الفصل السادس

السعر والمكان (إدارة القنوات)

يُعَد عنصرا السعر والتوزيع جزأين مهمَّين من استراتيجية التسويق، لكنهما غالبًا ما يتعرَّضان للتجاهل أو التهميش عند صياغة استراتيجية التسويق. فالتسعير يُعَد بالغ الأهمية لأنه يرتبط مباشرةً بالإيرادات التي تحقِّقها المنظمة؛ مما يؤثِّر على ربحيتها. وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ عنصر السعر غالبًا ما يؤثِّر في العناصر الأخرى ضمن المزيج التسويقي أو يترابط معها. فإذا حُدِّد سعر للمنتَج أعلى من متوسط أسعار السوق، فقد يشير ذلك ضمنيًّا إلى أنه أجود من المنتَجات الأخرى في السوق، وينبغي أن تعكس سمات المنتَج وفوائده ذلك بالضرورة. وعلاوةً على ذلك، فإنَّ السعر العالي يعني أنَّ قنوات التوزيع (متاجر التجزئة) من المتوقَّع أن تكون عالية الجودة؛ وكذلك ينبغي أن تعكس رسائل التسويق الترويجية الوضع الممتاز للعرض في المجمل وتدعم قيم العلامة التجارية. ويحمل السعر أيضًا تأثيرًا استراتيجيًّا؛ لأنه يمكن أن يُستخدم لخلق ميزة تنافسية في السوق؛ إما بخفض الأسعار مقارنةً بالمنافسين وإما بدعم البيانات التي تضع المنتَج في موضع ممتاز. فعلى سبيل المثال، يمكنك شراء ساعة يد من طراز كاسيو، وهي ساعة جيدة بالفعل، مقابل ٢٢٫٩٩ جنيهًا إسترلينيًّا، في حين أنَّ بعض الزبائن مستعد لدفع أكثر من ٦٠٠٠ جنيه إسترليني مقابل ساعة من طراز رولكس؛ لأنها تُعتبر ذات جودة عالية ورمزًا للفخامة.

أمَّا قرارات المكان، فتتعلق بكيفية وصول المنتَج إلى الزبائن؛ أي أشكال التوزيع إلى السوق. يُمكن أن يجري التوزيع من خلال قنوات مباشرة أو غير مباشرة. وتُعرَف القناة المباشرة بأنها توصِّل المنتَج أو الخدمة من المنتِج إلى المستهلِك مباشرةً، في حين أن القنوات غير المباشرة توزِّع المنتَج أو الخدمة عبر عدد من الوسطاء، كتجار الجملة وتجار التجزئة، وعبر الإنترنت. ويتعلق عنصر المكان أيضًا بالموقع الفعلي الذي يمكن للعميل أن يحصل على السلع والخدمات منه، وهذا أصبح يشمل المواقع الإلكترونية. يكمُن مفتاح اختيار المكان المناسب في إتاحة المنتَج حيثما وحينما يتوقعه العميل؛ وبذلك يتسنى الحصول على المنتَج بسهولة. يتمثل الخيار الاستراتيجي للمسوِّقين في اختيار المكان الذي يتماشى مع قيم العرض أو العلامة التجارية، والذي يضيف قيمة إلى تفاعل العميل مع المنتَج، مثل متاجر أبل التي تتيح للعميل فرصة لخوض تجربة تفاعلية وتوفِّر مكانًا لشراء منتَجاتها.

التسعير

يُعَد التسعير أمرًا أساسيًّا لنجاح استراتيجية التسويق؛ لأنَّ استراتيجية التسعير المختارة تحدِّد مستوى المبيعات والأرباح التي يحقِّقها مُنتَج معيَّن أو مجموعة منتَجات. ولكن يجب أن تتوافق استراتيجية التسعير التي يتبنَّاها فريق التسويق مع شروط التسعير العامة المحدَّدة وفقًا للموازنة بين تكاليف الإنتاج وعائد المنظمة المتوقَّع. ونستعرض فيما يلي معادلةً أساسية بسيطة يقوم عليها قرار التسعير:

تكاليف الإنتاج لكل وحدة + العائد المطلوب (هامش الربح) = السعر الأساسي

يُسمى هذا النهج «التسعير على أساس التكلفة المضافة»، ويضمن عدم تكبُّد المورِّد لأي خسارة عند بيع ذلك المنتَج. غير أنَّ هذا النوع من التسعير يتجاهل حساسية الطلب في السوق؛ مما قد يؤدي إلى تحديد سعر أعلى مما تتحمله السوق، أو يتجاهل استعداد بعض العملاء لدفع سعر أعلى. وينبغي التنويه أيضًا إلى أن التسعير يُعَد جزءًا ديناميكيًّا من المزيج التسويقي؛ لأنه يُمكن أن يتغير بسهولة تجاوبًا مع بيئة السوق السريعة التغير. ففي السنوات الأخيرة، صار العملاء يسعون إلى الحصول على قيمة أكبر من مشترياتهم (أي الحصول على المزيد مقابل دفع سعر أقل). وهذا يضع المورِّدين وتجار التجزئة تحت ضغط كبير لخفض الأسعار باستمرار في المتاجر (أو على الإنترنت). ولكن مع أن خفض الأسعار قد يسهم في زيادة حجم المبيعات، فإنه مع الأسف قد يُسهِم أيضًا في تقليل الأرباح، كما قد يؤدي أحيانًا إلى اندلاع حروب أسعار مع المنافسين. ونتيجةً للمنافسة المتزايدة التي تخلقها المتاجر الإلكترونية التي تعرض البيع بالتجزئة بأسعار مخفَّضة، يتزايد عدد المنتِجين الذين يحتاجون إلى إيجاد استراتيجيات تسعير من شأنها الحفاظ على مركزهم في السوق وأرباحهم.

يختار المسوِّقون، بدءًا من السعر الأساسي، مستوى السعر الذي يضع عروضهم في موضع تنافسي في السوق، ويلبِّي توقعات العملاء والمستهلِكين، ويوفِّر أكبر عائد محتمَل. يجب أن تستوفي استراتيجية التسعير المختارة عددًا من الشروط الواضحة. فما الأهداف المالية للمنظمة؟

  • (١)

    منظمة «هادفة إلى الربح»، مثل تلك التي تنتج سلعًا استهلاكية، تتطلع إلى تحقيق أرباح للمساهمين ببيع منتجاتها مقابل مبلغ أكبر من تكلفة الإنتاج.

  • (٢)

    منظمة «غير هادفة إلى الربح» تنوي تغطية تكاليفها فقط، مثل تلك التي تُجري الأبحاث أو تقدِّم خدمات تعليمية.

  • (٣)

    منظمة «خيرية» تهدف إلى جمع الحد الأقصى من الإيرادات نظير كل أنشطتها، التي يجب أن تُجرى إما بأقل تكلفة ممكنة، وإما دون أي تكلفة على الإطلاق في الظروف المثالية.

الأمر الثاني الذي ينبغي وضعه في الاعتبار عند تحديد السعر هو أن تكون استراتيجية التسعير المختارة ملائمةً لواقع السوق. إذ ينبغي أن تتوافق الأسعار المفروضة مع الثمن الذي لا يريد العميل تجاوزه، وأن تكون منافِسةً للعروض الأخرى في السوق. ولكن في بعض الأحيان، يؤدي توفير السمات المطلوبة إلى ارتفاع تكاليف التصنيع، وهو ما قد يجعل السعر النهائي أعلى مما يرغب العديد من العملاء في دفعه. فآلات تحضير القهوة التي توفِّر للمستخدِم مذاقًا طازجًا عالي الجودة بأشكال مختلفة (كالكابتشينو والأمريكانو واللاتيه والموكا)، على سبيل المثال، تُعَد معقَّدة ومكلِّفة جدًّا في التصنيع. وعليه، فإن سعر البيع النهائي للآلة مرتفع نسبيًّا، وهو ما يجعلها أقل جاذبيةً للمشترين. ولحل هذه المشكلة، غالبًا ما يبيع المصنِّعون هذه الآلات بربح ضئيل جدًّا أو حتى بسعر تكلفة الإنتاج، لكنهم يعوِّضون ذلك لاحقًا ببيع العناصر الاستهلاكية المصاحبة، ككبسولات القهوة، بقدرٍ كبير من هامش الربح المضاف لتحقيق أرباح مستمرة.

استراتيجيات التسعير

ليس بالضرورة أن تضع استراتيجية التسعير سعرًا محدَّدًا للمنتَج، لكنها عبارة عن دليل استرشادي عام أو نطاق سعري. وقد اقترح بنسون شابيرو وباربرا جاكسون أنَّ المسوِّقين يُمكنهم اعتماد ثلاثة أنواع مختلفة من آليات التسعير لتحديد السعر، وذلك اعتمادًا على حالة السوق والهدف الذي يتعين تحقيقه. فاستراتيجية التسعير القائم على التكلفة مثلًا هي تلك التي يكون فيها السعر منخفضًا، وربما يكون أعلى بقليل جدًّا من تكلفة الإنتاج، وهنا يروِّج المسوِّقون للعرض بناءً على هذه الأسعار المنخفضة. وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تحقيق أعلى قدر من المبيعات والاستحواذ على حصة سوقية كبيرة عند هذا المستوى السعري.

أو يمكن للمسوِّقين استخدام استراتيجية «التسعير القائم على المنافسة» التي يُحدَّد فيها السعر مقارنةً بالعروض المقدَّمة من أقوى المنافسين. وهنا تقارن كل منظمة سمات منتجها وفوائده بسمات المنتجات المنافسة وفوائدها، وتُعين السعر لوضع المنتج في موضعه المناسب في السوق. ثم يروِّج المسوِّق لقيمة العرض، بهدف تمييز علامته التجارية عن منافسيه ودعم المستوى السعري المختار. أما الخيار الثالث، فهو تَبنِّي استراتيجية التسعير القائم على السوق، حيث يتماشى السعر مع المبلغ الذي يتوقع العميل دفعه والقيمة التي من المحتمَل أن يكتسبها من المنتج. وينبغي أن يدعم السعر سمات العرض وفوائده من أجل تلبية احتياجات العملاء، ورغباتهم، وطلباتهم. وتتضمن آليات التسعير الأساسية الثلاثة هذه بعض التنويعات المختلفة التي يمكن توظيفها في ظروف مختلفة، مثل كشط الأسعار، أو اتباع تسعير قادة السوق، أو قيادة الأسعار، أو تسعير الاختراق (انظر الجدول رقم ٦-١).
جدول ٦-١: استراتيجيات التسعير
الظروف المناسبة لاستخدامها الوصف استراتيجيات التسعير
تُستخدم لدعم صورة المنتج الفاخرة أو تعزيزها. ويكون المنتَج هنا ذا تصميم عصري من إنتاج مصمِّم شهير، أو فائق الجودة، أو حصريًّا، أو كل ما سبق. يُحدد السعر عند مستوًى قريب من الحد الأقصى للأسعار المحتملة لنوع المنتج هذا. التسعير القائم على الوجاهة (التسعير المتميز)
تُستخدم عندما يوجد طرف مهيمِن (لديه أكبر حصة في السوق) لتحديد مستويات أسعار جميع العروض. أنت من يحدِّد السعر في السوق لأنك الطرف الأساسي والمسيطِر. قيادة الأسعار
عندما تكون منظمتك في المرتبة الثانية أو الثالثة في السوق، وتنافس على التمايز وليس السعر. يُحدَّد السعر بحيث يساوي السعر الذي وضعه الطرف الأكثر سيطرة في السوق، ويتبع تغيرات الأسعار. اتباع تسعير قادة السوق
عندما تكون حصتك السوقية مهدَّدة من منافسين جدد أو للحفاظ على قيادة السوق. فرض أسعار منخفضة جدًّا (قريبة من سعر التكلفة) للبيع بسعر أقل من أسعار المنافسين. التسعير الافتراسي
تُستخدم لمقارنة سمات عرضك وفوائده بالعروض الأخرى لتحديد السعر عند مستوًى أعلى أو أقل من أسعار المنافسين. تقييم أسعار المنتجات المماثلة في السوق لتحديد السعر المناسب الذي ينبغي وضعه. التسعير القائم على السوق (أو المنافسين)
عندما يُستهلك المنتَج بطرق مختلفة وعند وجود نقص في قطاعات معيَّنة. فرض أسعار مختلفة على مجموعات مختلفة من العملاء وفقًا لقدرتهم على الدفع أو استعدادهم للدفع. التسعير التفاضلي
يُباع المنتَج الرئيسي بسعر أو هامش ربح أقل من المعتاد، وتُباع المنتَجات التكميلية بهامش ربح أعلى لتعويض أي خسارة حدثت عند بيع المنتَج الرئيسي. التسعير الذي يرتبط فيه سعر منتَج ما بمنتَج آخر تكميلي، مثل ماكينة الحلاقة والشفرات أو المكانس الكهربائية وأكياس التفريغ، أو يعتمد عليه. التسعير التكميلي
عندما يكون الطلب مرتفعًا أو يكون العرض محدودًا، يرتفع السعر، والعكس صحيح. يتغير السعر حسب الطلب وكلما لزم الأمر، حتى لو تغيَّر كل ساعة. التسعير الديناميكي
كشط الأسعار يكون المنتَج جديدًا على السوق ومبتكَرًا. يُفرض سعر مرتفع نسبيًّا لاسترداد تكاليف الابتكار في وقت مبكر من دورة حياة المنتَج.
تسعير اختراق السوق يُحدَّد السعر عند مستوًى أقل من متوسط أسعار المنتجات المماثلة لجذب العملاء أولًا ثم رفع السعر تدريجيًّا إلى مستوى السوق. عند إطلاق منتج جديد للحصول على حصة من السوق أو لردع منافسين جدد من دخول السوق.
التسعير الترويجي تغيير مؤقَّت في الأسعار لجذب عملاء جدد. تُستخدم لبيع فائض المخزون في حال وجود انخفاض في المبيعات، أو إذا كان المنافسون يكتسبون حصة متزايدة من السوق.

وعلى سبيل المثال، تستخدم عطور شانيل وساعات بريتلينج استراتيجيات التسعير المتميز (تسعير قائم على السوق)؛ لأنَّ منتَجات هاتين العلامتين التجاريتين تتسم بجودة وقيمة عاليتين جدًّا. ويقوم التسعير المتميز على فرض أسعار مرتفعة للغاية، مع مستوًى كبير من هامش الربح المضاف (الفرق بين تكلفة الإنتاج وسعر البيع) تماشيًا مع قيم العلامة التجارية. لكن الشركات التي تتبنى تلك الاستراتيجية من المتوقَّع ألا تبيع سوى كمية صغيرة نسبيًّا من المنتجات؛ نظرًا إلى أنَّ السوق المتاحة للمنتَجات المنتمية إلى تلك الشريحة السعرية محدودة. أما التسعير القائم على المنافسة، فيتجلَّى أحد أمثلته في سوق الوقود الاستهلاكي. إذ يبيع العديد من كبار تجار التجزئة، مثل تيسكو وسينسبريز، الوقود في مواقعهم بأسعار أقل قليلًا من أسعار مورِّدي الوقود الرئيسيين، مثل شيل وبي بي.

وعلى الناحية الأخرى، فإنَّ بعض المنظمات، مثل ليدل وبريمارك وميجاباص (انظر الشكل رقم ٦-١)، تُعَد أمثلةً للمنظمات التي تتبنى استراتيجية التسعير المنخفض؛ إذ يكون هامش الربح من كل منتَج على حدةٍ أقل، لكن حجم مبيعاتها يكون أكبر. ولكن يتعين على الشركات توخِّي الحذر عند الإعلان عن عروضها. فإعلان ميجاباص الموضَّح في الشكل رقم ٦-١ قد حظرته هيئة معايير الإعلان في المملكة المتحدة عندما تبيَّن أن مقعدًا واحدًا فقط هو المتاح بسعر جنيه إسترليني واحد على بعض المسارات. والآن قد عدَّلت شركة ميجاباص إعلاناتها بما يتوافق مع اشتراطات هيئة معايير الإعلان.

هذا ويُعَد قطاع السياحة والسفر أحد الأمثلة على التسعير التفاضلي؛ إذ يمكن مثلًا تسعير تذاكر القطار عند مستوًى أعلى بكثير خلال أوقات ذروة السفر التي تكثُر فيها سفريات مستخدِمي درجات رجال الأعمال، لكنَّ الرحلة نفسها قد تُباع بالفعل بسعر أقل خلال منتصف النهار. ونظرًا إلى أنَّ المقاعد المتاحة في القطارات تكون محدودة في أوقات الذروة، فإن الأسعار التفاضلية تشجِّع المسافرين على اختيار وقت آخر للسفر. وهذا يجذب مجموعة مختلفة من العملاء من خلال تذاكر منخفضة السعر إلى استخدام الخدمة أثناء الأوقات غير المزدحِمة؛ لأنَّ القطارات عليها أن تعمل خلال النهار في كل الأحوال.

ويُعَد استخدام التسعير الديناميكي أحد أحدث الاتجاهات في هذا السياق. ففي الماضي، كانت معظم الأسعار ثابتة؛ مع تحديد سعر واحد ينطبق على كل العملاء. ولكن بعد ظهور آليات البيع عبر الإنترنت وابتكار طرق متعددة للحصول على المنتَج، أدى ذلك إلى أسعار يُمكن تعديلها باستمرار لتُناسب حالة البيع وظروف السوق. فالفنادق مثلًا تستخدم التسعير الديناميكي لبيع الغرف من خلال الوسطاء ومواقع الإنترنت، وتعدِّل الأسعار باستمرار حسب الطلب على الغرف.

fig14
شكل ٦-١: إعلان ميجاباص.

ومن بين أساليب التسعير الأخرى التسعير بالحزمة، وهذا يتضمن وضع عدد من السلع والخدمات معًا في حزمة واحدة بسعر مخفَّض وشامل. وهنا تباع بعض المنتجات الموجودة في تلك الحزمة بخصم على سعرها، في حين أنَّ البعض الآخر يكون أكثر ربحية. وهذا الأسلوب يُمكن أن يعزِّز الأرباح لأنه يتضمن بيع عدة عناصر معًا، ولأنَّ المنتجات البطيئة التداول يُمكن أن تباع بوتيرة أسرع مع العناصر الأكثر رواجًا. ومن أمثلة ذلك باقات الهاتف المحمول التي تُباع مع حزم مختلفة من الخدمات، أو العناصر الغالية الثمن كالمكانس الكهربائية التي تباع مع المنتجات المصاحبة مثل الوحدات المحمولة أو مرفقات إضافية.

أخطاء التسعير

سلطت التجربةُ الضوءَ على عددٍ من أخطاء التسعير التسويقية التي أدت إلى تداعيات خطيرة على منظمات بأكملها. أحد أكثر الأخطاء شيوعًا هو ضعف التحكم في استراتيجيات التسعير الترويجية. فقيمة العرض تتضاءل في أذهان العملاء عند استمرار العرض الترويجي فترةً أطول مما ينبغي، أو طرح عروض تخفيض متعددة. وقد يتجلى أحد الأمثلة على ذلك في تجار بيع الأثاث بالتجزئة، الذين يبدو أنهم دائمًا ما يطرحون تخفيضات أو عروضًا خاصة على منتَجاتهم. وهو ما يجعل العملاء غير متيقِّنين من السعر الصحيح الذي ينبغي أن تكون عليه السلعة في الأساس؛ ولذا لن يشتروا السلعة إلا إذا رأوا أنهم ينالون عرضًا خاصًّا. ومن الأخطاء الأخرى التي يجب تجنُّبها تحديد الأسعار أو تغييرها بناءً على معلومات خاطئة عن السوق. فإذا كان السعر غير متوافق مع توقعات العميل، فمن المستبعَد أن يجذب المشترين. ومن الأخطار الأخرى ألَّا تكون استراتيجية التسعير المختارة ملائمة لحالة السوق، كزيادة الأسعار في وقت يكون فيه السوق شديد التأثُّر بالسعر، أو تخفيض الأسعار بهدف اختراق السوق في وقت قد يؤدي إلى حرب أسعار مع أحد المنافسين.

استراتيجيات التسعير المؤقت

تُعَد استراتيجيات التسعير المؤقت مصمَّمة للاستخدام عند تدشين منتَج أو إعادة موضعته في السوق. فاستراتيجية الكشط مثلًا تُستخدم عند تحديد سعر المنتَجات الفردية بحيث تُدِرُّ ربحًا كبيرًا. ويمكن استخدام هذه الاستراتيجية لاسترداد تكلفة ابتكار منتَج جديد عندما يكون لدى المنظمة عرضٌ فريد، وتجتذب مجموعة من المشترين الأوائل الذين يملكون دخلًا مرتفعًا متاحًا للتصرف فيه، ويفهمون قيمة العرض الجديد. ويمكن تحقيق ذلك إما بسرعة وإما ببطء، اعتمادًا على مدى السرعة المحتملة لشراء المنتَج والسرعة المحتمَلة لإنتاج المنافسين منتَجاتٍ مشابهةً له في المستقبل. فعندما أطلقت شركة «دايسون» مكانسها الكهربائية بنظام «ترشيح الهواء المشفوط» لأول مرة، كانت الأسعار مرتفعة للغاية مقارنةً بالمكانس الكهربائية الأخرى في السوق، ولكن عندما أثبتت هذه التكنولوجيا الجديدة نجاحها، انخفض السعر مع دخول المنافسين السوق بإصداراتهم الخاصة منها.

أمَّا آلية عمل استراتيجية تسعير اختراق السوق، فهي مختلفة. إذ تقوم على إطلاق المنتَج بسعر منخفض في البداية لجذب العملاء بأعداد كبيرة، ثم زيادة سعر المنتج تدريجيًّا ليصل إلى مستويات الأسعار في السوق حالما يكون المنتَج قد اجتذب طلبات وحظي بحصةٍ سوقية ثابتة. فعند إصدار مجلة «أوكيه» الجديدة في البداية، كان سعرها أقل من مجلة «هالُّو» الموجودة بالفعل، وظل الوضع هكذا عدة أشهُر حتى رسَّخت مجلة «أوكيه» مكانها في السوق. والآن أصبحت المجلتان بالسعر نفسه (يتراوح بين ٢٫٢٠ جنيه إسترليني و٢٫٣٠ جنيه إسترليني تقريبًا). وكما ذكرنا من قبل، يمكن تطبيق استراتيجية اختراق السوق إما بسرعة وإما بوتيرة أبطأ، حسب المنتَج وظروف السوق.

هذا ويُعرَّف التسعير الترويجي بأنه تغيير سعر المنتَج أو مجموعة المنتجات مؤقتًا لزيادة المبيعات. وتتضمن آلياته تسعير طلبات مجمَّعة أو متعدِّدة (مثل عروض اشترِ قطعة واحصل على الأخرى مجانًا)، وتخفيضات الطلب بالجملة، والتخفيضات بالنسبة المئوية، وعروض الأسعار المخفَّضة، والبيع بالخسارة لاجتذاب الزبائن (انظر الفصل الخامس). ويمكن للمنظمة استخدام مجموعة متنوعة من استراتيجيات التسعير لبيع منتَجاتها. ومن وجهة نظر تسويقية، يكمن الهدف في وضعِ سعر يعكس مكانة المنتَج في السوق، أو يعكس تصور العميل للعلامة التجارية. ويمكن أيضًا اختيار استراتيجية التسعير للحفاظ على الحصة السوقية الحالية أو حتى زيادتها.

المكان أو قنوات التوزيع

تتعلق قرارات المكان بكيفية توزيع المنتَج على العملاء. والتوزيع يشمل التخطيط لعملية تدفق السلع والخدمات من نقطة المنشأ إلى نقطة الاستهلاك وتنفيذها والتحكم فيها. يهدف عنصر «المكان» إلى إيجاد أنسب قناة لإيصال منتَج معيَّن إلى العملاء المستهدَفين بطريقة تلبِّي احتياجات العميل وتحقِّق الربح. ويُعَد توزيع المنتَجات جزءًا أساسيًّا من المزيج التسويقي، وقد يُسلَّم المنتَج مباشرةً من المنتِج إلى العميل، أو بشكل غير مباشر من خلال وسطاء كمنافذ البيع بالتجزئة، أو تجار الجملة، أو قنوات الإنترنت. تشمل قرارات المكان اختيار موقع البيع بالتجزئة أو موضع المنتج داخل المتجر، أو الكُتيِّب الإعلاني المصور، أو الموقع الإلكتروني. ومن المهم أن يُعرَض المنتَج في موضع ملائم؛ لذا يجب تَوخِّي الحذر لتجنُّب وضعه بجانب منتجات منخفضة الجودة؛ لأنَّ هذا يمكن أن ينقل رسالة خاطئة إلى العملاء. وكذلك ينبغي اتخاذ خيارات مناسبة بخصوص كثافة التوزيع (التوزيع الشامل) وتكامل القنوات (أو تعدد القنوات، وهو مزيج من قنوات مختلفة مستخدمة لإيصال المنتج).

يُعَد اختيار قناة التوزيع الملائمة مسألةً استراتيجية؛ لأنَّ بعض قنوات التوزيع تتيح مزايا تنافسية أكثر من غيرها، وتلبِّي الأهداف الاستراتيجية للمنظمة بدقةٍ أكبر. ومن المفترَض أن يعكس اختيار قناة التوزيع قيم العلامة التجارية، ويدعم العناصر الأخرى للمزيج التسويقي. فعلى سبيل المثال، إذا كان المنتَج متوسط الجودة ومُخفَّض السعر، ورُوِّج له من خلال عروض ترويج المبيعات، فعندئذٍ سيتوقع العملاء توافره في العديد من منافذ البيع بالتجزئة، أو متاجر الخصومات، أو عبر الإنترنت. وإن لم تهتم المنظمات بالأماكن التي تُوزع فيها منتَجاتها، فقد تفقد مصدرًا لميزة تنافسية مهمة؛ مثل اختيار إحدى قنوات التوزيع التي يسهو عنها منافسوها، أو اختيار قناة توزيع حديثة انبثقت للتو نتيجةَ ابتكار تقنيات جديدة، مثل إعلان شركة «أمازون» الأخير عن خدمة «برايم آير» التي توصِّل المنتَجات عن بُعد باستخدام طائرات بدون طيار.

وصحيح أنَّ المنتَج يُمكن أن يُوزَّع مباشرةً من المورِّد إلى المستهلِك، لكن العديد من المنتِجين لا يبيعون للمستهلِكين مباشرةً، بل يستعينون بأنواع مختلفة من القنوات الوسيطة لإيصال المنتَج إلى المكان المطلوب. ويُمكن أن تتخذ القنوات الوسيطة عدة أشكال. أكثرها شيوعًا هي منافذ البيع بالتجزئة أو الأماكن التي تُسلَّم فيها السلع والخدمات إلى المستهلِكين، لكنها قد تشمل أيضًا تجار الجملة، أو الوكلاء، أو السماسرة، أو الموزِّعين. غير أنَّ كل «وسيط إضافي» ينتقل عبره المنتج يضيف مستوًى آخر من التكلفة إلى السعر النهائي. ويتعين على المسوِّقين أيضًا أن يقرِّروا ما إذا كانوا سيستخدمون استراتيجيات الدفع أو السحب للتأثير في قنوات توزيع منتَجاتهم. تتمثل استراتيجية الدفع في أن يُشجِّع فريق المبيعات تجار التجزئة على تخزين مجموعة منتجات الشركة والترويج لها وبيعها باستمرار؛ وذلك لجذب العملاء من خلال سهولة توفُّر المنتَج. ويُحقق هذا الأسلوب التسويقي نتائج إيجابية عند تطبيقه على المنتَجات المنخفضة الاستغراق وعمليات الشراء الاندفاعية. أمَّا استراتيجية السحب، فتتضمن ترويج العرض للعملاء لتشجيعهم على الذهاب إلى متاجر البيع بالتجزئة لطلب المنتَجات، وهذا بدوره يدفع بائع التجزئة إلى تخزين المزيد من تلك المنتَجات. وتُعَد هذه التقنية أنجح مع المنتَجات العالية الاستغراق، والحالات التي يكون فيها ولاء راسخ للعلامة التجارية بالفعل.

من الضروري الاستعانة بوسطاء للوصول إلى بعض الأسواق، مثل الاستعانة بوكلاء أو تجار تجزئة شركاء للوصول إلى أسواق معقَّدة مثل الصين. فالاستعانة بالوسطاء تحل بعض المشكلات اللوجستية المتعلقة بتوصيل المنتَجات إلى العملاء الذين من الممكن أن يكونوا منتشرين في أنحاء جغرافية مختلفة، أو الذين يشترون بأعداد صغيرة. وكذلك فإنَّ الوسطاء (مثل شركة بوكر للبيع بالجملة التي تورِّد خدماتها ومنتَجاتها إلى بعض تجار التجزئة ومتعهِّدي تقديم الطعام المستقلين) يضيفون قيمة إلى تجربة الشراء الخاصة بكل عميل؛ لأنهم يستطيعون الإسهام بالمعرفة المتخصصة، والإراحة، وسرعة الخدمة، وموظفي المبيعات، والمشورة، بالإضافة إلى تعزيز إمكانية وصول العميل للمنتَج. ويجب اتخاذ قرارات مَوضَعة المنتَج لتحديد عدد القنوات التي ينبغي اختيارها ونوعها، وعدد الوسطاء المطلوبين. ويمكن أن تصل عروض الخدمة أيضًا إلى العملاء من خلال وسطاء مثل وكلاء السفر أو وكلاء عبر الإنترنت، لكن المتغيرات المستخدمة لاختيار نوع الوسيط المُستعان به تعتمد على مدة الانتظار التي يمكن للعميل تحمُّلها، والمسافة القصوى المستعد لقطعها، بالإضافة إلى مستوى الخدمة المطلوب.

وقد أضاف تطور الإنترنت قناة توزيع أخرى متاحة للمورِّدين. فمواقع البيع بالتجزئة عبر الإنترنت، مثل «أمازون» و«إيباي» و«علي بابا»، تتيح فرصة مشاهدة المنتَجات، ومقارنة الأسعار، وتوزيع المنتَجات على نطاق واسع. غير أنَّ تطور وسائل البيع عبر الإنترنت يُهدد بإقصاء أنواع الوسطاء الأخرى من السوق. وما زال تسليم البضائع المشتراة عبر الإنترنت يعتمد على شركات الشحن مثل دي إتش إل وهيرميس لتوصيل البضائع إلى المستهلِك، وهو ما يجعل بعض المستهلِكين يواجهون مشكلات تتعلق بسرعة التسليم وموثوقيته والأخطاء التي تشوب هذه العملية. وتتضمن عمليات الشراء عبر الإنترنت عيوبًا أخرى مثل حاجة العميل إلى رؤية منتَجات معيَّنة واختبارها والتعامل معها بيده للتحقق من جودتها ووظائفها قبل الشراء. وهو ما دفع معظم شركات الإنترنت إلى تبنِّي سياسة إرجاع المنتجات المشتراة عبر موقعها الإلكتروني فقط إذا كانت بحالتها الأصلية نفسها دون استخدام.

وأخيرًا، فإنَّ عدم معرفة هُوية العديد من البائعين عبر الإنترنت يجعل بعض المشترين غير واثقين فيهم. وعادةً ما كان الوسطاء التقليديون في الماضي يضيفون قيمة إلى تجربة الشراء من خلال بناء علاقة ثقة مع عملائهم بمرور الوقت؛ ولكن مع تزايُد التسوق عبر الإنترنت، ظهرت تقنيات جديدة لبناء الثقة، من بينها ظهور مواقع مستقلة مثل «تراست بايلوت» تشجِّع العملاء على أن يشاركوا عبر الإنترنت تعليقاتهم وملاحظاتهم على بعض تجار التجزئة المحدَّدين. هذا ويجب أن تسعى مواقع البيع عبر الإنترنت إلى تقديم أوصاف واضحة ودقيقة، وإتاحة طرق آمنة للدفع عبر الإنترنت، وتسهيل إرجاع العناصر غير المرغوب فيها للمساعدة في بناء الثقة.

طرق التوزيع

ومن القرارات الرئيسية التي يجب اتخاذها بخصوص عنصر «المكان» تحديدُ ما إن كان ينبغي استخدام التوزيع المكثَّف، أم الانتقائي، أم الحصري (انظر الشكل رقم ٦-٢)، وتحديد عدد الوسطاء اللازم لنقل المنتَج بكفاءة من المنتِج إلى العميل. يُعرَف التوزيع المكثَّف بأنه توزيع المنتَج من خلال وسطاء لديهم جاذبيةٌ واسعة النطاق في السوق، مثل المتاجر الكبيرة، ومحلات البقالة الصغيرة، ومتعهدي البيع الجملة، والبائعين عبر الإنترنت مثل «أمازون». وتعتمد كيفية توريد المنتَجات إلى المنافذ على نوعية المنتَجات المراد توزيعها وكميتها.
fig15
شكل ٦-٢: طرق التوزيع.

تقدِّم شركة «كوكاكولا» مثالًا للتوزيع المكثَّف؛ لأنها توزِّع مشروباتها الغازية بكل الطرق الممكنة في كل مكان. فهي متوفرة في شكل صناديق كبيرة، وزجاجات، وقنينات معدنية، في جميع أنواع منافذ البيع بالتجزئة، والمطاعم، وماكينات البيع الذاتي، والمقاهي، والفنادق. وبدون شبكة التوزيع الشاملة هذه، ستبيع شركة «كوكاكولا» جزءًا بسيطًا من الكمية التي تبيعها حاليًّا. أمَّا التوزيع الانتقائي، فهو توريد المنتَجات إلى نوع معيَّن فقط من المنافذ. فأجهزة التلفزيون والسلع الكهربائية الأخرى مثلًا تتوفر على نطاق واسع من خلال عدد محدود من منافذ البيع بالتجزئة والمتاجر المتعددة الأقسام، حيث يتحلَّى موظفو المبيعات بالمعرفة المتخصصة ليتمكنوا من مساعدة العميل في اختياراته، وإن كان التوزيع الانتقائي قد تغير جذريًّا مع تطور تجارة التجزئة عبر الإنترنت.

وأمَّا التوزيع الحصري، فهو التوزيع من خلال نوع واحد فقط من الوسطاء. وتكمُن ميزة هذا النهج في أنَّ المورِّد يملك أكبر قدر من السيطرة على التوزيع، ويستطيع التعاون مع الوسيط لإضافة قيمة أكبر إلى المنتج أثناء عملية تقديم الخدمة. غير أنَّ اتفاق التوزيع الحصري قد يُقيد بائع التجزئة ويُلزِمه ببيع منتَجات هذا المورِّد فقط، أو منتَجات ذات جودة مماثلة. وفي حالة بعض المنتَجات، قد يتضمن الاتفاق كذلك حقوق خدمة منطقة جغرافية معيَّنة أو استخدام اسم العلامة التجارية. فسيارات بورش مثلًا تُباع في منافذ حصرية ذات إضاءة ساطعة، وفيها موظفو مبيعات مُدرَّبون جيدًا ومطلعون، ومرطبات مجانية، وأجواء حصرية، وكل ذلك يعبِّر عن قيمة العلامة التجارية، ويدعم أسعارها المتميزة. وفي هذا النوع من التوزيع، يسمح المورِّد للموظَّفين المدرَّبين فقط بتوريد منتَجاته إلى المستهلِك، ويهتم عمومًا باختيار بائع التجزئة بعناية؛ حتى يتمكن من التحكم مباشرةً في كيفية تقديم المنتَج للعميل.

التوزيع الشامل والتوزيع المتعدد القنوات

يُعرَف التوزيع المتعدد القنوات بأنه إتاحة المنتَجات من خلال مجموعة مختلفة من القنوات (انظر الشكل رقم ٦-٣). ويختلف هذا عن التوزيع المكثَّف؛ لأنَّ التوزيع المتعدد القنوات يتضمن استعانةَ مُنتِجٍ واحد بكلِّ قنوات التوزيع المتاحة بهدف الوصول إلى العملاء المحتمَلين وتحسين تجربة العملاء. وقد ظهر التوزيع المتعدد القنوات استجابةً للعملاء الذين يغيِّرون القنوات للحصول على أفضل عرض. ويعني تغيير القنوات أنَّ العملاء يفكرون في مجموعة من القنوات التي يمكنهم شراء المنتَج منها، واختيار أنسب وأجدى قناة اقتصاديًّا لهم. أو يمكن للعميل الذي اشترى المنتَج من متجر محلي سابقًا أن ينتقل إلى أحد منافذ التخفيضات، أو منفذ البيع في المستودَعات، أو بائع تجزئة عبر الإنترنت حالما يختار المنتَج. ومن المرجَّح أنَّ تغيير القنوات يزداد بسبب كثرة المعلومات المتاحة التي تُمكِّن العميل من المقارنة بين العروض المتاحة عبر قنوات التوزيع المختلفة. ولذا يحاول المورِّدون تغطية جميع خيارات التوزيع الممكنة لضمان أن يشتري العميل منتَجاتهم.
fig16
شكل ٦-٣: مثال على التوزيع المتعدد القنوات.

تَبنَّى عدد من المنتِجين أو المورِّدين ما يُسمى بنهج التوزيع المتعدد القنوات المتكاملة. ويهدف المورِّدون من خلاله إلى تحسين تجربة المستخدِم التي يخوضها عملاؤهم بالعمل عبر قنواتٍ توزيعية متنوعة بالتوازي، وربط هذا النشاط باتصالاتهم التسويقية وموارد داعمة أخرى. وقد أصبح هذا النهج يحل محل النهج المتعدد القنوات؛ لأنه يدمج أنواعًا مختلفة من القنوات مع التجارة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهاتف المحمول، بحيث تُعزِّز الرسائل الإيجابية المتعلقة بتوفُّر المنتَج. ومن بين أوائل القطاعات التي تبنَّت هذا النهج قطاعات الخدمات المالية والاتصالات، حيث يُمكن للعميل أن يتعامل مع المورِّد من خلال طرق متعددة للحصول على المشورة والمعلومات اللازمة عن المنتَج قبل الشراء. ومن المفترَض أنَّ هذا التأثير يُزيل التوتر عند اتخاذ قرار الشراء، ويُتيح تجربةً شرائيةً أمتع وأسهل.

هذا وتختلف بنية قنوات التوزيع اختلافات مهمة فيما بين الأسواق الاستهلاكية وأسواق التعامل بين الشركات والأسواق الخدمية. فقنوات المستهلِكين عادةً ما تكون أطول وأشد تعقيدًا بسبب طبيعة المنتَجات. أمَّا المنتَجات الصناعية أو منتَجات «التعاملات بين الشركات»، فتُسلَّم على الأرجح من المنتِج إلى العميل مباشرةً؛ لأنَّ الكميات المشتراة عادةً ما تكون أكبر، وعدد العملاء يكون أقل. وكذلك يتوقع عملاء هذا النوع من التعاملات وجودَ قدرٍ من المعرفة المتخصِّصة عن المنتَجات التي يشترونها ومعلومات عن كيفية استفادة شركاتهم من هذه المشترَيات. ومن المرجَّح أن تكون قنوات الخدمات أيضًا مباشرةً، مع أنها قد تتضمن بعض الوكلاء أو أصحاب حقوق الامتياز التجاري؛ وذلك لاستحالة فصل الخدمة عن مزوِّدها؛ إذ يجب تقديمها من شخص يفهمها جيدًا ويستطيع تقديمها بالطريقة الصحيحة. ومن الأمثلة على ذلك شراء تذاكر المسرح، التي يمكن الحصول عليها مباشرةً من المسرح، أو من خلال وكيل التذاكر، أو عبر الإنترنت.

وتُتخذ جميع القرارات المتعلقة بعنصر «المكان» لتعكس مقدار التحكم المطلوب في توصيل المنتَج إلى العميل. فعلى سبيل المثال، يُباع وقود السيارات في محطات خاصة مصمَّمة لضمان تسليم المنتَج بأمان ودقة إلى سيارات العملاء. ولأنه منتَجٌ خطر، تخضع عملية تسليمه لتحكُّم صارم من المورِّد. وينطبق ذلك أيضًا على الإمدادات الطبية، التي عادةً ما تتاح من خلال صيادلة معتمَدين. وكذلك فإن تقديم المشورة الطبية غير متاح إلا من أطباء معتمَدين. غير أنَّ تطور الإنترنت أدى إلى تعطيل العديد من القطاعات الخدمية التي تقدِّم ذلك النوع من المعلومات المتخصصة؛ لأنه يتيح مصادر إضافية للمعرفة وشكلًا بديلًا لتوفيرها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤