الفصل السابع

الزراعة

(١) ماهية الموارد الزراعية

(١-١) حجم الموارد الزراعية

ما من حرفة إنسانية لها مثل الزراعة في تأثيرها على المظهر العام لسطح الأرض، وذلك بالرغم من أن مساحة الأراضي المزروعة في العالم لا تُكَوِّن إلا قُرابة عُشر مساحة القارات، فمساحتها لا تزيد عن ٤٢٪ من مساحة الغابات و٦٠٪ من مساحة المراعي. ولكن مناطق الصناعة في العالم أصغر بكثير من مساحة الأراضي الزراعية، وإن كان لها مثل تأثيرها على تغيير مظاهر سطح الأرض، وإنما في نطاقات محدودة جدًّا من العالم.

وتبلغ مساحة الأرض الزراعية ١٤٫٦ مليون كيلومتر مربع موزعة على النحو التالي:

جدول ٧-١: توزيع مساحة الأرض الزراعية بالقارات (الأرقام بمليون هكتار).
القارة مساحة القارة بدون المسطحات المائية مساحة الأرض الزراعية ٪ من مساحة الأرض الزراعية عالميًّا
أفريقيا ٢٩٦٣ ١٨٥ ١٣
أمريكا الشمالية ٢١٣٧ ٢٧٣ ١٩
أمريكا الجنوبية ١٧٥٢ ١٤١ ١٠
آسيا ٢٦٧٧ ٤٥١ ٣١
أوروبا ٤٧١ ١٣٩ ٩
أوشينيا ٨٢٤ ٥٠ ٣
الاتحاد السوفييتي ٢٢٢٧ ٢٣٢ ١٦
العالم ١٣٠٥١ ١٤٧١ ١٠٠٪
ويوضح جدول (٧-١) وشكل ٧-١ أن أمريكا الشمالية تستحوذ على نسبة كبيرة من الأراضي الزراعية العالمية، ويرجع ذلك إلى وجود مسطحات كبيرة من السهول المروية بكميات وفيرة من الأمطار وأعداد كبيرة من الأنهار، وبخاصة المسيسبي وروافده الكثيرة الكبيرة، فضلًا عن ملاءمة المناخ للإنبات، وتمتد هذه السهول شمالًا إلى كندا، لكنها في الشمال تقع في ظل ظروف مناخية غير ملائمة للبرودة الشديدة.

ويلي الاتحاد السوفييتي السابق أمريكا الشمالية في مساحة الأراضي الزراعية، وهُنا أيضًا سهول غير قابلة للزراعة في الشمال على غرار السهول الكندية، وإلى الجنوب منها سهول عظيمة الاتساع من البحر الأسود إلى جنوب سيبريا الغربية مُلائمة مناخًا وتربة للزراعة.

ويلي ذلك في الأهمية الزراعية السهول الأوروبية في الغرب والوسط والسهول الخصبة الصغيرة في شمال إيطاليا والمجر وحوض الدانوب الأدنى.

أما أكبر مساحة زراعية فتوجد في آسيا التي تستحوذ على نحو ثلث الأراضي الزراعية في سهول كبرى منفصلة؛ الهندوستان وسهل الصين العظيم وسهول الأحواض النهرية الكبرى في جنوب شرق آسيا.

وأخيرًا، تحتل أفريقيا وأستراليا المراكز الأخيرة لكثرة صحاريها وكثرة المساحات الاستوائية غير المُلائمة بدرجة ما للزراعة إلا لأنواع معينة من الحاصلات.

(١-٢) السكان الزراعيون والعاملون في الزراعة١

لا تقتصر أهمية الموارد الزراعية على مساحة الأرض التي تشغلها بل إنها تشغل أيضًا أكبر عدد من سكان العالم، وعليها تقوم حياة حوالي نصف السكان؛ ففي عام ١٩٨٧ كان عدد سكان العالم قرابة خمسة مليارات. وكان سكان الريف ٤٦٪ من مجموع السكان، وبلغت القوة العاملة ٢٫٢٤ مليار العاملون في الزراعة منهم ٤٨٪.

شكل ٧-١: توزيع المساحة الزراعية بالقارة ١٩٨٦ بمليون هكتار.
ولكن التقدم الفني وازدياد الاعتماد على الآلة في الزراعة من ناحية، واستيعاب الصناعة والخدمات لعدد أكبر من السكان من ناحية ثانية يجعل نسبة السكان الزراعيين متناقصة في العالم كله، وإن كانت بدرجات أكبر في الدول المُتَقدمة والدول الاشتراكية عن الدول النامية، انظر جدول (٧-٢).

وأقل نسبة للسكان الزراعيين في الوقت الحاضر بريطانيا ٢٫١٪، تليها الولايات المتحدة ٢٫٩٪، ثم هولندا ٤٫١٪، ثم كندا ٢٫٨٪، وسويسرا ٣٫٩٪، وأستراليا ٥٫٥٪، وأعلى نسبة بين الدول الكبرى هي الصين ٦٩٪، والهند ٦٤٪، ومن الدول المتخلفة نجد ٧٨٪ مالاوي، و٧٦٪ أثيوبيا، و٦٩٪ زمبابوي، وفي بولندا ويوجسلافيا هبط عدد السكان الزراعيين من ٦٠٪ و٧٦٪ على التوالي عام ١٩٤٤ إلى ٢٠٪ و٢٢٪ على التوالي عام ١٩٨٧.

أما عدد العاملين في الزراعة فقد تناقصوا أيضًا في غالبية الدول بالنِّسبة لعدد السكان المنتجين في الدولة، ففي الولايات المتحدة نقص عدد العاملين من ١٩٪ إلى ٢٫٦٪ بين عامي ١٩٤٤ و١٩٨٧، وفي الاتحاد السوفييتي من ٥٠٪ إلى ١٥٪، وفي سويسرا من ٢١٪ إلى ٤٫٦٪، والمكسيك من ٦٥٪ إلى ٣٢٪، وفي مصر من ٧١٪ إلى ٤٢٪، وإندونيسيا من ٦٦٪ إلى ٥١٪.

وفي مُقابل ذلك زاد عدد العاملين في الزراعة في الهند من ٦٦٪ إلى ٦٧٫٥٪ في الفترة ذاتها، ويُمكن أن نُفَسِّر حالة الهند على ضوء العمالة الزِّراعية التي تشمل الرجال فقط، فقد تناقص عددهم في الفترة ذاتها من ٧٠٪ إلى ٦٥٪، ويعني ذلك أن الزِّيادة في العاملين الزراعيين في الهند ترجع إلى زيادة مشاركة النساء. أما في إندونيسيا فإن استمرار الارتفاع راجع إلى زيادة العاملين من الجنسين، وربما كان لذلك ارتباط بقوانين الإصلاح الزراعية وزيادة الملكيات الصغيرة التي تستوجب مجهود الجنسين، بعد تفكيك الملكيات الاحتكارية والإقطاعية الكبيرة.

(٢) الموضوع الرئيسي في الإنتاج الزراعي: الغذاء

رغم تعدد أشكال وأنماط الزراعة في الوقت الراهن من بدائية إلى كثيفة إلى واسعة، ومن زراعة المحاصيل الغذائية إلى زراعة المحاصيل النقدية، رغم كل هذا؛ فإنَّ الهدف الرئيسي من الزراعة ما زال أولًا: الحصول على الغذاء. وثانيًا: توفير المنتجات الزراعية للملبس وغيره من الأغراض الصناعية في مجتمع اليوم.

ولا شك أنه من الطبيعي أن يكون توفير الغذاء موضوع الزراعة الأول، ولقد زادت أهمية الحصول على الغذاء من الزراعة بعد التزايد السكاني العالمي الذي يهدد بحدوث انفجار سكاني عنيف في العالم.

ولهذا سينصب كلامنا في الإنتاج الزراعي أولًا: على المواد الغذائية، وثانيًا: على الخامات الزراعية اللازمة للتصنيع.

ورَغم أهمية إنتاج الخامات الزراعية من أجل الصناعة، وخاصة بالنظر إلى دخولها التجارة العالمية بشدة وبكمية أكبر من الحاصلات الغذائية، فإنَّ الإنتاج الغذائي ما زال على أكبر جانب من الأهمية، فالخامات الزراعية من أجل الصناعة قد أصبحت لها بدائل من المواد المصنعة، مثل النايلون والبرلون وغير ذلك من أسماء، وهذه البدائل الصناعية تنافس بشدة المنتجات الزراعية كالقطن والكتان والحرير والجوت والمطاط.

أما الحاصلات الغذائية؛ فلم يحل محلها بديل حتى الآن؛ وبالتالي لا منافسة ولا مساعدة لحل أزمة الغذاء العالمي، إنما على العكس يزداد الضغط عليها من أجل توفير إنتاج أكبر وتبادل تجاري أكثر، ولا أدل على ذلك من ازدياد التجارة في القمح والحبوب من الولايات المتحدة إلى الاتحاد السوفييتي السابق وإلى الهند وجمهورية مصر العربية في الأعوام الماضية القليلة.

ورغم أن دول الاتحاد السوفييتي السابق قد تستطيع في الأعوام القادمة أن تزيد إنتاجها من الحبوب الغذائية، فإن استمرار غوث البلاد الفقيرة التي تجتاحها كوارث طبيعية هي إنذار لهذه الدول بأن تحسن موقفها السكاني والتنموي لكي تتحرر من الجوع وسطوة الدول الكبرى.

جدول ٧-٢: نماذج من نسبة سكان الريف والعاملين بالزراعة حسب نوع الزراعة «نسب مئوية من مجموع السكان ومن مجموع القوة العاملة ١٩٨٧.»
الدولة سكان الريف العاملون بالزراعة الدولة سكان الريف العاملون بالزراعة
(أ) الزراعات المدارية تقليدية وحديثة بأفريقيا (ب) زراعات المناطق الموسمية بآسيا
تنزانيا ٨٠ ٨٢٫٣ بنجلادش ٧١ ٧٠٫٥
غينيا ٧٦ ٧٦٫٢ الصين ٦٩ ٦٩٫٥
زمبابوي ٦٩ ٦٩٫٢ الهند ٦٣ ٦٧٫٥
نيجيريا ٦٥ ٦٥٫٨ باكستان ٥٥ ٥١٫٥
كوت ديفوار ٥٨ ٥٨٫٥ إندونيسيا ٤٦ ٥١٫٠
(ج) زراعات البحر المتوسط (د) زراعات أوروبا الغربية «معظمها آلي»
تركيا ٤٧ ٥١٫١ فرنسا ٧ ٦٫١
مصر ٤٠ ٤٢٫٠ الدانمرك ٥ ٥٫٣
تونس ٢٧ ٢٧٫١ النمسا ٥ ٦٫٥
سوريا ٢٥ ٢٦٫٠ السويد ٤٫٨ ٤٫٣
اليونان ٢٣ ٢٦٫١ ألمانيا ٤٫٥ ٥٫٢
إسبانيا ١٢ ١٢٫٤ هولندا ٤ ٤٫٢
إيطاليا ٧ ٨٫٣ بريطانيا ٢ ٢٫٢
(ﻫ) الزراعات الواسعة في العالم الجديد
البرازيل ٢٦ ٢٦٫٢
الأرجنتين ١١ ١١٫١
المكسيك ٣١ ٣١٫٩
كولمبيا ٢٩ ٢٩٫٥
كندا ٣٫٧ ٣٫٨
الولايات المتحدة ٢٫٩ ٢٫٦
وربما كان السبب في عدم وجود بديل صناعي للغذاء الطبيعي حتى اليوم سببًا مزدوجًا:
  • أولًا: إن الغذاء الطبيعي — في اعتقاد الناس أجمعين — أفضل وأصح وأكثر ملاءمة للإنسان بتركيبه العضوي الحالي من أي أطعمة مركبة صناعيًّا.
  • ثانيًا: إنَّ معارف عصرنا لم تبلغ بعد الحد الذي يمكنها من اكتشاف غذاء إنساني كامل الفائدة مثل الغذاء الطبيعي من اللحوم والخضر والحبوب.

وبناءً على هذا فإن اهتمام المخططين في الوقت الحاضر بالزراعة من أجل الغذاء أمر واضح ومفهوم وجوهري، ولا تقتصر جهود تأمين الغذاء على الزراعة، بل هناك أيضًا محاولات لزيادة إنتاج الأسماك. ومع ذلك فرغم الطفرة الكبيرة في إنتاج الأسماك؛ فإن إنتاجها ما زال ضئيلًا بالمقارنة بمحصول الأرز أو القمح أو الذرة، كذلك فإنَّ عادة أكل الأسماك ليست متأصلة في معظم شعوب الأرض، بل هناك كثير من الشعوب البدائية التي تحرم أكلها، كما أنها ما زالت غالية نسبيًّا مما يجعلها غذاءً اعتياديًّا في مناطق صيدها وغذاءً مكلفًا في غير مناطق الصيد.

ومن الأدلة على ذلك، أن عددًا قليلًا من دول العالم يزيد فيها استهلاك السمك عن اللحوم، وهذه هي مناطق الصيد مع الفقر والاكتظاظ السكاني، ومن هذه الدول اليابان التي يبلغ استهلاك الفرد فيها سنويًّا من اللحوم ٦ كيلوجرامات، مقابل ٢٣ كيلوجرامًا من الأسماك، والبرتغال ١٦كجم من اللحم مقابل ١٩كجم من الأسماك، والفلبين ١٠كجم من اللحوم مقابل ١٥كجم من الأسماك.

والملاحظ من جدول (٧-٣) النتائج الآتية:
  • (١)

    النمو في الإنتاج الزراعي والغذائي سنة ١٩٩٣ إلى ١٩٩٤ محدود، ولكنه أعلى بمقدار الربع عن ١٢ سنة سابقة.

  • (٢)

    لكن النمو بالنسبة للفرد صغير لا زيادة سكان العالم، بل في أفريقيا بالذات هو متناقص.

  • (٣)

    في أوروبا النمو الزراعي والنمو في نصيب الفرد صغير جدًّا؛ لإنَّ ذلك مَرغوب من أجل إنقاص الفائض.

  • (٤)

    أما في كمنولث الدول المُستقلة (السوفييتية سابقًا) فإنَّ التناقص جاء نتيجة أحداث سياسية وعدم أمان اقتصادي مع فوضى وقلة الالتزام بنظام معين.

  • (٥)

    في مجموعة الدول النامية النمو الإنتاجي العام ممكن ومستمر ولكن نصيب الفرد ما زال أقل من منسوب السبعينيات والثمانينيات.

  • (٦)

    نمو إنتاج الغذاء تحسن من سنة لأخرى ببطء، ويُمكن القول نظريًّا إنَّ إنتاج الغذاء ومخزونه يمكن أن يغذي كل سكان العالم.

    كذلك يمكن رفع إنتاج الغذاء بدرجة كبيرة لو رفعت أوروبا والولايات المُتحدة القيود على الإنتاج، وأعيدت زراعة أراضي البور وزراعة أراضي كمنولث الدول المستقلة بكفاءة؛ فالواضح أن إنتاج الغذاء يقع تحت طائلة القوانين والاتجاهات في كل دولة حسب الأوضاع الاجتماعية والقومية؛ ومن ثَم الاختلاف بين دولة وأخرى.

  • (٧)
    ونتيجة لهذا فقد ظهرت فروق في توزيع إنتاج الغذاء في العالم؛ مما أدى إلى وقوع نحو ٢٠٪ من سكان العالم «نحو ٨٠٠ مليون شخص» في الدول النامية تحت خط الجوع ونقص الغذاء (تقدير FAO). وينقسم هؤلاء على الأماكن الآتية: أفريقيا جنوب الصحراء ٣٧٪، جنوب آسيا ٢٤٪، شرق آسيا ١٦٪، أمريكا اللاتينية ١٣٪، شمال أفريقيا ٨٪؛ أي نحو ٣٠٠ مليون في أفريقيا جنوب الصحراء و٦٤ مليونًا في أفريقيا الشمالية، وفي آسيا الجنوبية والشرقية ٣٢٠ مليونًا، ومائة مليون في أمريكا الجنوبية. وفي المجموع زادت السعرات الحرارية لسكان الدول النامية في الفترة من ١٩٧٢–١٩٩٢ من ٢١٣٥ سعرًا إلى ٢٥١٠ سعرات؛ أي بزيادة ١٨٪. ولكن أفريقيا تمثل استثناءً لهذا؛ فقد ساءت الأحوال في ٤٣ دولة، وتناقصت السعرات الحرارية. وحسب تقديرات هيئة اﻟ FAO؛ فإن إنتاج الغذاء في الدول النامية يجب أن يزيد في ١٠–١٢ سنة القادمة بمقدار ٦٠٪ لكي يتواءم الغذاء مع النمو السكاني.
    جدول ٧-٣: مؤشرات الإنتاج الزراعي والغذائي وتطور نصيب الفرد على أساس أن إنتاج الفترة ١٩٧٩–١٩٨١ = ١٠٠.
    المنطقة الإنتاج الزراعي بأكمله إنتاج المواد الغذائية
    ١٩٩٣ للفرد ٤ للفرد ١٩٩٣ للفرد ١٩٩٤ للفرد
    العالم ١٢٧ ١٠٢ ١٣٠ ١٠٣ ١٢٨ ١٠٣ ١٣١ ١٠٤
    أوروبا دون كمنولث روسيا ١٠٥ ١٠١ ١٠٥ ١٠١ ١٠٥ ١٠١ ١٠٥ ١٠١
    أمريكا الشمالية والوسطى ١٠٦ ٨٩ ١١٦ ٩٦ ١٠٧ ٨٩ ١١٧ ٩٦
    الولايات المتحدة ١٠٢ ٩٠ ١١٣ ٩٩ ١٠٢ ٩٠ ١١٣ ٩٩
    أمريكا الجنوبية ١٣٢ ١٠٣ ١٣٨ ١٠٥ ١٣٦ ١٠٦ ١٤٣ ١٠٩
    البرازيل ١٤١ ١٠٩ ١٥٠ ١١٤ ١٤٧ ١١٤ ١٥٧ ١١٩
    آسيا دون كمنولث روسيا ١٥٨ ١٢٥ ١٦١ ١٢٥ ١٥٩ ١٢٥ ١٦١ ١٢٥
    الصين ١٧٥ ١٤٦ ١٧٨ ١٤٧ ١٧٦ ١٤٧ ١٧٨ ١٤٧
    الهند ١٦٠ ١٢٣ ١٦٥ ١٢٤ ١٦٢ ١٢٤ ١٦٧ ١٢٥
    أفريقيا ١٣٦ ٩٤ ١٣٩ ٩٣ ١٣٨ ٩٥ ١٤١ ٩٥
    أستراليا وأوشينيا ١٢٠ ٩٨ ١١٦ ٩٣ ١٢٢ ١٠٠ ١١٨ ٩٥

    والمعادلة الصعبة أن النمو السكاني يجب أن يتناقص مقداره السنوي كثيرًا كي يمكن إطعام الناس؛ لإنَّ إنتاج الغذاء محكوم بظروف إيكولوجية وطبيعية، فلا يمكن إحداث طفرات فجائية فيه.

  • (٨)
    مشكلات الغذاء: إن انسياب فائض الغذاء من مصادر إنتاجه الكبرى إلى سوق الاستهلاك في العالم النامي بصفة خاصة يعوقه الكثير من الإشكاليات على رأسها ما يأتي:
    • (أ)

      حيث إن الإنتاج الأكبر هو في الدول المتقدمة، فإنَّ تصدير الغذاء يتخذ طابعًا سياسيًّا تفرضه الدول المتقدمة على الدول النامية للضغط عليها من أجل اتباع سياسات معينة.

    • (ب)

      نقص العملات الحرة، وتدهور العملات المحلية في الدول النامية يزيد من الأعباء المالية ويرفع قيمة الديون لحساب الدول المتقدمة.

    • (جـ)

      نقص وسائل التخزين وارتفاع تكلفة النقل يزيد من مشكلات تصدير الغذاء للعالم النامي.

(٢-١) أفريقيا: دراسة حالة

  • أولًا: على سبيل المثال في أجزاء من أفريقيا؛ فإن ضعف القوة الشرائية ونقص وسائل النقل الداخلية تُشَكِّل جانبًا كبيرًا من مُشكلة تعادل سعر السوق داخل الدول الأفريقية الكبيرة المِساحة بين المواني والداخل، ليس فقط بالنسبة للغذاء المستورد بل بالنسبة لإنتاج الغذاء المحلي ونقله إلى أسواق المدن.

    وهذا هو ما يعوق تنمية الزراعة في داخلية الدول، وبعبارة أخرى: فإن تحسين وسائل النقل هو أحد شروط النمو الزراعي، وكذلك الإكثار من صوامع التخزين من أجل حسن توزيع المحاصيل على السوق الداخلي، وينطبق هذا أيضًا على الدول الأفريقية التي تنتج محاصيل الزراعات التجارية مثل البن والكاكاو وخامات الزراعة الصناعية؛ كالقطن وفول السوداني ونخيل الزيت، وبخاصة إيجاد وسائل تخزين حديثة كي تتمكن من التصدير في الوقت المُناسب في شكل نوع من التحكم في سعر الخامات المُصَدرة.

  • ثانيًا: تُساهم القلاقل والثورات والانقلابات والحروب بين الدول في أفريقيا زيادة مشكلة الغذاء بخاصة والزراعة بعامة، وقد وضح ذلك في السنوات العشر الماضية، حيث ظهرت المجاعات نتيجة الثورات والحروب الداخلية مثل ما حدث في السودان والصومال ورواندا وبورندي وأنجولا وليبيريا.
  • ثالثًا: في العشرين سنة الماضية، وحسب تقديرات هيئة الفاو، فإنَّ إنتاج الغذاء العالمي زاد بمقدار الثلث، بينما لم يزد نصيب الفرد بمقدار ٣٪ فقط. وكانت الزِّيادة الإنتاجية في الدول النامية بمقدار ٤٤٪ وزيادة نصيب الفرد بمقدار ١٤٪.

    ومما يزيد من هذا وضوحًا أن الدول كثيفة السكان كالصين قد زاد إنتاجها الغذائي بمعدل ٧٧٪، ونصيب الفرد ٤٧٪، وعلى التوالي كانت الزيادة في الهند ٦٧٪ و٢٥٪، وإندونيسيا ٩٢٪ و٤٩٪، والبرازيل ٥٦٪ و١٩٪.

    وفي أفريقيا حدث العكس، فقد تناقص الإنتاج الغذائي بالنسبة للفرد بنحو ٥٪ في أفريقيا نتيجة لنمو سكان عالٍ، وفي أمريكا اللاتينية لم تستطع دول أن ترفع نصيب الفرد من الغذاء مثل: الأرجنتين، وفنزويلا، وبيرو، وجوايانا، وبارجواي، وكذلك غالب دول أمريكا الوسطى.

ويعطي الجدول التالي تفاوت بعض الدول في نصيب الفرد في الغذاء.

ويلاحظ في هذا الجدول أن معظم الدول التي تناقص فيها نصيب الفرد في مدة الدراسة هي: (أ) دول نامية. (ب) دول مُتقدمة، الأولى نتيجة لظروف متعددة أهمها زيادة السكان واضطراب الأحوال، والثانية نتيجة لسياسة معينة مرسومة لخفض المخزون وتقليل الإنتاج لكي توفر الدولة الدعم الذي تعطيه للمزارعين.

جدول ٧-٤: تباين نصيب الفرد من الغذاء في بعض الدول للفترة ١٩٧٩–١٩٩٢.
الدولة المتناقصة قيمة التناقص ٪ الدولة المتزايدة قيمة الزيادة
الصومال −٦٫٠ غانا وتايلاند +٠٫٣
مالاوي −٥٫٠ بريطانيا وهولندا +٠٫٤
سوريا −٣٫٤ بولندا +٠٫٩
زيمبابوي −٣٫٣ باكستان +١٫٠
نيكاراجوا ورومانيا −٣٫٢ مصر +١٫٤
السودان وسريلانكا −٢٫٢ ألمانيا +١٫٥
موزمبيق وجنوب أفريقيا −٢٫١ الهند +١٫٦
النيجر −٢٫٠ إندونيسيا ونيجيريا +٢٫٠
ميانمار (بورما) −١٫٩ الدانمرك +٢٫٢
السويد −١٫٥ الصين +٢٫٩
إيطاليا −٠٫٦
بنجلادش −٠٫٣
والولايات المتحدة −٠٫٢
ومن بين أسباب التدهور العام الآتي:
  • (١)

    تراجع خصوبة التربة نتيجة سوء إدارة المزارع ونقص التسميد وتعرية التربة والإكثار من قطع الأشجار.

  • (٢)

    سوء استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة في الزراعة.

  • (٣)

    نقص وسائل النقل للسوق مما يؤدي إلى فقدان جزء من المحصول، وتساعد قلة وسائل التخزين على تعرض المحصول للأحوال الجوية.

  • (٤)

    من المعوقات في بعض الدول السياسات الزراعية، والتسيب في تنفيذ القوانين؛ مما يؤدي إلى الطغيان على الأرض الزراعية بواسطة نمو المدن والصناعات. وفي أحيان تخفض الدولة «في أفريقيا بعامة» قيمة المحصول الغذائي بدرجة كبيرة؛ لضمان الغذاء لسكان المدن بسعر رخيص، ويترتب على ذلك فقدان الحافز لدى المزارع لزيادة الإنتاج، بل ويقتصر على إنتاج ما يقرب من احتياجه المباشر «وجيرانه» فقط.

  • (٥)

    الفقر الشديد لدى السكان لا يساعد على وجود سوق استهلاكية منوعة وكبيرة.

  • (٦)

    تقوم الدول ذات الإنتاج الغذائي والمخزون الكبير في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية بتقديم مساعدات غذائية في أحيان كثيرة للدول النامية، خاصة في حالات الشدة والمجاعة، ولكن ذلك قد لا يستمر طويلًا؛ فهناك معونات تدفعها الدولة للمزارعين، وكذلك الرأي الذي بدأ يأخذ نصيبًا من التأييد هو: لماذا ندفع معونات من أجل محاصيل نقدمها هدية لشعوب أخرى؟

(٢-٢) استخدام الأسمدة والمخصبات والآلية الحديثة

وصلت الدول المتقدمة إلى مرحلة الإشباع في استخدام الأسمدة بحيث لا يجدي اقتصاديًّا مزيد من الاستخدام، أما الدول النامية فينقصها كثيرًا استخدام هذه المخصبات، والدول التي استخدمتها بكفاية ظهرت فيها زيادة ملحوظة في الإنتاج الزراعي والغذائي في بلاد العالم النامي.

وقد وصل استهلاك العالم من الأسمدة في ١٩٩٢-١٩٩٣ إلى الوضع الآتي «بمليون طن»: أسمدة نيتروجينية ٧٣٦٣١، أسمدة فوسفاتية ٣١٥٢٥، وأسمدة بوتاسية ٢٠٧٧٥.

أكبر مستهلك للنيتروجينيات: الصين ٢٠٤٠٣، الولايات المتحدة ١٠٣٠٤، الهند ٨٤٢٦، روسيا ٢٦٢٢، فرنسا ٢١٥٤، إندونيسيا ١٦٩٦، ألمانيا ١٦٨٠، باكستان ١٦٥٣، بريطانيا ١٣٢٦، كندا ١٢٧٣، أوكرانيا ١٢٤٧، المكسيك ١٢٣٠، تركيا ١٢٠٦، إيطاليا ٩٠٦، البرازيل ٨٦٥، إسبانيا ٧٦٥، مصر ٧٤٥، بنجلادش ٧١٣، بولندا ٦٨٣، كوريا الشمالية ١٥٣، اليابان ٥٧٢، النمسا ١٢٤.

الفوسفات: الصين ٦٧٥٨، الولايات المتحدة ٤٠٤٤، الهند ٢٩٠٨، روسيا ٢٦٢٢، فرنسا ٢١٥٤، البرازيل ١٣٤٦، أوكرانيا ٩٠٠، اليابان ٦٩٩، أستراليا ٦٩٠، تركيا ٦٥٨، كندا ٥٩٨، إيطاليا ٥٩٦، إندونيسيا ٥٩٣، ألمانيا ٤٩٠، إسبانيا ٣٨٨.

الأسمدة البوتاسية: الولايات المتحدة ٤٦٣٥، الصين ١٩٩٤، البرازيل ١٣٧٣، روسيا ١٣٥٠، فرنسا ١٣٤٨، الهند ٨٨٤، أوكرانيا ٧٥٠، ألمانيا ٦٧٢، اليابان ٥١٣، ماليزيا ٥١٠، بريطانيا ٤٢٠.

(٢-٣) أسعار المنتجات الزراعية

غالبًا متذبذبة، بعضها يرتفع كالكاكاو والمطاط وبعضها راكد أو متراجع، ولكن في المجموع هناك على المدى ارتفاع في معظم الأسعار الغذائية والصناعية، والارتفاع له أسبابه التي منها أن المحصول يتناقص؛ نتيجة ظروف مناخية في أوروبا أو سياسية في غيرها.

(٢-٤) أوضاع الزراعة والغذاء في المناطق والقارات

  • (١)
    في أفريقيا: أخذ الغذاء صورة أزمات شديدة، ولكن في بعض الدول هناك تحسن محسوس، والإنتاج الغذائي الآن يكون ٧٥٪ من إنتاج السبعينيات بالنسبة للفرد؛ نتيجة ازدياد السكان، وقد بلغ عدد الجوعى أو قليلي التغذية نحو ١٧٢ مليونًا حسب تقديرات «الفاو». وترتب على ركود الإنتاج عند حدود معينة استيراد الغذاء بالقدر الذي تسمح به مالية كل دولة أو أعلى منه.

    وتقدِّر «فاو» أن أفريقيا استوردت ١٩٩٣ نحو ٢٣ مليون طن من الحبوب، وأن ٢٥ دولة وصلتها معونات غذائية عاجلة حيث لم تقدر ميزانية الدول على دفع قيمة الاستيراد، والحالة سيئة في شمال ووسط وشرق أفريقيا. أما غرب وجنوب القارة فالوضع أحسن ويتحسن، وسبب التدهور الظروف المناخية والتصحر والقلقلة السياسية، وفشل السياسة الزراعية والحروب الداخلية والقبلية والإرهاب؛ كما حدث في السودان والصومال ورواندا وبورندي وليبريا وزائير … إلخ.

  • (٢)
    أمريكا اللاتينية: ارتفع الإنتاج والإنتاجية بشكل يُمكن من تحسين الغذاء بالنِّسبة للفرد برغم النمو السكاني الكبير، ولكن الجوع أو نقص الغذاء موجود بين سكان المدن الفقراء في البرازيل ودول الإنديز.
  • (٣)
    الهند: نجحت «الثورة الخضراء» في الوصول إلى الأهداف الإنتاجية المرسومة، وذلك خاصة باستخدام بذور جديدة محمية من الأمراض، وقد ارتفع الإنتاج الزراعي عامة والغذائي خاصة، وارتفع معه نصيب الفرد من الغذاء؛ فقد ارتفع إنتاج الحبوب إلى الرقم القياسي ٢١١٥ مليون طن؛ وذلك نتيجة ارتفاع إنتاج القمح والأرز.
  • (٤)
    الصين: نمو محدود لعام ١٩٩٣ على العام السابق بنسبة ١٪، وتراجع بسيط في إنتاج الغذاء؛ فقد هبط إنتاج الأرز من ١٨٠٠ إلى ١٧٥٦ مليون طن ١٩٩٤، والقمح من ١٠٦٤ إلى ١٠٢٠ مليون طن، والسبب سوء الأحوال الجوية في بعض المناطق، وقلة الأسمدة، وقلة البذور ذات الجودة، وقلة الآلات الزراعية في مناطق أخرى.

    والمطلوب أيضًا تحسين البنية التحتية في المناطق الريفية، وخاصة الطرق، بالإضافة إلى الانتباه إلى موضوع خصوبة الأرض ومعالجته، وعلى عكس الغذاء نرى زيادة كبيرة في الإنتاج الحيواني «الألبان واللحوم» والخامات الصناعية وبخاصة القطن.

    والخلاصة، إنَّ المساحة الكبيرة للصين مسئولة نوعًا عن عدم عدالة ما يخص الفرد من غذاء؛ فالمناطق البعيدة عن الطريق غير المناطق الريفية أو مناطق المدن المخدومة بوسائل نقل بقدر معقول.

  • (٥)
    كمنولث الدول المستقلة «الاتحاد السوفييتي السابق»: تناقص الإنتاج عن الاحتياج؛ هبطت الحبوب من ٩٥٢ مليون طن عام ١٩٩٣ في روسيا إلى ٨٥٠ مليونًا، وفي أوكرانيا من ٤٢٧ مليونًا إلى ٣٧٠ مليونًا، وكذلك كان هناك هبوط في حاصلات أخرى، وأصبحت هذه الدول أكبر مستورد للأغذية في العالم عام ١٩٩٤. وفي مناطق مُتعددة كان هناك نقص في الفاكهة والخضر واللحم والألبان، وكان لهذا أثره على طبقة فقراء المدن.

    وفي المجموع تراجع استهلاك الخضر بمقدار ٦٪ في روسيا، والبيض بمقدار ١٦٪ والزيوت النباتية٢٠٪، واللحوم ٢٥٪، والسمك ٤٩٪، وارتفع نصيب الفرد من البطاطس بنحو ٨٪. ولا شك أن ذلك راجع إلى عدم الاستقرار والفوضى الناجمة عن الانفصال بين الدولة والاقتصاد وعدم وجود أداة وسيطة بينهما في فترة الانتقال، وكذلك نقص رءوس الأموال والآلات الزراعية بالعدد المُناسب والسيارات والشاحنات والبذور عالية الجودة والأسمدة والمخازن والصوامع وعدم تكوين الفلاحة الفردية بعد النظم الجماعية السابقة.

  • (٦)
    الولايات المتحدة: الدولة الوحيدة التي تنتج كل الحاصلات عدا الفواكه المدارية؛ مشكلاتها أنها تنتج فائضًا مستمرًّا، وتدفع الدولة دعمًا ماليًّا كبيرًا للفلاحين، وبعد ١٩٩٣ هبط الإنتاج بدرجة ملحوظة، لكنه عاد للارتفاع بشدة في ١٩٩٤ في إنتاج الغذاء والخامات الزراعية. فقد ارتفع إنتاج الحبوب من ٢٦٠٫٢ إلى ٣٣٥٫٦ مليون طن، وكذلك الحال لنباتات الزيوت والسكر والفواكه واللحوم، والولايات المتحدة تتصدر قائمة الدول المصدرة للمنتجات الزراعية؛ فقد بلغت قيمتها سنويًّا نحو ٤٥ مليار دولار، وقد نصت اتفاقية «الجات» على تحرير التجارة العالمية، وسوف يؤثر ذلك على زيادة الدعم الأمريكي للمزارعين في مواجهة منافسة الدول الأوروبية لأمريكا.

(٢-٥) الآلية في الزراعة

يوضح الجدول (٧-٥) أن استخدام الآلية الحديثة في الزراعة يكاد أن يقتصر على الدول المتقدمة «٦٣٪ من الجرارات» «٧٩٪ من الحصَّادات الآلية «الكمباينر»»، وارتفاع نسبة الكمباينر في الدول المتقدمة راجع إلى أن شروط تشغيلها، وبخاصة مساحات المحصول الواحد الواسعة، بالإضافة إلى قلة العمالة الزراعية، غير واردة في الدول النامية حيث المحاصيل متعددة في مساحات صغيرة، والعمالة اليدوية كثيفة.

ويوضح ثانيًا تفوق كل من اليابان والولايات المتحدة في الاستخدامات الآلية؛ لأن الطلب على العمالة الصناعية، وأنشطة الخدمات كبيرة في مثل هذه الدول، وبالذات اليابان التي تستخدم ٣٠٪ من الحصَّادات الآلية برغم صغر مساحة الأراضي الزراعية.

أما أنصبة البلاد الأوروبية من الآلية فهي أقل من تلك في اليابان والولايات المتحدة؛ لصغر مساحة الأراضي الزراعية، ولكثافة السكان في بعض المناطق مثل إيطاليا وإسبانيا وهولندا.

وأخيرًا، فلأن الجرارات أرخص بكثير من الحصَّادات؛ ولأنها متعددة الوظائف في العمل الزراعي؛ من حرث وتخطيط ونقل، وتشغيلها كطلمبات متنقلة لرفع المياه؛ إنها موجودة بنسبة لا بأس بها في كثير من الدول النامية، وخاصة ذات المساحات الزراعية الواسعة مثل الصين وكازاخستان وباكستان وتركيا.

جدول ٧-٥: الآلية والتقنية الحديثة في الزراعة «العدد بالآلاف سنة ١٩٩٢.»
الدولة الجرارات ٪ آلات الكمباينر ٪
العالم ٢٦١٣٧ ١٠٠ ٣٨٦١ ١٠٠
الولايات المتحدة ٤٨١٠ ١٨٫٤ ٦٦٢ ١٧٫٠
اليابان ٢٠٠٣ ٧٫٦ ١١٥٨ ٣٠٫٠
إيطاليا ١٤٧٠ ٥٫٦ ٤٨ ١٫٢
فرنسا ١٤٦٠ ٥٫٦ ١٥٤ ٤٫٠
ألمانيا ١٣٢٢ ٥٫٠ ١٢٠ ٣٫١
روسيا ١٣٠٠ ٤٫٩ ٣٨٠ ٩٫٨
بولندا ١١٧٢ ٤٫٥ ٨٤ ٢٫١
الهند ١١٣٦ ٤٫٣ ٣ ٠٫٠٧
الصين ٧٧٤ ٢٫٩ ٥١ ١٫٣
إسبانيا ٧٦٠ ٢٫٩ ٤٩ ١٫٢
كندا ٧٤٠ ٢٫٨ ٤٨ ٤٫٠
البرازيل ٧٣٥ ٢٫٨ ١١ ١٫٢
تركيا ٧٢٣ ٢٫٧ ٤٨ ٠٫٣
بريطانيا ٥٠٠ ١٫٩ ٤٧ ١٫٢
أوكرانيا ٤٤٠ ١٫٧ ١٠٣ ٢٫٦
أستراليا ٣١٥ ١٫٢ ٥٧ ١٫٤
باكستان ٢٨٣ ١٫١ ٢ ٠٫٠٥
كازاخستان ٢٢٠ ٠٫٨ ٨٨ ٢٫٢
الأرجنتين ٢٠٦ ٠٫٧ ٥٠ ١٫٣
أوزبكستان ١٨٧ ٠٫٧ ٨ ٠٫٢

(٣) التوسع الأفقي والرأسي في الإنتاج الزراعي

نتيجة لضغط السكان على الموارد الغذائية اتجه البحث إلى توسيع رقعة الأرض الزراعية وكمية إنتاجها (راجع شكل ٧-١).

ومناطق التوسع الزراعي محدودة في النصف الشمالي من العالم؛ ففي أوروبا لا يكاد يكون هناك احتياطي واسع للتوسع الزراعي المكاني، وإن كان ذلك ممكنًا فقط في مناطق محدودة من السويد وأشباه الجزر الأوروبية الجنوبية، وفي روسيا ما زال في الإمكان التوسع المكاني على الحافة الجنوبية للغابات المخروطية، ولكن التوسع الزراعي الروسي محدود أيضًا ومرتبط باستنبات أنواع نباتية سريعة النمو لكي تتلاءم مع الصيف القصير في المناطق الشمالية.

وفي أمريكا الشمالية ما زالت مجالات التوسع ممكنة في كندا على غرار رُوسيا بالنِّسبة للنطاق البارد، وفي الولايات المتحدة يمكن التوسع في بعض المناطق شبه الجافة في الغرب والجنوب الغربي. وكذلك الحال في المكسيك التي يمكن أن توسع رقعة أراضيها الزراعية في المناطق شبه الجافة في الشمال.

أما التوسع المكاني في آسيا فمحدود يُماثل ذلك أوروبا وأمريكا الشمالية، وكل ما يُمكن أن يُقال إن هناك احتمالًا لتوسع أراضي الزراعة في النطاق الجاف الغربي الآسيوي، وفي القارات الجنوبية الثلاث نجد أكبر احتمالات التوسع الزراعي المكاني في سهول أمريكا الجنوبية: الكامبوس والجران شاكو والبمبا، ولكن ذلك سيكون على حساب المراعي.

وفي أفريقيا يُمكن التوسع على حساب أراضي الرعي التقليدي في النطاق المناخي السوداني شمال وجنوب خط الاستواء، وفي أستراليا مساحات كبيرة قابلة للزراعة متركزة في صورة كبيرة في أقاليم السهول المدارية والموسمية في الشمال.

ومن هذا يتضح أن إمكانيات التَّوسع الأفقي الزِّراعي متركزة في صورة كبيرة في أقاليم السهول المدارية في أمريكا الجنوبية وأفريقيا وأستراليا، وبصورة أقل في النِّطاق الجاف من أفريقيا وآسيا الغربية والوسطى وأمريكا الشمالية.

ولكن التوسع الأفقي يواجه عدة مشكلات مادية واجتماعية وسياسية؛ فمعظم أراضي النطاق المداري والنطاق الجاف توجد بها دول فقيرة، ومشكلات هذه الدول عظيمة كبيرة تدور حول رأس المال والأبحاث العلمية والخبرات الفنية، وكلها ناقصة أو موجودة بصورة سطحية، ولكن هناك منطقة واسعة يمكن استغلالها فورًا نظرًا لوجود الخبرة والأبحاث ورأس المال بصورة أكبر من أفريقيا وأمريكا الجنوبية، تلك هي أراضي الإقليم الموسمي من أستراليا الشمالية، ولكن العائق الرئيسي هو سياسة أستراليا التي تمنع هجرة العناصر الصفراء إليها من أجل بقاء أستراليا بيضاء وبدون مشكلات عنصرية واجتماعية كما هو الحال في جنوب أفريقيا وفي الولايات المتحدة.

أما التوسع الرأسي فيعني مُحاولة زيادة كمية الإنتاج من الحقل، وقد بدأ التفكير في هذا النوع من التوسع في الدول التي استنزفت مساحة الأرض التي يُمكن التوسع فيها مثل جمهورية مصر العربية.٢ ولا يُمكن التوسع الرأسي إلا على أساس علمي، ومن أهم وسائل زيادة الإنتاجية استخدام المُخصِّبات لزيادة غذاء النبات، واستخدام الدورة الزراعية لمنع إجهاد الأرض، واستنباط أنواع جديدة من المحصول بواسطة التهجين والتطعيم من أجل إنتاج أكبر.

ولقد دخلت دول عديدة حقل التوسع الرأسي بغرض زيادة المحصول من مساحة الأرض المزروعة حاليًّا، مثل أوروبا ومصر وبعض مناطق الهند، وكمنولث الدول المُستقلة وأمريكا الشمالية.

ولكن رفع إنتاجية الحقل ليس أمرًا سهلًا كما هو في الصناعة؛ وذلك لأن هُناك عوامل خارجة عن الإنسان تلعب دورًا هامًّا في الإنتاج نلخصها في الضوابط الطبيعية.

(٣-١) الضوابط الطبيعية في الزراعة

الزراعة على وجه العموم هي أقدم نشاط إنتاجي إنساني حتى الوقت الراهن، فقبل اكتشاف الزراعة كان الصيد وجميع الثمار النباتية من ضروب النشاط المعتمد على نتاج الطبيعة دون التدخل في عملية الإنتاج، وقد انقضى على معرفة الإنسان للزراعة عشرة آلاف سنة. وفي خلال هذه الفترة تطورت أساليب الزراعة وأهدافها ومرت في مراحل عديدة.٣

والزراعة هي في أبسط معانيها عِبارة عن مُحاولة ناجحة لتركيز وتحويل طاقات الطبيعة الخلاقة إلى صورة محصول، والعناصر الأساسية هي الحرارة والماء والتربة والبذرة، وهي تختلف في كميتها ونوعها. واختلافها يجعل في الإمكان جمعها وتشكيلها في صور عديدة، تمامًا كما تفعل في حروف الهجاء البسيطة العدد التي تنتج منها صورًا من الكلمات والعبارات لا نهائية العدد.

والحرارة تختلف نوعيًّا بين ما تحت الصفر وما فوقه، وتختلف كميًّا من الصفر إلى أي درجة حرارة عالية يمكن تصورها، ومن الصفر إلى أي درجة من التجمد يمكن أيضًا تصورها، ويختلف الماء نوعيًّا من ندى وسحب وأمطار وبخار وماء جارٍ، ويختلف كميًّا من لا شيء (تقريبًا) في الصحراء إلى مناطق المستنقعات الدائمة.

أما التربة فتختلف نوعًا وكمًّا حسب الصخر الأساسي في المنطقة وعوامل التعرية ونقل التربة، وأخيرًا تختلف البذور نوعيًّا، وأصل البذور التي تنتج لنا المحاصيل المعروفة بذورًا برية محدودة العدد ومختلفة عن البذور الحالية بسبب التهجين الذي أدى إلى أنواع لا نهائية منها، ولكل صلاحيته لظروف طبيعية خاصة.

ولقد توصل الإنسان بالتجربة إلى غالبية المحاصيل الحالية، ولكنه في المرحلة المعاصرة يسعى باستمرار — ليس إلى خلق أنواع جديدة، وإن كان ذلك ممكنًا بالصدفة — وإنما إلى تهجين واختيار أحسن الأنواع إنتاجًا أو مقاومة لظروف طبيعة قاسية كالبرد الشديد أو الماء الشحيح.

وإذا تركنا الإنسان ومجهوداته وأنماطه الحضارية جانبًا، وكلها أشياء متغيرة زمانًا ومكانًا، ولكنها تغير في نمط الحقول ومبدأ الإنتاج، إذا تركنا ذلك جانبًا فإننا نرى أن العوامل الطبيعية الأساسية ما زالت هي دون تغير جوهري خلال الآلاف العشر من السنين من عمر الزراعة، وما زالت هذه العوامل الطبيعية بعيدة بُعدًا كبيرًا عن إمكانية تحكم الإنسان فيها إلا في أضيق الحدود.

فرغم أنه أصبح في الإمكان ضبط عدد كبير من الأنهار في أوروبا وأمريكا، وبعض أنهار آسيا وأفريقيا بواسطة إقامة السدود وشق الترع من أجل تنظيم تصريف مياه النهر لصالح الزراعة، فإن الأصول الطبيعية للزراعة من حرارة وكمية أمطار وتربة ما زالت عائقًا يقف متحديًا المجهودات الإنسانية في صور عديدة؛ مما يؤثر تأثيرًا واضحًا على المحاصيل في جهات عديدة من العالم.

ولقد استطاع الإنسان أن يحل تربة جديدة محل تربة غير صالحة، وأن يُسقط المطر وأن يتحكم في درجة الحرارة بزراعة النبات داخل الصوبات المحمية، ولكن كل هذه الإنجازات ما زالت مكلفة جدًّا ولا يتعدى تأثيرها مناطق محدودة جدًّا من سطح الكرة الأرضية بحيث لا يجب أن تذكر؛ فالعواصف والأمطار الشديدة والجفاف ما زالت عناصر طبيعية تحدث باستمرار دون إمكانية التحكم فيها.

وكل ما يستطيعه الإنسان هو التنبؤ بحالة الجو إن صح ذلك أيضًا، وما زالت الشمس، مركز الحرارة للكرة الأرضية، أبعد بكثير عن متناول الإنسان.

لهذا فالزراعة ما زالت — رغم أنها حرفية إنتاجية — خاضعة لظروف وعناصر الطبيعة المعتمدة عليها؛ ومن ثم فهي أهم الحرف الأولية ويمكن دراسة توزيعاتها على أساس أقاليم جغرافية طبيعية.

ولقد أدت الظروف المتجمعة عن الاختلاف الكمي والنوعي للعناصر الطبيعية الأساسية إلى ظهور ما تسميه الجغرافيا الاقتصادية بأقاليم الزراعة.

وقد اتخذت لهذه الأقاليم أسماء طبيعية هي: المداري المطير والمداري الجاف والبحر المتوسط والعروض المعتدلة والجافة وشبه الجافة، والعروض المعتدلة المطيرة … إلخ.

ولكل من هذه الأقاليم مجموعة من المحاصيل الزراعية الاستهلاكية والتجارية التي تميزه. فالإقليم المداري المطير يتميز بالدرنيات والموز والأرز والمانجو والكاكاو والبن والمطاط من بين أشياء أخرى، والإقليم دون المداري شبه الجاف يتميز بالقطن والفول السوداني وغيرهما، والعروض المعتدلة تتميز بالحبوب الغذائية: قمح، ذرة، شعير، شيلم، شوفان … إلخ.

ودراسة هذه الأقاليم الإنتاجية على جانب كبير من الأهمية حيث إنها توضح لنا قيمة المناطق العالمية المختلفة في الإنتاج العالمي ومدى احتكار السلع.

(٤) التخطيط والسياسات الزراعية كضوابط بشرية

(٤-١) التدخل الحكومي في السياسات الزراعية

أولًا: التخطيط الاقتصادي

إن تخطيط التنمية الزراعية داخل إطار التنمية الاقتصادية قد أصبح أمرًا طبيعيًّا في كل الدول النامية، وفي بعض الدول المتقدمة، وفي البداية كان اهتمام المُخططين موجهًا إلى التصنيع السريع، ولكن عددًا كبيرًا من الدول أحس بالنتائج الخطيرة التي ترتبت على إهمال التخطيط والتنمية الزراعية، وأصبح من الأمور المُعترف بها أن التأخر في القطاع الزراعي كان السبب الرئيسي الذي أدى إلى نجاح محدود فقط في التنمية الاقتصادية الشاملة لعدد من الدول النامية.

ورغم التقدم الكبير في تنظيم ورسم خطط التنمية الزراعية، فإن تنفيذ هذه المشروعات والخطط في الدول النامية ظل محدود النجاح، وتدل على ذلك دراسة أرقام الإنتاج — إذا وجدت بدقة — فهي تبين قصور الإنتاج عن الأهداف المرسومة.

ولا شك أن هناك أسبابًا تعرقل تنفيذ هذه الخطط، وتدور كل هذه الأسباب حول نقص: (١) التمويل. (٢) الخبراء. (٣) عدم كفاءة الإدارة.

وهناك سبب جوهري آخر لم تمسه ولم تعترف بخطورته كثير من الدول النامية يؤدي إلى عدم الوصول بالإنتاج إلى الأهداف المطلوبة. هذا السبب هو الحاجة إلى إصدار تشريعات عديدة أهمها: تغيير نظام الملكية والوراثة وقوانينها، وتدعيم تسهيلات التسويق، وتشريع من أجل تثبيت أو ضمان حد أدنى للأسعار الزراعية، بالإضافة إلى ضرورة وجود التسهيلات الائتمانية من أجل إعطاء المزارعين الإمكانية والدافع لاستخدام الوسائل الحديثة في الإنتاج.

ثانيًا: البحوث العلمية والإرشاد

اتسع نطاق البحوث العلمية والإرشادات التي تقوم بها الحكومات في مجال الزراعة في الدول المتقدمة والنامية، ومع ذلك فإن الدول النامية تعاني من نقص كبير في الخبرة الفنية، ورأس المال اللازم؛ مما يؤدي إلى عدم وصول الخبرة والإرشاد إلى كافة المُزارعين.

ثالثًا: سياسات الأسعار

نلاحظ أن سياسة تدعيم الأسعار الزراعية قد استمرت كحقل أساسي من حقول التدخل الحكومي في الدول المتقدمة بغرض أساسي هو: تضييق الهوة بين الدخل الزراعي، ودخول الصناعة والخدمات.

وقد واظبت حكومات هذه الدول على إجراء التعديلات الضرورية اللازمة لوقف أو منع تراكم الفائض من الإنتاج الزراعي من ناحية، وتحديد معوناتها للمزارعين من ناحية أخرى.

أما في الدول النامية فالموقف مختلف تمامًا؛ ذلك أن القطاع غير الزراعي صغير الحجم بالنسبة للقطاع الزراعي، بحيث لا تظهر الحاجة إلى أن تقدم الحكومات معونات للمزارعين لتغطية الفروق بين الدخل الزراعي والصناعي كما هو الحال في الدول المتقدمة، بل على العكس نجد أن سياسة الدول النامية ترمي إلى مقاومة التضخم وتجنب ارتفاع الأسعار بالنسبة للمُستهلكين.

وفي الفترة الأخيرة بدأ عدد من الدول النامية في تأمين سعر مناسب كحد أدنى لأسعار السلع الزِّراعية بحيثُ يشتمل على ربح معقول للمزارعين؛ هذا الربح يُصْبِح دافعًا للمزارعين على تكوين رأسمال وزيادة الإنتاج؛ وبالتالي ترتفع إنتاجية الحاصلات الزراعية.

وعلى الرغم من الاعتراف بهذا المبدأ التشجيعي فإن نجاح هذه السياسة يعوقها ضعف في تركيب التسويق والإدارة المحلية في هذه الدول فضلًا عن تحكم السوق الخارجي في الأسعار (شكل ٧-٢).
fig19
شكل ٧-٢: تذبذب الإنتاج والسعر العالمي للقمح والذرة والأرز.

رابعًا: الإصلاحات التشريعية

ما زالت العقبات القانونية في الدول النامية تقف أمام مجهوداتها من أجل تحسين وتنمية الإنتاج الزراعي، ومن أهم العقبات نظم الملكية القديمة، ونظم القروض ذات الأرباح العالية، وفساد نظم البيع والتسويق، وقد حَظِي موضوع الملكية بأهمية كبيرة خلال السنوات الماضية؛ ففي الدول المتقدمة كان الغرض وقف تفتت الملكية ومحاولة زيادة مساحتها؛ أما في الدول النامية فكان الهدف هو تفكيك الملكيات الإقطاعية الكبيرة وإعادة توزيعها على المستأجرين والعمال الزراعيين، كذلك إصدار قوانين بتعديل نظم وضع اليد لدى المجتمعات القبلية.

ورغم صدور قوانين الإصلاح الزراعي التي تدور حول نظم الملكية، فإن تنفيذها لم يكن كاملًا بسبب قوة الملاك الكبار، وقلة الخدمات الحكومية التي تحل محل خدمات المالك الكبير، وقلة التسهيلات الائتمانية التي يجب أن تحل محل تسهيلات كبار الملاك السابقين.

ورغم التوسع في تشريع القروض الزراعية؛ فإنها ما زالت أقل من الواجب، كما أن شروطها وطريقة تنفيذها ما زالت كثيرة التعقيد. ويزيد في التعقيد أن القروض الخاصة التي يقدمها كبار الملاك والتجار ووسطاء البيع والمرابين ما زالت في معظم الدول النَّامية تقدم بفوائد عالية جدًّا، وهذه الأنواع من القروض لا تزال تسيطر بشدة على الريف في الدول النامية.

أما نظام التسويق الزراعي في الدول المتقدمة فقد تغير كثيرًا وارتبط ذلك بتغير احتياجات المُستهلكين في المدن. أما في الدول النامية، فعلى الرغم من التقدم الكبير خلال السنوات العشر الماضية؛ فإنَّ نظم التسويق الاحتكارية تقف حجر عثرة في سبيل التنمية المطلوبة للإنتاج.٤

وقد زاد التدخل الحكومي وشبه الحكومي في عمليات التسويق الزراعية، وخاصة المحاصيل التجارية، وفي السنوات القليلة الأخيرة نجد اتجاهًا مماثلًا في تسويق السلع الزراعية محليًّا، ويلاحظ أن القوانين والتشريعات في الميادين الثلاثة السابق ذكرها — الملكية، القروض، والتسويق — بالإضافة إلى سياسة الأسعار والإرشاد الزراعي، كلها مسائل مرتبطة ومتعلقة بعضها بالبعض الآخر. وعلى هذا فقد بدأ الاهتمام يتركز حول قيام أنواع من التعاون الزراعي ذو الوظائف المتعددة «قروض، ائتمان، إرشاد، توزيع، تسويق … إلخ.» وبذلك تصبح هذه الهيئات التعاونية نقط الارتكاز الأساسية من أجل الوصول بالتنمية الزراعية إلى أهدافها المرغوبة.

(٤-٢) سياسيات تجارة السلع الزراعية

أولًا: السياسات القومية

  • (١)

    في الدول المتقدمة كانت سياسات التجارة الزراعية نابعة من ثلاثة اعتبارات رئيسية: الأول: حماية ميزان مدفوعاتها. والثاني: رفع الدخل القومي. والثالث: تنفيذ سياسة لأسعار المحصول الزراعي.

    وقد أدت هذه الاعتبارات إلى تحديد الواردات، وتخفيض حصص واردات معينة، وفرض ضرائب على الواردات، وتشجيع الصادرات بواسطة معونة الدولة والائتمان؛ ولكن هذه القيود سرعان ما خففت بعد أن أصبح ميزان المدفوعات في صالح هذه الدول، خاصة بالنسبة للمنتجات الزراعية المدارية.

  • (٢)

    أما الهدف الأساسي في سياسة الدول النامية فقد اتجه إلى زيادة دخل هذه الدول من العملات الأجنبية «الصعبة» كي تتمكن من شراء أدوات وآلات الإنتاج من الدول الصناعية. ومن أجل تحقيق أكبر حصيلة من العملة الأجنبية نجد الحكومات في الدول النامية تتدخل في بيع الصادرات بواسطة أجهزة مركزية، بالإضافة إلى عقد اتفاقات ثنائية مع الدول المستوردة، واتخاذ كافة الإجراءات من أجل توسيع سوق استهلاك صادراتها الزراعية ومحاولة تثبيت أسعار الصادرات وتحسين نوع الصادرات.

    كما سعت عدة دول نامية إلى عدم الاعتماد على محصول واحد بل عدة محاصيل، ولكنها لم تنجح إلا في تصدير محصول آخر ثانوي.

والحقيقة: أن الدول النامية في موقف ضعيف؛ ذلك أن المحصولات النقدية تزرع في مناطق جغرافية مُتشابهة في الدول المدارية على سبيل المثال؛ مما لا يدع هناك فرصة لدولة واحدة أن تحتكر محصولًا معينًا إلا في حالات استثنائية جدًّا، وبالإضافة إلى تنافس الدول النامية فيما بينها نجد أن الدُّول الصناعية والمتقدمة تمتلك أيضًا — في غالب الأحيان — بديلًا لأغلب هذه المنتجات المدارية.

وفي هذا المجال لم تستطع الدول المصدرة الاتفاق بينها، وأصبح حل المُشكلة بيد كل دولة على حدة دون التزام معين؛ مما يزيد من قوة الدول المستوردة في التحكم في الأسعار. (انظر نمط الصادرات العالمية في الخريطة ٧-٣).

ومن الأشياء التي تقف أمام الدول النامية في الحصول على أكبر فائدة من صادراتها الزراعية أن أسعار عدد من المحصولات المدارية «الكاكاو، البن، الشاي، المطاط» قد ارتفعت جدًّا من ١٩٥٠–١٩٥٤. وقد دفع ارتفاع أسعار هذه السلع إلى زيادة الاستثمار فيها؛ مما أدى إلى إنتاج كبير أدى في النهاية إلى خفض السعر؛ وبالتالي ذبذبة في الموقف التجاري لهذه الدول.

وقد تمكنت بعضُ الدول النامية من التغلب جزئيًّا على أسعار السلع الزِّراعية المتناقصة وذبذبة كمية صادراتها من هذه السلع، وذلك بواسطة تنظيم اتفاقات خاصة للتصدير «الكاكاو في غانا، القطن في مصر» من ناحية، والحصول على امتيازات خاصة بتسويق هذه السلع في الأسواق الرئيسية كامتيازات غانا في تسويق الكاكاو في السوق الإنجليزية، وامتيازات المستعمرات الفرنسية السابقة في سوق فرنسا، وامتيازات صادرات دول الكمنولث في السوق البريطانية.

ولا شك أن سياسة الامتيازات في الأسواق الأوروبية لا تلقى كل التأييد، وكانت سببًا في إرجاء دخول بريطانيا السوق الأوروبية المشتركة سنوات طويلة.

وأخيرًا، هناك اعتبارات أولية للسوق الأوروبية تسعى الدول المُصدِّرة إلى عقدها لضمان هذا السوق الاستهلاكي الكبير.

fig20
شكل ٧-٣: الصادرات الزراعية والحيوانية.

ثانيًا: السياسات الدولية

سبق أن قلنا: إن الدول النامية تسعى إلى زيادة صادراتها لتحقيق أسعار ثابتة لصادراتها، بينما تحاول الدول المتقدمة التوفيق بين مصالحها الخاصة بحماية أسعار حاصلاتها من ناحية، وبين مصالح الدول المُصَدِّرة ذات التكلفة القليلة من ناحية أخرى.

وقلنا: إنه بالرغم من ظهور تكامل بين المنتجات الزراعية «للدول المتقدمة العروض المعتدلة والباردة» وتلك الخاصة بالدول المدارية، فإن هناك أيضًا مشكلة البديل الصناعي لمنتجات الدول المدارية: إنتاج سكر البنجر مقابل سكر القصب المداري، أو المطاط الصناعي مقابل المطاط الطبيعي المداري، أو الأنسجة الصناعية مقابل القطن والحرير المداريين.

ومن خلال هذه المصالح المتعارضة، والمنافسة بين الإنتاج المداري والصناعي، ظهرت الحاجة إلى سياسات دولية شاملة، ولكن ذلك لم يتحقق لكثرة الأطراف المعنية، وعدم الالتزام الكامل في التطبيق، وإنما ظهرت بدلًا من ذلك عدة اتفاقات يُمكن أن نصنفها في الأقسام التالية:
  • (١)
    حرية التجارة: ويخضع ذلك للعرض والطلب؛ بالتالي اتفاقات عديدة حول الأسعار والتعريفة الجمركية: GATT.
  • (٢)

    اتفاقات دولية خاصة بسلع معينة مثل: القمح والسكر والبن.

  • (٣)

    اتفاقات وامتيازات ثنائية.

ومن أقدم الاتفاقيات الدولية لفترة ما بعد الحرب اتفاقية «جات GATT»، وهو الاتفاق العام للتعريفة الجمركية والتجارة، المعقود عام ١٩٤٧ والمستمد من روح ميثاق هافانا لعام ١٩٤٧. وأهم ما تشتمل عليه هذه الاتفاقية عدم التمييز في العلاقات التجارية وسياسة تخفيض الرسوم الجمركية، ومنع تحديد حصص وكميات معينة في التجارة. واعترفت اتفاقية الجات آنذاك بنظام الكتلتين التجاريتين في أوروبا الغربية: كتلة الدُّول الست للسوق الأوروبية المُشتركة بما لها من تعريفة جمركية موحدة ECC، وكتلة الدول السبع التي تؤلف منطقة التِّجارة الحُرة (EFTA) European Free Trade Area، التي كانت تتزعمها بريطانيا ولها تعريفة جمركية خاصة بها.٥

وكان عدد أعضاء الجات ٢٣ دولة من مختلف القارات عندما بدأت عملها عام ١٩٤٨، زاد إلى ٧٨ دولة في ١٩٧٠، والآن تضم العضوية أكثر من ١٣٠ دولة من العالمين المتقدم والنامي.

ولكن على مر السنين ظهر للدول النامية أن مبدأ «الجات» الخاص بعدم التمييز في التجارة، ضد مصالح هذه الدول، ويعرضها لتزايد انخفاض أسعار سلعها الزراعية؛ نتيجة عدم التمكن من الحصول على مميزات خاصة في أسواق معينة. وقد أدى الضغط السياسي للدول النامية بمنظمة الجات إلى أن تضيف عام ١٩٦٥ فصلًا جديدًا في الاتفاقية حول التجارة والتنمية، بمعنى أن تكون هناك اعتبارات خاصة بمشروعات في هذه الدول تُساعد التجارة على تنفيذها.

وفي سنة ١٩٩٣ عقدت «الجات» مؤتمر أورجواي حضرته ١١٧ دولة، ثم مؤتمر وزراء الخارجية الذي عقد في مراكش ١٩٩٤ حضره مندوبو ١٢٤ دولة.

وكانت أهم القرارات خاصة بالجمارك، وبمقتضى الاتفاق تخفض الدول الصناعية الجمارك بمقدار أكبر من الثلث، وأن تحرر الدول النامية تجارتها بتخفيض الجمارك بما يتراوح بين ٣٥ و٤٠٪. وحول المنتجات الزراعية تخفض الدول الصناعية جماركها بمقدار ٣٦٪ خلال ست سنوات، بينما تخفض الدول النامية جماركها على السلع الزراعية بمقدار ٢٤٪ خلال عشر سنوات وتخفيض دعم الصادرات إلى ٢١٪. وهناك تخوف كبير من جانب الدول النامية حول النتائج النهائية لهذه الاتفاقية لصالح الدول الكبرى.

اتفاقية القمح الدولية: نموذج لاتفاقيات السلع

عُقدت عام ١٩٤٩ لمدة أربع سنوات وتجددت ١٩٥٣، وكان ذلك بدء تنفيذها الفعلي، ولكن بريطانيا — وهي من أولى مستوردي القمح في العالم — قد انسحبت من الاتفاقية احتجاجًا على ارتفاع الأسعار، وكذلك انسحبت الأرجنتين لرفض طلبها رفع السعر، وقد ظلت تتجدد منذ عام ١٩٥٧ إلى أن تعثر الاتفاق عام ١٩٨٠. وتنص على تنظيم ما بين ثلث وثلثي كمية القمح التي تدخل في التجارة، وذلك عن طريق ارتضاء المصدر والمستورد قبول حد أدنى من تجارة القمح بالأسعار المتفق عليها، وفي التعديل الجديد نصت الاتفاقية على التوسع في تجارة القمح والدقيق وزيادة التعاون لحل مشكلات القمح وتسويقه على أنه إحدى الدعائم التي تؤدي إلى الاستقرار في أسواق السلع الزراعية الأخرى.

وقد لوحظ أن أسعار القمح في تجديد الاتفاقية تزيد من مرحلة إلى أخرى، ويرتبط ذلك بارتفاع الأسعار العالمية وسياسة تخفيض الإنتاج في الدول المُنتجة: الولايات المتحدة وأستراليا، وتضم هذه الاتفاقية أكبر عدد من الدول المنتجة للقمح، وعلى رأسها الولايات المتحدة وأستراليا وكندا، كما تضم الدول المستوردة الرئيسية ومعظمها يقع أيضًا داخل مجموعة الدول المتقدمة.

وبذلك؛ فإنَّ هذه الاتفاقية في جملتها خاصة بالتجارة بين مجموعة الدول المتقدمة ولا تمس الدول النامية إلا في حدود الاستهلاك الذي أصبح يتزايد نتيجة نمو سكان المدن في هذه الدول.

هوامش

(١) يشمل السكان الزراعيون الأفراد الذين يُزاولون الزراعة وأسرهم والذين يَعُولونهم، أما العاملون في الزراعة فهم الأشخاص العاملون فعلًا، سواء كانوا مُلاكًا أو أُجراء، بدون تعداد أسرهم.
(٢) تسعى مصر للتوسع الأفقي في الهوامش الصحراوية في الدلتا والصعيد، وهناك مشروع كبير مرتبط بترعة السلام لاستزراع نحو ٤٠٠ ألف فدان في شمال سيناء. أما التوسع الرأسي فعمره في مصر قرابة قرن ونصف قرن بعد إنشاء القناطر والسدود وتحويل الأراضي إلى الري الدائم، فضلًا عن الجهود التي تسير الآن بخطى حقيقية في مجالات تحسين التقاوي وزيادة استخدام المخصبات لمواجهة السوق الداخلي الكبير، مع بعض التوجه للسوق الخارجي أيضًا.
(٣) راجع الفصل الثالث من هذا الكتاب عن أشكال الزراعة وأنماطها. وراجع أيضًا Morgan, W. B., “Agricultureal Geography”, Merhuen, London 1971 فصول ٣، ٤، ٥، والمياح، علي محمد: (الجغرافيا الزراعية)، بغداد ١٩٧١ الفصل الرابع.
(٤) في الأسواق يسيطر كبار التجار على أسعار الجملة والقطاعي، وبالتالي فإن لهم سطوة غير مباشرة على الإنتاج من حيث ترويج أو كساد السلع.
(٥) تغيرت عضويتها في ١٩٩٥ لتشمل النرويج وأيسلندا وسويسرا ولختنثتاين فقط، بعد انسحاب بريطانيا والدانمرك ١٩٧٣ والسويد والنمسا وفنلندا ١٩٩٥ وانضمامها إلى السوق الأوروبية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤