الفصل السادس

لم تكن المسافة بين ويمبلدون وسربيتون كبيرةً نسبيًّا. فيمكن لقطار هُمام، عازم على إنجاز هذه المهمة الفذة، أن يقطع تلك المسافة في خلال سبعِ أو ثماني دقائق، وحتى أبطأ القطارات «المحلية» لا يستغرق أكثر من اثنتَي عشرة دقيقة. كان بارني شابًّا مفعمًا بالنشاط والحيوية؛ وحيثما كان الأمر يتعلق بشيك، كان يدرك عواقب التأخير؛ لذا قرر، بما أنه قريب من سربيتون، أن يذهب لزيارة والدته ويسوِّي المسألة. كان الشاب غالبًا ما يُطمئن نفسه بأن يقول بداخله إنه ليس غبيًّا، ومكَّنته الدقائق القليلة التي استغرقها في تأمل الموقف، بينما كان يقطع الرصيف رقم ثلاثة جيئةً وذهابًا منتظرًا القطار، من وضع خطة.

كان عقل بارني يعمل بطريقةٍ مرتبةٍ كانت تُمكِّنه من التخطيط للحصول على أي شيءٍ يريد. فقد اعتاد أن يقول: «أفضل شيءٍ يا بني أن تعلمَ جيدًا ما تريد؛ ومن ثم تحاول الحصول عليه.» وفي أثناء محاولة الحصول على ما يريد، كان الشاب يطأ بقدمَيه أي شيءٍ يعترض طريقه: كالحقيقة على سبيل المثال. فكان هدفه الوحيد هو تحقيق النجاح؛ النجاح الحقيقي الذي يصل به إلى أهدافه. وفي سبيل تحقيق هذه الغاية، لم يكن يهتم بالوسيلة.

في هذا الموقف، كان بارني يريد منع أي تدخُّل في عمل سارتويل، وكان يعلم أنه إذا ما امتلك ما يكفي من الشجاعة لاعتراض مخطط والدته، فإن مثل هذه المعارضة ستجلب التدخل الذي كان يرغب في تجنُّبه، وفي الوقت نفسه ستضعه هذه المعارضة على القائمة السوداء لدى والدته، الأمر الذي سيضره ماديًّا.

قال بارني لنفسه: «سيتطلب الأمر قدرًا من التفكير»، ما يدل على أنه قد قدَّر الصعوبات المحيطة بالموقف على نحو صحيح، وأدرك مدى قِصَر المسافة بين ويمبلدون وسربيتون.

سربيتون أجمل ضواحي مقاطعة سري وتحظى بخدمة قطارات ممتازة. وهي مكونة من منازل كبيرة، ومنعزلة، من الفئة التي يُطلق عليها في لغة سماسرة العقارات «مطلوبة». ينجذب سماسرة البورصة القادمون من المدينة إلى المكان؛ بسبب خدمة القطارات السريعة والمنازل المطلوبة على حدٍّ سواء؛ ولهذا السبب يعيش الكثير منهم في هذه الضاحية. وقد أضفى التجار وأصحاب المصانع الأثرياء المتقاعدون على المكان طابعًا من الخصوصية لم يكن ليكتسبه مطلقًا، لو كان مجرد منتجع للنبلاء، أو مكان لإيواء الطبقات العاملة. فالتجار الأثرياء والمتقاعدون هم من أعطَوا إنجلترا سُمعتها كبلد بارد ومهيب. ولا شيء يضاهي ركوب عربات القطار ذات الدرجة الأولى من سربيتون المعزولة — «باستثناء فوكسهول ووترلو فقط» — التماسًا للخصوصية الجافة. ففي بعض الأحيان، قد يصادف دوق أو ماركيز تعس الحظ آتٍ من ضيعته في جنوب غرب البلاد مباشرة؛ مجموعةً من سكان سربيتون ويُعلِّق تعليقًا بريئًا وودودًا. ولكنه يتجمَّد في صمتٍ عندما يصطدم بتلك النظرات الباردة من ركاب العربة الخمسة الآخرين.

تبدو سربيتون، في نظر الغرباء، مكانًا ساحليًّا. فبعض شوارعها واسعة ومُقسَّمة بمتنزهات ضيقة مُسيَّجة. ثمة مقاعد متناثرة هنا وهناك، والأشجار منتشرة في كل مكان، وتوجد قاعة مؤتمرات في وسط المدينة، كما يقام عرض بحري على النهر، ويُقام حفل موسيقي وعرض للموسيقى العسكرية مساء كل أربعاء خلال شهور الصيف، وأضفى كل هذا على الضاحية طابع المنتجع الساحلي، ولم يكن ينقصها سوى ذلك الرصيف الطويل الشبيه بأرجل العنكبوت المصنوع من الحديد الزهر، والذي قد تبنيه سربيتون على ضفة النهر على حدائق قصر هامبتون كورت التي تشبه مياه البحيرة فيها، في فصل الربيع، محيطًا شاسعًا أصفر اللون. عندما يُبنى هذا الرصيف، من المؤكد أن رسوم الدخول ستصل إلى أربعة بنسات؛ أي ضعف رسوم دخول برايتون؛ إذ تميل سربيتون إلى التأكيد على خصوصيتها بطريقة تروق لخيال أصحاب الأموال. فهي تفخر بحقيقة أن أسعارها المحلية مرتفعة. ويجري انتخاب لجنة تطوير سربيتون للإشراف على تنفيذ هذا المخطط، ولضمان أن تكون تكلفة تذكرة الموسم من الدرجة الأولى تفوق أي مكان آخر يبعد المسافة نفسها عن لندن بجنيهين.

كان منزل عائلة هوب ضخمًا، ومربعًا، وأصفر اللون، وعتيق الطراز إلى حدٍّ ما — كانت عبارة «قصر مهيب» هي ما استرعى انتباه السيدة هوب في جريدة «تايمز» قبل أن تحث زوجها على شرائه — وكان مبنيًّا على أرض مترامية الأطراف كثيفة الأشجار. استقل بارني إحدى عربات الحنطور المفتَّحة الأبواب، المصطفة في المحطة لاستئجارها، وهي فئة من المركبات تضيف إلى المظهر الساحلي لسربيتون.

طلب بارني من السائق أن ينتظر، وصعد الدرج مهرولًا حتى وصل إلى باب المنزل وطرقه؛ إذ لم يكن للباب الأمامي جرس كأحد مظاهر الحداثة. وجد بارني والدته جالسةً في غرفة الضيوف ومعها صديقتها ليدي ماري فانشو، التي حضرت من منزل والدها الريفي في نواحي دوركينج. كانت ليدي ماري فتاةً جميلة وخجولة نوعًا ما؛ فقد تخضَّب وجهها بحمرة جميلة عندما دخل بارني الغرفة، وكانت تُكن إعجابًا كبيرًا بأعمال الشاب الفنية السابقة التي لم تحصل على ما تستحق من التقدير، وكان إعجابها ببارني الرسام يفوق إعجابها ببارني صاحب المصنع. ولم يعترض والدها على التعارف بين عائلته وعائلة هوب، بعدما تأكَّد يقينًا من أن ملكية بارني لمرسمٍ لن تتعارضَ بأي حالٍ من الأحوال مع انتقال ملكية المصنع المُربِح إليه في نهاية المطاف.

صاح الشاب وهو يصافح الفتاة: «كيف حالكِ يا ليدي ماري.» وأضاف مخاطبًا والدته: «كيف حالكِ يا أمي؟» وقبَّل وجنتها.

قالت الأم وقد لاحت لمحة من الحِدة في نبرة صوتها: «بارني، لم أتوقع رؤيتك في سربيتون بهذه السرعة. لقد اعتقدت أنك ستعكف على أداء المهمة التي أوكلتها لك.»

واصل الشاب حديثه في مرح وهو يدفئ يدَيه على نار المدفأة: «لقد أتممت المهمة يا أمي. أنا لا أؤجل عمل اليوم إلى الغد؛ إلا أني لا أعني أن اليوم مناسب لأداء أي عمل.» وأردف مخاطبًا ليدي ماري: «الطقس فظيع»، وأيَّدت عبارته المقتضبة.

«نعم يا أمي؛ إن شعاري هو إذا كان ثمَّة عمل يستحق الأداء، فهو يستحق أن يُؤدى بسرعة — فما يُنجَز سريعًا، يُنجز مرتَين — أعتقد أن ثمَّة مثلًا يُعطي هذا المعنى، كما تعلمين. وإذا لم يكن ثمَّة مثل بهذا المعنى، فلا بد من إيجاده.»

نهضت ليدي ماري لتغادر الغرفة؛ إذ بدا جليًّا أن ثمَّة نقاشًا سيدور بين الأم وابنها.

قالت السيدة هوب: «اجلسي يا صغيرتي. لن نتحدث عن أمور خاصة. عمال «المصنع» ينوون الإضراب عن العمل. ومدير المصنع رجل عنيد ومستبد برأيه، لا يتورع حتى عن إرهاب موظفيه …»

قاطعها بارني، الذي كان في هذه اللحظة واقفًا موليًا ظهره إلى النار، وقد باعد بين ساقَيه على سجادة المدفأة، قائلًا: «أدعو ذلك تنمرًا.»

واصلت الأم حديثها بهدوء دون أن تولي أي اهتمام لتعقيب ابنها: «لذا، يبدو لي أن هذا الرجل، المفتقر تمامًا إلى الكياسة، قد لا يهتم بما يشعر به مرءوسوه. جميعنا ملزَمون بواجبات تجاه الطبقة العاملة، ولكنها، للأسف، حقيقة ينساها كثيرون على ما يبدو.»

قالت ليدي ماري بصوتٍ خافت، وقد خفضت بصرها، إن هذا صحيح بالفعل.

«هل التقيت السيد سارتويل إذن يا برنارد؟»

«نعم، التقيت سارتويل، وتحدثت إلى بعض الرجال … أقصد مع … مع الزعماء.»

«تقصد القادة يا برنارد.»

«نعم، شيء من هذا القبيل. لا أدعي أنني أفهم طبقة العمال اللعينة تلك، كما تعلمين، إلا أن ثمَّة الكثير من المنطق في حديثهم. إنهم يعون تمامًا ما يريدون.»

«وهل وجدت السيد سارتويل عنيدًا؟»

«لا، باركك الرب، لا يا أمي. إن سارتويل هو أكثر رجل عقلاني قابلته على الإطلاق.»

«حقًّا؟ لم يخطر ببالي قط أن أُصنِّفه ضمن هذه الفئة.»

«ربما كنتِ مخطئةً بشأن سارتويل يا أماه؛ فلن تجديه يعترض طريقك على الإطلاق. إنه على أُهبة الاستعداد لفعل أي شيء تريدين فعله. «بارني يا بني»، هكذا قال لي عندما أخبرته بتصوركِ بشأن هذه المشكلة: «بارني، رغم كل ما قيل وتم، فهذا شأن يخص النساء أكثر ممَّا يخصنا».»

وقفت السيدة هوب ناصبةً قامتها في شموخ وحدة وقالت: «شأن يخص النساء! هل أفهم من حديثك يا بارني أن هذا الرجل يقصدني أنا والسيدة مونكتون؟»

«حسنًا، لقد كنا نتحدث معًا بانفتاح، رجلًا لرجلٍ يا أمي … و… تبًّا! إنك تعلمين أنه شأن يخصكِ والسيدة مونكتون أكثر ممَّا يخص مونكتون العجوز ووالدي؛ فأنا لا أعتقد أنهما يوليان الأمر الكثير من الاهتمام.»

رفعت السيدة هوب نظارتها إلى عينَيها ببطء، وحدَّقت في ابنها الذي كان في تلك اللحظة ينظر إلى سجادة المدفأة، مرتكزًا بثقل جسده على أصابع قدمَيه تارةً، ثم يعود للوقوف على كعبَيه تارةً أخرى.

«ليس لديَّ أدنى فكرة عمَّا تتحدث عنه يا برنارد.»

«أنا أتحدث عن الإضراب المُقترح يا أمي، عن مطالب العمال.»

«تقصد التماساتهم يا بني. إن العمال يلتمسون لقاءً مع السيد سارتويل، وهو يرفض ذلك، كما لو كان رئيسًا للوزراء.»

«هذا تحديدًا ما قلته للسيد سارتويل. قلت له: «سارتويل، أنت تعامل العمال باستعلاء.» وأقر بذلك دون مواربة، ولكنه يعتقد أنه إذا اجتمع بالعمال، فلن يجديَ ذلك أي نفع إلا إذا خضع لمطا… لالتماساتهم.»

«كان بإمكانه أن يتوصل لحل وسط؛ كان بإمكانه تقديم بعض التنازلات وكان كل شيء سيسير بسلاسة مرةً أخرى. إنه لا يملك أي كياسة.»

«صدقت، هو كذلك بالفعل. ولكن العمال يريدون شيئًا واحدًا فقط، وليس الكثير. ومطلبهم منطقي تمامًا؛ لقد تحدثت إليهم وشعروا بسعادةٍ بالغةٍ عندما سمعوا أنكِ تناصرينهم. ولن تقع أي مشكلات معهم في المستقبل إذا ما تعامل سارتويل معهم بعقلانية لا أكثر. إنهم يرون الموقف على النحو الآتي: يعملون عشر ساعات يوميًّا ويتقاضون حوالي جنيهًا واحدًا أسبوعيًّا … أو … آه … شيء من هذا القبيل … لقد نسيت المبلغ بالتحديد رغم أنهم ذكروه لي بالشلنات والبنسات. أما أبي ومونكتون فيعملان أربع أو خمس ساعات يوميًّا — ودون جد — ويذهبان في الصيف إلى سويسرا وفي الشتاء إلى الجزائر، ويتقاضى كلٌّ منهما من الشركة عشرين ألف جنيه سنويًّا. وهذا يراه العمال جورًا، وبالطبع أتفق معهم في ذلك. هذا أمر شائن وجائر، وقلت لهم ذلك. إن العمال على استعداد للتحلي بأقصى درجات السخاء والكرم. لكي يتوصلوا إلى تسوية، سيُوافقون بأن يتقاضى الشريكان عشرة أضعاف ما يتقاضاه العمال المُجدُّون؛ أي إن مونكتون وأبي سيتقاضى كلٌّ منهما خمسمائة جنيه سنويًّا من الشركة، وستُقسَّم أربعون ألف الجنيه بين العمال. ورأيت أن هذا العرض سخيٌّ للغاية، وأخبرتهم بذلك.»

خلال هذا العرض البارع لآراء العمال، وإن كان مُلفَّقًا، ظلت السيدة هوب تحدِّق في ابنها في دهشة كانت تتزايد مع كل لحظة تمر. وعندما انتهى من حديثه، هبَّت واقفة، وبدت، وقد انعقد لسانها من الدهشة وعقدت حاجبَيها، عابسة. وظلت ليدي ماري تتنقل بنظراتها في قلق مشوب بالخوف بينهما. بدا أن ثمَّة عقلانيةً جمَّة في حُجة الشاب، إلا أن ثمَّة أمرًا خاطئًا يشوب هذا العرض.

وأخيرًا صاحت السيدة هوب قائلة: «خمسمائة جنيه سنويًّا! … لي أنا!»

«حسنًا … في الحقيقة هي لأبي … ولكن لا فارق بينكما بالطبع.»

«خمسمائة جنيه سنويًّا! برنارد، لو أخبرني أحدٌ قبل ساعةٍ من الآن أنك أحمق كنت … خمسمائة جنيه سنويًّا! … كيف يمكن لأحدٍ أن يدبِّر معيشته بخمسمائة جنيه سنويًّا؟»

نظر بارني لأمه مؤنبًا. كان واضحًا أنه قد شعر بالإهانة.

«نفس طريقة كلام سارتويل، وظني أنه أيضًا يعتقد أني أحمق، فقط لأني أحاول أن أستوعب مشكلة العمال. لقد تراءى لي أنه إذا كان بإمكان عامل يعول اثني عشر طفلًا أن يعيش بخمسين جنيهًا سنويًّا، فإن زوجَين مسنَّين لم ينجبا إلا ابنًا واحدًا، على وَشْك أن يجنيَ ثروةً من الرسم، يمكنهما تدبير أمورهما بعشرة أضعاف هذا المبلغ.»

«لم أعد أُطيق معك صبرًا يا برنارد.»

«قال لي سارتويل، ثم انظر إلى رأس المال المُستثمر …»

«بالطبع. إنه محق تمامًا، وأي شخص يملك ذرة عقل سيُدرك ذلك. لقد أُنفقت عدة آلاف من الجنيهات على المباني وفي تطوير الشركة. لم يفكر العمال قط في ذلك، ويبدو أنك أيضًا لم تفكر فيه.»

«تعرفين يا أمي أن هذا النوع من العمل لا يستهويني. غير أن ما قاله سارتويل عن الاستثمار جعلني أفكر …»

قالت أمه متعجبةً في ازدراء شديد: «تُفَكِّر!»

واصل بارني حديثه بهدوء قائلًا: «نعم؛ لذا توجهت إلى العمال لأسمع منهم ما سيقولونه عن هذا الأمر. فقالوا على الفور إن رأس المال قد استُردَّ مرارًا ومرارًا. فعدت إلى سارتويل لأرى إذا كان هذا صحيحًا، وقد كان. حسنًا، ثم …»

«ثم ماذا؟»

«في ظل هذه الظروف، بدا لي أن العمال قد قدَّموا عرضًا سخيًّا للغاية. إذا رسم لي أحدهم لوحةً يمكنني أن أبيعها مقابل خمسمائة جنيه وارتضى بأن يأخذ خمسين جنيهًا لقاءها تاركًا لي الأربعمائة والخمسين جنيهًا الأخرى، فسأرى أنه رجلٌ في غاية السخاء.»

«توقَّف عن هذا الهراء من فضلك. هل سيلتقي سارتويل بالعمال؟»

«أعتقد أنه سيفعل.»

«عليك إذن أن تعود إلى المدينة على الفور وتخبره بألَّا يفعل شيئًا من هذا.»

قال الشاب معترضًا: «ولكن يا أمي …» جال ببصره في الغرفة في عدم ارتياح، ورأى أن ليدي ماري قد تسلَّلت من الغرفة خلسة.

«لا تقل شيئًا. لقد تسبَّبت في الكثير من الضرر بالفعل. فلتحاول أن تصلحه.»

«ولكني قلت لك! إنه أمر شاقٌّ بالنسبة إليَّ يا أمي. عندما وعدتِني بأن تعطيني شيكًا بثلاثمائة جنيه، لم أتخيَّل أنه سيكون عليَّ أن أرى سارتويل العجوز مرةً ثانية وأن أتراجع عن كل ما قلته له. سيظن حينها أني أحمق.»

«إنه يظنُّك ذلك بالفعل. ولكن لا يهم ما يظنُّه بك. ما عليك إلا الاهتمام بما سيفعل. عليك أن تقابله على الفور وتُوقف هذا الهراء المتعلق باجتماعه مع العمال.»

هزَّ بارني رأسه في كآبة.

وقال: «لا أدري كيف سأواجهه مرةً أخرى يا أمي. أُفضِّل أن أخسر شيك الثلاثمائة جنيه.»

«لا شأن للشيك بهذه المسألة. آمل أنك لا تهتم بهذه المسألة من أجل الثلاثمائة جنيه. ولكني سأكتب لك شيكًا بخمسمائة جنيه، إذا كان ذلك سيرضيك. لا أريد سماع كلمة أخرى عن مسألة الخمسمائة جنيه السنوية تلك. كن متسقًا في أفعالك وكلامك على الأقل يا برنارد.»

«أشكرك يا أمي، سأحاول. وبينما تكتبين الشيك، سأتحدث إلى ليدي ماري قليلًا.»

قالت له أمه وهي تنهض: «حسنًا.» ولم يبدُ أنها انزعجت من طلبه.

عندما عادت الفتاة إلى الغرفة مرةً أخرى، كان وجه بارني مشرقًا للغاية بعد الانتهاء من هذا النقاش المطول.

قالت ليدي ماري بتواضع: «خشيت أن أُعيق مسار حديثكما؛ فأنا لا أعرف الكثير عن العمال.»

قال بارني: «إن قضية العمال قضية شديدة التعقيد، وأخشى أني لست ملمًّا بجميع جوانبها أيضًا، ولكنها مثيرة إلى أبعد الحدود، أؤكد لكِ أنها الأكثر إثارةً على الإطلاق. لقد أصبحت أنا نفسي رجلًا كادحًا الآن. فقد أصبح مرسمي جاهزًا وأصبحتُ أعمل كما لو كنت … لنَقُل تركيًّا … أو زنجيًّا؟»

«أعتقد أن صانع المسامير هو التشبيه الذي تحتاجه.»

«على الأرجح. لا أعتقد أن التركي قد يعمل إذا كان يحق له الاختيار. بالمناسبة يا ليدي ماري، أنا أنظِّم «حفل استقبال» في مرسمي كل ثلاثاء من الثالثة حتى الخامسة. وأتمنَّى لو تمكنتِ من الحضور. أقنعي والدكِ بأن يُحضرك. فأنا أرغب في وجود لورد حقيقي، كما تعلمين، كي … حسنًا … كي يضفي إلى التجمع قيمة.»

ضحكت ليدي ماري.

وقالت: «سيُسعدني كثيرًا أن أحضر. فلم أذهب إلى مرسم منذ أن رُسمت لوحة لي. سأسأل أبي، ولكنه لا يخرج من المنزل كثيرًا.»

«أعلم أنكِ ستتمكنين من إقناعه بالحضور؛ لذا سأعتبر ذلك وعدًا.»

وفي الرَّدهة، أخذ بارني شيكًا من والدته.

وقالت له: «احرص على أن تذهب للقاء سارتويل على الفور واحرص على ألَّا تفسد الأمور مرةً ثانية.»

ولكن الفتى المسكين لم يفعل شيئًا سوى أن ادعى أنه قد نفَّذ أوامرها السابقة! ولم يعلق بارني على تقلب مزاج النساء. وطبع قبلةً على كلتا وجنتَيها، مثلما يفعل أي ابن بار، وانصرف.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤