الفصل الرابع

كونٌ أساسه المعلومات

بول ديفيز

«بهذا أنا أدحَض ذلك!» هكذا دحض صامويل جونسون في واقعة شهيرة حجة القس جورج بيركلي عن لا واقعيَّة المادة بركلِه لحجر كبير (بوزويل، ١٨٢٣). بيد أن برهان جونسون البسيط ذلك يتبدَّد في ضوء الفيزياء الحديثة. إذ تبين بعد الفحص الدقيق أن المادة الصلبة تكاد تكون مكوَّنة بالكامل من فراغ، وأن حتى الجسيمات التي تتكوَّن منها المادة هي أنماط مُبهَمة من الطاقة الكمية، مجرَّد استثارات لمجالات كمية غير مرئية، أو اهتزازات محتملة لحلقات من الأوتار توجد في زمكان ذي عشرة أبعاد (جرين، ١٩٩٩). تاريخ الفيزياء هو حلقة في سلسلة من المفاهيم المستمَدة من الخبرة العادية والمنطق، جرَّدناها فنقلناها إلى عالم الصِّيَغ والعلاقات الرياضية غير البديهي، المُرتبط بالبيانات الحسية المجرَّدة المُستمدة من الرصد البشري الذي غالبًا ما يكون عملية طويلة ومجهدة. بيد أنه في نهاية المطاف، العلوم قائمة على التجربة، ولا بدَّ من إيجاد أساسٍ لأقوى نظرياتنا «على أرض الواقع» بطريقة ما. لكن أين نجد ذلك الواقع؟ هل نجدُه فيما ترصُده الملاحظة البشرية وربما غير البشرية عن العالم؟ أم في سجلات محفوظة في حاسوب أو دفاتر ملاحظات المختبرات؟ أم في عالم موضوعي «في مكانٍ ما بالخارج»؟ أم في موضع أكثر تجريدًا؟

(١) أساس الواقع

حين يُجري فيزيائي تجربةً ما، فإنه يستجوب الطبيعة فتُجيبه في النهاية بصيغة بتَّات مُنفصلة من المعلومات (مثل الإجابة على أسئلة معيَّنة إما ﺑ «نعم» أو «لا»)، تشير إلى كونها مُنفصلة الطبيعة الأساسية الكمية للكون (تسايلنجر، ٢٠٠٤). هل يكمن الواقع إذن في سلسلة البتَّات المعلوماتية التي نتلقَّاها من جميع الملاحظات والتجارب؛ سلسلة ثنائية من الآحاد والأصفار ليس إلَّا. هل «تَنقل» تلك الملاحظات بتَّات معلوماتية موجودة في الواقع من الواقع الموجود في العالم الخارجي إلى عقول المُلاحظِين، أم إن المُلاحظة أو التجربة هي التي «صنعتها»؟ هل البتَّات المعلوماتية «التقليدية» هي النوع الوحيد من المعلومات الذي يعتدُّ به في لعبة الواقع، أم إن نوعًا مُختلفًا تمامًا من المعلومات هو قوام ذلك الواقع؟ ذلك هو السؤال الذي يَصبو إليه ذلك النقاش برمَّته. باختصار، ما الأساس الأنطولوجي الذي يَنبني عليه تصورنا للكون الواقعي؟

في أسطورة برج السلاحف المشهورة، يقود البحث عن المصدر النهائي للوجود إلى تسلسل لا نهائي للأسباب. يتطلَّب تصوُّر انتهاء البرج إلى «سلحفاة خارقة طافية في الهواء» إيمانًا أعمى — إقرار بوجود المستوى الأول من البرج باعتباره حقيقة واقعة لا تفسيرَ لها — أو تصورًا عقليًّا ما، مثل افتراض وجود ذاتٍ واجبة الوجود يستحيل عقلًا عدمُها. اختار اللاهوت المسيحي التقليدي الطرح الثاني، فاعتبر تلك الذات الواجبة الوجود هي الإله، الذي لولاه لما وُجد الكون. للأسف واجَهَ مفهومُ الذات الواجبة الوجود صعوبات فلسفية ولاهوتية، أهمها حقيقة أن تلك الذات بعيدة كل البُعد عن التصورات التراثية عن الإله (وارد، ١٩٨٢). كما أنه ليس من الواضح إن كانت تلك الذات فريدة بالضرورة (إذ ربما يُوجد أكثر من إله واجب الوجود)، أو خَيِّرة بالضرورة، أو قادرة على خلق كون (أو مجموعة من الأكوان) غير واجب الوجود في ذاته (وهو ما يَنفي ضرورة وجوب تلك الذات). لكن إن كان الكون حادثًا، فستَنشأ مشكلة أخرى: هل يُمكن أن تكون طبيعة تلك الذات الواجبة الوجود وأفعالها بالتبعية حادثَين؟ بعبارة أخرى، هل يُمكن أن تختار الذات الواجبة «بحُرية» أن تَخلُق شيئًا ما؟ (هذا في مُقابل لزوم خلق الكون على صورة بعينها.) نتيجةً لتلك الورطة الفلسفية، أعرض مُعظَمُ اللاهوتيِّين عن فكرة أن الإله واجب الوجود عقلًا.

لم يَخُض العلم التجريبي في كل تلك التعقيدات إذ قَبِل بالكون الفيزيائي في كل لحظة من الزمن أساسًا للواقع، دون الحاجة إلى إله يُقيمه (سواء كان واجب الوجود أم لا). وقد عبر الفيلسوف البريطاني برتراند راسل بفصاحةٍ عن ذلك الرأي في مُناظرته مع القس فريدريك كوبلستون التي نقلتها إذاعة «بي بي سي» (راسل، ١٩٥٧). إذ قال بوضوح: «أقول إن الكون موجود فحسب، لن أزيد على ذلك.»

في وقتٍ ما خلال القرن العشرين، حدث تحوُّل جذري. إذ قوضت نظرية النِّسبية مفهوم الزمن المُطلَق ووجود واقع واحد لحالة الكون بأكمله في كلِّ لحظة من الزمن. ثم جاءت ميكانيكا الكم لتَهدم مفهوم الواقع الخارجي الذي يُمكن فيه تعيين قِيَم محدَّدة لكل المتغيرات الفيزيائية في كل لحظة. هكذا حدثَت قفزة هائلة، على الأقل في أوساط علماء الفيزياء النظرية، إذ اعتبرُوا قوانين الفيزياء نفسها هي أساس الواقع، ثم انتقل ذلك الدور إلى صياغاتها الرياضية مثل نُظُم لاجرانج وفضاءات هيلبرت وغيرهما. كانت النتيجة المنطقية لذلك المسلك هي التعامل مع الكون الفيزيائي باعتباره مجرَّد قوانين رياضية. يعتبر العديد من أقراني من علماء الفيزياء النظرية الواقع المُطلَق فرع الرياضيات الذي يصف القانون الفيزيائي. بالنِّسبة إليهم، الرياضيات (أو ذلك الفرع منها) هي الأساس الذي ينبني عليه الوجود. حين زعم جاليليو منذ ثلاثة قرون أن «كتاب الطبيعة العظيم لا يمكن أن يقرأه سوى من يعرف اللغة التي كُتِب بها، وتلك اللغة هي الرياضيات» (دريك، ١٩٥٧)، افترض أن القوانين الرياضية مترسِّخة في مُستوى أعمق؛ مستوى يضمن الإله وجوده ويُقيِّمه. لكن اليوم، يَعتبر معظم العلماء قوانين الفيزياء أساسًا للكون؛ يَعتبرونها تلك السلحفاة الخارقة الطافية في الهواء التي أشرتُ إليها آنفًا.

هنا تُواجه الفيزياء معضلة الضرورة مقابل الصدفة التي خلقتْها بنَفسها، والتي عبر عنها أينشتاين في ملاحظته العارضة عما إذا كان للإله اختيار في خروجه هو نفسه إلى حيز الوجود. ما قصَدَه هو هل كان مِن المُمكن أن تكون قوانين الفيزياء مُختلفة عما هي عليه (أي، يُعبر عنها بعلاقات رياضية مختلفة)، أم إن الضرورة «تحتم» أن تكون على صورتها تلك؟ المُشكلة بالطبع هي أن القوانين لو كان من المحتمل أن تكون مُختلفة، لوسع المرء أن يتساءل لما هي كذلك، ومن أين «جاءت» بعبارة أعم. مجازًا الأمر يُشبه أن تكون الرياضيات مُستودعًا مُدهشًا زاخرًا بصيغ وعلاقات، تجول فيه الطبيعة الأم وهي تدفع عربة تسوق، فتَنتقي على مهَلٍ مُعادلة تفاضُلية نافعة من هنا أو زمرة تماثل جذابة من هناك، كي تستخدمها باعتبارها قوانين للعالم الفيزيائي.

مشكلة منشأ قوانين الفيزياء هي مشكلة عويصة بالنِّسبة للفيزيائيِّين. لم يلقَ تلميح أينشتاين بأن القوانين قد تكون وُجِدَت على صورتها تلك من باب الضرورة دعمًا كبيرًا. في بعض الأحيان، يُقال إنه لو وُجِدت نظرية جامعة حقيقية للفيزياء فقد تكون بالغةَ الإحكام منطقيًّا إلى الحد الذي يجعل صياغتها الرياضية فريدة. لكن ذلك ادِّعاء يسهل دحضه. من السهل افتراض وجود نماذج مُصطنعة للكون، مع أن النماذج الضعيفة منها بعيدة كل البعد عن الكون الحقيقي، المتسق مع ذاته رياضيًّا ومنطقيًّا. على سبيل المثال، كُتب العديد من الأوراق البحثية التي استُبدِلَت فيها الأبعاد الأربعة للزمكان ببُعدين فقط لتسهيل إجراء العمليات الحسابية. يُمثل كل من تلك «الأكوان» المُبسَّطة واقعًا محتملًا، لكنه ليس الواقع «الفعلي» (ديفيز، ٢٠٠٦).

باعتبار أن الكون كان يُمكن أن يكون على خلاف صورته بطرق شتى، فما الذي يحدد الصورة التي هو عليها في الواقع؟ بعبارة أخرى، إذا كان ثمَّة عدد لا نهائي من الأشياء المُمكنة الوجود، فمَن أو ما الذي يُحدد أيًّا منها سوف يُوجد «فعليًّا»؟ يحوي الكون أشياء معينة، كالنجوم والكواكب والذرات والكائنات الحية … فلمَ توجد تلك الأشياء بعينها دون سواها؟ لمَ لا تُوجد حبات نابضة من الهلام الأخضر، أو سلاسل مُتشابكة، أو كرات كسيرية فائقة الأبعاد؟ الأمر سيان بالنِّسبة إلى قوانين الفيزياء. لمَ تخضع الجاذبية لقانون عكس مربع المسافة لا عكس مكعبها؟ لمَ يُوجد نوعان من الشحنة الكهربية لا أربعة، وثلاث «نكهات» للنيوترينوات لا سبع؟ حتى إن كان لدينا نظرية موحدة تربط جميع تلك الحقائق، سيظلُّ السبب المُرجِّح لكونها «النظرية المختارة» دون غيرها لغزًا قائمًا. صاغ ستيفن هوكينج استحالة الترجيح تلك بعبارة أبلغ: «ما الذي ينفث اللهب في تلك المعادلات ويَخلق لها كونًا تصفُه؟» (هوكينج، ١٩٨٨). وما أو مَن الذي يُرقي ذلك «الممكن» إلى مرتبة المتحقِّق أو «الموجود بالفعل»؟

يُمكن التحايل على مشكلة «مُحقِّق الممكن نافث اللهب» — أو آلية ترقية مجموعة فرعية من الاحتِمالات إلى مرتبة «المتحقِّق» بالفعل — في حالتَين. الأولى هي أن «لا شيء» موجود حقيقة. بيد أن بإمكاننا استبعاد ذلك الاحتمال استنادًا إلى الرصد. والثانية هي أن «كل شيء» موجود، بمعنى أن كل شيء «يُمكن» أن يوجد فهو موجود «بالفعل». في تلك الحالة تنتفي الحاجة إلى عملية اختيار الأشياء الموجودة بالفعل من ضمن مجموعة لا نهائية من المُمكنات غير المتحقِّقة. هل ذلك معقول؟ ليس بوسعنا أن نلاحظ كل شيء، وغياب الدليل على وجود شيء ليس دليلًا على عدم وجوده. لا يسعنا أن نتيقن أن شيئًا قد يُتصوَّر وجوده ليس موجودًا «في مكان ما»، ربما خارج حدود قُدرة أقوى أجهزة الرصد أو في كون موازٍ ما.

افترض ماكس تيجمارك أن كلَّ شيء يُمكن أن يوجد موجودًا بالفعل، في مكانٍ ما في عدد لا مُتناهٍ من العوالم المتوازية. يقول متحديًا: «إن كان الكون رياضيًّا بطبيعته، فلمَ اختيرت بنية رياضية واحدة دون سواها لوصف كونٍ ما؟ يبدو أن ثمة تمايزًا أساسيًّا يكمن في جوهر الواقع» (تيجمارك، ٢٠٠٣). ما يقترحه تيجمارك هو واحد من عدة نماذج تُدعى نماذج الأكوان المتعدِّدة، وهي تعتبر الكون المُشاهَد مجرد ذرة ضمن عدد هائل قد يكون لا متناهيًا من الأكوان. في معظم النسخ المختلفة من تلك النظرية، تختلف قوانين الفيزياء من كون لآخر. أي إن القوانين ليست مُطلَقة، بل هي «قوانين داخلية محلية» (ريز، ٢٠٠١).

كان أحد ردود الأفعال المتوقَّعة تجاه نسخة تيجمارك من نظرية الأكوان المتعدِّدة هو أن فيه معارضة جسيمة لمبدأ نصل أوكام. لكن تيجمارك يقول إن كل شيء في صورته المجتمعة يمكن أن يكون أبسط من أجزائه. هذا يعني أن الكل غالبًا ما يكون تعريفه أسهل من تعريف أي من أجزائه. (على سبيل المثال، مجموعة الأعداد الصحيحة، يُمكن وصفها بسهولة، على عكس المجموعة الفرعية للأعداد الصحيحة المكونة من الأعداد الأولية التي يقع عليها الاختيار أو لا برمي عشوائي لعملة معدنية.) لكن مفهوم «كل شيء» يواجه مشكلات مفاهيمية أساسية حين يتضمَّن مجموعات لا نهائية، وتعريف تيجمارك لمقترحه يعوزه الإحكام، ربما إلى حدِّ افتقاره إلى المعنى. على أي حال، لن يُوافق تيجمارك في رأيه المُتطرِّف سوى قلة قليلة من العلماء أو الفلاسفة. حتى أولئك الذين يؤمنون بتعدُّد الأكوان بشكل ما عادة ما يتورَّعون عن افتراض أن «كل شيء» يُمكن أن يكون موجودًا بالفعل بالمعنى الحرفي للعبارة.

يبدو أن الموقف التقليدي هو أن القوانين الموجودة بالفعل (في مقابل تلك الممكنة لكن غير الموجودة) يجب أن تُقبل باعتبارها حقيقة واقعة، دون الحاجة إلى أي تفسير أبعد. عبر شون كارول على تبنِّيه لذلك الموقف، في معالجته لسؤال: لمَ تلك القوانين الفيزيائية دون غيرها؟ يُجيب كارول قائلًا: «هكذا هو واقع الأمر. توجد سلسلة من التفسيرات للأشياء التي تحدث في الكون، تمتد إلى قوانين الفيزياء الأساسية وعندها تتوقف» (كارول، ٢٠٠٧). بعبارة أخرى، قوانين الفيزياء تقع «خارج نطاق» العلم التجريبي. يجب أن نُقر بأنها «مُسلَّمات» ونتفرغ إلى مهمَّة تطبيقها.

(٢) افتراضات مُستترة عن قوانين الفيزياء

تَشتمل النظرة التقليدية لطبيعة قوانين الفيزياء على قائمة طويلة من الخواصِّ المُفترضة ضمنيًّا. على سبيل المثال، تُعتبر القوانين علاقات رياضية ثابتة وأزلية ولا مُتناهية الدقة تتخطَّى الكون الفيزيائي، انطبعت عليه من «الخارج» لحظة ولادته مثل شعار الصانع، ولم تتغير منذ ذلك الحين؛ وهو ما عبر عنه ويلر بصيغة شاعرية إذ قال إنها «تَبقى منقوشة في ألواح حجرية منذ الأزل إلى الأبد» (ويلر، ١٩٨٩). من ثَم يُفترَض أن العالم الفيزيائي المادي يتأثَّر بالقوانين، لكنها لا تتأثَّر على الإطلاق بما يحدث في الكون. مهما طرأ من تغير مُتطرف أو عنيف على طاقة الحالة الفيزيائية، تظل القوانين ثابتة لا تتزعَزع قِيد أنملة. لا يصعب اكتشاف منبع ذلك التصور عن القوانين الفيزيائية؛ إنه موروث مباشرة من الديانات التوحيدية، التي تُؤكد أن ذاتًا عاقلة صممت الكون وَفق مجموعة من القوانين المحكمة. والتمايز بين القوانين الثابتة والاحتمالات يَعكس التمايز بين الإله والطبيعة؛ الكون يعتمد في وجوده على الإله، فيما لا يَعتمد وجود الإله على الكون.

يُدرك مؤرخو العلم جيدًا أن نيوتن ومُعاصريه اعتقدوا أنهم بخوضهم في العلم إنما يكشفون المخطط الإلهي للكون في صورة بنائه الرياضي الأساسي. عبَّر رينيه ديكارت عن ذلك صراحة إذ قال:

الإله هو مَن وضَع قوانين الطبيعة، كما يضع الملك قوانين مملكتِه … قد يقول قائل: لو أن الإله هو واضع تلك الحقائق، فبوسعِه أيضًا أن يُغيِّرها كما يغير الملك قوانينه. والرد هو: أجل، إن تغيَّرت إرادته. لكني أعتقد أنها أزلية وثابتة. وذلك اعتقادي أيضًا عن ذات الإله.

(ديكارت، ١٦٣٠)

وعبَّر سبينوزا عن التصور نفسه:

والآن، لما كانت الأشياء لا تتحقَّق إلا بمرسوم إلهي، يتَّضح أن القوانين العامة للطبيعة وضعها الإله الواجب الوجود المطلق الكمال … الطبيعة إذن ماثلة دومًا لقوانين وقواعد حتمية وحقيقية أزلية، قد لا تكون معلومة لنا كلها، وبهذا تُحافظ على نظام ثابت غير قابل للتبدل.

(دي سبينوزا، ١٦٧٠)

من الواضح إذن أن اللاهوت هو المنبع المباشر للرؤية التقليدية لقوانين الفيزياء. والمدهش أن تلك الرؤية ظلت قائمة دون أن تُواجه الكثير من التشكيك حتى بعد مرور ٣٠٠ عام من سيادة العلم العلماني. لا شك أن «النموذج اللاهوتي» لقوانين الفيزياء مُتوغِّل بشدة في التفكير العِلمي إلى حد التسليم به. لا يَلتفِت للافتراضات المُستترة وراء مفهوم قوانين الفيزياء ومصدرها اللاهوتي إلا مُؤرِّخو العلوم وعلماء اللاهوت. بيد أنه من المنظور العِلمي، ذلك الإقرار غير الحاسم للنموذج اللاهوتي للقوانين قاصر جدًّا. فبداية، كيف نتيقَّن أن القوانين ثابتة وغير قابلة للتبدُّل؟ دُرِسَت القوانين المُعتمِدة على الزمن عدة مرات (طالِع على سبيل المثال سمولين، ٢٠٠٨)، وأجريت كذلك التجارب المبنية على الرصد بحثًا عن دليل على احتمالية أن تكون بعض الثوابت الأساسية المزعومة للفيزياء قد تغيرت ببطء على مدى مقاييس زمنية كونية (بارو، ٢٠٠٢). يُشير علم الفيزياء الجزيئي إلى أن القوانين المُشاهَدة في الوقت الحالي قد تكون مجرَّد قوانين فعالة انبثَقَت من الانفجار العظيم أثناء انخِفاض حرارة الكون عن درجة حرارة بلانك. تَقترح نظرية الأوتار مسرحًا رياضيًّا له قوانين مختلفة للطاقة المنخفضة، يحتمل أن لها أنظمة تختلف باختلاف الرقع الكونية، أو الأكوان؛ وتلك نسخة مختلفة من نظرية الأكوان المتعدِّدة (سسكيند، ٢٠٠٥).

لكن حتى في تلك الأمثلة، تُوجد قوانين فوقية ثابتة ذات مُستوًى أعلى تُحدِّد النمط القانوني (ديفيز، ٢٠٠٦). هكذا تفترض النسخة المشهورة من نظرية الأكوان المتعددة، التي تُسمى التضخم الأبدي، حدوث عدة انفجارات عظيمة مُتناثرة في نسيج الزمكان التي تنشأ كلٌّ منها عبر ظاهرة النَّفَق الكَمِّي، وتَولَّد نتيجة لذلك الكون. أثناء انخفاض حرارة كون ما عن حرارة الانفجار العنيف الذي أنشأه، يَكتسب مجموعة من القوانين ربما بصورة عشوائية نوعًا ما (أي في صورة حوادث مُتجمِّدة في الزمن). كي يصحَّ ذلك النموذج، يلزم أن توجد آلية لتوليد الأكوان يمتدُّ عملها إلى جميع الأكوان (تستند في المثال المشار إليه إلى نظريتي المجال الكمِّي والنِّسبية العامة) ومجموعة من القوانين العامة (مثل دالة لاجرانج لنظرية الأوتار) التي تُتيح اختيارات عشوائية من قوانين الطاقة المُنخفِضة داخل كل كون. من الواضح أن كل ما يفعله نموذج القوانين الفوقية للأكوان المُتعدِّدة ذلك هو أنه يَنقل مشكلةَ منشأ القوانين إلى مستوًى أعلى.

أحد العوامل الأخرى المؤثرة بقوة على المفهوم التقليدي للقانون الفيزيائي هي الأفلاطونية. فقد كان أفلاطون يعتقد أن الأعداد والأشكال الهندسية موجودة في عالم المُثُل المُجرَّد. ذلك الفردوس الأفلاطوني يحوي على سبيل المثال، دوائر مثالية، في مقابل الدوائر التي نقابلها في العالم الحقيقي، التي دائمًا ما تكون مجرد تقديرات ناقصة للدائرة المثالية. يتبع العديد من الرياضيين المذهب الأفلاطوني؛ إذ يعتقدون أن العناصر الرياضية لها وجود حقيقي، حتى إن لم تكن موجودة في الكون الفيزيائي. الفيزيائيون النظريون مُنغمِسون في التراث الأفلاطوني، لذا يرون هم أيضًا أنه من الطبيعي الاعتقاد بوجود القوانين الفيزيائية في عالم المُثُل الأفلاطوني. ذلك المزيج بين الأفلاطونية والاعتقاد بإله واحد خلق تصورًا علميًّا تقليديًّا قويًّا عن قوانين الفيزياء، باعتبارها صيغ وعلاقات رياضية مثالية كاملة لا متناهية الدقة وأزلية لا تتبدَّل ولا تتأثَّر بالحالات ولا تتغيَّر، ومُتعالية فوق العالم الفيزيائي المادي، وساكنة في فردوس أفلاطوني مجرَّد خارج حدود الزمان والمكان.

أرى أنه بعد ثلاثة قرون، لا بدَّ أن ننظر في احتمال كون النموذج اللاهوتي/الأفلاطوني للقوانين نموذجًا مثاليًّا يكاد لا يستند إلى أي مُبرِّرات قائمة على التجربة أو الرصد. وهذا بطبيعة الحال يَدفعنا إلى أن نسأل: هل يُمكن أن يكون لدينا «نظرية» عن القوانين؟ بدلًا من الإقرار بأنَّ قوانين الفيزياء هي السلحفاة الخارقة الطافية في الهواء التي يرتكز عليها برج السلاحف — أي حقيقة واقعة لا تفسير لها — هل يُمكن أن ننزل دونها ولو خطوة واحدة لنُحاول الوقوف على تفسيرٍ لكون القوانين على تلك الهيئة، وإثبات أن ثمَّة «أسبابًا» تجعل القوانين على هيئتها تلك؟ كي نتأمَّل ذلك بطريقة إبداعية، لا بدَّ أن ننفض عنا جميع الافتراضات المُستترة التي ذكرناها. على سبيل المثال، لا بدَّ أن نَفترض احتمال عدم صحة فرضية أن القوانين لا تتأثَّر بالحالات، وننظر في التبعات المحتملة لاعتبار القوانين مُعتمدة (ولو بدرجة ما على الأقل) على ما يحدث في الكون؛ أي على الحالات الفيزيائية الواقعية. هل يُمكن أن تتطوَّر القوانين والحالات الواقعية كليهما على نحو يجعل «عالمنا» أحد العوامل المُحدثة للتغيُّر في حيِّز القوانين والحالات المشترك؟

إيضاحًا لأجندة مُمكنة بخصوص ذلك السياق، أودُّ أن أركز على الجانب الأكثر عرضة للدحض من جوانب النموذج اللاهوتي التقليدي للقوانين، ألا وهو افتراض دقتها المطلقة (ديفيز، ٢٠٠٦). عادة ما يُعبر عن قوانين الفيزياء في صورة مُعادلات تفاضُلية، تتضمَّن مفاهيم الأعداد الحقيقية والمقادير اللانهائية واللامتناهية الصغر، وكذلك اتصال المتغيرات الفيزيائية، مثل تلك الخاصة بمُتغيِّرات الزمان والمكان. ذلك الافتراض يمتد حتى إلى نظرية الأوتار، حيث الرابط بين عالم الزمان والمكان والمادة مُمتد الأواصر وهشٌّ لأبعد حد. ولما كان لا يُمكن إجراء أي تجربة أو عملية رصد إلا بدقة محدودة، فإنَّ افتراض الدقة المطلقة في القوانين لهو استقراء خارجي غير مبرر على الإطلاق؛ مجرد إيمان أعمى. طالما أنه بغرض الملائمة الفنية فحسب، فلا بأس به. لكن كما سأُبيِّن، قد يكون ذلك الاستقراء الخارجي مُضللًا في بعض الظروف على نحو يمكن اختباره.

لاستيضاح المسألة، تأمل عبارة لابلاس الشهيرة عن شيطان ذي قُدرة حسابية هائلة. أشار لابلاس إلى أن حالات نظام حتمي مُغلَق، كمجموعة محدودة من الجسيمات خاضعة لقوانين الميكانيكا النيوتنية، تكون ثابتةً تمامًا بمجرَّد تحديد الظروف الأولية:

يجوز أن نعتبر أن الحالة الحالية للكون نتيجة لماضيه وسببًا لمستقبله. وإذا وجِدَت ذات عاقلة ألمَّت في أي لحظة من الزمن بجميع القوى المحرِّكة للطبيعة ومواقع الموجودات المكونة لها نسبة إلى بعضها، وكانت لديها القدرة الكافية لإخضاع تلك البيانات للتحليل، وبوسعها أن تختزل حركة الأجسام في الكون من أكبرها إلى أدقها في صيغة واحدة، فبالنسبة لتلك الذات العاقلة لن يكون ثمَّة أي شيء غير مؤكد وسيكون المستقبل ماثلًا أمامها كما الماضي.

(لابلاس، ١٨٢٥)
إن أخذنا فرضية لابلاس على محمل الجد، فسيعني ذلك أن كل ما يحدث في الكون مُقدَّر سلفًا، بما فيه قرار لابلاس بتدوين كلماته تلك وقراري بكتابة ذلك الفصل من الكتاب. وسيَعني أيضًا أن حالة الكون في أي لحظة زمنية سابقة تَشتمل بالفعل على المعلومات اللازمة لذلك. مقولة لابلاس تلك تُمثل ركيزة الميكانيكا النيوتنية المنتظمة كآلية الساعة، التي تفترض ضمنيًّا قوانين لاهوتية متناهية الدقة؛ بل أقول إنها ركيزة الهراء. من تلك النقطة أبدأ نقدي للمفهوم التقليدي للقوانين الفيزيائية.١

(٣) كون من المعلومات

ذلك النَّقد، الذي ينبني على أعمال جون ويلر (١٩٧٩، ١٩٨٣، ١٩٨٩، ١٩٩٤) وأعمال رولف لانداور (١٩٦٧، ١٩٨٦)، نابع في الأصل من نظَرية المعلومات والحوسبة. يُمكن التعبير عن العلاقة التقليدية بين الرياضيات والفيزياء والمعلومات رمزيًّا على النحو الآتي:

الرياضيات الفيزياء المعلومات

وَفق المنظور التقليدي هذا، العلاقات الرياضية هي الجوانب الأساسية للوجود. والعالم الفيزيائي هو تعبير عن مجموعة جزئية من العلاقات الرياضية، بينما المعلومات هي مفهوم ثانوي أو مشتق لوصفِ حالات محدَّدة للمادة (مثل مفتاح تشغيل إما أن يكون في وضع التشغيل أو الإيقاف، أو اللف المغزلي للإلكترون الذي يكون اتجاهه إما لأعلى أو لأسفل). لكن منظورًا آخر بدأ يسود؛ منظورًا يعتبر «المعلومات» هي الكيان الأساسي الذي ينبني عليه الواقع الفيزيائي. ساد ذلك الرأي بين العلماء والرياضيِّين الذين يبحثون أساسيات الحوسبة والفيزيائيين الذين يَبحثون نظرية الحوسبة الكمية. الأهم أن ذلك ليس مجرَّد تغيُّر في المنظور من الناحية الاختصاصية، بل يُمثِّل تحوُّلًا جذريًّا في رؤيتنا للعالم، يعبر عنه شعار ويلر البليغ «كون أساسه المعلومات» (ويلر وفورد، ١٩٩٨). التغيير الذي أودُّ أن أبحثه هنا هو وضع «المعلومات» في بداية المخطَّط التفسيري، ليصير:

المعلومات قوانين الفيزياء المادة

في الأساس، قوانين الفيزياء هي عبارات إخبارية؛ إذ تُخبرنا بشيء ما عن آلية عمل العالم الفيزيائي. يتطلَّب ذلك التحوُّل في المنظور تحولًا في السؤال الأساسي الذي طرحته بشأن منشأ قوانين الفيزياء؛ بوسعنا الآن أن نسأل عن منشأ «المحتوى المعلوماتي» للكون وطبيعته، وأحيل القارئ إلى مقال سيث لويد في الفصل الخامس من ذلك الكتاب للاطلاع على إحدى الأطروحات حول ذلك السؤال. أما هنا فأودُّ أن أتناول جانبًا أبسط من المسألة، وهو: هل المحتوى المعلوماتي في الكون مُتنهاهٍ أم غير مُتناهٍ؟

في النموذج القياسي للكون، الذي يصف كونًا واحدًا بدأه الانفجار العظيم (الذي يمثل نشأة الزمان والمكان)، يحوي ذلك الكون كمية محدودة من المعلومات. لإدراك سبب ذلك، لاحظ أولًا أن الكون بدأ منذ ١٣٫٧ مليار سنة، وَفق أحدث الأدلة الفلكية. ولاحظ أيضًا أن الحيز من الفضاء الذي يمكن أن تطاله ملاحظتنا مُحدد بأقصى مسافة قطعها الضوء منذ الانفجار العظيم؛ أي منذ ١٣٫٧ مليار سنة ضوئية. ولأن سرعة الضوء حد أساسي، فلا يمكن لأي معلومة أن تتحرك بسرعة تفوق سرعة الضوء، وعليه فإن حجم الفضاء المحدد بوصول الضوء إليه هو بمثابة خط أفق في الفضاء لا نستطيع رؤية ما وراءه، أو الوقوع تحت تأثيراته السببية الفيزيائية. بعبارة أخرى، لا يُمكننا الوصول إلى أي معلومات موجودة وراء ذلك الأفق في اللحظة الحالية. والأفق يتمدد بمرور الزمن (في علاقة تتناسب مع مربع الزمن )؛ ومن ثَم فإنه في المستقبل، سيحوي الحيز المترابط سببيًّا من الكون المزيد من المعلومات. وفي الماضي كان يحوي معلومات أقل. المصطلح العلمي الذي يُستخدم لوصف أفق الضوء ذلك هو «أفق الجسيمات»؛ لأنه يفصل بين جسيمات المادة التي نستطيع رصدها نظريًّا، وتلك لا نستطيع رصدها لأنه لم يَنقضِ بعدُ الوقتُ الكافي منذ نشأة الكون لأن يبلغ الضوء المنبعث منها الأرض. يرجح وجود نوع آخر من الأفق يسمى بالاصطلاح العلمي «أفق الحدث». وهو ينشأ لأن معدل تمدد الكون يتسارع على ما يبدو، وهو ما يشير (على نحو واضح) إلى أن بعض المجرات التي نراها تبتعد عنا ستزداد سرعة ابتعادها، وفي نهاية المطاف ستبتعد عنا كثيرًا إلى حدِّ أن ضوءها لن يَبلغنا مجددًا قط. إذ ستَختفي وراء أفق الحدث إلى الأبد. في مرحلة ما خلال البضع مليارات سنة القادمة، ستفوق تأثيرات أفق الحدث تأثيرات أفق الجسيمات. في صدفة فريدة، يتساوى نصف قُطرِ أُفق الجسيمات وأُفقِ الحدث في الحقبة الحالية، وباعتبار عدم اكتمال صياغة ما أنا بصدد طرحه، يُمكن اعتبار أحد الأفقَين أو كليهما أساسًا لذلك النقاش (وعليه سأستخدم مصطلح «الأفق» العامِّ من الآن فصاعدًا).
ثمة سؤال دقيق هو: ما مقدار المعلومات الموجود في حجم الفضاء الذي يحده الأفق؟ تقاس المعلومات بالبتَّات، وهو نظام عدديٌّ ثُنائي، يمكن تشبيهه برمي عملة معدنية. فعند إلقاء العملة إما سيظهر وجهُ الكتابة أو وجهُ الرسم، ذلك يكافئ الحصول على بتٍّ واحدة من المعلومات. إذن كم عدد البتَّات الموجودة في مساحة الأفق المترابطة سببيًّا من كوننا في الحقبة الحالية؟ أجاب سيث لويد (٢٠٠٢، ٢٠٠٦) على ذلك السؤال مُستخدمًا ميكانيكا الكم. كان مفتاح الإجابة هو أن ميكانيكا الكم تقول إن حالات المادة في الأساس متجزئة وليست متصلة، ومن ثَم فهي تكوِّن مجموعة قابلة للعد. وعليه فإنه يمكن حساب عدد البتَّات المعلوماتية (بالتقريب) التي يحويها حجم فضاء مُعيَّن من الكون استنادًا إلى تجزؤ الحالات الكمية. الإجابة هي أن الحيز الذي يحدُّه الأفق يحوي ١٠١٢٢ بتات من المعلومات في الوقت الراهن. هذا المقدار له تفسير فيزيائي محكم. فهو يساوي مساحة الأفق مقسومة على أصغر مساحة يَسمح بها تجزُّؤ الحالات الكمية، والتي تُسمى مساحة بلانك، ، وهي تُساوي ١٠ −٦٥سم٢ بالتقريب. إذن عدد البتَّات في الكون هو مقدارٌ نِسبي لا أبعاد له، وهو معامل أساسي للكون.
عدد لويد ليس جديدًا على الفيزياء النظرية. هو يُساوي بالتقريب ، حيث ما يُدعى عدد إدنجتون-ديراك: وهو نسبة القوة الكهرومغناطيسية إلى قوة الجاذبية بين إلكترون وبروتون. هو كذلك عمر الكون الحالي مُعبرًا عنه بالوحدات الذرية. حاول كل من آرثر إدنجتون (١٩٣١) وبول ديراك (١٩٣٧) وضع نظريات أساسية للفيزياء باستخدام ذلك العدد كنقطة انطلاق. لم يُحرز أي منهما نجاحًا طويل الأمد، لذا حريٌّ بنا أن نتعلم ذلك الدرس من التاريخ. لكن إدنجتون وديراك لم تتوفَّر لهما ميزة الفهم الأوضح للعلاقة بين الجاذبية ومفهوم «الإنتروبيا» المتوافرة لنا. ذلك الفهم نابع مِن الدراسات المهمَّة التي أجريت في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين عن فيزياء الثقوب السوداء. بحلول عام ١٩٧٠ كان من الواضح لنا أن الثقوب السوداء لها خواصُّ ديناميكية حرارية، وأن أفق الحدث للثقب الأسود — أي مساحة سطح حدوده بالتقريب — يلعب دور الإنتروبيا. في الديناميكا الحرارية التقليدية، التي تَنطبق على المحرِّكات الحرارية على سبيل المثال، الإنتروبيا هي مقياس لدرجة العشوائية في نظامٍ ما، أو بعبارة أخرى، هي سالب مقدار الطاقة الفعَّالة التي يُمكن استخراجها لأداء الشغل. في مطلع سبعينيات القرن العشرين، اكتشف جيكوب بيكنستين أنه عند تطبيق قوانين ميكانيكا الكم على الثقوب السوداء، فإنه يُمكن وضع صيغة معيَّنة للتعبير عن الإنتروبيا الخاصة بها (بيكنستين، ١٩٧٣). دعم ستيفن هوكينج (١٩٧٥) ذلك الاكتشاف، والذي اكتشف أن الثقوب السوداء ليست مُطلَقة السواد، بل يَنبعِث منها إشعاع حراري. تتَناسَب درجة حرارة ذلك الإشعاع عكسيًّا مع كتلة الثُّقب الأسود ؛ ومن ثَم تكون درجة حرارة الثقوب السوداء الصغيرة أعلى من نظيرتها في الكبيرة. قيمة إنتروبيا بيكينستين–هوكينج لثقبٍ أسود غير مشحون وغير دوار هي
(4-1)
حيث مساحته مقيسة بوحدات بلانك، و ثابت بولتزمان، الذي يُحوِّل وحدات الطاقة إلى وحدات حرارة. جدير بالذكر أنه في حالة الثقب الأسود، تكون الإنتروبيا دالة تُمثل «مساحة» حده، لا حجمَه. في المقابل، فإن إنتروبيا كتلتين من الغاز في حالة ديناميكية حرارية متطابقة تُساوي مجموع «حجمي» الغازين.
الآن أصل إلى الرابط بين ذلك والمعلومات. عُرِفَ منذ عقود أنه يمكن اعتبار الإنتروبيا مقياسًا للجهل (سيلارد، ١٩٢٩، ١٩٦٤). على سبيل المثال، إذا علمنا أن جميع جزيئات كتلة من الغاز محصورة في أحد أركان صندوق، فسيُوصف الغاز بأنه منخفض الإنتروبيا. على النقيض، حين يُوزَّع الغاز على حجم الصندوق، وتتحرَّك جزيئاته وتوزع عشوائيًّا، يكون عالي الإنتروبيا. الجهل هو الوجه الآخر للمعلومات، إذن بوسعنا أن نَستنتِج علاقة رياضية بين الإنتروبيا والمعلومات . العلاقة كما صاغها شانون (١٩٤٨) هي:
(4-2)
يُمكن اعتبار إنتروبيا غاز ما هي المعلومات عن مواقع جزيئاته وتحرُّكاتها التي فاتنا معرفتها. بالمثل، حين يَبتلِع ثقب أسود المادة، تخرج من حيز إدراكنا هي أيضًا؛ لأنَّ سطح الثقب الأسود هو أفق حدث لا يُمكن للضوء أن يَنفذ من داخله إلى الخارج (وهذا ما يجعل الثقب أسود). تصف صيغة بيكنستين–هوكينج )4-1( العلاقة بين إجمالي المعلومات التي ابتلَعَها الثقب الأسود ومساحة سطح أفقِ حدثه. تُوضِّح الصيغة أن معلومات الثقب الأسود هي ببساطة ربع مساحة أفقه بوحدات بلانك.
يُمكن تعميم العلاقة بين الإنتروبيا والمعلومات ومساحة الأفق على «جميع» آفاق الأحداث، وليس فقط تلك المحيطة بالثقوب السوداء؛ على سبيل المثال، أفق الحدث الكوني الذي تحدثت عنه آنفًا (ديفيز وديفز، ٢٠٠٣؛ جيبونز وهوكينج، ١٩٧٧). اقترح بيكنستين معادلة عامة )4-1( لإيجاد عتبة قُصوى «عامة» للإنتروبيا (أو المحتوى المعلوماتي) «لأي» نظام فيزيائي (بيكنستين، ١٩٨١). يملأ الثقب الأسود حد بيكنستين، ويُمثل الحد الأقصى من مقدار المعلومات التي يُمكن للحجم الذي يحده الأفق أن يحتويها. يُمكن افتراض أمر مُشابه عن الأفق الكوني (حيث يملأ ما يُسمى فضاء دي سيتر المساحة التي يُحيط بها الحد).
يبدو الرابط بين (فقد) المعلومات والمساحة خاصية متأصِّلة في الكون، رقاها إلى مرتبة المبدأ الأساسي جيراردت هوفت (١٩٩٣) وليونارد سسكيند (١٩٩٥)، اللذان اقترَحا ما يُسمى «مبدأ التصوير المجسم» (المبدأ الهولوجرافي)، الذي ينص على أن المحتوى المعلوماتي لحجم حيز من الفضاء (حجم أي حيز في المطلق وليس الثقوب السوداء فحسب) مُمثل بالمعلومات التي تقبع على السطح الذي يُغلف ذلك الحجم. (استخدام مصطلح «التصوير المجسم» هو تشبيه يستند إلى حقيقة أنَّ الصورة المجسمة هي صورة ثلاثية الأبعاد تنتج عن أشعة ليزر مسلَّطة على لوح ثنائي الأبعاد.) يُشير مبدأ التصوير المجسم إلى أن إجمالي المحتوى المعلوماتي في حيِّز من الفضاء لا يُمكن أن يتجاوز ربع مساحة السطح (المقيسة بوحدات بلانك) الذي يحدُّه، (وقد طُرِحَت نسخ أخرى من مبدأ التصوير المجسَّم لها تعريفات مختلفة للمساحة الحاوية)، ويُشير أيضًا إلى أن ذلك الحد يتحقَّق في حالة أفق الحدث الكوني. إذا طبقنا مبدأ التصوير المجسَّم على حالة الكون في وقتنا الحالي، يكون الناتج هو قيمة الحد المعلوماتي الكوني التي توصَّل إليها لويد وهي ١٠١٢٢ بتات.

(٤) ما الذي تُخبرنا به محدودية المحتوى المعلوماتي الكوني عن «الواقع»؟

ستبدو (على الأقل في النموذج الكوني التقليدي) محدودية المُحتوى المعلوماتي للكون حقيقة أساسية بالغة الأهمية عن الكون. ما تبعاتها؟ أولًا، هي تعني أنه لا شيء في الكون (كما يُحدِّده الأفق) يُمكن وصفه أو تعيينه بأكثر من ١٠١٢٢ بتات من المعلومات. أعني ﺑ «لا شيء» البِنى أو الحالات الفيزيائية الموجودة بالفعل. فذلك الحد لا يَنطبق مثلًا على الأشياء المعينة افتراضيًّا، مثل جميع مجموعات أوراق اللعب المحتملة، أو جميع احتمالات تراكيب الأحماض الأمينية المكونة لبروتين ما (التي يَبلغ الحد فيها أكثر من ١٠١٣٠) إذ لا يُزعَم أن جميع تلك المجموعات المُحتملة يمكن أن يكون لها وجود فيزيائي في الكون. من ثَم فإن الكون لا يُمكن أن يحويَ فندقًا به ١٠١٣٠ غرفة على سبيل المثال. في الواقع، يحوي الكون ١٠٩٠ جسيمًا في المُجمَل (بما فيها الفوتونات، ولكن يُستثنى منها الجرافيتونات) والحد المتناهي من المعلومات يخبرنا بأن تلك الجسيمات لا يمكن أن تحتشد في «ركن صندوق» حجمه أصغر بكثير من الكون، لو استعرنا المثال الذي ذكرناه في سياق الديناميكا الحرارية التقليدية؛ لأنَّه حينئذٍ سيفوق علمُنا بمواقعها المستوى المتاح للوصف. لاحظ أن الخواص المعلوماتية للكون الكَمِّي تختلف جذريًّا في ذلك الجانب عن الكون التقليدي الذي يُمكن لشيطان لابلاس توقُّعه. إذ يَفترض لابلاس أنه يُمكن تحديد حالة الكون في لحظة ما «بدقة لا متناهية»؛ بمعنى أنه يُمكن تعيين مجموعة من ستة أعداد حقيقية لموقع كل جسيم وسرعته. (يُمكن بسهولة بيان أن أيَّ حياد عن الدقة ولو بفوارق طفيفة يؤدِّي إلى تضخُّم الأخطاء أُسيًّا في توقُّع الشيطان.) لكن أغلب الأعداد الحقيقية تقريبًا تتطلَّب مقدارًا لا متناهيًا من المعلومات لتحديدها.
لكن حتى المثال الغريب الذي ضربناه آنفًا (الفندق) يُشير إلى حالة كلاسيكية. فماذا لو كانت الحالة كمية؟ في النهاية، حد المعلومات هو قيمة ذات طبيعة ميكانيكية كَمية. افترض أن لديك سلسلة من مُقسِّمات الشعاع الفوتوني يُرمز إليها بالرمز ، والتي يَسمَح كلٌّ منها بمرور فوتون واحد (أو تدميره) باحتمال معيَّن يُساوي . كل مواجهة بين الفوتون ومقسم الشعاع تخفض احتمال صمود الفوتون حتى خروجه من مجموعة مقسمات شعاع بأكملها. بعد عدد من المواجَهات، يُوجد احتمال أن يكون الفوتون قد اجتاز سلسلة المقسمات برمتها. ويصبح الاحتمال ضئيلًا جدًّا كلَّما بيل المثال، إذا كان ؛ لجميع قيم و ، نجد أن . هل يُمكن أن يحوي الكون مثل ذلك العدد الضئيل؟ بالطبع يُمكن بوجه ما: فقد كتبتُه لتوِّي! لكن كيف يُمكن أن نختبر صحة احتمال اختراق الفوتون؟ أعني، كيف نتحقَّق من أن ميكانيكا الكم تصفُ بدقَّة تلك التجربة؟ سيلزم أن نُؤدِّي ما يزيد عن ١٠ −١٢٢ تجارب كي يتأكَّد لنا ذلك، وبجانب استحالة ذلك بالنِّسبة إلينا، هو «مستحيل بالنسبة لشيطان لابلاس حتى من حيث المبدأ». والآن افترض أن ليس جميع قيم تُساوي بالضبط، بل تُختار القيم عشوائيًّا من الفترة [٠، ١]. إذن لجَميع قيم المجموعة تقريبًا لن يسعَ الكون الاحتمال الإجمالي . لو أراد شيطانٌ أن يكتب الإجابة مستخدمًا كل بت من المعلومات موجود في الكون — كل جسيم على سبيل المثال — فستنفد البتَّات قبل أن يُكتب العدد. في الواقع، سيَستنفد حساب احتمال مرور فوتون من مُقَسِّم «واحد» على الأرجح جميع المعلومات، باعتبار أن العدد الحقيقي يُمكن دائمًا التعبير عنه بتعيين عدد لا نهائي من الأرقام: على سبيل المثال، ٠٫٣٧٦٥٢٥٨٣ …
هنا يلوح السؤال: هل العدد يستحيل معرفته بوجه ما، ليس عمليًّا فقط، بل من حيث المبدأ؟ بعبارة أخرى، هل يُمكن لشيطان لابلاس أن يعرف ذلك العدد؟ وإذا كان يستحيل معرفته — إذا كان العدد غير قابل للإدراك في الأساس — فهل يُشير ذلك إلى وجود حدٍّ أساسي لمُستوى الدقة التي يُمكن أن يبلغها تطبيق قوانين ميكانيكا الكم ولو حتى نظريًّا؟ الإجابة البديهية على السؤال الأخير هي كلا؛ لأن «الاحتمال» ليس شيئًا متحققًا؛ إنما هو مجرَّد قياس نسبي للمُمكنات، وفي هذا الصدد فإن وضعه كوضع عدد التراكيب الممكنة من الأحماض الأمينية. يُمكن أن ينظر الشيطان (أو فني المختبر في تلك الحالة) كي يرى إن كان الفوتون قد صمد، وستحتاج الإجابة إلى بتٍّ واحد من المعلومات («نعم» أو «لا») للتعبير عنها. لكن هنا تَكمُن تفصيلة دقيقة. بصفة عامة لا تستطيع ميكانيكا الكم أن تتنبأ ﺑ «المتحقِّقات»، إنما تتنبأ ﺑ «الاحتمالات» فقط. ما يُمكنها أن تتنبأ به — بدقة مطلقة نظريًّا — هو سعات الدوال الموجية، التي يُمكن منها حساب الاحتمالات. في مثال مُقَسِّم الشعاع، تكون الدالة الموجية تراكبًا للسعات، وعدد تفرعات الدالة الموجية أو مكوِّناتها المجموعة في التراكب، هو . بالنسبة للقيمة ، هذا العدد وحده يتجاوز قدرة الكون على احتواء المعلومات، فما بالك بالقدر المطلوب من المعلومات لوصف سِعات كل مُكوِّن من التراكب؟

سؤالي الآن هو: هل يُمكن أن يسع الكون «الحالة الكمية» (تراكب السعات المكوِّنة للدالة الموجية)؟ الإجابة التقليدية هي أجل. ففي النهاية، ما الذي سيَمنعنا من تجميع سلسلة من ٤٠٠ مُقسِّم شعاع عشوائي وإطلاق فوتون خلالها. صحيح أننا نستطيع تحقيق تلك الحالة، لكن هل نستطيع تحديدَها أو وصفَها؟ على الأرجح لا؛ حتى شيطان لابلاس لن يستطيع ذلك. وهذا ما يُوصِّلنا إلى لب الموضوع. هل الحالة الكمية حقيقية بأي وجه، باعتبار أنها نظريًّا لا يُمكن معرفتها من «داخل» الكون؟ أم إنها مُجرَّد تصور خيالي أفلاطوني، مفيد (مثل مفهوم اللانهاية) في إجراء العمَليات الحسابية، تَستتِر طبيعته الخيالية وراء أخطاء تجريبية وأخطاء في الحالة الأولية أكبر بكثير؟ باعتبار أن تحديدًا أو وصفًا كاملًا لتجربة مُقَسِّم الشعاع يتطلَّب معلومات أكثر من الموجودة في الكون، يُصبح سؤالي كالآتي: هل المعلومات شيء «موجود في الواقع» بصفة مُستقلَّة عن الراصدين، أم إنها مجرَّد وصفنا لما يُمكن لفاعل أو راصد أن يَعرفه؟ إن صح الاحتمال الأخير — إذا كانت المعلومات مجرَّد وصف «لما نعرفه» عن العالم الفيزيائي — فلن يكون ثمة مُبرر لأن تكترث الطبيعة الأم بالحد المعلوماتي الكوني، ولن يُوجد ما يدعو لأن يؤثر ذلك الحد على الفيزياء الأساسية. يُمكن للطبيعة الأم حسب التصور الأفلاطوني أن تكون عليمة بكل شيء. ووَفق الرؤية التقليدية للقوانين، التي يَرتكز فيها الواقع الفيزيائي على قوانين الفيزياء «المثالية» التي تدور في فلك الأفلاطونية، تستطيع الطبيعة الأم قطعًا أن تُجري حسابات بدقة تعسفية أو اعتباطية باستخدام المقدار غير المحدود من المعلومات المتوافر لديها. لكن إن كانت المعلومات «حقيقية» — أي، كانت هي الركيزة المعرفية إن جاز التعبير (وهو ما أقترحه) — فسيكون الحد المفروض على المُحتوى المعلوماتي للكون قيدًا أساسيًّا مفروضًا على الطبيعة «بأكملها»، لا على حالات العالم الذي يُدركه البشر فحسب.

كان رولف لانداور أحد العلماء الداعين لذلك الموقف تحديدًا؛ إذ تبنَّى الرأي القائل بأن «الحسابات الكونية تجري داخل الكون»، لا في جنةٍ أفلاطونيةٍ ما، وهي وجهة نظر مدفوعة بإصراره على أن «المعلومات لها وجود فيزيائي». انتبه لانداور سريعًا إلى الآثار الخطيرة المترتبة على ذلك التحول في المنظور:

تخضع العملية الحسابية إلى بعض القيود شأنها شأن عملية القياس. ويجب أن تَحترم أيُّ نظرية منطقية للفيزياء تلك القيود، ويجب ألا تستعمل أنماطًا حسابية لا يمكن إجراؤها في الواقع.

(لانداور، ١٩٦٧)

بعبارة أخرى، في كون محدود الموارد والزمن — كون يخضع للحد المعلوماتي الكوني على سبيل المثال — تُعتبر مفاهيم؛ مثل الأعداد الحقيقية، وقيم المعاملات المُطلَقة الدقة، والدوال القابلة للتفاضل، والتطور الوحدوي لدالة موجية، محض خيال؛ خيال مفيد بلا شك، لكنه يظلُّ خيالًا. تأمل مثال شيطان لابلاس، وعبارة لابلاس المحورية «لو كان لدى هذا العقل ما يكفي من الاتساع والشمول لإخضاع تلك البيانات للتحليل». إذا كانت الطبيعة الأم — التي هي شيطان لابلاس — تسكن العالم الأفلاطوني للرياضيات المثالية المطلقة الدقة، إذن فلن يكون للحد المعلوماتي المحدود أيُّ وزن على الإطلاق؛ لأنَّ الطبيعة الأم الأفلاطونية على حدِّ قول لابلاس لديها «ما يكفي من الاتساع والشمول»؛ لأنها عالِمة بكل شيء وتملك عقلًا لا محدودًا؛ ومن ثَم تستطيع إخضاع عدد لا نهائيٍّ من بتَّات البيانات إلى التحليل. هي بلا شكٍّ قادِرة على «إجراء العمليات الحسابية» التي يُشير إليها لانداور. لكن إن كانت المعلومات فيزيائية، إن كانت حقيقية من الناحية المعرفية وأساسية من الناحية الفيزيائية، فهذا يعني أنه «لا وجود» لشياطين أفلاطونية، أو طبيعة مُطلقة القُدرة كالإله تُجري حساباتها بالأعداد الحقيقية؛ وبالطبع لا وجود للأعداد الحقيقية. الموجود هو المكوِّنات الحقيقية لكون فيزيائي حقيقي يُجري حساباته بنفسه، على الوجه الذي يصفه لويد في الفصل الخامس من هذا الكتاب. بعبارة أخرى، قوانين الفيزياء متأصِّلة في الكون ومنبثقة منه غير مُتجاوزة له.

وردت تعليقات لانداور الأصلية باعتبارها جزءًا من تحليل عام؛ أفكاره تلك كانت سابقة لمبدأ التصوير المجسَّم والحد المعلوماتي المحدود الذي يخضع له الكون. لكن وجود ذلك الحد يُخرج وجهة نظر لانداور مِن طَور الفلسفة فيضع قيدًا حقيقيًّا على طبيعة القوانين الفيزيائية. على سبيل المثال، كان المرء يَعجز عن تبرير تطبيق قوانين الفيزياء على الحالات التي تحتاج إلى عمليات حسابية تتضمَّن أعدادًا أكبر من ١٠١٢٢ تقريبًا، وإن برَّرها فقد يتوقَّع أن يجد انفصامًا بين النظرية والتجربة العمَلية. بالنسبة إلى أغلب الأغراض، يُعتبر الحد المعلوماتي عددًا ضخمًا إلى الحد الذي يجعل الآثار المترتِّبة على التحول الذي أطرحُه لا وزن لها. تأمل قانون حفظ الشحنة الكهربية على سبيل المثال. اختُبِر القانون إلى دقة جزء واحد من ١٠١٢. إنْ فَشلنا عند مستوى الدقة ١٠١٢٢ بتات، فستكون التبعات ضئيلة إلى حد لا يكاد يُذكر.
لكن توجد حالات في الفيزياء النظرية تظهَر فيها أعدادٌ ضخمة. أحد أشهر فئاتها هي التي تتضمَّن العمليات الحسابية الأُسيَّة. على سبيل المثال، تأمَّل الميكانيكا الإحصائية حيث يُتنبأ بأنَّ قيمة أزمنة رجوع بوانكاريه من الرتبة من وحدات زمن بلانك (المختارة لجعل العدد بلا أبعاد) حيث N هي عدد الجُسيمات الموجودة في النظام. فرض الحد ١٠١٢٢ يُشير إلى أن التنبؤ بزمن التكرار لا يُعتد به إلا في أزمنة التكرار التي مدتها حوالي ١٠٦٠ سنوات. وهذه أيضًا مدة طويلة للغاية إلى حدِّ يجعلنا لا نلاحظ أي انفصام بين النظرية والرصد على الأرجح.
الحوسبة الكمية هي تطبيق أكثر إدهاشًا ومُحتمل التجريب عمليًّا للمبدأ نفسه. تحمل الحواسيب الكمية الأمل في حيازة قُدرة أكبر بكثير من الحواسيب التقليدية، بفضل ظاهرتي التراكب الكَمي والتشابك الكمي. تُشير الأخيرة إلى حقيقة بقاء نظامَين كميَّين مُرتبطين بطريقة مبهمة حتى عند فصلهما فيزيائيًّا. يبين حساب ذلك الرابط وجود عدد من الحالات المُحتملة للأنظمة المُتراكبة كميًّا يفوق أُسيًّا ما تحتويه مُكوناتها منفصلة. وعليه فإن نظامًا به عدد من المكوِّنات (على سبيل المثال، عدد من الذرات) له عدد من الحالات، أو عدد من مُكونات الدالة الموجية التي تصف النظام. تناول سكوت آرونسون (٢٠٠٥) الطبيعة الأُسية بالأساس للعالم الكَمِّي ببلاغة حين طرح سؤاله البليغ: «هل الكون مكان مُتعدِّد الحدود أم أُسي؟» كي يُناقش ما أسماه «سر الأسرار». يقول:

لقرابة قرن، ظلَّت ميكانيكا الكم شبيهةً بسرِّ «قابالي» كشفه الإله لبور، وكشفه بور بدوره للفيزيائيِّين، لكن لم يَكشفه الفيزيائيُّون لأحد (على ما يبدو). طالَما كانت أجهزة الليزر والترانزستورات تعمل، تجاهَلَ بقيتُنا الحديث عن التكامل أو ثنائية الموجة والجُسيم، وسلَّموا بأننا لن نفهم المعنى الحقيقي لمِثل هذه الأشياء أبدًا أو لن يكون لنا حاجة لأن نفهمَها. لكن اليوم — على الأغلب بسبب الحَوسَبة الكمية — فقد انكشف سر قطة شرودنجر، وصرنا جميعًا مجبرين على مواجهة الوحش الأُسي الكامن في تصوُّرنا الحالي عن العالم. وكما هو مُتوقَّع، لم يُسرَّ الجميع لذلك، كما لم يُسَرَّ الفيزيائيون أنفسهم حين اضطرُّوا لمواجهته لأول مرة في عشرينيات القرن العشرين.

(آرونسون، ٢٠٠٥)
سؤالي الآن هو: هل يَتوافَق «الوحش الأُسي» الذي تحدث عنه آرونسون مع كيان كشيطان لابلاس موجود «داخل» حدود الكون الحقيقي وخاضع لمحدودية موارده وعمره، والذي سيكون الوصف الأدق له هو «ديميورج» لابلاسي؟ لنُسمِّ ذلك الوحش «شيطان لانداور». لنَفترض أننا نحتاج للتنبؤ بسلوك حاسُوب كَمِّي خاضع للحد المعلوماتي الكوني الذي سبق أن ناقَشناه. يكمن أساس الحوسبة الكمية في السمة الأسية للحالات الكمية، إذن نحن هنا بصدد عمليات حسابية أُسية خاضعة للحد المعلوماتي للكون. بعبارة أدق، إذا كان لدينا حالة كمية يزيد عدد مُكوناتها عن من الجسيمات، فسوف يفوق عدد مكونات الدالة الموجية التي تصفها اﻟ ١٠١٢٢ بت من المعلومات الموجودة في الكون بأكمله وَفق لويد. الدالة الموجية العامة لتلك الحالة التي تتضمَّن ٤٠٠ جسيم «لا يُمكن وصفها ببتات المعلومات»، ولو نظريًّا. فحتى لو حوَّلنا الكون كله إلى شاشة عرض للبيانات، فلن تكون كبيرة بما يَكفي لوصف تلك الحالة الكمية. إذن حتى شيطان لانداور لن يتمكَّن من وصف حالة كمية عامة تتضمَّن ٤٠٠ جسيم، ناهيك عن التنبُّؤ بتطورها. غير أنه يُمكن لشيطانٍ أفلاطوني مُتعالٍ له قدرات الإله بحق، وقدر «غير محدود» من الموارد والصبر أن يتنبأ بها.
ما نستخلصُه من ذلك مُذهِل. إذا كان الحد المعلوماتي للكون يقف عند ١٠١٢٢ بتات، وكانت «المعلومات واقعية من الناحية الأنطولوجية»، إذن تكون قوانين الفيزياء محدودة الدقة بطبيعة الحال. على الأغلب، لن يكون لمحدودية دقَّة القوانين تلك تبعات تذكر، لكنها تصنع فارقًا كبيرًا في الحالات ذات القيم الأسية، مثل التراكب الكمي؛ فارقًا قد يمكن ملاحظته. كثيرًا ما تحدَّث الفيزيائيون الذين يعملون على بناء حاسوب كمِّيٍّ عن إنشاء حالة مكوَّنة من ٤٠٠ جسيم مُتشابك كميًّا (هم يستهدفون الوصول إلى ١٠ آلاف جسيم مُتشابك). أتوقَّع انهيار التطور الوحدوي للدالة الموجية عند تلك النقطة، وربما انبثاق ظواهر جديدة. أقتبس من فيتجنشتاين (١٩٢١) عبارته: «ينبغي للمرء أن يسكت عما يعجز عن الحديث عنه». نحن لا نستطيع — أو لا ينبغي لنا — أن نصفَ أو نتوقع حالة نظامٍ كميٍّ عامٍّ يحوي أكثر من ٤٠٠ جسيم مُتشابك أو تطوُّره الديناميكي؛ لأنه لا يوجد في الكون ما يكفي من الكلمات لوصف تلك الحالة!
الموقف التقليدي من دقة التنبؤات هو أن قوانين الفيزياء نفسها مُطلقة الدقة، لكن تصور نظام فيزيائي منعزل تمامًا ومعروفة بدقة ظروفه الأولية هو نوع من المثالية. ويذهب هذا الرأي إلى أنه عمليًّا ستَحدث أخطاء لا محالة سيكون مقدارها عادةً أكبر بكثير من جزء واحد في ١٠١٢٢. في حالة الحوسبة الكمية، تُعالج تلك الأخطاء باستخدام إجراءات تصحيح الأخطاء والتكرار. الرأي الذي أتبناه هو أن الحد المعلوماتي المحدود للكون يحد من دقة القوانين نفسها، ويجعلها «ضبابية» إلى حدٍّ غير قابل للاختزال. ذلك نوع من الضوضاء الكونية لا مناصَ منه، ولا يُمكن لأي قدر من تصحيح الخطأ أن يُزيله. وسيتمثل في صورة انهيار في التطور الوحدوي للدالة الموجية. ما أقترحه هنا يبدو أقرب إلى مفهوم انعدام الاتِّساق الجوهري الذي اقترحه ميلبرن (١٩٩١، ٢٠٠٦). قد تتَّضح تلك المشاكل بعد مزيد من التعمُّق في دراسة الاكتشاف الحديث الذي أفاد بأن إنتروبيا التشابك الكمي لشبكة بلورية مُتناغِمة تزيد أيضًا على نحو مُتناسِب مع مساحة لا حجم (كرامر وآيزرت، ٢٠٠٦)، وهو ما يبدو أنه يُدعِّم تطبيق مبدأ التصوير المجسَّم على حالات التشابك. سيكون من الجيد اكتشاف مدى عموم العلاقة بين التشابُك والمساحة.

أخيرًا، يَنبغي أن أشير إلى أن الحد المعلوماتي مستُنتَج من خلال نظرية المجال الكمي، لكنه ينطبق عليها كذلك. ذلك الحد يُفترض استنتاجه باتباع نهج متَّسق مع ذاته. إذا كان المرء يتبنى الفلسفة التي ترى أن المعلومات أساسية وواقعية من الناحية الأنطولوجية، إذن عليه أن يضع ذلك الزعم المتَّسق ذاتيًّا في إطار نهج أشمل يستهدف توحيد الرياضيات والفيزياء. إن انتهج المرء نهج لانداور وسلَّم بأن الرياضيات لا يكون لها معنى إلا إن كانت نتاج عمليات حسابية تحدُث في الواقع (وليسَت موجودة في عالم أفلاطوني مستقل) فسيكون لديه علاقة دائرية متَّسقة مع ذاتها؛ قوانين الفيزياء هي التي تُحدِّد ما يُمكن حسابه، وذلك بدوره يحدد الأساس المعلوماتي لتلك القوانين. طرح بول بينوف (٢٠٠٥) مخططًا تَنبثِق فيه قوانين الرياضيات والفيزياء معًا من مبدأ اتِّساق ذاتي مشترك أعمق، وهو ما يجيب سؤال فيجنر الشهير عن السبب وراء «الفعالية غير المنطقية» للرياضيات في وصف العالَم الفيزيائي (فيجنر، ١٩٦٠). سبق أن ناقشتُ تلك المسائل الأعمق في مواضعَ أخرى (ديفيز، ٢٠٠٦).

(٥) الاستنتاجات

اسمحوا لي أن أختمَ بحكاية شخصية. وهي ذكرى جليلة أحتفظ بها منذ أعوام دراستي في المدرسة الثانوية، حيث كنت أتعلم كيفية حساب طاقة وضع الجاذبية لكتلة نقطية بحساب تكامل الشُّغل (السالب) المبذول لنَقل الجُسيم قُطريًّا من اللانهاية إلى سطح الأرض. رفعتُ يدي وسألت كيف يُمكن فعليًّا أن يُنقَل جسيم من اللانهاية. كانت الإجابة التي تلقيتُها هي أن ذلك النوع من التحليل هو وسيلة صُمِّمَت لتبسيط الحساب، وأن الخطأ الناشئ من اعتبار اللانهاية نقطة بدء بدلًا من مسافةٍ محدودة لكنها كبيرة للغاية لا يُذكر. وهو كذلك بالفعل. لكن ذلك النقاش على بساطته دفعَني لأن أُفكِّر في الفرق بين الرياضيات باعتبارها أداة نستخدمها والطبيعة الرياضية لقوانين الفيزياء. أردتُ أن أعرف إن كانت طاقة وضْع الجاذبية «الفعليَّة» — المستندة إلى القوانين التي تستخدمها الطبيعة الأم نفسها — تتَّخذ اللانهاية نقطة انطلاق لها أم إنها تبدأ من نقطة أقرب. بعبارة أخرى، صحيح أن البشر لا يُمكنهم قطُّ ولو نظريًّا إجراء العملية الفيزيائية المتضمَّنة في حساب القيمة المحدَّدة لطاقة الوضع، لكن ربما «تعرف» الطبيعة بطريقة ما الإجابة دون إجراء تلك العمَلية فعليًّا. بمعنى أن الإجابة الدقيقة «مُضمَّنة» في قوانين الفيزياء ومسألة اللانهاية تُمثِّل مشكلة للبشر فحسب (أو للتلاميذ المُشاغبين أمثال الصبي بول ديفيز).

على الجانب المُقابل لللانهاية يُوجد مفهوم الفترات المتناهية الصِّغر، التي تُشكِّل أساس علم التفاضل والتكامل. في ضوء حقيقة أن جميع قوانين الفيزياء الأساسية مُعبَّر عنها بمعادلات تفاضلية، تعدُّ الفترات المُتناهية الصغر بالغة الأهمية. هنا يلوح مجددًا سؤال: هل هي أدوات رياضية من صُنعِ البشر، أم أنها مُطابقة للواقع؟ قد يَصوغ فيلسوف ذلك في السؤال الآتي: ما الحالة الأنطولوجية للفَترات المُتناهية الصِّغر؟ يرتبط هذا السؤال ارتباطًا وثيقًا باستخدام الأعداد الحقيقية وبخاصية الاتِّصالية. هل يُمكن الاستمرار في تقسيم فترة زمنية أو مكانية دون قيد؟

على مدى السنين افترض الفيزيائيون افتراضات عديدة مفادها أن الزمكان في الواقع ليس متصلًا وقابلًا للتفاضُل، وأن الأعداد الحقيقية والتفاضُل قد تكون مُستخدَمة باعتبارها أدوات مثالية مفيدة. مُعظم تلك الأفكار ظل محصورًا في دائرة ضيقة من المتحمِّسين لها. بيد أن التحدِّي الحقيقي أثاره علماء الحوسبة لا الفزيائيون. الحواسيب الرقمية بطبيعتها لا تستطيع التعامل مع المقادير اللانهائية والمُتناهية الصِّغَر؛ لأنها تتلاعَب بالبتَّات المُتجزِّئة باستخدام الجبر البوليني. هذا بخلاف الحواسيب التناظُرية مثل المساطر الحاسبة. وقد تطوَّرت دراسة أداء الحواسيب الرقمية، التي بدأها تورينج، لتصير تخصُّصًا كاملًا قائمًا بذاته في العقود التالية لعام ١٩٥٠. في الأعوام الأخيرة، اجتمَعَت الفيزياء النظرية ونظرية الحوسبة، فأثارا العديد من المسائل المفاهيمية العميقة التي لا تزال غير محلولة. أبسط تلك المسائل هي: هل الكون نفسه حاسوب من نوع ما، وإن كان كذلك فمن أي نوع هو؟ أهو تناظري أم رقمي أم كمي أم نوع آخر؟

يذهب لويد إلى أن الكون يحسب نفسه، لكن يفعل ذلك بطريقة ميكانيكية كمية؛ فالكون حاسوب كمي (طالِع الفصل الخامس من ذلك الكتاب). يُمكن تخيُّل نظير كمِّيٍّ لشيطان لانداور، قادر على رصد جميع أفرع الدالة الموجية؛ بل في الواقع، رصد جميع العوالم المُمكنة، لا العالم المُتحقِّق فحسب (تلك هي بالضبط النظرية الأنطولوجية التي تبنَّاها إفريت في تفسيره لميكانيكا الكم الذي افترض فيه وجود أكوان مُتعدِّدة) (إفريت، ١٩٥٧). إن صحَّت تلك النظرية الأنطولوجية — إن كان أساس الوجود مُتأصِّلًا في الدالة الموجية الكمية لا في البتَّات المعلوماتية التي تَنبثِق عن طريق الرصد والقياس — إذن يكون الحد المعلوماتي المفروض على الكون أكبر بكثير، ولن «يحدث خطأ» في حالة تشابُك تتضمَّن ٤٠٠ جسيم. ويُمكن من ثَم تحديد ما إذا كان الواقع يكمن في العالم الكمِّي، الذي لا سبيل لدى البشر للولوج إليه، أو يَكمُن في البتَّات الحقيقية والملاحظات الحقيقية، عن طريق نظام كمي على القدر الكافي من التعقيد. لو ثبتت مزاعم المتفائلين بشأن الحوسَبة الكمية، فقد يظهر تخصُّص جديد في غضون سنوات قليلة وهو تخصُّص «الأنطولوجيا التجريبية».

المراجع

  • Aaronson, S. (2005), Are quantum states exponentially long vectors? Proceedings of the Oberwolfach Meeting on Complexity Theory, arXiv: quant-ph/0507242v1, accessed 8 March 2010 (http://arxiv.org/abs/quant-ph/0507242).
  • Barrow, J. D. (2002), The Constants of Nature, New York and London: Random House.
  • Bekenstein, J. D. (1973), Black holes and entropy, Physical Review D, 8: 2333–2346.
  • Bekenstein, J. D. (1981), Universal upper bound on the entropy-to-energy ratio for bounded systems, Physical Review D, 23: 287–298.
  • Benioff, P. (2002), Towards a coherent theory of physics and mathematics, Foundations of Physics, 32: 989–1029.
  • Boswell, J. (1823), The Life of Samuel Johnson, vol. 1, London: J. Richardson & Co.
  • Carroll, S. (2007), Edge: The Third Culture, Accessed 8 March 2010 (www.edge.org/discourse/sciencefaith.html).
  • Cramer, M., and Eisert, J. (2006), Correlations, spectral gap and entanglement in harmonic quantum systems on generic lattices, New Journal of Physics, 8: 71.
  • Davies, P. C. W., and Davis, T. M. (2003), How far can the generalized second law be generalized? Foundations of Physics, 32: 1877–1889.
  • Davies, P. (2006), The Goldilocks Enigma: Why Is the Universe Just Right for Life? London: Allen Lane, The Penguin Press.
  • Descartes, R. (1630), Letter to Mersenne, 15 April 1630, In Descartes’ Philosophical Letters, trans. and ed. A. Kenny (1970), Oxford: Clarendon Press.
  • de Spinoza, B. (1670), Theological-Political Treatise, 2nd ed, trans. S. Shirley, Indianapolis, IN: Hackett Publishing, 75.
  • Dirac, P. A. M. (1937), The cosmological constants, Nature, 139: 323.
  • Drake, S. (1957), Discoveries and Opinions of Galileo, New York: Doubleday-Anchor.
  • Eddington, A. S. (1931), Preliminary note on the masses of the electron, the proton and the universe, Mathematical Pro-ceedings of the Cambridge Philosophical Society, 27: 15–19.
  • Everett, H. (1957), Relative state formulation of quantum mechanics, Reviews of Modern Physics, 29: 454–462.
  • Gibbons, G. W., and Hawking, S. W. (1977), Cosmological event horizons, thermodynamics and particle creation, Physical Review D, 15: 2738–2751.
  • Greene, B. (1999), The Elegant Universe, New York: Norton.
  • Hawking, S. W. (1975), Particle creation by black holes, Communications in Mathematical Physics, 43: 199–220.
  • Hawking, S. (1988), A Brief History of Time, New York: Bantam.
  • Landauer, R. (1967), Wanted: A physically possible theory of physics, IEEE Spectrum, 4: 105–109, accessed 8 March 2010 (http://ieeexplore.ieee.org/xpl/freeabsall.jsp?arnumber=5215588).
  • Landauer, R. (1986), Computation and physics: Wheeler’s meaning circuit? Foundations of Physics, 16(6): 551–564.
  • Laplace, P. (1825), Philosophical Essays on Probabilities, Trans. F. L. Emory and F. W. Truscott (1985), New York: Dover. Lloyd, S. (2002), Computational capacity of the universe, Physical Review Letters, 88: 237901.
  • Lloyd, S. (2006), The Computational Universe, New York: Random House.
  • Milburn, G. (1991), Intrinsic decoherence in quantum mechanics, Physical Review A, 44: 5401–5406.
  • Milburn, G. (2006), Quantum computation by communication, New Journal of Physics, 8: 30.
  • Rees, M. (2001), Our Cosmic Habitat, Princeton: Princeton University Press.
  • Russell, B. (1957), Why I Am Not A Christian, New York: Touchstone.
  • Shannon, C. E. (1948), A mathematical theory of communication, Bell System Technical Journal, 27: 379–423, 623–656.
  • Smolin, L. (2008), On the reality of time and the evolution of laws, Online video lecture and PDF, accessed 8 March 2010 (http://pirsa.org/08100049/).
  • Susskind, L. (1995), The world as a hologram, Journal of Mathematical Physics, 36: 6377.
  • Susskind, L. (2005), The Cosmic Landscape: String Theory and the Illusion of Intelligent Design, New York: Little, Brown.
  • Szilard, L. (1929), Über die Entropieverminderung in einem thermodynamischen System bei eingriffen intelligenter Wesen, Zeitschrift fur Physik, 53: 840–856.
  • Szilard, L. (1964), On the decrease of entropy in a thermodynamic system by the intervention of intelligent beings, Behavioral Science, 9(4): 301–310.
  • Tegmark, M. (2003), Parallel universes, Scientific American, May 31, 2003.
  • ’t Hooft, G. (1993), Dimensional reduction in quantum gravity, arXiv: gr-qc/9310026v1, accessed 8 March 2010 (http://arxiv.org/abs/gr-qc/9310026v1).
  • Ward, K. (1982), Rational Theology and the Creativity of God, New York: Pilgrim Press.
  • Wheeler, J. A. (1979), Frontiers of time, In Problems in the Foundations of Physics, ed. G. Toraldo di Francia. Amsterdam: North-Holland, 395–497.
  • Wheeler, J. A. (1983). On recognizing ‘law without law’. American Journal of Physics, 51: 398–404.
  • Wheeler, J. A. (1989), Information, physics, quantum: The search for links, Proceedings of the Third International Symposium on the Foundations of Quantum Mechanics (Tokyo), 354.
  • Wheeler, J. A. (1994), At Home in the Universe, New York: AIP Press.
  • Wheeler, J. A., and Ford, K. (1998), It from bit, In Geons, Black Holes & Quantum Foam: A Life in Physics, New York: Norton.
  • Wigner, E. P. (1960), The unreasonable effectiveness of mathematics in the natural sciences, Communications in Pure and Applied Mathematics, 13(1): 1–14.
  • Wittgenstein, L. (1921), Tractatus Logico-Philosophicus, trans. D. Pears and B. McGuinness (1961), London: Routledge.
  • Zeilinger, A. (2004), Why the quantum? It from bit? A participatory universe? Three far-reaching, visionary questions from John Archibald Wheeler and how they inspired a quantum experimentalist, In Science and Ultimate Reality: Quantum Theory, Cosmology and Complexity, eds Barrow J. D., Davies P. C. W., and C. L. Harper, Cambridge: Cambridge University Press, 201–220.
١  مع أن الميكانيكا النيوتنية التقليدية تَفترِض الدقة المُطلقة للقوانين، كان نيوتن نفسه أكثر حيطة. إذ كان يرى أن النظام الشمسي قد يحتاج دفعةً إلهية من آنٍ لآخر كي يظل محتفظًا بتوازنه، وهو رأي كان محل استهزاء معاصريه. لاحقًا، أشار لابلاس في ملاحظته الشهيرة الموجهة إلى نابليون أنه «لا حاجة له بفرضية [الدفعة الإلهية] تلك.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤