الفصل الثاني

ما تفعله الروبوتات الآن

(١) روبوتات خطوط التجميع: روبوتات لصنع الأشياء

تُعَد روبوتات خطوط التجميع هي روبوتات الأعمال الشاقَّة: فهي الروبوتات غير الجذَّابة المشغولة بالعمل في المصانع منذ عقود. والمصطلح الذي يُطلَق عادةً على هذه الروبوتات هو أذرع الروبوتات، أو من الناحية الفنية، الأجهزة الميكانيكية المتعددة المحاور للتحكم في المواد. ويُوضِّح الشكل ٢-١ عدة أمثلة لأذرع الروبوتات الصناعية. يتكون كلٌّ منها من قاعدة مثبَّتة على الأرض، ومجموعة من المقاطع التي تتصل كلٌّ منها بالأخرى عن طريق مفصل ومحرك. في نهاية المقطع الأخير يوجد مفصل رسغ يسمح عادةً بتوصيل أيٍّ من الأدوات العديدة التي يؤدي كلٌّ منها غرضًا محددًا. تُعرف هذه المفاصل باسم المستجيبات الطرفية.
fig4
شكل ٢-١: روبوتات خطوط التجميع الصناعية

هذه المستجيبات الطرفية هي ما يقوم بعمل الروبوت. تسمح محركات المفاصل بتحرك المفاصل الفردية في محاور مختلفة؛ مما يعني أن مجموعة من الحركات عبر المحاور المتعددة ستسمح بتمركز المستجيبات الطرفية في أي زاوية أو مكان يمكن أن يصل إليه الروبوت.

إنَّ نقطة القوة العظيمة لأذرع الروبوتات الصناعية في واقع الأمر هي قوة تحملها مع دقتها العالية. وعادةً ما يمكن ضبط موضع المستجيب الطرفي مرارًا بدقة تفوق ١ ملِّيمتر، وهو أمر رائع؛ نظرًا لأن الروبوت قد يزن عدة مئات من الكيلوجرامات. غالبًا ما تُبرمَج أذرع روبوت خطوط التجميع على تنفيذ سلسلة ثابتة من الحركات مرارًا وتكرارًا، على سبيل المثال القيام باللحام النقطي لألواح هيكل السيارة، أو طلاء السيارة بالكامل بالرش. لذلك فإن هذه الروبوتات ليست ذكية. واقع الأمر أنها لا تحتوي في المعتاد على أي أجهزة استشعار خارجية. (غير أنها تُزوَّد عادةً بأجهزة استشعار داخلية لقياس زوايا كل مفصل.) وبناءً على هذا، قد لا يتمكن روبوت الطلاء بالرش من استشعار ما إذا كانت هناك سيارة لطلائها أم لا. وبهذا، فهو يعتمد على السيارة، أو على العمل بصفة عامة، في أن يتمركز في المكان المناسب وفي الوقت المناسب، وأن يكون جاهزًا لأن يبدأ الروبوت دورة عمله. ولهذا فعندما نرى خط تجميع به أذرع روبوت متعددة موضوعة على جانبَي الخط، ينبغي أن نفهم أن الروبوتات جزء من نظام تصنيع آلي متكامل، حيث يجب برمجة كل روبوت والخط ذاته بعناية لتنسيق العملية برُمَّتها وتنظيم الحركة.

من الخصائص المهمة لروبوتات خطوط التجميع أنها تتطلب تصميم بيئة العمل من أجلها ومن حولها؛ أي تصميم بيئة مهيكلة. وهي تحتاج أيضًا إلى أن تكون بيئة العمل هذه بالطبع قابلة للتنبؤ بها وقابلة للتكرار. على النقيض من هذا تقع البيئات البشرية التي تكون عادةً (من وجهة نظر الروبوت) غير مهيكلة ولا يمكن التنبؤ بها. ولهذا السبب، إضافةً إلى حقيقة أن روبوتات خطوط التجميع تُشكِّل خطرًا على البشر؛ لأنها قوية وغير قادرة على استشعار وجود البشر، يحتاج البشر إلى البقاء على مسافة آمنة. وعلى الرغم من كونها تقنيةً ناجحة للغاية، فإن روبوتات خطوط التجميع هي الموجة الأولى من الروبوتات: الروبوتات غير المصمَّمة للتفاعل مع البشر.

(١-١) كيفية برمجة ذراع الروبوت

تخيَّل السهولة التي نُمسِك بها أنا وأنت كوبًا من القهوة ونرفعه إلى شفاهنا. ذلك شيء يبدو أنه لا يتطلب جهدًا واعيًا على الإطلاق، باستثناء الحد الأدنى من الدافع لاحتساء رشفة من القهوة. ومع ذلك، غير أننا حين نفكك ما تنطوي عليه هذه العملية من إجراءات، نرى أن ما يحدث بالفعل بعيدٌ كل البعد عن البساطة. ففي البداية، تمدُّ يدك إلى الكوب: وهو إجراء يتضمن بالطبع تحريك مفصلَي الكتف والمرفق. لكن هذه العملية تنطوي على الإحساس أيضًا؛ لأن هذه الحركات تحتاج إلى أن تسترشد بمعرفتك بمكان الكأس؛ أؤكد مرةً أخرى على أنَّ هذه العملية لا شعورية، وأنت لا تحتاج حتى إلى النظر مباشرةً إلى الكأس لكي تنجح في التقاطه. وفور أن تصل يدك إلى مقبض الكوب، تخضع مفاصل أصابعك لمجموعة معقَّدة من الحركات حتى تتمكن من الإمساك بالمقبض. وحتى إذا كنت لم تصادف هذا النوع المحدَّد من المقابض قبل ذلك، فسيظل بإمكانك تكييف أصابعك تلقائيًّا، ودون بذل جهد واعٍ، لتتناسب مع هذا الشكل.

بعد ذلك تبدأ في رفع الكوب. في هذه المرحلة، يحدث شيء آخر رائع: تشعر تلقائيًّا (ومرةً أخرى دون إدراك واعٍ) بوزن الكوب والسائل الموجود فيه، وتستعمل القدر المناسب من القوة في مفاصل الكتف والكوع والرسغ. ذلك أنك إذا استعملت قدرًا قليلًا من القوة، فلن ترفع الكأس على الإطلاق، وإذا استعملت قدرًا كبيرًا، فستنسكب القهوة. وعندما تضع الكوب أمام شفتَيك، تعدل رسغك بسلاسة بحيث يظل الكوب — والقهوة الموجودة فيه — مستويًا مع انثناء كوعك. وهذا الإجراء، مرةً أخرى، دون تفكير واعٍ، يسترشد بعينيك وردِّ فعل ذراعك وضغط أصابعك. وأخيرًا، عندما يلامس الكوب شفتَيك، ربما بحذر لأنك تشعر بأن القهوة ساخنة، فإن تحديد موضع الكوب بدقة وإمالته بعناية للشرب سيعتمد أيضًا على حاسة اللمس في شفتَيك.

يُظهر هذا المثال التوضيحي لعمل بشري يبدو عاديًّا للغاية أن هذا العمل يستلزم قدرًا كبيرًا من التنسيق بين الاستشعار والتحكم في مفاصل عديدة. لقد تعلمنا «البرمجة» العصبية التي تمنحنا هذه المهارة في مرحلة مبكرة للغاية من النمو. لكن الأذرع الروبوتية من النوع الذي نراه في خطوط التجميع، ليست لديها هذه العملية لتعلم مهارة جديدة.

ما تحتاج إليه أذرع الروبوت هو إما أن تكون مبرمَجة بدقة شديدة، بحيث تُصمَّم الحركة الدقيقة المطلوبة لكل مفصل وتُشفَّر في مجموعة من التعليمات لذراع الروبوت، أو أن «يعلمها» الإنسان باستخدام لوحة تحكم لتحريك المستجيب الطرفي (اليد) إلى المواضع المطلوبة في بيئة عمل الروبوت، وهو ما يحدث في كثير من الأحيان (وبمزيد من السهولة). بعد ذلك يحفظ الروبوت مجموعة حركات المفاصل بحيث يمكن إعادة تشغيلها (مرارًا وتكرارًا). يتحكم المشغِّل البشري الذي يعلِّم الروبوت في المسار، أي الطريق الذي يتبعه المستجيب الطرفي لذراع الروبوت في أثناء تحرُّكه عبر بيئة عمله الثلاثية الأبعاد، وتعمل مجموعة من المعادلات الرياضية تُسمى «علم الكينماتيكا العكسية» على تحويل المسار إلى مجموعة من الحركات الفردية للمفصل.

باستخدام هذا النهج، من السهل نسبيًّا تعليم ذراع الروبوت التقاط جسم ما ونقله بسلاسة إلى مكان آخر في بيئة عمله مع الحفاظ عليه مستويًا (مثل كوب القهوة في مثالنا البشري). بالرغم من ذلك، فعلى عكس مثالنا، لا تستطيع معظم أذرع الروبوتات الحالية استشعار وزن الجسم الذي تحمله والتكيف تلقائيًّا وفقًا لذلك. ذلك أنها مصمَّمة ببساطة بمفاصل صلبة ومحركات قوية بما فيه الكفاية لأن تسمح لها برفع أي جسم ونقله ووضعه بالدقة نفسها بصرف النظر عن وزنه، ما دام في ضمن الحدود التي يسمح بها تصميم الروبوت.

وبالمثل أيضًا، فإن صلابة الحركة ودقتها، في ظل التحكم المبرمج، تعني أن الذراع الروبوتي يمكن أن يحافظ على الجسم مستويًا دون الحاجة إلى العمليات التكيفية من الاستشعار المستمر والتحكم، والتي يحتاج البشر إليها للحفاظ على استواء الجسم في أثناء تحريكه. فصلابة مفاصل الروبوت هي التي تجعل من السهل نسبيًّا برمجتها والتحكم فيها بدقة وبشكل متكرر. وفي هذا الصدد، فإنَّ الأذرع الروبوتية التقليدية مختلفةٌ أشد الاختلاف عن أذرع البشر أو أطراف الحيوانات.

تُعَد الأذرع الروبوتية والمقابض تقنيةً أساسية في علم الروبوتات. إنَّ أهميتها الشديدة لا تقتصر على استخدامها في روبوتات خطوط التجميع الصناعية، بل أصبحت «عنصرًا» أساسيًّا في العديد من مجالات علم الروبوتات. توجد تنويعات مختلفة من الأذرع الروبوتية متصلة بمنصات متحركة مثل المركبات الغواصة المشغَّلة عن بُعد أو روبوتات إبطال مفعول القنابل أو مركبات المريخ الجوَّالة. وتُعتبر الأذرع الروبوتية، التي تتمتع بدرجات شديدة التباين من التطور، من السمات الأساسية في الروبوتات التي تشبه البشر، وسأتطرق لموضوع الأذرع الروبوتية التي تشبه البشر، بما في ذلك الأذرع الروبوتية المطواعة، في الفصل الرابع.

(٢) روبوتات نقل البضائع: الروبوتات التي تجلب البضائع وتحملها

عند شراء شيء ما من بائع عبر الإنترنت، ثَمة احتمال كبير في أنَّ أحد الروبوتات هو ما يجمع الطلب من رفوف المخزن، ثم ينقله إلى نقطة مركزية حيث يضعه عاملو التعبئة في صندوق جاهز للإرسال. وعلى عكس روبوتات خطوط التجميع، فإن روبوتات المخازن متنقلة. فهي روبوتات لنقل البضائع؛ أي إنها مصمَّمة أساسًا لجلب الأشياء وحملها. بالرغم من ذلك، تشترك روبوتات المخازن مع روبوتات خطوط التجميع في شيء واحد: أنها تعمل في بيئات مهيكَلة للغاية حيث لا يتدخل البشر بشكل عام. وتعمل بعض المخازن دون إضاءة لأن الروبوتات لا تحتاج إلى ضوء، ولا يحتاج البشر إلى الذهاب إلى جزء التخزين الرئيسي في المخزن على الإطلاق (إلا إذا حدث خطأ ما بالطبع). وعادةً ما تتحرك روبوتات المخازن على طول المسارات المحدَّدة مسبقًا عبر المخزن.

بالرغم من ذلك، فعلى غرار روبوتات خطوط التجميع، تُعَد روبوتات نقل البضائع آلات متطورة للغاية. ومثلما هو الحال مع روبوتات خطوط التجميع، من الخطأ الحكم على روبوت واحد بمعزل عن الآخرين. فغالبًا ما تعمل روبوتات نقل البضائع في مجموعات تُسمى الأنظمة المتعددة الروبوتات، والتي تُشكِّل بدورها الجزء المرئي من نظام متكامل شديد التعقيد. وسوف أذكر المزيد عن الأنظمة المتعددة الروبوتات في الفصل الخامس.

تنتمي روبوتات نقل البضائع في المخازن أو المصانع إلى فئة مهمة من الروبوتات تُسمى المركبات الموجَّهة آليًّا. والمركبة الموجَّهة آليًّا هي روبوت متحرك قادر على التنقل بشكل مستقل من نقطة إلى أخرى، وغالبًا ما يكون ذلك عن طريق اتباع سلك مدفون أو علامات على الأرض. لا بد أن تكون المركبة الموجَّهة آليًّا الخاصة بنقل البضائع قادرة على حمل الحمولة أو سحبها، وربما رفعها ووضعها في المكان المخصَّص لها، وتنفيذ هذه المهام كلها من تلقاء نفسها. وخير مثال على ذلك هو الرافعة الشوكية الموجَّهة آليًّا (رافعة شوكية دون سائق): ولا بد أن تكون قادرة على استشعار العقبات في طريقها، بما في ذلك الأشخاص، والتوقف بأمان. وعادةً ما تكون المركبة الموجَّهة آليًّا مركبة كهربائية تعمل بالبطاريات؛ ولذا يجب أن تكون قادرة أيضًا على استشعار مستوى شحن البطارية الخاصة بها وتحديد وقت التوقف عن العمل والتوجه إلى محطة إعادة الشحن.

يمكننا إذَن أن نرى أن المركبة الموجهة آليًّا لنقل البضائع تحتاج إلى ثلاثة أنواع على الأقل من أجهزة الاستشعار: نوع لاكتشاف علامات التوجيه، ونوع لاكتشاف العوائق، ونوع لاستشعار مستوى البطارية الخاصة بها. وهي تحتاج أيضًا إلى التواصل، لا سلكيًّا، مع نظام المخزن أو المصنع الذي يتحكم في المركبات الموجهة آليًّا وينسق عملياتها، وإذا كان لا بد من تحميل المركبة الموجهة آليًّا أو تفريغها يدويًّا، فستحتاج إلى واجهة بسيطة للتفاعل بين الإنسان والروبوت حتى يتمكن المشغل البشري من إخبار المركبة الموجهة آليًّا عند الانتهاء من التحميل أو التفريغ. ينتج عن كل هذه المتطلبات روبوت متنقل «أذكى» بكثير من نظيره الثابت؛ أي روبوت خطوط التجميع. يجب أيضًا أن يكون هذا الروبوت قويًّا وموثوقًا به وآمنًا للغاية.

لقد استُخدمت المركبات الموجهة آليًّا لعقود عديدة، وثَمة جيل جديد منها صار يُستخدم في بيئات بشرية للغاية. من أمثلة ذلك، الروبوت «تَج» من شركة أيثون: وهو روبوت لنقل المعدات في المستشفيات، ويظهر في الشكل ٢-٢. في وقت كتابة هذا الكتاب، يوجد أكثر من مائة روبوت من هذه الروبوتات تُستخدم في مستشفيات الولايات المتحدة، عادةً لجلب الإمدادات الطبية، بما في ذلك الدم أو الأدوية، أو تسليم عينات للتحليل. ويتميز الروبوت بتصميم مثير للاهتمام: فهو يتألف من حاوية على عجلات، مزوَّدة بأقسام أو أدراج مصمَّمة لحمل أي شيء، يجرُّها روبوت «سحب» صغير (ومن هنا جاءت التسمية «تَج» التي تعني سحبًا باللغة الإنجليزية).
fig5
شكل ٢-٢: الروبوت تَج من شركة أيثون لنقل المعدات في المستشفيات

على عكس نظائره الصناعية، لا يتطلب الروبوت تَج أسلاكًا مدفونة أو علامات على الأرض للتنقل. فكل روبوت مبرمَج مسبقًا بخريطة إلكترونية ثلاثية الأبعاد للمستشفى، مع تمييزها بمواقع رئيسية مثل الصيدلية، ومختبر علم الأمراض، ومراكز التمريض، والأبواب، والمصاعد، والأهم من ذلك محطة إعادة شحن الروبوت، التي تُعتبر الموقع «الرئيسي».

يتنقل الروبوت عن طريق مطابقة ما «يراه» من خلال أجهزة تحديد المدى بالليزر الخاصة به، مع ما يتوقع رؤيته من موقعه الحالي واتجاهه وفقًا لخريطته الداخلية. تخيل أجهزة تحديد المدى بالليزر على أنها أشعة ضوء مرسَلة لقياس المسافة بين الروبوت وكل جسم أمامه، فالروبوت في الواقع يتمتع ﺑ «رؤية» ثلاثية الأبعاد؛ أي إنه يرى قياسات العمق. وبذلك يكون الروبوت قادرًا على تتبع موقعه في خريطته الداخلية. إذا استشعر الروبوت أن الطريق أمامه خالٍ، فسيشقُّ طريقه إلى وجهته بشكل مستقل؛ وإذا استشعر، على سبيل المثال، أنه وصل إلى نهاية ممر يتقاطع مع آخر، فسيراجع الروبوت خريطته الداخلية ليُقرِّر ما إذا كان سيتجه إلى اليسار أو اليمين.

تحتاج المستشفى بالطبع إلى بعض البنية التحتية الخاصة لدعم روبوتات النقل: فيجب أن تكون الأبواب والمصاعد مزوَّدة بأجهزة تحكم عن بُعد تسمح للروبوت ﺑ «طلب» فتح الباب، أو ركوب المصعد وتسجيل الدور الذي يريد الذهاب إليه. ولا بد بالطبع من وجود شبكة لا سلكية (توجد بالمستشفى على الأرجح في أي حال) حتى يتمكن العاملون بالمستشفى من طلب الروبوت.

على عكس المركبات الموجهة آليًّا في المخازن، لا بد للروبوت تَج من التفاعل مع أشخاص؛ إذ يجب أن يعمل بأمان في واحدة من أكثر البيئات البشرية طلبًا لبذل المجهود. وتتمثل أولى ميزات الأمان الأساسية في أن تَج يتحرك ببطء إلى حد ما، ويُصدِر في أثناء تحركه صفيرًا مسموعًا للتنبيه. والسمة الثانية أن تَج يستشعر الاصطدامات المحتمَلة مع الأشخاص أو الأشياء، وحينها يتوقف، وهو لا يبدأ بالتحرك مرةً أخرى إلا عندما يكون الطريق خاليًا. أما التفاعل بين الإنسان والروبوت فهو بسيط، لكنه فعَّال. يمكن لموظفي المستشفى طلب إجراء عمليات الاستلام أو التسليم عبر شبكة الواي فاي، وعندما يصل تَج إلى وجهته، يقدم طلبًا شفهيًّا من خلال «النطق» بعبارة مؤلفة، ليُوضِّح للمستخدِم البشري أنه قد أتى إما لاستلام عنصر أو تسليمه. لا يحتوي تَج على خاصية الإدخال الصوتي، بل زرَّين كبيرين فحسب: (pause (توقف مؤقت) وgo (انطلاق))؛ ويضغط المستخدم على الزر المناسب بعد التحميل أو التفريغ ليرسل الروبوت في طريقه. وبين عمليات التسليم، يشقُّ تَج طريقه عائدًا إلى محطة إعادة الشحن الخاصة به ليكون جاهزًا للعمل في المرة التالية التي يُطلَب فيها.

(٣) الروبوتات المشغَّلة عن بُعد: إطلاع الإنسان على المستجدات

في السنوات الأخيرة، برزت الروبوتات المشغَّلة عن بُعد (وإن لم تكن تحمل هذا الاسم بالضرورة)، في عدد من الاستخدامات المهمة. فأصبحت المركبات الغواصة المشغَّلة عن بُعد تقنيةً معتادة في عمليات استكشاف أعماق البحار والإنقاذ والصيانة. وفي مجال الفضاء العسكري، اكتسبت الطائرات المشغلة عن بعد بدون طيار أهميةً كبيرة في عمليات الاستطلاع الجوي منذ عام ١٩٩٠. وحقَّقت رحلات استكشاف الكواكب نجاحًا ملحوظًا مع مسبارَي الفضاء السحيق المشغَّلَين عن بُعدٍ «بايونير وفوياجر»، ومؤخرًا مع مركبتَي المريخ الجوالتين «سبيريت وأبورتيونيتي». إضافةً إلى ذلك، صارت الأجهزة الروبوتية المشغَّلة عن بُعد تحظى بقبول الجراحين، وتُعتبر بالفعل أدوات رئيسية لبعض العمليات الجراحية. وسأذكر أمثلة من هذه التطبيقات الواقعية، لكن دعونا أولًا نعرِّف الروبوتات المشغَّلة عن بُعد.

تصف الروبوتات المشغَّلة عن بُعدٍ فئة الروبوتات التي يشغلها البشر عن بُعد. ومن ثَم، فإن الروبوتات المشغَّلة عن بُعد تتناقض مع الروبوتات المستقلة التي لا تتطلب أي تدخل بشري لإكمال المهمة المطلوبة منها. غير أنَّ الفرق بين الروبوتات المستقلة والروبوتات المشغَّلة عن بُعد غيرُ واضح تمامًا؛ لأن بعض الروبوتات المشغَّلة عن بُعد تتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلالية المحلية. وقد يقبل الروبوت، على سبيل المثال، أوامر مثل «التحرك للأمام بمقدار ٣٠سم»، ويتحكم ذاتيًّا في محركاته وعجلاته لتنفيذ هذا الأمر، دون الحاجة إلى المُشغِّل البشري في عمليات التحكم إن كانت على هذه الدرجة من انخفاض المستوى.

تشترك الغالبية العظمى من الروبوتات المشغَّلة عن بُعد في جميع الخصائص الموضَّحة في الفصل الأول. وغالبًا ما تكون مجهَّزة بمجموعة غنية من أجهزة الاستشعار، بما في ذلك كاميرات، ومجموعة من المشغلات المعقدة للتنقل والتحكم في الأجسام. بالرغم من ذلك، يجدر بنا عند مناقشة الروبوتات المشغلة عن بُعدٍ أن نراعي النظام بأكمله، بما في ذلك المشغل البشري، وليس الروبوت فقط.

يتكون نظام الروبوت المشغَّل عن بُعد من عناصر رئيسية ثلاثة: واجهة المشغِّل، وحلقة التواصل، والروبوت نفسه. لنتناول الآن هذه العناصر.

  • واجهة المشغل: تتألف بشكل عام من شاشة عرض واحدة أو أكثر لعرض فيديوهات كاميرا (كاميرات) الروبوت وغيرها من المعلومات عن حالة الروبوت أو أجهزة الاستشعار. إضافةً إلى ذلك، ستتطلب الواجهة وجود أجهزة إدخال للسماح للمشغل بإدخال الأوامر (عبر لوحة المفاتيح)، أو التحكم يدويًّا في الروبوت (عبر عصا التحكم، على سبيل المثال).
  • حلقة التواصل: قد يُستخدم الاتصال السلكي في حالة الروبوتات الثابتة المشغَّلة عن بُعد، أو الاتصال اللاسلكي في حالة الروبوتات المتنقلة. في كلتا الحالتين، يجب أن تكون حلقة التواصل ثنائية الاتجاه بحيث يمكن نقل الأوامر من واجهة المشغل إلى الروبوت، ويمكن في الوقت نفسه نقل معلومات عن الرؤية والمستشعر والحالة من الروبوت إلى المشغل. وغالبًا ما تتطلب قناة التواصل سعةً عالية لنقل الفيديو في أثناء حدوثه من الروبوت إلى المشغل.
  • الروبوت: يختلف تصميم الروبوت اختلافًا كبيرًا حسب الاستخدامات المختلفة وبيئات التشغيل. لكن سواء كان الروبوت يسير على مسارات أو يطير أو يسبح، فإنه سيحتاج دائمًا إلى عدد من الأنظمة الفرعية المشتركة. يحتاج الروبوت إلى أجهزة إلكترونية للتواصل والمعالجة الحوسبية والتحكم. ويحتاج إلى برنامج لتفسير الأوامر من واجهة المشغِّل وترجمتها إلى إشارات للمحرِّكات أو المشغِّلات. وسيحتاج البرنامج إلى متابعة «الإشارات الحيوية» للروبوت، بما في ذلك مستويات شحن البطارية، وإرسال معلومات الحالة إلى المشغل إضافةً إلى بيانات من كاميرات الروبوت وأجهزة الاستشعار الأخرى.

أبرز ما تتَّسم به الأنظمة المشغَّلة عن بُعد هي أن المشغِّل البشري جزء لا يتجزأ من حلقة التحكم الكلية. يُنقَل الفيديو من كاميرا الروبوت، عبر حلقة التواصل، إلى المشغل البشري. ويُفسِّر المشغِّل السيناريو المعروض ويُدخِل أوامر التحكم المناسبة التي تُرسَل، عبر حلقة التواصل، إلى الروبوت. بعد ذلك، يعمل الروبوت (أو يتحرك) في بيئته وفقًا لمتطلبات التحكم، وتنعكس نتيجة هذه الإجراءات للمشغِّل في بيانات الفيديو المحدثة. وبهذا، تُغلَق حلقة التحكم.

أي شخص حاوَل تشغيل روبوت عن بُعد بينما ينظر إلى شاشة تُظهر ما يراه الروبوت عبر الكاميرا المثبَّتة عليه يعرف مدى صعوبة ذلك الأمر؛ ولهذا فإن التصميم الجيد لواجهة المشغِّل مهم جدًّا لنجاح أنظمة الروبوت المشغَّلة عن بُعد. ومن مشكلات التصميم، على سبيل المثال، كيفية تزويد المشغل البشري بتجربة غامرة من بيانات استشعار الروبوت (أي أن يشعر كما لو كان موجودًا مع الروبوت). وتتمثل إحدى طرق تحسين الاستشعار في إتاحة خاصية خلال اللمس عن بُعد؛ أي السماح للمشغل البشري بالشعور بما تلمسه مستشعرات اللمس في الروبوت. إنَّ نظام الروبوتات المشغلة عن بُعد إذا كان مُتقَن التصميم، سيُوسِّع نطاق حواس البشر وأدواتهم، ليسمح لهم بالاستكشاف أو الفحص أو التدخل في بيئات شديدة الخطورة بالنسبة للبشر أو يتعذر وصولهم إليها.

من ناحية التصميم، تكمن أهم ميزات الروبوتات المشغلة عن بعد في أن وجود الإنسان في الحلقة يوفر «ذكاء» الروبوت. وهذا يوفر حلًّا لواحدة من أصعب المشكلات في مجال علم الروبوتات، وهي تصميم الذكاء الاصطناعي للروبوت، فليس من المفاجئ إذَن أن العديد من الروبوتات الحالية من الروبوتات المشغَّلة عن بُعد. ولا ينبغي أن تخدعنا حقيقة أن الروبوتات المشغلة عن بُعد تُخفِّف من وطأة مشكلة تصميم الذكاء الاصطناعي فنظن خاطئين أن الروبوتات المشغلة عن بُعد ليست معقَّدة، فهي كذلك.

لنُلقِ نظرةً الآن على بعض الأنواع التمثيلية للروبوتات المشغلة عن بُعد.

(٣-١) الروبوتات الغواصة: المركبات المشغَّلة عن بُعد

تُعَد المركبات المشغَّلة عن بُعد هي روبوتات الأعمال الشاقة في قطاع التنقيب عن النفط وحفر الآبار في البحار؛ وهي أيضًا روبوتات أساسية لاستكشاف أعماق البحار وعلومها. اشتهرت مركبات العلوم المشغلة عن بعد بأداء دور رئيسي في استكشاف الحياة النباتية والحيوانية الغنية حول الفوهات الحرارية المائية التي ينبثق منها ماء ساخن في أعماق البحار. إنها في الأساس غواصات آلية يجري التحكم فيها عن بعد، وغالبًا ما يكون بها أذرع روبوتية مزوَّدة بمقابض أو أجهزة ميكانيكية للتحكم في المواد بحيث يمكن لمشغل هذه المركبات عن بعدٍ الاضطلاع بعمليات الصيانة أو الإصلاح، أو جمع العينات في حالة مركبات العلوم المشغَّلة عن بعد. وغالبًا ما تُوصَّل المركبات المشغلة عن بعد بالسفينة الأم عبر كابل، ينقل إشارات الطاقة والتحكم إلى المركبة المشغلة عن بعد، وينقل البيانات الواردة من كاميرا الفيديو والأجهزة الأخرى من المركبة المشغلة عن بعد إلى المشغل البشري على متن السفينة.

(٣-٢) الروبوتات العسكرية

غالبًا ما يُقال إن الروبوتات هي الأنسب للمهام المملة أو القذرة أو الخطيرة. ومن أهم أنواع الروبوتات في فئة المهام الخطيرة روبوتات إبطال مفعول القنابل. كان الجيش البريطاني رائدًا في السبعينيات باختراع ما يُسمى «عربة اليد»، وهي مركبات تُشغَّل عن بُعد تتمثل مهمتها الأساسية في السماح لخبراء المفرقعات بتفتيش المركبات أو المباني المشتبَه باحتوائها على قنابل مزروعة بداخلها دون تعريض أنفسهم للخطر.

روبوتات إبطال مفعول القنابل هي في الأساس روبوتات متنقلة متينة يجري التحكم فيها عبر جهاز لا سلكي، تسير في المعتاد على مسارات وتُزوَّد بذراع روبوتي. وغالبًا ما يكون الروبوت مزوَّدًا بكاميرتين؛ واحدة على جسم الروبوت، والأخرى مثبَّتة في نهاية ذراعه. ولهذه الكاميرا المثبَّتة على ذراع الروبوت أهمية خاصة؛ لأنها تتيح لخبير إبطال مفعول القنابل القدرةَ على التحكم في ذراع الروبوت عن بُعد من أجل ضبط وضع الكاميرا، حتى يتمكن من البحث، عبر الكاميرا، عن أي شيء مريب. وإضافةً إلى الكاميرا (الكاميرتين)، عادةً ما يحتوي الروبوت أيضًا على ميكروفونات وأجهزة استشعار للمواد الكيميائية أو البيولوجية أو النووية، حتى يتمكن المشغل من تحديد ماهية «القنبلة» والطريق الأفضل للتعامل معها. وتحتوي العديد من هذه الروبوتات على قابض في نهاية ذراع الروبوت لاستخدامه في حالة الحاجة إلى فتح باب، أو التعامل مع الجهاز المشبوه أو تحريكه، على سبيل المثال.

(٣-٣) الطائرات بدون طيار

يُشار إلى الطائرات المشغَّلة عن بعد عمومًا باسم الطائرات بدون طيار. وقد تكون ذات أجنحة ثابتة أو ذات أجنحة دوَّارة (مثل الطائرات الهليكوبتر)، وفي المجال العسكري، تُعرف الطائرات الأكثر شهرةً من هذا النوع، وأكثرها إثارة للجدل أيضًا، باسم طائرات «الدرون». وعلى عكس معظم الروبوتات الأخرى المشغَّلة عن بعد، تتمتع الأنواع الحديثة من الطائرات بدون طيار بدرجة عالية من الاستقلالية. ولما كانت هذه الطائرات مزوَّدة بجهاز استقبال لتحديد المواقع للملاحة عبر الأقمار الصناعية ونظام الربان الآلي، فهي عادةً ما تستطيع اتباع مسار للوصول إلى وجهة معيَّنة، عبر مجموعة من العلامات التوجيهية، مع تدخل بسيط من الطيار المتحكم عن بُعد أو من دون أي تدخل منه، وذلك بكفاءة تُضاهي ما تتمتع به الطائرات التجارية الحديثة التي يوجهها طيار. وعادةً ما تكون الطائرات بدون طيار قادرةً على الإقلاع والهبوط بشكل مستقل، وهو أمر يصعب القيام به عن بُعد لطائرة صغيرة. وبهذا، يتسنى لمُشغِّل الطائرات بدون طيار أن يُركِّز بشكل أساسي على مراقبة حالة المركبة وموقعها، وعلى جمع بيانات المراقبة والصور بالطبع.

(٣-٤) مركبات الكواكب الجوالة

للروبوتات المشغَّلة عن بعد لاستكشاف الأسطح، والتي يُشار إليها عمومًا باسم مركبات الكواكب الجوالة، تاريخٌ مميَّز يعود إلى سبعينيات القرن الماضي ومركبة لونوخود الجوالة لاستكشاف القمر، ولا تقتصر أهمية هذه المركبات على ما قدَّمته لنا من معارف رائعة عن سطح القمر، ومؤخرًا عن سطح كوكب المريخ، بل قدَّمت لنا أيضًا أمثلةً مُلهِمة في هندسة علم الروبوتات. ومركبات الكواكب الجوالة هي روبوتات متنقلة تعمل عن بعد، وتنطوي على عدد من التحديات الصعبة للغاية للمصمِّم والمشغِّل. يتمثل أحد التحديات في الطاقة؛ إذ يجب أن تكون مركبة الكواكب الجوالة مكتفية ذاتيًّا في الحصول على الطاقة طوال فترة مهمتها، ويجب إما إطلاقها وهي مزوَّدة بمصدر طاقة، وإما أن تكون مزوَّدة بألواح شمسية قادرة على إعادة شحن البطاريات المُركَّبة في المركبة الجوالة، كما هو الحال مع مركبات المريخ الجوالة.

fig6
شكل ٢-٣: مركبة جوالة لاستكشاف المريخ

يكمن التحدي الآخر في الاعتمادية. ذلك أنَّ أي عطل ميكانيكي سيَتسبَّب على الأرجح في إنهاء مهمة المركبة الجوالة؛ ومن ثَم يجب تصميمها وبناؤها وفقًا لمعايير استثنائية من الموثوقية والسلامة من الأعطال، بما يسمح للروبوت أن يستمر في العمل إذا تعطلت أجزاء من المركبة الجوالة، وإن كان ذلك بأداء وظيفي منخفض. تُعَد درجات الحرارة المتطرفة من المشكلات أيضًا، لا سيما البرودة؛ لأن المكونات الإلكترونية لن تعمل في درجة حرارة أقل من ٥٠ درجة مئوية تحت الصفر. ومن ثَم، تحتاج المركبات الجوالة، مثل السفن الفضائية، إلى أجهزة تدفئة وعزل من أجل أجهزتها الإلكترونية.

غير أنَّ التحدي الأكبر هو التواصل. فمع تأخُّر الإشارات المرسَلة من المريخ وإليه لمدة عشرين دقيقة، يستحيل تشغيل المركبة الجوالة عن بعد بصورة آنية. إذا كانت المركبة الجوالة تتحرك ومُشغِّلها البشري في مركز القيادة على الأرض يحاول تفادي أحد العوائق، فالأرجح أنَّ الأوان فات بالفعل؛ سيكون الروبوت قد اصطدم بالعائق في الوقت الذي تصل فيه إشارة الأمر بالانعطاف إلى المركبة الجوالة. ويبدو أن الحل الوحيد لهذه المشكلة هي منح المركبة الجوالة درجة من الاستقلالية بحيث يمكنها، على سبيل المثال، تخطيط مسارها إلى صخرة أو نقطة محل اهتمام — مع تجنب العقبات في الوقت ذاته — وعندما تصل إلى النقطة محل الاهتمام، تتصل بمركز القيادة وتنتظر. على الرغم من التطور الكبير الذي شهدته خوارزميات تخطيط المسار القادرة على هذا المستوى من الاستقلالية، فإنَّ احتمالية فشل الخوارزمية (ومن ثَم احتمالية فشل المهمة بأكملها) مرتفع للغاية، لدرجة أنَّ المركبات الجوالة تُشغَّل يدويًّا عن بعد في واقع الأمر، مع الالتزام بمستوى سرعة منخفض جدًّا والتخطيط بعناية لكل مناورة يدوية. وإذا أخذنا في الحسبان أيضًا حقيقة أن مركبات المريخ الجوالة لا يمكن الاتصال بها إلا خلال ثلاث ساعات في اليوم المريخي، فإن اجتياز ١٠٠ متر يستغرق عادةً يومًا واحدًا من التشغيل بمتوسط سرعة ٣٠ مترًا في الساعة.

(٣-٥) الروبوتات الجراحية

على عكس مركبات الكواكب الجوالة، فإن المجال التشغيلي للروبوتات الجراحية هو الأماكن المغلقة. إذا كنت بحاجة إلى إجراء عملية جراحية في البروستاتا، فمن المحتمل أن يُجريَها لك روبوت أو بالأحرى جرَّاح يتحكم في روبوت عن بعد. لا يخفى على أحدٍ فوائدُ الجراحة التي تنطوي على الحد الأدنى من التدخل، أو جراحة ثقب المفتاح، لكن الدقة والبراعة التي يمكن للجراح بها التحكم يدويًّا في الأدوات محدودة. ويوفر الروبوت الجراحي فرصة للتغلب على هذا القصور من خلال خاصية التحكم عن بعد.

عادةً ما تتضمن الجراحة بالمنظار عمل عدد من الشقوق عبر البطن وصولًا إلى الموقع الذي يتطلب الجراحة. بعد ذلك، تُدخَل الكاميرات والإضاءة عبر أحد الشقوق ليتمكن الجرَّاح من إلقاء نظرة عن قرب على مكان إجراء العملية، وربما تكون ثلاثية الأبعاد. وتُدخَل الأدوات، مثل المباضع الصغيرة الحجم أو الملقط أو إبر الخياطة عبر الشقوق الأخرى حتى يتمكن الجراح من إجراء العملية في أثناء النظر من خلال الكاميرات.

يتحكم الجراح في الأدوات عن بعدٍ عبر زوج خاص من أدوات التحكم اليدوية. والجدير بالذكر أن نظام التحكم في الروبوت يقلص بعد ذلك حركات يد الجرَّاح وأصابعه؛ فعندما يُحرِّك الجرَّاح يديه بمقدار ٠٫٥ سنتيمتر تقريبًا تتحرك الأداة الجراحية بمقدار ٠٫٥ ملِّيمتر. وقد يتجاهل الروبوت أيضًا أي ارتعاش في يدَي الجرَّاح كي تكون حركات أدوات الجراحة المجهرية سلِسة ودقيقة. في المعتاد، توجد وحدة تحكم الجرَّاح فعليًّا داخل غرفة العمليات، حيث المريض الذي يخضع للعملية الجراحية والفريق الطبي بأكمله، لكن ذلك ليس ضروريًّا بالطبع؛ فمن مزايا هذا النهج إمكانية إجراء الجرَّاح للعملية من مكان مختلف.

(٤) روبوتات قابلة للتعلم

كان نظام «ليجو مايندستورمز» إنجازًا بارزًا في تطوير الروبوتات القابلة للتعلم، والآن قد ظهر الجيل الثاني منه باسم «ليجو إن إكس تي». تطور نظام «ليجو إن إكس تي» بالتعاون مع مختبر الوسائط بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وهو يُستخدم على نطاق واسع لدعم تدريس علم الروبوتات، ويحظى بتقدير جيد في مجتمع علم الروبوتات. يوجد في قلب النظام وحدة تحكم قابلة للبرمجة تُسمى المكعب الذكي إن إكس تي (انظر الشكل ٢-٤).
fig7
شكل ٢-٤: ليجو مايندستورمز إن إكس تي «الجهاز العصبي المركزي»

مثلما يتضح في الشكل، يحتوي نظام ليجو إن إكس تي الأساسي على ثلاث وحدات محرِّك وأربع وحدات استشعار مختلفة، إضافةً إلى المكعب (١). وتعتمد وحدات المحرك (٦) على محركات مؤازِرة مزوَّدة بصناديق تروس لتخفيض السرعة وأجهزة تشفير عمود الدوران. تستطيع أجهزة تشفير عمود الدوران استشعار موضع عمود الخرج في حدود درجة واحدة من الدقة؛ مما يعني إمكانية استخدامها كمُشغِّلات لضبط موضع مفصل ذراع الروبوت، على سبيل المثال، بدقة جيدة.

وحدة الاستشعار (٢) هي مستشعر لمس بسيط ثنائي التشفير، ينتج قيمة خرج ٠ إذا لم يُضغَط عليه، أو ١ إذا ضُغط عليه. وتُمثِّل وحدة الاستشعار (٣) مستشعر صوت تناظري تتراوح قيمة خرجه بين ٠ للصمت و١٠٠ للأصوات العالية جدًّا. أما الوحدة (٤) فهي مستشعر ضوء تناظري تتراوح قيمة خرجه بين ٠ و١٠٠ (من الظلام الدامس إلى الضوء الساطع). وتشتمل الوحدة أيضًا على مصباح لإضاءة أي جسم. ويمكن استخدام مستشعر الضوء بمفرده أو مع المصباح، لقياس سطوع ضوء المصباح المنعكِس؛ ومن ثَم مدى بُعد الجسم.

وحدة الاستشعار (٥) هي مستشعر لقياس المسافات بالموجات فوق الصوتية، ولديها القدرة على اكتشاف مدى بُعد جسم ما على مسافة تصل إلى ٢٣٣ سنتيمترًا، بدقة ٣ سنتيمترات؛ وتتمكن الوحدة أيضًا من استشعار الحركة. توجد أيضًا مستشعرات إضافية غير موضَّحة بالشكل، ومنها مستشعر اللون ومستشعر درجة الحرارة، إضافةً إلى وحدات من جهات خارجية تتضمن البوصلة ومقياس التسارع.

عند مقارنة الصورة في الشكل ٢-٤ بالشكل ١-٢ في الفصل الأول، فإنَّ ما نراه هو «الجهاز العصبي المركزي» الكامل لروبوت ليجو إن إكس تي، كما لو كان معروضًا أمامنا على طاولة التشريح. فبإمكاننا رؤية «الدماغ» وإمدادات الطاقة (في المكعب) و«أجهزة الاستشعار» و«العضلات» لتوفير إمكانية التنقل، والأسلاك (التي تمثل «الأعصاب»). ما ينقص هنا هو الجسم — المكونات الهيكلية — والبرنامج الذي يصنع روبوتًا معينًا بوظيفة معينة بالطبع.

يمكن إدخال البرامج البسيطة جدًّا مباشرةً على المكعب باستخدام نظام بسيط يتكون من قائمة وأزرار، لكن البرامج الأكثر تعقيدًا فيمكن تصميمها على كمبيوتر محمول أو كمبيوتر شخصي وتنزيلها على المكعب. إن مجموعة أدوات البرمجة (من المبتدئين إلى الخبراء)، وحقيقة أن ليجو أصدرت ترخيصًا مفتوح المصدر لأجهزة إن إكس تي وبرامجها تعني أن هذا النظام لتطوير الروبوتات التركيبية عظيم الفائدة، ليس في مجال التعليم فحسب، بل أيضًا باعتباره منصة مرنة للغاية لاختبار الأفكار البحثية. وعند إجراء بحث على الإنترنت سرعان ما نكتشف أن هناك مجموعة كبيرة من نماذج الروبوتات التي تطورت باستخدام ليجو إن إكس تي، بما في ذلك الروبوتات التي تحل مكعب روبيك، والروبوت الذي يمكنه التوازن على عجلتين، ومصنع نماذج ليجو إن إكس تي المؤتمت بالكامل الذي يجمِّع سيارات ليجو.

(٥) تصنيف الروبوتات

ليس من السهل تحديد موقع أي روبوت معين في شجرة عائلة جميع الروبوتات. فصحيح أنَّ بعض الروبوتات، لا سيما تلك الموجودة في التطبيقات الراسخة، لها أوصاف واضحة مثل الطائرات بدون طيار (التي تُعرف أيضًا باسم طائرات الدرون)، لكن العديد من الروبوتات عادةً ما تُوصَف بطريقة مخصَّصة إلى حد ما. على سبيل المثال، تخبرنا الصفة humanoid (هيومانويد) أن الروبوت قد يكون له شكل يشبه الإنسان، لكنها لا تخبرنا بأي تفاصيل أخرى فيما عدا ذلك. فهي لا تخبرنا بما إذا كان الروبوت الذي يتخذ هيئة الإنسان يستطيع السير أم إن الجزء العلوي من الجسم غير متحرك، كما أنها لا تشير إلى استخداماته الممكنة، أو ما إذا كان يُشغَّل عن بعد أم يعمل بشكل مستقل.

غير أنَّ علم الروبوتات يتضمن عددًا من المصطلحات المقبولة عمومًا لتصنيف الروبوتات. وهي تشكل معًا تصنيفًا واسع النطاق يفيد في فهم صلة القرابة بين الروبوتات (ليس بالمعنى الحرفي بالطبع)، وموقع أي روبوت من شجرة عائلة الروبوتات بأكملها.

تندرج هذه المصطلحات في ست فئات. الفئة الأولى هي التنقل: فالروبوتات الثابتة غير متنقلة (على الرغم من أنها ربما تتمتع بالقدرة على أداء بعض الحركات بالطبع، على سبيل المثال تحرك روبوت الطلاء بالرش). والروبوتات المتنقلة قادرة على التنقل ذاتيًّا، بالأرجل، أو العجلات، أو الأجنحة، أو أي شيء يمنح الروبوت القدرة على التنقل في بيئة عمله.

تخبرنا الفئة الرئيسية الثانية، وهي كيفية التشغيل، بما إذا كان الروبوت يُشغَّل عن بعد أو يعمل بشكل مستقل. لكن على عكس الفئة السابقة، لا يتسم التمييز بالوضوح؛ فالتصنيف «مستقل» يغطي نطاقًا واسعًا من الروبوتات ودرجات مختلفة من الاستقلالية. وتصنف الفئة الثالثة الروبوت حسب شكله: فقد يكون بشريًّا؛ أي يشبه الإنسان إلى حد ما، أو حيوانيًّا؛ أي له جسد يشبه جسد الحيوانات، أو ما أُسميه آليًّا؛ أي روبوتًا لا يشبه الإنسان ولا الحيوان.

تتحدد الفئة الرابعة التي أقترحها من خلال التفاعل بين الإنسان والروبوت. بمعنًى آخر، هل الروبوت مُصمَّم للتفاعل مع البشر أم لا؟ هذه الفئة مفيدة لأن العديد من الخصائص الأخرى للروبوتات التي تتفاعل مع البشر، لا سيما السلامة والموثوقية، أصبحت مهمة. وتخبرنا الفئة الخامسة، وهي التعلم، بما إذا كان لدى الروبوت مجموعة ثابتة من السلوكيات أو أنه قادر على التعلم؛ ومن ثَم تكييف سلوكه أثناء التشغيل.

لقد أدرجت الفئة السادسة والأخيرة، ألا وهي الاستخدام؛ إذ جرى العرف في مجال علم الروبوتات على تصنيف الروبوتات على أنها روبوتات صناعية أو روبوتات خدمة. ويضع الاتحاد الصناعي للروبوتات تعريف الروبوت الصناعي بأنه «جهاز ميكانيكي للتحكم في المواد، متعدد الأغراض، قابل لإعادة البرمجة، ذاتي التحكم … ويُستخدم في تطبيقات الأتمتة الصناعية»، ويُعرَّف روبوت الخدمة (مؤقتًا) على أنه «روبوت يعمل بشكل مستقل أو شبه مستقل لأداء خدمات مفيدة للبشر والمعدات، باستثناء مجال التصنيع».

يوضح الجدول ٢-١ الفئات العالية المستوى وأقسامها.
جدول ٢-١: تصنيف الروبوتات
الفئة الأنواع الرئيسية الأنواع الفرعية (إن وُجدت)
التنقل ثابت (غير متنقل)
متنقل يتنقل عن طريق العجلات/المسارات/الأرجل/الطيران/السباحة
كيفية التشغيل عن بُعد
مستقل
الشكل/المورفولوجيا بشري شكل الإنسان/شكل الإنسان وصفاته
حيواني
آلي
التفاعل بين الإنسان والروبوت يتفاعل مع البشر أو يتفاعل مع الحيوانات
لا يتفاعل مع البشر
التعلم سلوك ثابت
متكيف
التطبيقات روبوت صناعي جهاز ميكانيكي للتحكم في المواد، متعدد المحاور للأتمتة الصناعية
روبوت خدمة انظر الجدول ٢-٢
إن مجموعة التطبيقات التي نرى فيها روبوتات الخدمة كبيرة جدًّا حقًّا. يوضح الجدول ٢-٢ بعض التطبيقات الراسخة إضافةً إلى أمثلة نموذجية للروبوتات المستخدَمة في كل تطبيق ومواصفاتها ضمن التصنيف المذكور بالأعلى.
جدول ٢-٢: تطبيقات روبوتات الخدمة ومواصفاتها
تطبيقات روبوتات الخدمة المثال المواصفات
الزراعة روبوت حلب الأبقار من فولوود ميرلين ثابت، مستقل، آلي الشكل، يتفاعل مع الحيوانات، سلوك ثابت
الفنون والترفيه روبوثيسبيان من إنجينيرد آرتس إل تي دي ثابت، مستقل، بشري الشكل، يتفاعل مع البشر
المساعدة في المعيشة آي أرم من إكزاكت دينامكس (ذراع روبوتية ذكية تتحكم في الأجسام) ثابتة، تعمل عن بُعد، آلية الشكل، تتفاعل مع البشر، سلوك ثابت
نقل المواد نظام التوصيل الروبوتي المؤتمت «تَج» من شركة أيثون متنقل، مستقل، آلي الشكل، يتفاعل مع البشر، سلوك ثابت
التنظيف المكنسة الروبوت «رومبا» من شركة آي روبوت متنقلة، مستقلة، آلية الشكل، لا تتفاعل مع البشر، سلوك ثابت
سيارات تعمل من دون سائق غير متاحة حاليًّا في الأسواق متنقلة، مستقلة، آلية الشكل، تتفاعل مع البشر، متكيفة
الهوايات والتعلم ليجو مايندستورمز إن إكس تي تعتمد المواصفات على التصميم
الاستكشاف مركبتا ناسا الجوالتان لاستكشاف كوكب المريخ «سبيريت وأبورتيونيتي» متنقلتان، تعملان عن بُعد، كلاهما آلي الشكل، لا تتفاعلان مع البشر، سلوك ثابت
الأطراف الصناعية اليد الصناعية آي-ليم من تاتش بيونكس ثابتة، تعمل عن بُعد (من خلال أقطاب كهربائية متصلة بالجلد)، بشرية الشكل، تتفاعل مع البشر
البحث والتعليم ناو من ألديباران روبوتكس متنقل، مستقل، بشري الشكل، يتفاعل مع البشر، متكيف
البحث والتفتيش (الدفاع والتصدي للكوارث) باك بوت من آي روبوت متنقل، يعمل عن بُعد، آلي الشكل، لا يتفاعل مع البشر، سلوك ثابت
الجراحة الروبوت دافنشي من إنتويتيف سيرجيكال إنك ثابت، يعمل عن بُعد، آلي الشكل، يتفاعل مع البشر، سلوك ثابت
الحضور عن بُعد في جو من في جو كوميونيكيشنز متنقل، يعمل عن بُعد، آلي الشكل، يتفاعل مع البشر
الروبوتات العلاجية أو الرفيقة جرو الفقمة بارو من شركة إنتيليجنت سيستمز غير متنقل، مستقل، حيواني الشكل، يتفاعل مع البشر، متكيف
الألعاب والترفيه الديناصور الأليف المتحرك بليو من إنفو لابس متنقل، مستقل، حيواني الشكل، يتفاعل مع البشر، متكيف

وصف هذا الفصل عدة أنواع من الروبوتات الموجودة في العالم الحقيقي، بدءًا من المصانع حتى الفصول الدراسية بالمدارس. وتشير التقديرات إلى أنه يوجد حاليًّا أكثر من ثمانية ملايين روبوت قيد الاستخدام. إن نطاق الروبوتات الحالية والوظائف التي تقوم بها واسع للغاية، ويوضح أن عددًا قليلًا فقط من مجالات المساعي البشرية هي التي لم تستفِد بالفعل، إلى حد ما، من تكنولوجيا الروبوتات. لقد كان التأثير كبيرًا جدًّا في بعض المجالات، مثل التصنيع، لكن إمكانات الروبوتات لم تتحقق بعد في العديد من المجالات الأخرى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤