الملك سقنن رع «تاعا» الثاني

•••

كان الفرعون «سقنن رع تاعا» الثاني من أعظم ملوك مصر وأمجدهم في تاريخ البلاد؛ إذ تدل كل الأحوال على أنه في عهده قد بدأ النضال الفعلي لطرد الهكسوس من مصر، وتخليص البلاد من النير الأجنبي الذي ظلَّ يُثقِل عاتقها حقبة طويلة من الزمن.

وقبل أن نفصِّل القول في ذلك سنتكلم عن الآثار الباقية لهذا الفرعون وأسرته.

لقد ذكرنا فيما سبق أن «ورقة أبوت» تحتوي على العبارة التالية عن قبر هذا الفرعون عند فحصه:

قبر الملك «سقنن رع» (له الحياة والسعادة والصحة)، ابن الشمس «تاعا» (له الحياة والسعادة والصحة)، قد فحَصَه هذا اليوم المفتشون، ووُجِد أنه سليم.

وتدل الآثار الباقية على أن قبر هذا الفرعون كان يرعاه كاهن جنازي يُدعَى «مس» في باكورة الأسرة الثامنة، كما كان يرعى قبر الملك «كامس» أيضًا،١ وقد عثر «مريت» على خاتم من الحجر الجيري الخشن الصنع في «ذراع أبو النجا»، كُتِب عليه «سقنن رع»؛ ومثل هذا الخاتم ممَّا يستعمله الكهنة الجنازيون في ختم الأواني الخاصة بهم. ونلحظ في عهد الأسرة التالية أن اسم «سقنن رع» كان ضمن الأسماء البارزة في قوائم «أرباب الغرب»، ومن المحتمل أن حراسة قبره كانت موكولة لكهنة «مكان الصدق» (الجبانة) في ذلك الوقت.
fig14
fig14
شكل ١

(١) وصف تابوت الملك سقنن رع

وقد كانت مومية الملك «سقنن رع» هذا وتابوته الخشن ضمن الكشف المشهور الذي حدث عام ١٨٨٠ في الخبيئة القريبة من معبد الدير البحري،٢ ومن المحتمل أن اللصوص كان قد أخطأهم نهب هذا القبر، كما قرَّرَتْ ذلك لجنة التحقيق، غير أنه في وقتٍ ما قد سطَا عليه الكهنة القائمون على حراسته. وتابوت هذا الفرعون الخشبي الذي وُجِد جسمه فيه محلَّى برسم ريش عليه كما كان المتَّبَع في حلية توابيت هذا العصر؛ ولذلك أُطلِقَ على التوابيت التي من هذا الطراز «الريشية» (انظر الشكل ١)، وكانت تغطِّيه طبقةٌ سميكة من الذهب مما جعل السبيكة التي على ظاهره مغريةً للحراس، والواقع أنهم انتزعوها، غير أنهم قد اتخذوا حذرهم ألا يلمسوا الجزء الذي يغطي الصل الملكي، ورءوس الصقور التي على القلائد، والعقاب الذي على الصدر، وكذلك اسم الإله «بتاح سكر»؛ وكل هذه رموز آلهة قد اعتقَدَ القومُ أنها تُرسِل الموتَ إلى كل مَن انتهك حرمتها، ولما كان اللصوص المحترفون لم يَعُقْهم على ما يظهر مثل هذه الشكوك والخرافات في مقبرة الفرعون «سبك أم ساف» السالف الذكر، فلا نكون مخطئين إذا نسبنا مثل هذه السرقات الفنية للكهنة أنفسهم؛ ومع ذلك فيظهر أن وخز الضمير في ارتكاب مثل هذا العمل قد لعب دوره؛ إذ نجد الكهنة قد صبغوا بعض الأجزاء التي أزالوا من فوقها الذهب باللون الأصفر إخفاءً لجريمتهم، وبخاصة الوجه ولباس الرأس، ثم كتبوا النقوش بالمداد الأحمر ثانية، ثم رسموا قلادةً على صدره وخطوطًا زرقاء حول العينين اللتين نُزِع منهما إطارهما الذهبي، أما باقي الغطاء فقد تُرِك مغطًّى بالجص الأبيض الذي انتُزِع منه الطبقة الذهبية، وقد بقي آثار النقوش الأصلية على أية حال، ويمكننا أن نقرأ منها: «ملك الوجه القبلي والوجه البحري «سقنن رع» ابن الشمس «تاعا» الشجاع.» وهذا الاسم هو الذي أُطلِق عليه في قائمة أرباب الغرب في مقبرة «خع بخت» (Petrie, “History” II. p. 7).
fig16
شكل ٢: مومية الملك «سقنن رع-تاعا الثاني» (السهام في الصورة تشير إلى أماكن الجروح).

(٢) دفن هذا الفرعون بسرعة

ومن المعقول بطبيعة الحال أن الملك قد دُفِن دون أن يعمل له أي جهاز جنازي، ولكن لما كانت أكفانه قد فُكَّتْ عن آخِرها، ثم لُفَّتْ ثانيةً على عجل؛ فمن المحتمل أن السرقة لم تقتصر على غشاء الذهب الذي كان يحلي تابوته، بل قد امتدت كذلك أيدي الكهنة إلى مجوهراته وأسلحته. ومما هو جدير بالذكر هنا أنه لم يَبْقَ مع أي مومية ملكية أية قطعة من المتاع ممَّا لها قيمة حقيقية عندما أُودِعت في مخبئها بالدير البحري، وتدل مومية الفرعون «تاعا» الثاني (انظر الشكل ٢) الذي كان يُلقَّب بالشجاع، على أنه كان معتدل القامة بالنسبة للمصريين؛ إذ كان يبلغ طوله نحوًا من ١٧٠ سنتيمترًا، عظيم الرأس، وهو نموذج لرأس المصري الأصيل، ويمتاز ببنية عظيمة، فكان مفتول العضلات نشيط الجسم، أما شعره فكان أسود كثيفًا مجعدًا، هذا إلى أنه كان حليق اللحية، ولم يتجاوز الثلاثين ربيعًا من عمره عند وفاته إلا بقليل.

(٣) الملك سقنن رع يموت في ساحة القتال

أما المغامرة التي لاقى فيها الملك «سقنن رع» حتفه، فجعلته من أعظم الشخصيات المصرية بطولةً في التاريخ المصري، فتظهر من تصوير الأستاذ «إليوت سمث» قصة موته من الجروح التي في رأسه، فيقول: «إنه كان فريسة هجمة غادرة قام بها عدوان أو يزيد، فقد أُخِذ على غرة عندما كان نائمًا في فراشه، أو أنهم تسلَّلوا من خلفه وطعنوه بخنجر تحت أذنه اليسرى، فغاص الخنجر في عنقه، ولقد كانت الضربة مفاجئة فلم يَقْوَ على رفع يده ليدرأ عن نفسه ضرباتهم التي انهالت من «البلط» والسيوف والعصي على وجهه فهشمته وهو ملقًى طريحًا؛ وتدل شواهد الأحوال على أن تجهيز الجثة للدفن كان على عجل، وأن عملية التحنيط كانت بسرعةٍ فائقةٍ، فجاءت غايةً في الاختصار، ولم تعمل أية محاولة لوضع الجسم في وضعه المستقيم الطبعي؛ إذ قد تُرِك منكمشًا كما كان طريحًا وهو في حالة النزع، فكان الرأس مُلقًى إلى الخلف، ومنثنيًا نحو اليسار، ولسانه بارز من فمه يضغط عليه بأسنانه توجُّعًا وألمًا، ولم يمسح سائل مخه الذي كان يجري على جبينه بسبب الجروح التي أصابت رأسه، وكانت ساقاه منبسطتين بعض الشيء، ويداه وذراعاه منكمشتين كما كانتا عندما لفظ روحه، وقد أُزِيلت أحشاؤه من فتحةٍ عُمِلت في بطنه، وقد حُفِظ الجسم بوضع نشارة معطرة عليه وحسب، والواقع أن الجسم في حالته الراهنة يشبه مومية قبطية قد يبست وثقبها الدود.»

وقد ظنَّ «مسبرو» وتبعه في ظنه «إليوت سمث» أنه قد قُتِل بعيدًا عن «طيبة»، والمحتمل أنه مات في ساحة القتال، وأن تحنيطه في مكان القتال كان إجراءً مؤقتًا لعدم توفُّر المعدات للذين قاموا بهذه العملية في هذا المكان. أما «بتري» الذي وافَقَه الدكتور «فوكييه» في رأيه، فيزعم أن الجسم كان قد تعفَّنَ في أثناء نقله إلى «طيبة»، ولم يعتنِ به في ساحة القتال، ثم حُووِل تحنيطُه ثانيةً بعد وصوله إلى «طيبة». وترتكز نظرية قتله في ساحة القتال على ما توحي به محتويات قصة «ورقة سالييه»، التي نقرأ فيها أن «سقنن رع» كان مناهضًا لملك الهكسوس «أبو فيس»، وليس هناك ما يدعو إلى تجريح هذه النظرية.

(٤) «الملكة أعح حتب»

والزعم السائد أن «أعح حتب» كانت زوج الفرعون «سقنن رع»٣ (انظر الشكل ١)، غير أنه لا توجد آثار تدل على ذلك صراحة، ولكن توجد براهين جلية تُثبِت ذلك، فنعلم أن «أعح حتب» كانت والدة «أحمس» الأول، وأنها كانت الزوجة الأولى للملك «سقنن رع تاعا»، وكذلك كانت ابنة ملك.٤
ونجد على تمثال أميرٍ يُدعَى «أحمس» أن والدَيْه كانا يحملان الألقاب الآتية: الإله الطيب رب الأرضين «تاعا»، والابنة الملكية العظيمة التي استولت على التاج الأبيض «أعح حتب»؛ ومن ذلك يتضح أن «أعح حتب» هذه كانت لا بد هي أم «أحمس الأول»، وأن هذا الملك «تاعا» هو زوجها، وهو «سقنن رع» الثاني الذي يُنسَب إلى الجيل الذي سبق «أحمس» الأول مباشَرةً؛ وممَّا لا نزاع فيه أن «أعح حتب» كانت على قيد الحياة بعد وفاة زوجها، بل المظنون أنها عاشت حتى عهد «أمنحوتب الأول»، بل عاصَرَتْ «تحتمس الأول»،٥ أما أنها عاشت حتى عهد «أحمس الأول» فلا جدال في ذلك، فكما أن «تيتي شري» قد كانت تمثِّل القوة خلف الملك في بداية حكمه كما يظهر ذلك على اللوحة التي كشف عنها «بتري»، فإنَّا نشاهد كذلك أن «أعح حتب» أخذت مكانتها هذه بعد موتها، كما يظهر ذلك على لوحة «الكرنك» وفي «بوهن» بالقرب من «وادي حلفا».
ولم تحل السنةُ الثانية والعشرون من حكمه حتى أخذت مكانتها «نفرتيري»، كما تدل على ذلك نقوش «طره»، وقد كان لهذه الملكة الثالثة الحظوة عند الجميع حتى اعتلاء «تحتمس الأول» عرش الملك، ولا نزاع في أن تلألؤ نجم «نفرتيري» لم يلمع ولم يسطع إلا في نهاية حكم «أحمس الأول»، أيْ بعد موت «أعح حتب»، وذلك ظاهر من الحفاوة التي خصَّها بها «كامس» و«أحمس» من هدايا جنازها التي وُجِدت معها في تابوتها، وأنه لم يشترك في إهدائها غير هذين الملكين؛ ولكن يلوح في الوقت نفسه أن زوجها قد اشترك في إعداد أثاثها الجنازي، فقد دلَّ الفحصُ على أن تابوتها الخشبي يكاد يكون قطعةً مطابِقةً لتابوت الملك «سقنن رع» زوجها.٦

وعلى الرغم من أن دفن الملكة «أعح حتب» لم يحدث في عهد الأسرة السابعة عشرة كما دفنت الملكة «تيتي شري»، فإن هناك من الأسباب مع ذلك ما يدعونا للإشارة إليه هنا.

الكشف عن تابوت الملكة «أعح حتب»

والواقع أن عمال «مريت» قد كشفوا عن تابوت هذه الملكة الذي كان يحتوي كذلك على مجوهراتها في التراب القريب من «ذراع أبو النجا» عام ١٨٥٩م، وقد كان لهذا الحادث ضجة عظيمة، حتى تضارَبَتِ الأقوالُ في كُنْهِ هذا الكشف ومحتوياته، غير أن لحُسْن الحظ كان العالم الأثري «ديودور دفريا» في إجازة من «متحف اللوفر»، وكان موجودًا مع «مريت» في «متحف بولاق» في ذلك الوقت، وقد دوَّنَ الحادث في خطابٍ خاصٍّ مُؤرَّخ في الثاني والعشرين من مارس سنة ١٨٥٩م،٧ وسنورد هذا الخطاب هنا ليرى القارئ كيف كانت تسير الأحوال في تلك الفترة من عهد الوالي سعيد باشا، وها هو ذا:

نص خطاب «دفريا»

ولما أعلن المسيو «مونييه» مساعد قنصل مصر خبرَ هذا الكشفِ، أرسل إلى «مريت» نسخةً من النقوش التي على التابوت، فأمكنني منها الاهتداء إلى أن هذه كانت مومية الملكة «أعح حتب»، وعندئذٍ كتب «مريت» لإرسالها في الحال إلى متحف «بولاق» على ظهر باخرة خاصة، ولكن لسوء الحظ كان مدير الجهة (قنا) قد فتح التابوت قبل أن يصل الخطاب، ولا نعرف سبب ذلك؛ أحُبًّا في الاطِّلاع، أم حقدًا وغيظًا منه؟ ومهما يكن من أمرٍ فإني لم أرغب في أن أوجد نفسي في نعل هذا الموظف عندما يقع نظر «مريت» عليه لأول مرة. وقد حدث كالمعتاد؛ فأُلقِيت أكفان الملكة وعظمها جانبًا، واحتُفِظ بالأشياء التي دُفِنت مع المومية، وقد حصل «مريت» على قائمةٍ بمحتويات التابوت من أحد الموظفين المصريين هناك، وقد أرسل مدير «قنا» من جانبه قائمةً بتلك الأشياء للوالي، مُعلِنًا إياه أنه مُرسِلُ الأشياء مباشَرةً إلى بلاطه.

والواقع أن القائمتين كانتا شبه موحَّدتين في المحتويات، غير أن فيهما مبالغة ظاهرة في عدد الأشياء الموصوفة، وفي وزن الذهب الذي تحتويه، ولما حصلنا على أمرٍ وزاريٍّ بأن يكون لنا الحق في الاستيلاء على أي قارب يحمل آثارًا ونقلها إلى قاربنا، سرنا في النيل في باكورة يوم واحد وعشرين من مارس، ولم نكد نصل إلى «سمنود» حتى لمحنا القارب الذي كان يحمل الكنزَ الذي أُخِذ من المومية الفرعونية، يقترب منَّا، وما هي إلا نصف ساعة حتى تلاقَى القاربان، وبعدَ تبادُلِ كلمات صاخبة مصحوبة بإشارات عنيفة، هدَّدَ «مريت» أحدهم بأنه سيلقيه في الماء، وهدَّدَ الثاني بأنه سيشوي مخه، والثالث بأنه سيرسله إلى الأعمال الشاقة في السفن، والرابع بأنه سيضع حبل المشنقة في عنقه؛ وكانت نتيجة ذلك أن حَفَظَة الكنز سلَّموه مقابل صكٍّ من «مريت»، وقد كانت دهشتنا عظيمةً عندما رأينا أن الصندوق يحتوي كميةً من المجوهرات، ورموزًا ملكية وتعاويذَ، وتكاد كلها تحمل اسم «أحمس» أحد ملوك الأسرة الثامنة عشرة، في حين أن الملكة «أعح حتب» لم يُذكَر اسمها على واحدة منها، ودقة صُنْع هذه المجوهرات يفوق كلَّ الذي عُرِف حتى الآن، وهو قليل جدًّا، وعلى ما أظن لم يكن الذهب الذي تحتويه هذه التحف يزيد عن كيلوجرامين في الوزن، غير أن قطع المجوهرات كانت قد صيغت بمهارة عظيمة، ورُصِّعَتْ بأحجار صلبة وميناء ملونة.

وقد أسرع «مريت» بالمجوهرات إلى الوالي سعيد باشا في الإسكندرية، وقصَّ عليه القصةَ بطريقة خلابة، حتى إن سعيدًا قد تغاضى عن استيلاء «مريت» على قارب حكومي بغير إذن، بل على العكس استغرق في الضحك وشمله برعايته، وقد استعار «سعيد باشا» من هذا الكنز سلسلةً من الذهب معلقًا فيها جعران، لأحبِّ زوجاته إليه، غير أنه أعادَها بعد فترة وجيزة٨ إلى متحف بولاق.

سبب وجود آثار للملكين «كامس» و«أحمس» في تابوت الملكة «أعح حتب»

وقد تضاربت الأقوال في وجود آثار «أحمس» و«كامس» في تابوت الملكة «أعح حتب»، غير أن الرأي الذي أدلى به الأستاذ «ونلك» عند فحص هذا الموضوع هو الرأي الذي يقرب من الحقيقة؛ إذ يقول: «ليس لديَّ من الأسباب التي تجعلني لا أصدِّق أن الملكة «أعح حتب» كانت قد دُفِنت في أوائل حكم الفرعون «أحمس»، وأنها زُيِّنت بالمجوهرات التي أهداها لها هو والملك «كامس» الذي حكم قبل «أحمس» مباشَرةً.»٩ وآثار الملكة «أعح حتب» مشهورة جدًّا، وسنذكر أهمها هنا، وبخاصة ما كان له قيمة من الوجهة التاريخية: «وُجِد على الجثة جعران وسلسلة باسم «أحمس الأول» الذي كُتِب على المشبك، هذا فضلًا عن ثلاثة أسورة يد، وسوار ذراع، وكلها باسم «أحمس» أيضًا؛ أما في داخل لفائف الكفن، فقد وُضِعت «بلطة» من الذهب وخنجر، وكلاهما نُقِش عليه اسم «أحمس»، وعلى ذلك تكون الزينة الشخصية الخاصة بهذه الملكة قد قدَّمها لها «أحمس»، أيْ عندما كانت بين الخمسين والخامسة والسبعين من عمرها.»
fig17
شكل ٣: سواران للملكة أعح حتب.

وخلافًا لهذه المجوهرات التي نُقِشت باسم الملك «أحمس»، كان معها أشياء أخرى باسم ولدها البكر «كامس»، ففي التابوت وُجِد قاربان نموذجيان بمجاديف، واحد منهما مصنوع من الذهب وعليه اسم «كامس»، والثاني من الفضة خالٍ من النقش. أما الأشياء فهي: مذبة و«بلطة» من الشبه باسم «كامس»، ويحتمل كذلك «بلط» أخرى، وحربة باسمه محفوظة الآن في إنجلترا، وقد أتَتْ من نفس الكنز، ولا نزاع في أن هذه المجوهرات عنوان واضح على التقدم الطبعي في ثروة البلاد والمهارة الفنية، التي جاءت نتيجةً لطرد الهكسوس من مصر، ولا أدل على ذلك ممَّا نشاهده من المجوهرات الخشنة الصنع التي تُعزَى لأول حكم «أحمس»، وهي التي وُجِدت على جسم الفرعون «كامس»، الذي كان في حروبٍ مستمرَّةٍ مع الهكسوس.

وقد وُجِد تمثالٌ باسم الابن الأكبر الملكي «أحمس» المرحوم.١٠

ومن هذا التمثال نعرف علاقة «أعح حتب» بالملك «سقنن رع»؛ إذ نجد بين الدعاء يطلب قرابين للإله «بتاح سكر» قد ذكر أسماء أفراد أسرة هذا الأمير، الذين جعلوا اسمه يعيش لأجل أن يقوم بكل عمل خيري لهم في العالم السفلي، وهؤلاء الأقارب هم والده «تاعا» الثاني، وأمه «أعح حتب» كما ذكرنا آنفًا، ثم أخته الابنة الملكية العظيمة «أحمس»، وأخته الابنة الملكية العظيمة «أحمس» الصغرى، وقد كانت على قيد الحياة.

(٥) التعرُّف على شخصية «أحمس نفرتاري»

ولما كانت «أعح حتب» الابنة الملكية العظيمة قد تزوَّجت من أخيها «تاعا» الثاني، فإن هذه الابنة الملكية «أحمس» أسن الأختين كانت بلا شكٍّ هي «أحمس نفرتيري» التي نعرفها بوصفها أخت الفرعون «أحمس» وزوجه، وهي التي يمكن أن تكون قد تزوَّجَتْ من الملك «كامس» أولًا على ما يظهر، ولدينا نصٌّ آخَر ربما يشعر بأنها هي التي قد ذكرت عليه، وهو لوحة عُثِر عليها في «ذراع أبو النجا» جاء عليها: «الأخت الملكية، والزوجة الملكية «أحمس»»،١١ وكذلك يُحتمَل أنه قد جاء من قبر الابن البكر «أحمس» — خلافًا لما ذكرنا — تمثالان مجاوبان، وُجِدَا في «ذراع أبو النجا» نُقِش عليهما: «الابن الملكي «أحمس»»،١٢ وكذلك نُقِش على جعران لا يُعرَف المكان الذي جاء منه: «الابن الأكبر «أحمس»».١٣ ولا نزاع في أنه «أحمس» المشار إليه في قبر «خع بخت»١٤ بوصفه من أرباب الغرب، وكان يُعبَد في الأجيال التالية باسم الابن الملكي «أحمس» معطي الحياة مثل «رع»، ونجد كذلك الاسم الملكي «أحمس» قد قُرِن باسم يُدعَى «بنبو» Binpu في طغراء واحد، كما جاء على تمثال «حربو خراد».١٥

ولا شك في أن المسائل التاريخية التي سنعالجها هنا من الصعوبة بمكان بالنسبة لهذا العصر كله، ولا بد من أن نلتمس حلها، وعلى أية حال فإن اشتراك «أحمس» و«بنبو» في طغراء واحد يذكِّرنا باسم آخَر في قائمة مقبرة «خع بخت» الخاصة بأرباب الغرب، كان يُلقَّب «الابن الملكي» «بنبو» معطي الحياة مثل «رع». وليس لدينا حلٌّ آخَر الآن لهذه المعضلة، إلا أن نرجع ﺑ «بنبو» الذي جاء في قائمة مقبرة «خع بخت» إلى عهد الملك «تاعا» الثاني، وأن نعده مؤقتًا أحدَ أولاده إلى أن نتحقَّق من شخصية كلٍّ من «أحمس» و«بنبو» اللذين ذُكِرَا على لوحة «حربو خراد»، وسنذكر هنا ما استخلصناه من الدراسة السابقة لأولاد الملك «تاعا» الثاني، و«أعح حتب» بصورة مختصرة واضحة.

  • (١)

    الأمير «أحمس» الأكبر، مات صغيرًا في خلال حكم والده.

  • (٢)

    الأميرة «أحمس نفرتيري» تزوَّجت من الملكين اللذين خلفا «تاعا» الثاني.

  • (٣)

    الملك «كامس» تولَّى بعد والده عرشَ الملك، ومات بعد توليته بقليلٍ.

  • (٤)

    الملك «أحمس» خلف أخاه وأسَّسَ الأسرة الثامنة عشرة.

  • (٥)

    الأميرة «أحمس» الصغيرة.

  • (٦)

    الأمير «بنبو» (؟) مات صغيرًا، ومن المحتمل أنه قضى نحبه في الوقت نفسه الذي مات فيه «أحمس» الأكبر.

١  راجع: Petrie, “A Season in Egypt” p. 25, Pl. XXI; Lacau “Steles du Nouvel Empire”, 24030, Pp. 64-5, Pl. XXII; Gauthier L. R. II. p. 158.
٢  راجع: Daressy, “Cercueils des Cachettes Royales” 51001 & Petrie, “History”, II, p. 8. Fig. 3; Maspero, “Guide du Visiteurs du Musee du Caire”, p. 415, No. 3893 etc.
٣  راجع: Maspero, “Momies Royales de Deir el Bahari”, p. 625; “Histoire Ancienne des Peuples de l’Orient”, Vol. II, p. 78.
٤  راجع: J. E. A., Vol. X, p. 251. Note 4.
٥  راجع: Maspero, “Momies Royales”, p. 627; Petrie, “History”, II, p. 10; Breasted. “History”, p. 252.
٦  راجع: J. E. A. Vol. X, p. 251 Note. 3.
٧  راجع: Maspero, “Bib. Egypt”. 18, CII, ff, and Maspero, “Guide” XIV.
٨  راجع: Maspero, “Bib. Egypt”. op. cit. CIII.
٩  راجع: J. E. A., X, p. 254.
١٠  راجع: Sethe, Urkunden IV, p. 12.
١١  راجع: Northampton, Spiegelberg, Newberry, “Report on Some Excavations in the Theban Necropolis During the Winter of 1898-1899”, Pl. XVI. p. 3.
١٢  راجع: Northampton, etc op. cit. 31. No. 11.
١٣  راجع: Newberry, “Scarabs”. Pl. XXVI. No. 6.
١٤  راجع: Gauthier, “L. R”, II, p. 160.
١٥  راجع: Mariette, “Monuments”, Pl. 48.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤