الذِّئْبُ يَنْشُدُ السَّلَامَ

قَالَ الذِّئْبُ لِلْعَقْعَقِ١ وَدَاعًا يَا صَدِيقِي الْعَزِيزُ، فَقَدْ نَوَيْتُ هَجْرَ هَذِهِ الْغَابَةِ الْمَنْحُوسَةِ، بَعْدَ أَنْ يَئِسْتُ مِنْ نَيْلِ السَّلَامِ وَالرَّاحَةِ وَإِدْرَاكِ الْهَنَاءِ وَالطُّمَأْنِينَةِ فِيهَا.

فَكُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ هُنَا تَكْرَهُنِي، وَتَنْظُرُ إِلَيَّ كَمَا لَوْ كُنْتُ عَدُوَّهَا اللَّدُودَ.

فَقَالَ الْعَقْعَقُ لِلذِّئْبِ — مُتَظَاهِرًا بِالْحُزْنِ لِوَقْعِ هَذَا الْخَبَرِ فِي نَفْسِهِ: وَإِلَى أَيْنَ فَكَّرْتَ فِي الرَّحِيلِ يَا هَذَا؟

– إِلَى أَيْنَ …؟ إِلَى أَيِّ مَكَانٍ يُبْعِدُنِي عَنْ هَذِهِ الْغَابَةِ الْبَغِيضَةِ، وَسَأُحَاوِلُ أَنْ تَكُونَ بِلَادًا نَائِيَةً، سُكَّانُهَا أَوْدَعُ مِنَ الْحُمْلَانِ، وَكِلَابُهَا أَجْبَنُ مِنَ الْخِرْفَانِ، وَكُلُّ أَهْلِهَا يَعِيشُونَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى الْأُلْفَةِ وَالْمَوَدَّةِ، حَيْثُ يَعُمُّ السَّلَامُ، فَأَنْعَمُ بِلَذَّةِ الْحُرِّيَّةِ، وَأَسْتَنْشِقُ هَوَاءَهَا الْمُنْعِشَ، فَلَا أُضْطَرُّ إِلَى الِاخْتِبَاءِ نَهَارًا، وَحِرْمَانِ نِعْمَةِ النَّوْمِ لَيْلًا … و…

فَقَالَ الْعَقْعَقُ: حَسَنًا تَفْعَلُ يَا صَاحِ! وَلَكِنْ قُلْ لِي بِاللهِ عَلَيْكَ؛ أَلَا تَنْوِي الْإِقْلَاعَ عَنْ وَحْشِيَّتِكَ الْكَرِيهَةِ وَخَلْعَ أَنْيَابِكَ الْحَادَّةِ قَبْلَ دُخُولِ هَذِهِ الْبِلَادِ السَّعِيدَةِ؟!

وَقَالَ الذِّئْبُ: كَلَّا، وَأَلْف كَلَّا! إِذْ كَيْفَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَحْيَا بِدُونِهَا؟

فَقَالَ الْعَقْعَقُ: إِذَنْ ثِقْ أَنَّكَ لَنْ تَجِدَ سَلَامًا أَيْنَمَا ذَهَبْتَ.

١  أو قُعْقُع أو كُنْدُش، تضاربت الآراء في صحة الاسم العربي للطائر المعروف عند الإنكليز باسم Magpie، وقد اخترنا هذا الاسم الذي نَظُنُّهُ الأقرب إلى الصواب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤