الفصل السابع

المنتَج، وابتكار منتَج جديد، وتسويق الخدمة

تُقدِّم السلع المادية والخدمات للعميل ضِمن العلاقة التبادلية. والمنتَج العام (سواء أكان سلعًا أم خدمات) هو ما تقدِّمه المنظمة لعملائها من أجل الحصول على المال من خلال تلبية احتياجاتهم. ويمكن تهيئة المنتَج أو تعديل مكوِّناته لتلبية احتياجات مجموعات متنوعة من العملاء المستهدَفين؛ ولذا فهو جزء أساسي من المزيج التسويقي. يساعد مفهوم دورة حياة المنتَج المسوِّقين في تحديد الطريقة المناسبة والوقت المناسب لتسويق منتَجات مختلفة لمجموعات مستهدَفة متنوعة، وتحديد متى يحتاج العرض إلى التحديث أو تغيير موضعه في السوق. لذا سوف نستكشف وظيفة ابتكار منتَج جديد وأهمية ذلك، والطريقة المناسبة لإحلال عرض مُحسَّن محل المنتَجات الحالية والوقت المناسب لذلك.

والتمييز بين السلع والخدمات ليس صعبًا؛ لأنَّ المسوِّقين يُمكنهم إضافة خصائص خدمية إلى عروض المنتَجات المادية، ولأنَّ مُقدِّمي الخدمات يعتمدون على السمات المادية لتمييز عرضهم عن عروض المنافسين؛ لذا سنستكشف الاختلافات بين تسويق الخدمات وتسويق السلع المادية. تتميز الخدمة بأنها غير ملموسة، ويُستفاد منها وقت تقديمها فقط، ومتغيرة، ولا يمكن فصلها عن عملية إنتاجها، وهذه الجوانب من الخدمة مرتبطة بالمزيج التسويقي الموسَّع، أو عناصر المزيج التسويقي السبعة. والاستعانة بالعناصر السبعة تعني وجود أدوات تسويق إضافية متاحة لتمييز عروضهم وإيصالها إلى العميل. غير أنَّ مشكلة تسويق الخدمات تكمن في استحالة تسويق الأصول غير الملموسة؛ لذا على المسوِّقين الاعتماد على أفكار ملموسة لإيصال قيمة العرض إلى العميل. فشركات الطيران مثلًا تتحدث عن عدد الوجهات التي تُغطيها، وعمر الطائرة، والمسافات الفاصلة بين المقاعد، لكنها تتجنب ذكر جودة الخدمة أو الطعام. وهكذا فإنَّ ضرورة تمييز عرض المنتَج عن عروض المنافسين جعلت منظمات كثيرة تعرض مزيجًا من المنتَجات المادية والخدمات لتعزيز عرضها.

ما المنتَج؟

المنتَج هو العرض المُقدَّم للزبائن والعملاء. وإذا لم يوفِّر المنتج الوظيفة والفوائد والقيم التي يطلبها العميل، فلن يكون ناجحًا. وبعض المنتجات سلعٌ بسيطة، كالبطاطس مثلًا. تُعَد البطاطس غذاءً أساسيًّا، وبغضِّ النظر عن الأصناف المختلفة المتوفرة من البطاطس، فإنَّ حبَّات بطاطس صنف «ماريس بايبر» متشابهة جدًّا فيما بينها؛ لذا فإنَّ مورِّدي هذا الصنف (أي مُزارعيه) يشدِّدون على فوائد شراء المنتَج العام، وليس عرضهم الخاص بالذات. ويُعَد هذا المنتَج سلعة؛ لأنَّ له سعرًا في السوق ومعيارًا عامًّا للجودة المقبولة. هذا وتُباع البطاطس بكميات كبيرة من خلال الأسواق الشاملة، والمورِّدون هنا لا يميِّزون عروضهم عن العروض الأخرى. أمَّا المنتَجات الأكثر تعقيدًا ومعظم عروض الخدمات، فيُمكن تسويقها على أساس وظائفها وفوائدها وقيمها المحدَّدة، بحيث يمكن تمييز كل عرض عن العروض الأخرى في السوق. ولتحقيق التمايز يمكن للمسوِّقين النظر إلى ثلاثة جوانب للمنتَج؛ وظائفه الأساسية، والجوانب الرسمية (التي تُسمى أحيانًا بالمنتَج الفعلي)، والمنتَج المعزِّز (انظر الشكل رقم ٧-١).
fig17
شكل ٧-١: مكونات المنتَج.

يجب أن تُلائم جميع جوانب المنتَج احتياجات العميل المستهدَف من أجل تحقيق أقصى حد ممكن من المبيعات. ويستطيع المسوِّقون تغيير جوانب المنتَج الأساسي أو الرسمي أو المعزِّز. لنضرب هنا مثلًا بفرن الميكروويف. فالمنتَج الأساسي في تلك الحالة هو الفرن الكهربائي الذي يُسخِّن الطعام، ويجب أن يؤدي هذه الوظيفة بفاعلية ليُشترى. ولكن يُمكن إنتاج الميكروويف بقرص دوَّار أو بدونه، وبألوان وتصميمات مختلفة، وبمستويات مختلفة من الجودة، وبعلامة تجارية أو بدون علامة تجارية. وهذه كلها هي جوانب المنتَج الرسمي أو الفعلي لأنها جزء من المنتَج، لكنها ليست ضرورية لوظيفته الأساسية المتمثلة في تسخين الطعام. أمَّا المنتَج المعزِّز، فيتضمن الأشياء التي يمكن إضافتها لتعزيز جاذبية العرض (والتي غالبًا ما تكون خدمات)، مثل إعطاء ضمان لمدة عام أو عامين، وخدمة التوصيل الخاصة، والتركيب، وعقد الخدمة، ودعم ما بعد البيع. وهكذا يُضيف المسوِّقون جوانب العرض الرسمي والعرض المعزِّز ضمن تشكيلاتٍ مختلفة تمزج بينهما حسب متطلبات الشريحة المستهدَفة.

ويمكن تطبيق النوع نفسه من أساليب التسويق على عروض الخدمات. ففي حالات خدمات التأمين على السيارة مثلًا، يتمثل المنتَج الأساسي في ضمان أنَّ مقدِّم الخدمة سيُغطي أي خسارة أو ضرر قد يلحق بالسيارة خلال فترة زمنية محدَّدة، كما هو موضَّح في عقد الخدمة. أمَّا المنتَج الرسمي، فيتمثل في مجموعات مختلفة من المزايا التي يمكن أن يتضمنها العقد، مثل إعطاء العميل سيارةً أخرى مؤقتة ريثما يكتمل إصلاح سيارته، أو سائقين محدَّدين، أو غطاءً تأمينيًّا شاملًا، أو غطاءً تأمينيًّا يتضمن عدة سيارات. وأمَّا المنتَج المعزِّز، فسيكون هو الإضافات التي يمكن إدراجها بما لا يؤثر على العرض الأساسي، مثل عدم المساس بقيمة الخصم المُستحق في حالة عدم المطالبة بالحصول على التأمين، أو غطاء تأميني يتضمن الأشياء التي تُنقَل في السيارة، أو إمكانية تغطية السائقين الآخرين الذين يستخدمون السيارة مؤقتًا.

وقد وسَّع فيليب كوتلر مستويات المنتَج الثلاثة إلى خمسة مستويات لإتاحة عناصر أكثر للمسوِّق كي يستخدمها. فقد أضاف إلى المنتَج الأساسي والمنتج الرسمي (أو العام في نموذجه) والمنتج المعزز المنتجَ «المُتوقَّع» والمنتجَ «المُحتمَل». يشتمل المنتج «المُتوقَّع» على الفوائد الإضافية التي ينبغي أن يمنحها المنتج إذا اختار العميل منتَجًا معيَّنًا، مثل القدرة على «شواء» الطعام في فرن الميكروويف في المثال الذي ذكرناه. أمَّا المنتج المُحتمَل، فيتعلق بالفوائد التي يمكن أن تتحقق في المستقبل إذا اختار العميل منتَجًا معيَّنًا، مثل الموثوقية والمتانة. وبتسويق هذه الجوانب الإضافية للمنتج، يمكن للمسوِّق أن يميز عرضه عن عروض المنافسين.

محفظة المنتَجات

تدير غالبية المنظمات الكبيرة عددًا من خطوط الإنتاج، وغالبًا ما تورِّد منتَجاتها إلى عدة أسواق. وهذا ما يُسمى محفظة منتَجاتهم أو مزيج منتَجاتهم. فعادةً ما تبتكر المنظمة منتجًا أوليًّا ناجحًا، ثم تُنشئ منتجات مرتبطة به لتوسيع مجموعته، أو لزيادة عمق خط الإنتاج. ويعني زيادة عمق خط الإنتاج أن تُقدِّم الشركة مزيدًا من المنتَجات التي تؤدي الوظيفة نفسها بطرق مختلفة؛ فشركة بروكتر آند جامبل مثلًا تطرح في السوق مجموعة من منتَجات الشامبو للرجال أو النساء، ولأنواع مختلفة من الشعر. أمَّا زيادة عرض محفظة المنتجات، فيعني خدمة مجموعة متنوعة من العملاء بمجموعة أوسع من المنتجات، وهذا يوزِّع المخاطر التي تهدِّد المنظمة إذا بدأت مبيعات منتجها الأصلي تنخفض. فشركة بروكتر آند جامبل مثلًا لا تقدِّم منتجات الشامبو فحسب، بل تقدم أيضًا مجموعة أخرى من منتجات العناية بالنظافة الشخصية (مثل معجون الأسنان وكريمات الوجه) ومستحضرات التجميل ومنتجات التنظيف (كمنظفات المطبخ ومنتجات الغسيل).

fig18
شكل ٧-٢: مصفوفة مجموعة بوسطن الاستشارية أو مربع بوسطن.
وصحيح أنَّ زيادة عرض محفظة منتجاتهم وعمقها يُقلل مخاطر تركيز كل جهدهم على خدمة سوق واحدة، لكنه يزيد أيضًا من تعقيد إدارة مزيج المنتجات. ولمساعدة المسوِّقين على تحديد المنتجات وخطوط الإنتاج التي ينبغي دعمها، ابتكرت مجموعة بوسطن الاستشارية نموذجًا تشخيصيًّا (انظر الشكل رقم ٧-٢).

يُقاس كلٌّ من المنتَجات أو خطوط الإنتاج التي تُنتجها المنظمة بدلالة حصته في السوق ومعدل نمو سوقه. وتوضع المنتجات التي تتمتع بأكبر حصة سوقية نسبية ونمو سوقي نسبي في مربع «المنتجات الساطعة أو النجوم». وهذه هي المنتَجات التي تتطلب أكبر جهد تسويقي؛ لأنها صاحبة الإمكانية الكبرى لإدرار إيرادات من المبيعات في المستقبل. يمكن أن تكون المنتَجات التي تُعَد بمثابة النجوم لشركة دايسون هي مراوح الغرف، التي تباع بمعدل جيد جدًّا، وما زالت حصتها في السوق تتزايد. وينبغي أن يدعم المسوِّقون نجومهم دائمًا لمساعدتها على مواصلة النمو وضمان أنَّ عرض المنتَج ما زال مناسبًا لمجموعات العملاء المستهدَفة. هذا وتوضع المنتَجات التي لديها الحصة السوقية الكبرى لكنها بطيئة النمو في مربع «الأبقار المُدِرَّة للنقد أو المنتجات». وهذه المنتَجات قد وصلت بالفعل إلى مكانها الأمثل في السوق، ومن المرجَّح أن يستمر بيعها بمعدل جيد إذا اكتفى المسوِّقون بدعمها بالتسويق الهادف إلى حفظ حصتها السوقية. وإذا أردنا مثالًا من مجموعة منتَجات دايسون يُعبِّر عن هذه الفئة، يمكن أن نذكر المكانس الكهربائية اللاسلكية.

أمَّا مجموعة منتَجات «الأطفال المشاغبين» أو «علامات الاستفهام»، فهي تلك المنتَجات التي تُظهر نموًّا، لكنها لم تحقِّق حصةً كبيرة في السوق بعد. وتمثِّل هذه المنتَجات تحديًا؛ إذ تكمُن المُعضِلة فيما إذا كان ينبغي استثمار الأنشطة التسويقية فيها؛ لأنها تتيح عوائد متزايدة على أمل أن تكسب حصةً سوقية في نهاية المطاف، أم ينبغي تركها تنمو بمعدلاتها الخاصة. وتندرج العديد من المنتَجات التي أُطلقَت مؤخرًا تحت هذه الفئة، وكذلك المنتَجات التي ربما لا تكون متميزة بوضوح عن المنتجات المنافسة، مثل شامبو جديد أضيف إلى هذه السوق المزدحمة أصلًا. ومن بين مجموعة منتَجات دايسون، يمكن أن تندرج المكانس الروبوتية ضمن هذا المربع. فالمكانس الروبوتية تُباع، لكنها تُواجِه منافسة شرسة من عروض أخرى أقل تكلفة ولها حصة سوقية أكبر.

وأخيرًا، فإنَّ المنتَجات ذات الحصة السوقية المنخفِضة والنمو السوقي المتراجِع (أي «الكلاب») تُشكِّل تحديًا تسويقيًّا مختلفًا. وغالبًا ما تكون هذه المنتَجات في نهاية دورة حياتها على الأرجح (انظر القسم أدناه)، لكنها ما زالت تُدِرُّ إيرادات بأقل جهد تسويقي، مثل المكانس الكهربائية السلكية من دايسون (علمًا بأنَّ الشركة أعلنت بالفعل أنها لا تعتزم مواصلة تطوير هذه المجموعة). بالإضافة إلى ذلك، قد يتعين الاحتفاظ بها في مزيج المنتجات إذا كانت تمثِّل منتجًا يدعم خط إنتاج آخر، مثل الكتب التي لا تحظى برواج في سلسلة معيَّنة، لكنها تُكمل المجموعة على أيِّ حال. وصحيح أنَّ مربع بوسطن يُعد أداةً مفيدة، ولكن يجب استخدامه إلى جانب معلومات السوق الأخرى، بحيث يمكن اتخاذ قرارات بشأن إيقاف إنتاج «الكلاب»، أو الاستثمار فيها لنقلها إلى مربع آخر؛ وبشأن الاستثمار في «علامات الاستفهام» لتصبح «نجومًا»، أو إيقاف إنتاجها لأن تطويرها باهظ التكلفة؛ وبشأن حجم الدعم التسويقي الذي تحتاج إليه «الأبقار النقدية» و«النجوم» ونوعه لتظل ناجحة.

دورة حياة المنتَج

يُعَد مفهوم دورة حياة المنتَج مفيدًا في تحديد الطريقة المناسبة لتسويق مجموعة منتَجات بمرور الوقت. الفكرة الأساسية أن المنتَجات كلها تمرُّ بالمراحل نفسها؛ وهي تدشين العرض الجديد أو تقديمه للسوق، والنمو، والنضج، والانحدار، والتجدد إذا كان ذلك مناسبًا (انظر الشكل رقم ٧-٣).
fig19
شكل ٧-٣: دورة حياة المنتَج.

عندما يُقدَّم المنتَج للسوق لأول مرة (أي يُدشَّن)، يجب أن يحمل مزيجًا من الجوانب الأساسية والرسمية، وأن يتسم هذا المزيج بأكبر جاذبية للمجموعة المستهدَفة. إذ يجب أن يُحدَّد له سعر تنافسي، وأن يكون متاحًا بطريقة مناسبة، وأن يحظى بدعمٍ كبير من العروض الترويجية التسويقية لتوعية العملاء المستهدَفين به. فعلى سبيل المثال، عندما طُرحَت الهواتف الذكية لأول مرة، رُوِّجت ترويجًا مكثَّفًا للشريحة المستهدَفة، ولم تكن تتضمن سوى مجموعة محدودة من الخيارات. وخلال المرحلة الثانية من النمو، من المتوقَّع أن يجذب المنتَج شريحةً أوسع من العملاء؛ ولذا سيَلزم تعديل بعض الجوانب الرسمية والمعزِّزة من أجل تمييز العرض عن عروض المنافسين وجذب مجموعات جديدة من العملاء. وهنا ستظل العروض الترويجية كثيفة، وتصبح أوسع نطاقًا، بينما قد يُعدَّل التسعير والمكان ليُناسِبا مجموعات العملاء الجديدة. وهذا هو الوقت الذي يُفترض أن يبدأ فيه المنتَج إدرار ربح على المنظمة، لكنَّ مدى سرعة حدوث ذلك يعتمد على استراتيجية التسعير المختارة عند تدشين المنتَج. فقد ازداد الطلب على الهواتف الذكية بسرعة، وانضمَّ مورِّدون آخرون إلى السوق، وهو ما أجبر المورِّدين الأصليين على خفض أسعارهم وإتاحة مجموعة أكبر من الخيارات والسمات الإضافية.

عندما تصل المنتَجات إلى مرحلة النضج، يشهد حجم المبيعات زيادةً طفيفة، لكنها عندئذٍ تكون محتفِظة بحصة سوقية كبيرة، ولا يحتاج المنتَج إلى القدر نفسه من الترويج، فيما تكون الأسعار مستقرة، وتُسهِم مبيعات هذا المنتَج في أرباح المنظمة بمقدار أكبر من تكلفة تسويقها. وعادةً ما تهدف المنظمات إلى إبقاء منتَجاتها في مرحلة النضج أطولَ فترةٍ ممكنة. وقد حقَّقت بعض المنظمات نجاحًا كبيرًا في هذا الأمر، مثل ستاينواي جراند بيانوز، التي لم تُحدِث تغييرًا كبيرًا في عرض منتَجاتها طوال أكثر من مائة عام، لكنها ما زالت ناجحة كما كانت دائمًا. ويمكن القول إن الهواتف الذكية وصلت الآن إلى مرحلة النضج في جميع الأسواق باستثناء الأسواق النامية. فالعروض متمايزة بوضوح، وكل مورِّد له حصة سوقية ثابتة. وكذلك فالمسوِّقون مُكتفون بالمساعي الرامية إلى الحفاظ على الحصة السوقية وحجم المبيعات، إلا إذا وُجد خيار جديد أو سمة جديدة تستدعي الترويج لها. ويمكن إطالة دورة حياة المنتَج بزيادة الاستثمار في عمليات الترويج وتجديد العلامة التجارية، عن طريق إضافة سمات جديدة وتجديد شكل التعبئة والتغليف، أو عن طريق استهداف مجموعات عملاء جديدة من خلال الترويج لاستخدام مختلف للمنتَج. غير أنَّ غالبية المنتَجات تشهد انخفاضًا تدريجيًّا في المبيعات في نهاية المطاف (أو بسرعة كبيرة إذا كان المنتَج مجرد صيحة حديثة عابرة). ويحدث هذا الانحدار بسبب تغيُّر احتياجات العملاء وابتكار منتَج جديد. وعندئذٍ سيحتاج المنتَج إلى إما التجديد (إعادة تصميمه بالكامل وإعادة تدشينه) إذا كان مقرَّرًا له أن يستمر، وإما نقله إلى نقطة سعرية أقل.

ابتكار منتَج جديد

يقال إنَّ المنظمة إذا لم تبتكر فلن تبقى قادرة على العمل كما ينبغي؛ وذلك لأن بيئة السوق تتغير باستمرار؛ نظرًا إلى أنَّ التقنيات المتطورة تتيح فرصًا جديدة، وتوقعات العملاء تتغير. لذا تنخرط غالبية المنظمات في ابتكار تدريجي؛ إذ تُجري تغييرات صغيرة نسبيًّا باستمرار على المنتَجات والخدمات استجابةً لتعليقات العملاء وملاحظاتهم وأنشطة المنافسين من أجل الحفاظ على رواج منتَجاتها. غير أنَّ ابتكار منتَج جديد يُعَد عمليةً جذرية، وبعض الابتكارات يُمكن أن تعيد تشكيل السوق بالكامل وتتحدى المنافسة؛ لأنها تقدِّم شيئًا مختلفًا تمامًا، مثل المكانس الكهربائية التي طرحتها شركة دايسون. ووفقًا لذلك، حدَّد ديفيد جوبر أربع فئات عامة لابتكار منتَج جديد:

  • (١)

    «عمليات استبدال المنتَج»، أو تحديثات للعرض الحالي. وهذه تغييرات تدريجية في خطوط الإنتاج الحالية كما ذكرنا. يمثِّل هذا النوع من ابتكار المنتَجات حوالَي ٤٥ في المائة من إجمالي عدد المنتَجات الجديدة المعروضة في السوق.

  • (٢)
    «الإضافات» إلى خطوط الإنتاج الحالية، حيث يجري تطوير خط إنتاج ناجح مثل مارمايت لتقديم أشكال مختلفة جديدة ومثيرة للاهتمام (انظر الشكل رقم ٧-٤). ويمثِّل هذا النوع من ابتكار المنتجات الجديدة حوالَي ٢٥ في المائة من الإجمالي.
  • (٣)

    خطوط إنتاج «المنتَجات الجديدة»، حيث تبتكر المنظمات منتَجاتٍ جديدةً توسِّع نطاق خبرتها إلى أسواق أو قطاعات مختلفة. فعلى سبيل المثال، استغلَّت دايسون نجاح خط إنتاج المكانس المزوَّدة بخاصية «ترشيح الهواء المشفوط»، وابتكرت على أساسه مجفِّفات الأيدي ومراوح الهواء الخالية من الرِّيَش ومجفِّفات الشعر. ويمثِّل هذا النوع من ابتكار المنتَجات الجديدة حوالَي ٢٠ في المائة من الإجمالي.

  • (٤)

    «المنتَجات الجديدة على العالم» هي تلك التي تُخِل باستمرارية العروض الحالية في السوق. عادةً ما تكون تلك المنتَجات مستنِدة إلى تكنولوجيات وتقنيات حديثة، وتُحدِث تغييرًا في السوق نفسها بتقديم وظائف وسمات وفوائد جديدة للعملاء. ومن الأمثلة على ذلك إطلاق الهواتف المحمولة، ثم ابتكار الهواتف الذكية. وهذا النوع من ابتكار المنتَجات الجديدة يمثِّل ما يصل إلى ١٠ في المائة من الإجمالي.

fig20
شكل ٧-٤: توسعات خط إنتاج مارمايت.

وأيًّا كان نوع عملية ابتكار المنتَج الجديد، فإنها تستغرق وقتًا طويلًا وتكلفةً باهظة. ومعظم المنظَّمات لديها قسم للبحث والتطوير مسئول عن مواكبة أحدث التطورات في مجالها والتوصل إلى أفكار جديدة. لكنها لا تحوِّل كل أفكار الابتكار إلى منتَجات فعلية تُباع وتُشترى، ومعظم المنظمات لديها عمليةٌ ثابتة لابتكار منتَجات جديدة، مثل قمع ابتكار المنتج الجديد أو عملية «المرحلة والبوابة»، حيث تُفصَل مراحل الابتكار المختلفة بواسطة سلسلة من نقاط اتخاذ القرار المعروفة باسم البوابات. وتكون مواصلة عملية الابتكار عبر كل بوابة من اختصاص لجنة إدارية أو توجيهية تتخذ قرارات بناءً على التوقعات، وتحليلات المخاطر، ومتطلبات الموارد، ودراسة الجدوى العامة لكل مشروع.

عادةً ما تُستهَل عمليات ابتكار المنتَج الجديد بخلق عدة أفكار أصلية لمنتجات جديدة بهدف تلبية أهداف المنتَج الجديد للمنظمة واستراتيجيته؛ وهنا يظهر السؤال الآتي: ما احتياجات العملاء التي يحاولون تلبيتها؟ ثم تُفحَص الأفكار الأولية لمعرفة أيها ستكون مُجدية، وذلك بطرحِ مفهوم المنتَج على مجموعة من ممثِّلي العملاء، ثم تُحلَّل لاكتشاف إمكانية تطبيقها عمليًّا؛ فهل تمتلك المنظمة الموارد اللازمة للإنتاج، وهل توجد سوق محتمَلة لهذا العرض؟ وكذلك فإنَّ مرحلة التحليل تتضمن تحليل التكلفة والفائدة وتحليل نقطة التعادل للتحقق من أنَّ المنتَج قابل للتطبيق من الناحية المالية. وعادةً ما تُرفَض العديد من المنتَجات في مراحل الفحص والتحليل الأولية؛ لذا يشهد عدد المشروعات القائمة انخفاضًا كبيرًا.

أمَّا الجزءان التاليان من العملية، فهُما ابتكار النماذج الأولية والاختبار التسويقي. ويفشل العديد من مشروعات ابتكار المنتَجات الجديدة في هذه المرحلة؛ إما لأنَّ تصنيعها يكون صعبًا للغاية، وإما لأنه غيرُ مُجدٍ اقتصاديًّا، وإما لأنَّ الاختبار التسويقي يكشف عن عيوب في تكوين مفهومها أصلًا. وفي النهاية تُختتم العملية بتجميع حزمة لطرح المنتَج للبيع (بإنشاء عرض القيمة المقترَحة ووضع استراتيجية لكيفية تسويق المنتَج) والانتقال إلى مرحلة إنتاجه بأقصى كميات ممكنة. وبالرغم من شيوع «أسطورة شعبية حصرية» مُفادها أنَّ نسبة مشروعات ابتكار المنتَجات الجديدة التي تبوء بالفشل تتراوح بين ٨٠ و٩٠ في المائة، فقد أثبت الباحثان جورج كاستليون وستيفن ماركام أنَّ النسبة الفعلية للمشروعات الفاشلة من مشروعات طرح منتَجات جديدة للبيع تتراوح بين ٤٠ و٥٠ في المائة. لكنَّ هذه ما زالت نسبةً عالية، علمًا بأنَّ العدد الإجمالي السنوي للمنتَجات الجديدة التي تُطرَح للبيع بأقصى كمية ممكنة صغير جدًّا.

وفور إطلاق المنتَج الجديد، تظل مسألة قَبوله في السوق غير مضمونة، بالرغم من كل الاختبارات وأبحاث السوق. فإذا كان المنتَج الجديد شكلًا آخر من منتَج موجود أو بديلًا له، فقد لا يكون العميل على استعداد لقبول التغييرات، وقد ينتقل إلى عرض منافس. أمَّا إذا كان خطَّ إنتاج جديدًا، فقد يشعر العميل بأنه لا يحتاج إلى شرائه. وإذا كان العرض «جديدًا على العالم»، فإن المنتِج هنا يخوض مجازفة؛ لأنَّ السوق قد لا تفهم السمات والفوائد الجديدة، أو ببساطة قد لا تريدها.

عادةً ما يكون العملاء الذين يُطلَق عليهم «الرواد» حريصين على تجربة أي منتَجات «جديدة على السوق» (وهؤلاء يمثِّلون حوالَي ٢٫٥ في المائة من الشريحة المستهدَفة). ويحب هؤلاء العملاء تجربة منتَجات جديدة ومناقشة تجاربهم على شبكات التواصل الاجتماعي وفي الصحافة. يأمل المسوِّقون في أن يجذب هؤلاء الرواد انتباه «المشترين الأوائل» (الذين يمثِّلون حوالَي ١٣٫٥ في المائة من الشريحة المستهدَفة)، وهُم مجموعة من العملاء المنفتِحين على الأفكار الجديدة والمغامرين، لكنهم لا يرغبون في تحمُّل مخاطر أكثر مما ينبغي. وينتظر عملاء «الأغلبية المبكرة» (التي تبلغ حوالَي ٣٤ في المائة من الشريحة المستهدَفة) ريثما يُجرِّب «المشترون الأوائل» المنتَج قبل أن يجرِّبوه هُم بأنفسهم. أمَّا عملاء «الأغلبية المتأخرة» (التي تبلغ حوالَي ٣٤ في المائة من الشريحة المستهدَفة) فينتظرون إلى أن يبدو لهم المنتَج ناجحًا قبل أن يشتروه، وأمَّا «المتخلِّفون» (الذين يمثِّلون حوالَي ١٦ في المائة من الشريحة المستهدَفة)، فهُمْ أولئك الذين يجرِّبون العرض الجديد في النهاية حالما يثبت نجاحه في السوق.

استراتيجية المنتَج

من أجل فهم كيفية قدرة المنظمات على توسيع مزيج منتَجاتها، ابتكر إيجور أنسوف مصفوفةَ نمو من وحي تأليفه. وتقوم فرضيتها الأساسية على وجود أربعة خيارات عند دراسة استراتيجيات نمو السوق أو المنتج؛ الاختراق، أو ابتكار سوق، أو ابتكار منتَج، أو التنويع. الخيار الأول هو اختراق السوق الحالية بعُمقٍ أكبر، وذلك بتكييف المنتَج ليكون أقرب إلى احتياجات العميل المستهدَف والتغلب على المنافسة بتحسين العروض الترويجية والتوزيع والتسعير. فعلى سبيل المثال، استعانت علامة «مارمايت» التجارية (أحد منتَجات شركة يونيليفر) مؤخرًا بإعلانات تلفزيونية جديدة وعروض ترويجية عند نقاط البيع لزيادة المبيعات لقاعدة عملائها. والخيار الثاني هو إيجاد أسواق جديدة للمنتَجات الحالية. ويتضمن ذلك عروضًا ترويجية لمجموعة جديدة من العملاء إما داخل السوق الحالية (بالترويج لاستخدام جديد) وإما في سوق جديدة، ربما تكون في الخارج. وينبغي أن توضِّح العروض الترويجية كيف يمكن للمنتَج الحالي أن يلبِّي احتياجات العميل الجديد، ويجب تحديد سعر مناسب للمنتَج وتوزيعه من خلال قنوات جديدة بعد التفاوض عليها. فمنتَجات «مارمايت» مثلًا، تُسوَّق في مناطق جديدة كالهند.

أمَّا الخيار الثالث، فهو الانخراط في ابتكار منتَج جديد لتعميق خط الإنتاج أو توسيعه لإيجاد عروض جديدة تجذب العملاء المستهدَفين الحاليين إلى شراء مزيد من أشكال المنتَج الأخرى. ويمكن رؤية مثال على ذلك في الشكل رقم ٧-٤، الذي يوضِّح أن علامة «مارمايت» التجارية قد عزَّزت عرضها لسوقها الحالية بإجراء توسيعات في خط الإنتاج. وهنا تحتاج المنتجات الجديدة إلى دعم من العروض الترويجية، مثل اختبارات التذوق والإعلان وحملات وسائل التواصل الاجتماعي لزيادة الوعي بالمنتَج، ولكن من المرجَّح أن تكون قنوات التوزيع مماثلة لتلك الخاصة بالمنتَج الأصلي.

وأمَّا الربع الأخير، فيتضمن أشد خيارات النمو مجازفةً؛ وهو ابتكار منتَج جديد لسوق جديدة أو مجموعة جديدة من العملاء، ويُسمى «التنويع». لم تحاول «مارمايت» التنويع، لكنَّ شركة دايسون نفَّذته بنجاح عندما وسَّعت خطوط إنتاج المكانس الكهربائية لتشمل منتَجات مثل مراوح الغرف ومجفِّفات الشعر ومجفِّفات الأيدي. وتجدُر الإشارة هنا إلى أنَّ عملاء مجفِّفات الأيدي ليسوا بالضرورة هُم عملاء المكانس الكهربائية أنفسهم؛ لأن قاعدة العملاء الرئيسية لمجفِّفات الأيدي غالبًا ما تكون شركات وليس أفرادًا.

تسويق الخدمات

ركَّز معظم القسم السابق على تسويق المنتجات المادية أو البضائع، لكنَّ الخدمات لها بعض السمات المحدَّدة التي ينبغي تناولها على حدة. أوضح إيفرت جوميسون، الأكاديمي الإسكندنافي، أنَّ الخدمة جزء لا يتجزأ من عرض القيمة؛ لأنَّ القيمة تنشأ أثناء تفاعل العملاء مع المورِّد أثناء عملية الاستهلاك. وتتَّسم كل عروض الخدمة الخالصة، كالتأمين والخدمات المالية والخدمات المهنية الأخرى، بأنها غير ملموسة، ولا يمكن فصلها عن مقدِّم الخدمة، ومتباينة، ويُستفاد منها وقت تقديمها فقط. ويكمُن التحدي الأكبر الذي يواجه تسويق الخدمات في أنَّ الخدمة غير ملموسة، ولا توجد طريقة لوضع معيار ثابت للخدمة بدقة، ولا يمكن تسجيلها ببراءة اختراع، وتُستهلَك الخدمة متى وأينما تكون متاحة. ولأنَّ الخدمة غير ملموسة، فهذا يؤثِّر في العناصر الأخرى؛ أي عدم القابلية للفصل والقابلية للتباين والاستفادة منها وقت تقديمها فقط؛ لأنَّ العميل لا يُمكن أن يجرِّب فوائد الخدمة إلا عند التفاعل معها فقط. ومن ثَم، يجب تكييف المزيج التسويقي الأصلي، الذي يتكون من المنتَج والسعر والمكان والترويج، لنقل جودة تجربة خدمة معيَّنة إلى العملاء. وقد اقترح برنارد بومس وماري بيتنر، اللذان وضعا مفهوم العناصر السبعة، إدراج العناصر التسويقية الثلاثة الإضافية؛ أي العملاء (الأشخاص)، وبيئة البيع والتوثيق (الدليل المادي)، وعمليات الخدمة (العملية)، إلى تسويق الخدمات.

fig21
شكل ٧-٥: سلسلة الفوارق بين السلع والخدمات.
ولأنَّ الخدمات غير ملموسة، لا يمكن تكوين المنتج الخدمي بنفس طريقة تكوين السلعة المادية؛ لذا تُباع المنتجات الخدمية باعتبارها مَفهومَ منتجٍ كاملًا يتكوَّن من مزيج من جوانب ملموسة وغير ملموسة (انظر الشكل رقم ٧-٥). غير أنَّ الخدمات تُشبه السلع المادية في أنها تُباع على أساس العنصر الأساسي (كالحصول على قَصة شعر مثلًا) وعناصرها الرسمية (منتجات مضافة مثل البلسم أو بخاخ مُثبِّت الشعر) والعناصر المعزِّزة (كوب شاي أو قهوة كخدمة إضافية)، كما ذكرنا أعلاه. وبالإضافة إلى ذلك، قد يحتوي صالون تصفيف الشعر على عناصر مادية معروضة قد تشير إلى جودة الخدمة؛ مثل شهادات الجودة أو توصيات مكتوبة أو مقاعد فاخرة وتكييف الهواء، أو كل ما سبق. ولذا يجب إدارة الأدلة المادية بعناية لإيصال جودة العرض الإجمالية، خصوصًا تلك الجوانب الخدمية التي تعتمد على حواس التذوُّق والبصر واللمس والشم والسمع الخمس.

ولأن الخدمات لا يمكن فصلها عن مقدمها، فإن قناة توزيعها عادةً ما تكون مباشرةً بدرجةٍ أكبر من قنوات توزيع السلع المادية، ولكن مع ذلك، قد تُقدَّم الخدمات في بيئة مادية يمكن تهيئتها لتوفير مستوًى مناسب من الراحة أو الخبرة المتطوِّرة لتعكس جودة الخدمة المعروضة، مثل القاعات المصرفية أو صالونات تصفيف الشعر أو صالات المطارات. وكذلك يؤثِّر مقدِّمو الخدمات على التصوُّرات المأخوذة عن جودة خدمتهم من خلال سمعة علامتهم التجارية. فالعلامات التجارية للخدمات ينبغي أن تكون مميَّزة، وأن يَسهُل تذكُّرها، وأن تكون ذات صلة، ومرنة، ولكن من الضروري أن تفي بالوعود التي تقدِّمها. ومهما كانت كفاءة المنظَّمة في تقديم قيم علامتها التجارية، لا يُمكن ضمان أنَّ الخدمة ستُشعر كل العملاء بنفس مستوى الرضا؛ وذلك لأن كل عميل لديه وجهة نظره الفردية الخاصة عن مستوى الخدمة المقبول والمُرضي والممتاز. ولذا تُصنَّف الخدمة على أنها متباينة عند نقطة التقديم. وأخيرًا، يُستفاد من الخدمات وقتَ إنتاجها فقط؛ أي لا يمكن تخزينها لاستخدامها لاحقًا. ويُمكن أن نضرب مثلًا هنا بخدمة المطعم. فجزء من عرض الخدمة يتمثَّل في تقديم طعام مطهو طازَج يجب استهلاكه عند تقديمه، وإلا فسيفسَد.

ويُعَد الترويج للمنتجات الخدمية أصعب من الترويج للسلع المادية؛ لأنَّ تجرِبة العميل يُمكن أن تختلف مع كل تفاعل مع الخدمة. وعليه، فإنَّ الكلام الشفهي ووسائل التواصل الاجتماعي عاملان ضروريان لنجاح الترويج للخدمات. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تقدِّم بعض مواقع المقارنة، مثل «تريب أدفيزور»، مجموعةً كبيرة من الآراء المختلفة التي تساعد العميل للاختيار، وإتاحة معلومات موثوقة عن تجرِبة الخدمة. وكل هذه العناصر ترتبط أصلًا بمعيار الخدمة الذي وضعه الأشخاص القائمون على تقديمها. والأشخاص هم الفاعلون البشريون الذين يشاركون في التبادل بين مقدِّم الخدمة والعميل. ويُعَد مقدِّمو الخدمة بالغي الأهمية لأنهم يُمثِّلون المنظَّمة، وينبغي أن ينقُلوا قيمها أثناء التفاعل، مثل المضيفين الجويين في طائرات الخطوط الجوية البريطانية، بالطريقة التي يرتدون بها الملابس ويتحدَّثون ويتفاعلون بها مع المسافر.

ويمكن أن يؤثِّر التدريب الذي يتلقَّاه مقدِّمو الخدمة في كيفية تقديمهم لها من أجل تلبية احتياجات المنظَّمة. غير أنَّ أدريان فيرنهام وريبيكا ميلنر حدَّدا عوامل شخصيةً كثيرة قد تؤثِّر في التفاعل بين كل فرد من العملاء ومقدِّمي الخدمة (مثل التعب والمزاج وضغط العمل وتأثيرات التفاعلات أو الحوادث السابقة)؛ ممَّا يجعل التحكم في عنصر «الأشخاص» بالذات صعبًا جدًّا. فعلى سبيل المثال، ربما يكون زائر أحد صالونات تصفيف الشعر قد مرَّ بيوم سيئ أو ربما يكون غير متيقِّن ممَّا يريده من مقدم الخدمة، ما قد يُصعِّب التواصل معه ويجعل مصفِّف الشعر عاجزًا عن تقديم خدمة مُرضية. أو قد يكون مصفِّف الشعر نفسه مشغولًا للغاية ويعاني ضغط العمل؛ ولذا قد لا يُعطي العميل اهتمامًا كافيًا. ويظل من الممكن استخدام الإعلانات لتوصيل قيمة الخدمة ومجموعة الخدمات المُقدَّمة، لكنَّ الهدف من الترويج للخدمة هو دفع العميل المحتمل إلى التفاعل مع مقدِّم الخدمة، وتجرِبته هي التي ستحدِّد ما إذا كان العملاء سيدعمون الرسائل الإعلانية في وسائل التواصل الاجتماعي أم لا.

أمَّا عنصر الخدمة الثالث الذي يجب إدارته بالتسويق، فهو العملية؛ أي كيفية جذب العميل إلى العرض وتوجيهه خلال مرحلتَي الشراء والاستهلاك. وينبغي أن يختبر العميلُ التعاملَ مع الخدمة بطريقة مقبولة ومنطقية ومُرضية. إذ ينبغي أن تحدث الأحداث بترتيب متوقَّع، وينبغي تقديم الوثائق الداعمة في الوقت المناسب. ومن بين العمليات الرئيسية حجزُ الخدمة ثم دفع ثمنها. وهنا قد يعتمد الحجز على جودة الموقع الإلكتروني أو وكيل الحجز. وعادةً ما يتشابه تسعير الخدمات مع نفس آليات التسعير الخاصة بالسلع المادية، مع أنَّ توقيت الدفع يمكن أن يكون مُتغيِّرًا في تقديم الخدمة. فعلى سبيل المثال، قد يدفع العميل ثمن الخدمة قبل تقديمها أو أثناء تقديمها أو بعده. ويمكن سداد ثمن بعض الخدمات على أقساط لتمديد فترة تقديم الخدمة، مثل خدمات التأمين أو البستنة. وقد تفرض الحكومات أو قواعد الأخلاقيات المهنية قيودًا على أسعار بعض الخدمات، من بينها الخدمات الصحية، مثل خدمات متخصِّصي البصريات وأطباء الأسنان؛ وبذلك تكون الأسعار المفروضة محكومة. وكذلك يُمكن أن يشهد العديد من الخدمات أسعارًا تفاضلية؛ إذ تختلف تكلِفة الخدمة على حسب الساعة التي قُدِّمت فيها أو مكان تقديمها، مثل أسعار خدمات القطارات والطيران التي تختلف على حسب وقت السفر.

وتشير العناصر الثلاثة الإضافية للمزيج التسويقي إلى مدى أهمية الأشخاص في تقديم الخدمات وتسويقها. فالأشخاص هم الرابط بين منظمة الخدمة والعملاء؛ لذا فإنَّ التصوُّرات المأخوذة عن الخدمة في السوق ستعتمد على تفاعل كل فرد على حدة. ولذا فمهما كانت كفاءة المنظمة في إدارة عناصر الخدمة التي تقدِّمها، ستُحدَّد قيمة الخدمة من خلال تجارب العملاء وتعليقاتهم على مقدِّم الخدمة ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤