خاتمة عامة

هل ثَمة فلسفة نسائية عربية؟

يتنزَّل هذا الكتاب ضمن مجال الفلسفة النسوية المعاصرة، لكنَّه لا يكتفي بعرض أهمِّ خرائطها ونظريَّاتها وحدودها. إنَّما يراهن على إنجاز ملامح أوَّلية لنسوية نقدية في لغة الضاد. وهي نسويَّة أردنا من خلالها مسائلة منزلة المؤنث واقتداراته وحدوده معًا، سواء تعلَّق الأمر بالنظريات الغربية أو الخطاب النسوي العربي الذي عاصر على نحو عميق الأحداث الفكريَّة الكبرى في هذا المجال. غير أن كتابنا هذا لم يكن في خطَّته الانخراط في عرض هذه الورشات على تعدُّدها واختلافها، إنما اقتصرنا فقط على مفاهيم وأسئلة فلسفية حول معارك المؤنث منذ النحو العربي وصولًا إلى الفضاء العمومي مرورًا بالإرهاب النسائي كواقعة تأويلية خطيرة تُزعزع كل التصورات التقليدية عن النساء في النظريات النسوية نفسها. ومن أجل استشراف نسوية إيجابية تقول نعم للكينونة النسائية ولعبقرية المؤنث (جوليا كريستيفا) و«للأنثى هي الأصل» (نوال السعداوي)، اتَّخذنا من الفنِّ النسائي إقليمًا وجوديًّا للتفكير في «نسوية إبداعية» دون أن يكون في هذا المفهوم أيُّ ادعاء نخبويٍّ أو إقصائي. فالنسوية الإبداعية التي يطمح إلى إنجازها هذا الكتاب هي نسوية لا تكتفي فقط بالنسوية الحقوقية ولا تنخرط في أفق النسوية الراديكالية أو الجندرية، إنما تطمح إلى تنشيط الورشات الإبداعية النسائية بالتأويل والنقد والاحتفاء والتثمين معًا، أي بجلب صخب المؤنث المبدع إلى باحة الصوت والخطاب الجمالي العربي مقاومة لهيمنة النظام الذكوري على تاريخ الفنون والمنظومات الرمزية ومجال الخيال بعامة؛ لذلك انتخبنا بعض التجارب الإبداعية العربية والأفريقية في مجال الفنون التشكيلية وجعلناها قسمًا تطبيقيًّا لمفهوم النسوية الإبداعية طامحين بذلك إلى توسيع هذه الورشة وتطبيقها على بقية الفنون النسوية. أما عن إمكانيَّة الحديث عن فلسفة نسائية عربية فقد حاولنا في الفصل الأخير الذي اختتمنا به القسم الأول أن ننبِّه إلى خطورة مواصلة إقصاء النساء من مجال الفلسفة، أي من مجال صناعة الحقيقة، وهو إقصاء لم يتمَّ التأريخ له في ثقافتنا إلى اليوم. وقد حان الوقت أن تدخل «المرأة الفيلسوفة» غمار الحياة الفكرية العربية، وأن تساهم مع الرجال في صناعة الفلسفة العربية المعاصرة بعد قرون من إقصائها من مجال صناعة العقل في أوطاننا.

يراهن هذا الكتاب على تغيير العقليات في مجال التمثُّلات الاجتماعية والرمزية حول منزلة النساء في إبداع أشكال جديدة من الكينونة الجندرية، وذلك بالتأريخ للإبداع النسائي سواء في مجال الفنون أو إنتاج المعرفة بأنواعها سواء كانت فلسفية أو علمية. الفنُّ هو دربنا الوحيد لاختراع أشكال جديدة من الحياة المشتركة، والفلسفة باحة للتدرُّب على شجاعة الحقيقة ضدَّ شجاعة اليأس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤