الفصل الخامس

التفاعلات الجزيئية

كل خلية منوَّاة ثنائية الكروموسومات في الجسم — باستثناء الخلايا البائية والتائية الخاصة بالجهاز المناعي — لها نفس جينوم بويضتها الفردية المخصبة. أثناء التطور، تتحول هذه الخلية المفردة إلى كائنٍ حي معقد متعدد الخلايا يحتوي على خلايا وأنسجة مختلفة تؤدي كلٌّ منها وظائف متخصصة. وعلى الرغم من أن كل خليةٍ تحتوي على جينوم من البيانات، فهي تحتاج إلى تحديد المعلومات ذات الصلة من هذا المخطط الوراثي لإتمام وظيفتها المحددة. لا بد أن تُنْتَج البروتينات في المكان والزمان المناسبَين. وهذا يتطلَّب تنظيم التعبير الجيني إلى جانب عددٍ لا يُحصى من التفاعلات البيولوجية الجزيئية لتنسيق ذلك. فهذه التفاعلات تتطلَّب نشاطًا متزامنًا بين البروتينات، وجزيئات الحمض النووي الريبي، والحمض النووي، وعلم الأحياء الجزيئي تكمُن في صميم فَهْمنا لعمليات التحكُّم هذه.

التنظيم على مستوى الكروماتين

تنشط مجموعاتٌ فرعيةٌ فقط من الجينات في كل نوعٍ من أنواع الخلايا وفي كل مرحلةٍ من مراحل التطور. يحدد نمط التعبير الجيني سلوك الخلية وهُويتها، مثل ما إذا كانت خلية دم بيضاء أو حيوانًا منويًّا أو خليةً كبدية. يُنظم التعبير الجيني على مراحل عديدة، منها تنظيمه على مستوى النسخ. تحدث عملية تنظيم النسخ بشكل أساسي في مرحلة ما قبل البدء. ويتحقق ذلك مبدئيًّا على مستوى الكروماتين من خلال التحكم في الوصول إلى منطقة تشفير الحمض النووي الخاصة بآلية النسخ. يتكوَّن الكروماتين من الحمض النووي وبروتينات الهيستون التي لا تثبِّت الحمض النووي فحسب، بل تلعب دورًا أيضًا في التحكُّم في النسخ. يؤدي انضغاط الكروماتين بواسطة الهيستونات إلى إسكات الجينات، ولكي يُنْسَخ الجين، لا بد من فكِّ بنية الكروموسوم الموجودة حوله للسماح بالوصول إلى عوامل النسخ (TF) والجزيئات المساعدة. وعوامل النسخ هي بروتينات ترتبط بتسلسُلات مُعينة على الحمض النووي لتعزيز أو منع نسخ الجينات القريبة. تتمثل إحدى الآليات الأساسية لإسكات الجينات، وبخاصة أثناء التطوُّر الجنيني، في إعادة تشكيل الكروماتين عن طريق مركبات بروتينية خاصة. وهذه المركبات مطلوبة لتعديل الهيستون الذي يؤدي إلى إسكات الكروماتين على المدى الطويل في الخلايا المتمايزة.

تحدث عملية إعادة تشكيل الكروماتين لتنظيم التعبير الجيني أيضًا بصفةٍ مؤقتة عن طريق إضافة مجموعات كيميائية مثل الميثيل والأسيتيل إلى بروتينات الهيستون، أو إزالتها منها كآلية ديناميكية للحفاظ على الجينات نشطةً أو صامتة. ويعرف ذلك بالشفرة الهيستونية. تعمل تعديلات الهيستون، مثل الأستلة بواسطة إنزيمات مُعينة، على فك انضغاط الكروماتين، مما يسمح لعوامل النسخ بالوصول إلى مواقع بدء النسخ؛ ومن ثم تحفيز نسخ الجينات. في المقابل، يؤدِّي نزع الأسيتيل — عبر إنزيماتٍ مُعينة أيضًا — إلى زيادة انضغاط الكروماتين ويسبب استقطاب البروتينات التي تثبط النسخ.

التنظيم على مستوى النسخ

تُعتبر السهولة التي يمكن من خلالها لبوليمراز الحمض النووي الريبي وعوامل النسخ الوصول إلى جينٍ بعينه عنصرًا واحدًا فقط في عملية تنظيم التعبير الجيني. يمكن أن تعمل عوامل النسخ كمنشطات أو مُثبطات وفقًا لطبيعة العوامل المساعدة التي تستقطبها إلى الحمض النووي. ويُوجد العديد من الآليات المختلفة للتحكم في نشاط عامل النسخ، منها التوطين داخل الخلايا. يجب أن تعمل عوامل النسخ داخل النواة بحيث يمكن الحفاظ عليها في شكل غير نشط عبر الاحتفاظ بها في السيتوبلازم. ويتحقَّق التنشيط السريع لها من خلال إطلاقها من المركب السيتوبلازمي المثبط مما يمكِّنها من دخول النواة ونسخ مخزونها الخاص من الجينات. وتُعد هذه وسيلة للتنشيط السريع للجينات المطلوبة بشكلٍ عاجل. والمثال على ذلك العامل النووي المعزز لسلسلة كابا الخفيفة في الخلايا البائية النشطة (NFkB) الذي يُحتفَظ به في مركب غير نشط في السيتوبلازم حتى يصير مطلوبًا لإحداث استجابة للإجهاد كالتي تثيرها العدوى. ينطوي تنشيط العامل النووي المعزز لسلسلة كابا الخفيفة في الخلايا البائية النشطة على تحلل البروتين الخاص بمثبِّطه، وتحريره للدخول إلى النواة حيث يمكنه تنشيط نسخ الجينات ذات الصلة. في حالة العامل النووي المعزز لسلسلة كابا الخفيفة في الخلايا البائية النشطة، تكون هذه الجينات من النوع الداعم للالتهابات. ويُعبر البشر عن عامل نسخ واحد على الأقل لكل عشرة جينات. تتحكم عوامل النسخ في طريقة نسخ الجينات وكيفية استقطاب بوليمراز الحمض النووي الريبي. وتتحد عوامل النسخ مع البروتينات الوظيفية والتنظيمية الأخرى للتعبير عن مجموعةٍ معينة من البروتينات التي تتطلبها الخلية.
في المختبر، تُستخدم تقنيات مثل الترسيب المناعي للكروماتين (CHiP) لتحديد تسلسُلات الحمض النووي التي ترتبط بها عوامل النسخ. في تقنية الترسيب المناعي للكروماتين، يثبت الحمض النووي والبروتينات المرتبطة به (الكروماتين) أولًا لربط الحمض النووي والبروتينات المرتبطة معًا ربطًا تصالبيًّا. مع ارتباط الحمض النووي والبروتينات بشكلٍ ثابت، ينقسم الكروماتين إلى أجزاءٍ أصغر، إما ميكانيكيًّا أو باستخدام الإنزيمات الهاضمة. يمكن بعد ذلك ترسيب هذه الأجزاء الصغيرة مناعيًّا بشكلٍ انتقائيٍّ باستخدام أجسامٍ مضادةٍ خاصةٍ ببروتين ربط الحمض النووي محل الاهتمام. بعد ذلك، تُنقَّى أجزاء الكروماتين المترسبة وتُجرى عملية تسلسل الحمض النووي. وبهذه الطريقة، يمكن تحديد التسلسلات الجينومية التي يرتبط بها البروتين المعني.

التنظيم عن طريق التسلسلات المعززة

التسلسلات المعززة هي مناطق غير مشفرةٍ من الحمض النووي، يتراوح طولها بين ٢٠٠ إلى ١٠٠٠ زوج قاعدي وتُوجَد في منطقة المحفز. يمكن أن ترتبط جزيئات المعزز أو المثبط بالتسلسلات المعززة وتؤثر على قدرة عامل النسخ على تنشيط المحفز. قد يكون للمُحفز ما يصل إلى أربعة أو خمسة تسلسلات مُعززة تقع إما بالقُرب من المحفز أو حتى على مسافةٍ منه؛ نظرًا لأن «حلقات الحمض النووي» يمكن أن تجذبها بحيث تُصبح على مسافةٍ قريبةٍ منه. حتى عندما يرتبط بوليمراز الحمض النووي الريبي بمُحفز، يظل بحاجةٍ إلى مجموعةٍ أخرى من العوامل لتسمح له بالابتعاد عن مُرَكَّب المحفز والبَدْء في نسخ الحمض النووي الريبي بنجاح. ويُوجَد مستوًى آخر من التحكُّم في تحديد وقت إنهاء نسخ الحمض النووي الريبي.

التنظيم عن طريق التغيرات فوق الجينية

يتكوَّن الجينوم البشري من ٢٠ ألفًا من الجينات المُشَفِّرَة للبروتين، ولكن لا يتم التعبير إلا عن نصف هذه الجينات فقط بالنسبة لأي خليةٍ بعينها. بعض الجينات مطلوبة لدى كل خليةٍ تقريبًا لإدارة عمليات الترتيب والتنظيم، ولكن البعض الآخر مُخصَّصٌ لبناء السلالة الخلوية، مثل الهيموجلوبين في خلايا الدم الحمراء. يُوقَف العديد من الجينات أثناء عملية التمايز الخلوي، والآلية الرئيسة لذلك هي التخلق أو التغيرات فوق الجينية. اشتُقَّ مصطلح التخلُّق (epigenetics) من الكلمة اليونانية (epi-) التي تعني «على أو فوق»، للدلالة على مستوًى من التحكُّم يضاف إلى شفرة الحمض النووي أو يعمل فوقها. وتعدُّ هذه هي الآلية التي «تُوسَم» من خلالها الجينات للتعبير أو عدم التعبير عنها كجزءٍ من عملية انتقاء. يعمل التغير فوق الجيني على برمجة الخلية بحيث يمكنها انتقاء المعلومات الموجودة في الجينوم والمطلوبة لتخصُّصها الوظيفي. ويظلُّ التسلسل الأساسي للشفرة الجينية سليمًا ويمرَّر إلى الخلايا البنوية أثناء انقسام الخلية إلى جانب أي تغيرات فوق جينية متخصِّصة. والتعريف المُجمَع عليه للسمات فوق الجينية في اجتماع عام ٢٠٠٨ الذي عُقد في كولد سبرينج هاربور بالولايات المتحدة الأمريكية، ينصُّ على أنها «نمط ظاهري وراثي ثابت ناتج عن تغيرات في أحد الكروموسومات دون حدوث تغيرات في تسلسل الحمض النووي». ينطوي التخلُّق أو التغيُّر فوق الجيني على التغيير الكيميائي الذي يحدث في الحمض النووي بفعل الميثيل أو مجموعات جزيئية صغيرة أخرى للتأثير على قدرة آلية النسخ على الوصول إلى جينٍ بعينه (انظر شكل ٥-١).

يُحفَظ التسلسل الجينومي في جميع أنواع الخلايا، ولكن يمكن أن يختلف المشهد ما فوق الجينومي إلى حدٍّ كبير، مما يُسهم في التعبير الجيني المتميز المطلوب للوظائف البيولوجية.

fig16
شكل ٥-١: الاختلافات ما فوق الجينية تتكوَّن من مثيلة الحمض النووي وتعديلات الهيستون.

تُبين حالة فأر الأجوطي بوضوحٍ حقيقة أن التغييرات في النمط الظاهري أو المظهر يمكن أن تحدُث بوسائل أخرى غير الجينات الوراثية للحمض النووي. فيمكن للفئران المتطابقة جينيًّا التي تحمل جينًا للسمنة ولون الفراء الأصفر (أجوطي) أن تكون إما سوداء — إذا كان غذاء أُمهاتها يشتمل على فيتامين ب الغني بحمض الفوليك — أو صفراء إذا كان النظام الغذائي للأُم يفتقر إلى حمض الفوليك. يعد حمض الفوليك مصدرًا أساسيًّا لمجموعات الميثيل المستخدَمة في مَثْيَلَة الحمض النووي. وغياب حمض الفوليك، وغياب المثيَلة بالتبعية، يمنع جين الأجوطي في الأجنة من التثبط؛ ومن ثَمَّ يكون للنسل فراء أصفر ويصبحون بَدِينين ويُصابون بالسكري، ويصيرون عرضةً لخطر الإصابة بالسرطان حتى لو اتَّبعوا نظامًا غذائيًّا عاديًّا. أما في وجود حمض الفوليك، والمثيَلة بالتبعية، فيمكن للأجنة الحاملة لجين الأجوطى إيقافه عن طريق تعديل الحمض النووي.

الحفاظ على العلامات فوق الجينية أثناء انقسام الخلية

ينتج تعديل الحمض النووي عن طريق المثيَلة عن تحويل السيتوسين إلى ٥-ميثيل سيتوسين، بواسطة إنزيمات تُعرَف بناقلات ميثيل الحمض النووي (DNMTs). ويُصنَّف هذا التعديل كتعديلٍ فوق جيني؛ لأنه لا يُغير الشفرة الجينية القابعة في تسلسل الحمض النووي الأصلي. وعادة ما تكون بقايا السيتوسين الميثيلي ملاصقةً مباشرة لنوكليوتيد الجوانين (CG)، وهو ما يؤدي إلى وجود اثنَين من بقايا السيتوسين الميثيلي يقبعان متقابلَين قُطريًّا على شريطي الحمض النووي المتقابلَين (انظر شكل ٥-١). أثناء الانقسام الخلوي، تؤدي الطبيعة شِبه المحافظة لعملية تضاعف الحمض النووي في البداية إلى ظهور الحمض النووي شِبه الميثيلي حيث يحتفظ الشريط الأصلي بعلامات المثيَلة بينما يكون الشريط المُخَلَّق حديثًا غير مُمثيَل. بعد تخليق الحمض النووي مباشرة، يتعرَّف أحد إنزيمات ناقل ميثيل الحمض النووي — المخصص للحفاظ على إشارات المثيَلة — على مواقع اﻟ CG (قواعد السيتوسين-الجوانين) شبه الممثيَلة هذه ويُمثيِل السيتوسين المدمج حديثًا. ويعمل هذا على المحافظة على نمط المثيَلة المتطابق للحمض النووي الأصلي. وبهذه الطريقة، يُحتفَظ بالعلامات فوق الجينية ونمط تنظيم الجينات الذي كان موجودًا في الخلية الأصلية كما هو في الخلايا البنوية وعبر جميع الانقسامات الخلوية المتعدِّدة اللاحقة.

تُحدد التغييرات الوراثية فوق الجينية ما إذا كانت معلومات وراثية بعينها ستتمُّ قراءتها أم لا، ومتى وكيف سيتمُّ ذلك. والوراثة ما فوق الجينية هي وسيلة لضمان انتقال العلامات فوق الجينية من الخلية الأصلية إلى الخلية البنوية، وربما من جيلٍ إلى آخر.

الانتقال الوراثي للعلامات فوق الجينية

لا تنتقل البصمات فوق الجينية إلى الخلايا الجسدية البنوية فحسب، بل يمكن أيضًا نقلها عبر الخط الجنسي إلى النسل. وكانت هذه مفاجأة للعلماء؛ لأن معظم مثيَلة الحمض النووي تُزال في الجنين وآليات توريث النمط فوق الجيني لم تُفْهَم بعد. ولكن بدأ العلماء في العقد الماضي في تسجيل أمثلةٍ توضح أن التعرُّض للعوامل البيئية لدى الآباء ينتقل إلى ذُريتهم من خلال حدوث تغييرات في مثْيَلة الحمض النووي.

في عام ٢٠٠٥، أُفِيدَ أن الرجال البريطانيين الذين بدءوا التدخين قبل سنِّ البلوغ كانوا أكثر عرضةً لخطر إنجاب أولاد يزيد وزنهم عن المتوسط. وبالمثل، ورَّث الرجال السويديون الذين عانوا من المجاعة في طفولتهم أحفادهم خطرًا أقلَّ للإصابة بأمراض القلب أو السكري. السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت العوامل البيئية مثل الإهمال في التربية والرعاية، أو النظام الغذائي، أو الملوثات المحمولة جوًّا يمكن أن تؤثر على الأجيال اللاحِقة من خلال توليد تغييرات وراثية ولكنها فوق جينية في الحمض النووي للخط الجنسي. في البداية، بدا الدليل غير مباشر، ولكن دراسات أحدث قدَّمت دليلًا مباشرًا على انتقال التغيرات فوق الجينية التي تنطوي على المثيَلة الجينية وراثيًّا. وقد قدمت نماذج القوارض أدلةً ميكانيكية على ذلك. فقد أنجب الذكور الذين تغذَّوا على أطعمةٍ عالية الدهون ذُريةً من الإناث تحمل مثيَلةً متغيرة للحمض النووي في البنكرياس. كذلك أدَّت النظم الغذائية المنخفضة البروتين في ذكور الفئران إلى إنجاب ذُريةٍ ذات تعبيرٍ جيني مختلف في التمثيل الغذائي للكوليسترول في أكبادهم. وكان لدى الفئران في مرحلة ما قبل الإصابة بمرض السكري مثيَلةٌ متغيرة للحمض النووي للحيوانات المنوية، تسببت في زيادة خطر إصابة الجيلين التاليين من النسل بمرض السكري.

يأتي المزيد من الأدلة من دراسةٍ مذهلةٍ ولكنها مُثيرة للجدل نشرَها براين دياز وزملاؤه في عام ٢٠١٣ تُظهر أن الفئران التي ربطت بين الخوف ومادة الأسيتوفينون الكيميائية، نقلت هذه المعلومات إلى ذُريتها (١). يرتبط الأسيتوفينون بمستقبلٍ أنفيٍّ يشفره الجين المعروف باسم Olfr151. وأدى التعرض للرائحة المخيفة إلى تغيرات فوق جينية في هذا الجين في الحمض النووي لحيواناتها المنوية. وأدى ذلك بدوره إلى زيادة مستويات هذا المستقبل الأنفي بالذات وزيادة الحساسية للرائحة. وبهذه الطريقة ينتقل الخوف من رائحةٍ خطيرة محسوسة إلى الأجيال القادمة. من الممكن أن تكون هناك ظاهرة مماثِلة هي المسئولة عن نقل بعض المخاوف عبر الأجيال عند البشر. وعلى الرغم من أن الآلية الكامنة وراء وراثة الإشارات فوق الجينية غير مؤكدة، فإن أهمية التخلُّق في التطوُّر تبرُز من خلال حقيقة أن انخفاض حمض الفوليك في النظام الغذائي — وهو عنصر غذائي أساسي للمثيَلة — قد ارتبط بزيادة خطر ظهور عيوب خلقية في النسل.

كذلك وُجِد أن جزيئات الحمض النووي الريبي القصيرة التي ترتبط بالحمض النووي وتؤثر على التعبير الجيني؛ قد تورَّطت أيضًا في نَقْل التأثيرات البيئية إلى النسل. يتم التعبير عن ثمانيةٍ وعشرين من جزيئات الحمض النووي الميكروية هذه بشكلٍ مُتمايزٍ في الحيوانات المنوية للرجال المدخِّنين وغير المدخنين.

وجدت دراسة أسترالية قادها ميشيل لين أن ذكور الفئران البدينة يمكن أن تنقل مقاومة الإنسولين إلى الجيلين التاليين من خلال التعبير غير الطبيعي لجزيئات الحمض النووي الميكروية الموجودة في حيواناتهم المنوية.

التفاعلات الجينية مع البيئة

إن دور المعززات والتغيُّرات فوق الجينية في إحداث تغيُّراتٍ في التعبير الجيني، ومن ثم قابلية الإصابة بالاضطرابات، صار مقبولًا على نطاقٍ واسع، ولكن ما أصبح ذا أهميةٍ كبيرةٍ في الوقت الراهن وكذا مُثيرًا للجدل هو كيفية تفاعُلها مع البيئة. الجين الأول الذي يرتبط بالسلوك الاجتماعي هو شكل مختلف من الكروموسوم X لجين MAOA الذي يُنتج إنزيم أوكسيديز أحادي الأمين A. يُضعف هذا الإنزيم النواقل العصبية كالدوبامين والنوربينفرين والسيروتونين في الدماغ مما يؤثر على مستوياتها، ما يؤثر بدوره على حالاتنا المزاجية. وتُعَد مثبطات نشاط جين MAOA من العقاقير الشائعة الاستخدام في علاج الاكتئاب والقلق السريري. تُسبِّب الطفرات في جين MAOA مُتلازمة برونر التي تتَّسِم بالسلوك العنيف والاندفاعي. فنقص نشاط الإنزيم الطافر يؤدِّي إلى زيادةٍ في الناقلات العصبية الأحادية الأمين، مما يتسبب في السلوك الذي نراه في هذه المتلازمة. كذلك يمكن أن تُسبب مستويات التعبير عن النمط الشائع لهذا الجين أيضًا اختلافات سلوكية. يحتوي جين MAOA على نوعَين من التسلسُلات المعززة الواقعة عند منبع المحفِّز. يرتبط الشكل الأقصر بانخفاض التعبير عن الإنزيم، وقد أطلق عليه «الجين المحارب» لأنه يُعزِّز الصفات المرتبطة بالمقاتِلين الناجِحين. غير أن هذا الجين المتغير ذا التعبير المنخفض إذا اجتمع مع التعرُّض لسوء المعاملة أثناء الطفولة، قد يؤدِّي إلى زيادة خطر السلوك العدواني والمُعادي للمجتمع. وقد ربطت الدراسات بين مَثيَلة جين MAOA وانخفاض التعبير وبين الاعتماد على النيكوتين والكحول لدى النساء ولكن ليس لدى الرجال. ومن المثير للاهتمام أن المثيَلة فوق الجينية لهذا الجين منخفضةٌ جدًّا عند الرجال.

التخلُّق وتعطيل الكروموسوم X

لدى الإناث نُسختان من الكروموسوم X بينما يملك الذكور نسخةً واحدة فقط؛ لذا لتجنُّب النشاط المفرط للجينات المرتبطة بالكروموسوم X لدى الإناث، يُثبط نشاط نسخة واحدة. تدخل الإشارات فوق الجينية بمستوياتٍ عالية من مثيَلة الحمض النووي في إسكات نسخةٍ واحدة من الكروموسوم X. يغلف كروموسوم X غير النشط في كروماتين مضغوط أو كروماتين مُغاير يحافظ على إسكات أغلب الحمض النووي من حيث النسخ. يُغطَّى هذا الكروموسوم بالحمض النووي الريبي الطويل غير المُشَفِّر المختص بتعطيل الكروموسوم X (يعرف اختصارًا باسم إكسيست، وهو نسخة مُحدَّدة غير نشطة من الكروموسوم X) — لا يعبر عنها إلا بكروموسوم X غير النشط — ما يؤدي إلى إسكات جيناته الأخرى. يمكن أن يحدث تعطيل مَعيب أو مشوه للكروموسوم X، وارتبط ذلك بأمراضٍ مختلفة، من ضمنها المناعة الذاتية والتوحُّد والسرطان. ويحدث ذلك من خلال عكس تعطيل نشاط X في الأمشاج الأنثوية بحيث تحتوي جميع خلايا البويضات على نسختَين من الكروموسوم X النشط. يكون تعطيل X عشوائيًّا في الثدييات المشيمية، ولكنه ينطبق دائمًا على الكروموسوم X المأخوذ من الأب في الجرابيات. ومن المثير للاهتمام أن الخلايا الجنينية المقدر لها أن تُصبح جزءًا من المشيمة يُعطَّل فيها جميعًا كروموسوم X المأخوذ من الأب.
ثمة مثال على تعطيل الكروموسوم X يشيع في قطط صدفة السلحفاة ذات الفراء المتعددة الألوان. تمتاز فراء قطط صدفة السلحفاة ببُقَع سوداء وأخرى بُنية فاتحة أو برتقالية مُشكِّلة نمطًا يُشبه صدفة السلحفاة. تظهر هذه الفراء الملوَّنة فقط عند الإناث؛ لأن جينات لون الفراء تقع على الكروموسوم X. ينتج عن التعطيل العشوائي لكروموسوم التشفير الأسود X أو لكروموسوم التشفير البُني الفاتح X التأثير الفسيفسائي المميز لِلَون الفراء الذي يُشبه صدفة السلحفاة. تحدث عملية التعطيل العشوائي للكروموسوم X، أو تعطيل الصبغي إكس، في وقتٍ مُبكر من التطوُّر الجنيني المعروف باسم مرحلة الأريمة. جميع خلايا الجلد التي تنحدِر من خليةٍ أريمية مُفردة أو قسيم أريمي ستُعبر عن نفس التعطيل للكروموسوم X. تتطور بعض هذه الخلايا إلى خلايا منتجة للصبغة أو خلايا ميلانينية تُهاجر إلى الجلد حيث تختلط لتُعطي مظهر الفراء المبقَّعة البُنية المميزة.

لذلك يمكن أن يعمل التخلُّق على التعبير الجيني دون التأثير على استقرار الشفرة الجينية عن طريق تعديل الحمض النووي، أو الهيستونات في الكروماتين، أو كروموسوم بأكمله.

التعبير الجيني وما وراءه

يجب أن يستجيب التعبير عن الجينات الفردية أيضًا للضغوط الداخلية والبيئية من أجل توفير البروتينات اللازمة للإشارات والمسارات الأيضيَّة؛ لكي تؤدِّيَ وظائفها. تخضع هذه الجينات لمجموعةٍ منظمةٍ بإحكامٍ من الضوابط التي يمكن أن تشمل مُنشطات ومثبطات النسخ، وجزيئات الحمض النووي الريبي الميكروية، وإعادة تشكيل الهيستون، والتعديلات فوق الجينية مثل مَثيَلة الحمض النووي.

التفاعلات الجزيئية التي تحافظ على رقم الخلية

إن التحكم في التعبير الجيني ليس مُهمًّا فقط لنمو الجنين، ولكن أيضًا لحفظه أو الحفاظ على توازُنه طوال الحياة. لنتأمل الجلد على سبيل المثال؛ على الرغم من موت نحو ٤٠ ألف خلية كل ساعة، فإننا نحتفظ بغطاء حماية سليم وأملس. تُعتبر العلاقة بين موت الخلايا وتجديدها مفتاحًا للحفاظ على العدد الصحيح للخلايا في الجسم، وهو ما يتطلَّب تنظيمًا مُنضبطًا زمنيًّا للتعبير الجيني، بالإضافة إلى عددٍ لا يُحصى من التفاعلات الجزيئية. ويُعدُّ فقدان التنظيم الجيني وما يترتَّب عليه من انهيارٍ للارتباط بين موت الخلية وعمليات دورة الخلية أيضًا مفتاحًا لعددٍ من الأمراض مثل مُتلازِمات المناعة الذاتية والسرطان.

انقسام الخلية

يُعَد التعبير عن البروتينات القائم على الوقت أمرًا مُهمًّا لمسارات القيادة التي يتطلَّب الأمر فيها أن تسير وظائفها بشكلٍ تسلسُلي، وخير مثالٍ على ذلك هو التحكُّم في انقسام الخلايا. في كل مرةٍ تنقسِم فيها الخلية ميتوزيًّا، لا بدَّ أن يتضاعَف الحمض النووي الجينومي تمامًا وبدقَّة تامةٍ ثم يُوزع بالتساوي بين الخليتَين البنويتَين. والفشل في تحقيق ذلك يؤدي إلى حدوث طفراتٍ يمكن، حال استمرار وجودها، أن تحمل خطر الإصابة بالسرطان، أو تؤدي إلى موت الخلايا إذا كانت قاتلة. ويُعد موت الخلايا وسيلةً مهمةً لكبح الورم ولكن يمكن أن يكون له آثار شيخوخة. ولذلك تُعتبر التفاعلات الجزيئية والتنظيم المطلوبَان لدورة الخلية المؤدية إلى انقسام الخلية، عمليتين مُركبتين ومحكومتين بشدة. ودورة الخلية هي عمليةٌ أُحادية الاتجاه يتمُّ التحكُّم فيها عن طريق التعبير المتسلسل والتدريجي للبروتينات التنظيمية التي تُسمَّى السايكلينات. للحفاظ على الدقة الجينية، يُوجَد ترتيبٌ زمني مُعين للتعبير عن هذه البروتينات وبدء نشاطها. تتفاعل البروتينات الأساسية الأخرى، بما في ذلك تلك التي تُشكل حواجز عبور صارمة بين مراحل دورة الخلية (انظر شكل ٥-٢).
fig17
شكل ٥-٢: تنقسِم دورة الخلية إلى مراحل: طور النمو الأول (G1)، والتخليق (S)، وطور النمو الثاني (G2)، ومرحلة الانقسام الميتوزي (M). تُحفَّز الدورة من خلال إنزيمات الكيناز المعتمِد على السايكلين (CDKs)، وتنشط هذه الإنزيمات عن طريق الارتباط بالسايكلين المُعبَّر عنه تسلسليًّا.
تنقسم دورة الخلية إلى مراحل؛ المرحلة الأولى تُعرَف باسم Gap1 أو G1 أو طور النمو الأول، وهي مرحلة نمو تُحضَّر فيها الخلية لعملية تناسخ الحمض النووي. ينشئ النشاط خلال طور النمو الأول (G1) عمليةَ الانتقال من طور النمو الأول إلى مرحلة التخليق أو المرحلة S. في هذه المرحلة، تكون الخلية ملتزمةً بمُضاعفة الحمض النووي. بعد مرحلة التخليق، تدخل الخلية مرحلة نموٍّ ثانية أو G2، قبل الانقسام النهائي وإتمام الانقسام الميتوزي (M). لذا، يحدث النسخ المنظم لدورة الخلية على ثلاث مراحل رئيسة تتوافق مع نقاط الانتقال الرئيسة لدورة الخلية، وهي G1 إلى S وG2 إلى M وM إلى G1.

تتحكم البروتينات التنظيمية المُعبَّر عنها مؤقتًا، التي تُسمَّى السايكلينات، في التقدم المُحرَز خلال عملية انقسام الخلية عن طريق تنشيط إنزيمات تُسمَّى إنزيمات الكيناز المعتمِد على السايكلين. وقد أدى اكتشاف هذه الجزيئات المحورية إلى منح جائزة نوبل في الفسيولوجيا أو الطب لكلٍّ من بول نيرس وتيموثي هَنت في عام ٢٠٠١. تعمل إنزيمات الكيناز المعتمد على السايكلين التي يُنشطها السايكلين على البروتينات المستهدفة لتنسيق عمليات الانتقال خلال مراحل دورة الخلية.

أول نواتج هذه العملية هو السايكلين دي، ويُنتَج عادة استجابةً لمحفِّزات النمو. بعد ذلك يرتبط سايكلين دي بإنزيمات الكيناز المعتمد على السايكلين CDK4 and 6، مما يؤدي إلى تنشيطهما. يعمل المركب المُنشَّط على فسفرة بروتين الورم الأرومي الشبكي، الذي سُمِّي بهذا الاسم نظرًا لأن نقص هذا البروتين يُعزِّز تكوين أورام الشبكية الأرومية في العين. يُطلق بروتين الورم الأرومي الشبكي المفسفر عامل النسخ E2F الذي كان مرتبطًا به سابقًا. ينتقل عامل النسخ E2F الآن إلى النواة ويُنشِّط نسخ الجينات المشفرة للبروتينات الضرورية لانقسام الخلية، بما في ذلك السايكلينات الأخرى إيه وإي وبي وإنزيم بوليمراز الحمض النووي.
يؤدي الانتقال من طَور النمو الأول (G1) إلى مرحلة التخليق (S) إلى انقسام الخلية؛ ومن ثم فهو يشكل نقطة تقييدٍ محكومة بشدة. وانسحاب عوامل النمو، أو عدم كفاية النوكليوتيدات أو الطاقة لإتمام تناسُخ الحمض النووي، أو حتى وجود قالب دي إن إيه تالف، من شأنه أن يعرض العملية للخطر. لذا تُكْتَشَف المشكلات وتتوقَّف دورة الخلية بواسطة مُثبطات دورة الخلية قبل أن تُصبح الخلية ملتزمةً بمضاعفة الحمض النووي. تُوجَد عائلتان من مثبطات دورة الخلية، تعرف الأولى بعائلة بروتين إنزيمات الكيناز المعتمِد على السايكلين المتفاعل (cip) أو البروتين مثبط الكيناز (kip)؛ أما الثانية فتعرف بمثبط الكيناز (INK4) 4 أو إطار القراءة البديل (ARF). تعمل مُثبِّطات دورة الخلية على تعطيل نشاط إنزيمات الكيناز التي تُعزز الانتقال عبر المراحل؛ ومن ثم توقِف دورة الخلية. يرتبط بروتين INK4a أو p16 ﺑ إنزيم CDK4 مما يمنع فسفرة بروتين الورم الأرومي الشبكي، ويمنع بَدْء تكاثُر الخلايا. ويُعد تنظيم انقسام الخلايا مثالًا على التحكم الجزيئي الرائع. يمكن أيضًا إيقاف دورة الخلية مؤقتًا في مرحلة التخليق لإتاحة الوقت لإجراء إصلاحاتٍ على الحمض النووي قبل انقسام الخلية. وعواقب الانقسام الخلوي غير المنضبط كارثيةٌ للغاية لدرجة أن التطوُّر قد قدَّم ضوابط وتُوازناتٍ معقدةً للحفاظ على الدقة. وثمن الفشل في تحقيق ذلك هو الاستماتة أو الموت المبرمج للخلية الحية.

الموت المبرمج للخلايا وموت الخلايا

أُطلقت كلمة Apoptosis، وهي كلمة يونانية تعني سقوط أوراق الخريف، على الاستماتة أو الموت المبرمج للخلايا، وهذا على النقيض من الموت الصدمي للخلايا أو النخر. يؤدي ضرب إبهامك بمطرقةٍ إلى حدوث نخر تتسرَّب فيه المحتويات الخلوية إلى سوائل الأنسجة المحيطة مما يؤدي إلى حدوث تفاعُل التهابي ضار ونابض. في المقابل، يموت ما بين خمسين إلى سبعين مليار خلية كل يوم لدى الشخص البالغ من خلال عملية الموت المبرمج للخلايا الجزيئية المحكومة. تنتج هذه الطريقة المبرمجة لموت الخلية أجزاءً خلوية مرتبطة بالغشاء تبتلعها الخلايا المحيطة بسرعة. ويمكن أن يؤدي فرط الموت المبرمج للخلايا إلى الشيخوخة المبكرة أو الضمور، في حين أن فك الاقتران بين مسار موت الخلايا المبرمج وبين إشارات التلَف الخلوي يدعم تكوين الأورام السرطانية.
نشر أندرو وايلي بالتعاون مع ألاستير كيري وجون كير من جامعة أبردين الورقة البحثية المبتكرة التي تصِف أهمية موت الخلايا المبرمج في عام ١٩٧٢ (٢). بعد ذلك مضى سيدني برينر وجون سالستون في تحديد الجينات المشاركة في العملية. يمكن أن يحدث موت الخلايا المبرمج عن طريق المستقبِلات الخارجية المُنَشَّطَة على غشاء البلازما أو من خلال مُستشعرات التوتر والإجهاد الداخلية، التي تتضمَّن بشكلٍ أساسي الجين p53. بغض النظر عن المحفز الأوَّلي، تتلاقى مسارات موت الخلايا المبرمج في الميتوكوندريا مما يتسبَّب في فقدان سلامة الغشاء وإطلاق السيتوكروم C، وهو وسيط قوي في عملية موت الخلايا المبرمج. ويؤدي هذا بدوره إلى تنشيط عائلة من إنزيمات البروتياز الموجودة داخل الخلايا تُعرَف باسم إنزيمات الكاسبيز التي تحلل العضيات الخلوية والكروماتين بسرعةٍ بطريقة تتجنَّب بها الاستجابات الالتهابية التي تظهر عادة بعد نخر الخلية.
fig18
شكل ٥-٣: يبدأ موت الخلايا المبرمج بسبب التوتر داخل الخلايا من خلال الإشارة التي تُطلِق السيتوكروم C من الميتوكوندريا وتُنشِّط سلسلة الكاسبيز مما يؤدي إلى تدمير الخلية.
تنشط إنزيمات الكاسبيز بفعل إنزيمها المولد غير النشط في صورة سلسلةٍ تعمل على تحطيم البروتينات في العضيات الخلوية والكروماتين بسرعة، بينما تعمل إنزيمات النوكلياز الداخلي على تكسير الحمض النووي، وينتهي ذلك بتدمير الخلية. تنظم أعضاء عائلة بروتينات سرطان الغدد الليمفاوية للخلايا البائية أو Bcl-2 مسار موت الخلايا المبرمج، بعضها عن طريق التثبيط، والبعض الآخر عن طريق التعزيز. ويُعتبَر بروتين Bcl-2 أول عضو في العائلة يتمُّ وصفه ويشتقُّ اسمه من ورم الغُدد الليمفاوية للخلايا البائية حيث وُجِد مُعبرًا عنه بشكل شاذ. ولكن في الأنسجة الطبيعية يُعزز بروتين Bcl-2 بقاء الخلايا السليمة عن طريق تثبيط موت الخلايا المبرمج. من ناحيةٍ أخرى، يعزز البروتين X المرتبط ببروتين Bcl-2 — أو Bax — موت الخلايا عن طريق الارتباط ﺑ Bcl-2 وتثبيطه. يرتبط بروتين Bax المُنَشَّط بغشاء الميتوكوندريا مما يجعل الغشاء راشحًا، وهو ما يؤدي إلى إطلاق السيتوكروم C. ويتسبَّب هذا بدوره في بدء التسلسل الانتحاري الذي ينتج عنه موت الخلايا المبرمج (انظر شكل ٥-٣). والجين p53 هو المسئول عن تنشيط بروتين Bax الذي يُنفِّذ وظيفة هذا الجين، ألا وهي موت الخلايا المبرمج. ويؤدي التعبير غير المنظم عن بروتين Bcl-2 أو أي عضو آخر من أعضاء عائلة مُثبطات الموت إلى البقاء غير المبرَّر للخلية، وهي عملية شائعة في بعض أنواع السرطان.

يُعَد تنظيم التعبير الجيني أمرًا حيويًّا أثناء الحياة لتحديد الاستجابات لكلٍّ من الضغوط الداخلية والبيئة. تتضمن العمليات طبقاتٍ مُعقدة من التحكم، بدءًا من تعديل الحمض النووي والكروماتين، والتحكم في النسخ ومعالجة الحمض النووي الريبي، وصولًا إلى إنتاج البروتين وتنشيطه. والفشل في تنظيم التعبير الجيني له ثمن باهظ يؤدي إلى المرض والوفاة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤