الْفَارُ١ وَالْوَزَّةُ٢ وَالسَّمَكَةُ وَالْحَنْجَلُ٣

اجْتَمَعَ أَرْبَعَتُهُمْ لِجَرِّ مَرْكَبَةٍ صَغِيرَةٍ لَيْسَ عَلَيْهَا ثِقْلٌ،٤ وَأَخَذَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَكَانَهُ حَوْلَ الْمَرْكَبَةِ، وَشَرَعُوا فِي عَمَلِهِمْ بِكُلِّ إِخْلَاصٍ، وَلَكِنَّ الْمَرْكَبَةَ لَمْ تَتَزَحْزَحْ قَيْدَ أُنْمُلَةٍ،٥ وَأَعَادُوا الْكَرَّةَ؛ بَعْدَ أَنْ تَبَاحَثُوا وَتَشَاحَنُوا لِمَعْرِفَةِ أَيهم الْمُقَصِّرُ فِي بَذْلِ جُهْدِهِ أُسْوَةً بِشُرَكَائِهِ، وَبَعْدَ أَنْ تَفَاهَمُوا وَتَصَالَحُوا وَتَعَاهَدُوا عَلَى الْإِخْلَاصِ فِي الْعَمَلِ، بَدَءُوا مُحَاوَلَتَهُمُ الثَّانِيَةَ لِجَرِّ الْمَرْكَبَةِ، وَلَكِنَّهَا عَلَى رغْمِ إِخْلَاصِ كُلٍّ مِنْهُمْ فِي عَمَلِهِ، لَمْ تَتَقَلْقَلْ مِنْ مَكَانِهَا.

وَأَخِيرًا بَدَا لَهُمْ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى تَرْكِيزِ قُوَاهُمْ بِالتَّوْقِيتِ الْمُوسِيقِيِّ الْمَأْلُوفِ لَدَى الْعُمَّالِ أَوِ الْحَمَّالِينَ مِنْ بَنِي الْإِنْسَانِ، عِنْدَمَا يَرْغَبُونَ فِي رَفْعِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ يَحْتَاجُ إِلَى مَجْهُودٍ عَظِيمٍ مُوَحَّدٍ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: هِيلَا لِيصَا! هِيلَا هُب!

وَجَرَّبُوا هَذِهِ الطَّرِيقَةَ أَيْضًا فَلَمْ يُفْلِحُوا، وَلَمَّا يَئِسُوا مِنَ النَّجَاحِ، ذَهَبَ كُلٌّ مِنْهُمْ فِي سَبِيلِهِ، وَبَقِيَتْ الْمَرْكَبَةُ تَنْتَظِرُ مَنْ يَجُرُّهَا.

•••

وَإِنْ لَمْ تَكُنْ — يَا قَارِئِي الْعَزِيزُ — قَدْ أَدْرَكْتَ إِلَى الْآنَ سَبَبَ إِخْفَاقِ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ؛ فَإِنِّي أُخْبِرُكَ أَنَّهُ يَعُودُ إِلَى اخْتِلَافِ عَنَاصِرِ أَفْرَادِهَا، وَتَنَافُرِ طِبَاعِهِمْ.

ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَيْنَمَا كَانَ الْفَارُ يَجُرُّ الْمَرْكَبَةَ مُتَّجِهًا إِلَى الْأَمَامِ، كَانَتِ الْوَزَّةُ تَطِيرُ فَتَجُرُّهَا إِلَى فَوْقَ، وَالسَّمَكَةُ تَغُوصُ فَتَجُرُّهَا إِلَى تَحْتَ، وَالْحَنْجَلُ يَتَقَهْقَرُ إِلَى خَلْفَ كَعَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْشِي إِلَّا إِلَى الْوَرَاءِ، فَيَجُرُّهَا مَعَهُ فِي اتِّجَاهٍ مُعَاكِسٍ لِاتِّجَاهِ الْفَارِ.

١  الفار والفارة بلا همزةٍ عربيةٌ صحيحة.
٢  الوزة لغة في الإوزة. ويحسن تعميم هذه الألفاظ وأمثالها لخفتها على اللسان والأذن.
٣  والجمع حناجل، حيوان قشري برمائي يُعرفُ في مصر بهذا الاسم، وبأبو جلمبو، وفي سوريا بالسلطعون، وكل هذه الأسماء أعذب من كلمة «سرطان» المخيفة.
٤  حمل ثقيل.
٥  مسافة رأس الإصبع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤