ثانيًا: نقد أبي حيان التوحيدي

(١) نقد الكلام القديم

وفي نفس تيار إخوان الصفا وبعدهم بقرن أو يَزيد ينقد أبو حيان التوحيدي علم الكلام، الجدل وغياب البرهان ووُقوع الاختلاف في الأمة، ويُعطي نماذج على الاختلاف في العقائد. ويُعطي بديلين: الشواهد القَلبية والمعرفة الصوفية؛ أي الإشراق وهو ما اختاره إخوان الصفا أو تأسيس علم كلامٍ فلسفي، دفاعًا عن الفلسفة، وتحوُّلًا من الكلام إلى الفلسفة.

ويُشارك أبو حيان التوحيدي الإخوان في نقد علم الكلام بسبب الفرقة وضياع الأمم وانهيار التاريخ. ويعبر عن ذلك في صيغة «فإن قال قائل» حماية للفكر وتعبيرًا عما يدور في الأذهان وعلى الألسنة وفي القلوب. والسبب تحوُّل الدين إلى قهر. وقد أتى الدين ضد القهر، وتحوُّله إلى فتن ومذاهب وتعصُّب وجهل وسيطرة العامة. ساد الجهل، وسفكت الدماء، واستبيحت الحرمات، وشنت الغارات، وخربت ديار، وكثر القيل والقال، وفشا الكذب، وعز طلب الحق والسلام، وصار الناس أحزابًا في النحل والأديان، وشمت الأعداء في المسلمين.١

ويعلن أبو حيان عن آرائه على لسان أبي سليمان المنطقي السجستاني بطريقة غير مباشرة، الحديث بلسان الآخرين. أبو حيان يروي عن أبي سليمان، فالراوي والمروي منه يُعبران عن موقف واحد. لذلك يصعب الفصل بين آراء الآخرين مثل أبي سليمان السجستاني وأبي الخير بن سوار والعامري وأبي النضر النفيس وأبي بكر الصميري، وأبي يعيش الرقي، وأبي إسحاق النفيس، وكان من غلمان جعل وآراء أبي الحيان. فالعرض واختيار آراء دون غيرها مثل الترجمة الهادفة هو في حدِّ ذاته تأليف غير مباشر. وهو نوعٌ من التراكم الفلسفي، أن يكون الشارح والمشروح من الموروث.

كما أن الأسلوب أدبي أكثر منه أسلوبًا فلسفيًّا كما هو الحال عند إخوان الصفا، يَعتمِد على القصص وضرب الأمثال. الحسُّ امرأة لعوب، والعقل شيخ عجوز، مثل يدلُّ على مجتمع جنسي. فقد يكون في مجتمعات أخرى الحس ميتًا والعقل متوقِّدًا.٢ وتظهر بعض الأحيان مُصطلحات الفكر الشيعي مثل «آخر خلفاء العالم»، وكما يبدو عند أبي سليمان السجستاني المروي عنه. كما يغلب عليه تحليل الألفاظ من خلال العبارات والأقوال كما هو الحال في القواميس والمَعاجم الفلسفية مع إغراق في التصوف.٣

(أ) نقد الجدل

وللمُتكلمين طريقة خاصة في وضع المسائل والإجابة عليها سأل عنها أبو جعفر ملك سجستان أبا سليمان. وهي طريقة الجدل.٤ فبالرغم من علو العالم في رتبة الكلام إلا أنه فاسد الباطن، خبيث السريرة، قليل اليقين، تؤدِّي طريقته إلى الشك والارتياب. لذلك كان لأصحاب الحديث وأهل الأثر ميزة على أصحاب الكلام وأهل النظر وأهل النظر والرأي لأنَّ القلوب الخالية من الشُّبه أسلم من الصدور المحشوة بالشك والريبة. لم يأتِ من الجدل خير قط. وقد قيل «من طالب الدين بالكلام ألحد.» ومن تتبع غرائب الحديث كذب، ومن طالب المال بالكيمياء افتقر. وهذا ما تثبته التجارب والأيام. يتكلَّم المتكلِّم في مائة مسألة، ويُورد مائة حجَّة، ولا يخشع، ولا يرق، ولا تدمع عينه. وإن كثيرًا من البسطاء الذين لا يكتبون ويقرءون ولا يحتجُّون ويُناظرون ولا يكرهون ويُفضِّلون خير من المتكلمين، وألين جانبًا، وأخشع قلبًا، وأتقى الله، وأذكر للمعاد، وأيقن بالثواب والعقاب، وأخلق من الهفوة، وألوذ بالله، وأرجع بالتوبة. في حين لم يَبكِ متكلِّم في عمره مرة أو فقد عينه خوفًا أو أقلع عن كبيرة. يتناظر المتكلمون مُستهزئين متحاسدين متعصبين متخاذلين متحاملين «جذ الله عُروقهم، واستأصل شأفتهم، وأراح العباد والبلاد منهم.» عظمت البلوى بهم، وعظمت أفاتهم على صغار الناس وكبارهم، «ودب داؤهم»، وأرجو ألا أخرج من الدنيا حتى أرى بُنيانهم مُتضعضِعًا وساكنة متجعجعًا.٥
الكلام مع الخصم أقرب إلى المُهاترة منه إلى المناظرة والمذاكرة. المهاترة عرض على العقول المختلفة إلى أن يقع الاختيار على الموضوع بعد الاتفاق عليه. أما المناظَرة فمتوسطة بين المهاترة والمذاكرة. قد تُؤدِّي إلى المنافسة وبعض الفائدة كالفكاهة بين العلماء.٦ هناك إذن طرق متعدِّدة للجدل. ويعيش المتكلمون مثل أبي علي وأبي هاشم مع أصحاب الجدل يُشغبون ويُحمِّقون ويَتصايحون. ينشدون الشعر لتصوير بعضهم البعض كما أنشد الواسطي المتكلِّم في أبي عبد الله البصري.٧
الكلام هو ميدان الاختلاف والتنابذ والتشاحن؛ فقد اختلف المتكلمون في معرفة الله، ضرورية أم استدلالية. والجدل لا يورث إلا الشك والمرية والحسبان والظن والاختلاف والفرقة والحمية والعصبية. وللهوى ولادة وحضانة، وللباطل استيلاء وجولة، وللحيرة ركود وإقامة. وجادلوا في الزمان والمكان وهما ظاهران. وقد أحكم القول فيهما الحكيم، وناقَض الآراء السابقة، وبين فساد المذاهب القديمة، وعرض رأيه ورأي أستاذه في «السماع الطبيعي». وفي كلامه شفاء وكفاية. وقد فسر كلامه المفسرون بعد أن نقله المُترجمون؛ ففي الفلسفة ونموذجها الأول، الحكيم، غنًى عن مذاهب المتكلِّمين فيها لا خلاف عليه. ويَتنازعون في الحق وليس في اختلاف، وفي الباطل وليس في ائتلاف مثل حد التعجب وحد الظلم. لا يُنصفون شيئًا وكأنهم في غضب وخصام.٨

ومن أضعف جوانب علم الكلام عند أبي حيان طرق الاستدلال فيه وكما هو الحال عند ابن رشد بعد ذلك. وأخطر ما فيه غياب الأدلة والبراهين مع أن النبوة قائمة عليها. وإن حضرت فهي أدلة ظنية. تَتكافأ فيه الأدلَّة. وتنتهي إلى نوع من الشك واللاأدرية. فمِن شؤم الكلام عند أبي سليمان وشبه المُتكلِّمين أنهم يَنفُون التقليد، ويُصرُّون على الدليل ثم يقولون بتكافؤ الأدلة. فأين الحق في حالة الاختلاف في الرأي؟ وكيف يُمكن إثبات رأي دون الاستدلال عليه وليس أحد الآراء أولى من الآخر؟ ويَستحيل اتِّباع كل الآراء وإلا لزم البرهان. والبرهان إما من الغير أو من النفس. فإن كان من الغير كان اضطرارًا ولا يَستوجب حمدًا ولا شكرًا. وإن كان من النفس لم يلزم التعلُّم من الآخر بل يكفي الأمر والنهي المعروفان. وأي تقصير فيه يُؤدِّي إلى الهلاك أو الاعتراض على النفس في حالة العجز عن العلم. ويَقلب علم الكلام الحق باطلًا والباطل حقًّا. فالأدلة مُتدافِعة في أنفسها، يزخرفها أصحابها ويُموِّهون بها لتقبل منهم، ولا يتبيَّن فيها أين الحق وأين الباطل فتكافأت، وتوقفت على حذق الحاذق في نصرتِه، وضعف الضعيف في الذبِّ عنه. ويكون الحق حقًّا والباطل باطلًا كله جملة من غير تفصيل ودون معرفة وجهِه لزوم الحُجة.

والأدلة ثلاثة أنواع: الأول النبوة والآيات وهذه نفسها في حاجة إلى برهان، والثاني الكلام والقياس وهو مُتغيِّر من خصم إلى خصم، والثالث الإخبار والكتُب. ولكلِّ شعب كتبُه وليس أحدها أولى من الآخر، ولا توجد حجة لواحد إلا وللآخر مثلها. ومن ثَمَّ تتكافأ الأدلَّة. فلا دليل إلا النشأة والطباع والتربية والعادات، التقليد أولًا ثمَّ العقل بعد البلوغ ثانيًا. ولا يقوم تكافؤ الأدلة على التوقُّف عن الحكم بل على ضرورة الحكم ولكن بأحكام مُتناقضة وكلها صحيحة. ثم يظهر اختلاف المتكلِّمين في اعتمادهم على الحُجَج النقلية. فالحديث مثلًا طبقًا لعلي بن أبي طالب يُروى إما من راوٍ منافق كاذب عن عمد فلا تؤخذ منه رواية أصلًا، أو لأن الراوي سمع ورأى ثمَّ غاب فنسخ هذا القول أو الفعل، وإما لأن الراوي سمع سمعًا ثم وهم فيه، وإما لم يكذب ولم يَهِم وشهد ولم يغب. وهي الشهادة المباشرة وهي نادرة تعادل الصمت «إذا سئلت أجبت، وإذا سكت ابتدأت.»٩

(ب) نقد الاختلاف

ويتساءل أبو حيان عن سبب دخول آفَة الاختلاف على أصحاب المذاهب حتى تفرقوا هذا الافتراق، وتباينوا هذا التباين إلى حد التكفير والتفسيق وإباحة الدم والمال ورد الشهادة وإطلاق اللسان بالجرح والقذع والتهاجُر والتقاطع. ويُجيب بأن المذاهب فروع والأديان أصول. فإذا ساغ الاختلاف في الأصول وقَع الاختلاف في الفروع. وقد اختلفت الأديان باختلاف الأنبياء وهم أرباب الصدق والوحي والآيات الدالة على ذلك بعكس المذاهب التي نقصها الصدق، وتُعوزها الأدلَّة. والمذاهب نتاج الآراء، والآراء ثمرات العقول، والعقول مَنائح الله للعباد. وهي نتائج مُختلفة بالصغار والكبار، وبالكمال والنقص، وبالقلَّة والكثرة، وبالخفاء والوضوح. ومِن ثَمَّ تجري الفروع طبقًا للأصول، والمذاهب طبقًا للأديان من الاختلاف والافتراق. والناس على فِطَر كثيرة، وعادات حسنة وقبيحة، ومناشئ محمودة ومذمومة، وملاحظات قريبة وبعيدة. لذلك نشأ الاختلاف حول ما يقبل ويُرفض، وما يُختار ويُتجنَّب. وليس من شأن الفلسفة إيجاد الاتفاق في المذاهب والأديان؛ إذ إن الاتفاق لم يَحصل في تفضيل أمة على أمة أو بلد على بلد أو في تقديم رجل على رجل. فالاختلاف واقع أيضًا في الشعوبية. وليس في هذا الأمر إلا التعصُّب واللجاج والهوى والمحل والذهاب مع السابق إلى النفس، والمُوافق للمزاج، والخفيف على الطباع، والمالك للقلب. فهو ميدان الأهواء المتصارعة، ليس ميدان العقول النيِّرة والقلوب الصافية ولا يذكر اختلاف المصالح ويَكتفي بالأمزجة الفردية والطباع الشخصية والأهواء البشرية والعادات والأعراف الاجتماعية.

والنتيجة التي ينتهي إليها أبو سليمان أنه تمسُّكًا بالمصلحة العامة فقد نهى عن المراء والجدل في الدين على عادة المتكلِّمين الذين يزعمون أنهم يَنصُرون الدين وهم أعداء الإسلام والمسلمين، وأبعد الناس عن الطمأنينة واليقين. وهو من شؤم الكلام ونكد الجدل. والدين لا يدور في الوهم، ولا يلوك به اللسان. إنما الدِّين عند أبي سليمان هو موضوع القبول والتسليم والمبالغة في التعظيم. وليس فيه لم ولا كيف إلا بقدر ما يُؤكد أصله، ويشد أزره، وينفي عارض السوء عنه. وخلاف ذلك يُوهن الأصل بالشك فيه، ويقدم في الفرع بالتهمة. وهذا لا يخصُّ الإسلام وحده بل كل دين ونِحلة وملَّة في كل زمان ومكان. الكلام رفع الفطرة، ونفْي الطباع، وقلب الأصل، وعكس الأمر. وهو مستحيل فعله «إذا لم يكن ما تُريد فأَرِد ما يكون.» يرفض أبو سليمان تعقيل الدين والحوار بين المذاهب على طريقة المتكلِّمين، ويفضل إيمان العوام. وهو الموقف الذي شرع له الغزالي فيما بعد في «إلجام العوام».

يرفض أبو سليمان الجانب السَّلبي للتعددية بمعنى الخلاف والفِرَق والتحزب والتعصب والأهواء، وليس الخلاف في الرأي القائم على البرهان، واختلاف وجهات النظر كنوع من الإثراء المتبادل. كما أنَّ الدين ليس المطلوب منه الاستسلام والرضا وقبول الأمر الواقع، بل دوره أيضًا التغير الاجتماعي والمعارضة السياسية والثورة أي الدور العملي وليس المماحكات أو الإيمان القلبي. فكما أن الدين، بلغة المعاصرين، أفيون الشعب يكون أيضًا زفرة المضطهدين.

(ﺟ) الاختلاف في العقائد

ويؤكد أبو حيان ما أثبته الإخوان من قبل من أن الاختلاف في الآراء والمذاهب اختلاف طبيعي. فكل قول له قول مضاد كما قال الرسول: «كلكم رادٌّ وكلكم مرود عليه.» فالتعددية طبيعية، تختلف باختلاف التفاسير والمصالح. وإذا كان العقل حقٌّ أكثره فقد تكون الطبيعة باطل أكثرها لولا أن الطبيعة خيرة، فطرة الله التي فطر الناس عليها، فالعقل والطبيعة نظامان متَّسقان يُعبِّران عن نسق الوحي. والحق لا يَتبع مقياس الكثرة والقلة. ومع ذلك فالاطمئنان للكثرة أولى لشرط البحث والبرهان والتخلُّص من الهوى والتعصُّب، وحسن العيان والمشاهدة، واستقراء حوادث التاريخ؛ إذ تَشهد الأشياء على بعضها البعض وتؤكد أنه لا خلاف في الحق ذاته بل في وجهات النظر فيه. لا اختلاف في المِهني بل في الألفاظ. المعنى واحد والخلاف في طرق التعبير.١٠

ويأخذ أبو حيان أربع عقائد ليُبين الخلاف فيها، التوحيد والعدل والمعاد والإمامة، اثنتان عقليتان، واثنتان سمعيتان. ويضرب المثل على عقم الجدل فيها في صيغة قصة. وكلها اعتراضات من الأعاجم أي المُفكِّرين الجدد، أصحاب الفطرة والذين يعدون الإسلام دينًا وافدًا. ففي التوحيد لا يوجد وصفٌ واحدٌ مرض لا التنزيه عند هشام ولا التشبيه عند الجواليقي. فقد وصف هشام الله بأنه لا يُدرك جارحة ولا آلة ولا لسان له. والإنسان يرضى وصف الله بهذه الصفات. ووصفه الجواليقي بأنه جعدٌ قطط في أتم المقامات وأحسن الصور والقوام، والإنسان يجب أن تكون له جارية بهذا الوصف قبل أن يطأها. وإذا كان الله قد نهى عن عبادة إلهين وأمر بعبادة إله واحد فإنه يمكن الإشارة للإلهين ولا يُمكِن الإشارة إلى إله واحد. التشبيه معقول والتنزيه غير معقول. التشبيه صنم والتنزيه عدم. كلاهما كلام بغير علم. والفطرة أفضل طريق للمعرفة.

وفي العدل، لو خلق الله الشر لكان مسئولًا عنه. وإن لم يَخلقه لحدِّ ذلك من قدرته. لذلك رفض الناس من الأعجمي دعاءه في الكعبة يا من خلق السباع الضارية والهوام البادية، وسلَّطها على الناس، وضربهم بالزمانة والعمى، والفقر والحاجة. ورفضوا منه أيضًا «يا من لم يخلق السباع الضارية ولا الهوام البادية، ولا سلَّطها على الناس، ولم يَضرب الناس بالأوجاع والإسقاط.» فالعلم في القلب دون دعاء الله به. وإذا كان الله هو المسئول عن الأوجاع والآلام فكيف يحمده المريض، وإن لم يكن مسئولًا عن ذلك فيمكن أن يعافي المريض منه. ولما كان الله هو المسئول فإن ذلك يزيد آلام المريض وأوجاعه. هذا هو اعتراض الدين. أما المتديِّن فإنه يرى أن الله مسئول عن الابتلاء وقادر على الإشفاء. ويرى أبو عيسى الوراق، وهو من حذاق المتكلِّمين، أن الله يعلم الكفار أنهم لا يؤمنون فليس لأمرهم بالإيمان حكمة. علم الله المسبق يمنع من خلق الأفعال.

وفي المعاد، كما وصف بعض النصارى الجنَّة بأنها ليس فيها أكل ولا شرب ولا نكاح اعتبر بعض المتكلمين ذلك حزنًا وأسفًا وبلاءً. واعتبر أبو عثمان الآدمي أن الجنة لا ساتر فيها لأنَّ كل ساتر مانع، وكل مانع آفة، والجنة مبرأة من الآفات. لذلك روى حديث أن الحور العين يرى مخَّ سيقانها من وراء سبعين حلة سوى ما تحت ذلك من اللحم والعظم كالسلك في الياقوت! الجنة إذن أولى من الحمام. فبئس البيت الحمام، يذهب الحياء، ويبدي العورة. كل ذلك قياس الغائب على الشاهد، والتعبير عن أماني الشر التي لم تتحقَّق في الدنيا. ويتشكَّك البعض في قانون الاستِحقاق. فأبو سعيد الخضرمي، وهو من حذاق المتكلِّمين، تظاهر بالقول بتكافؤ الأدلة، فإذا كان الله عدلًا كريمًا جوادًا عليمًا رءوفًا رحيمًا فإنه سيُصير جميع خلقه إلى جنته لأنهم اجتهدوا جميعًا في طلب مرضاته وهربوا من سخطه بقدر علمهم ومبلغ عقولهم. وقد عصوه لأنهم خدعوا، وزين لهم الباطل باسم الحق. كما يَرى جهم أن الله يُبدِّل سيئات المؤمنين حسنات، فيَندمون على ما قصروا فيه من تناول اللذات وقضاء الشهوات؛ لأنهم كانوا يتوقَّعون العقاب فنالوا الثواب. ويرى أبو عيسى أن المعاقب لا يستصلح أهل النار، ولا يَشفي غيظه بعقوبتهم، فليس في العقوبة حكمة، ومن ثَمَّ يَنتهي المتكلِّمون الثلاثة إلى استحالة العقاب.

وفي الإمامة تصعب المناظَرة. فإذا رأى متكلم أن أولى الناس بالإمامة أفضلهم وعرف الفضل بالخير ثم تتمُّ المناظرة في أيِّ الفضائل أعلى وأشرف، يردُّ الثاني أن الإمام ليس رجلًا عاديًّا من المسلمين يصيب ويُخطئ، بل هو إمام معصوم من الخطأ، عالم بما يحتاج إليه. فيرد الأول على ما يقول وينقطع الحوار. فما العمل في رواياتٍ مُتعارضة أو متكافئة في مدح وذم الرجال. وكل فريق يأخذ بالروايات في مدح إمامه. إذا روى الشيعة أن الإمام معصوم وأن إمام السنة كافر مُنافق فكيف تتمُّ المناظرة؟ الحُجة النقلية طريق مسدود. وكل فريق يَروي على هواه. هنا تستحيل المناظرة اعتمادًا على الحجة النقلية.

وبعض طبيعيات المتكلِّمين إنما تدعو إلى السخرية مثل عدم جواز مسِّ أهل محلَّة لحاهم في ساعة واحدة وفعل واحد وحالٍ واحد. وإن جاز فهل يجوز أن يتَّفق ذلك في أهل البلد؟ وإن جاز فهل يجوز في جميع من في العالم. وإن استحال فما علة ذلك؟ وقد عجز المتكلِّم عن الرد في الحالة الأولى لغياب اليقين الضروري. الغشاء حق ولكن العلَّة باقية فيه. وهو سؤال ساخِر عن خصوصية الفعل وعمومه وعن جواز الاستحالة وعن الاحتِمال واليقين. كما يُعارض المتكلِّمون علم الكيمياء الذي يُدعى قلب الأعيان وإلا بطلت المعجزات. وقلب الأعيان لا يصحُّ إلا من نبي بإرادة الله وحده دون سائر مخلوقيه. وكل أفعال الطبيعة هي أفعال الله وليست للوسائط، الناس أو الأشياء التي فوض الله إليها تدبير العالم مثل الأفلاك. وهو نقدٌ للأشعرية كما فعل ابن رشد فيما بعد. كما أطال المُتكلِّمون في المعدوم، وكيفية البحث عنه، وفائدة الاختلاف فيه. فهل لأقوالهم معنى؟ والمعدوم الذي يشيرون إليه موجود بوجه من الوجوه، يُمكن الإشارة إليه. وهو موقف المعتزلة أن المعدوم شيء يردُّ به إلى أبو حيان على سبيل السخرية، وكأن موقف الأشاعرة في إنكار المعدوم أعقل وأفضل. ومسائل بعض المتكلِّمين مثل آلام الأطفال ومن لا عقل له إنَّما هي فرصة لهم لنصرة الدين وإظهار أصول الشريعة. وبعض الألفاظ الكلامية ليسَت خاصة بأصحاب الكلام مثل اللطف والمصلحة لأنها تُستعمل بمعانٍ شائعة عند الجمهور. وللمُعتزلة التشقيق والتتميط والدعوى والأعراب والعصبية والتشيُّع. لهم الدقيقات والبراهين والنقاش والجدل والحوار بالإضافة إلى اللغة والأدب هذا فضلًا عن العصبية للمذهب والدعاوى التي يستند إليها.

وعلم الكلام هو ما يُعادل علم تاريخ الأديان المقارن بلغة العصر ولكن على نحو شعبي فيما يُسمى بالحوار بين الأديان. يَعرضه أبو حيان في صيغة قصص وروايات. فقد أرسل النبيُّ إلى المقوقس يدعوه إلى الإسلام. طلب منه المقوقس أن يُسلِّط الله عليه البحر فيكذبه مئونته ويأخذ ملكه كما فعل الله مع فرعون. فرد الرسول بأن الله لم يُخلص عيسى عندما أوثقوه وأخذوه، وحلقوا رأسه، ووضعوا عليه إكليل الشوك وحملوه على خشبة وصلبوه وطعنوه بحربة حتى مات، ولماذا لم يَمنع من قطع رأس يحيى بن زكريا بعد أن سألته امرأة الملك أن يفعل ذلك؟ فبُهت ملك مصر بحكمة الرسول، وما تخرج الحكمة إلا من عند الحكماء. وتعني القصة عدم جواز تدخُّل الله في مسار الأشياء كما هو الحال عند المعتزلة وابن رشد. والنصارى أقل من الحكماء معرفة بالله نظرًا للتشبيه والتصاوير والتماثيل التي لديهم.

هذا القدر من الكلام قام به المتكلِّمون ولم يصبر عليه الدهري ولا التناسُخي ولا الثنوي. وفيه تبصرة من العمى. والباقلاني يَزعم أنه يَنصر السنة، ويُفحم المعتزلة، وينشر الرواية، وهو على مذهب الخرمية وطرائق الملاحدة، فما بال الخوارج والمعتزلة والشيعة؟ والهدف من هذه القصص والروايات إقناع جهال المانوية ومن اغترَّ بأمثلتهم وجنح إلى أقاويلهم وصدق أباطيلهم التي دخلت على قلوب الأعمار حتى عدلوا عن الشرائع الصحيحة. ولو أنهم سئلوا عن الحسن والقبح مطلعًا أو مقيدًا لما عرفوه إلا على سبيل الاختلاط. مع أن علم الكلام يدعى أنه يُدافع عن العقيدة حرصًا على الشريعة ويُبيِّن تهافت المذاهب الأخرى وحماية إيمان العوام من الخلط والتشويش والخديعة والتدليس.

ويرفض يحيى بن عدي استئثار قوم بلقب المتكلمين وكأنهم وحدهم أرباب الكلام دون غيرهم وكأنَّ سائر الناس لا يتكلَّمون أو ليسوا أهل كلام أو لعلهم في رأي المتكلِّمين خرس سكوت! أما يتكلم الفقيه والنحوي والطبيب والمهندس والمنطقي والمنجم والإلهي والمُحدِّث والصوفي؟ وادعوا لأنفسهم أصولًا يحملون عليها ويعرضونها وكأنها مغالطات بقصد مرة وغير قصد مرة أخرى. وهم أقل من أرسطو في علم الجدل الذي وضع أصوله. وكل ما قالوه بالإضافة إلى النحو واللغة والشعر حشو وحكمة لا تبقى على مرِّ الزمن. القياس فيها ظلٌّ يسير من البرهان المنطقي والرمز الإلهي والإقناع الفلسفي. والأعرابي يعرف ذلك بطبيعته وليس لديه علم الحكمة أو المنطق. وجلُّ ما فيه من الطبيعيات المقبولة مأخوذ من علية الفلاسفة وأشياخ التجربة وذوي الفضل من كل جنس ونِحلة. وقد كان المُتكلِّمون هم أهل النظر قبل الفلاسفة.

(٢) تأسيس علم الكلام الفلسفي الإشراقي

يَشترك في نقد علم الكلام الفقهاء مثل: الهروي، والفلاسفة: مثل ابن رشد، والصوفية: مثل الغزالي، فما هو البديل؟ يُعطي أبو حيان بديلين. الأول التصوف والمعرفة القلبية المباشرة والمشاهدة القلبية كما عبر عن ذلك في «الإشارات الإلهية». التوحيد مشاهَدة الواحد بالضمير المعتقد على الآخر على مباينة كل ما سواه. وعمق المعرفة سكون النفس إلى المعروف بالأنس. فالنفس مشتقَّة من الأنس. الأسماء محدودة بالإفهام، والمعاني محدودة بالإلهام. ملاحظة المعاني بالاسم عطب، وإعطاء الاسم المعنى تعب، وإعطاء المعنى رسم الاسم كذب. التفريق بينهما اتِّهام، والجمع بينهما هم.١١ وهذا ما قاله المُتكلمون أيضًا في استقلال المعنى عن اللفظ. ولم يكن كلهم خلوًا من الحياة الباطنية. كان البعض يَبكي من التقوى. وكان الحسن البصري من أوائل المتكلِّمين وأوائل الصوفية في آنٍ واحدٍ.
والبديل الثاني علم الكلام الفلسفي. فإذا غلب «الإخوان» نقد الكلام أكثر من الدفاع عن الفلسفة فإن أبا حيان يدافع عن الفلسفة قدر نقده لعلم الكلام. ففي مقارنة بين طريقة المتكلمين وطريقة الفلاسفة طلبًا على سؤاله أجاب أبو سليمان بأن طريقة المتكلِّمين تقوم إما على مقابلة اللفظ وموازنة الشيء بالشيء اعتمادًا على شهادة العقل، وإما على الجدل أو ما يحكم به الحسُّ والعَيان أو على ما يَسنح به الخاطر المركب من الحسِّ والوهم والتخيُّل بالإضافة إلى الألفة والعادة والمنشأ وسائر الأعراض. هذا بالإضافة إلى المغالطة والتدافُع وإسكات الخصم بما اتفق وإتمام القول الذي لا فصول فيه والرجوع له مع بوادر لا تليق بالعلم وسوء أدب كثير، وقلة تألُّه، وسوء ديانة وفساد خلَّة، ورفض الورع بالجملة. الجدل إذن قياس لفظي أو شيئي اعتمادًا على العقل أو الجدل أو الحس أو الخاطر. والباعث هو المغالَطة والمجادلة وإفحام الخصم بأي قول مع تجاوز أدبيات الحوار، وقلة التقوى. أما الفلسفة فإنها محدودة بحدود ستة، يجمعها أنها بحث في جميع ما في العالم مما ظهر للعين أو بطن للعقل أو ركب منهما ومائل إلى أحد الطرفين، واعتبار الحق من جملته وتفصيله من المسموع والمرئي والموجود دون هوًى يَميل به العقل أو ألف يقرب من التقليد مع أحكام العقل الاختيار وترتيبه الطبيعي، وتحصيل ما ندَّ وانقلب دون أن تكون أوائله في الحسِّ والعيان بل في العقل والبيان، بالإضافة إلى الأخلاق الإلهية والاختيارات العلوية، والسياسات العقلية. وفي مناظرة شبيهة بذلك بين أبي بشر متَّى بن يونس وأبي سعيد السيرافي حول المنطق واللغة يروي التوحيدي حوارًا بين أبي بشر صاحب شرح المنطق وأبي هاشم المتكلم.١٢ عاب أبو هاشم المنطق كما عابه السيرافي. المنطق من النطق على وزن حق ولكن فيه ازدراء وظلم لأنَّ العلم لا يتحدد فقط من اسمه واشتقاقه ووزنه، بل من حيث مضمونه وممارسته، صوابًا أو خطأ.١٣

ويُحاول أبو حيان تأسيس على علم كلام فلسفي إشراقي يجمع بين البديلين في آن واحد، يُصحِّح أخطاء المتكلمين بحكمة الفلاسفة وطبقًا لنفس النسق الأشعري السائد بداية بنظرية الوجود ثم نظرية المعرفة أي المبادئ العامة ومعرفة الله والتنزيه مع أولوية الوجود على المعرفة في الممكن والوجاب، والعلَّة والمعلول والجوهر والعرض وهي تعادل الطبيعيات في علوم الحكمة، وموضوعات الحركة والصورة والملك، ثمَّ الإلهيات في نظرية الفيض التي يصعب فيها التمييز بين الإلهيات والطبيعيات أو الموجود الأول مع الخلق والعناية ثم أفعال الله القضاء والقدر والمعاد وأخيرًا الفرق وتشعُّبها وإمكانية توحيد الأمة من جديد.

ويأخذ موضوع الواجب والممكن والمُستحيل الصدارة على العلَّة والمعلول. ويظهر المُمكن أكثر مما يظهر الواجب والمستحيل وكأن الإمكان هو الأساس والطرفان، الواجب والمستحيل، فرعان. وقد لا تكون هناك طبيعة للمُمكن. إنما هو فرض ووهم ووضع وظن في مقابل الواجب والمُمتنع. الممكن فيه من الواجب والممتنع شيئًا لأنه وسط بين الاثنين. لذلك انقسم إلى أكثر ووسط وأقل. الإمكان هو الطاقة قبل تحقُّقها، والمشروع قبل إنجازه، والإمكانية قبل الواقع، والقوة قبل الفعل. أما الواجب أو المُمتنع فإنهما لا يتوقَّفان على شيء مثل الإمكان. الواجب لا عرَض له ولا تغيُّر فيه ولا حيلولة لا بالزمان ولا بالحدثان ولا بالطبيعة ولا بالوهم ولا بالعقل. العقل يَنقاد إليه، والطبيعة تَستسلِم له. لذلك كان الواجب هو الله فلا يوجد إمكان في الله بل كله فعل. وهو التصور التقليدي لأحكام العقل الثلاثة بالإضافة إلى بعض تحليلات لغوية، فالواجب على وزن فاعل أو كلامية مثل موضوع الرؤية على لسان ابن يعيش الرقى. فالمُمكن شبيه بالرؤية لا بدن له يستقل به، ولا طبيعة تتميز بها.١٤ والحقيقة أن الله أقرب إلى الإمكان الخالص. يتحقق كمشروع للفرد وللجماعة وفي التاريخ مشروع توحيد وكمال. وأيهما أكثر تنزيهًا وفاعلية لله، الله كواجب أو الله كإمكانية وطاقة متجدِّدة كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ؟ الله كثابت، محرِّك لا يتحرَّك أو الله كديمومة وحركة ونشاط، الله محلٌّ للحوادث كما قال محمد بن كرام، الله صيرورة وليس وجودًا.١٥
وفي أقسام الوجود إلى جوهر وعرض لا يجوز عند أبي سليمان أن يصدر فعلان متضادَّان من واحد، ولا يجوز فعل واحد بالذات من جوهرَين مختلفَين بالذات. وحدة الجوهر تصدر عنها وحدة الفعل وتعدُّدية الفعل من تعدُّدية الجوهر. ويبدو الجوهر الإنساني وسعادته هو الأساس. السؤال ميتافيزيقي والإجابة نفسية أخلاقية مما يدلُّ على أن الموضوع إنشائي وليس خبريًّا، ذاتيًّا وليس موضوعيًّا، مظهرًا وليس حقيقة.١٦
ولا مدخل للزمان في أسبقية العلَّة للمعلول. فهذه هي المبادئ الميتافيزيقية العامة كما لاحظ يَحيى بن عدي والنحويون. كما أنَّ الاسم قبل الفعل لا يتضمَّن معنى الزمان. والطبيعة كالنحو. والإضافة والتضمُّن والالتزام طبيعة ونحو ومنطق.١٧

وتظهر مشكلة الواحد والكثير ضمن المبادئ العامة، والمدخل إليها لغوي بما يتَّفق مع طبيعة الموروث، الموجود الأول واحد بالجنس كثير بالنوع، وواحد بالنوع كثير بالشخص، وواحد بالحد كثير بالموضوع، وواحد بالموضوع كثير بالحد، وواحد بالمعنى كثير بالاسم، وواحد بالاسم كثير بالمعنى، وواحد بالفعل كثير بالقوة، وواحد بالاتِّصال كثير بالأجزاء. وهنا يتداخلُها المنطق واللغة والطبيعة، وتظهر قضية الأسماء المترادفة والمشتركة والمتواطئة كما هو الحال في المنطق.

وعند العامري الوجود له حقيقة واحدة لا تُدرَك إلا عقلًا وليس له مبدأ لامتناع المشاركة، ولا يتحرَّك. وعند أبي النضر بن النفيس، الوجود هو الحق الأول، علة العلل. والباري الإله غير منقسم. وينتهي الوجود الأعلى إلى الموجودات السفلى فيتجلَّى الفيض، يعقل ولا يحس. والواحد لا ينقسم وهو علَّة الواحد الذي ينقسم. والكثير الذي يتوحَّد غير الكثير الذي لا يتوحَّد، وهو علَّة له. أحيانًا يكون نمط الفكر الواحد الكثير، وأحيانًا الواحد الواحد، وأحيانًا الكثير الكثير، ولكنه لا يكون على الإطلاق الكثير الواحد أي الهرم المقلوب الذي لا يتَّفق مع التوحيد ويكون أكثر اتفاقًا مع أصول الفقه، تعدُّدية النظر ووحدة العمل.١٨
وواضح ارتباط المبادئ العامة بالإلهيات. فهي إلهيات صورية عقلية خالصة تمهِّد الطريق للإلهيات الحسية التشبيهية الكلامية. هي المبادئ العقلية الخالصة التي تَسمح ببناء الإلهيات الكلامية المشخصة مثل «رسالة الكندي إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى». وهي الإلهيات التي عبر عنها ابن سينا على نحوٍ صوري خالص. فالعلم لا يُصبح عِلمًا إلا إذا وصل إلى درجة معيَّنة من التجريد والصورية قبل أن يتحوَّل إلى علم شعوري ويعود إلى أصله الأول.١٩
والحركة على ستة أنواع: الاستِحالة والنقص (البلى) والربو والفساد والكون والانتقال. كل اثنين على التقابُل مثل الاستحالة والنقلة، النقص والربو، الكون والفساد. ثم أضاف الكندي حركة الإبداع. والفرق بين الإبداع والكون أن الإبداع لا في موضوع، والكون خروج من حالة خسيسة (الفساد) إلى حالة نفيسة. وعند أبي سليمان الإبداع بسيط غير مركب، تقوم الأشياء بلا كلفة فاعل ولا معاناة مانع. وهي ألفاظ لمعاني وليست حقائق. وكلها تعريفات بالسلب. ولا يَتساوى الكون والفساد على الحقيقة وبالعقل وإنما على السعة لاتِّصالهما بالحس.٢٠ وصف الكندي حركة الإبداع لأنه حكيم إلهي. وتلك إضافة المسلمين على اليونان، بالإضافة إلى التحليلات اللغوية للمُصطَلحات قبل الدخول في التصوُّر اليوناني. وتلك مهمَّة الموروث بالإضافة إلى حرفة الأدب، التأصيل اللغوي للفظ إبداع. وهو لفظ عربي أصيل. بل إن اليونان لم يعرفوا لفظ الخلق بل الصنع.
ثمَّ ينتقل أبو حيان من الحركة إلى الصورة وأنواعها. وهي ثمانية متدرِّجة من أعلى إلى أسفل، تجمع بين الفلسفة والتصوُّف، وأشبه بالأحوال والمقامات، الظاهر والباطن وهي: إلهية وعقلية على التقابُل بين الموضوع والذات، وفلكية طبيعية على التقابل بين الجسم العلوي والجسم السُّفلى، وأسطقسية وصناعية على التقابل بين الطبيعي والصناعي، ونفسية لفظية نظرًا لارتباط المعنى النفسي باللفظ الصوتي، وبسيطة ومركبة، وممزوجة وصافية، ويقظية ونومية، وغائبية وشاهدية. ومعظمها مُصطلحات موروثة باستثناء واحد، أسطقسية. والصورة هي التي يَخرج بها الجوهر إلى الظهور عند اعتقاب الصور إياه. والصور على مراتب. أعلاها الإلهية. ولا يُمكِن وصفها إلا على التقريب لأنها بسيطة. ولا يبقى إلا الرسم مثل التي تجلَّت بالوحدة وثبتت بالدوام ودامت بالوجود. والعقلية أقلَّها مرتبة. الإلهية لا تُلفظ خشية المشاركة. الإلهية تأتي قهرًا والعقلية طوعًا. والفلكية ترسم بالوهم، والطبيعية مُتعلِّقة بالمادة، واللفظية ناطِقة أو عجماء. مراتبها لذة الإحساس (الأدب)، وتحقيق الأفهام (الواقع)، وتحسين الأفهام (الفكر) مثل الأصوليين في وضع الشريعة للأفهام وتحقيق المناط. وهي جامعة للمثال والواقع، الحكمة والسفه، والاستقامة والاعوجاج، والإصلاح والفساد. وتتشخَّص الطبيعة عندما يُخاطبها أبو النفيس.٢١
ومعرفة الله قد تدخل في المنطق لأنها أقرب إلى نظرية المعرفة وقد تدخل في الإلهيات كجزء من المعرفة الإشراقية. وهي موضوع كلامي في نظرية العلم واختلاف المُتكلِّمين في المعارف الحسية والمعارف العقلية. معرفة الله ضرورية من ناحية العقل، واستدلالية من ناحية الحس (أبو الخير بن سوار). وعند أبي سليمان يعرف الله بالعقل وضوحًا وبالحسِّ إشكالًا، التمام أليق بالمحسوسات، بلوغ الشيء الحد دون إفراط أو تقصير. والكمال أقرب إلى المعقولات. العقل لا غناء عنه في الأشياء التي يغلب عليها الحيلولة والسيلان. كما أنَّ الحس لا يَنفذ في الأمور التي لا تتطوَّر. لذلك عرفت الحكمة في الكائنات الفاشيات، وخفيت في العلل والأسباب. يذهب العقل من المتغيِّر إلى الثابت، والحس لا يدرك إلا المتغير. وصف ابن يعيش الرقى العقل بشهادة الحس، والحس بشهادة العقل. لا يطردان ولا يستمران لتفرُّد كلٍّ منهما. لا يوجد حيوان لا عقل له أو حي لا حس له. دور العقل الأشياء الروحانية البسيطة الشريفة والصور الرفيعة. ويصعب تحديد البسائط. لذلك تكثر التشبيهات فيها بالنور والفيض. آثار العقل ووظائفه العليا في الإشراق والسُّفلى في الاستدلال. ويختلف العقل حسب البشر ويتفاوتون فيه. ويُمكن تطبيقه في عديد من العلوم مثل الهندسة والطب والنحو والفقه، لا فرق بين العلوم الطبيعية والعلوم النقلية. ويَصعب التمييز بين العقل والنفس نظرًا لتداخلهما واستعمالهما على التبادُل كما هو الحال عند إخوان الصفا.٢٢ وظيفة العقل التمييز والتحصيل والتصفح والحكم، والتصويب والتخطئة، والإيجاز والإيجاب والإباحة. ويختلف فيه الناس بين الصفاء والكدر، والإنارة والظلمة واللطافة والكثافة، والخفة والحصافة. وصنعيهما التحسين والتقبيح.٢٣ ولكن هل يعقل العقل؟ وهي قضية الوعي بالذات والتي أجاب عنها الفلاسفة بالتوحيد بين العقل والعاقل والمعقول، عندما يتحوَّل العقل إلى شوق وكمال وإشراق وتصوف ورمز. والرؤية ظل اليقظة، وسط بين اليقظة والنوم، بين ظهور الحس بالحركة وخفائه بالسكون. والنوم وسط بين الحياة والموت، والموت وسط بين الشهود والخلود.٢٤

ولما كان العقل خليفة الله في الأرض فإن الطبيعيات تؤدِّي إلى الإلهيات. وتختلط فيها إلهيات الفلسفة الإشراقية ونظرية الفيض مع إلهيات الكلام التشخيصية تبدو نظرية الفيض أقرب إلى الفلسفة الشعبية التي تخاطب الناس كما تبدو إلهيات الكلام أيضًا إلهيات شعبية. وفي كلتا الحالتين الطبيعة قوة إلهية أو عقلية أو نفسية، أقرب إلى الطبيعة الحية. لكل مرتبة ميدانها. كل رتبة علوية تَسمح للسُّفلية للعمل في ميدانها والله هو المسيطر على كل شيء في تصوُّر هرمي للعالم، لا فرق بين الله والملك والسلطان.

وهنا تتداخَل الإلهيات والطبيعيات والنفسانيات. فالطبيعيات إلهيات مقلوبة إلى أسفل، والإلهيات طبيعيات مدفوعة إلى أعلى، وكلاهما نفسانيات خرجت من الداخل مرة إلى أعلى في الإلهيات، ومرة إلى أسفل في الطبيعيات؛ أي إن الخطاب كله خطاب إنشائي وليس خبريًّا كما تدلُّ على ذلك بعض ألفاظ الاقتضاء الأخلاقي مثل التمام والكمال. يَنتقل أبو حيان من الطبيعية إلى الأخلاق كما هو الحال عند إخوان الصفا، ومن الأخلاق إلى الطبيعة كما هو الحال عند الفلاسفة، من العالم إلى النفس، ومن النفس إلى العالم، من الخارج إلى الداخل، ومن الداخل إلى الخارج وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ في محور أفقي. كما ينتقل من الطبيعة إلى ما بعد الطبيعة ومن ما بعد الطبيعة، من أسفل إلى أعلى ومن أعلى إلى أسفل في مِحور رأسي. فيتأسَّس علم الكلام الإشراقي الذي يجمع بين علم الكلام الفلسفي وعلم الكلام الصوفي، بين الفيض والخلق، بين الإشراق في النفس والتجلِّي في الطبيعة.

ويدلُّ السؤال عن السبب في عدم صفاء التوحيد في الشريعة من شوائب الظنون كما صفا في الفلسفة على الرغبة في التحوُّل من التشبيه الكلامي إلى التنزيه الفلسفي، والتحول من الكلام إلى الفلسفة ثم من الفلسفة إلى التصوف. فالفلسفة تمثل نموذجًا أعلى من الكلام. كما أن التصوُّف يُمثِّل نموذجًا أعلى من الفلسفة. والسبب اثنان. الأول اعتبار الشريعة قوة إلهية. وهو سبب غيبي لا يمنع من التنزيه وموجود في الكلام والفلسفة والتصوف على حدٍّ سواء. والثاني قسمة الناس إلى عامة وخاصة، الكلام للعامة والفلسفة للخاصة، والتصوف لخاصة الخاصة. التشبيه للعامة، والتنزيه للخاصة، والتوحيد لخاصة الخاصة. الصورة للعامة، والبرهان للخاصة، والمشاهَدة لخاصة الخاصة. وهو تمييز الصوفية بين علم اليقين وحق اليقين وعين اليقين. وقد تكون العلاقة تطوُّرية أفقية وليست تراتبية رأسية. فالتنزيه تطوير للتشبيه، والتوحيد تطوير للتنزيه.

والنقل هو المسئول عن التشبيه. فقد اعترض أحد الحاضرين أن كلام الأوائل يَسُوده التشبيه بعيدًا عن التنزيه. ويدافع أبو حيان عن الموروث بأن الفلاسفة موحدون بالرغم من أن البعض عبر بلغة العامة ووقع في التشبيه. والنقل هو المسئول، من اليونانية إلى العبرانية، ومن العبرانية إلى السريانية، ومن السريانية إلى العربية نظرًا لصعوبة الترجمة والبعد عن اللغة الأصلية والخلاف في طبائع اللغات وخصائصها في وسائل التعبير، ويُمكن تجاوز ذلك بالانتقال من العلم إلى العمل، ومن النظر العقلي إلى طهارة النفس، وإكمال العلم النظري بالعلم العملي. فالنقل هنا له معنيان؛ النقل من لغة إلى لغة أي الترجمة، والنقل في مقابل العقل أي النص.٢٥
والاشتراك في الاسم هو أحد أسباب التشبيه؛ إذ يشترك الله والملك والإنسان والحيوان في نفس الصفة مثل الحياة. وهذا يتوقَّف على الأسماء الجارية وعادات الكلام وجهة التقريب والمشاركة في الصفات. فأين الحقيقة وأين المجاز؟ لا يمكن فهم البسيط إلا تشبيهًا بالمركب. فإذا كان لا يُمكن وجود الإنسان بدون الله فإنه لا يمكن فهم الله بدون الإنسان. الأول علاقة وجود والثاني علاقة معرفة. ولكن هل تخلق المعرفة الوجود؟ أساس فهم الخلاف بين البشر هو فهم البسيط والمركَّب. وإذا استحال معرفة الملك فالأولى استحالة معرفة الله. ومن تحصيل الحاصل وصف الله والملك بما وصف الله نفسه لأن الكلام لغة إنسانية وفهم إنساني وموقف إنساني. ومن ثَمَّ كان القول بالتشبيه والتقريب، واستعمال أساليب البيان مثل الأدب أو التأويل مثل الفلاسفة أو أخذه مقاييس للسلوك الفاضل كالأصوليِّين أو الصمت أفضل كما يفعل الصوفية.٢٦
كما يسأل المتكلِّمون عن أشياء تؤدي إلى التشبيه والتجسيم مثل هل الله شيء أم لا شيء.٢٧ والإجابة في اللغة، مصدر من شاء يَشاء شيئًا، وهو سؤال إنساني وليس سؤالًا إلهيًّا يطلق على الله مجازًا. وأيضًا سؤال: لماذا الله مُذكَّر وليس مؤنثًا؟ والحقيقة أنه لا يوجد تذكير وتأنيث في الله، بل فينا مما يدلُّ على الإسقاط، وأن ما يُقال على الله هو إسقاط مما يُقال على الإنسان، وأن كل إلهيات هي إنسانيات مَقذوف بها إلى أعلى.٢٨ هذا بالإضافة إلى الإجابة اللغوية، أن التذكير هنا على التغليب في ثقافة الذكورة فيها قيمة أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ.٢٩
ويَتناول أبو حيان باقي العقائد الكلامية مثل أفعال الله كالخلق والعناية والقضاء والقدر والمعاد، حفاظًا على التنزيه وابتعادًا عن التشبيه وجمعًا بين علم الكلام الفلسفي والتصوف في علم الكلام الإشراقي. فالخلق مثلًا منبجس الأشياء ووضعها. وإذا كان للأشياء في كمالها محرك أول فلم لا يكون لها سكن أول؟ ويمكن الجمع بين القدم والحدوث في لا زمان وفي زمان. والأجرام العلوية قديمة والسُّفلية حديثة. فالحكم بالقدم أو الحدوث عند المتكلِّم حكم بالجزء على الكل أو بالكل على الجزء. العالم قديم من أعلى حديث من أسفل، قديم من المركز حديث من المحيط. العالم كائن وفاسد، وفاسد وكائن في تقابل للأضداد، وكما يقول القس نظيف النفس الروحي ربما تبريرًا لعقيدة التجسد.٣٠
وينكر المصادفة والبخت، ويقرُّ بالعناية ابتداءً من حكاية يونانية تقول بالمصادفة لإعادة قراءتها من منظور العناية. المصادفة ما يَجهل الناس سببه.٣١ وهي من ناحية الله التوفيق، ومن ناحية العقل التجويز، ومن ناحية النفس التهيئة، ومن ناحية الطبيعة الإمكان، ومن ناحية الحس العادة. وتروى حكايات كثيرة ظاهرها مصادفة وحقيقتها عناية مثل حكاية المجوسي واليهودي وصحبة الطريق ووحدة الدين. وهي نفس الحكاية عند إخوان الصفا مما يدلُّ على الاشتراك في المصادر الشعبية، والمصادفة ليست فقط نقصًا في معرفة الأسباب، بل هي أيضًا إحدى مراتب الوجود. فالأمور غرائب إلهية وهي الغريب، وبسائط عقلية وهي البديع، والقوى النفسية وهي القادر، والحدود الطبيعية وهي الواجب. والفلتات بين هذه المراتب. والأوائل مزدوجات وهي المتوحِّدات، والثواني مكررات، والثوالث محقَّقات، والروابع متمِّمات، والخوامس مدبرات، والسوادس مضاعفات، والسوابع ظاهرات والثوامن معقبات، والتواسع عاليات، والعواشر كاملات.٣٢ والسبب في هذا كله إسقاط الإرادة والاختيار. وقد نهى الرسول عن الطيرة من أجل الاعتماد على الذات، ودافع عن الفأل ثقة بالمستقبل ودفعًا للتشاؤم. وهو نفس موضوع إخوان الصفا في «رسالة السحر والعزائم» على نحو أدبي شعبي.
ونظرًا لأن الإلهيات الشعبية أقرب إلى الكلام منها إلى الفلسفة فقد وضع سؤال: هل فعل الباري تعالى ضرورة أم اختيارًا؟ إن قيل ضروري كان الله أقرب إلى الطبيعة. وإن قيل اختياري كان أقرب إلى الإنسان. وكلاهما إجابتان ناقصتان نتيجة للمزلق الفكري للمشكلات الزائفة. ولا حلَّ لها إلا التنزيه الإنشائي، أن الله أشرف منا، ويعمل على نحو أكمل منا. ولا يُعرف إلا قياسًا للأصل على الفرع. يصف الإنسان نفسه نسبيًّا، ثم يطلق الوصف على الله. المشكلة إذن اسمية وليست عينية، في منطق الأحكام وليس في بنية الوجود، في علم النفس اللغوي وليست في العالم الطبيعي.٣٣
ويتمُّ التعرض لموضوع القضاء والقدر بمناسبة مناقشة كتاب العامري «إنقاذ البشر من الجبر والقدر». المصطلحات من الموروث بل من لغة القبائل في الفرق بين الجبر والاختيار. القضاء هو العلم المسبق، والقدر الأجزاء الحادثة عند أبي سليمان والموضوع يتوقَّف على المنظور، من منظور الله إجبار، ومن منظور البشر خلق الأفعال. ولما كان الإنسان ليس إلهًا فإنه خالق أفعاله. وقد عبَّر القرآن عن المنظورين معًا. ويمكن تفسير الجبر على أنه ميدان الفعل خارج الحرية الإنسانية، العوامل غير المنظورة، والعقبات غير المتوقَّعة. فالحرية الذاتية لا تتحقق إلا في ميدان الفعل الضروري. الحرية والضرورة يلتقيان في العلاقة بين الذات والموضوع.٣٤
وبالرغم من أن «الإشارات الإلهية» أقرب إلى التصوُّف منه إلى الحكمة إلا أنه تظهر فيه بعض المسائل الكلامية، مثل الحسن والقبح، وبعض مصطلحات الطبيعة مثل الحركة والسكون.٣٥

ويرتبط المعاد بالطبيعيات لأنه نتيجة للنفس، هل المعاد مفارقة النفس لأمر آخر، تخلية البدن أم كلاهما؟ البعث نتيجة طبيعية للخلق. فالآخر يتحدَّد بالأول. لذلك فإن طرح سؤال علم الكلام بأنه لو اقتضت إرادة الباري عدم البعث والنشر لما قدح ذلك في ألوهيته سؤال يفترض المقدمة بلا نتيجة. يقع في الأشعرية، وينفي الواجبات العقلية. ويفضل الإنسان إذا ما فارق العالم أن يبقى وعيُه من خلال الحواس استمرارًا للوعي في عالمٍ يسودُه الحق والعدل. وتُرفض الجنة الحسية لأن الأدلة فيها تتكافأ بين النَّفي والإثبات مما يدلُّ على ضعف المنهج الجدلي. يثبتها الحس للعوام، وينفيها العقل للخواص. والبديل طمأنينة القلب وهو أقرب إلى إيمان العوام. فالإجابة إذن على الأسئلة الكلامية ليست في الموضوع بل في المنهج. وكلما تمَّ الاقتراب من الموضوعات الشريفة زاد التمثيل والتشبيه. لذلك ضرب الوحي الأمثال.

١  الإمتاع ج٢، ٧٦–٧١ انظر أيضًا «من العقيدة إلى الثورة»، المجلد الخامس، الإيمان والعمل والإمامة، خاتمة: من الفرقة العقائدية إلى الوحدة الوطنية ص٣٩١–٦٥٣.
٢  وكما هو الحال عند هيجل وشلنج وفشته ونيتثه وبرجسون وبرنشفيج وهوسرل في الفلسفة الغربية.
٣  وذلك بداية من الليلة الثامنة والعشرين، الإمتاع ج، ١٦٣–١٦٥. ومن موضوعات الرسائل العلمية يُمكن دراسة أثر التشيع على علوم الحكمة.
٤  الإمتاع ج١، ١٣٠.
٥  هو قول الداركي أحد فقهاء الشافعية (٣٧٥ﻫ)، السابق ص١٤٢.
٦  الإشارات ص٢٠٨.
٧  الصداقة ج٣، ٨، ٣٦٧.
٨  المقابسات ص٢٠٥-٢٠٦، الهوامل ص٣٠-٣١، ٥٨، ٨٤.
٩  الامتاع ج٣، ١٩٠–١٩٧.
١٠  في أن الطبيعة تعمل في تخالف الناس على المذاهب والمقالات والآراء والنحل، المقابسات ص١٥١-١٥٢ «في هل ما عليه الناس من السيرة والاعتقاد حق كله أو أكثره حق أو باطل كله أو أكثره باطل.» السابق ص١٦٠-١٦١، «في علة اختلاف الأجوبة في المسائل العملية.» السابق ص٥٣، «في أن الحق لم يصبه الناس في كل وجوهه، ولا أخطاؤه في كل وجوهه.» (السابق ص٢٥٩-٢٦٠).
١١  الإشارات ص١٠٨، ١١٢.
١٢  جدل الوافد والموروث، قراءة في المناظرة بين المنطق والنحو بين متى بن يونس وأبي سعيد السيرافي، هموم الفكر والوطن، ج١، التراث والعصر والحداثة ص١٠٧–١١٨.
١٣  المقابسات ص٣٢٣، الهوامل ص٢٦٥-٢٦٦.
١٤  المقابسات ص٢٠٩–٢١٣، ١٥٤-١٥٥، الإمتاع ج١، ٢١٦.
١٥  هذا موقف هيجل وكيركجارد وفشته وشلبخ وبرجسون ودارون وهويتهد ورينان والوجودية في الفلسفة الغربية المعاصِرة.
١٦  في أقسام الوجود المقابسات، ص٢٠٩–٢١٣، ٢١٥–٢٢١، ٢٧٢.
١٧  في قول القائل «العلَّة قبل المعلول لا مدخل للزمان فيه» المقابسات، ص١٥٤-١٥٥.
١٨  وهو ما ينقصنا في حياتنا المعاصرة.
١٩  انظر «من العقيدة إلى الثورة»، المجلد الأول «المقدمات النظرية» الفصل الرابع نظرية الوجود الأمور العامة، ص٤٣٠–٤٨٩.
٢٠  الإمتاع ج٣، ١٣٣–١٣٦.
٢١  السابق ص١٣٧–١٤٤، ١٧٦.
٢٢  وذلك على عكس الفلسفة الغربية منذ ديكارت التي ميزت بين العقل الصوري الاستنباطي والنفس البيولوجية.
٢٣  المقابسات، ص٢٠٥-٢٠٦، ٢٧٣، الإمتاع، ج١، ٢١٧-٢١٨، ٢٢٠ ج٣، ١٣٥.
٢٤  في الفلسفة الغربية المعاصرة يواجه العقل الموضوع أكثر مما يُواجه ذاته. وهو عقل فردي وليس العقل العام الذي يشارك فيه كل العقلاء.
٢٥  المقابسات، ص٢٥٧–٢٥٩.
٢٦  الإمتاع، ج٣، ١٠٧، ١٢٣–١٢٥.
٢٧  وهو مثل ما يقوله هيدجر في مقاله الشهير عن الشيء Dass Ding.
٢٨  «من العقيدة إلى الثورة»، المجلد الثاني، التوحيد، إلهيات أم إنسانيات؟ ص٦٠٠–٦٥٦.
٢٩  المقابسات، ص١٨٧-١٨٨، ١٥٠-١٥١، ١٨٧-١٨٨.
٣٠  «في أنَّ الحق الأول منبجس الأشياء ومنبعها، المقابسات، ص١٩٦-١٩٧»، «في أن الأشياء كمالها محرك أول فلم لا يكون لها مسكن أول» ص٣٥٤–٣٥٦، «في أن العالم من حيث هو كائن فاسد ومن حيث هو فاسد كائن»، ص٣٢٠، ٣٤٥.
٣١  وذلك مثل تعريف اسبينوزا للمعجزة. انظر ترجمتنا: رسالة في اللاهوت والسياسة، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة ١٩٧٣، ص٦٥–٦٩، ٢٢١–٢٤٠.
٣٢  الإمتاع، ج٢، ١٥٣، ١٥٧–١٦٢.
٣٣  المقابسات، ص١٤٩–١٥١.
٣٤  تمَّت مناقشة الموضوع في الليلة السادسة عشرة والأخيرة. وهم أصغر الحوارات، الإمتاع، ج٣، ص٢٢٢–٢٢٦.
٣٥  الإشارات، ص٩٩-١٠٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤