الفصل الثاني

آليات انتقال الحرارة

مقدمة

يُوجد ثلاثُ طرائق لانتقال الحرارة وانتشارها؛ فقد تنتقل بالحمل convection، أو بالتوصيل conduction أو بالإشعاع radiation. الحالتان الأوليتان تتطلَّبان وجود مادةٍ وسيطة بين الجسمَين، أمَّا في حالة الإشعاع فلا يتطلَّب الأمر١ وجود أية مادة وسيطة.٢
وقد أصبح اليوم انتقال الحرارة علمًا قائمًا بحد ذاته يُدعى علم انتقال الحرارة Heat transfer science ويُعَرَّف بأنه العلم الذي يدرُس حساب انتقال الطاقة من مكانٍ لآخر نتيجةً للفروق في درجات الحرارة بينهما، وهو يختلف عن الترموديناميك بكونه يزوِّدنا بتصوُّر عن الكيفية التي انتقلَت بها الحرارة لتُغيِّر وضع الاتزان.٣
figure
شكل يوضِّح طرائق انتقال الطاقة بصورة حرارة: (أ) بوساطة النقل، (ب) الإشعاع، (ﺟ) الحمل. (مصدر الشكل: جيبلسكو، ستان، كشف أسرار الفيزياء، ص٢٥٦.)

لم يتأسَّس علم انتقال الحرارة بين ليلةٍ وضحاها، وإنَّما استغرق قرونًا عديدة، وجهودًا جَبَّارة، حتى تسنَّى للعُلماء التمييز بين مفاهيم الحرارة ودرجة الحرارة، وبين الحرارة الكامنة والحرارة النوعية وبين آليات انتقال الحرارة. وفي هذا الفصل سنبحثُ في الآليات التي اتَّبعَها مختلف العلماء حتى توصَّلوا إلى تلك الطرائق الرئيسة الثلاث.

أولًا: انتقال الحرارة بالتوصيل أو النقل

إذا أمسكنا بجسمٍ ما وقمنا بتعريضه للنَّار، فإننا نُلاحظ الانتقال التدريجي للحرارة من الطرف الساخن المعرَّض مباشرة للحرارة إلى الطرف الذي نُمسِك به، عندئذ نقول إنَّ الحرارة قد انتقلت بالتوصيل؛ أي إنَّ انتقال الحَرَارة بالتوصيل لا يستدعي تحَرُّك المادة على نطاقٍ واسع داخل الجسم لدى مرور الحرارة بداخله، كما هو الحال في الحمل.٤ وقد تَمَّت مُلاحظة عملية الانتقال هذه من قِبَل العديد من العلماء العرب والمسلمين والأوروبيين، وقد وثَّقوا لنا هذه الملاحظات في أعمالهم.

المبحث الأول: العلماء العرب والمسلمون

درس كلٌّ من إخوان الصفا، وابن ملكا، والإمام فخر الدين الرَّازي وغيرهم، في أعمالهم، ظاهرةَ التوصيل الحراري التي يُمكن أن تحدث بين جسمَين مُتَّصِلين ببعضهما؛ حيث إن أحدهما أسخن من الآخر. وظاهرة التوصيل بسيطة، ويُمكن للكثيرين مُلاحظتها وتحسُّسها باليد منذ زمنٍ بعيد. والحقيقة أنَّ ابتكار الملاعق الخشبية للتحريك بوساطتها في القدور في أثناء إعداد الطعام هو أبسطُ تطبيقٍ عملي للتخلُّص من التوصيل الحراري الذي كان يتعامل معه الطبَّاخون من النساء والرجال يوميًّا، لكن لم يحاول أحد أن يُقَدِّم لنا تفسيرًا لهذه الظاهرة، بغَض النظر عن النَّظرية التي يستند إليها تفسيره.

إخوان الصفا (القرن ٤ﻫ/١٠م)

نعلم أنَّ التبادل الحراري يحدث عندما يتلامس جسمان لهما درجتا حرارة مُختلفتان، بحيث إنهما يصلان إلى حالة التوازن الحراري في النهاية، وتترافق عملية التبادل الحراري بتغيُّر في الطاقة الدَّاخلية يُسمى كمية الحرارة (الطاقة الحرارية) المُعْطاة أو المُكتسبة.٥ ونعلم أيضًا أنَّ انتقال الحرارة يتم جدلًا من الجسم السَّاخن إلى الجسم البارد.٦ وقد ورد هذا المعنى عند إخوان الصفا بقولهم: إنَّ الجسم «إذا لاقاه جسمٌ آخر، فلا يخلو أن يكون ذلك الجسم أشد حرارةً من البدن أو أشد برودةً منه، أو مساويًا له في ذلك؛ فإن كان أشد حرارةً منه، زاد سخونةً عند مُلاقاته إياه، وإن كان أبرد منه، زاد برودةً ما … وإن كان ذلك مساويًا لمزج البدن في الحرارة والبرودة جميعًا، فلا يُغيِّر منه شيئًا.»٧ طبعًا يقصد إخوان الصفا بالمُلاقاة عملية التلامُس أو التقارُب التي تتم بين يد الإنسان والأجسام المُحيطة بها، والمُهِمُّ في فكرتهم هو إدراكهم لحالة التوازن الحراري التي تحدُث بين الجسمَين المتلامسَين.

ابن سينا (القرن ٥ﻫ/١١م)

انتبه ابن سينا إلى أن الجسم القادر على القيام بفعل التسخين أو التبريد من تِلقاء نفسه، فإنه قادرٌ على نقل الحرارة أو البرودة إلى ما يُجاوِره من الأجسام أو يُلامِسه، قال: «إنَّ الجسم الذي له طبيعة مُبرِّدة أو مُسخِّنة، فإنه يُبرِّد ذاته أو يسخِّنها بطبيعته، ويبرِّدُ أيضًا ما يُجاوِره ويتصل به، أو يسخِّنه.»٨

ابن باجة (القرن ٦ﻫ/١٢م)

نشكر لابن باجة (تُوفِّي ٥٣٣ﻫ/١١٣٨م) محاولتَه أن يُخْضِع ظاهرة الحرارة والبرودة للبرهان الهندسي، وقد يكون ذلك أوَّل محاولة ترييضٍ للظاهرة الحرارية قبل أن يقوم بذلك الأوروبيون، مُتَّخِذًا من مفهومَي القوة والفعل الأرسطيَّين أساسًا لانطلاق عمله، وقد كان يهدف من ذلك رصدَ عملية انتقال الحرارة من حالة القوة (الظاهرة المَخْفية) إلى حالة الفعل (الظاهرة المحسوسة)، كما هو الحال في تحول الخشب إلى صورة الكرسي، ففي معرضِ حديثه عن المُحَرِّكات يقول ابن باجة: «والمحرِّك صنفان؛ إمَّا غير مجانسٍ كمحرِّك الأجسام المستدير فهو يحرِّكها بالضرورة، وإما مجانس، فله هيولى، وهي أيضًا قابلةٌ للصورة المضادة للأولى، فليكن «آب» ماء، ففي «آب» صورة الماء، فليكن ذلك بردًا، ففيه بردٌ بالفعل وهو هواءٌ بالقوة، فليكن قوة الهواء عليها (ﻫ~). ففي آب «ب~» و «ﻫ~» فلذلك يحرِّك من جهة أنه «ب~» ويتحرَّك من جهة أنه «ﻫ~». وما يُقابله هو «آو» على «آج~»، ففي «آج~ ج~»، وهو صورته وفيه «م~» وهو كونه ما بالقوة، وما بالقوة لا يتحرَّك دون مُحرِّك، فجسما «آب»، «آج~» ساكنان بما هما «ﻫ~» و «م~» ومُحركان بما هما «ب~» و «ج~»، فقوة «ﻫ~» تتحرك ضرورةً عن «ج~»، وقوة «م~» تتحرك عن «ب~». فإن كان «ب~» مساويًا ﻟ «ج~» لم يتحرَّك ولا واحدٌ منهما، وإن كان أحدهما أقوى وليكن «ب~» حرَّك ضرورةً «آم~» وصارت المادة «ب» وموضوعة ﻟ «ب~» لزمها ضرورةً «ﻫ~»؛ لأن «ب~ ج~» متجانسان وأضداد، فليس كذلك مِمَّا يمكن الصور فيه غير متضادة [مثال ذلك] أن هذا خشب وكرسي بالقوة، فقد يكون كرسيًّا وهو خشب كما كان، فإن الكرسي غير مجانسٍ للخشب على ما يجانس الحار البارد، ولا افتراز قوَّة الكرسي بالخشب بالذات للخشب، ولا الخشب سبب وجود القوة في الخشب إلا على جهةٍ أخرى.»٩ ومفاد كلامه السابق أن تطبيق مفهوم القوة والفعل نسبي، فمع أنَّ الجسم الحارَّ قد يكون مُجَانسًا للجسم البارد من ناحية المادة التي يتمكَّنان منها، إلا أنَّ كلًّا منهما مضادٌّ للآخر في الوقت نفسه من ناحية الحالة الحرارية، ويُمكن أن تنتقل حالة أحدهما إلى الآخر.

هبة الله بن ملكا البغدادي (القرن ٦ﻫ/١٢م)

حتى يميِّز ابن ملكا بين الحركة في الكيف والحركة في المكان، فقد استعان بظاهرة تسخين الأجسام، حيثُ إننا نرصُد حركة الكيف في الجسم بوساطة الانتقال من الجزء الأضعف حرارة إلى الجزء الأقوى؛ أمَّا الانتقال من الجزء الأقرب لمصدر الحرارة إلى الجزء الأبعد فليس حركة في الكيف، بل «حركته في ذلك مكانية من حيث تسري في الأجزاء، وأمَّا من حيث تبتدئ وتنتهي من ضعف إلى شدة فلا، ومن هذا القبيل هي في كيفيته.»١٠ وهذه إشارةٌ مبكرة جدًّا من ابن ملكا لانتقال الحرارة داخل الجسم دون أن تنتقلَ أجزاءُ الجسم نفسها.

فخر الدين الرازي (القرن ٧ﻫ/١٣م)

حاول الإمام الرازي أن يُفسر الفرق بين أن تتعرض اليد لحرارة النار وهي تتحرَّك فوقها بسرعة، وبين أن تُوضع اليد على مصهورٍ معدني، ففي الحالة الأولى تكون الناقلية الحرارية في اليد أقل من الحالة الثانية نظرًا لاختلاف كثافة النار عن كثافة المصهور، وزمن التعريض ومساحة السطح المعرَّض، وهذا أيضًا تقدُّمٌ جديد ومُبَكِّر من ناحية تحديد العوامل الداخلة في عملية النقل أو التوصيل الحراري.

قال الإمام: «(فإنْ قيل) النَّار تُذيب الفلزَّات وتكون سخونتُها أقوى من سخونة النار [فذلك] لأنا نُدخِل أيدينا في النار، ونُمرُّها فيها بعجلة فلا تحرق مثل ما تحرق المسبوكات، مع أنَّ المسبوكات إنما تسَخَّنَت عن النار (فجوابه): إنَّ المسبوك جِرمٌ لزج غليظ لم يُخالطه جِرمٌ غريب فلِلُزوجته يبقى اتصالُه باليد زمانًا طويلًا، ولِغلَظه تكون حركة اليد فيه أبطأ، ولأنه لم يخالطه جِرمٌ غريب فيكون تأثير سطحه الملاقي سطحَ اليد تأثيرًا واحدًا، وأمَّا النار فلأنها ليُبسها تكون سريعة الانفصال ولِلَطافتها تتحرك اليد فيها أسرعَ ما يكون ولأجل ما يخلطها من أجزاء الهواء والغبار لا يكون سطحها سطحًا مُتَّصلًا بل سطوحًا صغارًا مُختلطة بأجرامٍ هوائية وأرضية، وهي كاسرة من صرافة حَرِّ النَّار، فلأجل ذلك كانت السخونة المحسوسة من ملامسة الجواهر الذائبة أقوى مما يُحَسُّ من النار؛ هذا كله إذا نظرنا إلى حقيقتَي العلة والمعلول اللتَين هما مشتركان في الماهية، وأمَّا إذا نظرنا إلى وجودَيهما فيستحيل تساويهما فيه من جهة التقدُّم والتأخُّر؛ لأن العلة مفيدة للوجود والمعلول مستفيد والمفيد لا يساوي المستفيد، هذا إذا كانت العلة والمعلول ماديَّين.»١١

حتى تتوضَّح الصورة أكثر، يُمكننا عقد مقارنة عن الحالتَين اللتَين تكلم عنهما الإمام في الجدول الآتي:

وجه المقارنة حركة اليد فوق النار حركة اليد داخل المصهور
الكثافة سريعة بطيئة
زمن التعريض قصير طويل
مساحة السطح المعرض صغيرة كبيرة

طبعًا الحالة السَّابقة التي درسها الإمام افتراضيةٌ بحتة، ولا يُعقَل أن يقوم بها أحدٌ من الخلق، لكن مناقشة الإمام لها مشكورة كونها تهدفُ لتحديد العوامل الداخلة في اختلاف الإحساس بين الحالتَين؛ كون الإحساس اللمسي وسيلة القياس المُتاحة والشائعة بالنسبة له، ويمكن لأي شخصٍ التحقُّق من صحة تفسيره.

المبحث الثاني: الأوروبيون

تُشير الدراسة التاريخيَّة بأن التناظر (حرارة-الكهرباء) تم إثباتُه بشكلٍ ثابت ومُثمر في كِلا الحقلَين، بداية الدراسة التجريبية في الكهرباء كانت مُقارنةً مُتأخرة لتلك التي للحرارة، فقد وضع ستيفن غراي S. Gray (١٦٦٦–١٧٣٧م) أساسًا صحيحًا للكهرباء بوصفها علمًا في عام ١٧٢٠م، ونُشِرَت اكتشافاته في الجلسات الفلسفية بين عامَي (١٧٢٠م–١٧٣٦م). وفي عام ١٧٢٩م، أعلن عن اكتشافه للتوصيل الكهربائي، مقدمًا المُصطلحات «كهرباء بالثانية» و«اللاكهربائية»، ثم ابتكر المهندس جون ديسغوليريز J. Desaguliers (١٦٨٣–١٧٤٤م) مصطلحَي «الموصل Conductor» و«العازل Isolator» بين عامَي (١٧٣٧م–١٧٤٠م) وقد تمَّ تبنِّيهما تقريبًا في حقل الحرارة.١٢ لكن لم تقف ظاهرة الموصِّلية أو النَّاقلية لدى الأوروبيين عند حدود المصطلح، بل مضت قُدمًا في مُحاولة لفهمها وتقنينها رياضياتيًّا بهدف السيطرة عليها.

فرنسيس بيكون (القرن ١٧م)

اقترح فرنسيس بيكون ما أسماه بحركة التحفيز Stimulation، وهي الحركة التي تنتشر وتتصل وتُحرِّض غيرها فينجُم عنها تضاعُف بالقوى تولِّد بدورها حرارةً أكثر، وقد أراد من هذا الاقتراح أن يُفسِّر سبب وجود ناقليةٍ حرارية لدى بعض المواد وعدم وجودها في البعض الآخر فقال: «الحرارة لا توصِّل ذاتها في عملية تسخين الأجسام الأخرى بأن تقاسمها حرارتَها الأصلية، بل بإثارة أجزاء تلك الأجسام إلى تلك الحركة التي هي (صورة الحرارة)؛ لذا فإنَّ الحرارة تُثار في الحجر أو المعدن بشكلٍ أبطأ كثيرًا وصعوبةٍ أكبر مما تُثار في الهواء؛ لأنَّ هذه الأجسام غير مكيَّفة، وغير قابلة لتلك الحركة.»١٣

إسحاق نيوتن (القرن ١٨م)

درس إسحاق نيوتن الجوانب النظرية لانتقال الحرارة بالتوصيل، وقد صَاغَ القانونَ المعروف باسمه لانخفاض درجة حرارة جسمٍ دافئ في وسطٍ بارد مُحيط به؛ حيثُ افترض أن انخفاض درجة الحرارة في فترةٍ قصيرة من الزَّمن تتناسب مع ارتفاع درجة حرارة الجسم عن درجة حرارة الوسط المحيط به. ولدى اختبار هذه الفرضية من قِبَل الفرنسيَّين بيير لويس ديلونغ P. L. Dulong (١٧٨٥–١٨٣٨م) وأليكس بيتي A. Petit (١٧٩١–١٨٢٠م) عمليًّا، تبَيَّن لهما أن هذا القانون لا يكون صحيحًا إلا إذا كان هذا الارتفاع طفيفًا في درجة الحرارة.١٤

إيمانويل سويدنبورغ (القرن ١٨م)

في عام ١٧٢١، نشَر إيمانويل سويدنبورغ E. Swedenborg (١٦٨٨–١٧٧٢م) ثلاثةَ أطروحاتٍ باللاتينية تعامَل فيها مع مسائلَ في الفيزياء والكيمياء. في الثانية منها وهي بعنوان: (ملاحظات جديدة واكتشافات تتعلق بالحديد والنار)، قدَّم وصفًا جيدًا لفرنٍ حديدي وعمليته، ومحاولات القيام بتحليلٍ رياضياتي لتقدُّم الحرارة على طول مقطعٍ عرضي للفرن، ثم يطرح نظرية الحرارة وقوانينَ عدة، واستدلالًا تقريبيًّا كاملًا عن النقل الحراري. كما في حالة التجارب الأخرى في تلك الآونة، لم يقدِّر سويدنبورغ بأنَّه كان يتعامل مع النقلِ الحراري وسريانِ درجة الحرارة.١٥

يوهان لامبرت (القرن ١٨م)

قدَّم العالم الألماني يوهان هنريش لامبرت J. H. Lambert (١٧٢٨–١٧٧٧م) في كتابه (الفوتومتريا Photometria) الذي نُشر عام ١٧٦٠م، نظريةً تتعلَّق بانتقال الحرارة بالتوصيل عَبْر قضبانٍ نحيفة من المعدن.١٦ وقد تمكَّن بعد فهمه لظاهرة الرُّطوبة أن يخترع أوَّل مقياسٍ عملي للرطوبة.

بنيامين فرانكلين (القرن ١٨م)

على ما يبدو أنَّ بنيامين فرانكلين B. Franklin (١٧٠٦–١٧٩٠م) كان أول من استدَلَّ على وجود تشابهٍ جزئي بين الحرارة والكهرباء. وقد أنجز هذا بصدَد شرح آلية التوصيل؛ ففي أوائل عام ١٧٥١م توسَّع فرانكلين بقائمة الموصِّلات الكهربائية، وبحلول عام ١٧٥٥م برهَن بأن بعض المواد الأولية كانت موصِّلاتٍ أفضلَ من أخرى. وقد طبَّق هذا الأمر على ظاهرتَي الحرارة والكهرباء معًا؛ ومن ثَم دخل مفهوم التوصيل في سجال. وقد استحضر هذا التشابُه الجزئي في رسالة إلى الطبيب جون لينغينغ J. Lining (١٧٠٨–١٧٦٠م) مكتوبة في نيويورك، ١٤ أبريل عام ١٧٥٧م.١٧
كما أنَّ فرانكلين كان أوَّل من أثبَت تجريبيًّا وجود صِلةٍ بين الحرارة والكهرباء. صحيح أنَّ التجربة الفعلية نفَّذها كينسيرسلي Kinnersley في عام ١٧٦٠م، لكن الاقتراح كان قد طَرحَه فرانكلين. واقترح فرانكلين الكثير من التجارب، التي تُعتبر الآن تقليدية، تصوَّرها وفسَّرها فرانكلين، وهي معروفةٌ بأسماء أولئك الذين أجرَوْها. تجارب فرانكلين الأُولى عن القدرة التوصيلية النسبية لمختلف المواد من أجل الحرارة والكهرباء كانت نوعية. وقد أصَرَّ بأن يضعها على أساسٍ كمي، يقول جوزيف بريستلي J. Priestley (١٧٣٣–١٨٠٤م) في الطبعة الخامسة من كتابه (تاريخ وحالة الكهرباء الحالية) عام ١٦٩٤م: «في مُحادثة أجريتُها مع د. فرانكلين والسيد كانتون ود. بريس، أتذكر سُئلتُ فيما إذا كان من المحتمل وجودُ أي فَرقٍ في قدرة التوصيل بالنسبة لمختلف المواد، وهل تُوجد إمكانيةٌ للتحقُّق من ذلك الفَرق؟ بعد ذلك سعيتُ لأُنفِّذ إنجاز مخطَّط اقترحه د. فرانكلين.» بعدئذٍ دخل في تفاصيلِ التجربة ونتائجها، مع انتقاداتٍ واقتراحاتٍ من أجل التحسين.١٨
تَمَّ التقليل من شأن قيمة تجارب فرانكلين الحرارية، كما هو حالُ كل التجاربِ الأخرى، وذلك بسبب الخلط الشائع بين درجة الحرارة والحرارة، وكذلك فإن مفهومَي السَّعة الحرارية والحرارة النوعية لم يكن قد تم صياغتُها، ولم تكن هناك طريقةٌ جيدة لقياس كمِّيات الحرارة.١٩

جان إنجنهوز (القرن ١٨م)

درس عالم النبات الهولندي جان إنجنهوز J. Ingenhousz (١٧٣٠–١٧٩٩م) في بحوثه التجريبية التوصيليةَ الحراريةَ لمختلف المواد في أواخر القرن ١٨م.٢٠ وقد نشَر إنجنهوز كتابه (تجارب جديدة) في عام ١٧٨٠م. وتضمَّن تحديدًا تجريبيًّا للتوصيل الحراري النسبي لمعادنَ مختلفة. اقترح فرانكلين تجربة إنجنهوز وكانت مُشابهة في المفهوم لتجربة لخَّصَها بريستلي من أجل الكهرباء.٢١

جوزيف بلاك (القرن ١٨م)

مع أنَّ جوزيف بلاك بَيَّن بشكلٍ واضح الفرقَ بين درجة الحرارة وكمية الحرارة، والحرارة النوعية طوالَ مناقشته لموضوعات الحرارة بأسلوبٍ لغوي قديم، إلا أنه خلَط بين التوصيل الحراري والحمل الحراري. وكثيرًا ما كان يتكلم عن «الاتصال» أو «الإرسال» الحراري، لكن هذه الأفكار تُغطِّي أكثر من «توصيلنا» الحالي. أدرك بأنَّ المواد الأولية كافة لم «تُرسِل» حرارة ﺑ «الوضوح» نفسه. في الحقيقة، قال: «تتلقَّى السوائل عمومًا حرارة، وتُرسِلها بوساطتها بسرعةٍ أكثر، وأكبر من عدد الأجسام الصلبة.»٢٢

الكونت رمفورد (القرن ١٩م)

حدَّد الكونت رمفورد، في دراسته الحثيثة للظاهرة الحرارية، القدرةَ التوصيليةَ لعددٍ كبير من المواد الأوَّليَّة، وكان اختياره للمواد شاملًا جدًّا؛ فهو يتراوح من المواد الصلبة المعدنية وغير المعدنية، عَبْر السوائل، والغازات إلى القماش والقش والتفَّاح المهموس وصلصة التفاح، وكان هذا الأخير بتركيزاتٍ مختلفة. أصل اهتمامه في هذه المسألة يمكن الاستدلال عليه من المقتطف الآتي من مقالته (المقالات): «عندما أتناول الطعام قد كنتُ غالبًا أُلاحظ بأنَّ صحونًا معيَّنة حافظَت على حرارتها أطولَ بكثيرٍ من صحونٍ أخرى، وأن فطائر التفاح ومزيج التفاح واللوز، وهو طبقٌ شائع في إنكلترا، بقي حارًّا ولوقتٍ طويل بشكلٍ مفاجئ. مفاجأةٌ كبرى مع هذه الكمية الاستثنائية من الحرارة المُتبقِّية؛ حيث يظهر التفاح ليستحوذ على ذلك، وكثيرًا ما يعود ذلك لذاكرتي، بأني لم أحرق فمي أبدًا بها، أو ألتقِ آخرين لهم الحظ السيِّئ نفسه. بدون جهد، إنما بشكلٍ عبثي، حاولتُ أن أكتشف بأنه يُوجد طريقةٌ ما لتفسير هذا الأمر المدهش وبأسلوب مُرضٍ.»٢٣
ثم يصف بشكلٍ قوي في (المقالات) تجاربَه التي أوصلَته إلى مفهوم التوصيل الحراري. في تقاريره الأولى افترض بأنَّ الحرارة برُمَّتها ليست مُشعَّة، وإنما تم نقلها بالتوصيل. في مقالته (تجارب عن الحرارة) يقول: «إنَّ فحص القدرة التوصيلية للهواء، وفي سوائلَ مختلفة وأجسامٍ صلبة، فيما يتعلق بالحرارة.» «لقد كانت نيتي منذ البداية أن أفحص القدرات التوصيلية للهواء والغازات الصناعية.» «هل تزيد الرطوبة من قدرة الهواء التوصيلية؟» «من هذه التجارب يظهر بأن القدرة التوصيلية للهواء تزداد كثيرًا بفعل الرطوبة.» «هذا بالتأكيد موضوع التحري ليس أقل إثارةً بحد ذاته من اهتمام النوع البشري، وأتمنى بأن ما قد أنجزتُه قد حث الآخرين على لفت انتباههم إلى حقلٍ تم إهمالُه طويلًا من التحقُّق التجريبي. من ناحيتي، قَرَّرْتُ بألا أتخلى عنه.» حتى إنه اختبَر الخلاء ووجد بأنه «ناقلٌ سيئ للحرارة أكثر من الهواء العام.»٢٤
ونتيجةً للتجارب اللاحقة، التي صُمِّمَت بشكلٍ متقن، استنتج رمفورد بأنَّ السوائل والغازات لا تُوصِّل الحرارة، حسب رأيه: «مع أنَّ جسيمات أي سائلٍ وعلى نحوٍ انفرادي، يُمكنها أن تتلقَّى حرارةً من الأجسام الأخرى، أو تتصل بها، إلا أنَّ التبادل الدَّاخلي والتوصيل بالحرارة بين هذه الجُسيمات نفسها مستحيل بالتأكيد.» أيضًا «عندما تكون الحرارة محمولةً في الأجسام الصلبة، فإنها تعبُر من الجُسيمات بشكلٍ واضح في كل اتجاه، لكن من المؤكد بأنَّ الحرارة ليست مرسلةً بالطريقة نفسها في السوائل.» يقول الباحث روبيسون Robeson عن هذه التجارب: «لا يتوجَّب علينا أن نُهمل ملاحظةً مُتميزة على نحوٍ فريد جدًّا، والتي سعى الكونت رمفورد لإثباتها بين القدرة التوصيلية للأجسام الصلبة والسوائل؛ أي إنه بينما تكون الحرارة مُحملة على طول الأجسام الصلبة، ومن جُسيم إلى جُسيم، طبقًا لقوانينَ نظامية مُعيَّنة، تكون الأجسام السائلة ساخنةً في أجزائها المُتباعدة فقط عند الانتقال الفعلي للجسيم الذي تلقَّى الحرارة من جسمٍ حار عندما كان مُتصلًا معه.» جدارة المؤلف وعبقريته دعمَت رأيه بسلسلة من التجارب المثيرة والمخترعة جيدًا، والنتائج كانت غير متوقَّعة ومفاجئة جدًّا. كان جوزيف بلاك مأخوذًا كثيرًا بهذا الرأي الجديد وبالكثير من الأهمية، وبدأ بفحصها بدقة وحذر، لكن أصابه انحطاطٌ كبير في صحته. «من الواضح بأنَّ ما أثبتَته تجارب الكونت رمفورد، بكون الحركة الداخلية — القابلة للإنتاج جراء التفاوت في الوزن النَّوعي والذي سبَّبَته تسخين الأجزاء الأدنى من السائل — ممنوعة، مواصلة التسخين غير محسوسٍ تقريبًا، وهو ليس أكثر مما قد نتوقَّعه بواسطة المادة الصلبة لوِعاء وبالإشعاع.» «لهذا، لا يوجد شيءٌ في الرأي الذي طرحه الكونت رمفورد مع الحذَر الشديد، الذي يكون مُتعارضًا وغير متسقٍ مع أفكارنا الأكثر تميزًا عن هذه الموضوعات، إنه حقلُ تحقُّقٍ جميل، ويكون مفتوحًا بشكلٍ مبدع جدًّا بالنسبة للفلاسفة.» كان استنتاج رمفورد هذا قائمًا على أفضل دليلٍ تجريبي متوفِّر وموجود جزئيًّا حتى عام ١٨٨٠م. ويستحق ذكرًا واسعًا لأنه يُشير بأنَّ «كسرًا عشريًّا تاليًا» لن يُحَسِّن فقط من الدقة بل قد يُعدِّل الأفكار بشكلٍ ملحوظ. وحسب تخطيط تجاربه فقد استعمل رمفورد التشابُه الجزئي (مماثلة) بين الحرارة والكهرباء، يسترعي الانتباه إليها بعدة أحايين. بقي قريبًا على اتصال مع صديقه السويسري مارك أوغسط بيكتي M. A. Pictet (١٧٥٢–١٨٢٥م)، الذي كان أوَّل من برهَن على أن القدرة التوصيلية للجسم هي خاصيةٌ مستقلة عن الموضع الفيزيائي، بهذا الوقت، وبشكلٍ تقريبي عام ١٨١٠م، كان مفهوم التوصيل الحراري واضحًا بالكامل، وبشكلٍ أساسي بسبب عمل رمفورد وبيكتي.٢٥

إذن كانت تجارب رمفورد أكثر دِقَّة ممن سبقه، فقد تمكَّن من خلالها فتح باب الفصل بين مفهومَي التوصيل الحراري والحمل الحراري أمامَ الباحثين اللاحقين.

جان فورييه (القرن ١٩م)

اقترح الباحث إيليا بريغوجين I. Prigogine سنة ١٨١١م، لميلاد (علم التعقيد Complexity)؛ فهي السنة التي حصل فيها الفيزيائي الفرنسي جان فورييه على جائزة أكاديمية العلوم الفرنسية لوضعه تفسيرًا رياضياتيًّا لانتشار الحرارة في الأجسام الصلبة. وينصُّ قانون فورييه على أنَّ تدفُّق الحرارة يتناسب مع الزِّيادة أو النقصان في درجة الحرارة. وقد وجد أن هذا القانون ينطبق على حالات المادة الأخرى (السائلة أو الغازية). وقد حاولٌّ كل من بيير لابلاس P. Laplace (١٧٤٩–١٨٢٧م) وجوزيف لاغرانج J. Lagrange (١٧٣٦–١٨١٣م) وتلاميذهما الطعن بنظرية فورييه، إلا أنَّ محاولاتهم باءت بالفشل مما اضطرهم للتراجع عن ذلك.٢٦
وضع فورييه دراسته السابقة في كتابه (النظرية التحليلية في الحرارة) ونشَره عام ١٨٢٢م، وقد عالَج فيه الناقلية الحرارية بالتوصيل بأساليبَ رياضياتيةٍ تفوق بأهميتها في مجال الرياضيات والعلوم الفيزيائية أهمية موضوع انتقال الحرارة بالتوصيل نفسه، وقد ابتكر فورييه فيه السلسلةَ التي تحمل اسمه (سلسلة فورييه) وهي مفكوك تابع (دالة) على شكلِ سلسلةٍ لا نهائية من التوابع المثلثاتية.٢٧

لقد ترك فورييه مجالًا صغيرًا للتوسُّع والتطوير، واقترح أو أبقى إمكانية لكل التطوُّرات اللاحقة. كان فورييه أوَّل من قدَّم تعريفًا علميًّا شاملًا للقُدرة التوصيلية الحرارية في المواد. وقد أمضى خمس عشرة سنة في التجريب والتأويل، واستنتج قوانينه بعد دراسةٍ مطوَّلة، ومقارنةٍ لطيفة للحقائق المعروفة التي وصلَت إلى زمنه. وقد تضمنت نظريته الرياضياتية للحرارة عدة أمور:

  • أولًا: التعريف الدقيق لجميع عناصر التحليل.
  • ثانيًا: المُعادلات التفاضلية.
  • ثالثًا: التكامل الذي يتناسب مع المسألة الأساسية.
وكان التفسير العددي لنتائج التحليل ضروريًّا للوصول لدرجة الكمال، والذي قد يكون مهمًّا جدًّا بالنسبة لكل تطبيقٍ تحليلي في العلوم الطبيعية. وحتى يُوجد نظرية، من الضرورة بمكانٍ تمييز وتعريف الخواص الأوَّليَّة بدقَّة، والتي تحدِّد تأثير الحرارة؛ أي ما هي الخصائص الأولية الضرورية للمُلاحظة في كل مادةٍ أوليَّة، وما هي التجارب الأكثر مُلائمة لتحديدها بالضبط؟ وحالما يتم تحديدُها، فإنَّ جميع المسائل المرتبطة بحمل خصائصَ معيَّنة تكون مُفيدةً مباشرة في عدة تطبيقات في العلوم الفيزيائية، فضلًا عن ذلك فإنها عنصر في دراسة ووصف المواد الأولية المختلفة؛ إنها معرفةٌ ناقصة جدًّا للأجسام التي تتجاهل العلاقة مع أحد العوامل الرئيسة للطبيعة. مع أنَّ التحديدات الأُولى للتوصيل الحراري للأجسام الصلبة قام بها فورييه، إلا أن التحديدات الأُولى الدقيقة تم التأكيد عليها من قِبَل الباحث فوربس Forbes؛ حيث استَشهَد الأخير بالمماثلة بين الحرارة والكهرباء لتأسيس التبادل بين التوصيلات الحرارية والكهربائية في الأجسام الصلبة، إضافةً إلى أنه كان أوَّل من أظهر وجود اختلافٍ بين التوصيل الحراري ودرجة الحرارة.٢٨

ثانيًا: انتقال الحرارة بالحمل الحراري

نرصدُ ظاهرة الحمل الحراري في أثناء غليان الماء أو أي سائلٍ آخر، حيثُ ينتقل الجزءُ الحارُّ من السائل إلى الأعلى، لانخفاض كثافته، وينتقل الجزء البارد إلى الأسفل، لازدياد كثافته، وهكذا دواليك؛ بمعنى آخر، فإنَّ ظاهرة الحمل الحراري تُشير إلى تبادُل الحرارة بين سطحٍ ومائعٍ يتحرك فوقه بشكلٍ واسع وملحوظ، وتكون كمية الحرارة المُنتقلة معتمدةً على طبيعة السطح وشكله الهندسي وطبيعة المائع وسرعته فوق ذلك السطح، وكذلك على فَرق درجات الحرارة.٢٩

يُوجد شكلان للحمل الحراري؛ أحدهما طبيعي، يحدُث في الغلاف الجوي للأرض والبحار. والآخر قسري، يحدث بتسليط منبعٍ حراري على وعاءٍ فيه مائعٌ أو سائل. وكلٌّ من النوعَين السابقَين قد يصعب ملاحظتُه إلا من قِبَل العين الخبيرة الباحثة في طبيعة الظاهرة، ولعل هذا ما قد يفسِّر لنا سببَ تأخُّر البحث فيها حتى القرن العاشر للميلاد.

المبحث الأول: العلماء العرب والمسلمون

بذَل العلماء العرب والمسلمين جهودهم في الكشف عن آلية انتقال الحرارة بوساطة الحمل، طبعًا لم يُطلِقوا عليها هذا المصطلح الحديث، لكن النصوص تدُلُّنا على إدراكٍ مبكِّر لها.

المسعودي (القرن ٤ﻫ/١٠م)

ارتكز أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي (تُوفِّي نحو ٣٤٦ﻫ/٩٥٧م) في تفسيره لحركة حرارة النَّار لأعلى الجو على نظرية أرسطو في العناصر الأربعة، التي كانت شائعةً في عصره، وقد نبَّه إلى مسألة طفو الهواء الحار نظرًا لقلة كثافته مُقارنةً بكثافة الهواء الرطب البارد، قال المسعودي: «والعناصر أربعة نار وهواء وماء وأرض؛ فاثنان من هذه العناصر حارَّان وهما النار والهواء، وهما يتحرَّكان بطبعهما صعدًا، إلا أنَّ أسبقَهما إلى العُلو النار فهي طافيةٌ على الهواء والنار يابسة والهواء رطب.»٣٠

إخوان الصفا (القرن ٤ﻫ/١٠م)

حاول إخوان الصفا تقديم رؤيةٍ جديدة بعيدة عن نظرية أرسطو في العناصر؛ حيث إن وجود الحرارة في بعض الأجسام ناجم عن تحرُّك أجزاء مادتها الداخلية، كما أن سبب البرودة هو سكونُ تلك الأجزاء المادية. وهو تفسيرٌ معقول ومقبول منطقيًّا؛ كونه يستند إلى النظرية الذرية، التي يُعارضها أرسطو أصلًا. ويعود سبب ابتعاد إخوان الصفا عن النَّظرية الأرسطية هو تبنِّيهم لنظرية جابر سواء في تعريف الحرارة أو في تعريف علم الحرارة، قال إخوان الصفا: «وأمَّا الحرارة في بعض الأجسام، فهي من أجل غليان أجزاء الهيولى وفورانها بالحركة الخفيفة، وأما البرودة في بعضها، فهي من أجل سكون تلك الأجزاء، أو جمود ذلك الغليان.»٣١

ثم مضى إخوان الصفا لأبعد من ذلك، فقد تنبَّهوا إلى مسألة حرارة السطوح المُتمَاسَّة فيما بينها، فبعضها يكتسب خصائص السطحَين المُتماسَّين وبعضها لا يكتسب. وهذه قضيةٌ مُهمة في تفسير ظاهرة الحمل الحراري في الغلاف الجوي للأرض.

يقول إخوان الصفا في ذلك: «واعلم يا أخي، أن من السطوح ما يُقارب طبيعة المُتماسين، ومنها ما لا يُقارب، مثل سطح الهواء من أسفل مما يلي الهواء، فإنَّ تلك الأجزاء ألطفُ من سائر الأجزاء التي تلي أسفل مما يلي الأرض، وكذلك سطح الهواء المُحيط بالنيران التي عندنا، فإنه يكون أسخنَ من سائر أجزائه البعيدة عن النار، وكذلك سطح النار مما يلي الهواء المحيط به أقل حرارةً من سائر أجزائه الباقية، وأمَّا سطوح الأجسام الصلبة مثل الحديد والخشب والحجر، وما شاكلَها، إذا تجاورَت فلا يعرضُ لها هذا الوصف.»٣٢

والشكل الآتي يُوضِّح الأفكار الواردة في كلام إخوان الصفا السابق:

figure
شكل يوضِّح طبقات الهواء القريبة والبعيدة من سطح الأرض أو سطح النار؛ فسطح الهواء القريب من سطح الأرض أبردُ من سطح الهواء الأبعَد؛ أي كُلما ابتعدنا عن سطح الأرض كان الهواء ألطف نظرًا لبرودة سطح الأرض، وينعكس الأمر في حالة النار، فالهواء المُحيط والقريب منها يكون أخفَّ وألطفَ من سطح الهواء الأبعَد عنها. تقسيم السطوح إلى هذه الطبقات فكرةٌ أصيلة، لكن حبَّذا لو تَم إكمالُها بحركة التيارات التي تنشأ بين هذه الطبقات؛ بمعنى صعود التيارات الساخنة وهبوط التيارات الباردة.

أبو علي مسكويه (القرن ٥ﻫ/١١م)

وجد أبو علي مسكويه (تُوفِّي ٤٢١ﻫ/١٠٣٠م) أنَّ استمرار تدفُّق انتقال الحرارة في بعض الأجسام مرهونٌ باستمرار عمل المنبع سواء كان هذا الانتقال بالتوصيل أو بالحمل، يقول مسكويه في ذلك: إنَّ «الحرارة تبقى في بعض الأجسام إذا كان لها مددٌ من حرارةٍ أخرى زمانًا أطول من بقائها إذا لم يكن لها مدَد … وهذه سبيل الحديدة المحمَّاة إذا أُخرجَت من النار، بل هذه حال الماء الذي هو ضد النار، فإنه يتحرَّك بمجاورة النار حركة الغليان التي تُشبِه نبض القلب.»٣٣ وكما نُلاحِظ فقد شَبَّه مسكويه حركة غليان الماء بدقَّات القلب التي تكون عادةً متناوبةً بين انقباض وانبساط عضلة القلب، وليست على وتيرةٍ واحدة، قد لا يكون مُوَفَّقًا كثيرًا في مماثلته بين حركة الغليان وحركة القلب، إلا أنه تصوَّر حدوث حركة من نوع تخفُّق الماء بعد تعرُّضه لحرارة النار مثل خفقان القلب.

مؤيد الدين الطغرائي (القرن ٦ﻫ/١٢م)

لاحَظ الكيميائي مؤيد الدين الطغرائي (تُوفِّي ٥١٣ﻫ/١١١٩م) حدوثَ ظاهرة الحمل الحراري في أثناء تصعيده للمواد، فإذا كانت لدينا مادةٌ مُرَكَّبة من مادتَين إحداهما كثيفة والأخرى خفيفة، وتم تعريضه لحرارةٍ خارجية، فإننا أمام ثلاث حالات:
  • (١)

    الأولى: المادة الخفيفة أقل من الكثيفة؛ حيث ترتفع المادة الخفيفة للأعلى بسرعة بتأثير الحرارة، وتبقى الكثيفة في الأسفل.

  • (٢)

    الثانية: المادة الخفيفة تُساوي الكثيفة، فإنَّ الحرارة تجمع أجزاء المادة في قعر الإناء من خلال إذابته وتركيزه في الوسط، ومع زيادة التسخين فإنَّ المادة الخفيفة تبدأ بالتفكُّك والصعود، وتبدأ المادة الكثيفة بالهبوط، ويبدآن بالحركة في الوسط وبشكلٍ مُستدير.

  • (٣)

    الثالثة: المادة الخفيفة أكثر من الكثيفة، عندها يتصعَّد المركَّب كله.

أي إن الحمل الحراري لا يحدُث إلا في حال تساوي الأجزاء الكثيفة للمادة المركَّبة مع الخفيفة. وهذا تقدُّمٌ ملحوظ في فهم ظاهرة الحمل الحراري بشكلٍ علمي ودقيق. رُبَّما يكون الطغرائي قد لاحظ ذلك بشكلٍ أفضل من غيره كونه كيميائيًّا تجريبيًّا، والكيميائيون يستخدمون دوارقَ زُجاجية شفَّافة تُبيِّن ما يحدُث داخل الدورق؛ الأمر الذي يُسَهِّل وضع فرضيةٍ تفسِّر هذه الحركة.

قال الطغرائي: «اعلم أنَّ حقيقة التَّصْعيد عند الحكيم عبارةٌ عن تهيئة اللطيف لقبول الحركة المُستقيمة من السفل إلى العلو، ولذلك أسباب مادية، وفاعلية، وصورية، وغائية، ومجموع تلك الأسباب إذا اجتمعَت كانت عِلَّةً تامة للتصعيد؛ أي لا يتخلَّف وجوده عنها أصلًا؛ فأمَّا موادُّه وهي الأجزاء التي يتركَّبُ منها فهي كل جوهرٍ لطيف قابل للحرارة وذلك لأنَّ التصعيد لما كان حركة والحركة لا تكون إلا عن الحرارة كان كلما كان أكثَر قبولًا للحرارة أسرعَ صعودًا من غيره، ويُعلم ذلك من الخِفَّة، والثقل، واللطافة، والكثافة، فإنَّ الخفة من الحرارة وغلبة أحد العنصرَين الحارَّين، والثقل من البرودة، وغلبة أحد العنصرَين الباردَين، وكذلك اللطافة والكثافة، فكُلَّما كان أخف كان أقبلَ للحرارة، وأسرعَ صعودًا؛ حتى إنا إذا وضعنا شيئَين على الحرارة، وكان أحدهما ألطف فإنَّه يقبل الحرارة أولًا، وتغلب حرارةُ طبيعته على ظاهره، وتتحرَّك تلك الحرارة إلى خارج؛ طلبًا لحيِّزها فإنْ كانت هوائية فإلى حيز الهواء، أو نارية فإلى كُرة الأثير ما لم يمنع من ذلك مانعٌ كالإناء وغيره، وإذا وضعنا أيضًا على الحرارة مُرَكَّبًا مؤلَّفًا من جزأَين؛ أحدهما لطيفٌ حار، والآخر لطيفٌ بارد كان الأوَّل أقرب لقبول الحرارة فيصعَد إلى العلو، ويبقى الجزء الآخر راسبًا؛ هذا إذا كان مُتميزًا كالزئبق والكبريت، وأمَّا إذا كان مؤلَّفًا تأليفًا طبيعيًّا، فإنه لا يخلو إما أن يكون الجزء اللطيف الذي فيه أقلَّ من الكثيف أو مساويًا له أو أكثر منه، فهذه ثلاثةُ أقسامٍ لا يخلو عنها مركَّبٌ أصلًا؛ فأما القسم الأول: فإنه إذا رُفع على الحرارة الخارجية العنصرية، فإن الحرارة تتسارع إلى لطيفة، فيصعد جميع ذلك اللطيف ويخلِّف كثيفه باقيًا بجملته؛ لأنَّ اللطيف لقلته لم يستطع أن يصعَد معه لكثرة الكثيف، فضابط هذا القسم وهو ما كان لطيفه أقل من كثيفه فإنه إذا أُريد تصعيده ورُفع على الحرارة العنصرية، فإنَّ ما فيه من اللطيف يصعد ويُخَلِّف الكثيف لا يصعَد منه شيء أبدًا. وأمَّا القسم الثاني: وهو ما يكون لطيفه مساويًا لكثيفه، فإنه لا قُدرة للحرارة فيه على أكثر من جمع أجزائه في قعر الإناء بالإذابة، وجمعه في وسطه حتى تجتمع أجزاؤه في وسطٍ معتدل، فإذا صار على تلك الصفة وقَوِيَت عليه الحرارة من الجهتين — أي من جهة الطبيعة؛ أعني الحرارة المكتسبة منها الكائنة في أجزائه منذ تولَّد في معدنه، ومن جهة الحرارة العنصرية المسلَّطة على قَعر الإناء — فإنَّ ما فيه من اللطيف وهو رُوحه يتداعى إلى الانفكاك والذهاب والصعود والتخلُّص من الكثيف بما فيه من القُوَّة اللطيفة الروحانية، ويتداعى الكثيفُ إلى الاستقرار والهبوط، ويتجاذبان فيتحيران فيتحركان على الوسط والاستدارة؛ ولذلك تحققنا أنَّ جوهر الذهب مُعتدل لأنه عند تسليط الحرارة العنصرية على جوهره يذوب، فإذا ذاب واشتدَّت عليه دار على الوسط وتحرَّك حركة دورية بحيثُ لا ينقُص من جِرمه شيءٌ له قَدْرٌ محسوس، ولا تفعل فيه النار زائدًا على ذلك، فما كان من هذا القسم فقد علمتَ أنَّه لا يُمكن تصعيدُه ما دام كذلك إلا بحيلةٍ كما سيأتي. وأما القسم الثالث من أقسام السبب المادي للتصعيد وهو ما كان لطيفه أكثر من كثيفه؛ فحُكم هذا أنه إذا رُفع على نار التصعيد، فإنه يصعد جميعُه، ومن هذا القسم الكبريت ومثل الكبريت في ذلك الزئبق.»٣٤
النصُّ السابق الذي قالَه الطغرائي سنجدُه مقتبَسًا تمامًا عند سعد بن منصور بن كمونة مع بعض التعديل في الصياغة.٣٥

عضد الدين الإيجي (القرن ٨ﻫ/١٤م)

يبدو من شروحات عضد الدين الإيجي اتفاقُه مع رأي الطغرائي، وعدم اتفاقه مع ابن سينا، وأي شخصٍ يقول بأنَّ الحرارة تفرِّق المُختلفات، وتجمع المُتماثلات والبرودة بالعكس؛ وبالتالي عدم اتفاقه مع الطَّرح الأرسطي، وذلك لأنَّ القول بذلك يُجانب الصَّواب حول حقيقة الحرارة؛ إذْ مهما كانت النَّار قويةً قد لا تستطيع تفريقَ عناصر المادة عن بعضها، والمثال على ذلك الذهب، حيث يحدُث تجاذُب وتدافُع بين العناصر التي اكتسبَت الخفة، والتي التي لا تزال ثقيلة، وينجُم عن ذلك حركةٌ دورانية تمنع النَّار من تفريق العناصر المُكوِّنة للذهب، ويقصد الإيجي بتلك الحركة الدورانية حركة الحمل الحراري التي تحدُث في السوائل التي تتعرض للحرارة.

قال الإيجي: «ومن جعل هذا تعريفًا للحرارة فقد رَكِب شططًا؛ لأنَّ ماهيتها أوضحُ من ذلك، ولأن ذلك الحكم لا يُعلَم إلا باستقرار جزئياتها، فمعرفتها موقوفة على معرفة الحرارة، واعلم أنَّ هذا إنما يثبُت إذا لم يكن الالتئام بين بسائط ذلك المُرَكَّب شديدًا، وأمَّا إذا اشتد الالتحام وقَوِي التركيب، فالنار لا تفرِّقها، فإنْ كانت الأجزاء اللطيفة والكثيفة مُتقاربة كما في الذهب أفادته الحرارة سَيَلانًا، وكُلَّما حاول الخفيف صعودًا منعَه الثقيل فحدَث بينهما تمانُع وتجاذُب، فيحدُث من ذلك حركة دوران، ولولا هذا العائق لفرَّقَتها النار».٣٦

كمال الدين الدميري (القرن ٩ﻫ/١٥م)

يرويٍ لنا كمال الدين الدميري (تُوفِّي ٨٠٨ﻫ/١٤٠٥م) في كتابه (حياة الحيوان الكبرى) قصةً طريفة عن الفضل بن سهل السرخسي (تُوفِّي ٢٠٢ﻫ/٨١٨م) «أنَّ الفضل كان كثير البِر بأبيه، وكان أبوه يتأذَّى من استعمال الماء البارد، في زمن الشتاء، فلمَّا كانا في السجن، لم يقدرا على تسخين الماء، فكان الفضل يأخذ إبريق النحاس، وفيه الماء، فيضعه على بطنه زمانًا لينكسر بردُه، بحرارة بطنه، حتى يستعمله أبوه بعد ذلك.»٣٧ لكن طبعًا لم يُفسِّر لنا الدميري أن سبب هذه الظاهرة هو الناقليةُ الحرارية التي حدثَت بين بطن الفضل وإبريق النحاس الذي أوصل الحرارة للماء.

المبحث الثاني: الأوروبيون

لقد عزل الأوروبيون في وقتٍ سابق ظاهرة الإشعاع الحراري بوصفه طريقةً مُستقلة لتحويل الحرارة عن التوصيل الحراري، ولكن نظرًا لعدم الاستفادة من أعمال العلماء العرب والمسلمين، فقد استغرق الأمر منهم وقتًا طويلًا جدًّا حتى وصلوا لعزل ظاهرة التوصيل الحراري عن الحمل الحراري.

كان المطلوب درجةً كبيرة من البيانات التجريبية لإرساء الحقيقة، في رأي رمفورد نفسه، فإنَّ السوائل والغازات تنقل الحرارة. وقد بَيَّن كلٌّ من روبرت موراي R. Moray (١٦٠٩–١٦٧٣م) ورمفورد بأنَّ الحرارة قد تعبُر باتجاه الأسفل بوساطة السائل. أمَّا تجارب طومسون Thomson وتريل Trail فقد أشارت إلى هذا أيضًا، مع أنَّ تفسير البيانات لم يزل مشكوكًا بها. وكان العالم الأمريكي ديوي Dewey أول من دخل هذا الحقل، فانتقد تجارب موراي ودعم استنتاجاتِه ببياناتٍ جديدة. أخيرًا يبدو أنَّ ديسبريتز Despretz قد أثبت الحقيقة. لقد كانت استنتاجات رمفورد في حالة الغازات كانت أصعب من أن تُهزم، وكان أندروس Andrews وغروف Grove أوَّل من حصل على بيانات تدعَم هذه النقطة. على أية حال، التجارب الأولى التي تم أجراؤها بشكلٍ مدروس للإجابة على السؤال: كيف تنتقل الحرارة في الغازات؟ كانت تلك التي قام بها ماغنوس Magnus، حيث استخدم الهيدروجين كوسطِ توصيل، تأويله للنتائج هو أنَّ الغازات توصل الحرارة بالطريقة نفسِها كما تفعل المعادن.٣٨

بنيامين فرانكلين (القرن ١٨م)

قام بنيامين فرانكلين بإجراء تجربة تَبَيَّن له بوساطتها أنَّ الهواء الحار يُصبح أقلَّ كثافةً بعد التسخين فينتقل للأعلى، وأنَّ الهواء البارد يُصبح أثقل فينزل للأسفل. وهي أفكارٌ كما نُلاحِظ لم تختلف كثيرًا عما سبق، وطرحها العُلماء العرب والمسلمون منذ مسكويه وحتى الطغرائي. وقد اختار شروط القيام بتجربته البسيطة كما يأتي: في أية أمسيةٍ شتوية، يفضَّل أن تكون باردةً جدًّا، وعندما تكون غرفة الطعام دافئةً لكن القاعة خارجًا باردة، يُمكننا فتح الباب على مصراعَيه. نحمل شمعةً مُضَاءة في الممر قرب الأعلى، سنجد بأنَّ اللهب قد هبَّ نحو الخارج، وبوضع الشمعة قرب الأسفل، سنجد بأنه يهب نحو الداخل، وفي منتصف الممر بين الأعلى والأرضية سيحترق اللهب بثبات. السبب في هذا واضح عندما نتذكَّر بأنَّ الهواء الدافئ هو أخفُّ من الهواء البارد، عندما يكون الباب مفتوحًا فإنَّ الهواء يندفع خارجًا قرب الأعلى، وإمداد مكانه بالهواء البارد يندفع للدَّاخل على طول الأرضية. التياران مُنقسمان بصمت وهدوء.٣٩

الكونت رمفورد (القرن ١٩م)

اكتشف الكونت رمفورد عرضيًّا، أثناء بحثه المُقارِن بين وزن الماء المُنصهِر عن الثلج، وجود تيارات الحمل الحراري Convection currents،٤٠ حيث لاحظ أنَّ السائل (وكان الكحول) داخل ميزان الحرارة الذي يستخدمه في تجاربه يَصْعدُ إلى منتصف الأنبوب ثم يتساقط على الجانبَين.٤١
وكما كان الحالُ مع إخوان الصَّفا، إلا أنَّ رمفورد لاحظ تجريبيًّا وجود تبادُلٍ حراري بين السطوح الحارة والهواء، وانطلق من السؤال: كيف يكونُ الهواءُ مَانعًا ومانحًا للحرارة؟ وتبيَّن له من التَّجارب التي أجراها على موادَّ مُختلفة (حرير، فراء الحيوانات، ريش الطيور، معادن، زجاج) وتبيَّن له أنَّ كل جُسيمة من جُسيمات الهواء يُمكنها نقل واستقبال الحرارة، حتى لو كان الهواء (أو السائل) في حالةٍ ساكنة، لكِنَّها غير قادرة على إنتاج الحرارة أو منحها مَمَرًّا للعبور من خلالها، وهنا يكون الهواء غير قادر على التوصيل الحراري (عازل).٤٢ ونظرًا لكونه عاش في ألمانيا فقد تحسَّس الأثر المُتبادل بين الرِّياح الشمالية الباردة وسطح الأرض أو سطح البحر، أكثر من إخوان الصفا، الذين عاشوا في العراق، آخذين بعين الاعتبار الفارق الزمني الكبير بينهما (٩٠٠ سنة) والفارق المعرفي الذي وصل إلى كلٍّ منهما.

جان فورييه (القرن ١٩م)

كان فورييه صريحًا جدًّا، وأفكاره قابلة للتسويغ، بالنسبة إلى القيمة الدائمة لعمله (النظرية التحليلية في الحرارة)؛ فقد كان مُدركًا بالكامل للتقيُّدات التجريبية الموضوعة على عمله، والتوسُّعات المتوقَّعة التي قام بها آنذاك. وقد كرَّس فورييه عمله النظري والتجريبي تقريبًا بالكامل على الأجسام الصلبة، لكنه أقرَّ بأنَّ السوائل لديها خاصيةٌ توصيلية بدرجةٍ صغيرة، لكنها مَخْفيَّة، ولا يذكر الغازات مُطلقًا. وكان يُدرك بأنَّ الحرارة تتحوَّل بالنقل الحراري، لكنه لم يستعمل المُصطلح. وقد كان جورج سيمون أوم G. S. Ohm (١٧٨٩–١٨٥٤م) يعمل في عام ١٨٢٨م، بشكلٍ مستقل، ورُبَّما اطَّلع على عمل فورييه، وأصدر بحثه الذي تكلَّم فيه عن التوصيل الكهربائي، وهكذا بقِيَت الكهرباء مُتماشية مع الحرارة.٤٣
وثمَّة رأيٌ منسوبٌ لأندريه ماري أمبير A. M. Ampère (١٧٧٥–١٨٣٦م) حول نظرية انتشار الحرارة التي وضعَها فورييه يقول فيه: «إنَّ نظرية الحرارة تقوم في الواقع على حقائقَ عامة، يُحكَم عليها مباشرة بوساطة المُلاحظة، والمُعادلة المُسْتنتجة من هذه الحقائق، لكونها مُثبَتةً بالتطابُق بين النتائج المُستنتَجة من المُعادلة، وتلك التي تُعطيها التجربة، يجب أن تُقرَّ بوصفها تُعبِّر عن القوانين الحقيقية لانتشار الحرارة؛ سواء من قِبل أولئك الذين يعزون هذه إلى إشعاع الجُزيئات المولِّدة للحرارة، أو من قِبَل أولئك الذين يُحاوِلون تفسير الظاهرة نفسها باهتزازات مائعٍ مُمتد في المكان، يكون ضروريًّا فقط أن تُثبِت الجماعة الأولى إلى أي مدًى تنتج المُعادلة التي نتعامل معها عن طريقتهم بالنَّظر إلى الأشياء، وأن تستنتجها الجماعة الثانية من الصيغ العامَّة للحركات الاهتزازية، ليس هذا من أجل أن نزيد يقين المُعادلة إنما إلى أي مدًى يمكن لفرضياتهم أن تصمُد، ذاك الفيزيائي الذي لم يؤيد جهةً ما في هذه المسألة يُسَلِّم بهذه المعادلة بوصفها تمثيلًا دقيقًا للحقائق، بدون أن يُزعِج نفسه بالطريقة التي يُمكن أن تُستنتَج بها من واحدة أو أخرى من الشروحات التي كنا نتكلم عنها، وإذا جاءت ظاهراتٌ جديدة وحساباتٌ جديدة لتُثبِت أن تأثيرات الحرارة لا يُمكن في الواقع شرحها إلا وفقًا لنظرية الاهتزازات، فإنَّ الفيزيائي الكبير جان فورييه الذي قَدَّم هذه المُعَادلة للمرة الأولى، والذي أبدَعها ليستعملها في بحوثه كوسيلةٍ جديدة في التوحيد، لن يكون إبداعُه للنظرية الرياضياتية في الحرارة أدنى مرتبةً من إبداع نيوتن لنظرية الحركات الكوكبية، حتى ولو أنَّ هذه النظرية لم تُثبَت من قِبَله بشكلٍ كامل كما أُثبتَت بعد ذلك من قِبَل خلفائه. إنها الصيغة نفسها التي مَثَّل بها التأثير الكهرطيسي. أيًّا كانت الأسباب الفيزيائية التي يريد المرء أن يشرح بها الظاهرات التي يُسبِّبها هذا التأثير، فإنَّ الصيغة التي حصلت عليها ستبقى دائمًا تعبيرًا عن الحقائق. وإذا نجح المرء في استنتاجها من أحد تلك الآراء التي شُرحَت وفقًا لها ظاهراتٌ أخرى كثيرة جدًّا، مثل التجاذب الذي يكون بين جسمين المُتناسب عكسًا مع مربَّع المسافة، والذي يُصبح غير قابل للملاحظة على بُعدٍ ممكن تقديره عن الجُسيمات التي تؤثِّر بينها، واهتزازات المائع المُنتشر في المكان … إلخ، فإنَّ المرء يكون قد سار خطوة إلى الأمام في ذاك القسم من الفيزياء، لكن هذا الاستقصاء، الذي لم أشغل نفسي به بعدُ، مع أنني أدرك أهميته، لن يغير أبدًا نتائج عملي، لأنه حتى يكون هناك تطابق مع الحقائق، فإن الفرضِيَّة المُقررة يجب أن تتفق دائمًا مع الصيغة التي تمثِّل تلك الحقائق تمامًا.»٤٤

اللورد كلفن (القرن ١٩م)

لعل أحد أهم إنجازات اللورد كلفن أو وليم طومسون Lord Kelvin (١٨٢٤–١٩٠٧م) أنه اقترح إمكانية حدوث توازُنٍ حراري Convective equilibrium في أثناء الحمل الحراري (أي انتقال الكتلة أو الحرارة ضمن سائل يُسبِّب بميل المادة الأكثر حرارة، والأقل كثافة؛ لأن تصعد)، الذي يجتاز طريقًا طويلًا لتحديد بنية النجوم، والظروف في الغلاف الجوي السفلي للأرض.٤٥
لقد تصوَّر كلفن الفكرة، واقترحها للغلاف الجوي للأرض وللشمس،٤٦ فهو يقول: «إنَّ الطبيعة الأساسية للتوازن الحملي الحراري هو أنَّ الكثافة ودرجة الحرارة تتوزعان في كل مكانٍ من الكتلة السائلة الكاملة نتيجة أنَّ السطوح ذات الكثافة المتساوية ودرجة الحرارة المُتساوية تبقى غير مُتغيِّرة عندما تسبِّب تيارات فيها بأيِّ تأثيرٍ مُعتدل يستدعي للاضطراب إلى حدٍّ كافٍ، وحتى التغيُّرات في الضغط النَّاشئة عن الحركات العطالية تكون غير مستحقة الاعتبار.» وقال بشأن الشمس: إنَّ «… الحركة الطبيعية الطفيفة المسبِّبة تبريد السطح في كتلةٍ سائلةٍ حارة كبيرة مثل كتلة الشمس، يجبُ، كما أعتقد، أن تبقى على اقترابٍ وثيق بعض الشيء من التوازن الحملي الحراري في كل مكانٍ من الكتلة الكاملة.»٤٧

ثالثًا: انتقال الحرارة بالإشعاع

نُسمِّي انتقال الطاقة الحرارية من أية مِدْفأة أو تلك التي تصلنا من الشمس، بانتقال الحرارة بالإشعاع. وهي طريقةٌ تختلف عن الحمل وعن التوصيل. ومصطلح (الإشعاع Radiation) الحديث يُشير إلى فقدان الطاقة بشكلٍ مُستمر من سطح جسمٍ ما، وهي العملية التي تحدث في أي جسم كان، شرط أن تتحقق قاعدة بريفو Prévost rule التي وضعَها الفيزيائي الفرنسي بيير بريفو P. Prévost (١٧٥١–١٨٣٩م) والتي تنُص على أنه إذا كان لدينا جسمان يمُتَصَّان عند درجة الحرارة نفسها كميتَي طاقةٍ مُختلفتين، فإنَّ إشعاعَيهما الحراريَّين يكونان مختلفَين عند درجة الحرارة هذه.٤٨ أمَّا عن طبيعة هذا الإشعاع، حتى درجة الحرارة ٣٠٠° مئوية، فإنه يكون على شكل أشعةٍ تحت حمراء في مُعظمه، ومع ارتفاع درجة الحرارة أكثر من ذلك فإنَّ الجسم يبدأ بإصدار أشعة من أنواعٍ أخرى.٤٩

وقد أحسَّ الإنسانُ بانتقال الحرارة بالإشعاع منذ أن وُجِد على ظهر البسيطة، ووقف تحت الشمس، ومنذ أن اكتشف النَّار واستدفأ بها. لكن طبعًا ثمَّة فَرقٌ بين ملاحظة الناس العاديين، وملاحظة العلماء الذين يُحاوِلون تفسير الظاهرة وفق نظرياتٍ وفرضياتٍ مُحدَّدة تهدف إلى فهمها. وقد حظي هذا النوع من آليات انتقال الحرارة بالنصيب الأوفر من دراسات العلماء، سواء العرب أو الأوروبيون، كما سنُلاحِظ؛ نظرًا لتوفُّر مصدره سواء في الشمس أو النار.

المبحث الأول: العلماء العرب والمسلمون

تنوَّعَت دراسةُ العلماء العرب والمسلمين لمصادر الأشعة؛ فمنهم من درس الأشعة الحرارية الصادرة عن النار وآثارها، ومنهم من درس الأشعة الحرارية الصادرة عن الشمس وآثارها في كل الأوساط التي تمُرُّ بها. وقد كانت بعضُ الآراء المُقدَّمة مُميزة ركَّزنا عليها وشرحناها أكثر من غيرها نظرًا لأهميتها العلمية والتاريخية.

جابر بن حيان (القرن ٣ﻫ/٩م)

ربط جابر بين لون الأشعة الحرارية المُتولِّدة والمادة الصادرة عنها، فقال: «فأمَّا الحرارة فإن لونها إنما يتبيَّن لك كلون الجوهر. واعلم أنَّ الذي ذكرناه من لون الجوهر ليس هو لونًا له، وإنما هو المتولِّد بينه وبين الشمس، وليس في إمكان أحد المخلوقين إظهار الجوهر بغير ما أَرَيْتُكَ إِيَّاه، فأمَّا لون الحرارة فهي الحُمرة الصافية، وهي التي تظهر في أعالي النار كأحمر الألوان، فتلك حرارةٌ بلا رطوبة ولا يبوسة، بل الجوهر فقط. وليس يمكن أحدًا أكثر من هذا أيضًا.»٥٠ ولعلنا نجد من كلام جابر هذا — رُبَّما لأول مرة — الرَّبط بين الإشعاع الحراري والطرف الأحمر منه فقط، فهذه الحقيقة لم يتمَّ الكشفُ عنها إلا في القرن ١٩م، على يد الفلكي وليم هرشل W. Herschel (١٧٣٨–١٨٢٢م) والفيزيائي الألماني يوهان فيلهلم ريتر J. W. Ritter (١٧٧٦–١٨١٠م)؛ أي بعد ألف سنة من تقدُّم علم الحرارة وأدوات قياسه.

إبراهيم النَّظَّام (القرن ٣ﻫ/٩م)

حاول إبراهيم بن سَيَّار النَّظَّام (تُوفِّي ٢٣١ﻫ/٨٤٥م) أن يُثبِت أنَّ الحرارة والبرودة أجسامٌ لطاف، وليست مُجَرَّد أعراض، بدعوى أنَّ الأعراض لا يحدُث بينها تضاد، إنما يحدث بين الأجسام كالحرارة والبرودة، والسواد والبياض، والحلاوة والحموضة، وهي أجسامٌ مُتفاسدة يُفسِد بعضها بعضًا؛ لذلك فإنَّ كل جسمَين مُتفاسدَين فهما متضادَّان.٥١ أي خالف النَّظَّام الكثير ممن عاصروه الرأيَ بجعل الحرارة ذاتَ طبيعةٍ ماديَّة لطيفة وليست مُجرد ظاهرةٍ عابرة تؤثِّر بالأجسام الأخرى وتَضمحِل. وكان يقول النظَّام إنَّ الدليل على أنَّ الضياء أخف من الحر هو أن النار تكون منك على قاب غلوة (أي مقدار رمية سهم) فيأتيك ضوءها ولا يأتيك حَرُّها. مثالٌ آخر: لو أنَّ شمعةً في بيتٍ غير ذي سقف لارتفع الضوء في الهواء حتى لا تجد منه على الأرض إلا الشيء الضعيف، وكان الحرُّ على شبهٍ بحاله الأول.٥٢ طبعًا هو يقصد بذلك أن مدى انتشار الضوء أوسع من مدى انتشار الحرارة بالنسبة لمنبعٍ صغير كالشمعة، لكن بالنسبة لمنبعٍ كبير وقريب من الأرض كالشمس فإنَّ الضوء يترافق مع الحرارة.
النار والصوت والضوء كلها مفاهيمُ مادية حسب النظَّام؛ لذلك فإنَّ مفهوم الحرارة لن يختلف بطبيعته عن تلك المفاهيم، ويفسِّر الارتباط بين الحرارة والضوء على أنه ارتباط بين مادتَين لكنهما عندما يَصْدُران عن الجسم فإنَّ الضوء يسبق الحرارة. لقد «زعم النَّظَّام أنَّ الحرَّ جوهرٌ صَعَّادٌ بمعنى أن الحرَّ هو جوهر وجسم من الأجسام، لا عَرَض من الأعراض، وإنما اختلفا، ولم يكن اتفاقهما على الصعود موافقًا بين جواهرهما؛ لأنهما متى صارا من العالم العلوي إلى مكانٍ صار أحدهما فوق صاحبه، وكان يَجزم القول ويُبرم الحكم بأن الضياء هو الذي يعلو إذا انفرد، ولا يُعلى.»٥٣

الكندي (القرن ٣ﻫ/٩م)

أمَّا الكندي فقد درس تأثير الشعاع الشمسي على الغلاف الجوي، والدليل على وجود هذا التأثير هو ما يُلاحظ عند شروق الشمس على بعض الأماكن حيث تكون حرارتُها أشدَّ من الأماكن الظليلة، وهذا دليلٌ على وجود تلازُم بين الأشعة الحرارية والأشعة الضوئية.

يقول الكندي في ذلك: «والشعاع يرقِّق الجو، ويُصَيِّر سلوكَ الأشياء فيها أسهل وأسلس، كالذي يُرى حِسًّا؛ فإنَّ المواضع التي تُشرِق الشمس فيها تكون أحرَّ من التي فيها الظل؛ ولذلك ما يكون من حلٍّ في مواضع إشراق الشمس يجدُ حرًّا شديدًا، ومن حلَّ في الظل بالقرب منه لم يُحِس بذلك الحر، وإن وُجِد حر، فكلَّما بعدتَ من المواضع التي أشرقَت عليها الشمس، ضعُف ما تجد من الحر.»٥٤

التميمي المقدسي (القرن ٤ﻫ/١٠م)

ناقش محمد بن أحمد بن سعيد التَّميمي المَقدسي (تُوفِّي ٣٨٠ﻫ/٩٩٠م) في كتابه (مادَّة البقاء) كيفية انتقال أشعة الشمس الحَارَّة وتأثيرها، حيثُ إنَّها تجتاز الفضاء الكائن بين الأرض وجِرم الشمس، ثم تجتاز طبقات الغُلاف الجوي فيتحصَّل منها على الحرارة والضوء التي تصلُح حياة الناس، يقول التميمي المَقدسي: «إنه لن يخفى على ذوي العقول والألباب … حُسن تأثير الشمس، وما تفعله من نقلها بجوهر جسمها الكُري العظيم الصقيل شعاعَ الأثير، الذي هو النَّار الحاوية لثلاثة عناصر التي دونها، التي هي في المكان ما بين الهواء وبين فلك القمر، ونقلها مع شعاعه ونوره حرارتَه المُصلحة للحيوان والنَّبات، حتى تخرق بهم العنصرَين الأوسطَين اللذَين هما الهواء والماء، فتُوصل ذلك الشُّعاع إلى أقطار العالم، فيستنير به النَّهار ويُشرق ويستضيء به البشر وتدرك به أبصارُهم صور الأشياء المرئية وألوانها، وأقطارها، ومقادير أجرامها، وتُوصل إليهم من حرارة الأثير مقدارًا وسطًا غير مُحْرِق لأجسادهم ولا مُفْسِد لنباتهم.»٥٥

إخوان الصفا (القرن ٤ﻫ/١٠م)

درس إخوان الصفا الأشعة الحرارية الصادرة عن الشمس، وتلك الصادرة عن النار، وقد وجدوا أنَّ انتشار الأشعة الحرارية الشمسية يكون تدريجيًّا وليس دفعةً واحدة، بخلاف الضوء الحامل لتلك الأشعة الذي يظهرُ دفعة واحدة كما في حالة الشمعة؛ أي ثمَّة تفاوت بين سرعة انتشار الأشعة الحرارية والضوء المُرَافق لها، والدَّليل على ذلك هو ارتفاع درجة حرارة الجو بشكلٍ تدريجي مع أنَّ الضوء يكون قد وصل إلى سطح الأرض وأمكنَنا من رؤية ما حولنا.

يقول إخوان الصفا في ذلك: «فإننا نرى الشمس إذا طلعَت بالمشرق أضاء الهواء من المشرق إلى المغرب دفعةً واحدة، فإذا غابتْ بالمَغرب أظلَمَ الهواءُ دفعةً واحدة؛ فالحَرَارة إذا بدت تدبُّ أولًا فأولًا يُحمى الجو بزمان، وكذلك إذا طلعَت الشمس يُحمى الجو أولًا فأولًا بزمان، وكذلك إذا غابت الشمس برد الهواء أولا بأوَّل بزمان، وأنَّ الحركة حكمها كحكم الضوء وذلك لو أنَّ خشبة طولها من المشرق إلى المَغرب نُصِبَت ثم جُذِبَتْ إلى المشرق أو إلى المغرب عقدًا واحدًا لتحرَّكَت جميع أجزائها دفعةً واحدة.»٥٦
كما وجد إخوانُ الصَّفا أنَّ الأشعة الحرارية تتميز بقُدرتها على النفوذ في الأجسام وذلك للَطافتها، لكن تأثيرها يختلف حسب طبيعة الجسم الذي تمُرُّ فيه:
  • فإذا تحرَّكَت في الأجسام السائلة أحدثَت الغليان، أي نشأ عنها حملٌ حراري.

  • ويمكن للحرارة الناجمة عن الأشعة أن تسخِّن.

  • ونظرًا لجفاف الأشعة؛ فإنَّ لها قُدرةً على تنشيف الأجسام الرَّطْبة.

  • ويُمكن لها بسبب لطافتها (نفوذيتها) أن تنفُذ عَبْر الأجسام.

  • ويُمكن للضَّوء الذي تحمِلُه أن يُنير ما حولها.

  • وباجتماع خاصيتَي (الحركة والحرارة) أن تصهر الأجسام.

يقولون في ذلك: «ومن الصُّور المُتمِّمة لذات النَّار اللطافة التي تولَّدها الحرارة، وتتلوها سرعة النفوذ في الأجسام. ومن الصور المُتممة لذات النار أيضًا النور، ويتلوه الإشراق؛ فقد اجتمعت في جِرم النار عدة صورٍ كلها مُتمِّمة لها، وهي الحركة، والحرارة، واليبوسة، واللطافة، والنور. وهي بكل صورة تفعل فعلًا غير ما تفعل بالأخرى؛ وذلك أنَّها بالحركة تغلي الأجسام، وبالحرارة تسخن، وباليُبوسة تنشف، وباللطافة تنفُذ في الأجسام، وبالنُّور تُضيء ما حولها، وبالحرارة والحركة تُحيل الأجسام إلى ذاتها.»٥٧ فهم يُؤكدون على وجود خاصية اللطافة في الإشعاع؛ بمعنى قدرة الإشعاع على النفاذ في الأجسام مع تغيير حالتها الفيزيائية.
كما تناول إخوان الصَّفا في رسائلهم موضوعًا مُهمًّا يتعلق ﺑ «نظرية الفيض٥٨ الحراري thermal flux theory» ونحن نُطلق عليها هذا الاسم؛ لأنهم قاموا بتعميمها على الكثير من الموجودات بطريقةٍ استدلالية (من الخاصِّ إلى العام)؛ فهم يعتقدون بأنَّ كل جسم يفيض من ذاته فيضٌ من نوعٍ ما (غير محدد الهُوِيَّة): «ثم اعلم أنَّ كل موجودٍ تام يفيضُ منه على ما دونه فيضٌ ما، وأن ذلك الفيض هو من جوهره؛ أعني صورته المقوِّمة التي هي ذاته».٥٩
وحسبنا أنَّ نظرية الفيض الحراري هذه أكثر منطقيةً من نظرية «الموائع أو السيالات Calories» التي طرحها العُلماء الأوروبيون في القرن ١٨م لتفسير انتقال الحرارة، والتي قاموا بتعميمها أيضًا بعد ذلك على الحقلَين الكهربائي والمغناطيسي؛ فالحَرَارة وفق نظرية السيال عبارة عن شيء (طبعًا غير معروف بعدُ) ينساب كالماء من جسمٍ لآخر، هذا السيال يملأ الفراغ الموجود بين ذرات الأجسام السَّاخنة.٦٠ في حين يقول إخوان الصفا في مجال الفيض الحراري (وهي حالةٌ خاصة من الفيض) إنَّ «حرارة النَّار تفيضُ منها على ما حولها من الأجسام، من التسخين والحرارة، وهي جوهرية النار التي هي صورتها المقوِّمة لها … وهكذا يفيض من الشمس النور والضياء على الأفلاك والهواء؛ لأنَّ النور جوهري في الشمس، وهي صورتُه المقوِّمة لذاته.»٦١ ويقصدون بالفيض الحراري هنا كمية الطاقة (الحرارية أو الضوئية) التي تمرُّ عَبْر وحدة المساحة في وحدة الزمن.
ويتابعون شَرْحهم لنظرية الفيض بقولهم: «ثم اعلم ما دام الفيضُ من الفائض يكون مُتواترًا مُتَّصِلًا، دام ذلك المُفاضُ عليه، ومتى لم يتواتَر مُتَّصِلًا، عدم وبطَل وجوده؛ لأنه يضمحل الأول فالأول. والمثال في ذلك الضوء في الهواء، إذا تواتَر البرقُ واتصل، بقي الهواء مُضِيئًا مثل النَّهار، لأنَّ الشمس تُفيض الفيض منها على الهواء متواترًا متصلًا، فإذا حجز بينهما حاجز، عدم ذلك الضوء من الهواء؛ لأنه يضمحل ساعةً ساعة، ولا يتواتَر الفيض عليه.»٦٢ أي إن استمرار تدَفق الفيض (أيًّا كان نوعه) مرهونٌ باستمرار تدَفقه من المنبع، وبعدم وجود حواجزَ مَادِيَّة تُعِيق أو تمنَع نفوذه، وهذا يعني أنَّ الفيض لا يملك خاصيَّة اللطافة (النَّفاذية) التي يملِكها الإشعاع الحراري. كما يختلف الفيض الحراري الذي يتكلم عنه إخوان الصَّفا هنا عن مفهوم «القوة الرُّوحانية»٦٣ التي تنبعث من الأجرام، بكون الأخيرة عبارةً عن خاصيَّة مؤثِّرة عن بُعد (أي حقل) تملكها الأجرام السماوية الكبيرة.

ونرى أنَّ ما طرحه إخوان الصفا من آراء في هذه النَّظرية يُمَثل الحَدَّ الأقصى من التماسك الداخلي، والتكيُّف الأكثر انضباطًا مع الظاهرات الطبيعية؛ فقد أرادوا أن يُقدموا نظريةً تفسِّر ما يحدث بحيث يُمكن تعميمها على كل الظاهرات الأخرى المُماثلة لها. وقد كان صمودها وبقاؤها مرهونًا بعنصر التنبؤ الذي قصَّرَت عنه أو لم تنتبه له، ناهيك عن قلة تبنِّيها من أجيال العلماء العرب والمسلمين اللاحقين.

ابن سينا (القرن ٥ﻫ/١١م)

رفض ابن سينا طرح إبراهيم النَّظَّام الذي قال بمادية الأشعة الحرارية، ووجد أنَّه لو كان كلام النَّظَّام صحيح لحَدَث تصادُمٌ مَادِيٌّ بين مادية الشعاع ومادية الهواء، وهي مُجَادلة تذكِّرنا بالجدل الذي دار بين علماء أوروبا حول طبيعة الضوء هل هي جِسْيمية أم موجية؟

يقول ابن سينا مُبْرهنًا على صحة دعواه مُكتفيًا باعتبار الشعاع الشمسي مجَرَّد «شيء لا تُعرف ماهيته» يصدُر عن الشمس وينفُذ عبر جسمٍ شفَّاف، وتتناسب شدة الحرارة المرافقة للضوء طردًا مع شدة الإضاءة السَّاقطة على الجسم: «إنَّ الشعاع ليس جسمًا أو قوة تأتي مُنتقلة من الشمس إلى الأرض مَارَّةً في الوسط؛ بل هو شيءٌ يحدُث في المُقابل القابل للضوء دفعةً إذا توسَّط بينهما جسمٌ لا يمنع فعل ذلك في هذا بالموازاة؛ وذلك الجسم الشافُّ. لكن الجسم القابل للحر، إذا أضاء سَخِن، وكُلَّما اشتدت الإضاءة اشتَدَّ الحَرُّ.»٦٤ ويقولُ في موضع آخر: «يجبُ أن تعلم أن الشعاعات ليست بأجسام؛ لأنها لو كانت أجسامًا لكان جسمان في مكانٍ واحد أعني الهواء والشعاع، وإنما الضوء لونٌ ذاتي للمُشِف من حيث هو مُشِف.»٦٥
وحاول ابن سينا أن يُفَسِّرَ فلكيًّا سبب اشتداد الحرارة صيفًا، فهي تكونُ في أبعدِ مسافةٍ لها عن الأرض، وفي الشتاء تكون في أقرب مسافةٍ لكن أشعتها ليست عمودية على رءوسنا، والسبب في ذلك ميل محور الأرض: «وليست الحرارة إنما تشتد في الصيف بسبب أنَّ الشمس تصير أقرب مسافةً منا، بل هي أبعد حينئذٍ مسافةً؛ لأنها أوجية، وهي في الشتاء أقرب مسافةً وأبعد مسامتة».٦٦
مع أنَّ ابن سينا سبق وأن وصف الشعاع بأنَّه «شيء»، لكننا نراه يعود لفكرة الفيض التي سبق وطرحها إخوان الصفا؛ مُبينًا البنية الهندسية للإشعاع الشمسي: «والشعاعُ الذي يقع من الشمس يكون كأنه شيءٌ يفيض منه على صورة مخروط أو أسطوانة مثلًا، وتكون واسطته، وهو الذي توهَّمناه شيئًا مُتَّصِلًا بين الشمس وبين المُستضيء، كان خارجًا من مركز الأرض نافذًا في وسط تلك الصورة كالمحور أو كالسهم؛ هي أشد المواضع تسخينًا لأنه أشد المواضع إنارةً؛ لأنَّ الأطراف أضعف في التأثيرات من الواسطة المُكتنفة من كل جهةٍ بالسبب المُقَوِّي، فما يسقط عليه هذا السهم المُتَوَهَّم يكون أشدُّ إضاءةً؛ فلذلك يكون أشدَّ سخونة، وما يبعُد عن هذا السهم يكون أقلَّ إضاءةً فيكون أقلَّ سخونة؛ أعني السخونة التي تلزم من نفس المسامتة المضيئة فقط.»٦٧

ويُعبِّر الشكل الآتي عن كلام ابن سينا السابق:

figure
شكلٌ توضيحي يُبيِّن منطقة محور الفيض الإشعاعي الحراري الشمسي الأكثر تأثيرًا حسب ابن سينا.
ويذهب ابن سينا في «رسالة العشق»٦٨ في مُحاولةٍ منه لتفسير آلية انتشار الإشعاع الحراري وتأثيره عن بُعد في كل ما ينفعل عن «الحرارة النَّارية» (الذي هو هنا الطاقة الحرارية)، وهو سببٌ قريب لتغيره، وما يَحْصُل منه، عند تغيُّر كيفيته هو مثاله، وليس تلك الكيفية بعينها، قال ابن سينا: «إنَّ كل منفعل عن سببٍ قريب فإنما ينفعل بتوسُّط مثال، يقع فيه، وذلك بيِّنٌ بالاستقراء؛ فإنَّ الحرارة النارية إنما تفعل في جِرمٍ من الأجرام بأن تضع فيه مثالها، وهو السخونة.» ولدى فعل «السبب البعيد» فإنَّ ما نحصل عليه في نهاية العملية قد يختلف عَمَّا كان في بدايتها: «ولقائلٍ أن يقول إنَّ الشمس تُسَخِّن وتسود من غير أن تكون السخونة والسواد مثالها، لكننا نُجيبُ عن ذلك، بأن نقولَ إن لم نقل إن كل أثرٍ حصل في متأثِّر من مؤثِّر، عن ذلك الأثَر موجود في المؤثِّر، فإنه مثال من المؤثِّر في المتأثِّر، لكننا نقول إنَّ تأثير المؤثِّر القريب إلى المتأثِّر يكون بتوسط مثالٍ ما، يقع منه فيه. وكذلك الحالُ في الشمس فإنها تفعل في منفعلها القريب بوضع مثالها فيه، وهو الضوء، ويحدُث من حصول الضوء فيه السخونة، فيسخِّن المنفعل عنها منفعلًا آخر عنه، بأن يضع فيه مثاله أيضًا، وهو سخونتُه، فيسخُن بحصول السخونة، ويَسودُّ.»٦٩
الواقع لم نتمكَّن من تحديد أول من طرح مصطلح «الحرارة النارية» Fire heat قبل ابن سينا وابن الهيثم لاحقًا، وغيرهم من العلماء العرب والمسلمين؛ لأنَّ هذا المصطلح كان شائعًا بين علماء القرن العاشر والحادي عشر للميلاد، لكن العرب استخدموه للتعبير عن الطاقة الحرارية الصادرة عن الأجسام المضيئة من ذاتها، مثل الشمس والنار.

ابن الهيثم (القرن ٥ﻫ/١١م)

لم يقف الحسن بن الهيثم (تُوفِّي ٤٣٠ﻫ/١٠٣٨م) عند حدود الظاهرات الضوئية من انعكاس وانكسار وغيرها فقط، بل مضى لأبعدَ من ذلك؛ فقد كان يُريد أن يَفْهم حقيقة الضَّوء، ومن أي شيء هو، وحتى يَصِل لبُغيته مَيَّزَ ابن الهيثم بين الشعاع الضوئي بصفته خطًّا هندسيًّا والشعاع الضوئي من النَّاحية الفيزيائية، وقد تناول هذه التفرقة في رسالة خاصة عنوانها (رسالة في ماهية الضوء). وقد قال في ذلك: إنَّ «الكلام في مائية الضوء من العلوم الطبيعية٧٠ والكلام في كيفية إشراق الضوء محتاج إلى العلوم التعليمية٧١ من أجل الخطوط التي تمتد عليها الأضواء. وكذلك الكلام في مائية الشُّعاع، وهو من العلوم الطبيعية، والكلام في شكله وهيئته وهو من العلوم التعليمية. وكذلك الأجسام المشفَّة التي تنفُذ الأضواء فيها، والكلام في مائية شفيفها، وهو من العلوم الطبيعية. والكلام في كيفية امتداد الضوء فيها، وهو من العلوم التعليمية؛ فالكلام في الضوء وفي الشعاع وفي الشفيف يجبُ أن يكون مُرَكَّبًا من العلوم الطبيعية والعلوم التعليمية».٧٢ ثم يُبيِّن لنا ما هي طبيعة الضوء حسب وجهة نظره قائلًا: إنَّ «الأضواء هي حرارةٌ نارية وما كان منها قويًّا كان مُحرِقًا، وما كان منها ضعيفًا كان غير مُحرِق؛ فجميع الأضواء عند أصحاب التعاليم هي حرارةٌ نارية، وإنما تظهر في الجسم المضيء كما تظهر النار في الجسم الحامل للنار.»٧٣
وهو هنا كما نُلاحظ أنَّه يعود ويستخدم مصطلح «الحرارة النارية» الذي سبق واستخدمه ابن سينا، ليقصد به الطاقة الحرارية المُرَافقة للضوء المرئي، وَفْق مصطلحاتنا اليوم، أمَّا الحرارة غير النَّارية فهي الطاقة الحرارية التي لا ترافق الضوء المرئي، لكنها قد تكون موجودة، فإذا زادت شدة الحرارة النَّارية في الأشعة الحاملة لها كانت مُحرِقة، وإذا كانت ضعيفة لم تكن مُحرِقة. إذن يرى ابن الهيثم أنَّ طبيعة الضوء مادية لكن ليس حسب مفهوم إبراهيم النَّظَّام؛ لذا فإن الضوء يَرْتدُّ أو ينعكس إذا وقع على الأجسام الصقيلة «فالضوء إذا لقي جسمًا صقيلًا فهو ينعكس عنه من أجل أنه مُتحرك، ومن أجل أنَّ الجسم الصقيل يمانعه، ويكون رجوعه في غاية القوة، لأنَّ حركته في غاية القوة، ولأنَّ الجسم الصقيل يُمانعه ممانعةً فعَّالة.»٧٤

وينقسم الضوء عند ابن الهيثم إلى قسمَين؛ الأول سماه الضوء الذاتي، وهو الذي ينبعث من الأجسام المُضيئة بذاتها، مثل ضوء الشمس وضوء النار. والثاني سمَّاه الضوء العَرَضي، وهو الذي ينبعث من الأجسام غير المُضيئة بذاتها، إلا أنَّ خصائص هذَين النوعَين من الضوء مُتشابهة في إشراقها على شكل خطوطٍ مُستقيمة، ومُتشابهة من حيث القوَّة والضعف تبعًا لزيادة القرب أو البعد.

قال ابن الهيثم: «فأمَّا أصحاب التعاليم، فإنهم يرون الضَّوء الذي يُشرِق عن الجسم المضيء من ذاته الذي هو صورة في الجسم، هو حرارةٌ نارية تكون في الجسم المضيء من ذاته … ووجدوا ضوء الشمس أيضًا إذا أشرق على الهواء سَخَّن الهواء.»٧٥ وقول ابن الهيثم: «فجميع الأضواء عند أصحاب التعاليم هي حَرَارة نَارِيَّة.» فإنَّ هذا تعميمٌ يَدُلُّ على شيوع المصطلح، وليس عند ابن الهيثم فقط.
من ناحيةٍ أخرى، يُقدِّم لنا ابن الهيثم أنَّ سبب تسمية شعاع البصر بمصطلح «الشعاع» من قِبَل الرياضياتيين؛ وذلك لأنهم شبَّهوه بشعاع الشمس والنار، «وإنما سمَّى أصحاب التعاليم شعاع البصر شعاعًا تشبيهًا بشعاع الشمس وشعاع النار؛ وذلك أنَّ المُتقدمين من أصحاب التعاليم يرون الإبصار يكون بشعاعٍ يخرج من البصر، وينتهي إلى المُبصَر، وبذلك الشعاع يكونُ الإبصار وإن ذلك الشُّعاع هو قوَّة نُورية من جنس الضوء وإنها هي القوة الباصرة، وإنها تمتد من البصر على سموت خطوطٍ مستقيمة، مبدؤها مركز البصر، وإذا انتهت هذه القوة النُّورية إلى البصَر أدركت المبصَر، والقوة النورية الممتدة على الخطوط المستقيمة الخارجة من مركز البصر مع الخطوط المستقيمة هو الذي يُسمِّيه أصحاب التعاليم شعاع البصر.»٧٦
ويتابع ابن الهيثم قائلًا: إنَّ أصحاب التعاليم مُنقسمون إلى فريقَين؛ أحدهما يرى أنَّ الشعاع عبارة عن مخروطٍ مُصْمت مُتَّصِل ككتلةٍ واحدة، مثل المخروط الذي تكلَّم عنه ابن سينا سابقًا، أو أن الشعاع عبارةٌ عن خطوطٍ مُستقيمة «ثم مع ذلك فأصحاب التعاليم مُختلفون في هيئة هذا الشعاع وهيئة حدوثه؛ فبَعْضُهم يرى أنَّ مَخْروط الشعاع جسمٌ مُصْمَت متصل ملتئم، وبعضهم يرى أنَّ الشعاع خطوطٌ مستقيمة هي أجسام دقائق أطرافها مُجتمعة عند مركز البصر، وتمتد متفرقة حتى تنتهي إلى المبصَر، وأن ما وافق أطراف هذه الخطوط من سطح المبصر أدركه البصر، وما حصل بين أطراف خطوط الشُّعاع من أجزاء المُبْصَر لم يُدركه البصر؛ ولذلك تخفى عن البصر الأجزاء التي في غاية الصغر والمسام التي في غاية الدِّقة التي تكون في سطوح المُبْصَرات.»٧٧
وحتى يزيل ابن الهيثم عَنَّا الحَيْرة ويحسم الموقف، يُقَرِّر أنَّ الأشعة سواء كانت حرارية أو ضوئية، فإنها تنتشر بشكل خطوطٍ مُستقيمة، بغَض النظر عن المصدر الذي يأتي منه «والشعاع بالقول الكلي هو ضوءٌ مُمْتد على سموت خطوطٍ مستقيمة كان الضوء ضوء الشمس، أو ضوء القمر، أو ضوء الكواكب، أو ضوء النَّار، أو ضوء البصر، وهذا هو حدُّ الشعاع وليس لأصحاب العلم الطبيعي قولٌ مُحَرَّرٌ في الشعاع.»٧٨

البيروني (القرن ٥ﻫ/١١م)

ناقش أبو الرَّيحان البيروني (تُوفِّي ٤٤٠ﻫ/١٠٤٨م) العلاقة بين الحرارة وإشعاع الشمس المرئي، رافضًا القول إنَّ سبب وجودها يعودُ لوجود زوايا حَادَّة عند انعكاسه، وإنما السبب الرئيس هو تلازم الحرارة مع إشعاع الشمس، يقول في ذلك: «وقد قيل في سبب الحرارة الموجودة مع شعاع الشمس إنه احتداد زوايا انعكاسه، وليس ذلك كذلك، بل هو موجود معه.»٧٩ بناءً على ذلك فإن أي سطحٍ سينعكس عنه الضوء فإن الحرارة المُلازمة لأشعة الشمس ستنعكس أيضًا، ولا يُشترَط أن يكون ذلك السطح صقيلًا مثل المرآة المُقعَّرة حتى يظهر الأثَر الحراري.

ثم ينتقل ليُحدِّثنا عن الجسم الناري المماسِّ لباطن فلك القمر، والذي يتسبَّب بتسخين جو الأرض أيضًا، وكيف تتولَّد الحَرَارة بداخله، والتي يعتقد البيروني أن سَبَبها هو الاحتكاك بين الهواء وذلك الجسم، وليس كما يعتقد البعض أن الحرارة خاصيةٌ أصيلة فيه.

قال البيروني: «وأمَّا الجسم المُماسُّ لباطن الفلك، وهو النَّار، زعموا أنه أصليٌّ طبيعي كالأرض والماء والهواء، وأن شكله كُروي، وعندنا أنه احتدام الهواء باحتكاك الفلك إياه وتسحيحه٨٠ ومماسَّته له من سرعة الحركة، وأنَّ شكلَه شبه جسمٍ متولِّد من إدارة الشكل الهلالي على وتَره، وذلك مطرد على ما يذهب إليه من أنه ليس ولا واحد من الأجسام الموجودة كائنًا في موضعه الطبيعي، وأنَّ كون جميعها حيث وُجِدت إنما هو بالقسر، والقسر لا يُمكن أن يكون أزليًّا».٨١
أمَّا من حيث التزامن، فإنَّ الأشعة الحرارية المُتَرافقة مع أشعة الضوء وحرارة النار الفلكية يصلان للأرض معًا، ثم يقوم البيروني بتفنيد أقوال الآخرين، ويتفق مع مَن قال إنَّ حرارة الجو والحرارة النَّاجمة عن بطن الأرض قد يلتقيان ويُسهِمان في رفع حرارة الهواء المحيط بالأرض: «وكلا الحرَّين متكافئ الوصول إلى الأرض في الأزمنة الأربعة، وأمَّا حر الأرض فإما أن يكون ما ينعكس من شعاعات الشمس من سطحها، وإمَّا أن يكون بخاراتها التي يُثيرها الحر المُستكن في باطنها على مذهب قومٍ أو الطارئ عليها من خارج على مذهب آخرين؛ فإنَّ حركة البخار في الهواء تُكسِبه حرارةً فأما حرارة النار فإنها لا تقرب ولا تبعد لأنَّ الفلك لا يزيد سرعة ولا بطئًا وأما الشعاعات المنعكسة فإنها غير منسوبة إلى الأرض، وأما البُخارات فلها حدٌّ تنتهي إليه ولا تتجاوزه وما أظن القائل مُعتقدًا أن في الأرض حرًّا مُحتقنًا يخرج من باطن الأرض إلى ظاهرها وقد احتمى الهواء بشعاعات الشمس فيلتقيان، هذا وجه إن كان ولا بد.»٨٢
بعدها يبحثُ البيروني في طبيعة الإشعاع الشمسي، وما قيل في حقيقته، وكيف يتسبَّب بتسخين جو الأرض، ويضع ثلاثة احتمالات:
  • (١)

    فهو إمَّا جسيمات حرارية تخرج من جِرم الشمس.

  • (٢)

    أو يتشكَّل بسبب الاحتكاك بين كرة الهواء وكرة الشمس.

  • (٣)

    أو أن شعاع الشمس يحتك بسرعةٍ كبيرة بالهواء عندما يدخل جو الأرض فيجعلُه يسخن.

الاحتمال الأوَّل سيعود لنقاشه في القرن ١٨م الرياضياتي السويسري ليونارد أويلر L. Euler (١٧٠٧–١٧٨٣م) وقد رفضه بدعوى لو أنَّ هذا الاحتمال صحيح فإنه سيُسهِم في استنفاد مادة الشمس بسرعة، نتيجة الخسارة في كتلتها. واقترح بدلًا من ذلك أن تكون جسيمات الأثير هي التي تحمل هذه الحرارة وتصل لجو الأرض وتجعله يسخن، كما سنجد تفصيل ذلك لاحقًا.٨٣ لكن هنري كافندش سيختلف مع أويلر، ويُحاول أن يُثبِت أن الأشعة الحرارية جسيماتٌ مادية تخرج من الشمس.٨٤
لكن البيروني لم يوضِّح هنا رأيه بالموافقة أو الرَّفض لتلك الاحتمالات الثلاثة، قال البيروني: «فأمَّا شعاع الشمس، فقد قيل فيه أقاويلُ كثيرة؛ فمن قائل إنه أجزاءٌ نارية مشابهة لذات الشمس تخرج من جِرمها، ومن قائل إنَّ الهواء يحتدمُ بمحاذاة الشمس كاحتدامه بمحاذاة النَّار إياه، وذلك عند من قال إنَّ الشمس حارةٌ نارية، ومن قائل إن الهواء يحتدم بسرعةِ سلوكِ الشعاع فيه حتى كأنه بلا زمان، وذلك عند من قال بخروج طبيعة الشمس عن طبائع الأُسطُقسات الأربعة.»٨٥
وقد توضَّح رأي في طبيعة الإشعاع الشمسي، وطريقة انتقاله أكثر بعد أن ناقشها مع ابن سينا في المراسلات التي جرت بينهما؛ ففي المسألة التاسعة طرح البيروني على ابن سينا السؤال الآتي: «إن كانت الحرارات سالكة عن المركز، فلِمَ صَارَ الحَرُّ يصل إلينا من الشمس؟ والشعاعات أهي أجسام أم أعراض أم غير ذلك؟»٨٦
وكان جواب ابن سينا مؤيدًا للقائلين بأنَّ الحرارة تحدُث بعد انعكاس الشعاع وتجمُّع أشعته ولا تكون مُترافقة مع الإشعاع بحد ذاته، رافضًا إمكانية انتقال الحرارة مع الإشعاع، قال ابن سينا: «يجبُ أن تعلم أنَّ الحرارات ليست بسالكة من المركز، لأنَّ الحرارة غير مُتحركة، اللهم إلا بالعَرَض لكونها في جسمٍ مُتحرك ككون إنسانٍ مُتحرك في سفينةٍ مُتحركة. ويجب أن تعلم أن حر الشمس ليس يصل إلينا بهبوطه من الشمس من فوق من وجوه: أحدها أنَّ الحرارة لا تتحرك بذاتها. والثاني: أنه ليس جسم حارٌّ يهبط من فوق فيسخَّن ما سفل؛ فلذلك أيضًا الحرارة لا تنهبط من الشمس بالعَرَض. والثالث أنَّ الشمس أيضًا ليست بحارَّة، فالحرارة الحاصلة ها هنا ليست هابطةً من فوق لتلك الوجوه الثلاثة التي ذكرناها، ولكنها حادثة ها هنا من جهة انعكاس الضوء، وسخونة الهواء لذلك كما يُشاهَد ذلك في المرايا المُحرِقة، ويجبُ أن تعلم أن الشعاعات ليست بأجسام؛ لأنها لو كانت أجسامًا لكان جسمان في مكانٍ واحد، أعني الهواء والشعاع، وإنما الضوء لونٌ ذاتيٌّ للمُشِف من حيث هو مُشِف، وقد حدَّه أرسطوطاليس في المقالة الثانية من «كتاب النفس»، ومن «كتاب الحس»، في المقالة الأولى بأنه كمال المشِف من حيث هو مُشِف.»٨٧

وعندما عاد البيروني وناقش كيف للحرارة أن تأتي عن الشعاع بعد انعكاس الضوء، إذا كانت الحرارة لا تنتقل مع الضوء أصلًا؟ فكان من ابن سينا أن كَلَّف تلميذه النَّجيب محمد بن عبد الله بن أحمد المعصومي (تُوفِّي نحو ٤٦٠ﻫ/نحو ١٠٦٨م) للرَّد على البيروني، فكان من المعصومي أن شرح للبيروني كيفية انتشار الضوء في الأجسام الشفَّافة، ووصوله إلى الأجسام غير الشفَّافة التي ينعكس عنها فتظهر الحرارة بعد الانعكاس، وأكثر مَن يُظهِر الأثَر الحراري في الضوء هي المرايا المقعَّرة التي تعكس ضوء الشمس وتجمعه في بؤرةٍ واحدة هي المُحرِق.

قال المعصومي: «أمَّا سؤالك عن كيفية انعكاس الضوء، فيجبُ أن تعلم أن الضوء ينفُذ في الجِرم المُشِف فيؤدِّيه إلى الجرم الصُّلب الكثيف، فيظهر فيه حينئذٍ، فإذا كان بين الجِرمَين الصُّلبَين جِرمٌ مُشِف كالهواء، وظهر الضوء المصادر للجِرم الكثيف في الآخر بواسطة الجِرم المشف بينهما، يُسمَّى ذلك انعكاسًا، وكُلَّمَا كان الجسم أصلب وأقبل للون كان الانعكاس منه أقوى، فإذا انعكس الضوء أحدث انعكاسُه حرارة، حتى إذا قوي الانعكاس والتفَّ وتزاحم من أقطارٍ كثيرة أُخر، وكما ترى في المرايا المُحْرِقة، فالذي يقرب من جهة الأرض إلى الشمس يكون ضوءُه أقوى لقربها، ولأنه ينعكس على زوايا قائمة؛ أي إنه ينعكس منها على السمت الذي يصل منه إليها، فيكون مثل العمود، وتكون حرارتها أشد،‏ وأمَّا ما بعُد عن الشمس من الأرض، فإنه ينعكس منها الضوء على زوايا مُنفرجة، فلا يلتقي الضوء حينئذٍ على سمتٍ واحد؛ فلذلك يكون حَرُّها أضعف، ثم إن ذلك الضوء المُنعكس من الأرض يضعُف كُلما بَعُد من الأرض إلى أن يفنى في وسط الجو، فهناك يكون الهواء على طبعه بالفعل. وأمَّا إنكارك لقوله: «بأن الضوء لون المُشِف من حيث هو مُشِف»، فإنما كان ذلك على وجه المجاز، لأنَّ الهواء وإن لم يكن له لون لكنه يظهر فيه الضوء، فجائزٌ أن يُسمَّى لونًا له، وإن شئتَ قلتَ كمال المشف من حيث هو مشف، وهذا هو حدُّ الضوء على الحقيقة، لأنَّ المشف لا يكون مُشِفًّا إلا بالضوء، ومعنى قولنا: «كمال الشيء من حيث هو كذا»، هو أنَّ الشيء رُبَّما تكون له صفاتٌ كثيرة بمعانٍ مختلفة، فيحصُل له أحدها فيكون ذلك المعنى كمالًا له من حيث هو حساس لا من حيث هو ناطق، والبصر كمالٌ له من حيث هو مبصر لا من حيث هو سامع، وتصوُّر هذا اللفظ نافع لا يُستعمل في هذه العلوم كثيرًا، كما لا يكونُ الهواء مُشِفًّا بالفعل ما لم يكن ضوء، اللهم إلا بالقوة كان الضوء له كمالًا من حيث هو مشِف، لأنه خرج به من القوة إلى الفعل في كونه مُشِفًّا.»٨٨
وهكذا دافع ابن سينا وتلميذه عن الفكر الأرسطي، فهما لا يُريدان لهذا الفكر أن يتغير من قِبَل أيِّ شخصٍ كان، ويُتابع المعصومي ردودَه على البيروني الذي رفض فكرة تجسيم الشعاع، بأنَّ ابن سينا يتفق معه في ذلك، «وأمَّا اعتراضك على إنكار كون الشعاع أجْسَامًا، بأنَّ قائل هذا القول يُثبِت الخلاء فغير قادح فيما أجابك به الحكيم؛ لأنك ما دخلتَ معه مدخل المناظر، وإنما سألتَه عن كيفية الشعاع فبيَّنه لك، ولو سألتَه عن مسألة نفي الخلاء لبيَّنه أيضًا، وعلى أن فيما تكلَّم به الفيلسوف [أرسطو] في كتاب «السماع الطبيعي»، في المقالة الرابعة في إبطال الخلاء كفاية لمن تصوَّره وتحقَّقه.»٨٩‏ لكن البيروني لا يُسَلِّم بنفي الخلاء، ويُحاول أن يرُدَّ المعصومي عليه اعتمادًا على القاعدة الأرسطية (إنَّ الطبيعة تكره الخلاء): «وأمَّا اعتراضك بعد التسليم لنفي الخلاء أنَّ الشعاع أبدًا موجودٌ من أكثر جوانب الأرض فما تقول في ضوء القمر وقت الكسوف، إن كان الضوء جِرمًا فإيش يخلفه مكانه؟ إذ ليس الخلاء بموجود. وعلى أنَّا نرى اطراح شعاع الشمس مُقارنًا للطلوع معًا في آنٍ واحد، والجسم لا يتحرك ولا يقطع مسافةً إلا في زمان.»٩٠
ويرى الباحث عبد الكريم اليافي أنَّ هذه المساءلة التي دارت بين البيروني وابن سينا وتلميذه المعصومي، لم تُطرح على طاولة البحث في العلوم الفيزيائية عند الأوروبيين إلا قريبًا من بداية القرن العشرين، وخصوصًا طبيعة الضوء ومصدر الطاقة. وقد لاحظنا كيف يستغرب البيروني من رفض ابن سينا أن يكون الشعاع جسمًا، وقوله بأنه مُجرد صفةٍ للأجسام المُضاءة، ورفضه كذلك لحركة الحرارة، واعتباره أنها نتيجة انعكاس الضوء والشعاعات ومنقولة من طرف الأجسام المتحركة. وقد قرَّر البيروني أنَّ الحرارة موجودة في الشعاع نفسه وليست مجرد انعكاس للشعاع على الأجسام، وهذا الأمر قريبٌ من تعريف العلم المعاصر للحرارة على أنها شكلٌ من أشكال الطاقة.٩١

ابن طفيل (القرن ٦ﻫ/١٢م)

تناول ابن طفيل (تُوفِّي ٥٨١ﻫ/١١٨٥م) في قصَّته الرَّمزية (حي بن يقظان) عملية انتقال الحرارة بوساطة الإشعاع الشمسي، فقال: «… قد تبرهن في العُلوم الطبيعية أنَّه لا سبب لتكوُّن الحرارة إلا الحركة أو مُلاقاة الأجسام أو الإضاءة … وأنَّ الشمس لا تسخِّن الأرض كما تسخِّن الأجسام الحَارَّة أجسامًا أُخر تماسُّها … ولا الشمس أيضًا تسخِّن الهواء أولًا، ثم تُسَخِّن بعد ذلك الأرض بتوسُّط سخونة الهواء. وكيف يكون ذلك ونحن نجدُ أنَّ ما قرُب من الهواء من الأرض في وقت الحر أسخنُ كثيرًا من الهواء الذي يبعد عَنَّا علوًّا؟ فبقي أنَّ تسخين الشمس للأرض إنما هو على سبيل الإضاءة لا غير؛ فإنَّ الحرارة تتبع الضوء أبدًا، حتى إن الضوء إذا أفرط في المرآة المقعَّرة أشعل ما حاذاها.»٩٢
أي إنَّ ابن طُفيل يَعْتقدُ أنَّ الحرارة تتولَّد من وراء ثلاثة أسباب؛ الحركة، أو مُلاقاة الأجسام الحَارَّة، أو الإضاءة. وفكرة ملاقاة الأجسام سبق وأن طرحها إخوان الصفا، أمَّا الأجسام التي تقبل الحرارة فهي الأجسام الكثيفة غير الشفافة. واعتمادًا على ذلك فَسَّرَ سبب برودة طبقات الجو العُليا أكثر من السفلى، حيث إن الحرارة لا تسخِّن الهواء مباشرة، وإنما تسخِّن الأرض أولًا ثم تشعُّ الحرارة من الأرض للهواء. وأشار ابن طفيل إلى أن الشُّعَاع الشمسي المسامت لرءوس النَّاس؛ أي العمودي عليهم، كانت الحرارة المُصاحبة له أشد، نظرًا لأنَّ كمية الإشعاع التي تصل الأرض في هذه الحالة أشد.٩٣
وبذلك يردُّ ابن طفيل على أرسطو وأتباعه الذي لم يقبلوا بفكرة التلازم بين الضوء والإشعاع الحراري المرافق له ولا يتفق معهم في الرأي. كما رَفض ما يعتقد به البعض من أنَّ خط الاستواء شديد الحرارة، مُقدمًا الدليل على ذلك بأنَّ السبب الرئيس لظهور الحرارة هو إمَّا الحَرَكة أو مُلاقاة الأجسام الحارَّة والإضاءة. وتبين أيضًا أنَّ الشمس غير حارَّة بذاتها ولا مُتكيفة بشيءٍ من الكيفيات المزاجِيَّة، كما تبَيَّن أنَّ الأجسام التي تقبل الإضاءة أتم القبول، هي الأجسام الصقيلة غير الشفافة، ويَليها في قبول ذلك الأجسام الكثيفة غير الثقيلة، فأمَّا الأجسام الشفَّافة غير الكثيفة فلا تقبل الضوء بوجه. وبحسب ابن طُفيل أنَّ الرأي السابق هو لابن سينا، ولم يسبقه إليه أحد، ثم يشترط بناءً عليه، وإذا كان هذا البُرهان صحيحًا، فاللازِمُ أنَّ الشمس لا تسخِّن الأرض كما تسخِّن الأجسام الحارَّة أجسامًا أخرى تمسُّها؛ لأنَّ الشمس غير حارة بذاتها ولا الأرض أيضًا تسخَّن بالحركة لأنها ساكنة وعلى حالةٍ واحدة في شروق الشمس عليها، وفي وقت مغيبها عنها، وأحوالها في التسخين والتبريد، ظاهرة الاختلاف للحِسِّ في هذَين الوقتَين.٩٤ طبعًا قوله «الشمس غير حارة بذاتها» لم يكن صحيحًا، لكنه أراد أن يقول بإمكانية ولادة الإنسان في البُقْعة التي تُعد تحت خط الاستواء.٩٥
ويُتابِعُ ابنُ طفيل قائلًا: «ولا الشمس أيضًا تُسخِّن الهواء أولًا ثم تسخِّن بعد ذلك الأرض بتوسُّط سخونة الهواء، وكيف يكون ذلك ونحن نجدُ ما قرب من الهواء من الأرض في وقت الحرِّ أسخنَ كثيرًا من الهواء الذي يبعُد عنه علوًّا؟ فبقي أنَّ تسخين الشمس للأرض إنما هو على سبيل الإضاءة لا غير؛ فإن الحرارة تتبع الضوء أبدًا حتى إنَّ الضوء إذا أفرط في المرآة المُقَعَّرة أشعل ما حاذاها، وقد ثبت في علوم التعاليم بالبَرَاهين القَطْعِيَّة أنَّ الشمس كُرويَّة الشكل، وأن الأرض كذلك، وأن الشمس أعظمُ من الأرض كثيرًا، وأنَّ الذي يستضيء من الأرض بالشمس أبدًا هو أعظم من نصفها، وأنَّ هذا النصف المُضيء من الأرض في كل وقتٍ أشد ما يكون الضوء في وسطه لأنه أبعدُ المواضع من الظلمة عند مُحيط الدَّائرة، ولأنه يقابل من الشمس أجزاءً كثيرة، وما قرُب من المُحيط كان أقل ضوءًا حتى ينتهي إلى الظلمة عند محيط الدائرة الذي ما أضاء موضعُه من الأرض قط. وإنما يكون الموضع وسط دائرة الضياء إذا كانت الشمس على سمت رءوس الساكنين فيه، وحينئذٍ تكون الحَرَارة في ذلك الموضع أشدَّ ما يكون، فإن كان المَوْضِع مما تبعُد الشمس فيه عن مسامتة رءوس أهله كان شديد البرودة جدًّا، وإن كان مما تدوم فيه المسامتة كان شديد الحرارة. وقد ثبت في علم الهيئة أنَّ بقاع الأرض التي على خط الاستواء لا تُسامت رءوس أهلها سوى مَرَّتين في العام عند حلولها برأس الحمل، وعند حلولها برأس الميزان، وهي في سائر العام ستة أشهر جنوبًا منهم، وستة أشهر شمالًا منهم، فليس عندهم حَرٌّ مُفرط ولا بَرْدٌ مُفرط وأحوالها بسبب ذلك متشابهة.»٩٦
وهكذا فإنَّ الإشعاع الحراري الشمسي يتم امتصاصه من قبل الأرض أولًا، ثم تعود وتشعُّه للهواء، وبذلك يسخن الهواء. ولاحظ ابن طفيل بأنَّ الإشعاع عندما يكون بزاوية قائمة (مُسامتًا لرءوس الناس) فإنَّ الحرارة التي تَصْحَبه تكون أشد.٩٧

ابن رُشد (القرن ٦ﻫ/١٢م)

بدأ ابن رشد مناقشة مسألة انتشار الحرارة عن طريق الإشعاع بسؤال: «هل الضوء مسخِّن أو ليس بمسخِّن؟» ثم يُجيب بعد تَمْحِيصٍ للمَسْألة مع ما عَالَجَهُ السَّابقون عليه، طبعًا بالدرجة الأولى أرسطو، ثم يُمَهِّد بطرح مجموعةٍ من الفرضيات التي يقول فيها: «ففيه أيضًا موضع فحص وعويص شديد؛ وذلك أنه إذا اعتبرنا ما يظهر من ذلك في المرايا المُحْرِقة والزُّجاجة المَمْلوءة بالماء التي تُحرِق القُطن، ظُن من ذلك أنَّ الشعاع يَحْرق بذاته، وبخَاصَّة إذا كان الانكسار على زوايا قائمة؛ أعني إذا انكسر الشُّعاع على نفسه أو انكسَرَت أشعةٌ من مواضعَ كثيرة إلى موضعٍ واحد. وإذا رجعنا إلى المعارف الأول في ذلك وهو أنَّ الشيء إنما يخرج من القوة إلى الفعل بمُخرِج من نوعه بالفعل، لَزِمَ ألا تكون الحَرَارة تتولد إلا عن جسمٍ حارٍّ، والنارُ عن جسمٍ ناري، فنقول: إنه قد تبين أنَّ الضوء ليس بجسم، فإن كانت فيه قوة التسخين بالذات فإنَّ المُسخِّن يكون الجسم المُضيء بما هو مضيء، لا الضوء على حياله، وإذا كان المسخِّن هو الجسم المضيء، وكان يظهر أنَّه كلما كان الجسم أشد إضاءةً كان أشد تسخينًا، فقد يُظن أن الضوء فيه هو سبب التسخين، فتكون الحرارة لا تتولد عن حرارة مثلها بالنَّوع ولا النَّار عن نار. وإذا كان ذلك كذلك، فقد يجبُ عليها أحد أمرَين؛ إما ألا نعترف بكلية هذه المقدمة، وإما أن يكون هذا الفعل للضوء بالعَرَض، والاعتراف بكُلية هذه المقدِّمة هو واجب في الأمور الطبيعية والصناعية، وقد فُصِّل الكلام فيها في غير هذا الموضع، وحُلَّت الشكوك الواردة فيها.»٩٨

ومن المُقَدِّمة السَّابقة — التي تحمل بصماتِ نظرية أرسطو — يؤكِّد ابن رشد أنَّ الضوء شيء والحَرَارة شيءٌ آخر، ولا يشترط وجود تناسبٍ طردي بين زيادة شدة الإضاءة والحرارة، وإذا قبل القارئ بهذه المقدمة، فإنَّ ابن رشدٍ يطلُب منه أن يفهم حقيقةَ ما يحدُث، وهو أنَّ التلازم بين الضوء والحرارة مُجرد ظنٍّ ظاهري، والسَّبب الحقيقي هو حركةُ أجزاءِ الهواء فهي المسئولة عن التسخين، ولكن الناس تعتقد أنَّ الضوء يحملُ الحرارة؛ لأنه عندما ينعكس شعاعُ الضوء تنعكس معه الحرارة، وإذا انكسر الضوء انكسَرَت الحرارة، وهي في الحقيقة مجرد حالةٍ عَرَضية وليست دائمة.

يتابع ابن رشد: «وإذا أنزلنا الأمر هكذا فلننظُر على أي وجه يُمكن أن يكون هذا للمضيء بالعَرَض، فنقول: إنَّ الجسم المضيء لو كان ساخنًا لم يسخن، إذ ليس هو بخارًا، وإنما يعرض له أن يسخن من قِبَل الحركة، كما يقول أرسطو، والحرارة الشَّائعة من قِبَل الحركة في المُتسخن والسَّارية فيه تعرض للشُّعاع فيُظن لمُلازمتها الشعاع دائمًا أنَّ الشعاع هو السبب في التسخين، وليس الأمر كذلك، بل ذلك بالعَرَض؛ أعني أنَّه حيث تكثُر الإضاءة تكثُر الحَرَارة، فيُظن أنَّ الإضاءة هي سبب الحرارة، وهذا النَّوع من الانكسار العَارِض للحرارة النَّارية في الهواء إنما عرض لها من قِبَل الحركة الحادثة في أجزاء الهواء عند تحريك الكواكب له، فتصير هذه الحرارة مُلازمةً للشعاع للمُناسبة التي بينهما، فإذا استقام الشعاع استقامت هذه الحرارة، وإن انعكس الشعاع انعكسَت، فإن تحرَّكَت مُنعكسةً تضاعفَت السخونة، وإن تحرَّكَت من مواضعَ كثيرة إلى موضعٍ واحد، كالحال في المرآة المُحرِقة، كان الأمر كذلك.»٩٩

أيدمر الجلدكي (القرن ٨ﻫ/١٤م)

أشار الجلدكي إلى أنَّ النار تتحوَّل إلى نور عندما تفقد حَرَّها ولهيبها،١٠٠ وذلك لأنَّ «أصل تكوين الحرارة من فيضانِ الأنوار الهائلات وإشراقِها وإبراقِها على سائر المحسوسات.»١٠١ أي إنه ميَّز بين حرارة النار ونورها، فالنار تُصْبِح نورًا عندما تفقد حرارتها، وبذلك نتقبَّلها ونتمكَّن من الرؤية بوساطتها، وهو يُعيد هنا إلى الأذهان ما قد طرحه إخوان الصَّفا، قبل ٤٠٠ سنة، في نظرية الفيض الحراري، لكن بصيغةٍ أخرى تُفيد بأنَّ الضوء المَقبول حسيًّا لا يحوي بداخله على حرارة تضُر.

المبحث الثاني: الأوروبيون والأمريكيون

يرى مؤرخ العلوم العربية الألماني إيلهارد فيدمان E. Wiedemann أنَّه لدى تقييم جهود القدماء في المجالات الفيزيائية الخاصَّة بالعلوم الطبيعية يجب مُراعاة نقطة هي مجموعة المصطلحات الفيزيائية التي لم تكن مُحَدَّدة بعدُ، وهو ما يعني بأنَّ أي اختبارٍ كمي كان مُسْتبعدًا، كما هو الحال مثلًا في مصطلح الحرارة، حيث إن المرء كان يُفَرِّق مبدئيًّا بين البارد والحارِّ. قد يكون هنا من الصعوبة بمكان التعبير بدقة، مثل قولنا البرودة تنتج والبرودة تتوزع … إلخ. لقد استغرق الأمر زمنًا طويلًا حتى أمكننا فهم أنَّ الشعاع نفسه يمكن أن ينتج آثارًا حرارية أو ضوئية أو فيزيائية، وحتى السنوات الثمانين الأخيرة — من القرن التاسع عشر — لم يستطع علماءُ بارزون التأكُّد بأنفسهم من هذا الرَّأي.١٠٢
لقد دُرسَت فكرة الحَرَارة المُشِعَّة بشكل مُنَظَّم بدءًا من تجارب مارك أوغسط بيكتي وقاعدة بريفو عن تبادلات الحرارة المُشِعَّة حوالي عام ١٧٩٠م. وكان يُفهم كثيرًا في القرن التاسع عشر أنَّ انتقال الحرارة المُشِعَّة، على نحوٍ شائع أنها سيَّال حراري تنطلق هنا وهناك بسرعةٍ كبيرة، مع نقاش الكونت رمفورد أنها تتكوَّن من اهتزازات في الأثير.١٠٣ كما أُجريَت تَجَاربُ عديدة من قِبَل روبرت بويل R. Boyle (١٦٢٧–١٦٩١م) وبنيامين فَرَانكلين حول اختلاف قدرة أنواع المواد ذات الألوان المُختلفة على امتصاص الحرارة، وكذلك أجرى آدمي ماريوط E. Marriott (١٦٢٠–١٦٦٨م) تجاربَ عن قُدرة الزُّجاج على الامتصاص، وعلى احتمال تركيز أشعة الشمس بوساطة عدسةٍ مُحَدَّبة الوجهَين مصنوعة من الجليد من أجل تفجير البارود. كما ظهرت تجاربُ قام بها الكيميائي السُّويدي كارل فلهلم شيله C. W. Scheele (١٧٤٢–١٧٨٦م) بشكلٍ خاص عن انعكاس الأشعة الحرارية عن المرايا المعدنية. وهي تجاربُ مُتعلِّقة بانتقال الحرارة إشعاعيًّا، وكيفية انبعاثها وامتصاصها، وهو الموضوع الذي لم يَلقَ اهتمامًا كبيرًا بالنسبة للأوروبيين إلا في القرن التاسع عشر.١٠٤

آدمي ماريوط (القرن ١٧م)

تمثل محاولة آدمي ماريوط في فحص الإشعاع الحراري الخُطوة الأولى في حَلِّ تدفُّق الحرارة، في عام ١٦٨٢م ذكر في اجتماع في الأكاديمية الفرنسية للعلوم، بأنَّ حرارة النَّار التي تعكسها مرآةٌ حارقة يُمكن الإحساس بها في بؤرتها، لكن عندما يتوسط لوح زجاجي بين المرآة وبؤرتها لم يعُد بالإمكان الإحساس بالحرارة. لقد كانت ظاهرة الإشعاع الحراري مَعْرُوفة منذ مدةٍ طويلة إنما كانت هذه المُحاولة الأوروبية الأولى من أجل التحري التجريبي.١٠٥ وقد وجدنا سابقًا أنَّ إخوان الصفا قد سبقوا ماريوط عندما طرحوا نظريَّة الفيض، وكيف أنَّ مفعول الفيض يتوقَّف لدى وضع حاجزٍ يمنعه.

إسحاق نيوتن (القرن ١٨م)

في مُلحق كتابه (البصريات) وضع نيوتن عددًا من المسائل التي لم يُحسَم أمرُها بعدُ، ربما كأفكارٍ مستقبلية للبحث، ورُبَّما لم يستطع الإجابة عنها؛ لأنه لم يستطع أن يحسم الطبيعة الفيزيائية للضوء نفسه؛ فهو مُتردِّد بين الطبيعة الجُسيمية والموجية، ثم حاول أن يدمج بينهما بأن الضوء ينطلق كجُسيمات وينتهي كاهتزازات، ففي المسألة ١٨ سأل نيوتن فيما إذا كانت الحرارة الإشعاعية تنتقل في وسطٍ أرقَّ من الهواء؟ وهل هذا الوسط هو الذي ينعكس به الضوء وينكسر نفسه؟ ومن خلال اهتزازاته ينقل الضوء الحرارة إلى الأجسام؟١٠٦
وقد اقترح نيوتن إجراء التجربة الآتية في محاولةٍ منه مقارنة النتيجة بين الحرارة الإشعاعية التي تعبُر الخواء، وتلك التي تعبُر الهواء: «إذا عُلِّق في وعاءَين أسطوانيَّين طويلَين وواسعَين ومقلوبَين من الزُّجاج، ميزانا حرارة صغيران بحيث لا يمسان الوعاءَين، وسُحِب الهواء من أحد هذه الأوعية، ثم نُقلَت هذه الأوعية المُعَدَّة من مكانٍ إلى آخرَ دافئ، فإنَّ ميزان الحرارة في الخواء سوف يُصبح تدريجيًّا دافئًا بالقَدْر نفسه وتقريبًا بالسرعة نفسها مثل ميزان الحرارة الذي ليس في الخواء، وعندما تُعاد الأوعية إلى المكان البارد، فإنَّ ميزان الحرارة في الخواء سيُصبِح تدريجيًّا باردًا تقريبًا بسُرعة مثل ميزان الحرارة الآخر. أليست حرارة الحيِّز الدافئ المنقولة عَبْر الخواء بواسطة اهتزازات الوسط أكثر دقة من الهواء، والذي يبقى في الخواء بعد أن يُسحب الهواء إلى الخارج؟ وأليس هذا الوسط هو ذاك الوسط نفسه الذي بواسطته ينعكس وينكسر الضوء، وباهتزازاته ينقل الضوء الحرارة إلى الأجسام، ويُوضَع في أدوار الانعكاس العَفْوي والانتقال العَفْوي؟ وأليست اهتزازات هذا الوسط في الأجسام الدافئة تُسهِم في قوة ودوام حرارتها؟ وأليست الأجسام الساخنة تنقل حرارتها إلى الأخرى الباردة القريبة، باهتزازات هذا الوسط المُنتشرة منها إلى الأخرى الباردة؟ وأليس هذا الوسط دقيقًا ومخلخلًا أكثر جدًّا من الهواء، ونشطًا ومرنًا أكثر جدًّا؟ وأليس يتخلَّل بيُسرٍ كل الأجسام؟ وأليس (بقوَّته المرنة) ينتشر ضمن حدود كل السماء؟»١٠٧
ثم حاول نيوتن أن يُقدم تفسيره لتسخين الجسم لدى مرور الضوء خلاله فقال: «إنَّ هؤلاء الذين ينفرون من الموافقة على أي اكتشافاتٍ جديدة، إلا تلك التي يُمكن شرحها بفرضية، يمكن حاليًّا أن يفترضوا أنه مثل سقوط الحجارة على الماء والتي تصنع على سطح الماء حركةً متموِّجة، وكل الأجسام بالقرع تُثير اهتزازاتٍ في الهواء، كذلك أشعة الضوء عندما ترتطم على أي سطحٍ عاكس أو كاسر، فهي تثير اهتزازات في المادة أو الوسط العاكس أو الكاسر، وبإثارتها تهيج الأجزاء الصلبة من الجسم العاكس أو الكاسر، وبتهييجها تسبِّب للجسم أن يُصبح تدريجيًّا دافئًا أو ساخنًا.»١٠٨

ليونارد أويلر (القرن ١٨م)

شرح ليونارد أويلر في رِسَالة عِلمِيَّة أرسلَها إلى إحدى الأميرات الألمانيات كيف نجح في إقصاء كل المحاولات السَّابقة الرَّامية إلى تفسير كيفية انتقال أشعة الشَّمس إلى الأرض، فقال: «إذن أشعة الضوء ليست انبعاثًا من الشمس والأجسام المُضيئة الأخرى، ولا تتألَّف من مادة دقيقة تُصْدرها الشَّمس على نحو فَعَّال، وتنقل إلينا بسُرعة يُمكن أن تملأك بالدَّهشة. إذا استغرقَت الأشعة فقط ثماني دقائق في طريقها من الشمس إلينا، فإنَّ الوابل سيكون شديدًا، وكتلة ذاك الجسم النير، مهما كانت ضخمة، يجبُ أن تستنفد بسُرعة. وفقًا لطريقتي فإنَّ أشعة الشمس التي لا نملك إدراكًا حسيًّا لها لا تنشأ مُباشرة من الجِسْم النَّير، إنَّها مجرَّد جُسيمات من الأثير تعوم حولنا، إليها تنقلُ الشمس الأقرب فالأقرَب حركة اهتزاز، وهكذا فإنَّها لا تُغير كثيرًا مَكَانها في هذه الحركة، هذا الانتشار للضوء ينجز بطريقةٍ مماثلة لانتشار الصوت … لكن فيما يتعلق بالضوء، فإنها تنقل عَبْر الأثير أو ذاك الوسط الدقيق أكثر والمرن أكثر على نحوٍ لا يُضاهى من الهواء، الذي ينتشر بغير استثناء حيث يترك الهواء والأجسام العيانية فرجاتٍ أكثر. إذن مرارًا بقَدْر ما يُوضَع هذا الأثير في حالة اهتزاز وتُنقل إلى العين، فإنَّها تُنَبِّه فيها حس الرُّؤية، الذي هو في تلك الحالة لا شيء إلا حركةٌ مُرْتعشة مُشَابهة، التي بها فإنَّ الألياف العَصَبية الصغيرة في قَعْر العين تُثار.١٠٩

هنري كافندش (القرن ١٩م)

في أيام هنري كافندش كان معروفًا جيدًا بأنَّ طبق الزُّجاج يسخن أكثر من طبقٍ معدني مصقول عندما يتم تعريضُه للنار، ومن المُحتمل أيضًا عندما يُعرَّض إلى الشمس. لكن بما أنَّ المعدن يمتصُّ ضوءًا أكثر من الزُّجاج، فإنه وفق نظرية كافندش ينبغي أن يكون معظمه مُسَخَّنًا بالضوء، أكثر من الزجاج. لحل مثل هذا الصراع الظاهري مع نظرية كافندش التي أشارت إلى التجارب الأخيرة عن «أشعة الحرارة» المُكتشفة حديثًا لكارل وليم شيله، وهوراس بيندكيت دي ساوسر H. B. De Saussure (١٧٤٠–١٧٩٩م) الذي صَنَع أوَّل فرنٍ شمسي حراري.١١٠ لقد اعتقد كافندش بأنَّ أشعة الحرارة، مثل أشعة الضوء التي تمتزج معها بنسبٍ مختلفة، أنها جُسيماتٌ مادِيَّة تبعثها الأجْسَام الحَارَّة، ومع أن سُرْعَتَها ليستْ مَعْروفة، فإنه يجبُ أن تتصل مع «القوة الحية» أو الطاقة الحركية أيضًا. لكنه، ومن ناحيةٍ أخرى اعتقد أنَّ أشعة الحرارة تختلف عن أشعة الضوء، ليس لأنها لا تحفز إحساس الرُّؤية، بل لأنَّ الزُّجاج يمتَصُّها وتعكسها المعادن الملمعة بفعالية، حيث تكون انعكاسًا لسلوك الضوء. إذن أشعة الحرارة لا تترافق مع أشعة الضوء، حيث تُدفئ الزجاج على نحوٍ مميز. هذه المُستحدثات، الأشعة الخفيَّة جعلَت كافندش يوفِّق الحقائق مع النَّظرية، ولو لم تكن الأشعة موجودة، لفشلت النَّظرية. والنظرية تتوافق جيدًا مع الامتصاص المُعْتاد بأنَّه حين يصبح الجسم أكثر حرارة، فإنَّه يبعث ضوءًا وحرارةً أكثر. ويُستنتَج من فرضية كافندش أن جُسيمات الضوء والحرارة المُشِعَّة مُرْتبِطَتان بمكانيهما الطبيعيَّين في الجِسْم بقوَّتَي الجَذْب والنَّبْذ لجُسيمات الجسم، وعندما تكون جُسَيْمَات الجِسْم في حَالة اهتزازٍ نَشِط، فإنَّ جُسيمات الضوء والحرارة المُشعَّة يتم تحريكها في مواقعَ تُواجه تنافرًا عنيفًا، وتُقلع من الجسم على شكل ضوءٍ حار وحرارةٍ مُشعَّة.١١١

يوهان ريتر (القرن ١٩م)

تابع يوهان فيلهلم ريتر ما قد بدأه وليم هرشل، إلا أنَّه لم تكن هناك قناعَةٌ عامَّة لتقبُّل فكرة أن الإشعاع الحراري والضوء المرئي شكلان مُختلفان للظاهرة نفسها. كما حَدَث بين العلماء العرب والمسلمين (ابن سينا والبيروني مثلًا) فقد كان جون ليسلي J. Leslie (١٧٦٦–١٨٣٢م) مُعَارِضًا شديدًا لهذه الفكرة، مع أنَّ تجاربه على مُكَعَّبٍ فيه ماء أحد سطوحه لامعة والآخر أسود، على دِرَاية بالعلاقة بين الإصدار والامتصاص.١١٢
لريتر مُسَاهمةٌ مُهِمَّة أخرى هي كشفه عن وجود الأشعة فوق البنفسجية عام ١٨٠١م في الطيف المرئي، مُستفيدًا من سلسلة من المُلاحظات التي سُجِّلَت قبل ذلك؛ فقد لاحظ الطَّبيبُ الألماني يوهان هنريش شولتزه J. H. Schulze (١٦٨٧–١٧٤٤م) عام ١٧٢٧م، اسْوِدَاد كلوريد الفضة في الضوء، كما تأكد كارل شيله من أنَّ الجُزء الأزرق-البنفسجي من الطيف له أكبرُ أثَر، وأخيرًا قَرَّرَ ريتر حينئذٍ أنَّ الجُزء غير المرئي الواقع بعد الجزء البنفسجي من الطيف المرئي يُسبِّب اسودادًا لكلوريد الفضة، وتأكَّد الباحثون من الأثَر الفسفوري للأشِعَّة فوق البنفسجية ووجدوه صحيحًا.١١٣

وليم هرشل (القرن ١٩م)

أراد الفلكي البريطاني وليم هرشل في عام ١٨٠٠م، أن يَعْرف أي جزءٍ من طيف الإشعاع الشمسي أكثر حرارةً، فوجد أنَّ فعل التسخين يكون أكبر ما يكون في جانب اللون الأحمر منه في جانب اللون الأزرق، وأنَّ نهايتَه العظمى تكون خارج نطاق اللون الأحمر؛ أي حيث لا ترى العين وجود أشعة. وبذلك كشَف عن وجود الأشعة تحت الحمراء.١١٤

وبذلك يكون هرشل أوَّل من تَكَلَّم عن عزل وكشف الإشعاع الحراري الواقع وراء حدود الألوان المرئية، ثم أتبع على الفور هذا الاكتشاف المُفاجئ سلسلةً موسَّعة من التَّحريات هَدَفتْ إلى إيجاد جواب للسؤال: هل الضوء يختلف بشكلٍ أساسي عن الإشعاع الحراري؟ وهو جدَل سبق وأن أثاره وناقشه العلماء العرب والمسلمون، لكن لم تكن لديهم التقنيات ولا النظريات العلمية التي كانت أيام هرشل وغيره في القرن ١٩م.

كان هرشل أخصائي تجارب دقيقًا بشكلٍ عادي، لكن لديه مَقْدِرةٌ فائقة على اشتقاق فرضياتٍ تربط بشكلٍ مُحْتمل بين بياناتٍ مَلْحُوظة مع ظاهراتٍ فيزيائية. وتأكيد مُلاحظاته الأخيرة جعلَه يُدرك بأنَّ الحرارة والضوء «ليسا شيئًا واحدًا بشكلٍ عام، وإنما يملكان درجةً مُساوية أكيدة من قابلية الانكسار.»١١٥ وبناءً عليه عَقَد مُقارنةً مَبْنِيَّة على التجارب التي قام بها بين الحرارة المشعَّة والضوء، سواء تلك التي تلازم الضوء أو لا تلازمه، نوضِّحُها في الجدول الآتي:١١٦
الضوء الحرارة المشعة
(١) كل من الضوء الشمسي والأرضي، هو إحساس يُسَبِّبه انبعاث الأشعة من الأجسام المُضيئة، التي لديها قوة الأجسام المُنيرة، ووفق الظروف، تجعلها تظهر بألوانٍ مُختلفة. (١) كل من الحرارة الشمسية والأرضية، إحساسٌ يُسبِّبه انطلاق الأشعة من موادَّ أوَّليَّة حرارية لديها قوة الأجسام السَّاخنة.
(٢) هذه الأشعة تخضع إلى قوانين الانعكاس. (٢) هي وفق النَّمط نفسه تخضع لقوانين الانعكاس.
(٣) تختلف بشكلٍ قابل للانكسار. (٣) تختلف بشكلٍ قابل للانكسار.
(٤) عُرضة للتوقُّف، حسب مقترحاتٍ مؤكدة، عندما يتم إرسالها من خلال أجسامٍ شفَّافة. (٤) عُرضة للتوقُّف، حسب فرضياتٍ مؤكَّدة، عندما يتم إرسالها من خلال أجسامٍ شفَّافة.
(٥) عُرضة للتبعثُر على أسطحٍ خشنة. (٥) عُرضة للتبعثُر على أسطحٍ خشنة.
(٦) حتى الآن من المُفترض بأن يكون لديها قُوَّة الأجسام السَّاخنة، لكن يبقى هذا تحت الفحص. (٦) رُبَّما من المُفترض ذلك، في حالةٍ مُحَدَّدة من الطاقة، بأنه لديها قوة الأجسام المُنيرة، إنما يبقى هذا تحت الاختبار.
وبعد عام من اكتشافه، تحديدًا في الثاني عشر من تشرين الثاني/نوفمبر عام ١٨٠١م، قدَّم الفيزيائي البريطاني توماس يونغ T. Young (١٧٧٣–١٨٢٩م) مُحَاضرته الشهيرة (حول نظرية الضوء والألوان) التي أيَّد بها النَّظرية الموجية للضوء، وبرهَن عن رؤيةٍ عميقة للغاية في فهم خاصِيَّة الأشعة الحرارية المَخْفية التي اكتشفَها هرشل عندما كتب: «يبدو من المُحتمل جدًّا بأن الضوء يختلفُ عن الحرارة فقط في تردُّد تموُّجاته أو اهتزازته.»١١٧

جان فورييه (القرن ١٩م)

في الواقع، إنَّ ما يُميز عمل جان فورييه هو الفِكْر القائم عليه، فهو يَعْتقدُ أنَّه قبل أن نتمكَّن من إخضاع الظاهرات لاكتشاف قوانينها الأساسية، يجب البحث عن المبدأ الذي ينظمها داخل المنظومة؛ ولذلك قبل أن يشرع بعمله قام بجمع كل الحقائق الحَرَاريَّة المُرْتبطة بنظريته، ومن ثَم بحث عن مبدأ يمكِّنه من تفسيرها؛ لذلك فقد اطلع على أعمال من سبقه في هذا المجال أمثال بيكتي ورمفورد وبريفو، حاول الخُروج على الإطار العام المَرْسُوم لظاهرة الإشعاع الحراري، من أنَّ الحرارة تتدفق من الحَارِّ إلى البارد بتناسُبٍ مع اختلاف درجة الحرارة، إنما بفحص مجموعةٍ شاملة من الظَّاهرات أو «تأثيرات الحرارة». وكان يرى أنَّ دور التجربة لا يقتصر على إثباتِ نتائجَ تم الحصول عليها بحساباتٍ رياضياتية، إنما للمُسَاعدة في جمع مجموعة حقائق تُنَظم فيها القوانين الظاهرات المشتقة، عندما يتم إخضاعها للتحليل.١١٨
وقد وضع أفكاره بشأن انتشار الإشعاع الحراري في كتابه (النَّظرية التحليلية للحرارة) عام ١٨٢٢م، وهدف من ذلك إخضاع ظاهرة الحرارة بكافة أشكالها للتحليل الرياضياتي والمُعَادلات التفاضلية الجزئية، ثم التَّعامل مع التوابع (أو الدوال) بشكلٍ رياضياتي بحت. وقد لاحظ من خلال المُعْطيات التجريبية التي وصلَته إلى أنَّ الجسم يُشِعُّ حرارة حتى لو كانت درجة حرارته أدنى من درجة حرارة المُحيط، كما لاحظ فورييه بأنَّ تبادلات الحرارة يمكن أن يتم استبدالها بحسابات ذات مُتغيرٍ وحيد يمثل السريان الصافي للحرارة، لكن يمكن أن يُنجز ذلك تحت الافتراض بأنَّ المُتغيِّر لا يمثل كل الحرارة المنقولة.١١٩
بالنِّسبة لفورييه فإنَّ التحليل الرِّياضياتي أداةٌ رِياضياتية يُمكن تطبيقها على ظاهرات العلم الطبيعي، إنها تخوِّلنا التغلُّب «على الكثير من التفاوتات والأخطاء في عقل الإنسان» وذلك لتوضيح العلاقات بين الحقائق الملحوظة. من المُتوقَّع أنْ توسَّع الإحساسات البشرية، ويمكن للتحليل الرياضياتي أن يكشف مُقارنات وتنظيمات الظاهرات. يقول فورييه إنَّ التحليل يُعيد بناء النظام الفعلي للظاهرات في الطبيعة التي لا يمكن اكتشافها بالمُلاحظة.١٢٠

بيير بريفو (القرن ١٩م)

ابتكر الفيزيائي الفرنسي بيير بريفو مفهوم (تبادلات الحرارة المُشعَّة) في عام ١٧٩١م، وذلك لشرح سلسلة التجارب التي تبدو بأنها تنطوي على وجود سوائل باردة غير قابلة للوزن، على غرار وجود سوائل مسئولة عن نقل الحَرارة وغير قابلة للوزن. وقد استعمل في تجربته الشهيرة — التي تثبت على وجود «انعكاس للبرودة» — مرآتَين مُقَعَّرتَين تبعُدان عن بعضهما حوالي عشرة أقدام مع ميزان حرارة ودورق ثلج موضوع عند البؤرتَين، حيثُ يُسَجِّل ميزان الحرارة الهبوط في درجة الحرارة، ويفترض انتقال وانعكاس السَّائل البارد غير القابل للوزن. وقد توصَّل بريفو للقول إنَّ كافة الأجسام تطلق وتستقبل حرارةً مُشعَّة في جميع الاتجاهات، بصرف النظر عن درجات حرارتها النسبية، فإذا كان لدينا جسمان بدرجتَي حرارة غيرِ مُتَسَاويتَين يتبادلان حرارةً مُشعَّة، في أثناء كل تبادُل، فإنَّ الجسم الأبرد يتلقى حرارةً أكثر مما يبعث حتى يتحقَّق التوازن الذي يكون فيه كِلا الجسمين بدرجة الحرارة نفسها. وعند توازُن الجسمين يستمر تبادل الحرارة المُشعَّة، لكن الآن عند معدَّلٍ متساوٍ. انعكاس البرودة هي مجرد ظاهرة فقط، ويتلقى ميزان الحرارة حرارةً مُشِعَّة أقل مما انتقل إليه من دورق الثلج، لذلك يسجل هبوطًا في درجة الحرارة. لا يُحاول بريفو أن يُفَسِّر بالتفصيل طبيعة «السائل غير المُترابط». وهو يرفض الفعل النيوتوني تمامًا كسببٍ نابذ للحرارة، إنَّما يُفسره بأن السائل — حسب جورج لويس لوسيج G. L. Le Sage (١٧٢٤–١٨٠٣م) — يكون في الجُسيمات المُتباعدة بتأثير قوتها النَّابذة والاصطدامات فيما بينها.١٢١ وعندما تكون جُسيمات السائل «ملقاة» من الجسم بسبب القُوَّة النابذة، فإنها تتحرَّك في خطوطٍ مُسْتقيمة بسرعةٍ كبيرة وتشكل الحرارة المُشعَّة أو الحرة. حاول بريفو كثيرًا إطلاق تسمية «الحرارة الحرة» للدلالة على الحرارة المُشعَّة وللتعبير عن تسميةٍ خاصَّة تُسَاعد في دمج هذه الحالة الخاصَّة في الإطار التقليدي. ويُعَدُّ مفهوم القوة النَّابذة التي تؤثِّر في المادة أساسيًّا في عمل بريفو عن الحرارة؛ إذْ يُشتَق منه بشكلٍ أساسي مفهوم تبادلات الحرارة المشعَّة.١٢٢

ماشيدونيو ميللوني (القرن ١٩م)

أحرز الفيزيائي الإيطالي ماشيدونيو ميللوني M. Melloni (١٧٩٨–١٨٥٤م) تقدُّمًا كبيرًا في مجال الأشعة تحت الحمراء، وذلك باستخدامه للعمود الحراري، وقد بَيَّن أنَّ للأشعة تحت الحمراء الفروقَ النِّسْبية في الانكسار مثل تلك التي تكون للأشعة المرئية، وقد نشر ذلك في بحث بعنوان «التلوين الحراري»، وتابع أبحاثه على نفاذية الأجسام الصلبة والموائع للإشعاع الحراري أم لا، في حين أنَّ للفيزيائي الإنكليزي جون تيندال J. Tyndall (١٨٢٠–١٨٩٣م) تجاربَ مماثلةً على الغازات والأبخرة.١٢٣

وليم دريبر (القرن ١٩م)

مُعظم الجهود الرَّامية للكشف عن خصائص الأشعة تحت الحمراء توصَّلَت إلى أنَّ الأشعة تحت الحمراء لا تختلف من النَّاحية الفيزيائية عن الأشعة المرئية، سوى في أنَّ طول موجاتها أكبر، وتوصل من ذلك الفيزيائي الأمريكي جون وليم دريبر J. W. Draper (١٨١١–١٨٨٢م) عام ١٨٤٧م إلى قاعدةٍ مفادها: أنَّ كل المواد الصلبة تبدأ بإصدار إشعاع وهجٍ أحمر عندما تسخن إلى الدرجة ٢٢٥° مئوية، في حين لا تصدر عنها سوى أشعة تحت حمراء، وتصدُر باستمرار التسخين أشعةٌ أكثر فأكثر، ذات طولٍ موجيٍّ أقصر حتى يُصْبح الضوء في النهاية أبيض ويستكمل الطيف كله.١٢٤

صموئيل لانغلي (القرن ١٩م)

figure
البولومتر جهاز شبيه بالترمومتر عالي الحساسية، يقيس مقادير غاية في الدِّقة من الحرارة النَّاتجة عن أنواعٍ مُعينة من الطاقة الإشعاعية، خصوصًا الأشعة تحت الحمراء. ويُوجد بجهاز البولومتر شريطٌ مُوصِّل رقيق يُشكِّل جزءًا من دائرةٍ كهربائية. وترتفع درجة حرارة هذا الشريط بدرجةٍ بسيطة بمجرد أن يتلامس مع أي كميةٍ من الإشعاع. وينتُج عن سخونة هذا الشريط تغيُّر في موصلية الدائرة (المقدرة على حمل التيار الكهربائي). ويُستخدم الفرق في الموصلية للدلالة على قُوَّة الإشعاع. وتعمل بعض البولومترات على درجة حرارة قريبة من الصفر المطلق (− ٢٧٣٫١٥° مئوية). وتزداد حساسية البولومتر بدرجةٍ فائقة على درجات الحرارة المنخفضة جدًّا. (مصدر الصورة: http://earthobservatory.nasa.gov، ومصدر التعليق: عن الموسوعة العربية العالمية، مدخل «البولوميتر»، الرياض، ٢٠٠٤م.)
حدَث تطورٌ كبير في عام ١٨٨٠م في طرائقِ مُشاهدة الأشعة تحت الحمراء من خلال الجهاز الذي طَوَّره الفيزيائي الأمريكي صموئيل بيروبوينت لانغلي S. P. Langley (١٨٣٤–١٩٠٦م) وهو البولومتر (أو مقياس طاقة الإشعاع الحراري)، مُستفيدًا من الجهاز الذي صنعه وليم كروكس W. Crookes (١٨٣٢–١٩١٩م) عام ١٨٧٢م والأنواع المُعَدَّلة١٢٥ منه.١٢٦
١  طبعًا هذا القول مبني على معرفتنا الحالية بأنَّ المادة المُظلمة Dark matter لا تؤثِّر على الإشعاع الحراري للضوء القادم من الشمس.
٢  مصطفى، عدنان، أصول الفيزياء للجامعات، ص٢٥٩.
٣  حسن، مالك، الترموديناميك، منشورات جامعة حلب، حلب، ٢٠٠٨م، ص٦٣.
٤  دبس، محمد، معجم أكاديميا للمصطلحات العلمية والتقنية، دار أكاديميا، بيروت، ١٩٩٣م، ص١٤٥.
٥  حسن، مالك، الترموديناميك، ص١٥.
٦  مصطفى، عدنان، أصول الفيزياء للجامعات، ص٢٥٨.
٧  إخوان الصفا، رسائل إخوان الصفا، ج٢، ص٤٠٣.
٨  ابن سينا، طبيعيات الشفاء، ص٢١٣.
٩  ابن باجة، كتاب النفس، تحقيق: محمد صغير حسن المعصومي، ط٢، دار صادر، بيروت، ١٩٩٢م، ص٦٥.
١٠  أبو البركات البغدادي، المُعتبر في الحكمة، ج٢، ص٣٨.
١١  الرازي، فخر الدين، المباحث المشرقية في علم الإلهيات والطبيعيات، ج١، منشورات بيدار-قم، الطبعة: الثانية، ١٩٩٠م، ص٥١٣–٥١٤.
١٢  Burr, Alex. C., Notes on the History of the Concept of Thermal Conductivity, Isis, Vol. 20, No. 1 (Nov., 1933), The University of Chicago Press on behalf of The History of Science Society, pp. 249.
١٣  بيكون، فرنسيس، الأورجانون الجديد، ص٣٠٧–٣٠٨.
١٤  فوربس، ر. ج.، وديكستر، إ. ج.، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ط٢، ترجمة: أسامة أمين الخولي، ج٢، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٩٢م، ص٤٩.
١٥  Burr, Alex. C., Notes on the History of the Concept of Thermal Conductivity, p. 248.
١٦  فوربس، ر. ج.، وديكستر، إ. ج.، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج٢، ص٤٩.
١٧  يمكن قراءة الرسالة كاملةً على الموقع: https://founders.archives.gov/documents/Franklin/01-07-02-0080.
١٨  Burr, Alex. C., Notes on the History of the Concept of Thermal Conductivity, pp. 249–250.
١٩  Ibid, p. 251.
٢٠  فوربس، ر. ج.، وديكستر، إ. ج.، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج٢، ص٤٩.
٢١  Ibid, p. 251.
٢٢  Ibid, p. 252.
٢٣  Burr, Alex. C., Notes on the History of the Concept of Thermal Conductivity, p. 253.
٢٤  Thompson, Benjamin, Experiments upon Heat. By Major-General Sir Benjamin Thompson, Knt. F. R. S. In a Letter to Sir Joseph Banks, Bart. P. R. S., Philosophical Transactions of the Royal Society of London, Vol. 82 (1792), Published by: The Royal Society, pp. 50.
٢٥  Burr, Alex. C., Notes on the History of the Concept of Thermal Conductivity, pp. 254–255.
٢٦  الشوك، علي، الثورة العلمية الحديثة وما بعدها، ط١، دار المدى، دمشق، ٢٠٠٤م، ص٧٤.
٢٧  فوربس، ر. ج.، وديكستر، إ. ج.، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج٢، ص٤٩.
٢٨  Burr, Alex. C., Notes on the History of the Concept of Thermal Conductivity, p. 257.
٢٩  دولتل، جسي وهيل، فرانسيس، ديناميات الحرارة للمهندسين، ص٧١٢.
٣٠  المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي، التنبيه والأشراف، ج٧، تحقيق: م. ي. دي. خويه، إعادة طبعة ليدن، معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية، فرانكفورت، ١٩٩٢م، ص١١.
٣١  إخوان الصفا، رسائل إخوان الصفا، ج٢، ص٤٠٠.
٣٢  إخوان الصفا، رسائل إخوان الصفا، ج٢، ص٦٩.
٣٣  مسكويه، رسالة في النفس والعقل، دراسات ونصوص في الفلسفة والعلوم عند العرب، عبد الرحمن بدوي، ط١، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ١٩٨١م، ص٦٨–٦٩.
٣٤  الطغرائي، مخطوطة مفاتيح الرَّحمة وأسرار الحِكْمة، ج٢، مكتبة الكونغرس، CALL NUMBERS (LC Class No.): QD25. T847 1700z ص٧٤و–٧٥ظ.
٣٥  ابن كمونة، الجديد في الحكمة، ص٢٨٥–٢٨٦.
٣٦  الإيجي، كتاب المواقف، ج١، ص٥٩١.
٣٧  الدميري، كمال الدين، حياة الحيوان الكبرى، ج٢، مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح، القاهرة، ١٢٧٤ﻫ، ص٤٥٥.
٣٨  Burr, Alex. C., Notes on the History of the Concept of Thermal Conductivity, p. 259.
٣٩  Morgan, C. Lloyd, Physiography, the American Naturalist, Vol. 12, No. 10 (Oct., 1878), The University of Chicago Press The American Society of Naturalists, p. 675.
٤٠  أدخل وليم بروت William Brut (١٧٨٥–١٨٥٠م) هذا المصطلح عمليًّا عام ١٨٣٤م.
٤١  جريبين، جون، تاريخ العلم (١٥٤٣–٢٠٠١م)، ج١، ترجمة: شوقي جلال، سلسلة عالم المعرفة، تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والآداب والفنون، العدد ٣٨٩، الكويت، يونيو ٢٠٠٩م، ص٣٧٦.
٤٢  Thompson, Benjamin, Experiments upon Heat. pp. 75–76.
٤٣  Burr, Alex. C., Notes on the History of the Concept of Thermal Conductivity, pp. 257–258.
٤٤  Samursky, Shmuel, Physical Thought, p. 388.
٤٥  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 57.
٤٦  وليم طومسون، عن التوازن الحملي الحراري لدرجة الحرارة في الغلاف الجوي، إجراءات الجمعية الفلسفية والأدبية في مانشستر II(3) (١٨٦٢م) الصفحات ١٢٥–١٣١. انظر أيضًا: وليم طومسون، المجلة الفلسفية ٢ (١٨٨٧م)، الصفحة ٢٨٧، ووليم طومسون، «الأوراق الفيزيائية والرياضياتية»، ٥ كامبردج، (١٩١١م)، الصفحة ٢٥٦.
٤٧  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, Springer-Verlag, Berlin Heidelberg, 2007, p. 222.
٤٨  يافورسكي، ب. وديتلاف، أ، المرجع في الفيزياء، ج٢، ترجمة: فريد يوسف متى، دار مير، موسكو، ١٩٧٦م، ص١٧٦.
٤٩  سويلم، محمد عطية وآخرون، الفيزياء العامَّة، ط٣، دار الفكر، عمان، ٢٠٠٠م، ص٢٥٠.
٥٠  جابر بن حيان، مُختار رسائل جابر بن حيان، ص٤٣٠.
٥١  بدوي، عبد الرحمن، مذاهب الإسلاميين، دار العلم للملايين، بيروت، ١٩٩٤م، ص٢٣٥.
٥٢  المرجع السابق نفسه، ص٢٧٥.
٥٣  الجاحظ، الحيوان، ج٥، ص٦–٧.
٥٤  الكندي، رسائل الكندي، ج٢، ص٩٦.
٥٥  التميمي المقدسي، محمد بن حمد (القرن ٤ﻫ/١٠م)، مادَّة البقاء، تحقيق: يحيى شعار، ط١، معهد المخطوطات العربية، القاهرة، ١٩٩٩م، ص١٩١.
٥٦  المصدر السابق نفسه، ج٢، ص١٣–١٤.
٥٧  إخوان الصَّفا، رسائل إخوان الصفا، ج٢، ص٥٤.
٥٨  لا علاقة لهذا المُصْطلح بمصطلح «الفيض» الذي ورَدَ عن السهروردي في «رسالة حكمة الإشراق» أو «كتاب اللمحات» أو غيره ممن كانوا يقصدون به الإلهام من الخالق — عز وجل — للعباد.
٥٩  إخوان الصفا، رسائل إخوان الصفا، ج٣، ص٣٤٩.
٦٠  عَزَّام، محمد، مدخل إلى فلسفة العلوم، ط١، دار طلاس، دمشق، ١٩٩٣، ص١٣٣.
٦١  إخوان الصفا، رسائل إخوان الصفا، ج٣، ص٣٥٠.
٦٢  المرجع السابق نفسه، ص٣٥٠.
٦٣  انظر فصل مراحل تطور نظرية الجاذبية، في كتابنا تاريخ علم الميكانيك، ط١، دار الكتب العلمية، بيروت، ٢٠١٦م، ص٤١١؛ فقد توسَّعنا في شرح هذا المفهوم كثيرًا. كما أنَّ مفهوم «الرُّوحانية» الوارد هُنا يختلف عن معناه المُستخدم في مصطلح «الآلات الروحانية» الذي يعني ارتياح النفوس لها. انظر: كتاب إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد، لابن الأكفاني، مكتبة لبنان، ص٧٨.
٦٤  ابن سينا، الشفاء/الطبيعيات: المعادن والآثار العلوية، ص٢٧.
٦٥  ابن سينا، مجموع رسائل، ص٢٩.
٦٦  ابن سينا، الشفاء/الطبيعيات: المعادن والآثار العلوية، ص٢٧.
٦٧  المرجع السابق نفسه، ص٢٧.
٦٨  موجودة ضمن رسائل الشيخ الرئيس أبي علي الحسين بن عبد الله بن سينا في أسرار الحكمة الشرقية، ج٣، ليدن، ١٨٨٩–١٨٩٩م.
٦٩  سعدييف، أرثور وسلوم، توفيق، الفلسفة العربية الإسلامية، ط دار الفارابي، بيروت، ٢٠٠٠م، ص١٨٥–١٨٦.
٧٠  أي العلوم الفيزيائية.
٧١  أي العلوم الرياضياتية.
٧٢  ابن الهيثم، رسالة في ماهية الضوء، ص١و.
Ibn-al-aiam, al-asan Ibn-al-asan, Abhandlungen zur Optik, Sprenger 1834, Orientalische Handschriften, Gescannte Seiten: 63, PPN (digital): 620644958, p. 1.
٧٣  المرجع السابق نفسه، ص١و.
٧٤  المرجع السابق نفسه، ص١و.
٧٥  ابن الهيثم، رسالة في الضوء، مجموع رسائل ابن الهيثم، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند، ١٣٥٤ﻫ، ص٢–٣.
٧٦  ابن الهيثم، رسالة في الضوء، مجموع رسائل ابن الهيثم، حيدر آباد الدكن، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، الهند، ١٣٥٧ﻫ، ص١١.
٧٧  ابن الهيثم، كتاب المناظر، (المقالات ١–٢–٣)، تحقيق: عبد الحميد صبرة، الكويت، ١٩٨٣م، ص٦١.
٧٨  ابن الهيثم، رسالة في الضوء، مجموع رسائل ابن الهيثم، حيدر آباد الدكن، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، الهند، ١٣٥٧ﻫ، ص١٠.
٧٩  البيروني، أبو الريحان، الآثار الباقية عن القرون الخالية، نشره إدوارد سخاو، إعادة طبعة لايبسك، ١٨٧٨م، ص٢٥٧.
٨٠  «سَحَحْتُ الماءَ وغيره أَسُحُّهُ سحًّا، إذا صببتُه، وسَحَّ الماءُ يَسُح سَحًّا، أي: سَالَ من فوق، وكذلك المطر والدَمْع. وسَحَّهُ مائة سوط، أي: جلَده. وسحابة سَحوح. وتسحسح الماء؛ أي سال. ومطرٌ سَحْساحٌ، أي يَسُح شديدًا» عن: الصحاح، أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي (المتوفى: ٣٩٣ﻫ)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، ط٤، ج١، دار العلم للملايين، بيروت، ١٩٨٧م، ص٣٧٣.
٨١  البيروني، أبو الريحان، الآثار الباقية عن القرون الخالية، ص٢٥٧.
٨٢  المرجع السابق نفسه، ص٢٥٧.
٨٣  Samursky, Shmuel, Physical Thought, p. 342–343.
٨٤  McCormmach, Russell, Henry Cavendish on The theory of heat, p. 54.
٨٥  البيروني، أبو الريحان، الآثار الباقية عن القرون الخالية، تحقيق: إدوار سخاو، لايبزيغ، ١٨٧٨م، ص٢٥٦–٢٥٧.
٨٦  اليافي، عبد الكريم، حوار البيروني وابن سينا، ط١، دار الفكر، دمشق، ٢٠٠٢م، ص٥٥.
٨٧  المرجع السابق نفسه، ص٥٦.
٨٨  اليافي، عبد الكريم، حوار البيروني وابن سينا، ص٨٣.
٨٩  اليافي، عبد الكريم، حوار البيروني وابن سينا، ص٨٤.
٩٠  المرجع السابق نفسه، ص٨٥.
٩١  المرجع السابق نفسه، ص٨٥.
٩٢  ابن طفيل، رسالة حي بن يقظان، ط٤، دمشق، ١٩٤٠م، ص٥–٦.
٩٣  غالب، مصطفى، في سبيل موسوعة فلسفية (ابن طفيل)، دار ومكتبة الهلال، بيروت، ١٩٩١م، ص٢٠.
٩٤  محمود، عبد الحليم، فلسفة ابن طفيل، ط٢، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، (د. ت)، ص٦٧.
٩٥  العراقي، عاطف، الميتافيزيقا في فلسفة ابن طفيل، ط٥، دار المعارف، القاهرة، ١٩٩٢م، ص٧٤.
٩٦  ابن طفيل، رسالة حي بن يقظان في أسرار الحكمة المشرقية، مطبعة وادي النيل، القاهرة، ١٢٩٩ﻫ، ص٧–٨.
٩٧  فروخ، عمر، تاريخ الفكر العربي إلى أيام ابن خلدون، ط٤، دار العلم للملايين، بيروت، ١٩٨٣م، ص٣٦٣.
٩٨  ابن رشد، تلخيص الآثار العُلوية، تحقيق: جمال الدين العلوي، ط١، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ١٩٩٤م، ص٣٢.
٩٩  ابن رشد، تلخيص الآثار العلوية، ص٣٣.
١٠٠  الجلدكي، أيدمر، غاية السرور في شرح ديوان الشذور، ص٤٦٠.
١٠١  الجلدكي، أيدمر، البرهان في أسرار علم الميزان، ج١، مخطوطة في مكتبة ويلكم، لندن، رقم (29_WMS_Arabic)، ص٤٤٦.
١٠٢  فيدمان، إيلهارد، بحث ضمن مجموعة مقالات في تاريخ العلوم العربية والإسلامية، مجلد ١، جمع وإعداد: دوروتيه جيركه وديتر بيشوف، معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية، جامعة فرانكفورت، فرانكفورت، ١٩٨٤م؛ حيث عنوان البحث: Wiedemann, Eilhard, Uber das Experiment im Altertum un Mittelater, 1906, p. 150.
١٠٣  Chang, Hasok, Inventing Temperature, p. 258.
١٠٤  فوربس، ر. ج.، وديكستر، إ. ج.، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج٢، ص٤٩.
١٠٥  Burr, Alex. C., Notes on the History of the Concept of Thermal Conductivity, pp. 247–248.
١٠٦  مطلب، محمد عبد اللطيف، تأريخ علوم الطبيعة، ص٢١٤.
١٠٧  Samursky, Shmuel, Physical Thought, p. 313.
١٠٨  Ibid, p. 313.
١٠٩  Samursky, Shmuel, Physical Thought, p. 342–343.
١١٠  René Sigrist, Le capteur solaire de Horace-Bénédict de Saussure. Genèse d’une science empirique. Genève, Passé-Présent/Jullien, 1993.
١١١  Mccormmach, Russell, Henry Cavendish on The theory of heat, p. 54.
١١٢  فوربس، ر. ج.، وديكستر، إ. ج.، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ط٢، ج٢، ص١٠٠.
١١٣  المرجع السابق نفسه، ص١٠١.
١١٤  المرجع السابق نفسه، ص١٠٠.
١١٥  Lovell, D. J., Herschel’s Dilemma in the Interpretation of Thermal Radiation, Isis, Vol. 59, No. 1 (Spring, 1968), The University of Chicago Press on behalf of The History of Science Society, p. 46.
١١٦  Lovell, D. J., Herschel’s Dilemma in the Interpretation of Thermal Radiation, p. 51.
١١٧  Ibid, p. 68.
١١٨  Friedman, Robert Marc, The Creation of a New Science: Joseph Fourier’s Analytical Theory of Heat, McCormmach, Russell & Pyenson, Lewis Editors, Historical Studies in the physical sciences, Eighth Annual Volume, Johns Hopkins Uni. Press, Baltimore and London, 1977. p. 78–79.
١١٩  Friedman, Robert Marc, The Creation of a New Science: Joseph Fourier’s Analytical Theory of Heat, p. 84.
١٢٠  Ibid. p. 95.
١٢١  يَدَّعي بريفو بأنَّ الظاهرة الأرضية مثل الحرارة والكهرباء والمغناطيسية لا يُمكن تفسيرها وَفْق «الفرضيات الحركية للجذب الكوني».
١٢٢  Friedman, Robert Marc, The Creation of a New Science: Joseph Fourier’s Analytical Theory of Heat, p. 77, 79.
١٢٣  فوربس، ر. ج.، وديكستر، إ. ج.، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج٢، ص١٠٠–١٠١.
١٢٤  المرجع السابق نفسه، ص١٠١.
١٢٥  خلال سبعينيات القرن التاسع عشر، صنع كروكس صمامًا مُفَرَّغًا لدراسة نوع من الأشعة تُدعى أشعة الكاثود. وأسهم هذا الجهاز — الذي عُرِفَ فيما بعد باسم أنبوب كروكس — في تطوير أنبوب أشعة الكاثود الحديث الذي يُستعمل في الأجهزة الإلكترونية. واخترع كروكس كذلك مقياس الأشعة، وهو جهاز يقيس شدة الطاقة الإشعاعية، وبالإضافة إلى ذلك طوَّر أيضًا أداةً تُسَمَّى منظار الومضات من أجل مُلاحظة الجُسيمات العالية الطاقة التي تُطلقها بعض المواد المُشعة. كما أنه اخترع جهاز الطاحونة الضوئية Light mill أو Crookes radiometer تتكوَّن من قارورةٍ زجاجية مُحْكمة مُفَرَّغة جزئيًّا من الهواء، وتُوجد بداخله أربعُ زعانف مثبَّتة على محور في شكل الطاحونة. وعند سقوط ضوء على الطاحونة فإنها تدور بسرعة تتناسب مع شدة الضوء، فهي تُعَدُّ بذلك مقياسًا لشدة الأشعة الساقطة. وقد نشَّط تفسير حركة الطاحونة النقاشَ بين العلماء في الماضي. عن الموسوعة العربية العالمية، مدخل «كروكس»، ٢٠٠٤م.
١٢٦  فوربس، ر. ج.، وديكستر، إ. ج.، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج٢، ص١٠١.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤