الفصل الرابع

النقل البحري

(١) أهمية النقل البحري

عرفنا من قبلُ أن النقل البحري لم يكن أسبق وسائل النقل، لكن النقل المائي عامة كان أسبق وسائل النقل الثقيل الذي عرفه الإنسان، وهو ما زال حتى الآن؛ فالنقل الثقيل مرتبط أساسًا بالنقل المائي البحري والنهري، وسوف نرجئ الكلام عن النقل النهري إلى الفصل السادس لأنه يرتبط أساسًا بمجموعة وسائل النقل الداخلي على اليابس.

في الماضي لم يكن هناك منافس فعلي للنقل المائي فيما يختص بالسلع الكبيرة الحجم الثقيلة الوزن، وخاصة في عهد سفن الشراع، ولكن في يومنا الحاضر نجد البحار مليئة بالحركة البحرية والمنافسة على أشدها بين السفن الآلية الحديثة بجانب المنافسة التي يلقاها النقل البحري من جانب أشكال النقل البري المختلفة، وخاصة السكك الحديدية التي قللت كثيرًا عمل السفن الساحلية والتجارة الساحلية، وفوق هذا فإن هناك الطيران التجاري كعامل جديد في المنافسة الحادة في نقل الأفراد،١ وهو منافس له مستقبله في نقل السلع. وأخيرًا فإن خطوط الأنابيب لنقل أنواع من السلع السائلة أو الغازية قد دخلت مضمار المنافسة مع النقل البحري.
جدول ٤-١: نمو حركة النقل البحري لسلع الأحجام الرئيسية Main bulk commodities.*
السلعة كمية المنقول الإجمالية كمية المنقول بواسطة ناقلات الخام أداء النقل البحري
في المجموع العام بالنسبة لناقلات الخام
١٩٦٠ ١٩٦٥ ١٩٦٩ ١٩٦٠ ١٩٦٥ ١٩٦٩ ١٩٦٠ ١٩٦٥ ١٩٦٩ ١٩٦٠ ١٩٦٥ ١٩٦٩
مليون طن متري مليون طن/ميل بحري
مجموع ٢٢٨ ٣٢٧ ٤١٩ ٣٨ ١٥٩ ٣٠٨ ٧٤٦ ١٢٦٠ ١٨٣٣ ١٢٢ ٦٢٤ ١٤٩١
خام الحديد ١٠١ ١٥٢ ٢١٤ ٣١ ٩٨ ١٨١ ٢٦٤ ٥٢٧ ٩١٩ ٩٨ ٣٥٦ ٨٢٢
الحبوب ٤٦ ٧٠ ٦٠ ١ ١٧ ٣٦ ٢٤٨ ٣٨٦ ٣٠٧ ٥ ٩٥ ٢١٨
الفحم ٤٦ ٥٩ ٨٣ ٣ ٣٠ ٦٠ ١٤٥ ٢١٦ ٤٠٥ ١٣ ١٤٦ ٣٤٧
البوكسيت والألومينا ١٧ ٢١ ٣٠ ٣ ١٢ ١٩ ٣٤ ٤٦ ٨٤ ٦ ٢١ ٥٤
الفوسفات ١٨ ٢٥ ٣٢ ٢ ١٢ ٥٥ ٨٥ ١١٨ ٦ ٥٠
سنوات مختارة عن جدول ٨ ص١١٤ من مجلة النقل البحري باريس ١٩٧٠.

وبرغم هذه الأشكال من المنافسة، فإن النقل البحري ما زال ينقل ٧٨٪ (أواسط الستينيات) من وزن التجارة العالمية، وهو ما يساوي ٦٨٪ من قيمة مجموع التجارة العالمية. وفي مقابل ذلك يساهم النقل الجوي بنقل ما يعادل ٠٫٥٪ من قيمة التجارة العالمية، بينما ٣١٫٥٪ من القيمة الإجمالية للتجارة تُنقل بالطرق البرية المختلفة بين الدول ذات الروابط الأرضية، وخاصة في القارة الأوروبية.

ولعل الجدول التالي يوضح لنا — بما فيه الكفاية — أهمية النقل البحري في عصرنا الذي اشتدت فيه كثافة التبادل السلعي بين الدول، كبيرها وصغيرها، غنيها وفقيرها. فلم تعُد هناك دولة — مهما كانت كفايتها الذاتية من الموارد — قادرة على الانعزال التجاري. والولايات المتحدة خير مؤشر على ذلك الاتجاه؛ فبرغم مواردها المحلية الكبيرة، إلا أنها مضطرة إلى استيراد المزيد من خامات المعادن الرئيسية كالحديد والنحاس، ومصادر الطاقة كالبترول، ومضطرة إلى تسويق منتجاتها الأولية كالحبوب، ومنتجاتها الصناعية المختلفة إلى أنحاء العالم.

(٢) تطور النقل المائي

لقد أدرك الإنسان القديم بالتجربة والخطأ والمشاهدة قيمة الماء في حمل الأشياء الثقيلة، كجذوع الأشجار وغيرها، أو من مشاهدته لبعض الحيوانات الثقيلة التي تسبح بيسر وسرعة على صفحة المياه الداخلية.

(٢-١) النقل المائي البدائي

وقد سبق أن ذكرنا أن أقدم معلوماتنا تشير إلى أن المصريين القدماء هم أول من صنعوا القوارب الحديثة، وأول من سيَّروها في المياه الداخلية وعلى مسطحات البحار، وهم أيضًا أول من اكتشف مبدأ تسيير السفن والقوارب بواسطة قوة الرياح، وذلك باستخدام الشراع. لكن سبق ذلك بمراحل تجارب عديدة تبدأ من الرمث أو الطوافة، ثم تمر بالقارب المحفور من جذع شجرة واحدة إلى فكرة القارب المصنوع من جدائل الغاب، وفكرة القارب المصنوع من الجلد المشدود إلى إطار من الخشب أو الغاب، وكل هذه الأنواع من القوارب لا زالت موجودة في عالمنا المعاصر بين كثير من المجتمعات البدائية تكنولوجيًّا.

فالقارب المحفور dug out لا زال شائعًا بين غالبية سكان جزر الباسيفيك، ويضاف إليه لتثبيته على صفحة الماء عوامات من كتل خشبية خفيفة مربوطة إلى قائمتين ممتدتين أفقيًّا بعرض القارب، وتُسمَّى مثل هذه القوارب outrigger، وقد تكون له مثل هذه العوامة على جانب واحد في معظم الحالات، وعلى كلا الجانبين في أحوال قليلة، والقارب المحفور بدون عوامات موجود بكثرة بين الشعوب البدائية التي تعيش على ضفاف الأنهار الاستوائية الأفريقية والأمريكية (راجع شكل ٤-١).

أما القوارب المصنوعة من جدائل الغاب، فتتميز بخفة واضحة في الوزن، ولكنها ليست مهيأة لحمولة كبيرة، ولعدد كبير من الأشخاص، ومثل هذه القوارب شائعة عند سكان مناطق المستنقعات في النطاق المداري الأفريقي حيث يكثر الغاب الطبيعي، ويجمع مثل هؤلاء السكان نوعَي القارب المحفور للحمولات الأكبر، وقارب الجدائل للحركة السريعة الفردية غالبًا، وفي المناطق الضحلة، لصيد الأسماك بالرماح المسننة (هاربون).

والقارب المصنوع من الجلد ما زال شائعًا عند الأسكيمو وبعض قبائل الأمريند (الهنود الحمر) في شمال شرق أمريكا الشمالية، وهو قارب خفيف يسهُل نقله، كما أنه سريع الحركة ويُستخدم في الصيد كوظيفة أساسية، ويُسمَّى كاياك Kayak أو أومياك Umiak، وعند الأمريند في شمال أمريكا الشمالية يصنعون قوارب من لحاء الأخشاب مثبتة إلى إطار هيكلي ويُسمَّى كانو Canoe، وهو أيضًا خفيف الوزن والحركة.
fig15
شكل ٤-١: بعض أنواع النقل المائي القديم والبدائي المعاصر. (١) القارب المحفور Dog out. (٢) القارب ذو العوامة Outrigger. (٣) القارب الجلدي المشدود على هيكل خشبي Canoe.

وهناك أنواع أخرى كثيرة، لكنها عبارة عن تغايرات مختلفة ومحلية لا تخرج عن جوهر الفكرة الأساسية التي ذكرنا بعض أشكالها الرئيسية.

وهذه الأشكال جميعًا ذات سعة محددة، سواء في نقل الأشخاص أو البضائع، ومعظمها يُستخدم في الملاحة الداخلية على الأنهار أو الملاحة الشاطئية، باستثناء القارب المحفور ذو العوامة Outrigger الذي يمكن استخدامه في مياه البحر المفتوح، لكنه أيضًا مقيد بمسافات محدودة؛ وذلك بحكم كون عالم الباسيفيك عالم جزري يعيش سكانه على غذاء البحر؛ مما أدى بالناس إلى ضرورة المخاطرة في البحر المفتوح من أجل الصيد والانتقال من جزيرة إلى أخرى.
كل هذه الأنواع من القوارب تسير بواسطة المجاديف — أي الطاقة البشرية — وقد تستخدم أحيانًا قوة الأمواج المتكسرة على الشواطئ Surf من أجل الاتجاه إلى الشاطئ بسرعة، وفي هذا المجال نلاحظ أن القوارب الخفيفة تسير بمجداف واحد يصبح هو محرك السرعة ودفة القارب التي توجهه إلى الاتجاهات المرغوبة. أما القوارب المحفورة فقد تستخدم أكثر من مجداف واحد حسب عدد الركاب والسرعة المرغوبة، وفي أحيان كثيرة — في المناطق الاستوائية والمدارية — تُستخدم الحربة العريضة الرأس للتجديف؛ إذ لا توجد مجاديف خاصة.

وعلى وجه العموم — نظرًا لخفة وزن القوارب، ولشكلها الانسيابي، ولتكوينها من جذع شجرة أو من مواد خفيفة — فإن هذه القوارب لا تمتلك دفة (سكان) لتوجيه القارب، بل تستخدم المجداف في التوجيه.

(٢-٢) مبدأ الملاحة البحرية المصري

أما القوارب المصرية فكانت مصنوعة على أساس مبدأ مخالف لبناء القارب كما سبق توضيحه ومهيأة لوظيفة النقل الثقيل؛ فالقوارب المصرية عبارة عن عملية «إنشاء» من صنع الإنسان حسب خطة مرسومة يراعى فيها مبدآ السعة والطفو؛ فهي تجميع لقطع خشبية تُثبَّت إلى بعضها في صورة معينة متفقة مع المبادئ السابق ذكرها. وفي البداية كان المجداف هو القوة المحرِّكة والموجهة، لكن سرعان ما أضيف الشراع من أجل طاقة دفع أقوى عشرات المرات من دفع المجداف، كما أضيفت الدفة كجهاز منفصل عن قوة التحريك من أجل التوجيه مع قوة الشراع، وبذلك نستطيع أن نقول: إنه منذ الألف الثالثة قبل الميلاد، اخترع المصريون الشراع والدفة معًا، وهما — كما نعرف — الأساس الذي قامت عليه الملاحة البحرية إلى وقت قريب.

ولعل الدافع إلى اختراع الشراع هو الرياح الشمالية المعتدلة القوة التي تسيطر على مصر معظم أشهر السنة، وبذلك تصبح هذه الرياح أكبر عامل مساعد على صعود النيل من الشمال إلى الجنوب، في حين تستخدم القوارب قوة تدافع المياه في اتجاهها من الجنوب إلى الشمال. وبعبارة أخرى استخدم المصريون قوة دفع غير بيولوجية؛ الرياح ودفع الماء، في رحلاتهم النيلية صعودًا وهبوطًا.

وقد أدت فكرة الشراع إلى جرأة المصريين القدماء في المخاطرة داخل البحار المحيطة، ولعل ذلك كان مرتبطًا باحتياجات الدولة الفرعونية إلى أنواع من التبادل التجاري بأشكاله المختلفة. وكان من بين سلع التجارة الرئيسية في الدولة المصرية استيراد أخشاب شرق وشمال شرق البحر المتوسط؛ مما أدى إلى علاقات مستمرة وملاحة منتظمة إلى ساحل الليفانت وقبرص وكريت. وكذلك أدى احتياجهم إلى منتجات العالم المداري نتيجة للترف الفرعوني واحتياجات المعابد المصرية، إلى الملاحة في البحر الأحمر والمحيط الهندي إلى بلاد بنت (غير معروفة على وجه التأكيد، وقد تكون منطقة ما من سواحل المحيط الهندي في أفريقيا أو آسيا).

(٢-٣) الملاحة البحرية في العالم القديم

وتلا ذلك نهضة ملاحية كبيرة في البحر المتوسط من قِبل الفينيقيين والإغريق والرومان والعرب على التوالي. ولقد قام الفينيقيون برحلات بحرية واسعة في البحر المتوسط الغربي على وجه الخصوص ابتداءً من الألف الثانية قبل الميلاد. ولا شك أنهم وصلوا إلى مضيق جبل طارق الذي كان يعرفه الملاحون الإغريق باسم أعمدة هرقل، ويقال: إن الفينيقيين قد جابوا البحار الساحلية لأوروبا الغربية في بريتاني الفرنسية وجنوب وغرب الجزر البريطانية.

أما الإغريق فقد انتشرت سفنهم في طول وعرض البحر المتوسط، كما كان البحر الأسود ومضيق الدردنيل والبوسفور مركزًا هامًّا للملاحة الإغريقية إلى حوض البحر الأسود، وعند الدردنيل قامت واحدة من أهم المدن الإغريقية: طروادة التي كانت تحتكر تجارة البحر الأسود وتتحكم في العبور من آسيا إلى أوروبا منذ وقت مبكر إلى أن هزمها ائتلاف المدن الإغريقية في حرب طروادة المشهورة حوالي ١٢٠٠ق.م. وعلى هذا النحو فإننا نجد البحر المتوسط منذ منتصف الألف الثانية قبل الميلاد يغص بالملاحة والسفن البحرية المصرية والفينيقية والإغريقية، بينما يحتكر المصريون الملاحة (شبه منتظمة) في البحر الأحمر، والإغريق ملاحة البحر الأسود، والفينيقيون ملاحة الحوض الغربي للبحر المتوسط (خاصة بعد إنشاء قرطاجة حوالي ٩٠٠ق.م، التي سقطت على أيدي الرومان بعد ذلك بحوالي ٨٠٠ سنة). أما الرومان فقد أسسوا سلطانهم البحري متأخرًا — ربما في القرن الثالث قبل الميلاد — والمرجح أنهم اعتمدوا كثيرًا على الأسطول الإغريقي في البداية.

ويأتي دور العرب مبكرًا في الملاحة البحرية في الخليج العربي وبحر العرب. والمرجح أيضًا أنه في الألف الأولى قبل الميلاد، كانت السفن العربية المختلفة والسفن الصينية المختلفة تتبادل التجارة في عالم المحيط الهندي بأكمله، وبالرغم من السيادة البحرية العربية في البحر المتوسط ابتداءً من القرن الثامن أو التاسع الميلادي، إلا أن السيادة العربية في المحيط الهندي كانت أكثر بروزًا، لما في هذا العالم الجنوبي من ثروات طائلة تُنقل إلى عالم البحر المتوسط العربي والأوروبي. ومن الشائع أن العرب قد اخترعوا جهاز البوصلة لتسهيل الملاحة البحرية، وإن كان هناك من يرد أصل البوصلة إلى الصين. وعلى أية حال فإن الأوروبيين قد نقلوا هذا الجهاز عن العرب متأخرًا؛ وبذلك فإن البوصلة قد ساعدت الملاحيين على ارتياد البحار الواسعة دون خوف من فقدان اتجاههم الصحيح؛ ومن ثم أحدثت ثورة هائلة في عالم النقل البحري.

ومع نمو التجارة في البحر المتوسط في العهد المملوكي في مصر، ونمو أساطيل البندقية (فنتسيا) وجنوا التجارية، ونمو أساطيل البرتغال وإسبانيا، وأساطيل مناطق الشمال الأوروبي (اتحاد الهانزا التجاري مؤسسًا على نشاط النورسمن البحري السابق) قد أدى إلى دفعة هائلة في بناء السفن وحجمها ومتانتها وعدد أشرعتها.

لكن كل هذا النمو في بناء السفن لم يخرج كثيرًا عن الإطار الأساسي الذي بدأه المصريون القدماء منذ آلاف السنين:
  • (١)

    السفينة المركَّبة من تجميع قطع خشبية حسب خطة معينة وسعة معينة.

  • (٢)

    الشراع كقوة دافعة.

  • (٣)

    الدفة كموجِّه لسير السفينة.

وبمثل هذه السفن المطورة حدثت الكشوف الجغرافية الكبرى، وعلى هذه الأساطيل الخشبية نمَت ونشأت الإمبراطوريات الاستعمارية العظمى.

(٢-٤) العصر الصناعي وثورة النقل البحري

وظل الأمر على ذلك النحو حتى القرن التاسع عشر؛ ففي عصر الصناعة بدأت الاختراعات تتوالى على العالم بسرعة كبيرة، وأول ما طرأ من تغيير على السفن البحرية هو استخدام البخار كقوة دافعة جنبًا إلى جنب مع الشراع. وبعد فترة صغيرة أمكن استخدام البخار وحده دون الحاجة إلى الشراع؛ ففي ١٨١٩ عبرت السفينة «سفانا» المحيط الأطلنطي من أمريكا إلى بريطانيا (٢٩ يومًا) باستخدام طاقة البخار وحدها.

والخطوة التالية كانت تغيُّر مادة بناء السفينة من الخشب إلى الحديد. وقد استلزم ذلك جرأة كبيرة؛ لأن الحديد في خواصه العامة مادة لا تطفو مثل الخشب، لكن التجارب العديدة قد نجحت في النهاية في أواخر القرن التاسع عشر. أما الدفة فقد ظلت كما هي موجِّه السفينة.

وبذلك نجد أن نهاية القرن التاسع عشر قد شهدت ثورة عارمة في النقل البحري؛ فالبخار يعطي للسفينة طاقة محرِّكة قوية مستمرة؛ مما زاد من سرعة السفينة. في أحيان قد تكون سرعة الرياح أكبر دفعًا من الطاقة الميكانيكية، لكنها في هذه الحالة تصبح قوة هوجاء تؤدي بالسفينة إلى مخاطر غير مأمونة؛ لأنها قوة لا يمكن التحكم فيها إلا بإنزال الأشرعة وضمها، كذلك فإن قوة الرياح أمر خارج عن مدى تحكم الإنسان؛ ومن ثم كانت الرحلات البحرية تتم في أوقات متفاوتة المدة؛ لأنها تعتمد على الرياح الطيبة وتتجنب الرياح العاصفة. أما الطاقة الميكانيكية فإنها تعطي السفينة انتظامًا في الدفع قابل للتحكم البشري بيسر وسهولة، وهو ما يؤدي في النهاية إلى انتظام خطوط الملاحة وتحدد مدة الرحلة من مكان لآخر بدقة لا بأس بها.

وقد أعطى تغيُّر خامة بناء السفن من الأخشاب إلى الحديد ميزات أخرى؛ فالحديد أقوى مقاومةً في الماء من الخشب؛ وبذلك ارتفع عمر السفينة في المتوسط من ١٥–٢٠ سنة إلى حوالي أربعين عامًا أو أكثر.

ونظرًا لأن للخشب مقاومة معينة تصبح بعدها المقاومة ضعيفة، فإن حجم السفينة طولًا وعرضًا كان يتحدد بقوة تحمُّل الأخشاب لضغوط الماء وضغط الحمولة. أما الحديد فأقوى بكثير؛ مما يؤدي إلى إمكان إعطاء حجم أكبر من السفينة المصنوعة من الخشب.

ولا يقتصر الأمر على اتساع حجم السفينة؛ وبالتالي زيادة حمولتها، بل إن قوانين سعة السفينة الخشبية والحديدية مختلفان؛ فنظرًا لسمك الأخشاب المستخدَمة في بناء السفينة وضخامة الأخشاب التي تدعم هيكل السفينة، فإن سعة السفينة الخشبية تكاد تقترب من وزنها فارغة. فإذا كان وزن السفينة الفارغة ٢٠٠ طن، فإنها تستطيع أن تحمل حمولة موازية أو أزيد قليلًا. أما متانة الحديد وقلة سمكه وسمك دعاماته في هيكل السفينة بالقياس إلى الخشب، فإنه قد أعطى السفينة سعة أكبر وحمولة قد تصل إلى ثلاثة أضعاف وزنها الفارغ.

وبذلك فإن السفينة الحديثة قد زادت سرعتها كثيرًا بالمقارنة بالسفينة الخشبية، كما زادت سعتها بدرجة أكبر، ولكنْ هناك توافق بين حمولة السفينة وسرعتها؛ فالسفن الكبيرة والحربية تسير بسرعات أكبر من السفن الصغيرة، ليس فقط لكبر المحرك المولِّد للطاقة، بل إن ذلك مرتبط أيضًا بقوة وتحمل السفينة للضغوط أثناء سيرها.

ومتوسط السرعات للسفن (خاصة بعد إدخال ماكينات الديزل كطاقة محرِّكة بدلًا من آلات البخار العتيقة) يتراوح بين ١٢ و٣٥ عقدة في الساعة. (العقدة البحرية مسافة = ١٨٥٢ مترًا.) كما أن متوسطات الحمولة قد زادت كثيرًا في سفن الركاب العابرة للمحيطات، وهي تتراوح بين ٢٥ ألف طن و٥٥ ألف طن، بينما متوسط الحمولة لسفن الركاب في البحار الصغيرة يتراوح بين ٥ آلاف وعشرة آلاف طن.

أما السفن التجارية فإن سرعتها ووزنها ما زالا أقل بكثير من السفن المخصصة للركاب، متوسط السرعة حوالي ١٠–١٢ عقدة، ومتوسط الحمولة بين ٥ آلاف و١٠ آلاف طن، لكن نوعًا واحدًا من سفن الشحن قد حدثت فيه ثورة هائلة في بداية الستينيات من هذا القرن؛ تلك هي ناقلات البترول التي ارتفعت حمولتها من ١٠–٣٠ ألف طن إلى أن قاربت نصف مليون طن.

ومع دخول الطاقة النووية مجالات توليد الطاقة والدفع يمكن أن نتوقع تطورًا جديدًا للسفن في السرعة والسعة والقوة. وهذه الطاقة ما زالت قاصرة على السفن والغواصات الحربية، بينما جهز الاتحاد السوفييتي بعض سفن محطمات الجليد بمثل هذه الطاقة. وقد ساعدها ذلك على الحركة القوية المستمرة دون اللجوء إلى موانئ التموين، كما ساعدها على إنشاء أجهزة تحطيم كبيرة وقوية في عملها من أجل شق الطريق الملاحي في المحيط المتجمد الشمالي، وفتح الموانئ التي تتجمد مياهها — مثل فلاديفوستوك — للملاحة طول السنة.

(٣) أنواع السفن الحالية

مع التقدم الذي لمسناه في بناء السفن ووزن حمولتها ومع تقدم أشكال التجارة وتنوعها واحتياجها المستمر إلى وسائل نقل عامة وخاصة، فإن السفن أيضًا قد تعددت أنواعها كثيرًا وتخصصت في مضمار النقل إلى حد بعيد، فأصبح هناك سفن الركاب، وسفن البضائع، وسفن الركاب والبضائع معًا، وسفن نقل البترول وسفن نقل خام الحديد، وسفن أخرى لأغراض خاصة كسفن صيد الأسماك وسفن صيد الحيتان، وسفن المصنع التي تجوب البحار مع أسطول صيد صغير يعطيها الصيد لتقوم سفينة المصنع بتعبئة وإعداد الأسماك ونقلها إلى الموانئ القريبة، لتقوم السفن الأخرى بنقلها بدورها إلى موانئ الاستيراد. وفيما يلي دراسة موجزة للأنواع الرئيسية من السفن الحالية.

(٣-١) ناقلات الحديد والبترول

السفن المتخصصة في نوع ما من أنواع النقل معروف أمرها ولا تحتاج إلى شرح كثير؛ فسفن نقل الحديد عبارة عن صنادل هائلة الحجم تقوم بتعبئة خام الحديد أو الحديد الناعم من موانئ إنتاج الحديد إلى الموانئ القريبة من مراكز الصناعات الحديدية الثقيلة. وأشهر هذه السفن هي تلك التي تعمل في البحيرات العظمى الأمريكية بين موانئ تصدير الحديد في غرب بحيرة سوبيرير (مثل ميناء دولوث) وتنقلها عبر البحيرات إلى بحيرة إيري؛ حيث توجد صناعات ثقيلة كثيرة (دترويت لصناعة السيارات، كليفلند لصناعة الحديد، ويُنقل منها أيضًا إلى مراكز صناعة الحديد والصلب الأمريكية الرئيسية في بتسبرج وأكرون).

وكذلك هناك سفن نقل خام الحديد من ميناءي ست أيل Sept ils وبور كاتييه في كويبك الشرقية لنقل حديد لبرادور وكويبك (من شيفر فيل وجانيون على التوالي) إلى حوض سنت لورنس ومنه إلى البحيرات العظمى؛ حيث تتركز أكبر مراكز استهلاك الحديد في الصناعة الأمريكية والكندية. وفي أوروبا يقوم ميناءا نارفيك النرويجي ولوليا السويدي بنقل حديد كيرونا جيلفار إلى أمريكا سابقًا والدول الأوروبية الصناعية حاليًّا في منطقة بحر الشمال أو إلى مراكز الصناعة السويدية.

أما ناقلات البترول فهي أكثر السفن الحالية تخصصًا في العالم؛ إذ هي عبارة عن مجموعة كبيرة من الخزانات التي يضخ إليها البترول الخام أو المكرر، وتقوم بنقله من ميناء التصدير إلى موانئ الاستهلاك الرئيسية في أمريكا وأوروبا واليابان.

وتكوِّن ناقلات البترول في الوقت الحاضر أضخم سفن بناها الإنسان على سطح البحار، فإذا كانت حمولات السفن الكبيرة في المتوسط تصل إلى نحو ٥٠ ألف طن، فإن ناقلات البترول قد تجاوزت هذه الحمولة منذ فترة طويلة نسبيًّا، ويبلغ متوسط حمولة الناقلات الضخمة الآن أكثر من مائة ألف طن. وهناك ناقلات يابانية وفرنسية تزيد عن مائة وخمسين ألف طن، وناقلات يابانية تزن أكثر من ٢٥٠ ألف طن.٢ وتبني اليابان الآن ناقلة تزيد عن ثلث مليون طن! ومع ذلك فهناك أقزام صغيرة محلية لنقل البترول تصل إلى أقل من عشرة آلاف طن.

ولا شك أن ضخامة الناقلات تؤدي إلى خفض أسعار النقل بشكل ملحوظ، وهذا هو انعكاس مباشر للاحتياج الشديد للإنسان والصناعة الحالية في كل مكان إلى البترول كمصدر سهل للطاقة بالقياس إلى الفحم الذي يأخذ حيِّزًا كبيرًا داخل سفن النقل؛ ومن ثم تنخفض أجور نقل الطاقة السائلة بالقياس إلى الطاقة الجافة، كذلك فإن بناء هذه الناقلات الضخمة تمليه احتياجات الدول الصناعية الكبيرة التي تفتقر إلى مصادر محلية للوقود، وعلى رأس هذه الدول اليابان وأوروبا الغربية.

لكن البترول كمصدر للطاقة، ومولِّد لحركة الكثير من وسائل النقل السطحي (القطارات والسيارات) والنقل الجوي، قد أصبح جزءًا لا يتجزأ من الحضارة الصناعية منذ أوائل هذا القرن. ومهما قيل عن قصر عمر البترول، فإن التقديرات الكثيرة التي ذُكرت منذ السنوات العشرين الماضية لم تنتهِ إلى الوضع المتشائم الذي أُعلن من قبلُ عدة مرات؛ فالبترول ما زال موجودًا وكمية إنتاجيه تتزايد نتيجة الضخ الأكبر، ونتيجة الكشوف المستمرة لحقول البترول الجديدة في مختلف جهات العالم. ويترتب على ذلك أن كمية استهلاكه تتزايد بوضوح في كل الدول المتقدمة والمتخلفة على حد سواء.

إن اعتماد العالم على البترول يتزايد وسيظل كذلك فترة غير معروفة في المستقبل، ومن ثم كان التقدم الشديد في صناعات ناقلات البترول لكي تتمكن عمليات النقل بالوفاء باحتياجات الصناعة والخدمات العالمية.

ولكن ضخامة ناقلات البترول الجديدة ومدى اقتصاديات تسييرها وصعوبة التحكم في مناورتها داخل الموانئ وخارجها من الناحية الملاحية، واحتياجها إلى منشآت خاصة في موانئ التعبئة والشحن، أو موانئ التفريغ، والأخطار الناجمة عن الحرائق وتلوث مياه البحر في حالات الكوارث المتعددة الأسباب، تحتاج إلى أجهزة أمن أرضية وبحرية أضخم مرات ومرات عما هي عليه اليوم أحجام أجهزة الأمن البحرية. وهذه كلها تكون مشكلات كثيرة، لكن المعروف أن الأضرار الناجمة عن التقدم لها دائمًا حلول ناجحة، ولو بعد حين.

كذلك من المشكلات الرئيسية الناجمة عن الناقلات العملاقة هذه، أنها لا بد وأن تتجنب المرور في الطرق الملاحية القصيرة التي تعبر كلًّا من قناتي السويس وبنما؛ ذلك أن هاتين القناتين لم تُحفرا بالطريقة التي يمكن أن تسمح بمرور مثل هذا الغاطس الكبير للسفن الضخمة. وقد يصبح تعميق وتوسيع هاتين القناتين من أجل تسيير الناقلات العملاقة استثمارًا غير اقتصادي؛ لأن عائد هذا المرور أقل من تكلفة أعمال التوسيع والتعميق المستمرة.

وعلى أية حال، فإن تكلفة النقل القليلة في الناقلات الضخمة تسمح لها بأن تسير في البحار حول أفريقيا وأمريكا الجنوبية دون الاحتياج إلى المرور في القنوات المشار إليها. وكذلك يمكن أن تُحل المشكلة جزئيًّا بواسطة خطوط من أنابيب البترول تنشأ عند بداية ونهاية القنوات الملاحية؛ مما يؤدي إلى إمكان ضخ البترول من السفن العملاقة من جهة، وإعادة ضخه من الأنابيب إلى سفن مماثلة عند النهاية الأخرى لخط الأنابيب، وقد لجأت مصر إلى هذا الحل عندما أعلنت مشروعها لإنشاء خط أنابيب من السويس إلى غرب الإسكندرية في عام ١٩٧٣.

وإلى جانب هذا فإن اتجاه اليابان — دون غيرها — إلى إنشاء الناقلات الضخمة بدرجة أكثر من غيرها من الدول أمر يعبِّر عن الضرورات التي تفرضها احتياجات اليابان الاقتصادية إلى هذا النوع من النقل الهائل الحجم للبترول من أقرب مصادره إليها (وهو عالم الخليج العربي) دون احتياج إلى المرور في القنوات الملاحية الضيقة (خط السير هو من الخليج العربي إلى المحيط الهندي وعبر مضيق ملقا إلى بحر الصين ثم إلى موانئ اليابان).

(٣-٢) سفن النقل العامة

تنقسم هذه السفن من حيث درجة الانتظام في المواعيد الملاحية إلى النوعين:
  • (١)

    السفن النظامية.

  • (٢)

    السفن المتسكعة.

وكذلك يمكن أن نقسم السفن من حيث نوعها والحمولة التي تنقلها إلى ثلاثة أنواع، هي:
  • (١)

    سفن نقل الأشخاص، وهذه تدخل نوع السفن النظامية.

  • (٢)

    سفن نقل الأشخاص والبضائع معًا، وهي أيضًا تدخل تصنيف السفن النظامية.

  • (٣)

    سفن البضائع فقط، وهذه هي النمط الأساسي للسفن المتسكعة.

وفيما يلي موجز للصفات الأساسية في عمليات النقل لهذه الأنواع الثلاثة من السفن:
  • أولًا سفن نقل الأشخاص: وهذه هي السفن المنتظمة في خطوط ملاحية منتظمة، يحكمها مواعيد إبحار ورسوٍّ محددة (باستثناء الطوارئ التي تؤجل الإبحار والوصول إلى ميناء الرسو، كالعواصف أو العطب أو إضراب عمال الموانئ أو إضراب عمال شركة البواخر ذاتها).

    وهذه السفن غالبًا تتكون من عدة أسطح (طبقات)، وتنقسم إلى عدد كبير من الغرف التي تختلف في أحجامها وأثاثها تبعًا لقيمة أجرة الرحلة، وتحتل باطن السفينة عدة أقبية أو مخازن وعنابر تخصص لنقل البضائع؛ وذلك لأن السفينة — مهما كانت حمولتها من الأشخاص وأمتعتهم — لا يمكن أن تقاوم الرياح والأمواج دون ثقل يجعل حركتها أكثر استقرارًا وسط المياه؛ ومن ثم تقوم هذه السفن أيضًا بنقل الكثير من البضائع داخل مخازنها الكبيرة.

    ولكن البضائع التي تُنقل بواسطة سفن الركاب المنتظمة هي البضائع التي يراد إرسالها بسرعة من ميناء إلى آخر؛ ومن ثم فهذه الواسطة من وسائط النقل البحري عبارة عن وسيلة نقل سريع للبضائع Express cargo، وذلك لتحدد وانتظام مواعيد القيام والوصول قدر الإمكان؛ ولهذا فإن نقل البضائع بهذه السفن أكثر تكلفة من نقلها على سفن النقل المتسكعة أو سفن البضائع والأشخاص معًا.

    وتنقل هذه السفن أيضًا البريد والطرود البريدية، للأسباب المذكورة: سرعة وتحدد مواعيد هذه السفن في الإقلاع والوصول. وهناك أنواع مختلفة من هذه السفن؛ فهناك السفن المحيطية الضخمة التي تصل في المتوسط إلى حمولة ٥٠ ألف طن أو أكثر. وهذه السفن تقوم برحلات طويلة عبر الأطلنطي من أوروبا إلى أمريكا، أو منهما إلى أفريقيا وأستراليا وشرق آسيا، أو من أمريكا إلى اليابان وشرق آسيا والمحيط الهندي. (انظر كثافة الخطوط الملاحية في المحيطات وقارن بين الكثافة الهائلة للحركة الملاحية في المحيط الأطلنطي الشمالي بالقياس إلى بقية المحيطات).

    وهناك سفن نقل الأشخاص المنتظمة المواعيد في البحار الإقليمية أو المناطق الجغرافية المحدودة؛ مثال ذلك مجموعة الخطوط الملاحية للشركات الإيطالية والفرنسية واليونانية والمصرية والتركية في البحر المتوسط. وكلها تكوِّن شبكة نقل بحري هام للأشخاص والبضائع داخل هذا المسطح المائي المتوسط بين أوروبا وأفريقيا وآسيا. وعلى النحو نفسه الملاحة البحرية في البحر الكاريبي وخليج المكسيك والشاطئ الشرقي الأمريكي، أو الملاحة البحرية الكثيفة في بحر الشمال بين بريطانيا وهولندا وألمانيا والدانمرك والنرويج، أو الملاحة المنتظمة في بحر المانش بين بريطانيا وفرنسا، أو الملاحة في بحر البلطيق، وغير ذلك كثير في أوروبا وجنوب شرق آسيا وشرق آسيا.

    ولا تزيد حمولة هذه السفن عن عشرة آلاف طن إلا في أحوال خاصة، وذلك لكثرة الشركات الملاحية والمنافسة وقصر المسافات في المجموع، وهي في مجموعها أقل بهاءً من سفن نقل الأشخاص المحيطية، التي تراعى فيها الفخامة قدر الإمكان لطول زمن الرحلة ولكثرة المنافسة.

    وهناك سفن أصغر لنقل الأشخاص والبضائع في البحار المغلقة والبحيرات الكبرى، مثل سفن بحر قزوين والبحيرات العظمى الأمريكية وبحيرة فكتوريا أو تنجانيقا، وهي أيضًا مقيدة بخطوط ملاحية ومواعيد منتظمة.

    وأخيرًا هناك سفن عابرة للمضايق لنقل الأشخاص والبضائع؛ مثل سفن المانش العابرة بين شربورج وكاليه والهافر الفرنسية وبين سوثهامبتون ودوفر الإنجليزيتين، وبين روتردام وموانئ شرق إنجلترا، وموانئ البحر الأيرلندي بين جزيرتي بريطانيا وأيرلندا، والسفن الساحلية النرويجية التي تكوِّن وسائل نقل أقل تكلفة على طول السواحل النرويجية الطويلة. وكذلك سفن المعابر عبر مضيق السوند بين الدانمرك والسويد، أو التي تخدم النقل عبر مضيق البسفور والدرونيل.

  • ثانيًا سفن البضائع والأشخاص: وهذه الأنواع من السفن تهتم أساسًا بنقل البضائع بين الموانئ الهامة الإقليمية أو العالمية، ويضاف إليها وظيفة نقل الأشخاص، ولكن نقل الأشخاص هنا يتم في المناطق التي لا توجد فيها سفن نقل الأشخاص بدرجة كافية، أو أن تكون عملية انتقال الأشخاص أصلًا عملية غير كثيفة. ولهذه السفن عدد قليل من غرف الركاب بالقياس إلى سفن نقل الأشخاص، ولكنها في مجموعها تكوِّن خطوطًا ملاحية منتظمة أو شبه منتظمة؛ لأنها ترتبط بعمليات شحن أو تفريغ البضائع، وهي عملية لا يمكن التحكم فيها تمامًا؛ ومن ثم فإن أجور النقل على هذه السفن — بضائع أو أشخاصًا — أقل بكثير من أجور النقل على سفن النوع الأول، الشديدة الانتظام في مواعيدها.

    فمثل هذه السفن بإمكانها انتظار البضائع، بينما لا يمكن ذلك بالنسبة لسفن نقل الأشخاص. وهذه السفن عادة أقل وزنًا من سفن الأشخاص. وقد لا تزيد حمولتها عن عشرة إلى عشرين ألف طن حسب البحار والمحيطات التي تعمل فيها، ولكنها عادة دون الخمسة آلاف طن، ويرتبط ذلك بعملية إمكان الشحن والإقلاع دون تأخير كثير؛ وذلك لأن السفينة الكبيرة لا تحتمل اقتصاديًّا الإقلاع بحمولة صغيرة.

  • ثالثًا السفن المتسكعة: وهي سفن تجارية خالصة، ولا تحمل ركَّابًا بالمعنى المفهوم.٣ وليس لهذه السفن موانئ نهاية أو بداية، إنما هي تُنقل من ميناء إلى آخر دون أي ارتباط سوى الارتباط بنقل البضائع إلى الوجهة المرغوبة (بطبيعة الحال يقترن ذلك بأهلية السفينة للإبحار في المحيطات أو البحار العاصفة دومًا). وهناك سفن متسكعة كبيرة تعمل في المحيطات والبحار وسفن صغيرة تعمل فقط في المياه الداخلية كالبحر البلطي أو المتوسط.

    وبرغم أن السفن المتسكعة تتبع شركات لها جنسيات معينة، إلا أن هذه السفن قد تعمل في مناطق بعيدة عن مقر شركاتها الرئيسية بصفة مستمرة. ومن أهم الأمثلة على ذلك سفن البضائع النرويجية.

    والرحلات الخاصة بهذه السفن غير منتظمة وليست مقيدة بأية مواعيد ولا اتجاه معين سوى الاتجاه إلى الموانئ التي تُحمل إليها البضائع، وبعد أن تُفرغ شحنتها قد تجد من البضائع ما تتعاقد على شحنه إلى ميناء آخر. ويمكننا أن نعطي مثالًا على ذلك: (١) حمولة سفينة متسكعة من السيارات والأدوات الهندسية تتجه من هامبورج إلى جنوب أفريقيا (كيبتاون). (٢) تتجه السفينة بعد ذلك إلى الهند لتحمل شحنة من القطن إلى أستراليا، وقد تنقل بعض السلع معها إلى الهند أو ميناء آخر في طريقها. (٣) تحمل السفينة قمحًا من أستراليا وتتجه به إلى الصين. (٤) من الصين تحمل السفينة خام حديد تتجه به إلى اليابان. (٥) من اليابان تنقل السفينة سلعًا مصنعة وأجهزة كهربائية ومنسوجات إلى غرب أفريقيا. (٦) تحمل السفينة من غرب أفريقيا كاكاوًا وبُنًّا وتتجه بالشحنة إلى بريطانيا.

    وعلى هذا النحو يمكننا أن نتصور ما يحدث للسفن المتسكعة في المناطق المتخصصة في أنواع معينة من الخام أو المصنعات.

    ونظرًا لعدم الارتباط بأية مواعيد أو جهة معينة، فإن أجور النقل على هذه السفن هي أقل أجور يمكن الحصول عليها، ولا تخضع هذه الأجور إلى أسعار ثابتة، بل يمكن التحكم فيها حسب العرض والطلب، وفي أحيان يمكن أن تقبل السفينة عرضًا رخيصًا لنقل شحنة في اتجاه ميناء معين تكون السفينة قد تعاقدت معه على نقل حمولة معينة، وحينئذٍ تصبح أية حمولة تحملها السفينة إلى هذا الميناء مكسبًا صافيًا. فإذا عدنا للمثال السابق يمكن أن نقول إن بإمكان السفينة أن تحمل من كيبتاون أية حمولة (فواكه مثلًا – أو أسماكًا) من كيبتاون إلى ميناء هندي؛ حيث إنها متجهة في هذا الاتجاه لسبق تعاقدها على نقل شحنة قطن إلى أستراليا، وبذلك تصبح الشحنة من كيبتاون إلى الهند مكسبًا يضاف إلى مكاسب السفينة، ومن ثم يمكن أن تنقل الشحنة بأسعار مخفضة.

    وعلى هذا النحو من حرية ومرونة التصرف في السفن المتسكعة نجدها تنقل ما يقرب من نصف الحمولة التجارية العالمية، وتصبح منافسًا خطيرًا لسفن البضائع المنتظمة، خاصة في مجال البضائع التي تحتمل التأخير مثل القطن أو السيزال أو بعض المعدات الهندسية.

(٤) الأسطول التجاري العالمي

منذ الكشوف الجغرافية الكبرى اتجهت الدول الأوروبية إلى إنشاء أساطيل كبيرة لحماية ممتلكاتها أو تدعيمها أو الحصول على المزيد منها. وقد ظل الأمر كذلك سائدًا: من يمتلك أسطولًا أضخم يمكنه مواصلة استعمار مناطق أكثر، ويمكنه أن يدعم هذه الممتلكات، وفي الوقت نفسه كانت هذه الأساطيل تجارية وحربية معًا. وكان العصر الذهبي لمثل هذه الأساطيل هو وقت التجارة المثلثة التي استمرت قرنين من الزمان، من منتصف القرن السابع عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر. وهذه التجارة المثلثة عبارة عن رحالات ثلاث تقوم بها السفينة لكي تستكمل دورة ربح هائلة:
  • (١)

    من أوروبا الغربية إلى خليج غانا (الساحل الممتد من السنغال إلى أنجولا الحالية)، من هناك تحمل الرقيق الأفريقي من سجون القلاع الساحلية التابعة لبريطانيا والبرتغال وفرنسا وغيرها من الدول ذات الأساطيل.

  • (٢)

    تتجه السفينة إلى أمريكا الوسطى وخليج المكسيك والشاطئ الشرقي للولايات المتحدة والبرازيل، فتُنزل شحنة الرقيق الأفريقي وتحمل منتجات المناطق المدارية الأمريكية من قطن وسكر وغيره بالإضافة إلى المعادن (الفضة على وجه خاص).

  • (٣)

    تتجه السفينة بحمولتها عبر الأطلنطي إلى موانئ غرب أوروبا حيث تباع شحنتها من منتجات المناطق المدارية.

وكانت مكاسب السفن هائلة من هذه التجارة المثلثة، حتى إن ويليام بت — رئيس الوزارة البريطانية في النصف الثاني من القرن الثامن عشر — كان يشجع على تجارة الرق بوصفها وازعًا أساسيًّا لنمو الأسطول البريطاني والإمبراطورية البريطانية لكثرة الأرباح. وكان ذلك أيضًا رأي الأميرال نلسون.٤

وحينما أُلغي الرقيق في أواخر النصف الأول من القرن التاسع عشر، قامت بريطانيا بدور حامية حِمى الرقيق، وأصبح لسفنها الحق في تفتيش السفن التجارية أيًّا كانت جنسيتها في أعالي البحار. وقد مكَّن ذلك بريطانيا من بناء أسطول كبير ومكنها من زيادة سيطرتها على البحار واحتلالها الكثير من النقط الهامة الملاحية في العالم مثل جبل طارق ومالطة وعدن وسنغافورة.

وعلى أية حال، حينما دخل البخار والسفن الحديدية عالم النقل البحري، كانت بريطانيا دون شك على رأس قائمة الدول البحرية. وقد أدى ذلك إلى بقاء الأسطول التجاري الإنجليزي مسيطرًا وقتًا طويلًا على جزء كبير من التجارة العالمية، في الوقت الذي كانت روسيا والولايات المتحدة وألمانيا منشغلة بتدعيم وحدتها الإقليمية الأرضية، وتكوين الدولة الحديثة.

fig16
شكل ٤-٢: تطور نمو الأسطول التجاري العالمي. (١) الأسطول العالمي. (٢) الأسطول الإنجليزي. (٣) الأسطول الأمريكي. (٤) بقية العالم. (٥) بقية أوروبا.

وفي مطلع هذا القرن كان الأسطول الإنجليزي يكوِّن وحده حوالي ٥٥٪ من مجموع حمولة الأساطيل التجارية في العالم، ولكن اتجاه الدول الصناعية الحديثة إلى التجارة الدولية قد أدى بدوره إلى اهتمام كبير من جانب دول عدة — على رأسها النرويج، واليابان، والولايات المتحدة — بتدعيم أساطيلها التجارية، وقد ترتب على ذلك أن نقص تفوق الأسطول الإنجليزي في خلال اﻟ ١٥ سنة الأولى من هذا القرن بالنسبة إلى حمولة الأسطول العالمي؛ ففي بداية الحرب العالمية الأولى (١٩١٤) أصبح الأسطول البريطاني يشكل نحو ٤٥٪ فقط من حمولة الأساطيل العالمية.

وظلت الدول المختلفة تنمي أساطيلها التجارية بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وخاصة إيطاليا وألمانيا والسويد وغيرها من الدول، وذلك بالإضافة إلى الاتحاد السوفييتي. وترتب على نمو حمولة الأسطول العالمي هبوط شديد في حمولة الأسطول الإنجليزي، فبلغت حوالي ٢٥٪ فقط في نهاية الربع الأول من هذا القرن. وقد هبطت بعد ذلك نسبة حمولة الأسطول الإنجليزي إلى حوالي ١٢٪ من مجموع حمولة الأسطول العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وتدل الأرقام والإحصاءات على أن حمولة الأسطول العالمي كانت قد بلغت ٤٩ مليون طن عام ١٩١٤، وظلت ترتفع بعد ذلك، وإن انتابها انخفاض جزئي خلال الأزمات والحروب (أزمة ١٩٢٩ على وجه الخصوص). وفي ١٩٤٨ بلغت حمولة الأسطول العالمي حوالي ٨٠ مليون طن، وفي ١٩٥٥ ارتفعت إلى مائة مليون طن، وفي ١٩٦٠ وصلت الحمولة إلى ١٣٠ مليون طن، وزادت في ١٩٦٥ إلى ١٥٥ مليون طن، وفي ١٩٦٧ إلى ١٨٢ مليون طن، وأخيرًا بلغت الحمولة ٢٢٧٫٥ مليون طن في منتصف ١٩٧٠.

وبعبارة أخرى فإن الأسطول التجاري العالمي قد تضاعف أكثر من أربع مرات ونصف في خلال نصف قرن (١٩١٤–١٩٧٠)، وهذا التقدم المذهل في الحمولة يعبِّر عن — ويعكس بوضوح — موضوعين أساسيين:
  • الأول: نمو التجارة العالمية نموًّا هائلًا خلال نصف القرن الذي يبدأ من نهاية الحرب العالمية الأولى.
  • والثاني: نمو أساطيل الدول المختلفة لكي تستطيع أن تسهم في نقل تجارتها أو الإفادة من الأرباح التي تجنيها عمليات النقل البحري العالمي (كالنرويج وهولندا والسويد).

وتترتب الدول فيما بينها على أساس حمولة أسطولها التجاري على النحو الذي يعطيه الجدول التالي:

جدول ٤-٢: حمولة الأساطيل التجارية القومية التي تزيد عن ٣ ملايين طن.
الحمولة بملايين الأطنان
الدولة ١٩٦٦ ١٩٦٧ ١٩٦٨ ١٩٧٠ ١٩٧٠٪ إلى ١٩٦٦
١ ليبيريا ٢٠٫٦ ٢٢٫٦ ٢٥٫٧ ٣٣٫٣ ١٦١٫٦
٢ اليابان ١٤٫٧ ١٦٫٨ ١٩٫٦ ٢٧ ١٨٣٫٦
٣ بريطانيا ٢١٫٥ ٢١٫٧ ٢١٫٩ ٢٥٫٨ ١٢٠
٤ النرويج ١٦٫٤ ١٨٫٣ ١٩٫٧ ١٩٫٣ ١١٧٫٦
٥ الولايات المتحدة ١٠٫٨ ١٨٫٤ ١٩٫٧ ١٨٫٥ ١٧١٫٣
٦ الاتحاد السوفييتي ٩٫٥ ١٠٫٦ ١٢٫١ ١٤٫٨ ١٥٥٫٨
٧ اليونان ٧٫١ ٧٫٤ ٧٫٤ ١٠٫٩ ١٥٣٫٥
٨ ألمانيا غ ٥٫٧ ٦ ٦٫٥ ٧٫٨ ١٣٦٫٨
٩ إيطاليا ٥٫٨ ٦٫٢ ٦٫٦ ٧٫٥ ١٢٩٫٣
١٠ فرنسا ٥٫٢ ٥٫٦ ٥٫٨ ٦٫٥ ١٢٥
١١ بنما ٤٫٥ ٤٫٧ ٥٫١ ٥٫٦ ١٢٤٫٥
١٢ هولندا ٥ ٥٫١ ٥٫٣ ٥٫٢ ١٠٤
١٣ السويد ٤٫٤ ٤٫٦ ٤٫٩ ٤٫٩ ١١١
١٤ إسبانيا ٢٫٢ ٣٫٤
١٥ الدانمرك ٢٫٨ ٣ ٣٫٢ ٣٫٣ ١١٧٫٨

وهناك بعض الدول التي تزيد حمولة أسطولها التجاري عن مليون طن، هي بالترتيب: الهند (٢٫٤)، كندا (٠٫٤)، بولندا (١٫٦)، يوجسلافيا (١٫٥)، فنلندا (١٫٤)، الأرجنتين (١٫٢)، تايوان (١٫١)، قبرص (١٫١)، وأخيرًا بلجيكا وأستراليا وألمانيا الديموقراطية، ولكلٍّ منها مليون طن.

وبتحليل هذا الجدول نجد أن الدول السبع الأولى، باستثناء بريطانيا والنرويج، هي نفسها التي سجلت زيادة كبيرة في حمولة أسطولها التجاري، زادت عن مرة ونصف قدر ما كانت عليه في السنوات الخمس ١٩٦٦–١٩٧٠. وكانت أعلى نسبة زيادة هي تلك التي سجلتها اليابان. أما فيما يختص بالولايات المتحدة فإن نسبة كبيرة من أسطولها التجاري غير عاملة. وقد كانت حمولة الأسطول الأمريكي العامل حوالي أحد عشر مليون طن عام ١٩٦٧، من مجموع حمولة قدرها ١٨ مليون طن.

والملاحظة الثانية الجديرة بالاهتمام هي أن الأساطيل التجارية للدول الأوروبية الغربية تزيد بدرجة أقل بكثير من غيرها من الدول. وقد كان أدنى نمو هو ذلك الذي سجلته هولندا والدول الاسكندنافية وكلها أقل من ٢٠٪ في المدة المحسوبة، بينما تراوحت الزيادة في بريطانيا وإيطاليا وفرنسا بين ٢٠٪ و٣٠٪ في المدة ذاتها.

جدول ٤-٣: تحليل الأسطول التجاري للدول الرئيسية.*
الدولة سفن البضائع ناقلات البترول ناقلات خامات المعادن وسلع الأحجام الكبيرة
٪ من أسطول الدولة ٪ من الأسطول العالمي ٪ من أسطول الدولة ٪ من الأسطول العالمي ٪ من أسطول الدولة ٪ من الأسطول العالمي
ليبيريا ١٠ ٤٫٥ ٥٨ ٢٢٫٤ ٣١ ٢١٫٦
اليابان ٢٧ ١٠٫٢ ٣٤ ١٠٫٨ ٢٩ ١٦٫٩
بريطانيا ٢٩ ١٠٫٣ ٤٧ ١٤ ١٥ ٨٫١
النرويج ١٣ ٣٫٤ ٤٦ ١٠ ٣٦ ١٤٫٨
الولايات المتحدة ٥٤ ١٣٫٥ ٢٥ ٥٫٥ ١١ ٤٫٣
الاتحاد السوفييتي ٤٠ ٨٫٣ ٢٣ ٤ ٢ ٠٫٤
اليونان ٤١ ٦ ٣٥ ٤٫٤ ٢٠ ٤٫٧
ألمانيا غ. ٥٢ ٥٫٦ ٢١ ١٫٨ ١٩ ٣٫٢
إيطاليا ٢٠ ٢٫١ ٣٦ ٣٫١ ٢٨ ٤٫٥
فرنسا ٢٢ ١٫٩ ٥٤ ٤ ١١ ١٫٥
بنما ٢٩ ٢٫٢ ٥٨ ٣٫٨ ٨ ٠٫٨
هولندا ٤٥ ٣٫٢ ٣٨ ٢٫٣ ٩ ١
السويد ٢٧ ١٫٨ ٣٣ ١٫٨ ٣٢ ٣٫٢
إسبانيا ٣١ ١٫٤ ٤١ ١٫٧ ٨ ٠٫٥
الدانمرك ٣٦ ١٫٦ ٤٠ ١٫٥ ١٣ ٠٫٩
العالم: مليون طن ٧٢٫٤ ٨٦٫١ ٤٦٫٦
العالم: ٪ من الأسطول العالمي ٣٢٪ ٣٨٪ ٢١٪
المصدر: الأرقام والنسب المئوية من أسطول كل دولة نقلًا عن: “Maritime Transport” 1970, O. E. C. D. Paris 1970, P, 129 أما النِّسب المئوية الأخرى فمن حساب المؤلف.

وقد يبدو غريبًا أن تتصدر ليبيريا أساطيل العالم التجارية، وأن يرتفع أسطول بنما أيضًا إلى هذا الترتيب العالمي، وهما دولتان صغيرتان مواردهما محدودة، وليستا أيضًا مثل النرويج أو اليونان اللتين تعتمدان على الدخل الذي يدرُّه أسطولهما التجاري، والحقيقة أن هناك عدة دول تسمح برفع علمها على السفن في مقابل معين، ومثل هذه السفن في الحقيقة أمريكية أو بريطانية أو غير ذلك من الجنسيات. ولعل ذلك راجع إلى هرب شركات الملاحة من الضرائب العالية في بلادها فتفضل رفع علم أجنبي، ومعظم السفن التي ترفع العلم الليبيري وعلم بنما هي سفن أمريكية. وهناك دول أخرى تسمح بذلك مثل لبنان الذي تبلغ حمولة السفن التي ترفع علمه حوالي ٣٠٠ ألف طن، والصومال الذي تبلغ حمولة السفن التي ترفع علمه نحو ٣٧٠ ألف طن، ومعظم السفن التي ترفع علم الصومال هي سفن بضائع عادية (٧٢٪ من الحمولة).

وبالرغم من أهمية الحمولة العامة لأساطيل الدول التجارية، إلا أن الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لنا هو أن نحلل تركيب الأسطول التجاري لكلٍّ من هذه الدول الرئيسية، بمعنى أن نعرف اتجاه كل دولة في بناء أو امتلاك أنواع معينة من السفن، وماذا يعني ذلك بالنسبة لنشاط كل دولة على حدة، وما هي نسبة ما تملكه الدولة من نوع معين إلى الحمولة العالمية لهذا النوع. وفيما يلي نورد جدولًا يوضح هذه الحقائق بالنسبة للدول الرئيسية سابقة الذكر (راجع أيضًا جدول تحليل الأسطول العالمي في آخر هذا الفصل).

يعطينا الجدول السابق الحقائق التالية:
  • أولًا: في مجال المشاركة الدولية في أنواع السفن الثلاث الرئيسية نجد:
    • (١) ارتفاع كبير في مساهمة الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان في سفن البضائع بالنسبة لأسطول البضائع العالمي. وإذا أضفنا الاتحاد السوفييتي، فإننا نجد هذه الدول الأربع تحتكر خُمسي حمولة سفن البضاعة العالمية. وتمتلك الدول اﻟ ١٥ المذكورة في الجدول ٧٦٪ من الأسطول العالمي لسفن البضاعة. ويوضح هذا نمطًا أقرب إلى التعادل في توزيع سفن البضاعة على كل دول العالم التي تمتلك أساطيل تجارية كبيرة كانت أم صغيرة. فسفينة البضاعة هي أكثر السفن استخدامًا لمختلف الأغراض التجارية، على عكس السفن المتخصصة في نقل سلع معينة؛ ومن ثم فإن غالبية دول العالم تمتلك هذا النوع من سفن النقل العامة.
    • (٢) تحتكر الدول الخمس الأولى (ليبيريا وبريطانيا واليابان والنرويج والولايات المتحدة) ٦٢٫٧٪ من حمولة ناقلات البترول العالمية كلها. ويعطينا هذا صورة عن الدور الذي تلعبه ناقلات البترول في اقتصاديات هذه الدول (باعتبار أن أسطول ليبيريا جزء من الأسطول الأمريكي) وما يحمله هذا الأسطول من أرباح لدول تشارك في عمليات النقل البترولية كالنرويج واليونان. وعلى العموم فإن أسطول ناقلات البترول قد زاد كثيرًا عن حمولة سفن البضائع، وقاربت حمولته خُمسي الحمولة العالمية للأسطول التجاري العالمي بجميع أنواعه، وفي هذا مؤشر قوي على مدى أهمية البترول في الوقت الحاضر، ويعكس نمط التباعد المكاني بين مناطق الإنتاج الرئيسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والكاريبي، بين مناطق الاستهلاك الرئيسية في العروض المعتدلة؛ مما يدعو إلى مزيد من الاهتمام بهذا النوع من النقل المتخصص.

      ومن المؤشرات الأخرى على أهمية البترول في النقل البحري أن الدول اﻟ ١٥ الواردة في الجدول تمتلك ٩١٪ من حمولة أسطول ناقلات البترول العالمية. وهذا هو عكس النمط الذي لاحظناه في توزيع سفن البضاعة على دول العالم البحرية.

    • (٣) فيما يختص بناقلات الخامات المعدنية والسلع ذات الأحجام الكبيرة نجد أيضًا نمطًا احتكاريًّا؛ فهذه الدول اﻟ ١٥ تمتلك ٨٧٫٥٪ من مجموع حمولة هذا النوع من السفن في العالم. ويزداد النمط الاحتكاري ظهورًا إذا عرفنا أن الدول الخمس الأولى (ليبيريا واليابان والنرويج وبريطانيا والولايات المتحدة) تمتلك وحدها ٦٥٫٧٪ من جملة الحمولة العالمية، بينما تتوزع بقية الحمولة بشيء من التقارب على بقية الدول الواردة في الجدول. ويعطينا هذا التوزيع دليلًا على التخصص في نقل السلع الكبيرة أو الخامات المعدنية من مناطق الإنتاج إلى أسواق الاستهلاك.
  • ثانيًا: في مجال تركيب الأسطول التجاري لكل دولة:
    • (١) برغم ضخامة الأسطول التجاري الليبيري إلا أنه — كما تدل الأرقام — موجه توجيهًا خاصًّا نحو السفن المخصصة لنقل سلعة واحدة، وليس أدل على ذلك من أن ناقلات البترول والخامات المعدنية تشكل وحدها نحو ٩٠٪ من هذا الأسطول الضخم، وهذا هو أعلى تخصص نلاحظه في أي من أساطيل العالم التجارية. ولا شك أن هذا يعكس بصدق مدى تأثير الشركات الأجنبية التي تستخدم علم ليبيريا على تركيب هذا الأسطول التجاري؛ ففي حالة أي أسطول قومي نجد توازنًا ملحوظًا بين أنواع السفن التي تشترك في تكوين الأسطول، لكن حيث إن الأسطول الليبيري لا يُمثِّل أسطولًا وطنيًّا، فإنه خاضع تمامًا لمصالح الشركات التي تدفع الرسوم المطلوبة مقابل رفع العلم.
    • (٢) تُمثِّل اليابان الصورة المضادة لتركيب الأسطول الليبيري، فهنا نجد توازنًا بين جميع أنواع السفن التي تكوِّن الأسطول التجاري الياباني: ٦٣٪ لناقلات البترول والخامات المعدنية، ٢٧٪ لسفن البضائع العامة، ٦٪ لسفن الركاب وسفن الشحن الحديثة للمعبَّآت Container، ٤٪ لسفن صيد الأسماك والحيتان. ولا شك أن الارتفاع الملحوظ في الناقلات المتخصصة في البترول والخامات المعدنية يعكس صورة الاحتياج الصناعي الياباني لموارد الطاقة من الشرق الأوسط وأستراليا، والاحتياج إلى الموارد المعدنية (وخاصة الحديد والحديد الخردة) من مناطق كثيرة على رأسها الحديد الخام من أمريكا اللاتينية والخردة من الولايات المتحدة.

      والصورة نفسها نجدها في الأسطول البريطاني؛ حيث ترتفع نسبة الناقلات الخاصة إلى ٦٢٪، وتظهر سفن البضائع وسفن الركاب والشحن الحديثة بنسبة عالية (٣٧٪).

    • (٣) يظهر توازن أكثر في تركيب الأسطول الأمريكي؛ حيث ترتفع نسبة سفن البضائع إلى أكثر من النصف وتنخفض الناقلات الخاصة إلى قرابة الثلث، كما ترتفع نسبة سفن الركاب والشحن الحديث إلى ١٠٪، ولكن هذا التركيب المتوازن ينعكس تمامًا إذا ما أدخلنا نسبة كبيرة من أسطولي ليبيريا وبنما ضمن الأسطول الأمريكي.
    • (٤) يُمثِّل الأسطول السوفييتي عكس النمط الليبيري تمامًا، فإن نسبة الناقلات الخاصة في مكونات هذا الأسطول هي الربع فقط، وتكوِّن سفن البضاعة ٤٠٪ وسفن الركاب والشحن الحديثة ٨٪. ويختلف الأسطول السوفييتي عن بقية أساطيل العالم التجارية في أن نسبة سفن صيد الأسماك هي أعلى نسبة في العالم؛ إذ تبلغ ٢٧٪ من حمولة كل الأسطول السوفييتي. وفي الوقت نفسه فإن الحمولة الفعلية لسفن صيد السمك السوفييتية (أربعة ملايين من الأطنان) تكوِّن حوالي ٥٢٪ من مجموع حمولة أسطول الصيد العالمي بأجمعه، وصحيح أن الاتحاد السوفييتي يحتل المرتبة الثانية أو الثالثة في ترتيب دول العالم من حيث كمية الصيد البحري، إلا أن هذا الأسطول الضخم كان خليقًا به أن يحتل المرتبة الأولى الإنتاجية في العالم. وهناك الكثير من الأقوال عن المهام الاستراتيجية التي تؤديها سفن صيد الأسماك السوفييتية في كل بحار العالم. ولعل هذا هو المبرر الوحيد لضخامة أسطول الصيد السوفييتي.

      وتشكل سفن الصيد ٥٠٪ من حمولة أسطول أيسلندا، وهي بذلك تتفوق على أسطول السماكة السوفييتي من حيث نسبة المشاركة في تركيب الأسطول القومي، لكن حمولة هذه السفن الأيسلندية هي ٦٠ ألف طن فقط. وعلى العموم فإن ارتفاع النسبة في أيسلندا أمر مفهوم؛ لأن صيد البحر يكاد يشكل المصدر الأساسي للاقتصاد في تلك الدولة القطبية، وتكوِّن سفن الصيد ٢١٪ من الأسطول التجاري في بيرو، ٢٠٪ في كوبا، ١٧٪ في جنوب أفريقيا، ١٥٪ في بولندا، ١٤٪ في ألمانيا الشرقية، ١٣٪ في البرتغال، ١٢٪ في إسبانيا، ٦٪ في كندا، ١٪ في بريطانيا.

    • (٥) تختلف الدول فيما بينها في تركيب أسطولها التجاري، فالبعض أقرب إلى النمط الليبيري مثل النرويج (٨٢٪ للناقلات الخاصة)، والبعض ينتمي إلى النمط الياباني أو الإنجليزي مثل فرنسا (٦٦٪ للناقلات الخاصة، ٢٢٪ لسفن البضاعة، ١٠٪ لسفن الركاب والشحن الحديثة، ٣٪ لسفن الصيد)، ومثلها في ذلك إيطاليا (٦٤٪، ٢٠٪، ١٥٪، ١٪ على التوالي). وأخيرًا فإن الأسطول الألماني التجاري، والهولندي والإسباني يُمثِّلون النمط الأمريكي من حيث انخفاض نسبة الناقلات الخاصة إلى أقل من ٥٠٪ من حمولة الأسطول.

      ولا شك أنه أصبح واضحًا الآن أن كل أسطول يتكيف مع سياسات الدولة التي يخدمها مثل أساطيل اليابان وبريطانيا وأمريكا والاتحاد السوفييتي … إلخ، أو يتكيف مع المهام الملقاة عليه كمصدر خارجي للدخل القومي، كما هو الحال في الأسطول النرويجي أو اليوناني أو الدانمركي، أو هو أسطول مستعار مثل أسطول بنما وليبيريا. ويترتب على هذا أن يتخذ الأسطول نمطًا معينًا في تركيبه، بحيث تظهر صور مختلفة من التوازن بين السفن، أو ميل إلى التركيز على نوع أو آخر من السفن.

      ويمكننا الاستطراد إلى ما لا نهاية في تحليل الأسطول العالمي التجاري، ولكننا نكتفي بهذا القدر، محيلين القارئ إلى جدول (٤-٩) الذي يظهر فيه تحليل الأسطول العالمي كله بصورة تفصيلية، وذلك لكافة السفن التي تزيد حمولتها المسجلة Gross Registered Tonnage G.R.T عن مائة طن. (انظر الجدول في آخر هذا الفصل).

(٥) درجة الاعتماد على النقل البحري

يمكن أن تقاس هذه الدرجة بمقياسين: حمولة الأسطول التجاري إلى عدد السكان داخل كل دولة، والثاني كمية التجارة الداخلة والخارجة من موانئ الدولة إلى عدد سكانها. ويعطينا المقياسان عدد ما «يحوزه» (نظريًّا) الفرد من حمولة الأسطول أو كمية البضائع الداخلة والخارجة من الموانئ بالطن، ويلخص جدول (٤-٤) النتائج التي توصل إليها أندريه فيجاري في هذا الصدد.

وتتضح من هذا الجدول عدة حقائق على أكبر جانب من الأهمية، وهي في حد ذاتها ليست حقائق جديدة، ولكنها تدعم بالرقم ما كان معروفًا من قبلُ.

  • (١)
    أن هناك عددًا كبيرًا من الدول التي تمتلك أسطولًا تجاريًّا أو يرفرف علمها على السفن التجارية، تعتمد اعتمادًا كبيرًا على عائد هذه السفن من أرباح. فإذا كان المتوسط العالمي ٠٫٠٥ فإنه يمكن تصنيف الدول على النحو التالي:
    • (أ)

      دول تحت المتوسط: الهند وبولندا والاتحاد السوفييتي.

    • (ب)

      دول عند المتوسط: الولايات المتحدة ويوجسلافيا.

    • (جـ)

      دول أعلى من المتوسط: بريطانيا – اليابان – اليونان – إيطاليا – ألمانيا الغربية – فرنسا – هولندا – السويد – هونج كونج – لبنان.

    • (د)

      دول شاذة (اعتماد شديد على عائدات السفن): تتصدرها ليبيريا ثم النرويج ثم بنما.

جدول ٤-٤: درجة الاعتماد على النقل البحري.*
الدولة حمولة السفن (مليون طن) ١٩٦٦ كمية البضائع المارة بالموانئ (مليون طن) ١٩٦٤ عدد السكان (مليون شخص) ١٩٦٦ درجة الاعتماد على النقل البحري
بالقياس إلى حمولة الأسطول فرد/طن بالقياس إلى حركة الموانئ فرد/طن
ليبيريا ٢٠٫٦ ٦ ١ ١٩٫٠٤ ٥٫٥١
بريطانيا ٢١٫٥ ٨٦٫٤ ٥٥ ٠٫٣٩ ١٫٥٩
النرويج ١٦٫٤ ٣٨٫٩ ٣٫٧ ٤٫٤١ ١٠٫٥٤
اليابان ١٤٫٧ ١٩٤٫٣ ٩٨٫٨ ٠٫١٤ ٢٫٠٠
الولايات المتحدة ١٠٫٨ ٣٨١٫٥ ١٩٦٫٨ ٠٫٠٥ ١٫٩٨
الاتحاد السوفييتي ٩٫٥ ٨٣٫٦ ٢٢٣٫٢ ٠٫٠٤ ٠٫٣٦
اليونان ٧٫١ ١٠٫٧ ٨٫٥ ٠٫٨٣ ١٫٢٦
إيطاليا ٥٫٨ ١١٠٫٧ ٥١٫٨ ٠٫١١ ٢٫١٦
ألمانيا الغربية ٥٫٧ ٩٤٫٣ ٥٩٫٦ ٠٫٠٩ ١٫٦١
فرنسا ٥٫٢ ١١٤٫٣ ٤٩٫٤ ٠٫١٠ ٢٫٣٦
هولندا ٤٫٩ ١٤١٫٩ ١٢٫٤ ٠٫٣٩ ١١٫٧٠
بنما ٤٫٥ ٧١٫٦ ١٫٢ ٣٫٥٢
السويد ٤٫٤ ٥٠٫٩ ٧٫٨ ٠٫٥٦ ٦٫٦٥
الهند ١٫٧ ٢٥٫٦ ٤٨٣ ٠٫٠٠٣ ٠٫٠٥
بولندا ١٫١ ٢٦٫٣ ٣١٫٦ ٠٫٠٣ ٠٫٨٤
يوجسلافيا ١ ١٠ ١٩٫٧ ٠٫٠٥ ٠٫٥٢
هونج كونج ٠٫٩ ١١٫٤ ٣٫٨ ٠٫٢٤ ٣٫٠٩
لبنان ٠٫٧ ٣٧٫١ ٢٫٤ ٠٫٣١ ١٦٫٢٨
العالم ١٧١٫١ ٣٠٤٠ ٣٢٨٠ ٠٫٠٥ ٠٫٩٦
André Vigarié “La Circulation Maritime” Editions Génin, Paris 1968, P. 114.
†  لم يضع «فيجاري» رقمًا؛ لأن البضائع المذكورة تمر عبر قناة بنما ولا تنزل إلى الموانئ إلا بنسبة ضئيلة جدًّا.
  • (٢)
    بالنسبة إلى درجة الاعتماد على حركة الموانئ داخل كل دولة نجد فوارق كبيرة بين الدول الثماني عشرة المذكورة في الجدول. فإذا كان المتوسط العالمي ٠٫٩٦ طن للشخص فإن تصنيف الدول يكون كالآتي:
    • (أ)

      دول تحت المتوسط: الهند – الاتحاد السوفييتي – يوجسلافيا – بولندا. ومعنى ذلك أن هذه الدول لا تزال في معاملاتها التجارية البحرية محدودة جدًّا، وأن جزءًا كبيرًا من حركتها التجارية ما يزال يُنقل بوسائل النقل البري (الحديدي على وجه خاص). وتتضح هذه الحقيقة أكثر من كتلة الدول الاشتراكية التي تترابط فيما بينها بشبكة حديدية جيدة. وبعبارة أخرى فإن هذه الدول (باستثناء الهند) ذات توجيه بري في حركة النقل التجاري.

    • (ب)

      دول عند المتوسط: بريطانيا – الولايات المتحدة – اليونان – ألمانيا الغربية، ويعني هذا أن مجموع الدول هذه ومثيلاتها تقوم موانئها بخدمتها، بالإضافة إلى القليل من عملية الترانزيت التجاري.

    • (جـ)

      دول أعلى من المتوسط: ليبيريا – اليابان – إيطاليا – فرنسا – السويد – هونج كونج، وتُمثِّل هذه الدول عمليات الترانزيت الكبيرة بالإضافة إلى خدمة حركتها التجارية. وفيما يختص باليابان وفرنسا نجد أن جبهاتهما البحرية الطويلة تسمح بمثل هذه الحركة التجارية الخاصة بالدولة أو الترانزيت إلى الدول المجاورة، وكذلك الحال فيما يختص بإيطاليا وهونج كونج.

    • (د)

      دول شاذة (تعيش أساسًا فيما يبدو على الترانريت): لبنان – هولندا – النرويج. وهذه الدول لها خلفية خاصة من حيث مواقعها وعلاقاتها بالدول المجاورة. ففي لبنان أصبحت بيروت الميناء الأول في شرق البحر المتوسط الآسيوي لخدمة تجارة الترانزيت مع عدد كبير من الدول العربية (الأردن – سوريا – وبدرجات أقل العراق والكويت والسعودية). وقد جاء ذلك نتيجة ظرف طارئ هو احتلال إسرائيل لأراضي فلسطين. وقد كانت حيفا من قبل ذلك ميناءً هامًّا منافسًا. أما هولندا فإنها تقوم بخدمة منطقة الرور الصناعية بصفة خاصة وحوض الراين بدوله المختلفة بصفة عامة. أما النرويج فهي إحدى مناطق الترانزيت لاسكندنافيا، ويضاف إلى ذلك أن لبنان نهاية خطوط أنابيب البترول السعودية والعراقية على البحر المتوسط، وأن النرويج تتعامل في الغالبية الساحقة من خام الحديد السويدي الذي يصدر عن طريق ميناء «نارفيك» النرويجي.

(٦) الموانئ والمرافئ

(٦-١) احتياجات الميناء الجيد

تحتاج البضائع ويحتاج الركاب الذين يستخدمون النقل البحري إلى وسيلة لتسهيل الوصول إلى السفن أو مغادرتها. وهذه التسهيلات هي التي تقدمها الموانئ. وكذلك تحتاج السفن إلى كل ما يؤهلها للقيام برحلتها. وهذه الاحتياجات من مياه عذبة ووقود وإصلاحات وغير ذلك تحصل عليها من الموانئ أيضًا.

وفي دراستنا للموانئ يجب أن نلاحظ أن هناك قسمين متكاملين يشكلان الميناء؛ ذانك هما: الميناء في حد ذاته الذي ترسو فيه السفن، والمرفأ أو المكان الذي يقع فيه الميناء. والمرفأ إذن مرتبط في عمومياته وتفصيلاته بالظروف الجغرافية الطبيعية ارتباطًا تامًّا. أما الميناء — وهو الجزء الذي تنتهي إليه حركة السفينة أو تبدأ منه — فيرتبط ارتباطًا وثيقًا بشكل المرفأ، وما يقوم به الناس من عمل لجعله صالحًا لرسو السفن وحركة التجارة والنقل؛ أي إنه يتكون غالبًا من الإنشاءات الهندسية مثل الأرصفة والروافع والمخازن وغير ذلك من وسائل التسهيلات الأرضية، وتتلخص احتياجات الميناء الجيد في النقاط التالية:
  • (١)

    مياه عميقة: وهذه ترتبط بالمرفأ الطبيعي في أساسه، وقد تكون المياه العميقة دائمة كما هو في الخلجان الواسعة، أو مؤقتة كما هو في الخلجان الضيقة المرتبطة بحركة المد والجزر اليومية، وفي هذه الحالة يمكن المحافظة على عمق المياه بإقامة أهوسة تقفل المياه العالية داخل الأحواض وحول الأرصفة إلى أن تأتي موجة المد التالية. وهناك موانئ تتمتع بحركة مد وجزر تحدث أربع مرات في اليوم مثل سوثهامبتون في جنوب بريطانيا؛ مما يجعلها ميناءً جيدًا.

  • (٢)

    الأمان: وقد يكون هذا الأمان الذي يقدم للسفن ناجمًا عن طبيعة المرفأ الذي يتكون من خليج طبيعي، أو الذي يقع على مصب نهري واسع (كهامبورج أو لندن). ولكن في كثير من الموانئ المفتوحة — مثل الإسكندرية أو بيروت — يحتاج الأمر إلى بناء حواجز أمواج خارجية لكي تعطي السفن الراسية الأمان المطلوب ضد الأمواج العالية التي قد تصيب السفينة بأضرار نتيجة اصطدامها المتكرر بالرصيف الذي ترسو عليه.

  • (٣)

    قناة ملاحية أو ممر ملاحي واضح واسع داخل الميناء تتحرك فيه السفن من الخارج إلى الأرصفة أو بالعكس، ويمكن أن تقام هذه القناة أو القنوات داخل الميناء بواسطة نسف صخور القاع أو استخدام الكراكات بصفة مستمرة مع تحديد مسار القناة بالعلامات البحرية المعروفة، وبالأضواء، لتحدد للسفن الممر الذي يجب أن تجتازه السفينة. وتسعى سلطات الموانئ دائمًا إلى تطهير هذه الممرات ونقل حطام المراكب التي قد تغرق داخلها. ونظرًا لأن قيادة السفن داخل الموانئ عملية صعبة فإن القبطان يترك قيادة السفينة داخل الميناء للمرشد البحري الذي يصعد إلى السفينة بمجرد ظهورها خارج الميناء؛ ذلك لأن المرشد وحده هو الذي يعرف الكثير عن طبوجرافية الميناء وقاعه، والممرات التي يجب أن تسلكها السفينة لكي تصل إلى الرصيف.

  • (٤)

    تسهيلات التموين: يحتاج الميناء الجيد إلى توفير عدد من التسهيلات الضرورية للسفن الراسية قبل أن تغادر الميناء. ومن أهم هذه التسهيلات الحصول على المياه العذبة وعلى الوقود وعلى الغذاء، وتوفير أو شحن بطاريات الكهرباء، أو الحصول على تيار كهربائي من الميناء خلال رسو السفينة على الرصيف.

  • (٥)

    الأرصفة والروافع: يحتاج الميناء الجيد أيضًا إلى أرصفة كافية، وإلا اضطرت السفن إلى الانتظار فترة طويلة خارج الميناء قبل أن تُفرغ أو تشحن حمولتها. ويترتب على ذلك غرامات تدفعها هيئة الميناء إلى أصحاب السفن نتيجة لتعطلها، كذلك تحتاج عملية الشحن والتفريغ إلى وجود عدد كافٍ من الروافع المثبتة على الأرصفة، وعدد آخر من الروافع العائمة لتسهيل هذه العملية بعيدًا عن الرصيف، وعدد كافٍ من الصنادل البحرية التي يمكن أن تُفرغ فيها شحنات السفينة لكي تتجه بها إلى الأماكن المناسبة لإعادة الشحن على الأرصفة التي قد لا تستطيع أن تصل إليها السفن. وإلى جانب هذا تحتاج الموانئ الجيدة إلى قوة عاملة كافية من عمال الشحن والتفريغ المدربين، كي لا يطول زمن بقاء السفينة في الماء أكثر مما يجب.

  • (٦)

    مواصلات جيدة: لكي تتم شروط الميناء الجيد يجب أن يكون متمتعًا بوسائل مواصلات جيدة بالداخل: أنهار وقنوات أو طرق حديدية وبرية لكي تجلب البضائع المراد شحنها، أو تنقل البضائع التي تم تفريغها إلى داخلية الدولة. وكذلك قد يحتاج الميناء الجيد أيضًا إلى وجود مطار قريب يستقبل الركاب وبعض البضائع التي تحتاج إلى النقل السريع داخل الدولة.

  • (٧)

    إدارة الميناء: لكل ميناء إدارة خاصة حكومية أو شبه حكومية، أو شركة مساهمة تتولى إدارته بمشكلاته المعقدة واحتياجاته المستمرة للتحسين والإصلاح، ومراقبة العمل ومشكلات العمالة والعمال وغير ذلك. وإلى جانب ذلك فإنه توجد مكاتب حكومية في الموانئ، أهمها مكاتب الجمارك، وإدارة الجوازات والهجرة والأمن الداخلي للميناء، وإدارة الحجر الصحي على الأشخاص والسلع الزراعية، ومكاتب المواصفات السلعية عامة، وكل هذه المكاتب والإدارات الحكومية قد لا تخضع لإدارة الميناء خضوعًا مباشرًا، ومن ثم يجب التنسيق المستمر كي لا تكون هناك تسهيلات من ناحية وتعطيل لسير العمل من ناحية أخرى.

  • (٨)
    المخازن: يحتاج الميناء الجيد أيضًا إلى أبنية متعددة لتخزين البضائع التي تُفرغ أو التي تُشحن من الميناء، وقد تعددت أشكال هذه المخازن في الوقت الحاضر تعددًا كبيرًا؛ مما يؤدي بالموانئ إلى استمرار التوسع كي تصبح صالحة للعمل، ومن بين هذه الأبنية المخازن العامة التي تصلح لكثير من أنواع السلع، ومخازن الحبوب الضخمة Grain elevators والمخازن المبردة، وأبنية تجهيز السلع بالحزم والإعداد للشحن … إلخ.
  • (٩)

    الأرصفة الجافة أو الأحواض الجافة: وهذه هي آخر الاحتياجات اللازمة للميناء الجيد، وهي تمكِّنه من زيادة العمالة ودخل الميناء، وذلك بالقيام بعمليات الإصلاح والصيانة والطلاء وغير ذلك مما يلزم السفن.

وعلى ضوء هذه الظروف: عمق المياه في الميناء، وسهولة الحركة والحماية، وسرعة النقل والشحن، واتساع الميناء وتعدد أرصفته وحسن إدارة وتوافر المخازن … إلخ. تتحدد أحجام الموانئ وسعة حجم التجارة التي تتعامل فيها. لكن تغيُّر أحجام السفن والحاجة إلى أعماق متزايدة من أجل السفن العملاقة، سواء كانت سفن ركاب أو سفن شحن أو ناقلات بترول، قد أدى إلى تغيُّر حجم الحركة في الموانئ التقليدية؛ فقد قلت مساهمة كثير من الموانئ في حجم التجارة القومي أو الإقليمي، في مقابل نمو نشاط احتكاري للتجارة متركز في عدد قليل من الموانئ. وكذلك علينا ألا نُغفل الجوانب السياسية التي تساعد على تنشيط أو تدهور الحركة التجارية في عدد من الموانئ (راجع الفصل الأول).

وفي هذا المجال يمكننا أن نعود إلى أمثلة سبق ذكرها: تدهور نسبي في حركة التجارة في هامبورج بعد دخول ألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا ضمن دائرة الدول الشرقية، أو النمو الهائل للحركة التجارية في ميناء روتردام نتيجة لموقعه الممتاز على عتبة الإقليم الصناعي في كتلة السوق الأوروبية. وكذلك يمكن أن نضيف تركز الحركة التجارية في شرق البحر المتوسط في ميناء بيروت وتحولها عن ميناء حيفا بعد احتلال اليهود لفلسطين، أو تدهور حجم التجارة في ميناء شنغهاي الصيني بعد تحولها إلى النظام الشيوعي مباشرة (نتيجة توقف أشكال التجارة الرأسمالية الغربية)، لكنه عاد إلى مباشرة نشاطه التجاري الرئيسي فيما بعدُ.

(٦-٢) تصنيف الموانئ من حيث المواقع والأهمية

وإلى جانب هذه العوامل، فإن هناك عاملًا حاسمًا آخر في تحديد حجم التجارة في الموانئ العالمية، فمناطق الإنتاج الصناعية تتعامل موانئها في أحجام تجارية أعلى بكثير من المناطق غير الصناعية؛ ونظرًا لأن المحيط الأطلنطي الشمالي يضم أكبر تركُّز للصناعة على كلا ساحليه فإن موانئه تساهم بنسبة عالية في التجارة المحمولة بالبحر بالقياس إلى أي منطقة بحرية أخرى في العالم، ويتضح ذلك من الجدول التالي:

جدول ٤-٥: مساهمة المحيطات المئوية في التجارة المحمولة بحرًا.
المحيط أو أجزاؤه النسبة المئوية للتجارة البحرية النسبة المئوية
في ١٩٦١ ١٩٦٤ من الأسطول العالمي ١٩٥٥
الأطلنطي الشمالي ٤٠٫٥ ٤١٫٢ ٥٠٫٦٥
البحر المتوسط ١١٫٣ ١٥٫٧ ١٤٫٨٥
الأطلنطي الأوسط والجنوبي ١٨ ١٨٫٤ ١٥٫٩٦
الأطلنطي بأكمله ٦٩٫٨ ٧٥٫٣ ٨١٫٤٦
الهندي ١٨٫٩ ١١٫٢ ٢٫٣٥
الباسيفيكي ١١٫٢ ١٣٫٤ ١٣٫٨٤

وفي داخل هذا التقسيم العام لمواقع الموانئ على المحيطات العالمية نجد ارتفاعًا كبيرًا في مناطق معينة لحجم التجارة لا يبرره سوى أن مثل هذه الموانئ عبارة عن موانئ ترانزيت لمنطقة واسعة. وأكبر الأمثلة توضيحًا لهذه الحقيقة هونج كونج وسنغافورة وعدن والسويس وبيروت وروتردام.

وبناءً على هذه الظروف — من بين مجموعة ظروف أخرى — يمكننا أن نرتب الموانئ الرئيسية في العالم على النحو التالي: (الأرقام أمام الميناء تشير إلى حمولة السفن الداخلة والخارجة N.R.T.، وذلك لعامي ١٩٦١، ١٩٦٢. أما الأرقام المحصورة بين الأقواس فتشير إلى حمولة السفن سنة ١٩٦٥.)
جدول ٤-٦: موانئ يزيد التعامل فيها عن ٣٠ مليون طن سنويًّا.
السويس ١٥٥ ميناءا عبور قناة السويس على أضخم طريق بحري يربط المناطق المدارية بالمناطق الصناعية‏
بور سعيد ١٥٤
لندن ٨٨ ميناء التجارة الإنجليزي الأول، وميناء ترانزيت لأوروبا
 ‏ موانئ أوروبا الغربية على الأطلنطي الشمالي
روتردام (١٢٢) ميناء ترانزيت هولندي ألماني
أنتفيرب (٥٩) ميناء ترانزيت بلجيكي فرنسي ألماني
قناة كييل ٤١ نقطة عبور ملاحة البلطيق إلى الأطلنطي
الهافر ٣٨ الميناء القومي الفرنسي الأول
هامبورج (٣٥) الميناء القومي الألماني الغربي الأول
ليفربول ٣٠ ميناء منطقة الصناعة في لانكشير ومستورد الخامات الأول
نيويورك؟ الميناء الأول للمنطقة الصناعية الأمريكية
البحر المتوسط
مرسيليا (٥٧) ميناء فرنسي قومي + ترانزيت لدول السوق الأوروبية
جنوا (٣٤) الميناء القومي الإيطالي الأول
سنغافورة (٧٠) موانئ عبور هامة على بوابتي الباسفيك الشرقية والغربية
بنما (٦٥)
موانئ الباسفيك
يوكوهاما (٦٥) موانئ اليابان الرئيسية 
تاجويا (٣٤)
أوزاكا (٣٢)
هونج كونج (٣٣) ميناء ترانزيت أساسي إلى الصين وجنوب شرق آسيا + صناعة

ويدخل في هذه الفئة موانئ تصدير البترول من الخليج العربي، وأرقامها متغيرة بتغير الإنتاج.

جدول ٤-٧: موانئ تتراوح جملة التعامل فيها بين ١٥–٣٠ مليون طن.
موانئ على طريق الأطلنطي الشمالي
سوثهامبتون ٢٨ (ميناء إنجليزي رئيسي في الجنوب)
مالمو ١٧ – هالسنجبورج ٢٠ – جوتبورج ١٧ (موانئ السويد)
بريمن ١٩ (ميناء ألماني رئيسي تجاري وصناعي)
نابولي (١٦) ميناء إيطالي جنوبي هام على طريق البحر المتوسط
موانئ الأطلنطي الأوسط والجنوبي
مركايبو ٢٩ – أوروبا ٢٤ موانئ تصدير بترول فنزويلا
لاس بالماس ٢٩ ميناء ترانزيت في جزر الكناريا
سانتوس ٣٠ ميناء تصدير البن البرازيلي
موانئ أمريكية ويابانية على الباسيفيك
سان فرانسسكو ٢٦ – لوس أنجيلوس ٢٢
طوكيو ١٧
جدول ٤-٨: موانئ تتراوح جملة التعامل فيها بين ٥ و١٥ مليون طن.
 ‏ موانئ أوروبا الغربية على طريق الأطلنطي الشمالي
كوبنهاجن ١٣٠ – استكهولم ١١ الدانمرك – السويد
جدينيا ٧ أوسلو ٥ بولندا – النرويج
أمستردام (١٤) روان (١٠) هولندا – فرنسا
دنكرك (١٦) بلفاست ٧ فرنسا – أيرلندا
جلاكبو ٧ – نيوكاسل ٩ بريطانيا
مانشستر ٧ – شربورج ٥ بريطانيا – فرنسا
 ‏ موانئ على طريق البحر المتوسط
فنيسيا (١٥) ليفورنو ٧ في إيطاليا
بيريه ١٢ إسطنبول ٧ اليونان – تركيا
الإسكندرية ٨ مصر
 ‏ موانئ على الأطلنطي الجنوبي
كيبتاون ١١ بوينس أيرس ٨ في جنوب أفريقيا – الأرجنتين
ريوديجانيرو ١٣ البرازيل
سدني ١٣ – ملبورن ١١ موانئ على الباسيفيك في أستراليا
 ‏ موانئ المحيط الهندي الرئيسية
دربان ١١ – بمباي ١٢ جنوب أفريقيا – الهند
كلكتا ٧ – مدراس ٦ الهند
كولمبو ١٠ – كراتشي ٦ سريلانكا – باكستان
فريمانتل ١٤ أستراليا
ويتضح من هذه التصنيفات الثلاثة أن من بين ٦٠ ميناءً رئيسيًّا (تعامل أكثر من خمسة ملايين من الأطنان سنويًّا) نجد ٤٠ ميناءً واقعة في حوض المحيط الأطلنطي (٢٥ ميناءً على طريق المحيط الأطلنطي الشمالي بين أوروبا وأمريكا + ٩ موانئ رئيسية في البحر المتوسط + ٧ موانئ في المحيط الأطلنطي الأوسط والجنوبي). ويعني هذا أن ٦٦٪ من الموانئ الكبرى في العالم مرتبطة بحوض الأطلنطي، ويتفق هذا مع ملخص الحركة التجارية في المحيطات كما جاء في جدول (٤-٥). ويلي ذلك في الترتيب المحيط الباسيفيكي؛ حيث توجد اليابان وموانئ غرب الولايات المتحدة وأستراليا الشرقية، وكلها موانئ حركة. ومجموع الموانئ الرئيسية في حوض الباسيفيك أحد عشر ميناءً، منها أربعة موانئ في اليابان وحدها. وأخيرًا تأتي الحركة والموانئ الرئيسية قليلة في المحيط الهندي، فمجموع الموانئ الرئيسية به هي سبعة فقط، ولكن علينا أن نلاحظ أن موانئ تصدير البترول من الشرق الأوسط، وخاصة من الخليج العربي (موانئ إيران والدول العربية المنتجة) تعيد الميزان إلى وضعه الطبيعي في كم الحركة في حوض المحيط الهندي.

ولعل أكثر الأمثلة توضيحًا لأهمية الصناعة والموقع الجغرافي على المحيطات الثلاثة على حجم التجارة التي تتعامل فيها الموانئ هو أن نيويورك (+ ٣٠ مليون طن) فيلادلفيا وبلتيمور (+ ٢٥ مليون طن) تقع على الساحل الشرقي وفي المنطقة الصناعية الكبرى في الولايات المتحدة، بينما يصبح حجم التجارة في سان فرانسسكو ولوس أنجيلوس — وهما على الساحل الغربي للولايات المتحدة بعيدًا عن المركز الصناعي الأمريكي — أقل من ذلك بكثير.

fig17
خريطة ٤-١
وفي المجموع هناك حوالي ١٥٠ ميناءً كبيرًا في العالم (حجم التجارة السنوي يزيد عن مليونين من الأطنان) منها حوالي الثلثين مركزين على شواطئ المحيط الأطلنطي والبحر المتوسط (انظر الشكل ٤-٢).

وتختلف الموانئ فيما بينها اختلافًا كبيرًا؛ فميناء سوثهامبتون مثلًا ذو مياه عميقة ويمكنه أن يستقبل سفنًا ضخمة (إلى حدود غاطس قدره ٤٠ قدمًا)، بينما ميناء روتردام لا يستطيع أن يستقبل مثل هذه السفن الضخمة (إلى حدود غاطس قدره ٣٣ قدمًا فقط). وليس معنى هذا أن ميناء سوثهامبتون أكثر حركة من روتردام، بل العكس صحيح. وعلى أية حال فإن سفن البضاعة الكبيرة ومعظم سفن الركاب لا يزيد غاطسها عن ٢٠–٢٥ قدمًا. وهناك كثير من سفن البضائع المتوسطة والصغيرة لا يزيد غاطسها عن ١٥ قدمًا.

كذلك لا يعني حجم التجارة التي يتعامل فيها الميناء أن السفن التي تزور هذا الميناء من نوع كبير أو صغير؛ فقد دلَّت الدراسات على أن الكثير من السفن الصغيرة هي التي ترفع حجم التجارة في الميناء؛ لأنها أكثر ترددًا على الموانئ من السفن الكبيرة التي تستغرق وقتًا أطول في ترددها لارتباطها بخطوط أو بحمولات كبيرة تذهب بها بعيدًا عبر المحيطات، فمن بين ١٢ ألف سفينة دخلت ميناء إنفرس البلجيكي عام ١٩٣٨ كانت هناك سبعة آلاف سفينة أقل من ألفي طن، وأقل من مائة سفينة أكثر من ثمانية آلاف طن. وكذلك في أوائل الستينيات دخلت روتردام ٢٥ ألف سفينة حمولتها ٦٤ مليون طن، في الوقت الذي دخلت فيه لندن ٥٥ ألف سفينة حمولتها ٨٨ ألف طن، وهذا يعني أن السفن المتعاملة مع روتردام أكبر من تلك في لندن.

وقياس أهمية الميناء أمر صعب. وهناك مقياس وزن الحمولة التي تُشحن وتُفرغ في الميناء من البضائع، لكن هناك سلعًا معينة ذات حمولة عالية وموانئ معينة تتعامل فيها؛ مثال ذلك سفن نقل خام الحديد في البحيرات العظمى الأمريكية، ولو أخذنا هذا المقياس لوجدنا أن ميناء دولوث مثلًا سوف يصبح حجم التعامل فيه أعلى أو مساويًا لميناء لندن أو نيويورك؛ ولذلك يُفضل أن يُستخدم مقياس يعتمد على أساس الوزن الصافي للسفن الداخلة والخارجة من الميناء. ويسمح هذا المقياس بضم كل السفن سواء سفن الركاب أو غيرها دون تمييز، وبذلك يعطي صورة أصدق لحركة الميناء البحرية.

وتختلف الموانئ فيما بينها في شكل الإدارة التي تتولاها؛ فهناك موانئ تديرها الحكومات؛ مثل موانئ مصر وفرنسا وإيطاليا وعدد من دول الكومنولث البريطاني. وبعض الموانئ خاضعة لإشراف المجالس البلدية، وهو يُمثِّل عددًا قليلًا من الموانئ (مثل ميناء بريستول في إنجلترا). وهناك الموانئ الأمريكية التي تختلف فيها إدارة الموانئ من شركات خاصة إلى اشتراك بين الشركات والبلديات والدولة أو الولاية، فمثلًا ميناء نيويورك تشترك في إدارته هيئة مشتركة تضم ولاية نيويورك وولاية نيوجرسي ومجلس بلدية نيويورك. وفي الماضي كانت بعض شركات السكك الحديدية تمتلك الموانئ ومنشآتها، كما كان في بريطانيا حتى عام ١٠٤٧، وفي الولايات المتحدة ساهمت شركات السكك كثيرًا في إنماء الموانئ (مثل فيلادلفيا وبلتيمور)، ولكنها لم تملك مثل هذه الموانئ.

(٦-٣) تصنيف الموانئ من الناحية الوظيفية

تنقسم الموانئ من الناحية الوظيفية إلى عدة أقسام، ولكن علينا أن نعرف منذ البداية أن هذه الأقسام لا تمنع تعدد الوظائف في الميناء الواحد، كأن يكون ميناءً حربيًّا وتجاريًّا في وقت واحد، ولكننا نصف الميناء غالبًا بوظيفته الأولى، وفي أحيان كثيرة يصعب علينا إعطاء صفة واحدة للميناء من حيث وظيفته، لتفاعل عدة وظائف معًا في الميناء الواحد، وبدرجات شبة متكافئة، ومع ذلك فإنه لا بد لنا من أن نوضح بعض الوظائف الأساسية في أنواع الموانئ لنعرف شيئًا عن ارتباطات الوظيفة بشكل الميناء وحركته.

(أ) الموانئ الحربية

إن الوظيفة الأساسية لميناء حربي أو قاعدة بحرية كبيرة استراتيجية في جوهرها، وأهم الاحتياجات في مثل هذا الميناء هو مرسًى واسع، وفي القاعدة البحرية الكبيرة نجد أيضًا مراسي عديدة واسعة، إلى جانب عدد كبير من تسهيلات الإصلاح مثل الأحواض الجافة، وربما أيضًا (في عدد قليل من الموانئ الحربية) ترسانة خاصة لبناء السفن الحربية بأنواعها المختلفة أو تخصص في بناء نوع واحد من أنواع هذه السفن، وتجهيزات عسكرية خاصة بتسليح هذه السفن.

وأهم ما يميز الميناء الحربي هو موقعه الجغرافي بالنسبة للمياه التي يتحرك فيها الأسطول الحربي الرابض في هذا الميناء، ولذلك تتعدد الموانئ الحربية إذا كان الساحل طويلًا، أو إذا كان للدولة أكثر من واجهة بحرية ذات أهمية عسكرية بالنسبة لأمن الدولة أو بالنسبة لأطماع الدولة التوسعية؛ ولهذا فإن تغيُّر استراتيجية الدولة العسكرية من هجوم إلى دفاع، أو من انتقال مركز الثقل العسكري من بحر إلى آخر يؤدي بدوره إلى تغيرات في أهمية الميناء الحربي.

ومن الأمثلة على ذلك أن ميناء شاثام Chatham الإنجليزي كان له دور هام كقاعدة بحرية خلال الحرب الإنجليزية الهولندية في القرن السابع عشر، وبالمثل كان لدوفر وبورتسموث وبفنبورت أهمية عسكرية كموانئ إنجليزية على بحر المانش خلال الحروب الإنجليزية الفرنسية أيام إمبراطورية نابليون، وانتهت هذه الأهمية بعد سقوط نابليون في ١٨١٥، وبعد توحيد ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأخذت تتطلع إلى تكوين إمبراطورية استعمارية في أفريقيا بعد مؤتمر برلين ١٨٩٥، بدأت أهمية نمو الأسطول الحربي الألماني تظهر، ومعها تتركز أهمية عسكرية لعدد من موانئ ألمانيا الصغيرة المطلة على بحر الشمال، وعلى الأخص في جزيرة هليجولند المواجهة لميناء هامبورج ومصب الألب.

وفي خلال التوسع الاستعماري للإمبراطورية البريطانية أخذت بريطانيا تقيم عددًا من القواعد البحرية في مناطق متعددة من العالم لتأمين أملاكها وتجارتها من مستعمراتها؛ لهذا نجد بريطانيا تستولي على عدد من المفاتيح البحرية وتحولها إلى قواعد حيوية لأساطيلها العسكرية، ومن أمثلة ذلك ميناء جبل طارق الذي يتحكم في البحر المتوسط كله، بما في ذلك الشريان البحري الحيوي الذي يمر عبر قناة السويس إلى عالم المحيط الهندي. وكذلك قامت مالطة بدور مماثل داخل البحر المتوسط. وكذلك قبرص والإسكندرية.

وكذلك سيطرت القاعدة البحرية الإنجليزية في هونج كونج على جزء هام من تجارة الصين. وفي الوقت نفسه كانت قاعدة بحرية لأسطول إنجليزي في شرق آسيا وبحر الصين، وبالمثل كان لسنغافورة وملقا أهمية حيوية للملاحة في جنوب شرق آسيا؛ فهي بمثابة مفتاح جوهري بين عالمي المحيط الهندي والباسيفيكي، وبين أوروبا وآسيا وأستراليا في وقت واحد، والبحرين واتحاد إمارات الخليج وعمان كلها كانت مفاتيح إنجليزية على خليجي عمان والعربي (الفارسي سابقًا) يتحكم في الطريق الذي اقترحته ألمانيا خلال فترة توسعها والمعروف باسم خط برلين-بغداد (خط حديدي)، وكان الغرض منه تهديد أملاك بريطانيا من المحيط الهندي، وهي في الوقت نفسه منطقة كانت تنتهي إليها أطماع روسيا القيصرية في الوصول إلى المحيط الهندي عبر إيران.

وكانت عدن تسيطر على مفتاح أقصر طرق المواصلات البحرية في الهند وآسيا إلى أوروبا عبر قناة السويس، وهي في الوقت نفسه مركز بحري إنجليزي يسيطر على منطقة البحر العربي من شرق أفريقيا إلى السواحل الغربية للهند وسواحل الجزيرة العربية.

وكذلك كانت الولايات المتحدة — ولا زالت — تحتل قاعدة جوانتنامو في الساحل الجنوبي لجزيرة كوبا، وذلك لتأمين نفوذها في البحر الكاريبي وحماية مداخل قناة بنما. وكذلك قبلت قاعدة بيرل هاربور (في جزر هاواي) قاعدة الأسطول الباسيفيكي الأمريكي المتقدم في اتجاه آسيا الشرقية وجنوب شرق آسيا؛ ولهذا فإن ضرب اليابان لهذا الميناء في بداية حربها مع أمريكا، قد أوقع كل الاستراتيجية الأمريكية العسكرية في الباسيفيك في مأزق خطير لفترة طويلة، ولولا القنابل الذرية الأمريكية التي أُسقطت على كلٍّ من هيروشيما ونجازاكي لكن سير الحرب الأمريكية اليابانية قد اتخذ طرقًا أخرى أطول زمنًا بكثير مما انتهى إليه الأمر، وبنفس الطريقة كان اهتمام اليابان بإنشاء قاعدية بحرية في جزيرة «تروك» للسيطرة على جنوب غرب الباسيفيك (في شرق مجموعة جزر كارولين). وكذلك كان اهتمام فرنسا بميناء طولون الحربي لتأمين أملاكها في شمال أفريقيا وغرب أفريقيا.

وفي الوقت الحاضر، ومع تغيُّر التوازن الدولي، أصبح للولايات المتحدة اهتمامات عالمية؛ ومن ثم أنشأت أساطيل حربية جوالة في مناطق معينة من العالم؛ لتأمين نفوذها ومصالحها الاقتصادية؛ ففي الباسيفيك الجنوبي الغربي تُمثِّل الفلبين قاعدة بحرية للأسطول الأمريكي السابع الذي أصبح يحل محل القواعد البحرية البريطانية العديدة في جنوب شرقي آسيا (سنغافورة وملقا وهونج كونج). ولا شك في أن ذلك التركيز في الموانئ الحربية قد نجم عن تغيُّر الخطط العسكرية، مرتبطًا في ذلك بتطور السفن الحربية، ومؤدى هذا التطور هو التركيز على قوة الضرب الحديثة الواسعة المدى بواسطة حاملات الطائرات والغواصات الذرية الحاملة للصواريخ بأشكالها المختلفة.

وبالمثل يقوم الأسطول السادس الأمريكي بدوره في حماية مصالح أمريكا وحلف الأطلنطي في جنوب أوروبا والشرق الأوسط، ويسد الطريق على التوسع السوفييتي من البلقان في اتجاه البحر المتوسط. والقاعدة الرئيسية للأسطول السادس الأمريكي كانت نابولي، لكن تغيُّر مسار الأحداث خلال العشرين سنة الماضية قد جعل منطقة شرق المتوسط أهم من غرب المتوسط وجنوب أوروبا، خاصة بعد خروج الاستعمار الفرنسي من شمال أفريقيا، واستقلال ليبيا، ونمو الاتجاهات السياسية والعسكرية العربية تجاه التوسع الإسرائيلي، واستقلال قبرص، ودخول الأسطول السوفييتي بين الحين والحين إلى البحر المتوسط، ثم أخيرًا موقف مالطة المستقلة من قاعدة الأسطول الغربي، كل هذه الأحداث جعلت الولايات المتحدة تسعى إلى تقريب قاعدة أسطولها السادس من منطقة الأحداث. ويتمثل ذلك في سعيها للحصول على مركز بحري في اليونان، بالإضافة إلى إمكانية استخدام موانئ فلسطين. وكذلك لا نعفي تحرك الأحداث الجديدة بين المعارضة والحكومة في قبرص من دوافع أمريكية مرتبطة بتركيز قواها البحرية في شرق المتوسط.

هكذا نرى أن القواعد البحرية العسكرية تتأثر بتغير الاستراتيجية العسكرية وتغير تكنولوجية السفن الحربية وقوتها الضاربة، بالإضافة إلى الأحداث السياسية، وكل هذه التغيرات تؤدي إلى مزيد من التركيز في عدد الموانئ الحربية بالنسبة للصراع العالمي؛ ومن ثم فإن أهمية جبل طارق أو مالطة أو عدن أو سنغافورة قد أصبحت متضائلة في مقابل التركيز على نابولي أو بيريه مثلًا. ولا شك أن الغواصات الذرية الصاروخية — بقدرتها على البقاء تحت الماء وقتًا طويلًا، بالإضافة إلى مدى صواريخها الطويل — قد أدت أيضًا إلى مزيد من التضاؤل في أهمية الموانئ الحربية.

ومع ذلك فإن الموانئ الحربية المعروفة ما زال لها أهمية محلية بالنسبة للحروب المحلية أو المحدودة وبالنسبة للدولة الواحدة؛ لأن لكل دولة احتياجًا حيويًّا إلى قاعدة أو قواعد بحرية يرسو فيها أسطولها الوطني. ومن أهم الأمثلة على ذلك طولون وبرست بالنسبة لفرنسا.

ولا شك في أن حجم التجارة الذي تتعامل فيه الموانئ الحربية كان بصفة دائمة حجمًا صغيرًا؛ فالغالب أنه يوجد إلى جانب الميناء العسكري أو قريبًا منه ميناء تجاري هام، فمرسيليا لا تبعُد كثيرًا عن طولون، وسوثهامبتون مجاورة لميناء بورتسموث الحربي، وكيل بالقرب من فلهامسهافن. لكن هناك موانئ عسكرية وهي في الوقت نفسه ذات أهمية في التجارة مثل نابولي بالنسبة لجنوب إيطاليا، وبرست التي تزورها سفن شحن كبيرة، وبليموث كميناء للركاب والتجارة الساحلية في جنوب بريطانيا، وشربورج كميناء ركاب لخطوط الملاحة عبر الأطلنطي، وفي مثل هذه الموانئ المزدوجة الوظيفة نجد القاعدة البحرية منفصلة عن ميناء الشحن أو الركاب حسب شكل الميناء، فخليج سان فرانسسكو هو من الاتساع بحيث يمكن الفصل التام بين الميناء الحربي والميناء المدني، بينما لا يتسع الأمر لذلك الفصل الواضح في ميناء سان ديجو القريب من لوس أنجيلوس، ويتسع خليج طوكيو للفصل بين ميناء حربي عند يوكوسوكا بعيدًا عن يوكوهاما. وكذلك يتسع بحر اليابان الداخلي لإنشاء ميناء حربي عند كوري Kure بالقرب من ميناء هيروشيما.

وعلى وجه العموم، فإن الميناء الحربي يختلف باحتياجاته عن الميناء المدني؛ ومن ثم فإن الموانئ الحربية الرئيسية في غالب الأحيان بعيدة بعدًا معقولًا عن الموانئ التجارية.

(ب) موانئ الصيد

هناك عدد من الموانئ التي ترتبط منذ بضعة قرون أو أكثر بعمليات صيد الأسماك البحرية؛ مثال ذلك موانئ الهانزا القديمة على بحر الشمال، وموانئ شرق بريطانيا، هما يرتبطان بالصيد في منطقة شطوط الدوجر في وسط هذا البحر، وميناء سان مالو في نيوفوندلاند المرتبط بالصيد البحري في منطقة مصب السنت لورنس ومنطقة التقاء تياري الخليج ولبرداور، ولكن أحيانًا تتغير مناطق الصيد الرئيسية نتيجة هجرة نوع السمك السائد في منطقة لأخرى لأسباب غير معلومة، ويؤثر ذلك بشدة على نشاط ميناء الصيد.

ومن أهم الأمثلة في الماضي هجرة سمك الباكلاه من منطقة موانئ الهانزا، وبالتالي تدهور هذه الموانئ وأفول نجمها. وكذلك في العصر الحديث تغيَّر مسار الأسماك في بحر المانش؛ مما أدى إلى هبوط كبير في نشاط ميناء بركسهام الإنجليزي، وانتقال الخبرة ورأس المال في هذه المنطقة إلى موانئ شرق بريطانيا؛ حيث الصيد أوفر في منطقة الدوجر. وكذلك انتقال السردين من أمام شواطئ البرتغال في الخمسينيات من هذا القرن، وظهوره أمام شواطئ المغرب ومنطقة جزر الكناريا، وعلى نطاق محلي اختفى السردين من ساحل الدلتا المصرية في خلال السنوات العشر الأخيرة، وظهر محله الجمبري (القريدس).

وعلى المنوال نفسه قل سمك السلمون بدرجة ملحوظة في خلجان ومصبات الأنهار في غرب كندا بعد أن كانت منطقة ذات شهرة عالية لفترة طويلة. وقد ظهر السلمون بكثرة في الشواطئ الآسيوية المطلة على الباسيفيكي الشمالي، وخاصة شواطئ كمتشكا، وبالمثل تغيرت موانئ صيد الحيتان في شمال أوروبا وأمريكا واتجهت هذه الحرفة إلى موانئ جنوب العالم؛ وذلك لانقراض الحيتان في المياه الشمالية.

وإلى جانب هذه التغيرات التي تطرأ على الموانئ نتيجة هجرة الأسماك أو نتيجة لقلتها (بعد الإكثار من صيدها)، فإن هناك تغيرات أخرى تطرأ على موانئ الصيد نتيجة للتغير الذي حدث في تكنولوجية الصيد وبناء سفن الصيد الحديثة. ومن أهم هذه التغيرات السفن المعروفة باسم Large Stern ذات الدفة الكبيرة والعريضة في المؤخرة، وسفن المصنع، وأنواع الشباك الحديثة، والروافع الكبيرة، وآلات الجر على ظهر المراكب، بالإضافة إلى استخدام أجهزة تردد الصدى للكشف عن تجمعات الأسماك في أعماق البحار.

هذه التغيرات التكنولوجية في السفن المخصصة للصيد قد مكَّنت حرفة السماكة من التوغل في أعالي البحار؛ مما ترتب عليه فقدان كبير لأهمية الصيد في المياه القريبة من الشواطئ، أو مناطق الشطوط البحرية في مناطق الأرصفة القارية، وبذلك فإن الكثير من موانئ الصيد التقليدية التي تستخدم سفن الصيد الصغيرة نسبيًّا (حتى تلك المجهَّزة بالمحرِّكات) قد قلَّت أهميتها. وفي مقابل ذلك حدث تركيز في عدد موانئ الصيد الرئيسية بحيث أصبح هناك عدد محدود من القواعد لأساطيل صيد كبيرة تغيب عن الموانئ أسابيع أو أشهرًا طويلة، وهذا هو الاتجاه نفسه الذي لاحظناه في تقلُّص أهمية الكثير من الموانئ الحربية وتركُّزها في عدد محدود مؤهل للتغيرات الجديدة.

ومع ذلك فإن هناك الآن نوعين من موانئ الصيد: قواعد أساطيل الصيد الحديثة في أعالي البحار، وموانئ الصيد القومية ذات الأهمية المحدودة، ومن أمثلة قواعد الأساطيل الحديثة ميناء مورمانسك في شمال الاتحاد السوفييتي وميناء بتروبا فلوفسك في جنوب شبه جزيرة كمتشكا كقاعدتين للأسطول السوفييتي في المحيط الشمالي والأطلنطي، وللأسطول السوفييتي في المحيط الباسيفيكي. وكذلك أصبح ميناء سفينوسي «سفينمونده» البولندي الحديث قاعدة لأسطول الصيد البولندي في بحر الشمال والأطلنطي. وعلى النطاق المحلي نجد الإسكندرية تخدم كقاعدة لسفن الصيد المصرية في أعالي البحار «الأطلنطي» بينما لا تزال موانئ الصيد التقليدية في شمال الدلتا (خاصة عزبة البرج قرب دمياط) تمارس أعمالها في المياه الإقليمية وشرقي المتوسط.

وليست عملية الصيد من العمليات المنفصلة عن التجارة؛ ولهذا نجد أن غالبية موانئ الصيد البحري التقليدية والجديدة تستخدم موانئ تجارية أو تقع غير بعيدة عنها، بوصف أن هذه الموانئ تكون أيضًا سوقًا جزئية لتجارة الأسماك، وأحيانًا نجد أن موقع ميناء صيد قد تعدَّل بواسطة خطوط المواصلات الجديدة، أو تغيَّر بالنسبة لمركز ثقل الدولة، ليصبح بعد ذلك ميناءً تجاريًّا هامًّا. وبعبارة أخرى نجد حرفة الصيد تكون الوظيفة الأقدم للميناء ثم تتحول بعدها وظيفة الميناء إلى التجارة مع زوال الصيد أو بقائه بدرجات متفاوتة. وفي أحيان أخرى تسبق الوظيفة التجارية في الميناء وظيفة صيد الأسماك نتيجة للتغيرات التكنولوجية التي أدت إلى ظهور أساطيل صيد السمك الحديثة. والكثير من موانئ النرويج التجارية كانت في الأصل — وما زالت — موانئ صيد، فعلى سبيل المثال ظل ميناء نارفك في شمال النرويج ميناء صيد إلى أن وصله الخط الحديدي القادم من كيرونا والذي يحمل معه الحديد الخام السويدي المصدر إلى أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية. وكذلك كانت معظم موانئ الشاطئ الشمالي لبريطانيا.

ومع ذلك فإن هناك موانئ صيد قديمة أو حديثة تكاد لا تتعامل إلا في حرفة صيد الأسماك؛ مثال ذلك عدد من موانئ الشاطئ الشرقي لبريطانيا، أو بعض موانئ فرنسا، وموانئ خليج فندي وشبة جزيرة نوفاسكوشيا في كندا. أما الموانئ التي تجمع بين الصيد والتجارة فإنها عادة تتكون من قسمين منفصلين: مراسي سفن الصيد ومراسي وأرصفة سفن البضائع أو الركاب.

(ﺟ) موانئ العبور

برغم صغر مثل هذه الموانئ إلا أنها تحتاج إلى تجهيزات خاصة بها، وقد تكون مثل هذه الموانئ جزءًا من موانئ تجارية كبيرة، مثل سوثهامبتون أو الهافر أو دييب أو دنكرك أو مالو أو كوبنهاجن، وقد تكون وظيفتها الأولى هي أنها ميناء عبور فقط مثل كاليه ودوفر على بحر المانش، وموانئ العبور الخاصة بقطارات السكك الحديدية موانئ شديدة التخصص، وأكثر الدول التي يوجد فيها موانئ عابرات القطارات هي الدانمرك واليابان من أجل تسهيل المواصلات في دولتيهما اللتين تتكونان من عدة جزر كبيرة، وبرغم ذلك فإن العابرات، وعابرات القطارات، قد أصبحت غير ملائمة للانتقال السريع الذي أصبح سمة هذه السنوات الأخيرة؛ ومن ثم فإن الدول القادرة ماليًّا قد أصبحت تبني الجسور الطويلة فوق الممرات المائية الفاصلة في أضيق نقاطها. وكذلك أخذت فكرة الأنفاق تحت الماء تأخذ طريقها إلى الوجود؛ مثال ذلك النفق الذي يوجد في أودي سوند وستروستروم في الدانمرك، ونفق موجي-شيمونوسكي الذي يربط بين جزيرتي هندو وكيوشو في أقصى جنوب غرب اليابان، وأفكار إنشاء نفق عبر المانش بين كاليه ودوفر.

ومثل هذه الموانئ الخاصة بالعبور توجد دائمًا في ظروف جغرافية متشابهة من حيث مواقعها على مضايق مائية، وفي مناطق آهلة بكثير من السكان والنشاط الإنتاجي؛ مما يدعو إلى كثافة الحركة. ومن أهم الأمثلة على ذلك هارويتش ودوفر وفولكستون ونيوهافن، وكلها موانئ عبور بين بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا، وتتعامل هذه الموانئ في كثير من تجارة البضائع بين أوروبا الغربية وبريطانيا.

وعلى وجه العموم فإن موانئ العبور تكاد أن تقتصر على أوروبا الغربية والجنوبية (جبل طارق – سبتة وطنجة، موانئ العبور بين إيطاليا وصقلية؛ وبصورة أقل وضوحًا بين إيطاليا وفرنسا وسردنيا وكورسيكا، وبين اليونان وجزر بحر إيجة اليونانية). وكذلك تظهر هذه الموانئ في اليابان، وفي النرويج نوع آخر من موانئ العبور، تلك هي التي تعبر — بواسطة سفن صغيرة (معديات) — الفيوردات العميقة الطويلة بدلًا من أن تلف الطرق وتدور حول هذه الفيوردات ذات الشواطئ الشديدة الوعورة.

(د) موانئ التموين

من الصعب تحديد مفهوم هذه الموانئ وفصل هذه الوظيفة عن وظائف أخرى، ومع ذلك فإن بعض الموانئ تصبح بالنسبة لخطوط الملاحة الطويلة — موانئ تموين بالماء العذب والوقود والغذاء؛ أي إن هذه قد تكون موانئ عادية ذات وظائف أخرى، لكنها بالنسبة لخطوط ملاحية معينة تصبح موانئ تموين؛ مثال ذلك الموانئ التي توجد على طول خط الملاحة الذي يربط غرب أوروبا بالشرق الآسيوي (بور سعيد أو جبل طارق أو عدن أو كولمبو في سيرلانكا).

وترتفع قيمة موانئ التموين لكثرة السفن التي تدخلها، ومما يدل على ذلك: أن ميناء عدن كان ثاني موانئ المحيط الهندي من حيث حمولة السفن التي تزور هذا الميناء، وذلك برغم ما هو معروف من أن حجم التجارة في ميناء عدن أقل بكثير من ميناء مثل مدراس أو دربان.

وفي المحيط الأطلنطي كانت بعض موانئ الجزر المتناثرة — مثل جزر فيرد والكناريا — تُعَدُّ موانئ تموين، وفي المحيط الباسفيكي كانت مانيلا (الفليبين) وسوفا (فيجي) وباجوباجو (جزر ساموا) وبابيتي (جزر سوسيتي) موانئ ومحطات تموين في الباسيفيكي الجنوبي، وهو نولولو في وسط الباسيفيكي. وكذلك كانت كيبتاون ميناء تموين هامًّا على طول طريق رأس الرجاء الصالح.

وفي فترة استخدام الفحم كوقود للسفن البخارية كانت هناك موانئ متخصصة في تموين السفن بالفحم اللازم لها لرحلتها الطويلة. ولكن التغير في القوة الدافعة للسفن من الفحم إلى آلات الديزل قد قضى على هذه الحرفة تمامًا.

(ﻫ) موانئ إعادة الشحن

هناك عدد من الموانئ التي تقوم بتجميع تجارة بحرية إقليمية، سواء في ذلك الصادرات أم الواردات؛ وسبب ذلك أن الكثير من الموانئ المحلية لا تقع على طول الطرق البحرية الرئيسية؛ ومن ثم فإن سفن البضائع الكبيرة تترك حمولة البضائع المتجهة إلى مثل هذه الموانئ المحلية في أحد الموانئ الرئيسية في المنطقة، ويعاد شحن هذه البضائع بعد ذلك بواسطة سفن أصغر تعمل في المياه المحلية لهذا الإقليم، وقد تكون ضحولة المياه في الموانئ لأسباب جغرافية؛ مثل موانئ غرب أفريقيا مثلًا، سببًا آخر يدعو السفن الكبيرة لتجنب هذه الموانئ، هذا بالإضافة إلى أن صغر حجم التجارة يؤدي أيضًا إلى عدم التوجه إلى مثل هذه الموانئ.

وعلى سبيل المثال نذكر أن بور سعيد كانت ميناءً رئيسيًّا لإقليم شرق المتوسط، وأن بيروت تُعَدُّ الآن كذلك، وأن بيريه أو سالونيكا هو الميناء الرئيسي لبحر إيجة وجنوب البلقان. وكان جبل طارق الميناء الرئيسي للتجارة الغربية وقتًا طويلًا، كبورت هاركورت (في نيجيريا) لموانئ غرب أفريقيا، ولشبونة بالنسبة لموانئ المستعمرات البرتغالية في أفريقيا، وغير ذلك من الأمثلة كثير.

(و) الموانئ الوسيطة والموانئ الحرة

قد يبدو أن هناك تشابهًا بين موانئ إعادة الشحن وهذا النوع من الوظائف، وهذا الفارق الجوهري هو أن موانئ إعادة الشحن لا يحدث فيها أن البضائع تدخل حيِّز الدولة؛ أي إنها لا تعامل جمركيًّا، وتظل في الميناء إلى أن يعاد شحنها (بالبحر أو بالبر). أما الموانئ الوسيطة فإنها موانئ تجارية عادية، لكن تجارها يقومون باستيراد البضائع ويقومون بتخليصها جمركيًّا ثم يعاد بيعها بعد ذلك إلى بلاد أخرى؛ مثال ذلك أن لندن تتعامل في الشاي المستورد في المحيط الهندي: جزء يباع في الأسواق الداخلية وجزء يباع في الأسواق الخارجية. ومرسيليا تتعامل في منتجات غرب أفريقيا المدارية ثم يعاد بيع هذه السلع إلى أمريكا. وكذلك تقوم روتردام وأنتفيرب (إنفرس) بدور الميناء الوسيط لعدد من السلع المدارية، وتقوم سنغافورة بدور الميناء الوسيط لماليزيا وإندونيسيا. كانت عدن ميناءً وسيطًا لمنطقة شرق أفريقيا وأجزاء من الجزيرة العربية. وكذلك بيروت بالنسبة لعدد من دول غرب آسيا العربية.

أما الموانئ الحرة، أو الأرصفة الحرة Free Zone في ميناءٍ ما فهي منطقة غير جمركية، ولا توجد موانئ حرة مطلقة، بل هي دائمًا عبارة عن جزء من الميناء يترك حرًّا جمركيًّا، ويعاد منه الشحن إلى جهة التسليم (مثل موانئ إعادة الشحن) أو يتعامل داخلها أشخاص من جنسيات أجنبية بقصد عدم استخدامها داخل الدولة.

ومن أهم أمثلة الموانئ الحرة في أوروبا هامبورج وبريمن في ألمانيا، وكوبنهاجن في الدانمرك، ومالمو واستكهولم في السويد، وفي إيطاليا نجد ميناء تريستا الذي يخدم تجارة يوجسلافيا.

وهناك أيضًا اتفاقات خاصة بين دولتين لاستخدام جزء من الميناء كمنطقة حرة؛ مثال ذلك جزء من ميناء دار السلام لاستخدامه لحساب الكنغو (جمهورية زائيري)، وكذلك اتفاق الأرجنتين وإسبانيا على استخدام جزء من ميناء قادس الإسباني لإعادة توزيع السلع الأرجنتينية المتجهة إلى أوروبا، وفي المكسيك أربع موانئ من هذا النوع لخدمة أمريكا الوسطى، وفي البرازيل يقوم ميناء ريوديجانيرو بهذه الوظيفة، ومثل ذلك بيروت في لبنان، ولا توجد موانئ حرة في بريطانيا أو فرنسا أو هولندا، وفي هذه الدول تتم جمركة السلع. ولكن الجمارك يعاد دفعها إلى التجار في حالة إعادة الشحن، وتدعي سلطات ميناء روتردام أنها برغم وجود منطقة حرة فيها، إلا أنها ميناء حر أكثر من أي ميناء حر آخر، وفي الولايات المتحدة خمسة موانئ حرة، ويقول «مورجان»٥ إن مبدأ الموانئ الحرة ليس عملية ذات أرباح كبيرة.

(ح) موانئ مرتبطة بالتغيرات التكنولوجية البحرية

لقد ذكرنا طرفًا عن التغيرات التي أحدثتها التغيرات التكنولوجية في موانئ صيد الأسماك والموانئ الحربية. وهناك أيضًا تغيرات أخرى؛ ففي الماضي — حين كانت الرياح هي القوة المحرِّكة للسفن — كانت هناك موانئ مراسي للاحتماء، أو ما يمكن أن نسميه الموانئ الملاجئ، وهي عبارة عن خلجان أو موانئ هادئة المياه تلتجئ إليها السفن الشراعية حين تهب العواصف الشديدة وترتفع الأمواج، ولم تكن مثل هذه الملاجئ موانئ عادية بصفة منتظمة، وإنما كان بعضها موانئ مستخدَمة، وبعضها أماكن معروفة للقباطنة في مناطق معينة يلجئون بسفنهم إليها حتى تنتهي العاصفة، دون أن تكون هناك ميناء بالمعنى المعروف.

ولكن تحوُّل السفن إلى طاقة الدفع الآلية — بخار أو ديزل — قد جعل السفن الحديثة أقدر بدرجة كبيرة على مواجهة العواصف والرياح الشديدة. ومن الطبيعي أن تلتجئ أكبر السفن إلى مناطق حماية في حالة هبوب عواصف بالغة العنف، وألا تبارح الميناء إلا بعد انتهاء الأزمة، لكن الملاجئ هنا غالبًا هي أقرب الموانئ لمسار السفينة. كذلك قلت احتمالات العواصف المفاجئة لأن التنبؤ الجوي من محطات الأرصاد والاتصالات اللاسلكية وتوزيع معلومات الطقس تجعل بإمكان السفن تجنُّب الدخول في مناطق العواصف والاستعداد لمواجهتها إذا لم يكن هناك إمكانية لتغيير مسار السفينة، أو لأن السفينة بعيدة عن الشواطئ (السفن عابرة المحيطات).

ونتيجة لكبر أحجام السفن في الوقت الحاضر لم تعُد بعض الموانئ — وخاصة الموانئ التي تقع على المصبات الخليجية مثل لندن وهامبورج — صالحةً لاستخدام هذه السفن الكبيرة؛ ومن ثم نشأ ما يعرف باسم «الموانئ المتقدمة» أو «الموانئ الخارجية» التي تقام في أماكن ذات عمق يُسمح لغاطس هذه السفن بالدخول وإلقاء مراسيها على الأرصفة. ومن الطبيعي أن تكون هذه الموانئ المتقدمة قريبة دائمًا من الميناء الكبير الأصلي.

ومن أمثلة الموانئ المتقدمة ميناء تيلبري على التيمز خارج ميناء لندن الأصلي، وميناء كوكسهافن كميناء متقدم يخدم هامبورج، وبرمرزهافن كميناء متقدم لميناء بريمن، وميناء الهافر بالنسبة لروان على مصب السين، ولميناء متادي على مصب الكنغو ميناء متقدم هو بنانا، لكن التقدم التكنولوجي في عمليات تطهير وتعميق الموانئ قد أعاد لمتادي أهميتها وجعل بنانا ميناءً متقدمًا هامشيًّا، والحالة نفسها نجدها في موانئ أخرى كثيرة.

وفي بعض الأحيان كانت الموانئ المتقدمة تصبح بعد فترة موانئ عادية، ويعاد بناء أو إيجاد ميناء متقدم آخر لها؛ مثال ذلك موانئ بريطانيا الخليجية كبريستول وجلاسجو، فإن موانئها المتقدمة قد أصبحت هي الأخرى قليلة الاستخدام لاستمرار الزيادة في أحجام السفن، وفي كثير من الموانئ البريطانية لم يعد بالإمكان الحصول على أماكن لموانئ متقدمة بعد تضخم حجم السفن كثيرًا وقلة الموانئ ذات المياه العميقة الصالحة لدخول السفن الكبيرة (أكثر من ١٢٥٠٠٠ طن)، وترتب على ذلك أن بريطانيا أصبحت تواجه مشكلة خطيرة بالنسبة لاستقبال سفن خام الحديد.

وفي المناطق التي لا يمكن فيها إقامة موانئ متقدمة، مثل معظم ساحل غرب أفريقيا، يتم التفريغ والشحن من السفينة الواقفة بعيدًا عن الميناء بواسطة صنادل خاصة، ويؤدي هذا إلى ارتفاع تكلفة النقل وزيادة نسبة الفاقد أو التالف، وقد قامت بعض حكومات دول غرب أفريقيا بإنشاء موانئ حديثة عميقة لتجنب إضاعة الوقت ورفع تكلفة النقل، ولكن هذه الموانئ الجديدة تحتاج إلى استثمارات كبيرة، وأحدث موانئ غرب أفريقيا الذي تغلَّب على هذه المشكلة، هو ميناء «تيما» الواقع في غانا قرب مصب نهر الفولتا. وقد أُنشئ في البداية خصيصًا لشحن البوكسايت.

•••

وهناك إلى جانب هذه الأنواع من الموانئ ووظائفها أشكال أخرى؛ فهناك الموانئ التي تخدم التجارة الساحلية داخل الدولة، ولكن هذه تختلف بين التجارة بين الجزر اليونانية أو حول الجزيرة البريطانية أو بين جزر اليابان — وكلها تستخدم سفن ركاب وشحن صغيرة — وبين التجارة الساحلية في الاتحاد السوفييتي أو البرازيل أو الولايات المتحدة أو أستراليا، وكلها تستخدم سفنًا كبيرة الأحجام من النوع العابر للمحيطات؛ ومن ثم فإن موانئ مثل هذه السفن الكبيرة تختلف كثيرًا في تجهيزاتها عن الموانئ الصغيرة.

وهناك أيضًا موانئ ذات حمولات ضخمة لكنها تتكون من سلعة واحدة مثل البترول، ومن ثم فإن هذه الموانئ تختلف عن بقية الموانئ المعروفة، وذلك باستخدامها تجهيزات خاصة يسيطر على شكلها الأساسي الأنابيب والطلمبات (المضخات)؛ مثال ذلك ميناء الأحمدي في الكويت، أو رأس تنورة (في الخليج العربي)، أو ميناء كوراساو (في البحر الكاريبي).

ويجب أن نلاحظ أننا لم نخصص التجارة كوظيفة لأنواع معينة في الموانئ؛ وذلك لأن التجارة عنصر أساسي في الموانئ يتداخل باستمرار مع معظم الوظائف الأخرى بحيث لا يمكن أن نقول إن هذا ميناء تجاري وذلك غير تجاري، إنما الاختلاف في هذا أو ذاك راجع إلى اختلاف كمِّي في حجم التجارة.

وأخيرًا فإن الموانئ الرئيسية هي أيضًا موانئ سفن ركاب كبيرة، بينما الموانئ غير الرئيسية قد تزورها وقد لا تزورها سفن الركاب من أي حجم؛ يرتبط ذلك دون شك بموقع الميناء وجنسية شركة الملاحة وكثافة الحركة.

(٦-٤) أشكال المرافئ وأنواعها

لا يسعنا قبل أن نُنهي الكلام عن الموانئ إلا أن نلم بموجز مبسَّط عن الأشكال والأنواع الجغرافية للمرافئ. وهذه الأشكال في مجموعها ترتبط بأنواع السواحل التي تقع عليها الموانئ.

ومعظم المرافئ توجد في المناطق الساحلية الغارقة التي ينجُم عنها تعرجات كثيرة في خط الساحل، تتخذ صورًا متباينة الاتساع والعمق نطلق عليها اسم الخليج. ومن أمثلة الموانئ والمرافئ الواقعة على السواحل الغارقة نذكر خليج لندن، وخليج بورتسموث وسوثهامبتون، ومرفأ فالتا (مالطة) وبيريه (اليونان)، وعلى الساحل الأمريكي نذكر الخليج الذي يقع عليه مرفأ بورتلاند (ولاية مين في شمال شرقي الولايات المتحدة) ونيويورك وبوسطن وسان فرانسسكو. وكذلك مضيق جوان دي فوكا وبوجت ساوند اللذان تقع عليهما عدة مرافئ هامة في شمال غرب الولايات المتحدة وغرب كندا، مثل فكتوريا (على جزيرة فانكوفر) وفانكوفر (كندا) وسياتل وتاكوما (الولايات المتحدة). ومعظم الممرات الملاحية في هذه المنطقة ذات أعماق تبلغ في المتوسط مائة متر، وفي شرقي كندا تقع هاليفاكس وسدني (نوفا سكوشيا وجزيرة برتون المجاورة على التوالي) على خلجان غارقة ممتازة ملاحيًّا. وكذلك خليج سان جون على خليج فندي في الساحل الكندي الشرقي.

وفي الكاريبي نجد أيضًا موانئ على سواحل غارقة؛ فميناء فيلمستاد في جزيرة كوراساو الذي يوجد على مرفأ خليجي على الساحل الجنوبي الغربي، محمي من الأمواج التي تثيرها الرياح الشمالية الشرقية الدائمة. وقد أصبحت موانئ هذه الجزيرة الهولندية الصغيرة على جانب كبير من الأهمية بالنسبة لشحن بترول فنزويلا الذي ينتج من خليج ماركيبو الضحل، وترتب على ذلك أن ميناء فيلمستاد أصبح من موانئ العالم الرئيسية.

كذلك أعطى الساحل الغارق في شرق أستراليا مرفأً واسعًا جيدًا تقع عليه سدني، وفي مدغشقر يقع ميناء ديجو سوريز على خليج يدعي الفرنسيون أنه أحسن مرفأ في العالم، وفي أفريقيا نجد أيضًا عددًا من المرافئ التي تقع على السواحل الغارقة مثل ميناء بنزرت في تونس، ودوالا في الكمرون وباتورست وفريتون في غمبيا وسيراليون، وممبسة وبيرا ولورينز وماركيز على خليج ديلاجوا، وفي آسيا نجد ميناء ترنكومالي (سريلانكا) وموانئ عديدة في سواحل اليابان وكوريا والصين الجنوبية.

وحينما ترتبط السواحل الغارقة بمصب نهري فإن ذلك يعطي مرفأً ممتازًا محميًّا من الرياح، وهو يتوغل كذلك بدرجات كبيرة داخل الأرض، ويُطلق على ذلك التكوين ريا Ria أو المصب الخليجي، ومثل هذا التكوين موجود بصورة صغيرة في شبه جزيرة بريتاني (فرنسا) وبريطانيا وشمال غرب إسبانيا، وفي الولايات المتحدة نجد منطقة خليج تشيزابيك وبالتيمور ونيوبورت ونورفولك من هذا النوع، وفي أمريكا الجنوبية يظهر هذا الشكل في ريوديجانيرو وسانتوس وباهيا، ولعل (ريا) ريوديجانيرو هو أكبر وأحسن المرافئ الطبيعية؛ فالوادي الغارق يكون خليجًا قطره ٤٥ كيلومترًا وعمق مياهه في حدود ٣٨ مترًا، وفي آسيا يكون ساحل الطين الجنوبي من هونج كونج إلى هانجشو أحسن مثال لهذه الخلجان في العالم، وفيه كثير من الخلجان الواسعة غير المستخدَمة استخدامًا جيدًا كمرافئ ممتازة.
وثمة نوع آخر من الخلجان العميقة الناجمة عن غرق الوديان السفلى لكثير من الأنهار في المناطق الباردة، ولعلها وديان كوَّنتها الأنهار الجليدية. وهذه تُسمَّى عادة فيورد Fiord، وهي عبارة عن خلجان كثيرة التعمق والتداخل المعقَّد بين اليابس والماء، تتميز بسواحل جبلية وعرة شديدة الانحدار؛ ومن ثم فإن الفيوردات العميقة تصبح عقبة لا يمكن التغلب عليها بالنسبة للمواصلات البرية، ولكن معظم الفيوردات تقع في مناطق قاحلة قليلة الإنتاج؛ نظرًا للبرودة وارتفاع التضاريس وفجائية الانحدارات، وتظهر الفيوردات بكثرة في النرويج وشمال غرب اسكتلندا والساحل الغربي لكندا، وألسكا وسواحل جرينلاند وجنوب شيلي وجنوب غرب نيوزيلاندا. وهكذا فإن مواقع هذه الفيوردات في المناطق الباردة النائية يجعلها — برغم أهميتها كمرافئ — غير ذات فائدة من حيث إمكانية نمو الموانئ الكبيرة.
ومن أمثلة الفيوردات لوخ فيين Loch Fyne في غرب اسكتلندا الطويل الضيق وتتراوح أعماقه بين ٤٥ مترًا ومائتي متر، وفي النرويج تقع نارفك على فيورد «فست» الواسع العميق. ولعل هذا هو من أهم الموانئ الواقعة على فيوردات لأنه — باتصاله بالطريق الحديدي مع كيرونا — يقوم بنقل الحديد السويدي إلى أماكن تصديره في أوروبا وأمريكا، وفيورد تروندهايم عبارة عن خليج هائل الأبعاد؛ إذ يبلغ طوله ١١٥ كيلومترًا ومتوسط عرضه ثمانية كيلومترات، مع مدخل ضيق يربطه ببحر الشمال. وكذلك فيورد أوسلو كبير ومتشعب (حوالي مائة كيلومتر طولًا).
وهناك نوع آخر من الخلجان تكونت نتيجة غرق مناطق منخفضة متكونة من صخور صلبة ينجُم عنها شكل من الخلجان تُسمَّى فيارد Fiard، وبغضِّ النظر عن أصل التكوين فإن الخليج الناتج يكوِّن مرافئ جيدة، والمثال على ذلك أن عددًا من موانئ السويد تقع على خلجان من هذا النوع مثل كارلسكرونا وجيفليه وسوندسفال، بينما جوتبرج تقع على مصب خليجي غارق (ريا)، ونوع ثالث يُسمَّى فيرد Foehrd يظهر في السواحل السهلية نتيجة هبوط مصبات خليجية، مثل تلك التي توجد في إقليمَي شلزفج، هولشتين وسواحل البلطيق، وأهمها ذلك الذي تقع عليه ميناء كييل الألماني، وفي جتلند الدانمركية عدد من التكوينات الخليجية لكنها غير عميقة، وباستثناء آرهوس لا توجد موانئ جيدة في شبه الجزيرة هذه.
وإلى جانب هذا توجد أنواع أخرى من المرافئ بعضها يحتوي على موانئ جيدة والبعض الآخر لا يضم مثل هذه الموانئ، ولا يرجع السبب في ذلك الاختلاف إلى أن المرفأ ليس جيدًا، ولكن يرجع أحيانًا إلى أن أشكال التكوين المورفولوجي للمنطقة (انحدارات شديدة أو تكوين شواطئ وحواجز رملية تسد مدخل المرفأ) هي التي تتحكم في أقدار تكوين ميناءٍ ما أو تمنع قيام مثل هذا الميناء، كذلك هناك عوامل أخرى بشرية تلعب دورها، فليس مجرد وجود مرفأ ممتاز داعيًا إلى حتمية وجود ميناء جيد، بل لا بد وأن تتوافر لهذا الميناء العوامل التي تكونه: نشاطات اقتصادية، وتجمعات بشرية، وعلاقات مكانية، وبعبارة أخرى يجب أن يكون للميناء ظهير Hinterland.

ومن أنواع المرافئ الجيدة تلك التي تتكون عند بركان لعبت التعرية دورها في تشقيق أحد جوانبه وساعدت عملية غرق الشواطئ على تكوين قوس كبير محمي من الرياح والأمواج، لكن في غالب الأحيان لا تقوم الموانئ هنا إما لصغر حجم المنطقة التي يقوم فيها البركان، أو لخشية تكرر ظاهرة البركنة، هذا بالإضافة إلى أن الشاطئ يصبح وعر المرتقى، وربما كانت عدن الميناء الوحيد الكبير الذي يقوم في ظروف مشابهة لهذا النوع بعض الشيء؛ فالميناء يقوم في حماية عنقين بركانيين.

ومن الأشكال الطبيعية الأخرى التي تهيئ مرافئ جيدة ما يعرف باسم المرافئ المرجانية. وهذه المرافئ تتكون داخل البحيرات التي تكوِّنها مجموعات الجزر الشائعة الانتشار في المحيط الباسيفيكي والمعروفة باسم أتول Atoll؛ فالتكوين المرجاني لهذه الجزر عبارة عن بحيرة واسعة في شكل قوس أو دائرة يحيط بها التكوين المرجاني من الخارج. وهناك أماكن كثيرة في الباسيفيكي تصلح لتكون موانئ محمية ممتازة من هذا النوع؛ مثال ذلك جزيرة تروك التي حوَّلها اليابانيون قبل الحرب العالمية الثانية إلى قاعدة حربية بحرية هائلة.

فمحيط البحيرة الوسطى في هذه الجزيرة كان طوله ٢٢٥ كيلومترًا، وفي داخل البحيرة عدة جزر تصلح مراسي للسفن، وبيرل هاربور (هونولولو) وسوفا (فيجي) وفلمستاد (كوراساو) موانئ مرجانية من هذا النوع، لكن مثل هذه الموانئ لا تظهر إلا إذا كانت هناك مجموعة من الظروف والعوامل البشرية والمكانية التي تساعد على نشأة الميناء، وبدون ذلك لا يقام الميناء؛ فالمحيط الباسيفيكي مليء بهذه الظروف الطبيعية، لكن القليل منها هو الذي أقيمت عليه موانئ جيدة، وعلى وجه العموم فإن مثل هذه الموانئ تحتاج إلى تطهير مستمر لمداخل الميناء وأعمال صيانة كثيرة كي يظل الميناء مفتوحًا للملاحة.

وهناك أيضًا الموانئ التي يمكن أن تقام على ألسنة أو حواجز ساحلية؛ إذ تصبح هناك أماكن محمية بينها وبين خط الساحل المقابل، لكن هذه الموانئ لا تصلح في الأماكن التي تتعرض للعواصف العنيفة (هاريكين أو تورنادو … إلخ)؛ وذلك لأنها غير مرتفعة بما فيه الكفاية لكي تحمي المنطقة الداخلية من الأمواج العالية. ومن الأمثلة على ذلك ميناء فنيسيا (البندقية) الذي قام في حماية مثل هذه الحواجز، وميناء لاجوس (نيجيريا) يقع في مدخل مد وجزر وراء حاجز من هذا النوع. وكذلك الإسكندرية تقع كلها على حاجز ساحلي كان يحميه أيضًا (في الماضي) جزيرة فاروس التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من المدينة والميناء، وفي خليج المكسيك نجد ميناء جالفستون يقوم على الجزء الداخلي من حاجز ولسان رملي. وقد كُسي هذا الحاجز بحوائط من الأسمنت المسلح لمنع تآكله، وفيما بين اللسان والشاطئ مسطح مائي كبير (لاجونة) عمقت مياهها بواسطة الكراكات.

وبذلك أصبح في الإمكان تحويل هيوستن إلى ميناء كبير داخلي. وعلى المنوال نفسه نجد ميناء موبيله شرقي دلتا المسيسبي الذي يقع على لاجونة ساحلية كبيرة بعد حفر قناة من أمام الشواطئ والألسنة عبر اللاجونة يبلغ طولها حوالي ٦٠ كيلومترًا. وكذلك أقيم ميناء دربان (جنوب أفريقيا) على حاجز مماثل، ومثله ميناء لوبيتو (أنجولا)، ومن الطبيعي أن كل هذه الموانئ تحتاج إلى عمل دائم لتطهير قاع اللاجونات من تراكم الإرسابات، وتعميق المجرى، وحماية الألسنة من التآكل. وقد أصبح ذلك ممكنًا مع تقدم آلات الحفر من الروافع والبناء الميكانيكية التي تعمل فوق مسطحات الماء.

ونوع آخر من الموانئ يقوم في الشواطئ التي توجد أمامها جزر تحميها من العواصف والأمواج، وفي أحيان تُضم هذه الجزر بعد ذلك إلى الميناء. ومن الأمثلة التاريخية الإسكندرية. ومن الأمثلة الحديثة نسبيًّا بمباي (الهند). أما الموانئ التي لا تزال محمية بالجزر، فمن أمثلتها هونج كونج، وميناء جورجتاون في جزيرة بنانج (مضيق ملقا بين ماليزيا وسومطرة)، ولو أن الميناء هنا يقوم على ساحل الجزيرة في مواجهة الشاطئ الماليزي.

وهناك مجموعة أخرى من الموانئ توجد على مصبات الأنهار أو فروع الدلتاوات النهرية، أو على الأنهار العريضة في الداخل (مثل ميناؤس في داخل حوض الأمازون). وقد كان هذا النوع من الموانئ يجد في هذه الظروف الطبيعية ما يهيئ مرافئ جيدة محمية بواسطة وجود ضفتي المصب أو النهر. ولكن الكثير من هذه الموانئ قد أُهملت بعد أن أصبحت السفن ذات حجم كبير، وذلك راجع إلى استمرار تراكم الإرسابات النهرية. ومن الأمثلة على ذلك ميناء بريستول على نهر الأفون الذي لم يعد باستطاعته استقبال سفن حمولتها أكثر من ثلاثة آلاف طن، وأصبح على السفن الأكبر من ذلك أن تتعامل مع الميناء الجديد الذي أقيم على الشاطئ مباشرة، والذي يُسمَّى ميناء أفون ماوث Avon mouth (ميناء متقدمة).

وقد ظلت دمياط ورشيد موانئ مصر الرئيسية طوال التاريخ حتى تحولت عنهما التجارة إلى بور سعيد والإسكندرية. ولا تزال البصرة وعبدان على المصب المشترك لشط العرب وقارون موانئ مفتوحة بواسطة الحفر الدائم بواسطة الكراكات في الحواجز الخارجية وقاع النهر. وكذلك كلكتا التي تقع على الهوجلي (فرع من فروع دلتا الجانج)، والتي يتغير مستوى القاع عندها بين المد والمد عمقًا يبلغ حوالي ٦٠سم. وهناك تفكير في إقامة قناة ملاحية عميقة في هذه المنطقة بدلًا من الاعتماد على المسار الطبيعي للهوجلي.

ونيو أورليانز على مصب المسيسبي ليست مفتوحة للسفن ذات الغاطس الكبير إلا بواسطة أعمال التطهير المستمرة التي تجعل مستوى القاع ٣٥ قدمًا (حوالي ١١ مترًا) لمسافة حوالي ١٩٠كم لكي تصل السفن من البحر إلى الميناء. وهناك موانئ تجمع بين مصب خليجي Estuary ومصب نهري مثل المصبات الخليجية الدلتاوية لليانجتسي كيانج وسيكيانج اللذين تقع عليهما شنغهاي وكانتون على التوالي، ولكن عملية الإرساب تجعل الإبقاء على الموانئ عملية صعبة للدرجة التي تُعَدُّ معها كانتون غير قادرة على استقبال السفن الكبيرة، وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية في نمو هونج كونج كميناء متقدمة (هذا إلى جانب أهمية هونج كونج السياسية والاستراتيجية والاقتصادية بحكم أنها ملك لبريطانيا).

أما المصبات الخليجية الحقة فهي تلك التي تتميز بحدوث ظاهرة المد والجزر بصورة متكررة؛ مما يجعل الميناء مفتوحًا، والكثير من موانئ بحر الشمال الألمانية والإنجليزية موانئ من هذا النوع (هامبورج – بريمن – لندن – هل – ليفربول … إلخ)، وفي فرنسا أيضًا نجد بوردو وسان نازير ونانت والهافر، وفي هولندا روتردام وبلجيكا أنتفيرب (إنفرس)، وفي البرتغال لشبونة و«أوبورتو»، وفي أمريكا فيلادلفيا ومنتريال، وفي أستراليا ملبورن وبرزبين وفريمانتل وأدليد، وفي أفريقيا بوما وماتادي على مصب الكنغو.

وفي كثير من هذه المصبات الخليجية تكون الأعماق كبيرة بحيث لا تحتاج الملاحة إلى موجات المد والجزر (عمق المياه في مصب الكنغو حوالي ٧٠ مترًا)، ولكن بعض المصبات تحتاج إلى التطهير المستمر (مثل موانئ إنجلترا)؛ مما يؤدي إلى أهمية موجات المد والجزر في الدخول والخروج من الموانئ.

وفي حالات كثيرة نجد أن الموانئ تحتاج إلى أعمال هندسية صناعية — مهما كان شكل المرفأ الطبيعي ملائمًا أو غير ملائم — وذلك لمزيد من الحماية ولمزيد من الأعماق. وأهم الأعمال الهندسية الخاصة بالحماية هي إقامة حواجز الأمواج — طويلة أو قصيرة — وقد تشتمل أعمال التعميق على حفر قنوات ملاحية داخل الميناء؛ ومن ثم فإنه في أحيان كثيرة يصعب في البداية تمييز الميناء الطبيعي والصناعي؛ ذلك أن كل الموانئ صناعية بأرصفتها وأعماقها وعمليات صيانتها. أما المرفأ فهو تكوين طبيعي في أساسه إذا كانت تتوافر فيه الحماية بطريقة أو أخرى. وقد يكون المرفأ صناعيًّا؛ حيث لا تهب الطبيعة أشكالًا من الحماية الطبيعية، أو حيث يظهر بوادر حماية طبيعية يطورها الإنسان، مثال ذلك أن تكون هناك رأس ساحلية أو بداية رأس، يستغلها الإنسان في إقامة حواجز أمواج كامتداد للامتداد الطبيعي. وكذلك تقام موانئ صناعية في كثير من أشباه الجزر، أو عند ظهور بروز في الساحل؛ مثال ذلك بيروت وحيفا وفالباريزو (شيلي) ولاجويرا (فنزويلا).

وقد يكون خط الساحل مستقيمًا، وعلى ذلك تنشأ الحاجة إلى ميناء، ومن ثم تمد حواجز الأمواج من كلا الاتجاهين بحيث تتقابلان على خطين مختلفين؛ مثال ذلك تاكورادي (غانا)، بورت إليزابث (جنوب أفريقيا)، الدار البيضاء، مدراس (الهند). ومدراس هي من أهم الأمثلة على الموانئ الصناعية في العالم؛ حيث تجتاح الرياح والعواصف الموسمية الشمالية الشرقية المنطقة بأكملها. وهناك موانئ على مرافئ طبيعية، لكنها تتحول إلى موانئ صناعية نتيجة توسيعها أو تجنبًا للإرسابات، ومن أمثلة ذلك ميناء الهافر الذي تحوَّل من واجهة مطلة على مصب نهر السين إلى واجهة مطلة على بحر المانش، وذلك بإقامة حواجز أمواج كبيرة، ومرسيليا التي تقع على مرفأ حوضي صخري ممتاز جعلها ميناءً جيدًا لألفي سنة، لم تستطع أن تواجه نمو حركة التجارة والملاحة إلا بعد إقامة سبعة أحواض وحاجز أمواج كبير لحمايتها من الرياح الغربية، وتشبه تريستا مرسيليا في ظروفها، وكذلك الجزائر وجنوا وغير ذلك كثير في البحر المتوسط.

(٧) خلفية الميناء Hinterland

لا تقوم الموانئ كشيء قائم بذاته، بل إنها نهاية طرق برية وبداية طرق بحرية لنقل البضائع أو الأشخاص؛ ومن ثم فإن الميناء يرتبط بخلفيته؛ فكلما كانت الخلفية كبيرة أصبحت أهمية الميناء كبيرة. وتختلف خلفية كل ميناء حسب ظروف الخلفية؛ فهناك الخلفية البسيطة التي ترتبط بطريق واحد للمواصلات البرية إلى الميناء وتنقطع خلفية الميناء بانقطاع هذا الطريق، ولكن إذا كان هذا الطريق يشتبك مع غيره من طرق أخرى فإن الخلفية تتعقد، بل ويحدث هنا في منطقة التشابك تنافس بين عدة موانئ لجذب تجارة هذه الخلفية، ولا يحدث مثل هذا الصراع بين الموانئ إلا في المناطق المخدومة خدمة ممتازة بشبكات النقل الأرضي: نهرية وحديدية وبرية، ومثل هذا لا يوجد إلا في أوروبا الغربية وأجزاء من أمريكا الشمالية (خاصة الولايات المتحدة).

وفي بقية القارات تصبح خلفية الموانئ بسيطة أو مركبة تركيبًا بسيطًا، مثلًا قد يكون هناك تنافس بسيط بين الإسكندرية وبور سعيد والسويس، لكن خلفية الإسكندرية عادة ما تمتد إلى أسوان، وفي أحيان تمتد إلى شمال السودان، هنا يحدث صراع بين الإسكندرية وبور سودان على تجارة شمال السودان، ويساعد على تحديد التنافس مصدر التجارة أو وجهتها؛ فالإسكندرية تطل على البحر المتوسط وأوروبا، بينما بور سودان أكثر اتجاهًا إلى المحيط الهندي واليابان، ومع ذلك فإن نقص شبكة المواصلات الحديدية بين أسوان ووادي حلفا (شمال السودان) يجعل المنافسة غير واضحة، هذا بالإضافة إلى أن هذه الجزء من السودان قليل السكان (= سوق محدودة)، غير متقدم (= سوق محدودة) قليل الإنتاج (= تجارة صادرات وواردات محدودة أيضًا).

وإذا قارنَّا هذا المثال المحدود بمثال آخر في منطقة شبكة نقل كثيفة متكاملة في أوروبا، فإننا نجد الفوارق ضخمة والمنافسة حادة من أجل جذب التجارة من ميناء إلى آخر؛ فالصراع شديد بين موانئ هامبورج وروتردام من ناحية وتريستا وجنوا من ناحية أخرى على تجارة وسط أوروبا (تشيكوسلوفاكيا والنمسا وسويسرا وجنوب ألمانيا). وكذلك هنا يتقرر الصراع بتأثير مصدر أو اتجاه البضائع والأشخاص. ولكننا نضيف إلى ذلك نوع وسيلة النقل السائدة (سريعة/بطيئة) وأيضًا مدى التسهيلات المعطاة في ميناء لتجارة دولة أو أخرى بالنسبة للتسهيلات التي يقدمها ميناء آخر، وهو ما يؤدي إلى اتفاقيات خاصة بين سلطات الميناء والدولة المعنية من أجل تسهيل مرور تجارتها، وهنا تتدخل التيارات والاتجاهات السياسية في تقرير مثل هذه الاتفاقيات بصورة أو أخرى، فمثلًا كانت هامبورج تتعامل في كثير من تجارة تشيكوسلوفاكيا، لكن بعد أن تحولت تشيكوسلوفاكيا إلى مجموعة الدول الشرقية تحوَّل جزء كبير من تجارتها إلى موانئ ألمانيا الشرقية. وهناك أمثلة عديدة على دور السياسة في اتجاه التجارة. وقد سبقت الإشارة إلى بعضها في الفصول السابقة.

(٨) صناعة السفن

إن السيطرة التي تمارسها كلٌّ من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي على صناعة بناء الطائرات، وضعف دورهما في صناعة بناء السفن، التي احتكرتها دول أوروبا الشمالية الغربية واليابان حاليًّا، لهي حقيقة تعكس بعض الظروف الخاصة بكلٍّ منهما؛ فمعظم السفن تُبنى لحساب شركات ملاحية خاصة تعمل في جو من المنافسة الدولية؛ ومن ثم فإن هذه الشركات الملاحية تقدم طلباتها حيث تجد أحسن العروض المواتية في داخل بلادها أو خارجها؛ ومن ثم أصبح من الشائع في صناعة بناء السفن أن تكون — في جزء كبير من أعمالها — صناعة للتصدير. أما أبحاث الفضاء والملاحة الجوية فإنها أعمال خاصة بالدولة وتتضمن الكثير من الأسرار الاستراتيجية؛ مما يؤدي إلى اهتمام خاص بها من جانب الدولتين العملاقتين. ونظرًا للتكلفة العالية في هذه الاتجاهات فإنها لا تصبح صناعة تصدير إلا في القطاع الخاص ببناء الطائرات التجارية.

ولفترة طويلة احتكرت بعض دول أوروبا الغربية، وخاصة بريطانيا، بناء السفن، ولكن إلى جانبها كانت هناك صناعة سفن على نطاق كبير في فرنسا وألمانيا وهولندا والنرويج. وبعد الحرب الثانية مباشرة حدثت تطورات خطيرة في شمال غرب أوروبا؛ فقد تدهورت صناعة بناء السفن البريطانية في مقابل نمو هائل في نفس الصناعة في دول اسكندنافيا، لكن هذا التطور سرعان ما طغى عليه نمو اليابان في صناعة بناء السفن بصورة مذهلة تبوأت معها صدارة الدول في هذا المضمار.

وتتركز صناعة السفن البريطانية في منطقتين؛ الأولى في ساحلها الشمالي الشرقي (منطقة مركزها نيوكاسل) والثانية في الساحل الشمال الغربي (على نهر الكلايد ومركزها جلاسجو)، والمراكز الرئيسية في المنطقة الشمالية الشرقية كانت تضم أسماء مدن كثيرة منها بليث والتين الأدنى وهبورن وسندرلاند والتيز الأدنى. وعند بداية هذا القرن كانت هذه المنطقة تُنتج نصف حمولة السفن الإنجليزية وثلث حمولة السفن العالمية، وفي نهاية الخمسينيات كانت هذه المنطقة تصنع ٤٥٪ من حمولة السفن الإنجليزية. وكانت بذلك ولفترة طويلة، أكبر منطقة مركزية في العالم في صناعة السفن، تليها مباشرة منطقة هامبورج ثم منطقة كلايد وأخيرًا منطقة جوتبورج (السويد) أرقام سنة ١٩٥٩.

أما منطقة الكلايد فقد بدأت بنمو صناعة السفن الحديدية، بينما كانت منطقة الشمال الشرقي ذات تقليد قديم في صناعة السفن الخشبية، ولقد ظلت منطقة الكلايد معروفة بأنها أكثر أنهار العالم شهرة في بناء السفن حتى عام ١٩٥٠ حين تفوقت عليها منطقة مصب الألب (هامبورج) وجوتا ألف (جوتبورج). وقد بنت منطقة الكلايد عددًا من السفن الضخمة الذائعة الصيت مثل «كوين ماري» و«كوين إليزابث».

وإلى جانب هاتين المنطقتين الإنجليزيتين فقد كانت هناك صناعة سفن جيدة في بلفاست (أيرلندا الشمالية) وبيركنهد (قرب ليفربول) «وبار إن فيرنس» (ولاية كمبرلند شمال ليفربول). ولم يكن على مصب التيمز ومنطقة لندن أية صناعة للسفن تستحق الذكر؛ فلقد تدهورت صناعة السفن في هذه المنطقة منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر (بعد نمو السفن الحديدية)، بينما نمَت هذه الصناعة في الشمال الشرقي على أساس وجود الفحم المحلي في منطقة نيوكاسل.

ومنذ عام ١٩٢٩ لم تزد الحمولة من السفن الجديدة التي تصنعها ترسانات بريطانيا عن مليون ونصف مليون طن سنويًّا، بينما بلغت الحمولة السنوية في العالم ١٠٫٣ ملايين طن عام ١٩٦٤. وهناك استثناءات محدودة تخطت فيها بريطانيا أرقام ١٩٢٩؛ ففي سنوات ١٩١٣ و١٩٢٠ كانت الحمولة الجديدة السنوية أكثر من مليوني طن، والدليل على مدى نمو صناعة السفن في العالم وجمود موقف بريطانيا ثم تخلفها، هو أن مجموع الحمولة السنوية في عام ١٩٨٠ كان في العالم ١٫٢ مليون طن أنتجت منه بريطانيا مليون طن وحدها (انظر شكل ٤-٣).
fig18
شكل ٤-٣: تطور مساهمة الدول الرئيسية في بناء السفن.

وفي مقابل هذا الركود البريطاني نجد نمو صناعة السفن في الدول الأوروبية يستمر بخطى ثابتة؛ ففي السويد على سبيل المثال كانت الحمولة المنتجة عند بداية القرن الحالي أقل من عشرة آلاف طن، ارتفعت إلى ٨٥٧ ألف طن عام ١٩٥٩، ومعظم هذا التقدم قد حدث بعد عام ١٩٤٥، فمنحنى صناعة السفن السويدية، كان يسير دون ارتفاع منذ عام ١٩١٠، مع انخفاض شديد خلال أزمتَي ١٩١٣، ١٩٢٩، وتوقَّف خلال فترة الحرب (١٩٣٩–١٩٤٤)، وقد تخصصت الترسانات السويدية في بناء ناقلات البترول وحاملات الأحجام الكبيرة (كالحديد الخام). وكان الأسطول النرويجي الكبير هو العميل الأول لصناعة السفن السويدية.

وكذلك نمَت صناعة بناء السفن الدانمركية نموًّا متوازنًا ابتداءً من عام ١٩٥٠، وأصبحت تُنتج قرابة الحمولة التي كانت تُنتجها السويد فيما بين الحربين، بينما نمَت صناعة السفن النرويجية بسرعة وسبقت الدانمرك، ولكلٍّ من صناعتي السفن النرويجية والدانمركية ميزة وجود أسطول تجاري كبير لكلٍّ منهما، ويعني ذلك وجود عميل دائم داخل الدولة، ولكنهما أقل من الترسانات السويدية حظًّا؛ حيث إن في السويد عددًا كبيرًا من الصناعات المختلفة المرتبطة ببناء السفن.

وتتنافس ألمانيا مع بريطانيا والسويد في الحصول على المركز الثاني في صناعة السفن بعد اليابان؛ فلقد بدأ النمو الألماني في هذه الصناعة بسرعة بعد ١٩٤٩ ووصل في ١٩٥٨ إلى قمة إنتاجية قدرها ١٫٤ مليون طن، وذلك بالقياس إلى قمة إنتاجية وصلتها الترسانة الألمانية في الفترة بين الحربين العالميتين، وقدرها نصف مليون طن، ومع ذلك فإن التوسع الألماني في صناعة السفن أقل من مثيله في السويد، وأقل بكثير من مثله في اليابان، في عام ١٩٦٤ هبط الإنتاج الألماني إلى ٨٩٠ ألف طن. وكذلك تميزت بعض الدول بنمو سريع في صناعة السفن منذ نهاية الخمسينيات مثل هولندا وفرنسا وإيطاليا ويوجسلافيا. وقد عانت هذه الدول — وخاصة هولندا — كثيرًا من التوقف في هذه الصناعة خلال فترة الستينيات.

ولا شك أن نمو صناعة السفن في أوروبا خلال فترة ما بين الحربين العالميتين قد جاء في أساسه نتيجة تخلف صناعة السفن البريطانية عن استخدام التكنولوجيات الحديثة في صناعة الصلب وصناعة السفن من الصلب، ووراء هذا عدد من العوامل بينها الروح المحافظة البريطانية التي منعت الترسانات الإنجليزية من تقبُّل الاستحداثات الجديدة في التكنولوجيا. وقد أدت هذه الاستحداثات إلى نفقات بناء أقل في الصناعة الأوروبية عنها في الإنجليزية، فمثلًا أخذت السويد تكنيكًا جديدًا استخدمه الأمريكيون خلال فترة الحرب، وهو عبارة عن تقسيم عملية التجميع إلى عدة عمليات تجميع صغيرة، واستخدام «اللحام» بدل «البرشمة» في صنع هيكل السفينة. وقد أدت هذه وغيرها من الوسائل الجديدة إلى تقليل الوقت كثيرًا في بناء السفينة.

كذلك بدأت السويد وبعض الدول الأوروبية في تقديم سفن موحدة المواصفات تُبنى في صورة سلسلة متكاملة (كمبدأ الإنتاج الكمي). وقد أدى ذلك إلى تخفيض التكلفة كثيرًا. وكذلك فإن تنظيم نقابات العمال البريطانية على أساس المهنة — عامل لحام أو عامل بناء مثلًا — على عكس نقابات العمل السويدية القائمة على أساس نوع الصناعة — عمال الترسانة ككل مثلًا — قد ساعد على تجنُّب الكثير من المطالبات التي يقدمها عمال مهنة معينة، أو غير ذلك كالإضرابات، كذلك فإن صناعة السفن الإنجليزية مقسمة على عدد كبير من الترسانات المتوسطة المساحة، ونمط صناعة ونقل ألواح الصلب قد تغيَّر من الاعتماد على الفحم (إنجلترا) في مناطق داخلية، إلى نمط ساحلي (استيراد الفحم أو الوقود)، وقد ترتب على ذلك أن كثيرًا من الدول الأوروبية تبني معامل الصلب في المنطقة الساحلية عند الترسانة، بل في بعض الأحيان ساعد انخفاض أجور نقل الصلب بالسفن على استيراد ألواح الصلب من الولايات المتحدة أو اليابان مباشرة إلى الترسانات الأوروبية.

أما في اليابان فإن الملاحة البحرية كانت شائعة منذ فترة طويلة بحكم تكوين اليابان من عدد كبير في الجزر تحتاج إلى التنقل المستمر، لكن التقليد الحضاري الياباني الإقطاعي كان يمنع السفر خارج المياه اليابانية، حتى لا تفسد عزلة الشعب؛ ومن ثم لم تكن هناك سفن عابرة للبحار، وفي عهد الإصلاح بعد عام ١٨٦٨ أمكن إنشاء عدد من السفن الكبيرة بواسطة شركات خاصة. وفي عام ١٨٩٠ بُنيت في اليابان أول سفينة من الصلب، وفي ١٨٩٦ قدمت الحكومة منحًا وإعانات للشركات التي تبني سفنًا حمولتها أكثر من ٧٠٠ طن، ومع ذلك فإن نمو صناعة السفن اليابانية ظل يسير ببطء شديد، وفي ١٩٠١ أُنشئ أول مصنع للصلب في اليابان.

وعندما بدأت الحرب العالمية الأولى كانت السفن اليابانية قد بلغت أحجامًا كبيرة؛ فقد كانت حمولة السفن المبنية في ١٨٩٠ لا تزيد عن عشرة آلاف طن، زادت إلى أكثر من ٥٠ ألف طن في الفترة بين ١٩٠١–١٩١٣، ثم زادت الحمولة بتأثير الحرب واحتياج الدولة إلى سفن، في سنة ١٩١٤ بلغت الحمولة المنزلة إلى البحر ٨٥ ألف طن ارتفعت إلى ٦٥٠ ألف طن ١٩١٩، لكن الكساد حل بهذه الصناعة وغيرها بعد أن أفاقت الدولة الأوروبية من تأثير الحرب، بالإضافة إلى الأزمات العالمية المتكررة؛ ففي سنة ١٩٢٩ — وكانت تُمثِّل سنة رواج — أنزلت اليابان إلى البحر ٦٥ ألف طن جديدة فقط، ولم يزد الإنتاج عن ٤٠٠٠٠٠ طن إلا خلال الثلاثينيات. وهكذا فإن نمو الصناعة اليابانية في هذا المضمار كان له مقدمات طويلة اكتسب فيها اليابانيون خبرات بناء السفن، ونضيف إلى ذلك أيضًا التوسع العسكري الياباني الذي أدى إلى الاهتمام بالبحرية كثيرًا.

وفي خلال الخمسينيات (١٩٥٦) تفوق الإنتاج الياباني على بقية الإنتاج العالمي في بناء السفن، وفي خلال الخمسينيات أيضًا نمَت التجارة الدولية بصورة واسعة ومذهلة، وخاصة في قطاع نقل البترول؛ مما أدى إلى رفع حمولة أساطيل التجارة ونقل البترول الأمريكية واليونانية كثيرًا، وأدى هذا إلى طلبات كثيرة من أصحاب هذه الأساطيل على ترسانات العالم لإنشاء سفن جديدة، وبرغم أن تكلفة الإنتاج الياباني لم تكن تتميز بالانخفاض الشديد بالمقارنة بتكلفة الإنتاج الأوروبي إلا أنه كان بإمكان اليابان تلبية الطلبات وتسليم السفن في وقت أقصر؛ لأن الترسانات الأوروبية كانت محجوزة من قبلُ في تنفيذ عقود سابقة، كذلك كان بالإمكان التوسع في الترسانات اليابانية بتحويل الترسانات العسكرية إلى مدنية، وكذلك لوجود عدد كبير من مهندسي هذه الصناعة من المدنيين والعسكريين السابقين، ويضاف إلى هذا كله وجود قوة عمل كبيرة في اليابان، ونمو صناعة الصلب اليابانية التي تكون أحد الأسس في صناعة السفن، وفوق هذا فإن هروب رءوس الأموال الأمريكية إلى اليابان والحرب الباردة، قد ساعدا على تنمية هذه الصناعة بصورة مضاعفة.

fig19
خريطة ٤-٢

ويشكل الأسطول الياباني التجاري الكبير عميلًا ثابتًا عند الترسانة البحرية اليابانية. وقد كانت حمولة الأسطول التجاري الياباني في سنة ١٩٤١ ٦٫١ ملايين طن. وكان يحتل المركز الثالث في العالم. وفي نهاية الحرب العالمية الثانية كان معظم الأسطول التجاري الياباني غارقًا في قاع الباسيفيك، ولم يكن المتبقي منه سوى ما حمولته ٧٥٠ ألف طن. وقد بني الأسطول مرة أخرى وبسرعة كبيرة وأصبح يحتل المرتبة الخامسة عام ١٩٦٤ بحمولة قدرها ١٠٫٨ ملايين طن، وفي عام ١٩٧٠ أصبح الأسطول التجاري الياباني يحتل المرتبة الثانية من بين الأساطيل العالمية التجارية، بحمولة قدرها ٢٧ مليون طن، كذلك تتزايد الحاجة في اليابان — للصناعة والتجارة ونقل الخامات — إلى مزيد من الحمولة البحرية في أسطولها التجاري؛ فالاحتياج إلى البترول وحده قد تزايد من ٢٥ مليون طن في ١٩٥٩ إلى ٧٠ مليون طن في ١٩٧٠، ويتوقع أن يصل إلى ١٣٠ مليون طن في ١٩٨٠، وعلى المنوال نفسه يتوقع ازدياد حجم التجارة اليابانية إلى أرقام مضاعفة، وتبني الترسانة اليابانية الآن ناقلات بترول وزنها ٣٠٠ ألف طن، ومشروعات لأكثر من ذلك (نصف مليون طن) وناقلات خامات في حدود مائة ألف طن.

أما في أمريكا فإن الاهتمام ببناء السفن كان محدودًا — لا شك نتيجة التوسع الأرضي داخل المساحات الهائلة في الولايات المتحدة — ولكن صناعة السفن كانت مهمة في موانئ نيوإنجلند الأمريكية خلال عصر السفن الخشبية، وحينما انتقلت السفن إلى عصر الحديد والصلب سبقت بريطانيا أمريكا بعدة عشرات السنين في هذا المضمار؛ نظرًا لتطور صناعة الحديد والصلب الإنجليزية، ولم تنتقل أمريكا إلى السفن الجديدة إلا بعد بداية هذا القرن، وحتى بعد ذلك ظلت الولايات المتحدة متخلفة نسبيًّا؛ نظرًا لاهتمام الصناعة الأمريكية بالتركيز على إنتاج الآلات والسيارات والقاطرات وغير ذلك من الإنتاج الصناعي. لكن احتياجات أمريكا للسفن الحربية والتجارية خلال الحرب العالمية الثانية قد أدى إلى نمو سريع جدًّا لهذه الصناعة حتى أصبحت الصناعة الثانية بعد صناعة الطائرات، وفي عام ١٩٤٣ بلغت الحمولة المنزلة إلى البحر ١١٫٦ مليون طن. وقد هبط هذا الرقم إلى ٧٥ ألف طن فقط عام ١٩٥٥.

والسفن الأمريكية لا يمكن أن تنافس في السوق العالمي السفن الأخرى؛ لارتفاع الأجور في الولايات المتحدة؛ مما أدى بالحكومة إلى منح إعانات لصناع السفن الأمريكيين (قانون ١٩٣٦). وتتركز صناعة السفن الأمريكية في خمس ترسانات على الأطلنطي: هي بوسطن، فيلادلفيا (ترسانتان)، بالتيمور، نيوبورت.

لكن ترسانات أمريكا أكبر مما تُنتج من سفن تجارية؛ وذلك لأن جزءًا من إنتاجها يذهب إلى الأسطول الحربي الأمريكي. كما أن الترسانات الأمريكية تقوم بعمليات إصلاح كبيرة أكثر من الدول الأخرى، فأرباحها السنوية من إصلاح السفن تبلغ ٤٣٥ مليون دولار بالمقارنة ﺑ ٢١٠ ملايين دولار في صناعة إصلاح السفن في الترسانات والأحواض البريطانية، وأحواض إصلاح السفن تختلف في نمط توزيعها عن ترسانات بناء السفن؛ إذ إن هذه الأحواض تميل إلى الانتشار على طول الطرق الملاحية الهامة بدلًا من التركز في نقط محدودة، كما رأينا في مراكز الصناعة.

جدول ٤-٩: تحليل الأسطول العالمي، أرقام منتصف ١٩٧٠، تشتمل على كافة السفن البحرية فوق حمولة مائة طن. أرقام الحمولة بآلاف الأطنان المسجلة.
الدولة ناقلات البترول ٪ من مجموع أسطول الدولة ناقلات خام المعادن وسلع الأحجام الكبيرة ٪ من مجموع أسطول الدولة سفن البضائع العمومية ٪ من مجموع أسطول الدولة أسطول السماكة ٪ من مجموع أسطول الدولة سفن مختلفة الوظيفة ٪ من مجموع أسطول الدولة مجموع حمولة الأسطول
مجموع العالم ٨٦١٣٩٫٩ ٣٨ ٤٦٦٥١٫٨ ٢١ ٧٢٣٩٦٫٤ ٣٢ ٧٨٠٣٫٦ ٣ ١٤٤٩٨٫٩ ٦ ٢٢٧٤٨٩٫٩
الأرجنتين ٥٠٢٫٥ ٤٠ ٩٧٫١ ٨ ٥٨٠٫٨ ٤٦ ٧٫١ ٠ ٧٨ ٦ ١٢٦٥٫٥
الاتحاد السوفييتي ٣٤٦٠٫٤ ٢٣ ٢٠٦٫٩ ٢ ٥٩٤١٫٩ ٤٠ ٣٩٩٦٫٧ ٢٧ ١٢٢٦٫١ ٨ ١٤٨٣٢
إسبانيا ١٤٢٣٫٤ ٤١ ٢٦٩٫٨ ٨ ١٠٥٤ ٣١ ٤٣٢٫٦ ١٢ ٢٦١٫١ ٨ ٣٤٤٠٫٩
أستراليا ١٨٩٫٥ ١٨ ٤١٦٫١ ٣٩ ٢٦٩٫١ ٢٥ ٥٫٤ ٠ ١٦٤ ١٨ ١٠٧٤٫١
إسرائيل ٠٫٤ ٠ ٣٤٢٫٢ ٤٨ ٣٣٠٫٨ ٤٦ ٤٫٩ ١ ٣٥٫٦ ٥ ٧١٣٫٩
أفريقيا الجنوبية ٠٫٦ ٠ ٢٤٫١ ٥ ٣٠١٫٥ ٥٩ ٨٥٫٢ ١٧ ٩٩٫١ ١٩ ٥١٠٫٥
ألمانيا الغربية ١٦٤٢٫٨ ٢١ ١٤٩٤٫٨ ١٩ ٤٠٩٩٫٢ ٥٢ ١٤٧٫٢ ٢ ٤٩٧ ٦ ٧٨٨١
ألمانيا الشرقية ١٧٨٫١ ١٨ ١٤٩ ١٥ ٤٧١٫٩ ٤٨ ١٣٦٫٢ ١٤ ٥٣٫٤ ٥ ٩٨٨٫٦
إندونيسيا ٨٧٫٧ ١٤ ٤٨٠٫٦ ٧٥ ١٫٢ ٠ ٧٣ ١١ ٦٤٢٫٥
أيرلندا ٣٫٢ ٢ ٨١٫٧ ٤٧ ٦٥٫٩ ٣٧ ١٫٣ ١ ٢٢٫٩ ١٣ ١٧٥
أيسلندا ٨٫٤ ٧ ٤٥ ٣٨ ٥٩٫٣ ٥٠ ٦٫٦ ٥ ١١٩٫٣
إيطاليا ٢٧٢٠٫٨ ٣٦ ٢٠٨٨٫٦ ٢٨ ١٤٧١ ٢٠ ٨٢٫٨ ١ ١٠٨٤٫٤ ١٥ ٧٤٤٧٫٦
باكستان ١١٫٣ ٢ ٥٠١ ٨٩ ٠٫٣ ٠ ٥٣٫٤ ٩ ٥٦٦
البرازيل ٥٧٢٫٧ ٣٣ ٢٣٥٫٣ ١٤ ٤٨٠٫٦ ٤٩ ٥٫٨ ٠ ٦٧٫٢ ٤ ١٧٢١٫٦
البرتغال ٢٤٨٫١ ٢٨ ١١٫١ ١ ٣٧٣ ٤٣ ١١٠٫١ ١٣ ١٢٧٫٧ ١٥ ٨٧٠
برمودا ٤٦٣٫٤ ٦٨ ١٤٥٫١ ٢١ ٥٠٫٥ ٧ ٢١٫٢ ٣ ٣٫٣ ١ ٦٨٣٫٥
بريطانيا ١٢٠٣٢٫٤ ٤٧ ٣٨٤٩٫٩ ١٥ ٧٥٢٣٫٦ ٢٩ ١٣٥٫٤ ١ ٢١٨٣٫٥ ٨ ٢٥٨٢٤٫٨
بلجيكا ٣٠٤٫٩ ٢٩ ٣١٨٫٣ ٣٠ ٣٥٠٫٩ ٣٣ ١٥٫٢ ١ ٧٢٫٩ ٧ ١٠٦٢٫٢
بلغاريا ١٦٣ ٢٤ ١٥٢٫٢ ٢٢ ٣٠٠٫٤ ٤٤ ٥٥٫٤ ٨ ١٥٫١ ٢ ٦٨٦٫١
بنما ٣٢٨٩٫٣ ٥٨ ٤١٩٫٢ ٨ ١٦٣٠٫٧ ٢٩ ١٢٫٨ ٠ ٢٩٣٫٩ ٥ ٥٦٤٥٫٩
بولندا ٦٢٫٢ ٤ ٢٤٩٫٨ ١٦ ٩٧٨٫٨ ٦٢ ٢٣٠٫٧ ١٥ ٥٥٫٨ ٣ ١٥٨٠٫٣
بيرو ٧٨ ٢١ ١٨ ٥ ١٩٦٫٣ ٥٢ ٨١٫٢ ٢١ ٤٫٣ ١ ٣٧٧٫٨
تايوان ٢٣٥٫٥ ٢٠ ١٤٢٫٢ ١٢ ٧٥٥٫٦ ٦٥ ٢٨٫٢ ٣ ٤٫٧ ٠ ١١٦٦٫٢
تركيا ١٦٩٫٦ ٢٤ ٢١٫٢ ٣ ٣٦٧٫٦ ٥٣ ١٫٣ ٠ ١٣٧٫١ ٢٠ ٦٩٦٫٨
الدانمرك ١٣٣٩٫٥ ٤٠ ٤٤٥٫٧ ١٣ ١١٨٦٫٧ ٣٦ ٢٧٫٢ ١ ٣١٥٫٢ ١٠ ٣٣١٤٫٣
رومانيا ٦٩٫٣ ٢٠ ١٥٢ ٤٥ ٨٩٫٦ ٢٦ ٢٣ ٧ ٧٫٣ ٢ ٣٤١٫٢
سنغافورة ٧١٫٢ ١٧ ٢٩٫١ ٧ ٣١٨٫٣ ٧٥ ٠٫٦ ٠ ٥٫٢ ١ ٤٢٤٫٤
السويد ١٦٠٩٫٤ ٣٣ ١٥٤٩٫٦ ٣٢ ١٣٤٦٫٥ ٢٧ ٢٠٫٩ ٠ ٣٩٤٫٣ ٨ ٤٩٢٠٫٧
سويسرا ٥٩٫٨ ٣٠ ١٣٥ ٦٩ ١٫١ ١ ١٩٥٫٩
شيلي ٥٢٫٣ ١٧ ٢٢٫٢ ٧ ٢١١ ٦٩ ٦ ٢ ١٦ ٥ ٣٠٧٫٥
الصومال ١٠٢٫٧ ٢٨ ٢٦٦٫٤ ٧٢ ٣٦٩٫١
الصين ١١٦٫٥ ١٣ ٧١٧٫٩ ٨٣ ٠٫٨ ٠ ٣٢٫٨ ٤ ٨٦٨
فرنسا ٣٤٧٧٫٥ ٥٤ ٧٣١٫٥ ١١ ١٣٩٦٫٨ ٢٢ ١٩٥ ٣ ٦٥٧٫١ ١٠ ٦٤٥٧٫٩
الفلبين ١٣٩٫٥ ١٥ ٩٠٫٥ ١٠ ٦٨٤٫٧ ٧٢ ٦٫١ ٠ ٢٥٫٦ ٣ ٩٤٦٫٤
فنزويلا ٢٤٩٫١ ٦٣ ٨٨٫٧ ٢٣ ١٫٣ ٠ ٥٣٫٥ ١٤ ٣٩٢٫٦
فنلندا ٦٧٠٫٦ ٤٨ ٩٩٫٣ ٧ ٥٠٠٫٤ ٣٦ ٣٫٧ ٠ ١٢٣٫٢ ٩ ١٣٩٧٫٢
قبرص ١٢١٫١ ١١ ٣٥٫٩ ٣ ٩٤٠٫٢ ٨٣ ٤١ ٣ ١١٣٨٫٢
كندا ٢٥٠٫٥ ١٠ ١٢٦٥٫٦ ٥٣ ٣٤١٫٥ ١٤ ١٢٨٫٥ ٦ ٤١٣٫٨ ١٧ ٢٣٩٩٫٩
كوبا ٦٫٣ ٢ ٢٥٤٫٦ ٧٦ ٦٥٫٧ ٢٠ ٦٫٣ ٢ ٣٣٢٫٩
كوريا الجنوبية ٢٨٦ ٣٤ ١٤٤ ١٧ ٣٥٤٫٥ ٤٢ ٥١٫٣ ٦ ١٣٫٨ ١ ٨٤٩٫٥
الكويت ٤٢٣٫٧ ٧٢ ١٤٥٫٧ ٢٥ ١٤٫٦ ٢ ٧٫٧ ١ ٥٩١٫٧
لبنان (×) ٢٩٥
ليبيريا ١٩٣٣١٫٨ ٥٨ ١٠١٧٧٫٨ ٣١ ٣٣٥٠٫٣ ١٠ ٢٫٢ ٠ ٤٣٤٫٥ ١ ٣٣٢٩٦٫٦
مصر (×) ٧٥ ٢٣٩
المكسيك ٢٤١ ٦٣ ٣٢٫١ ٨ ٥٧٫٤ ١٥ ٥٫٤ ٢ ٤٥٫٢ ١٢ ٣٨١٫١
النرويج ٨٨٥٦٫٩ ٤٦ ٦٩٥٨٫٢ ٣٦ ٢٥٢٥٫٢ ١٣ ١٨٢٫٣ ١ ٨٢٤٫٤ ٤ ١٩٣٤٦٫٩
هولندا ١٩٨٤٫٧ ٣٨ ٤٨٢ ٩ ٢٣٥٧٫٦ ٤٥ ٥٦٫٩ ١ ٣٢٥٫٥ ٧ ٥٢٠٦٫٧
هونج كونج ٨٨٫٦ ١٣ ٢٤٤٫٢ ٣٧ ٣٢١٫٦ ٤٨ ٠٫٩ ٠ ١٥٫٧ ٢ ٦٧١
الهند ٢٨٧٫٩ ١٢ ٧٩٠٫٣ ٣٣ ١٢٢٤٫١ ٥١ ١٫٤ ٠ ٩٨ ٤ ٢٤٠١٫٧
الولايات المتحدة ٤٦٨٧٫٩ ٢٥ ٢٠٧٩٫٩ ١١ ٩٨٧٣٫٦ ٥٤ ٧٣٫٦ ٠ ١٧٤٨٫٢ ١٠ ١٨٤٦٣٫٢
اليابان ٩٢٢٨٫١ ٣٤ ٧٨٨٥٫٩ ٢٩ ٧٣٧٧٫٨ ٢٧ ٩٧٧٫٦ ٤ ١٥٣٤٫٣ ٦ ٢٧٠٠٣٫٧
يوجسلافيا ٢٥٥ ١٧ ٢٩٤٫٦ ١٩ ٩٢٩٫٨ ٦١ ٠٫٨ ٠ ٣٥٫٤ ٣ ١٥١٥٫٦
اليونان ٣٨٧٢٫٤ ٣٥ ٢١٨٣٫٦ ٢٠ ٤٤٥٠٫٩ ٤١ ٣٧ ٠ ٤٠٨٫١ ٤ ١٠٩٥٢
بقية العالم ٤٦٩٫٢ ١٥ ١٦٥٫٤ ٦ ١٩٦٨٫٩ ٦٥ ١٦٣٫٤ ٥ ٢٦٥ ٩ ٣٠٣١٫٩
ملاحظات:
  • (١)
    تشتمل السفن مختلفة الوظيفة على سفن الشحن الحديثة (المعبآت container)، وناقلات الغاز السائل، وناقلات المواد الكيمائية، وسفن الأبحاث، وسفن نقل الأشخاص المنتظمة Linora.
  • (٢)

    يشتمل أسطول كندا على أسطولها في البحيرات العظمى.

  • (٣)

    يشتمل أسطول الولايات المتحدة على أسطولها في البحيرات العظمى، كما يشتمل على الأسطول الاحتياطي (غير العامل في الوقت الحاضر).

(×) أرقام مصر ولبنان عن ١٩٦٩ من الكتاب السنوي الإحصائي للأمم المتحدة ١٩٦٩.

المصدر: “Maritino Transport” 1970, O.R.C.D. (org. for economic co-operation and development Paris 1970), Table XXllb, P. 129.
١  تنقل الطائرات ٨٥ في المائة من مجموع الأفراد الذين يعبُرون الأطلنطي الشمالي، وبذلك سجلت انتصارًا كبيرًا على النقل البحري؛ وهو الأمر الذي يؤدي إلى بيع السفن الضخمة التي أُنشئت لعبور الأطلنطي مثل كوين ماري.
٢  حينما دخلت ناقلة بترول يابانية حمولتها ربع مليون طن إلى ميناء لندن، كانت أكبر سفينة دخلت ميناء لندن. وكان ارتفاعها أعلى من كنيسة سان بول اللندنية، ومن الضخامة بحيث يتنقل البحارة فوقها على موتوسيكلات صغيرة، وهناك مشاريع يابانية لبناء ناقلة بترول تبلغ حمولتها نصف مليون طن.
٣  يمكن لهذه السفن أن تنقل ركابًا بأجور رخيصة جدًّا، لكنها غير مجهَّزة بغرف كثيرة. كما أن الراكب لا يفترض فيها أية مواعيد مسبقة للتحرك أو الوصول.
٤  كان الأميرال نلسون يرى في كثرة السفن التجارية البريطانية ميدانًا لانهائيًّا لتدريب بحارة ماهرين، يمكن تجنيدهم فيما بعدُ للخدمة في الأسطول الحربي البريطاني. ويترتب على ذلك دعم مستمرٌّ للسيطرة البريطانية على بحار العالم.
٥  Morgan, F. W., “Ports and Harbours” London 1961, P. 76.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤