة، والفلك على نحوٍ غير مباشر، أي الأصول النظرية ثم التطبيقات العملية.١٨

(د) العلم الطبيعي والعلم الإلهي

ولأول مرة يجمع العلم الطبيعي والعلم الإلهي في علمٍ واحد، مما يؤكد أن الطبيعيات إلهيات مقلوبة إلى أسفل، والإلهيات طبيعيات مقلوبة إلى أعلى.١٩ إذ لا يُمكن دراسة الطبيعة دون أن تقود إلى الله، أو دراسة الله دون أن تقود إلى الطبيعة؛ فالله والعالم موضوعان إضافيان كالأب والابن، والحاكم والمحكوم، والعلَّة والمعلول، والخالق والمخلوق، كل واحد يحيل بالضرورة إلى الآخر، وهو ما تمَّ التحقق منه في علم أصول الدين، في الأدلة على وجود الله، وهو معروف أيضًا في وحدة الوجود عند الصوفية، وفي التنزيل والتأويل عند الأصوليِّين.
ومع ذلك يُمكن الحديث عن العلم الطبيعي بالحديث عن الأجسام، فهي إما طبيعية أو صناعية، ومبادئ الأجسام الطبيعية غير محسوسة، وإنما تُوجد بالقياس وبالبراهين اليقينية كما هو الحال في سمع الكيان، أما الأجسام الصناعية فتعرف بإرادة الإنسان، التقابل إذن بين الطبيعي والإنساني، بين اللاإرادي والإرادي كما هي عادة الفارابي في نظريته للعلاقة بين الطبيعة والإنسان، الضرورة في الطبيعة والحرية في الإنسان.٢٠
ويتمُّ الارتقاء روحيًّا من النقص إلى الكمال، ومن الطبيعة إلى ما بعد الطبيعة، كلَّما زاد الاغتراب الديني، يبدأ جدل الإيجاب والسلب في اللاهوت الأخلاقي والرُّوحي التطهُّري، إعطاء صفات الكمال لله، ونفي صفات النقص عنه، إثبات صفات الكمال لله ونفيها عن العالم، وإثبات صفات النقص للعالم ونفيها عن الله، ثم يبدأ النزول إلى العالم من جديدٍ عن طريق الفيض، والعودة إليه عن طريق الإشراق، فتُثبت لله صفات الوجود والوحدانية والحق، وكأننا في علم التوحيد، علم الكلام هو الموجود الكامل، ولا أكمل منه، ولا نظير ولا ضدَّ له، لا قبل لا بعد له، لا مُتقدم ولا متأخر، هو الموجود الأول الذي أقام الكل على وجوده، هو الحقيقة التي منها يستمدُّ كل شيء حقيقته، هو أحق باسم الواحد، والوجود والحق، هو الله تقدَّست أسماؤه وصفاته، تحدث الموجودات عنه وتستفيد منه وجودها ومراتبها، مرتبة عن أخرى، ونظامها دون خلل أو تنافر، ولا سوء نظام أو تأليف، لا نقص فيها ولا شر، فتبطل الظنون الفاسدة التي ظنت في أفعاله النقص، وفي موجودات التي خلقها بالبراهين والأدلة واليقينية، أفعاله كلها عدل، ولا شرَّ في الكون، ويتحول علم الكلام المشخص القديم إلى علم كلامٍ كوني، وباستعمال ألفاظ مُعربة يتم التحول من الثيولوجيا إلى الأنطولوجيا؛ لذلك يَنقسم العلم الإلهي إلى ثلاثة أقسام؛ الأول الموجودات والأشياء، التي تعرض لها بما هي موجودات، أي الطبيعة والعالم، فلا وصول إلى الله إلا من خلال العالم، كما هو الحال في علوم الكلام والتصوف والأصول، والثاني مبادئ البراهين في العلوم النظرية الجزئية مثل المنطق والهندسة والعدد والتعاليم والعلم الطبيعي، أي علوم الدنيا وبراهينها، والثالث الموجودات التي ليست بأجسامٍ ولا في أجسام، وجودها وكثرتها وتناهيها وتفاضلها في الكمال، ثم ارتقاؤها من الأنقص إلى الأكمل، حتى الوصول إلى الكمال المطلق.٢١

(ﻫ) العلم المدني، وعلم الفقه، وعلم الكلام

يضع الفارابي المجتمع مع الشريعة في علمٍ واحد، فلا مجتمع بلا شريعة، ولا شريعة بلا عقيدة، لا عقيدة بلا شريعة ولا شريعة بلا مجتمع، ولا مجتمع بلا عقيدة، وقد يكون هذا كله صدًى من الفكر الشيعي الإمامي، العقيدة في الأعلى، والشريعة في الوسط والمجتمع في الأدنى.٢٢ الدين والسياسة علوم الشرع، وعلوم الإنسان في نفس العلم، الأخلاق والسياسة وليس الاقتصاد والسياسة، وبعقلية التوحيد، وكما جمع الفارابي بين العلمين الطبيعي والإلهي، فإنه يجمع أيضًا بين العلم المدني والعلم الشرعي وعلم العقائد.

وهو العلم الإرادي وليس العلم الطبيعي، أو العلم الصوري (المنطق والتعاليم) أو العلم اللُّغوي، هو العلم الذي يَبحث في أصناف الأفعال والسلوك الإرادي والأخلاق، الذي يتأسَّس عليه، والغايات التي من أجلِها يتمُّ وجودها في الإنسان، وترتيبها وحفظها، هو أقرب إلى علم الأخلاق العملي، علم السلوك الإرادي، وهو علم معياري لا يصفُ فقط ما هو كائنٌ، بل يقنن ما ينبغي أن يكون أي عمل الواجب، فالسلوك الإنساني يتحدَّد بالغايات في سلمٍ للقيم.

وهذا العلم جزءان: الأخلاق والسياسة، موضوع الأخلاق السعادة، والتمييز بين الحقيقة منها والمَظنون، والأخلاق شاملة للإنسانية جمعاء، أفعال وسير كلية بين الأمم، والسياسة هي الوسيلة لإتمام الأخلاق والسعادة الحقيقية، فالسياسة وسيلة والأخلاق غاية.٢٣ ويَغيب الاقتصاد كليةً من هذا التقسيم.

يُبين علم الأخلاق الفَرق بين السعادة الحقيقية والسعادة المظنونة، السعادة الحقيقية لا تكون في هذه الحياة، بل في حياةٍ أخرى بعدها، والسعادة المظنونة مثل الثروة والكرامة واللذات، غايات الحياة الدنيا، ويُميِّز بين الأفعال والسنن، ويُبيِّن أن الطريق إلى نيل السعادة الحقيقية، هي الخيرات الجميلة والفضائل ونقيضها الشرور والقبائح والنقائض، وتوزع هذه الفضائل والخيرات في المدن والأمم على تَرتيبٍ معين، وتَستعمِل استعمالًا مُشتركًا بين الأخلاق والسياسة.

السعادة من المفاهيم المحورية عند الفارابي، كما يبدو ذلك من مؤلفاته «تحصيل السعادة»، «التنبيه على سبيل السعادة»؛ لذلك أصبحت ركيزة العلم المدني بشقيه الأخلاق والسياسة، الفرد والمجتمع، فالأخلاق جزء من الاجتماع، والاجتماع جزء من الأخلاق، ولكن يبقى سؤال: لماذا تكون الثروة والكرامة واللذة سعادة وهمية في مجتمع الفقر والقهر؟ ولماذا تكون السعادة الحقيقية بعد الموت في الآخرة؟ لماذا لا تُحقق السعادة في الدنيا والفضائل والخيرات في الدنيا، بلدًا من هذه الثنائية التطهرية الروحية بين شقاء الدنيا ونعيم الآخرة؟ هنا يبدأ الاغتراب والإشراق والتصوف مثل إخوان الصفا.

ويستعمل الفارابي منهج الاستنباط، تطبيقًا لنظرية الفيض في المنطق، يَستنبِط الاجتماع من الأخلاق، ثم يستنبط السياسة من الاجتماع، ثم يستنبط التاريخ من السياسة، وربما ترجع أهمية الاستنباط إلى أصوله في الاجتهاد، كمَصدرٍ للأحكام في علم الأصول، وموضوع السياسة يمر أولًا بالاجتماع، ترتيب المدن، والتمييز بينها، مهمَّتها تصنيفية إحصائية خالصة، التمييز بين المدن الفاضلة وغير الفاضلة، واعتبار الأفعال والسير في الأولى مظاهر الصحة، وفي الثانية أمراض، هناك إذن تشابُه بين السياسة والطب، السياسة علاج المدن، والطب علاج الأبدان، ومهمَّة العلم معرفة أسباب التحوُّل وكيفيته من المدن الفاضلة إلى المدن الجاهلة، ووسائل الوقاية للحفاظ عليها مثل الطب الوقائي قبل الطب العلاجي.

وقد أشار الفارابي إلى العلم المدني في بعض رسائله، بالإضافة إلى رسالته في «السياسة المدنية»، باعتباره العلم الذي يقوم على تحليل الفعل الإنساني الغائي، كجزء من غائية العالم، والغائية جزء من العلل الأربعة التي تتحكَّم في الأشياء، كما تتحكَّم العلَّة الغائية في العلم المدني، وهناك بعض التكرار للأفكار سواء في العلم الواحد أو في عدة أعمال.

ويكون السؤال هو: هل يقاس العلم المدني على غيره، البدني أو النفسي، أم إن العلم البدني أو النفسي هو الذي يُقاس على العلم المدني، أم إن كليهما جزء من غايةٍ أكبر هي غائية العلم؟ أحيانًا يبدو الفعل المدني هو الأساس طبقًا للنزعة الإنسانية عند الفارابي، وأحيانًا يبدو الفعل الطبيعي هو الأساس، وقد يكون العيب في هذه الثنائيات أن الفعل الإرادي والفعل الطبيعي، كلاهما تعبيران عن غاية العلم.٢٤

كانت لدى الفارابي جرأة على وضع المفاهيم والتصوُّرات، مثل أنواع المدن والتي قد يكون لألفاظها أصل في الموروث، فهل يرجع تعبير المدينة الجاهلة إلى لفظ الجاهلية أو العصر الجاهلي، ونقله من التاريخ إلى الفكر شعوريًّا أو لا شعوريًّا؟ وقد تتغيَّر مدلولات الألفاظ من عصرٍ لعصر، فاليسار عند الفارابي هو الآن اليمين الباحث من المال، في حين أن اليسار الآن هو الفاضل، والكرامة لفظٌ حسن، كرامة المواطنين والدول، وليس الغنى والثروة، ولماذا يكون اليسار في مجتمع الفقر خسَّة؟

ولا تأتي السعادة الحقيقية إلا بالرياسة؛ أي التحوُّل من الأخلاق إلى السياسة، السياسة هي الرئاسة، وهي التي تجعل الأفعال والسنن والشيم والملَكات والأخلاق في المدن والأمم، مُمكنة دون الشعب أو المؤسسات، كما هو الحال في الإمامة، صدى الفكر الشيعي عند الفارابي، والرئيس هو الذي يجتهد في حفظ الرياسة للناس حتى لا تزول، وهي لا تأتي إلا بمِهنة وملكة وهي الملكية، الرياسة هي الملكية وحدها، وليس أنَّ الملكية إحدى النظم السياسية.

وتتَّحد الرياسة بالغايات، إذا كانت الغاية الخسة كانت الرياسة خسيسة، وإذا كانت الغاية والكرامة كانت الرياسة كريمة، كما تتمدَّن المدن بالغايات، والغايات هي الأهداف القومية بلغة العصر، التي تكون ملامح مشروع قومي، فالعلَّة الغائية هي التي تُحدِّد المجتمع والسياسة، وليس العلَّة الفاعلة مثل أفعال الناس أو المادية مثل الاقتصاد، أو الصورية مثل أشكال النظم؛ لذلك تَنقسِم الرياسة إلى فاضةٍ وجاهلة كالمجتمع، عودًا بالرياسة إلى الاجتماع وبالاجتماع إلى الأخلاق؛ ومن ثَمَّ يقع الفارابي في الدور، يحول الأخلاق إلى سياسة، فالسعادة بالرياسة، ثم يُحول السياسة إلى أخلاقٍ في الرياسة الفاضلة، الرياسة الفاضلة تُمكِّن الأفعال والسنن والملكات الإرادية لنيل السعادة الحقيقية، والرياسة الجاهلة هي التي تُمكن في المدن الأفعال الشيم لنيل السعادة المظنونة.٢٥

وتَلتئِم المهنة الملكية الفاضلة بقوتين: القوة على القوانين الكلية، والقوة التي يستفيدها الإنسان، بطول مُزاولة الأعمال المدنية والأفعال الخلقية بالحنكة، وطول المشاهَدة كما هو الحال في الطب، تفحص الفلسفة المدنية القوانين الكلية للأفعال والسنن والملَكات الإرادية بحسب حال حال، ووقت وقت دون التقدير الكمي الذي هو للقوة التجريبية، والتحدِّي كله في جدل العام والخاص، القانون الكلي والحالات الفردية، كما هو الحال في جدل الأصل، والفرع في الاجتهاد في علم الأصول، لا تكفي الفكرة وحدها دون التجربة، في حين تستطيع الرياسات الجاهلة الاكتفاء بالتَّجربة؛ لأنها لا تحتاج إلى القوى النظرية.

والفارابي من أنصار التقليد، سواء في المدينة الفاضلة، أو في المدينة الجاهلة، بتبعية الملك المتقدِّم للملك المتأخِّر بلا انقطاع، وكأن الملك لا يتغيَّر، ربما صدى للنبوة والخلافة والإمامة، وهو ما يَستحيل عملًا وما يَنقضه التاريخ، كل ملك يخرج من الملك السابق، كما هو الحال في نظرية الفيض، الفارابي من أنصار الملكية الوراثية، مات الملك عاش الملك، وكيف لا تجدد البيعة، والإمامة عقد وبيعة اختيار؟ وهل يكفي تأديب أولاد الملوك دون رعاية لمصالح الناس؟

ومع ذلك لا تدوم المدينة الفاضلة، حتى كان ملوكها يتوالون في الأزمان، على نفس الشرائط بحيث يكون المتقدِّم مثل المتأخر، دون انقطاعٍ أو انفصال، فأولاد الملوك مثل الآباء والملوك، وتأديب الكل واحد، أما الرياسات الجاهلة فلا تُعطي ملوكًا، ولا تحتاج الفلسفة النظرية أو العلمية، تكفيها القوة التجريبية الحاصلة بمُزاوَلة جنس الأفعال، إلى تحقُّق الغرض متى كانت لها قوة العزيمة الجدَلية وجودة الاستنباط، بالإضافة إلى جودة الاقتدار.

والسؤال الآن: هل هذه مدن مطلقة من وضع الخيال، أم إنها مدن موجودة في التاريخ، ومتَّفقة مع الأوضاع الاجتماعية؟ يبدو أن الثنائيات الروحية أسقطت على المجتمع فخرجت ثنائيات المدن، وقد تكون تعبيرًا عن الأوضاع الاجتماعية السائدة، وفي كلتا الحالتين، بقدر ما يُبدع الفارابي في اللغة والمنطق، فإن حجرة العثرة أمامه هي السياسة وتبرير نظم الفرد المُطلق، فالسياسي هو الوحيد من الحكماء.٢٦
ومهمة الفقه استنباط ما لم تُصرِّح به الشريعة، طبقًا لأغراضها التي صرحت بها تحديدًا وتقديرًا، طبقًا لمقاصد الشريعة، فهو قياس كيفي وكمِّي، وكل ملة بها آراء وأفعال، أي نظر وعمل، عقيدة وشريعة، العقيدة حول الله، والصفات والعالم، والأفعال لتعظيم الله، عبادات ومعاملات؛ لذلك كانت العفة جزأين، آراء وأفعال، أصول دين وأصول فقه، ويعرض الفارابي علم الفقه، وكأنه علم أصول الدين، غايته تعظيم الله في العبادات والمعاملات، في النظر والعمل، الله هو الجامع للقيم ومبادئ السلوك العامة في كلتا الحالتين، ولا يفصل الفارابي في علم الفقه، كما فصل في العلم المدني وعلم الكلام.٢٧

وعلم الكلام علم دفاعي، ملكة يَقدر بها الإنسان على نصرة الملة، ضد تزيفها من كل من خالفها بالأقاويل، وهو مُشابه لتعريف الغزالي فيما بعد، وتنقسم جزأين؛ جزء في الآراء وجزء في الأفعال، وهو غير الفقه؛ لأن الفقه يأخذ الآراء والأفعال، التي صرح بها الشرع، ويجعلها أصولًا فيستنبط منها ما يحتاج، والمتكلِّم ينصر الأشياء التي يستعملها الفقيه، من غير أن يَستنبط منها أشياء أخرى، ويُمكن الجمع بين القدريتين فيكون فقيه متكلمًا، فقيه في الاستنباط، والمتكلم ينصر ما يستنبطه الفقيه، مع أن المتكلم يعمل في إطار العقيدة والفقيه في إطار الشريعة، وهناك تمايُز بين العلمين، ويبحث الفارابي عن الملة، وليس الدين أو الوحي أو السمع أو النقل، ما يدل على الجانب الاجتماعي في الفكر الديني عند الفارابي.

والفارابي ليس ناقدًا لعلم الكلام، مثل إخوان الصفا والتوحيدي وابن سينا وابن رشد، ولكنه مؤيدٌ له، بل ومؤيدٌ لعلم الكلام الأشعري ضد الاعتزال، وهو الحكيم الفيلسوف، إذ يُمكن للمتكلم نصرة الملَّة بخمس طرق:
  • (١)
    الملة من الله، لا شأن لها بالفعل أو الرؤية؛ لأنها أرفع منها، مأخوذة من الوحي، بها الأسرار الإلهية، وتقصر العقول الإنسانية عن إدراكها، وما فائدة الوحي لو استطاع الإنسان إدراكه بعقله؟ لو كان العقل قادرًا على إدراك الحي، لكان في العقل غنًى عن الوحي والنبوة. في الملة زيادة عما يعيه العقل، وبعض ما يستنكره العقل فيه بعض الفوائد في الملَّة، ومهما بلغ الإنسان من الكمال في الإنسانية، فإن منزلته عند ذوي العقول الإلهية منزلة الصبي. وإن كثيرًا من الصبية يستنكرون بعقولهم ما ليس بمُنكَرٍ بدليل شهادة العقول الإلهية، والعقل الإنساني مُرتبطٌ بالتربية، إذا تأدَّب بالعقول وأحنكته التجارب، زالت عنه ظنون العقل الصبياني، وانقلب الحسن قبيحًا، والقبيح حسنًّا، والوحي صادق لا يتغيَّر ولا يتبدَّل، وصدقة بالمعجزات التي لا يُصدِّقها العقل، أو بشهادات من تقدم قبله من الصادقين، إذا صدق الوحي فلا مجال لنظر العقل ورويته! الملة لا شأن لها بالعقول أو الروية؛ لأنها أرفع منهما، مأخوذة من الوحي، وإلا فما ضرورته لو كان الإنسان قادرًا بعقله على الحكم، ما يُقبحه العقل ويُحسِّنه؟٢٨
    والعجيب أن يأتيَ ذلك من حكيم، رفض حُكمَ العقل وتسفيهه أمام الوحي، وإنكار الحُسن والقُبح العقليَّين، والقول بنسبية العقل أمام إطلاقية الوحي؟ أليس هذا هو موقف الظاهرية؟ بل إن الأشعرية تقول بالعقل أيضًا، خاصةً المتأخِّرة منها، هو موقف أقرب إلى المسيحية منه إلى الإسلام، جعل الإيمان سرًّا لا يمكن النفاذ إليه، يتَّهم النفس بالضعف والعقل بالخور. ولمَ إحساس الإنسان بالدونية، أمام من يتصوره أعظم منه، ولا شيء أعظم منه؟ أليس العقل أساس النَّقل عند المُعتزلة؟ ألا يُوافق صحيح المنقول صريح المعقول عند الفقهاء؟ وماذا عن اجتهادات الكندي في اتفاق الدين والفلسفة، وإخوان الصفا وابن سينا وابن طفيل وابن رشد في اتِّفاق الحكمة والشريعة؟ وماذا عن أهل البرهان، الحكماء، الخاصة أهل التأويل، الراسخون في العلم؟ هل يَتبدَّل الحُسن والقُبح العقليان طبقًا للتربية، وأنَّ ما يتعلَّمه الصبي اليوم ينقضُه غدًا، هل يُؤدِّي الإيمان بالضرورة إلى هدم عموم الحُسن والقُبح، شُمولهما وموضوعيتهما؟ كيف ينصر الفارابي الوحي بالوحي؟ كيف يدافع عنه ضدَّ من لا يؤمن به؟ وماذا يقول الفارابي في حث القرآن على إعمال العقل واعتبار المتكلِّمين خاصةً المعتزلة، العقل أول الواجبات؟ وكيف يؤمن من يُنكِر المُعجزات باعتبارها خرقًا لقوانين الطبيعة؟ وهل يقين الوحي بالإخبار والرُّواة وبالنَّقل التاريخي، دون تحقُّق من الوحي نفسه بالعقل أو بالتَّجربة وهما ركيزتا الحي؟ هل يُغني صحة السند عن صدق المتن؟٢٩ هل يُغني النقد التاريخي عن النقد الداخلي؟ كيف يهدم العقل والإنسان في موطن الدفاع؟ وهل هناك سلاح سواه؟ لذلك لم يَكتب الفارابي كما فعل الكندي وإخوان الصفا وابن سينا وابن طفيل وابن رشد في اتِّفاق الحكمة والشريعة، واكتفى بالتوحيد بين الملك الفيلسوف.
  • (٢)
    جمع ما صحَّ به الشرع من الألفاظ، ثم رصد كل المحسوسات والمشهورات والمعقولات، ثم إحكام المتشابه من الأول اعتمادًا على الثاني، ثم تأويل المخالف من الأول اعتمادًا على الثاني، ثم تأويل الناقص لما في الملة، حتى ولو كان تأويلًا بعيدًا، فإذا ما تعارضت الشواهد، المحسوسات والمشهورات مثلًا، أخذت الملَّة المتَّفقة من أقواها، فإن لم يكن ذلك ممكنًا، أمكن نصرة الملَّة بصدق مصدرها عودًا إلى الطريقة الأولى، وهذه الطريقة أفضل من السابق؛ لأنها تخرج من النقل إلى العقل، وتقوم بالتأويل، وتَعتمد على الحِسِّ والعقل والعرف، ولكنَّها لا تستمر إلى النهاية، وتعود إلى الطريقة الأولى في حالة العجز.٣٠
  • (٣)
    تتبُّع كل تاريخ الأديان، ورصدُ كل الشنائع المُماثلة، حتَّى لا يكون في الملَّة شيء غريب إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ.٣١ وهذه الطريقة مجرَّد حُجة جدلية، تقوم على المساواة في الخطأ والشناعة بين الخصوم، وليس أحدهم أولى بالصواب عن الآخر، ومجموع الخطأين لا يكون صوابًا، وخطأ الآخر ليس مقياسًا لخطأ الذات، ولا تقضي على الشناعة بل تُعادلُها بشناعةٍ أخرى، وتَقضي على تطور النبوة، فما كان شناعة في مرحلةٍ سابقة، لا يكون شناعةً في مرحلةٍ لاحقة. كما يقضي على إمكانية تطهير أية شريعة، مما وقع فيها من تحريفٍ وزيغ، بحُجة أن مثلها قد وقع لدى الأمم السالفة.
  • (٤)
    إحراج الخَصم وإخجاله وحصاره، أو تخويفه من أن يناله مكروه، ما دام المتكلم قد عجز عن إثبات أقاويله ونصرتها، حتى يَسكت عنها الخصم، لا لصحَّتها بل لعَجزِه عن مُقاومتها، وهي طريقة تقوم على نقل الحُجة، من العجز عن إثبات صحة الموضوع إلى إحراج الخصم، كما هو الحال في الحُجة الإحراجية في منطق الجدل.٣٢ وهو انتقالٌ من العلم إلى الإرهاب، ومِن الدليل إلى التجريح الشخصي، وماذا لو فعل الخصم مع المتكلِّم نفس الشيء؟ ولماذا يعجز المتكلم عن الإيضاح العقلي، ونصرة قضيته بالدليل والإقناع؟ هنا يتحوَّل المتكلم إلى شرطي.
  • (٥)
    استعمال الكذب والمُغالطة والبُهت والمكابَرة؛ فالناقض إما عدو، والكذب جائز معه كالخُدَع في الحرب، أو ليس عدوًّا، ولكنه جاهل بالملَّة لضعف عَقلِه، وجائز أن يُثاب إلى رشده باستعمال الكذب والمغالطة، كما هو الحال مع النساء والصبيان، وتقوم هذه الطريقة على أن الغاية تُبرر الوسيلة، وأن طرق الإقناع تختلف من العدو العاقل إلى الصديق الجاهل، مع الأول يستعمل الخداع، ومع الثاني يتمُّ خداعه بالكذب والبهتان، ما دام غير عاقل، وهو موقفٌ لا أخلاقي، انتهازي، يتخلَّى عن البرهان، وماذا لو انتصَرَ العدو العاقل على المتكلم، فالحرب خدعة، يوم لك ويوم عليك وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ؟ وماذا لو أفاق الصديق الجاهل، واكتشف خِداعه بالوسيلة، ألا يكفر بالغاية؟
ويُشبه ابن باجه إخوان الصفا في القسمة الرباعية للحكمة، والقسمة الخماسية عند الفارابي أستاذه؛ فعند ابن باجه تنقسم الحكمة إلى العلم الإلهي والعلم الطبيعي، والعلم إرادي وعلم التعاليم دون ترتيب دقيق، وواضح البداية بالعلم الإلهي ثم العلم الطبيعي، ممَّا يُوحي باقترانها كما هو الحال عند الفارابي، ووضعهما في علمٍ واحد في القسمة الرابعة من قسمته الخماسية في «إحصاء العلوم»، ويُقابل العلم الإرادي العلم المدني عند الفارابي، الذي ضمَّه مع علم الفقه وعلم الكلام في القسم الخامس، ثم تأتي الرياضيات أخيرًا عند ابن باجه، وهو ما يُعادل القسم الثاني عند الفارابي، ويكون ابن باجه قد أسقط علم اللسان وعلم المنطق؛ القسمين الأول والثالث من «إحصاء العلوم»، وميَّز بين العلمَين الطبيعي والإلهي، والقسم الرابع عند الفارابي، وأحيانًا يذكر ابن باجه بعض العلوم بلا نسق، مثل العلم الإرادي، والتعاليم، وعلم العدد، وعلم الهندسة، وعلم المناظر، وعلم النجوم، وعلم الموسيقى، وعلم الأثقال، وعلم الحيل، وصناعة المنطق، هنا يبدأ بالعلم الإرادي أي بعلم الأخلاق، وبالعلم المدني أي بالعلم الإنساني، ويتمُّ تفصيل علم التعاليم في سبعة أقسام، ثم يُضاف المنطق دون قسمة، دون بداية مطلقة بعلم اللسان كما يفعل الفارابي، ولا مانع أن يظهر الله كأحد عناصر القضية المنطقية، واضح أن ابن باجه هو مجرد تعليق على الفارابي، دون أن تكون له رؤية خاصة بأقسام العلوم.٣٣
١  الفارابي: فلسفة أرسطو ص٦٠-٦١، ١٣٢-١٣٣، نصوص فلسفية ص٩٣–٩٨.
٣  ويبدو أن الكتب القديمة الثلاثة لكانط بها الكثير من قسمة الفارابي.
٤  نصوص، تفسير كتاب المدخل ص٩٣–٩٨.
٥  الفارابي: المجموع ص٤٠–٤٤.
٦  الفارابي: الحروف ص٦٦–٧٠.
٧  الفارابي: الحروف ص٦٦–٧٠.
٩  الكتابة أكثر من طريف؛ لأنه يبني منظومة للعلوم داخل الحضارة الإسلامية، وليس داخل الحضارة الغربية وتحقيبها الميلادي، ترجم إلى العصر الوسيط بعد إسقاط الفصل الخاص بعلم الكلام؛ لأنَّ الغرب كان يريد العلم فقط دون القيمة، فانتهى الأمر إلى أزمة في العلم والقيم، علم بلا قيم، وقيم بلا علم، دلالته إيجاد بنية عامة للحكمة يتحد فيها الموروث والوافد، وهو ما سمي البحث عن القوانين الكلية أو وضع موسوعة علمية ودائرة معارف من أجل نظرة كلية ونسَق للعلم الشامل، أو مختصر للعلوم زمانه، وعرض لمعارف العصر في نسق علم حضاري كلي شامل، إدخالًا للجزء في الكل، وهو ليس مجرَّد تصنيف أو إحصاء، بل يكشف عن رؤيةٍ معينة للعلم وللعلوم، كما فعل ابن سينا في «أقسام العلوم العقلية»، وابن حزم في «مراتب العلوم وكيفية طلبها» (وكما فعل من الغربيِّين بيكون وكومت وسبنسر)، الفارابي، إحصاء العلوم، مقدمة المحقِّق د. عثمان أمين.
١٠  هو الآن موضوع العلوم المكتبات والفهرسة والتصنيف، مثل ابن النديم وطاش كبري زاده، وحاجي خليفة، والسكاكي.
١١  السابق ص٤٣-٤٤.
١٢  وهو نفس المعنى الذي استعمل في مشروع «التراث والتجديد» لإعادة بناء العلوم القديمة.
١٣  علم المنطق (عدد الصفحات) (٢٢)، علم التعاليم (١٦)، العلم المدني وعلم الفقه وعلم الكلام (١٣)، العلم الطبيعي والعلم الإلهي (١١)، علم اللسان (٨).
١٤  السابق ص٤٥–٥٢.
١٥  هذا ما أقرَّه هوسرل في المعاني الثلاث للفظ الفكر: اللفظ والمعنى والشيء.
١٦  السابق ص٥٣–٧٤.
١٧  السابق ص٥٧.
١٨  السابق ص٧٥–٩٠.
١٩  هذا حدس قديم لديَّ منذ كتابة «من النقل إلى الإبداع» ومنذ بداية حياتنا العلمية قبل الاطلاع على فيورباخ، وما دفَعني إلى الكتابة عن «الاغتراب الديني عند فيورباخ»، دراسات فلسفية ص٤٠٠–٤٤٥، وأيضًا من العقيدة إلى الثورة، المجلَّد الثاني، التوحيد، رابعًا: إلهيات أم إنسانيات؟ ص٦٠٠–٦٦٤.
٢٠  وكما هو الحال عند اسبينوزا في الفلسفة الغربية الحديثة.
٢١  الفارابي، إحصاء العلوم ص٩١–١٠١.
٢٢  السابق ص١٠٢-١٠٣.
٢٣  وهذا ما قرَّره أيضًا كانط في «مشروع السلام الدائم».
٢٤  الفارابي: فلسفة أرسطو ص٦٨، وهذا ما لاحظه أيضًا كانط وفشته في الفلسفة الغربية.
٢٥  الفارابي: إحصاء العلوم ص١٠٣-١٠٤، ١٠٦-١٠٧.
٢٧  السابق ص١٠٦-١٠٧.
٢٨  السابق ص١٩–١١٠.
٢٩  انظر دراستنا: مِن نقد السند إلى نقد المتن، مجلة الجمعية الفلسفة المصرية، العدد الخامس، القاهرة ١٩٩٦م، ص١٣١–٢٤٣.
٣٠  وطبقًا للمثل الشعبي: «في الهوا سوا».
٣١  الفارابي: إحصاء العلوم، ص١١٠–١١٣.
٣٢  وهو ما يُسمَّى أيضًا باللاتينية Argumentum ad hominem.
٣٣  ابن باجه: تعليقات على باري أرمنياس، ص٣٥-٣٦.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤