الْغُرَابُ وَالْبُومَةُ

اجْتَمَعَ الْبُومُ بِالْغُرَابِ فِي مَجْلِسِ أُنْسٍ، وَدَارَ بَيْنَهُمَا الْحَدِيثُ إِلَى أَنْ قَالَ أَوَّلُهُمَا لِثَانِيهِمَا: «كَمْ وَكَمْ مِنَ الْمَرَّاتِ وَدِدْتُ لَوْ أُتِيحَتْ لِي الْفُرْصَةُ لِأُعْرِبَ لَكَ عَنْ عَظِيمِ إِعْجَابِي بِصَوْتِكَ الرَّخِيمِ وَتَقْدِيرِي لِجَمَالِهِ! وَالْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنِّي لَا أَجِدُ بَيْنَ كُلِّ الطُّيُورِ الصَّدَّاحَةِ، الَّتِي تَعِجُّ بِهَا الْغَابَةُ مَنْ يَبزُّكَ أَوْ يُضَارِعُكَ فِي حَلَاوَةِ الصَّوْتِ، وَحُسْنِ الْإِيقَاعِ وَالتَّنْغِيمِ وَالتَّطْرِيبِ، فَعِنْدَمَا أَسْمَعُكَ تَصْدَحُ أَتَمَنَّى أَلَّا أُحْرَمَ سَمَاعَكَ إِلَى آخِرِ لَحْظَةٍ مِنْ حَيَاتِي، وَلَمَّا تَسْكُتُ أَنْتَظِرُ — عَلَى أَحَرَّ مِنَ الْجَمْرِ — عَوْدَكَ إِلَى الشَّدْوِ وَالتَّغْرِيدِ.»

فَأَجَابَ ثَانِيهُمَا شَاكِرًا لِأَوَّلِهِمَا حُسْنَ تَقْدِيرِهِ؛ قَالَ: «وَأَنَا بِدَوْرِي أَنْتَهِزُ هَذِهِ الْفُرْصَةَ السَّعِيدَةَ لِأُعَبِّرَ لَكَ عَمَّا أَشْعُرُ بِهِ مِنْ فَرْطِ السُّرُورِ، كُلَّمَا سَمِعْتُ تَغْرِيدَكَ الشَّجِيِّ فِي سُكُونِ اللَّيْلِ، مِمَّا يَحْمِلُنِي عَلَى الِاعْتِقَادِ بِأَنَّهُ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ مِنْ أَصْوَاتِ الطُّيُورِ قَاطِبَةً.»

وَسَمِعَهُمَا «الْعُصْفُورُ الدُّورِيُّ» وَكَانَ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْ مَجْلِسِهِمَا، فَخَاطَبَهُمَا قَائِلًا: «يَا صَدِيقَيَّ الْعَزِيزَيْنِ، لَيْسَ لِي مَا أَسْتَطِيعُ بِهِ أَنْ أَمْنَعَكُمَا أَنْ تَتَقَارَضَا الثَّنَاءَ وَتَتَبَادَلَا الْمَدِيحَ وَالتَّمْلِيقَ وَالْإِطْرَاءَ، إِلَى أَنْ يُبَحَّ صَوْتُكُمَا، وَلَكِنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُغَيِّرَ وَجْهَ الْحَقِيقَةِ الرَّاهِنَةِ الَّتِي يَعْرِفُهَا كُلُّ مَنْ لَهُ أُذُنَانِ وَاعِيَتَانِ …»

•••

وَالْآنَ، أَتَعْلَمُ لِمَاذَا أَطْرَى الْغُرَابُ الْبُومَ؟

ذَلِكَ لِأَنَّ الْبُومَ تَمَلَّقَ الْغُرَابَ! …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤