الفصل الثالث

تأثير الحرارة على حالات المَادَّة

مُقدمة

تؤثر الحرارة على مُختلف حالات المادة بثلاثة أشكال:
  • الأول: قد تغيِّر من حالة المادة بحيث تجعل المادة الصلبة تنصهر، والسائل يتبخَّر، وإذا انخفضَت تجعل البخار يتكاثف لسائل والسائل يتجمَّد.
  • الثاني: ترفع من درجة حرارة الجسم، فإذا كان لدينا جسمٌ معدني وقمنا بتعريضه للحرارة فإنه يسخُن.
  • الثالث: تمدِّد الجسم بحيث تزيد من حجمه؛ أي إنه يزيد من حيِّز الفراغ الذي كان يشغلُه سابقًا عندما كان باردًا.
وعندما تتغيَّر حالة المَادَّة وفق إحدى الحالات السَّابقة فإنه يتم امتصاص الحرارة الكامنة latent heat أو توليدها دون حدوث أي تغيُّر في درجة الحرارة، ويُقصَد بالحرارة الكامنة كمية الحرارة التي تمتصُّها أو تُطلِقها المادة التي تتغيَّر حالتُها عند درجةِ حرارةٍ ثابتة، كما هو الحال في التبخُّر مثلًا.١
وقد لاحظ القُدَماء آثار الحرارة على المادة بأشكالها الثلاثة، وحاولوا الاستفادة منها حينًا وتجنُّبها حينًا آخر. ويُعتقدُ أنَّه منذ ما يقرب من مليون إلى خمسمائة ألف سنة، تَعَلَّم الإنسان البدائي كيف يستعمل النَّار، ويبدو أنه عرف عملية الغليان — وهي عمليةٌ مُعَقَّدة تقنيًّا بالنسبة له — من خلال غَمْر أحجارٍ تُسَخَّن بالنار في حُفرٍ أرضيةٍ مصفوفة بالأحجار؛ فالحفرة كانت بمثابة الوِعاء الذي يستوعب الماء، والحجارة السَّاخنة بمثابة المصدر الحراري.٢
ورُبَّما يكون سَحَرة المصريين القدماء قد استخدموا في حِيَلهم الخادعة في الأفاعي المُتلوِّية فكرة تمدُّد معدن الزِّئبق (أو غيره من المعادن) لدى تعرُّضه لأشعة الشمس، فيُخيَّل للناس أن هذه الحبال المَحْشُوَّة بتلك المادة أو الزِّئبق أفاعٍ تتلوَّى وتملأ الوادي فوق بعضها بعضًا.٣ وهي الخدَع السحرية التي جاء ذِكْرها في القرآن الكريم بقوله تعالى: قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى.٤

سنتعرَّف في هذا الفصل على جهود الفلاسفة والعُلماء في محاولة رصد وتفسير آثار الحرارة على المواد والأجسام.

المبحث الأول: اليونانيون

ناقَش كلٌّ من أناكسايمانس، والرُّواقيين، وأرسطو، وفيلون البيزنطي، وأبولونيوس التياني كيفيةَ تأثير الحرارة على حالات المادَّة، لكننا سنلمس فرقًا واضحًا بين آراء الفَلاسفة السَّابقين على أرسطو، وبين اللاحقين عليه؛ فقد كان السابقون عليه يقدِّمون رؤًى بعيدةً عن الواقع الفيزيائي؛ ولذلك لم يُكتَب لنظرياتهم البقاء، كما هو حال آراء اللاحقين على أرسطو التي كانت أقربَ لتوصيفِ ما يَحدُث لدى تأثير الحرارة على مُختلف حالات المادة.

أناكسايمانس (القرن ٦ق.م.)

تتلخَّص رؤية أناكسايمانس Anaximenes (تُوفِّي نحو ٥٢٥ق.م.) للعنصر الأول الكوني بأنه الهواء، لكن هذا الهواء غير مُحدَّد في نوعه، وإنما يتحدَّد من خلال صِفاته ومِيزاته. ويربط أناكسايمانس عمليةَ تحوُّلات المادَّة بالخفة والتكثيف التي ترتبط بدَورها بتحوُّلات الحرارة والبرودة؛ فالهواء عندما يتمدَّد أو يتكثَّف يظهر بأشكالٍ متنوِّعة، وعندما يتمدَّد الهواء بما فيه الكفاية فإنه يُحدِث النار، وعندما يتكثَّف يُحدِث الماء، وبدرجةٍ أكثر يُحدِث الأرض، وفي أعلى درجات التكاثُف يُصبح الهواء حجارة.٥

الرواقيون (القرن ٤ق.م.)

ذهب الرُّواقيون Stoicism إلى أنَّ المادة مُتَجَزِّئة بالفعل بشكلٍ لا نهائي، وهي تَفْتَقِر للوحدة في كل جسم؛ فالجسم عندهم مُرَكَّب من مبدأَين هما مادةٌ ونَفَسٌ حارٌّ Pneuma يَتَّحِدُ بالمادة، ويتوتَّر فيُبقي على أجزائها مترابطة. ويكون هذا النَّفَسُ الحارُّ بالنسبة للحيوان والإنسان بمثابة النَّفْسِ؛ أي مبدأ الحركة الذاتية الصادرة عن نزوع حركة تصوُّره؛ ولذلك فإنَّ النبات ليس له تصَوُّر ولا حركةٌ ذاتية من هذا القبيل. والعالم عندهم حيٌّ له نَفَسٌ حارٌّ هو نَفْسٌ عاقلة تربط أجزاءه وتؤلِّف منها كلًّا مُتَماسِكًا؛ بناءً على ذلك فإنَّ الحرارة أو النَّار هي المبدأ الفاعل، والمادة مبدأٌ منفعل. لقد كانت النَّار في الخلاء اللامتناهي، ولم يكن عداها شيء، وتوتَّرَت فتحوَّلَت هواء، وتوتَّر الهواء فتحوَّل ماء، وتوتر الماء فتحوَّل ترابًا، وانتشَر في الماء نَفَسٌ حارٌّ ولَّد فيه «بذرة مركزية» هي قانون العالم «اللوغوس» بمعنى أنَّها تحوي جميع الأجسام وجميع بذور الأحياء كامنة بعضها في بعض، بحيث إنَّ كل حي هو «مزيجٌ كُلي» من ذُريته جمعاء.٦ ويحدُث التوتر في النَّار أو الهواء أو الماء بسبب ظهور حركتَين؛ إحداهما نحو المركز والأخرى نحو المحيط.٧ إذن عند الرُّواقيين تحوُّل المادة من شكلٍ لآخر هو نتيجةُ عملية التوتُّر، وليس نتيجةَ زيادةِ أو نقصِ كمية الحرارة.

أرسطو (القرن ٤ق.م.)

لقد أشار أرسطو إلى ظاهرتَي الغليان والتجمُّد كظاهرتَين متقابلتَين، واكتفى بالعموميات المعهودة عنه في شرحهما وتفسيرهما، قال أرسطو: «إنَّ الأجسام البسيطة هي جميعها بسيطةٌ بلا شك، ولكنها ليست مع ذلك مُتَماثلة. مثلًا الجسم المُشابه للنَّار هو من نوع النار، ولكنه مع ذلك ليس بالضبط نارًا، والجسم المُشابه للهواء هو من نوع الهواء دون أن يكون هواءً، وكذلك الحال في بقية العناصر، ولكن النَّار هي إفراط في الحرارة كما أنَّ الثلج إفراط في البرودة؛ لأنَّ التجلُّد والغلَيان هما إفراطان من جنسٍ ما أحدهما للبارد والثاني للحار، فإذا كان الثلج هو تجلُّد السائل والبارد، فالنَّار تكون أيضًا غليانَ الحار واليابس، فانظر لماذا لا يمكن أن يتولَّد شيءٌ لا من الثلج ولا من النار.»٨

فيلون البيزنطي (القرن ٣ق.م.)

تناول فيلون البيزنطي Philo of Byzantium (تُوفِّي نحو ٢٢٠ق.م.) في كتابه (في الحيل الرُّوحانية وميخانيقا الماء) تجربةً (أسماها حيلةً) أثبَت بواسطتها أنَّ الهواء يتمدَّد بالحرارة ويتقلَّص بالبرودة، والدليل على ذلك — حسب فيلون — أننا إذا قُمْنا بتركيب بيضةٍ مجوَّفة مَصْنوعة من معدن الرَّصاص ومُفرَّغة (رمزها أ في الشكل)، وسحَّارة مُعْوَجَّة (ب) ووعاء بداخله ماء (ﺟ)، فإذا تعرَّضَت البيضة للتسخين تمدَّد الهواء الذي بداخلها؛ أي ازداد حجمه عن حجم الحيِّز الداخلي للبيضة، فيخرج إلى وعاء الماء على شكل فقاعاتٍ مُتتابعة يراها النَّاظر بشكلٍ واضح. وفي حال أوقفنا تسخين البيضة، انكمش الهواء الذي بداخلها لكونه يحتاج لحجمٍ أقل من حجم الحيِّز الداخلي للبيضة، عندها يتراجع الهواء داخل أنبوبة السحَّارة ساحبًا معه بعضًا من الماء الذي في الوعاء، وذلك بسبب اتصال الهواء بالماء، والمُلاحظة الأخيرة تُشير إلى انعدام الخلاء أيضًا.٩

فكرة هذه الحيلة ستكون الأساسَ الذي يعتمد عليه العُلماء فيما بعدُ لصُنع مقاييس الحرارة، والذي سنتكلَّم عنه لاحقًا في الفصل الأول من الباب الثاني.

figure
يوضِّح الشكل التجربة التي قام بها فيلون ليُثبِت تمدُّد الهواء بالحرارة وتقلُّصه بالبرودة حيث (أ: البيضة، ب: السحارة، ﺟ: وعاء الماء). (مصدر الشكل: شوقي، جلال، أصول الحيل الهندسية في الترجمات العربية، ص٤٩).

أبولونيوس التياني (القرن ١م)

يَعتبِر أبولونيوس التياني (أو بليناس الحكيم) Apollonius of Tyana (تُوفِّي ١٠٠م) أنَّ الحرارة عنصرٌ فاعل مثل الهواء؛ لذلك فإننا نتلمَّس أثرهما في أي مادَّة يحُلَّان فيها «اعتَبِر بالطبائع الأربع، فانظر إلى ما كان منها حارًّا كان فاعلًا، وما كان منها باردًا كان مفعولًا به، فالنار والهواء فاعلان والأرض والماء مفعولٌ بهما، إلا أنَّ للماء فعلًا من قِبَل النار على وجهه تذيبه، ولولا ذلك لاستوى هو والأرض، فَلَمَّا أعانته النارُ بشيءٍ كان قويًّا على التحليل بالرطوبة وليس له فعل غيره.»١٠ وقد أدرك أبولونيوس مفهوم تمدُّد الهواء بعد فيلون بحوالي ٤٠٠ سنة، وذلك من خلال التجربة الآتية «والدَّليل على هرب الرِّيح من الحرارة أنك لو ملأتَ جرابًا هواء، ثم ثقبتَ طرفَيه، ثم أوقدتَ نارًا مما يلي الطرفَين لتدافع الهواء من الجراب حتى يخرج من الحيز الذي لا يلي النار، ولا يخرج من الحيز الذي يلي النار شيءٌ منه ولا يستقبل الحرارة، لأنَّ الغالب على طبيعة الرُّطوبة والرُّطوبة [أن] تهرب من الحرارة، والحرارة تقهر الرطوبة إذا امتزجَت بها فتُصيِّرها بخارًا، ثم يصير ذلك البخار ريحًا.»١١

المبحث الثاني: العلماء العرب والمسلمون

يرى فيدمان أنَّ العلماء العرب والمسلمين توصَّلوا إلى اكتشاف مجموعة من الطرائق لحساب الأوزان النوعية، رغبةً في تحسين القِيم القديمة، ولم يخُصُّوا الأجْسَام الصَّلبة فقط في تجاربهم، وإنَّما السائلة أيضًا، وأثبتوا أنَّ السوائل تُصبح أخفَّ مع ارتفاع درجة الحرارة.١٢
وسنجدُ أنَّه كثيرًا ما يُستخدَم لدى العُلماء العرب والمسلمين مصطلح «الاستحالة» كما كان يُطلَق عليه، أو التحوُّل من طور إلى آخر في المادة، فالانتقال من الطور الغازي إلى السائل يكون بتكاثُف بخار الماء على سطحٍ مخروط موضوع داخل الثلج، طبعًا كان يُقصَد ببخار الماء في ذلك العصر «الهواء».١٣ كما أنَّهم عرفوا تمدُّد الأجسام النَّاجم عن زيادة الحرارة والتقلُّص الناجم عن البرودة.

جابر بن حيان (القرن ٣ﻫ/٩م)

لاحَظَ جابر أنَّ درجة الغليان في حامض الخليك (صيغته: COOH3CH) أدنى من درجة غليان الماء، وذلك عندما كان يقوم بتقطير الخل للحصول على حامض الخليك المُرَكَّز.١٤ كما وجد أنَّ الحرارة عندما تدخُل في المادة فإنها تزيدُ في طولها إذا كانت جامدة، وترفعُها للأعلى إذا كانت غازية، ويحدُث العكس مع البرودة، في حين أنَّ الرطوبة توسِّع المادة عرضًا وتكون اليبوسة في الأشياء الدقيقة والرَّفيعة، يقول في ذلك: «وأيضًا فينبغي أن تعلم أن الطول كله والأخذ إلى الأعالي من قسم الحرارة، وأنَّ القصر والعكس بمُقابلة تلك الحدود للبرودة، وأن الأخذ عرضًا للرطوبة، وهي تكون في الأشياء الغليظة المنبسطة، والأشياء الدقيقة النحيفة لليبوسة لا غير.»١٥
ويرى الباحث فؤاد جميعان أنَّ العرب فطنوا إلى أنَّ الحرارة تؤثِّر على كثافة المواد، لكنهم لم يفطنوا إلى أن لها تأثيرًا على حجم الأشياء.١٦ ولكن رأيه هذا كان مجانبًا للصَّواب؛ فقد أشار جابر بن حيان في «كتاب أرض الحجر» عندما كان يُناقِش قولَه تعالى وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ.١٧ إلى أنَّ العلماء يرون في معنى «ربَت» أي زاد حجمُها فانتفخَت وعلَت بسبب هطول الماء على تُربتها، ثم ينتقل جابر لمناقشة العلاقة بين الحرارة والبرودة وتأثير كلٍّ منهما على حالة المادة بطريقةٍ علمية في هذا التفسير: «قالوا فأمَّا الوزن إلى النقصان أقرب وعليه الثقل والبرد والتلزز والاجتماع والحركة إلى المركز … وعِلَّة الخفيف عكس هذه كلها وما عملت في الحرارة فبعيدٌ أن يزيد وزنه وإنْ زاد جِرمه … يزيد مساحته وينقص وزنه لفقده التلزز والتحليل الذي هو من عِلَّة الخفيف فقد بطل أن تكون زيادة وزن هذه الأرض بتمديد الحرارة وسخونتها. قالوا والعِلَّة في زيادة وزنها هو عكسُ هذا بعينه وذلك أنَّها إذا دُبِّرَت بالنار فإنَّ النار تحل بالحرارة منها وتجذبها إلى نفسها وتفرِّق بينها وبين أجزاء البرودة؛ إذْ من شأن النار التفرقة بين الأجزاء المُختلفة والجمع بين الأجزاء المُتشابهة، فإذا فرَّقه … بحرارةٍ واللطف الذي هو علة الخفة بقي منها الحارُّ والبارد الذي هو علَّة الثقل فزاد الوزن.»١٨ و«من شأن الحرارة إبادةُ الرطوبة والتعدِّي بها.»١٩ سواء كانت هذه الحرارة كيفيةً داخلية أم خارجية مُسَلَّطَة على المادة من مصدرٍ حراري.
أمَّا اليُبوسة أو الجفاف المُرتبط بالحرارة فتنقسم من حيث أثرها إلى قسمَين: «يبس محسوس يُسمى ظاهرًا، ويبس بالقوة ويُسمى باطنًا، وكذلك الحرارة والبرودة والرطوبة فإنها تنقسِم هذَين القسمَين بأعيُنهما.»٢٠ بمعنى تظهر خاصية اليبوسة، وغيرها من الطبائع، بشكلٍ محسوس الأثَر (بالفعل) أو تكون خفية (بالقوة) لا تظهر إلا بوجودِ ما يدفعُها للظهور.

الكندي (القرن ٣ﻫ/٩م)

أدرك الكندي القاعدة العامَّة بأنَّ الأجسام تتقلَّص بتأثير البرودة فتأخذ حيِّزًا مكانيًّا أقل، وتتمدَّد بالحرارة فتأخذ حيِّزًا مكانيًّا أكبر؛ الأمر الذي يجعل الهواء يُزاح من أمام المتمدِّد، قال الكندي: «وكل جسمٍ برد انقبض واحتاج إلى مكانٍ أصغر من مكانه قبل برده، وكل جسمٍ حميَ انبسط واحتاج إلى مكانٍ أعظم من مكانه قبل حميه، فسال الهواء من جهة الموضع المنبسِط الحارِّ إلى جهة الموضع المنقبض البارد.»٢١

الفارابي (القرن ٤ﻫ/١٠م)

الجسم الساخن عند الفارابي هو «ما خالطه جسم حارٌّ، فيَتبَدَّد في خلاله الأول فيسخن جملة المجتمع منهما بمنزلة ما يسخن الماء متى صُبَّ فيه ماءٌ حار، أو أن يُحدث فيه سخونةً من غير أن يُركَّب إليه أو يخالطه جسمٌ حار.»٢٢ وبخصوص الحدود القصوى التي تكونُ عليها المادة حسب زيادة أو نقصان الحرارة فيها، فإنَّ «الجسم البالغ في الحرارة بطبعه هو النار، والبالغ في البرودة هو الماء، والبالغ في الميعان هو الهواء، والبالغ في الجمود هو الأرض.»٢٣ بمعنى أنَّ أقصى درجة لكيفية الحرارة نجدها في النار؛ ولذلك فإنَّ النار قادرةٌ على تسخين أي جسمٍ يُسلَّط عليها.

أبو الحسن المسعودي (القرن ٤ﻫ/١٠م)

لاحظ أبو الحسن المسعودي تمدُّد الأجسام الطولي بتأثير الحرارة الخارجية، وقد عَمَّمَ هذه القاعدة على كل الأجسام فقال: «وأن الأجسام إذا حُميَت احتاجت إلى مواضعَ أوسعَ من المواضع التي كانت فيها مما تُحدِثه الحرارة من تباعُد نهاياتها عن مركزها، وأنها إذا بردَت صارت بضِد ذلك لأنَّ البرد يفعل تقارُب نهايات الأجسام من مركزها، فتحتاج إلى مواضعَ أصغرَ من مواضعها.»٢٤ ويدلنا هذا النص العلمي الدقيق على وجود مُمَارسةٍ تجريبية وليس مجرد تخمينٍ نظري؛ فعندما نقول «عَمَّمَ» فهذا يعني أنه قد لاحظ تكرار الظاهرة على أكثر من مادة وفي مختلف الأزمنة والأمكنة. والمسعودي معروفٌ بدقة مُلاحظته ومناقشته للمسائل العلمية؛ فقد قدَّم لنا واحدةً من أحد أفضل المُناقشات المُتعلِّقة بأسباب ظاهرة المد والجزر بعد دراستها ومُعاينتها،٢٥ فلا غرو أن يقدِّم لنا واحدًا من أفضل التفاسير العلمية لتأثير الحرارة على الأجسام.

إخوان الصفا (القرن ٤ﻫ/١٠م)

المادة الوحيدة التي لا تتأثَّر بحرارة أو برودة — حسب إخوان الصفا — هي الفلك، وذلك لأنَّ طبيعته «طبيعة خامسة إنما يعنون أنَّ الأجسام الفلكية لا تقبل الكون والفساد والتغيُّر والاستحالة والزِّيادة والنقصان، كما تقبلُها الأجسام التي تحت فلَك القمر.»٢٦ ومن صِفات الأجسام الفلكية «أنها ليست حارَّة ولا باردة ولا رطبة ولا يابسة ولا ثقيلة ولا خفيفة، ولا يستحيل بعضها إلى بعض فيكون منها شيءٌ آخر، ولا يزيد في مقاديرها ولا ينقص.»٢٧ ويفسِّرون سبب قولهم هذا لأنه «من أجل أنَّ الحرارة إنما تَعرِض للأجسام السيَّالة المُتحلِّلة عند الحركة؛ لأن أجزاءها تُفارِق مجاورتها بعضها بعضًا، وتتبدَّل بالغليان الذي هو الحرارة. ولمَّا كانت الأجسام الفلكية مُتماسكة الأجزاء من شِدَّة اليبس، لم تفارق مُجاوِرة أجزائها بعضها بعضًا، فلا يعرض لها الغليان الذي هو الحرارة. وأمَّا البرودة فإنها تَعرِض للأجسام عند سكونها، والأجسام الفلكية دائمة الحركات والدوران، فلا تسكن فتبرد.»٢٨
ويميز إخوان الصفا بين اليبوسة (الجفاف) النَّاجم عن الحرارة والآخر النَّاجم عن البرودة بقولهم: «واعلم يا أخي بأنَّ اليبوسة نوعان: إحداهما تابعة للحرارة وهي فاضلة. والأخرى: تابعة للبرودة وهي رذلة؛ وذلك أنَّ اليبوسة التابعة للحرارة هضمة نضجة، والتي تتبع البرودة فِجَّة غير نضجة. ومثال ذلك يبوسة الياقوت والبلور وأشباهُها؛ فإنها قد أنضجَتها بالطبخ حرارة المعدن، فهي لا تستحيل ولا تتغير. وأمَّا التي هي تابعة للبرودة مثال يبوسة الثلج والجليد والملح وغيرها، فإنها لما كانت فِجَّة غير نضجة صارَتْ رذلة مُستحيلة مُتغيِّرة».٢٩

ابن سينا (القرن ٥ﻫ/١١م)

يَعتبِر الباحث عمر فرُّوخ أنَّ ابن سينا لم يُصِب عندما جعل من الحرارة والبُرودة خاصيَّتَين مُسْتقلَّتَين، إلا أنه كان على حق في قوله: إنَّ الحرارة تتسبَّب بتخلخُل وخفَّة الأجسام الكثيفة، كما أن البرودة تقوم بتكثيف الأجسام.٣٠ فقد لاحظ ابن سينا تأثير الحرارة في عملية تكاثُف قطرات الماء خارج كأس النحاس يُوجد فيه جليد، ونفى أن يكون سبب ذلك هو الرشح، ويقدِّم على ذلك أمثلةً عديدة واقعية، مثل أن يحدُث التكاثُف داخل الكأس إذا كان الجليد في الخارج، ولا تحدُث حالة التكاثُف إذا وُضِع الكأس داخل ماءٍ مغلي.
يقول ابن سينا: «وأنت قد تضع الجمد في كوز صُفْرٍ فتجد في خارجه من الماء المُجتمع على سطحه كالقَطرِ شيئًا له قدْرٌ صالحٌ، ولا يُمكن أن يُنسَب ذلك إلى الرَّشح لأنه رُبَّما كان ذلك حيث لا يماسُّه الجمد، وكان فوق مكانه ثم لا تجد مثله إذا كان الماء حارًّا والكوز مملوء، ثم قد يجتمع مثل ذلك داخل الكوز حيث لا يماسُّه الجمد، وليس ذلك رشحًا البتة، وقد يُدفن القدح في جمدٍ محفورًا حفرًا مهندمًا عليه، ويُشَد رأسه فيجتمع فيه ماءٌ كثير، وإن وُضِع في الماء الحار الذي يغلي مدةً وشُد رأسه لم يجتمع فيه شيء. وإذن بطل أن يكون على سبيل الرشح.»٣١

والتفسير الرَّئيس لذلك — حسب ابن سينا واعتمادًا على تعريف أرسطو للحرارة — هو استحالة الهواء المجاور للكأس أو بخار الماء الموجود في الهواء إلى ما يُماثله في طبع البرودة وهو الماء؛ لذلك يستبعد ابن سينا تمامًا أن يكون قد حدث رشح من الماء الموجود داخل الكأس إلى خارجه.

قال ابن سينا: «فلا يخلو إمَّا أن يكون على سبيل أن ما يُجاور القدح أو الكوز وهو الهواء قد استحال ماء أو أنَّ المياه المنبثة في الهواء انجذبَت إلى مُشاكِلها في البرودة وهذا القسم الثاني مُحال؛ وذلك أنه ليس في طبيعة الماء أن يتحرك إلا على سبيل الاستقامة إلى السفل — ولو كان يجوز أن يتحرك كيف اتفق لكانت القطرات إذا خلي عنها عند مُستنقع ماء عظيمٍ كثير بارد أو عند مجمع جمدٍ كثير أن تميل إليه عن جهتها المستقلة — فإذن ليس على سبيل الرَّشح ولا على سبيل الانجذاب، فيبقى أن يكون على سبيل استحالة الهواء ماءً فتكون إذن المادة مُشتركة، فيستحيل الماء أيضًا عند التبخير هواء، ثم الهواء قد يستحيل عند التحريك الشديد مُحرِقًا.»٣٢
ثم يُعمِّم ابن سينا ظاهرة تكاثُف قطرات الماء أنَّها يُمكن أن تحدُث على أي سطحٍ بارد، وأن سببها هو تحَوُّل الهواء إلى ماء. مثله في ذلك مثل النَّار التي تُصنع بسبب النفخ أو تحوُّل المياه إلى حجارةٍ صلبة، يقول في ذلك: «قد يبرد الإناء بالجمد، فيركبه ندًى من الهواء، كلما التقطته مُد إلى أي حَدٍّ شئت ولا يكون ليس إلا في موضع الرشح، ولا يكون عن الماء الحارِّ، وهو ألطفُ وأقبلُ للرشح، فهو إذن هواءٌ استحال ماء، وكذلك قد يكون صحوٌ في قمم الجبال، فيضرب الصِّر،٣٣ هواها فيجمد سحابًا لم يَنسَقْ إليها من موضعٍ آخر، ولا انعقَد من بخارٍ مُتصعد، ثم يُرى ذلك السحاب يهبط ثلجًا، ثم يُضحِي ثم يعود، وقد تُخلق النار بالنفاخات من غير نار. وقد تحلُّ الأجسام الصلبة الحجرية، مياهًا سَيَّالة، كما قد تجمد مياهٌ جارية تُشرب، حجارةً صلدةً.»٣٤
ويوسِّع ابن سينا ما طَرَحَه أرسطو بشأن أثَر الحرارة على المادة فقال: «الحرارة ليست تفَرِّق المختلفات، بل قد تفرِّق المُتشاكِلة، كما تفعل بالماء، فإنها تفرِّقه تصعيدًا. وأيضًا فإنَّ النار قد تجمع المختلفة، فإنها تزيد بياض البيض وصفرتها تلازمًا، ثم بالحقيقة ولا أحد الفعلَين لها فعل أول؛ وذلك لأنَّ فعلها الأول تسييل الجامد من الرُّطوبات بالبرد وتحليله، ثم تصعيده وتبخيره.»٣٥ وحاول أن يوضِّح عملية الاجتماع الذي تُحدِثه الحرارة بقوله: «إنَّ الحرارة تفعل في الأجسام البسيطة وتفعل في الأجسام المُرَكَّبة، والجسم الواحد البسيط يجتمع، فيستحيل أن يُقال إنَّ النار تجمعه؛ لأنَّ قولنا كذا يجمع كذا معناه أن يجمع ما ليس بمُجتمِع.»٣٦
ويبدو أن ابن سينا لاحظ تجريبيًّا تمدُّد الماء في وعاء مُحكَم الإغلاق، كان قد وضَعه في فرنٍ لمدة من الزمن، يقول ابن سينا: «وقد عاينتُ قمقمةً صغيرة شدَدنا رَأسها بعد ملئها بالماء ووضعناها في أتونٍ فما لبثنا حتى انشقَّت وخرج كلُّ ما كان فيها نارًا. ومن المعلوم أنَّ الماء الذي كان فيها لم يُمازج بأجزائه المُتفرقة شيئًا آخر حدث منه تغيُّر؛ لأنَّ النار لم تكن في القمقمة أولًا، ولا دخلَت ثانيًا لعدم المنفذ في القمقمة، فمن المعلوم أن استحالتَها كانت على سبيل التغيُّر في ذاتها الهوائية والنَّارية لا على سبيل تفرُّق الأجزاء.»٣٧

إن ما لاحظَه ابن سينا في هذه التجربة هو التمدُّد الحجمي للماء، وهو ما أسماه ﺑ «التغيُّر في ذاتها» فقد تمدَّد الوعاء لدرجة أكبر من حجم الوعاء، فأدى ذلك لانفجارها وخروج الماء والبخار المتولِّد نتيجة عملية التسخين. وبذلك برهن ابن سينا من حيث يدري أو لا يدري على عدم دقة تعريف أرسطو للحرارة، بأنها سبب تَجَمُّع الأشياء المتشابهة في جواهرها ومادتها، وتفريق الأشياء المُختلفة في جوهرها ومادتها. وفي الوقت نفسه أثبت صحة تعريف جابر بن حيان بأنَّ الحرارة هي ما يُسبب غليان المادة وتحرُّكَها في كل الاتجاهات. ونحن لا نشُك أبدًا بأنَّ ما رآه ابن سينا هو تحطُّم الوعاء في كافة الاتجاهات وليس بجهةٍ محدَّدة.

مرةً أخرى لاحظ ابن سينا ظاهرة التمدُّد الحجمي أيضًا، التي تظهر في الماء الموضوع في وعاء، وقد حاول تفسير ما حدث اعتمادًا على المبدأ الأرسطي أن «الطبيعة تكره الخلاء» مُفنِّدًا كل الأفكار الأخرى التي قد تخطُر ببال أحدهم، ليصل إلى نتيجةٍ مفادُها أنَّ ما حدث هو تمدُّد الماء داخل الوعاء في كل الاتجاهات، هذا التمدُّد احتاج لمكانٍ أكبرَ مما هو فيه، فجعل الوعاءَ يتصدَّع.

قال ابن سينا: «وينبغي أن تعلم أنَّ هذه الأجسام تقبل التكاثُف والتخلخُل بأن يصير جسمٌ أصغَر مما كان من غير فصل جزءٍ عنه أو أكبَر مما كان من غير وصل جزء به، وذلك بَيِّن من القارورة تمص فتكب على الماء فيدخلها الماء؛ فإمَّا أن يكون وقع الخلاء وهو مُحَال، وإما أن يكون الجسم الكائن فيها قد خلخله القَسْر الحامل إياه على تخليه المكان ثم كثَّفه برد الماء أو تكاثف بطبعه فرَجَع إلى حجمه الطبيعي عند زوال السبب المُخلخل إيَّاه خارجًا عن طبعه. وهذه الأزقاق والأواني التي تتصدَّع عند غلَيان ما فيها أو تسخينه، إمَّا من طبعه وإمَّا من نارٍ تُوقَد عليه لا يخلو إمَّا أن يكون ذلك الانصداع لأجل حركةٍ تعرض لما فيها مكانية قوية من تلقائه — أو الحركة تعرض لها من مُحرِّكٍ دافع، أو لحركة لها من باب الكم بتخلخل وانبساط لا يسع مثلَه سطح الوعاء، والقسم الأول مُحالٌ لأن تلك الحركة إمَّا أن تكون فيها إلى جهةٍ واحدة أو إلى الجهات كلها؛ فإن كانت إلى جهةٍ واحدة فإنَّ نقل الإناء وحمله رُبَّما كان أسهل من صَدْعه فيجب أن تنقل الإناء وتحمله في أكثر الأمر لا أن تصدَعه، وإن كانت إلى جهاتٍ مُختلفة فيلزم من ذلك أن تكون طبيعة مُتشابهة يعرض فيها أن تتحرك حركاتٍ بالطبع مختلفة، وهذا مُحَال وإن كان إنما يتحرك مثلًا لدافعٍ مثل ما يُظن أنَّ النار تدخل الماء المغلي فيصير أكبر حجمًا فينصدع الإناء فلا يخلو إمَّا أن يدخل ثقبًا خالية، وإمَّا ألا يدخل ثقبًا خاليًا بل يُحدِث ثقبًا ومنافذ فيه وحال ألا يدخل ثقبًا خاليًا فإن الخلاء ممتنع — وأيضًا إذا امتلأَت الثقب الخالية لم يجب أن يزداد حجم الجسم كله، بل وجب أن يكون على ما هو عليه. وأمَّا القسم الثاني فلا يخلو إما أن يزيد في الحجم مع مماسَّة سطح الجسم الذي فيه قبل النفوذ في ثقب مُستحدثة فيه أو بعد أن يثقب ويدخل، وكلا القسمَين باطل — أمَّا مع المماسَّة فإن نفس المُمَاسَّة لا تُوجِب زيادةَ حجم الشيء نعم رُبَّما كان المماسُّ يدفع ويضغط بقوَّته إلى جهةٍ واحدة مخالفة لجهة حركته ومضطرة إليها — ولا يجب من ذلك أن ينصدع ما يحتوي على المدفوع، بل ينتقل على ما بيَّنَّا، على أنه كثيرًا ما يَعرِض ذلك لا بسبب نارٍ واصلة من خارج، بل لأنَّ المحوي يسخن من تلقاء نفسه، ومُحال أن يُقال إن الانصداع واقعٌ بزيادة الحجم بسبب المُخالطة من النافذ الثاقب، فنقول إن هذا القسم أيضًا مُحال؛ لأنه لا يخلو إما أن تكون الزِّيادة في الحجم آن الانصداع أو يكون الحجم قد زاد قبله، وكلا القسمَين مُحال — أمَّا الأول فلأن كل آنٍ يكون فيه نافذًا يمكن أن يُفرَض قبله آنٌ آخر كان فيه نافذًا؛ لأنَّ النفوذ مجاورة السطوح بالحركة، ويكون له مسافةٌ ما، وتلك المسافة منقسمة، وفي بعضها قد كان نافذًا أيضًا، فقد كان الحجم زائدًا قبل أن صدع. وهذا محالٌ لوجهَين؛ أحدهما لأن الإناء الذي ملأه شيءٌ لا يسع فيه مالئٌ أكثر منه حتى يثقبه إلى أن يشقَّه، والثاني لأنَّ الحجم إذا صار أكبر كان يشق لأنه أكبر فيجبُ أن يكون قد شُق قبل أن شق — اللهم إلا أن يُقال إنه دخل شيء وخرج شيء مثله، فيكون الحجم لم يزدَد إلى وقت الشق، ثم ترجع المسألة من رأس في القدْر الذي إذا دخل فيه شيء لم يخرج مثله، فقد بطَل أن تكون الحركة الصادعة من جهة حركةٍ انتقالية تعرَّض لما في الإناء من تلقائه، وبطل أن يكون لدفعٍ يعرض من دافع، وليس يجوز أن تكون إلى جهةٍ واحدة، فينتقل الإناء قبل أن يشُقه، فقد بقي أنه إنما يعرض لانبساطه فيُشق بالدفع القوي والتمديد، فيكون قد ازداد حجم جسم لا بمُداخلة جسمٍ آخر — إمَّا وهو باقٍ بعدُ على صورته في كليته، وإما أن بعض أجزائه استحال إلى صورةٍ أخرى تقتضي كمًّا أكبر — وإما أن جميعه استحال إلى صورةٍ تقتضي مقدارًا أكبر.»٣٨

ويبدو من النَّص الذي سنُقدِّمه أنَّ ابن سينا حاول جاهدًا وبطريقةٍ مَنْطِقية أن يُفسِّر سبب حدوث التمدُّد الحجمي للماء، وما هو الشيء الذي أضافَته عملية التسخين للماء وجعلَه يتوسَّع بهذا الشكل. لكنه وفي إطار نظرية أرسطو، لم يتمكَّن من تقديم التفسير الحقيقي لهذا التمدُّد.

يقول ابن سينا: «وينبغي أن تَعلَم أنَّ الحرارة التي [هي] من قوى البسائط إذا صادفَت مادةً مُخْتلطة من رطب ويابس؛ حلَّلَت الرطب الذي فيها فازداد الجسم قبولًا لحد الرطب، حتى إذا أبانَته عنه بالتبخير اجتمع فيه اليابس وصلُب، فيحصُل عنها في أول الأمر لينٌ، فإذا لان ولاقى البارد ذلك الجسم كثَّفه فصار تكثيفه أشد مما كان أولًا، إذن اليابس فيه الآن أكثر مما كان، ثم إذا فَنِيَت الرطوبة بأَسْرها بقي يابسًا لا اجتماع له؛ لأنَّ الاجتماع إنما كان بالنداوة وقد تبخَّرَت، وربما سخنَت الحرارة من الشيء ظاهره فتبرَّد باطنه بالتعاقُب الجاري بين الطبائع المتضادة، وليس معنى هذا التعاقُب أن الحرارة والبرودة تنتقل وتتحرك من جزء إلى جزء ولا أنها تشعر بضدها فتهزم عنه — بل إذا استولى ضد على ظاهر الشيء غصبَت القوة المُسخنة التي فيه أو المبردة بعض المادة المطيفة به المنفعلة عنه فبقي المنفعل أقل مِمَّا كان، وإذا قلَّ المنفعل اشتد فيه الفعل وقَوِي وظهر، ثم إذا سلمت المادة له كلها انتشر التأثير في الكل فضعف، فإذا اتفق أن كان في شيءٍ واحد قوَّة مُسخِّنة ومبرِّدة فأيهما غلب على الظاهر قَوِي فعل ضده في الباطن إلا أن يغلب فيغصب جميع المادة ظاهرها وباطنها — وقد يفعل الحقن ضد فعل التبخير؛ مثل أنَّ الحرارة إذا بخَّرَت الجوهر المسخَّن في الباطن ضعُفَت الحرارة الباطنة، وإن البرودة إذا حقنَت الجوهر المسخَّن في الباطن قَوِيَت الحرارة الباطنة؛ ولذلك توجد الأجواف في الصيف أبرد. والبرودة رُبَّما خلخلَت الشيء بالعَرَض فتقوى الحرارة في باطن الجسم بالاحتقان، ثم تستولي البرودة على المادة أخيرًا. والبرودة تفعل في جميع ما قلناه ضِدَّ فعل الحرارة فيصلُب المركَّب من يابس ورطب أولًا، فيُمكن حينئذٍ أن يعرض ما قلنا من تقوِّي الحرارة باطنًا، ويُمكن ألا يعرض فيزول التصليبُ البتة بل لا يزال يشتد. وهذه الكيفيات إذا اجتمعَت في المركَّب فعل بعضها في بعض فحصل من المركَّب مزاجٌ مخالف لكيفيات البسائط، فتكون البسائط فيه لا على ما هي على حد البساطة المفردة عن التركيب، بل تكون صورها الذاتية محفوظةً غير فاسدة؛ لأن فسادها إلى أضدادها دفعة، وأضدادها أيضًا بسيطة وعناصر لا مركبات، وكيف لا تكون فيه ثابتة، والشيء المُرَكَّب إنما هو مركَّب عن أجزاء فيه مُختلفة، وإلا كان بسيطًا ولا يقبل الأشد والأضعف، وأمَّا كيفياتها ولواحقها فتكون قد توسَّطَت ونقصَت عَمَّا كانت فيه من حد الصرافة والسورة للبساطة.»٣٩
مع قوَّة الحقيقة التجريبية التي عاينَها ابن سينا بنفسه، نراه يعود لنظرية العناصر الأربعة واستحالتها في كتابه (النَّجاة)، التي تتلخَّص في أن لكل عنصرٍ من هذه العناصر طبيعتَين؛ فللنار الحرارة واليبوسة، وللهواء الحرارة والرطوبة، وللماء البرودة والرُّطوبة، وللأرض البرودة واليبوسة، وليست البرودة عدم الحرارة، بل تُعد موجودةً بالذات، وتُعتبر كلٌّ من الحرارة والبرودة مؤثِّرةً ذاتَ أثَرٍ محسوس في الأجسام؛ حيثُ إنَّ الحرارة تمدِّد الأجسام، والبرودة بالعكس تقلِّصها.٤٠ ويرى بأنَّ «الحرارة تُعِين كلًّا من اليبوسة والرطوبة على فعله؛ فالرطب الحَارُّ أشد تحليلًا لما يحل به. واليبوسة الحارَّة أشد عقدًا لما يُعقد بها.»٤١ كما أنَّ «الحرارة فاعلة إذا فعلَت بالطبع؛ وتفعل إما إحالةً وإما تحريكًا، وأعني بالإحالة جميع ما سوى المكانية والوضعية مما هو في الطيف أو الكم نحوه.»٤٢ ويُفسِّر ابن سينا عملية التبخير على أنها «تحريك الأجزاء الرَّطبة مُتحللةً من شيءٍ رطب إلى فوق، بما يُفاد من مبدأ ذلك بالتسخين.»٤٣

وهكذا فقد حاول ابن سينا هنا أن يُدمِج أو يُوفِّق بين المفهوم الأرسطي (تجميع أو تفريق) للحرارة ومفهوم جابر للحرارة (غليان وحركة)، لكن هذا الدَّمج فيه اضطراب لن يُساعده على بناء نظريةٍ مُتماسكة مع بعضها داخليًّا؛ فالتجميع أو التفريق يُشيران ضمنيًّا إلى وجود الحركة، لكن غير مُحَدَّدة الاتجاه، أمَّا في تعريف جابر فإنَّ الحركة في كل الاتجاهات تعقُب عملية الغليان.

أخيرًا، فقد ناقَش ابن سينا أيضًا عَمليَّة انصهار المواد، وكيف أنَّ قدرة النار على الصهر تزداد بزيادة المواد القابلة للاحتراق مثل الكبريت والزرنيخ والأملاح، قال ابن سينا: «النَّار في قوَّتها أن تُسيِّل أكثر الأجسام حتى الرَّماد، والطلق، والنورة، والملح، والحديد تسييل إذابة، وخصوصًا إذا عِينَت بما يزيدُها اشتعالًا كالكبريت والزرنيخ والأملاح الحادة.»٤٤

البيروني (القرن ٥ﻫ/١١م)

برع البيروني في صناعة الآلات الرَّصدية، وله إسطرلابٌ رائع قمنا بإعادة صُنعِه حديثًا، ووضعِه في مُتحف تاريخ الطب والعلوم في حلب، وقد بلغَت دِقَّة مُلاحظة البيروني أنه لاحَظ تمدُّد الآلات الرَّصدية المَعْدنية وغيرها بسبب تعرُّضها لحرارة الشمس نهارًا وتقلُّصها ببرودة الليل،٤٥ ونَبَّه البيروني إلى إمكانية حدوث الخطأ في الرَّصد والقياس بسبب تمدُّد آلات القياس بالحرارة وتقلُّصها بالبرودة، كما أنه أشار إلى عملية الاستطالة التي قد تحدُث للجسم نتيجةَ الثقل المؤثِّر عليه. ومن أجل تفادي الأخطاء في قياس طول السنة يجبُ أن يرصد وقت حلول الشمس هذه النقطة المعيَّنة مرتَين، بينهما عددٌ كبير من السنين. وقد أحبَّ أن يُنبِّه العاملين في هذا المجال فقال: «وعلى هذا عملوا كما عملنا نحن، وإن كان عملنا للتوطيد؛ ولا بُدَّ من وقوع التساهل في أمثال هذا الرَّصد بسبب صغر الآلات إذا قيست إلى عِظَم ما يُقاس بها، وبسبب التغييرات التي وقوعها ضروري في الأشياء الطبيعية، لازمٌ إياها لا يفارقها، كالامتداد العارض في الحلقات من نقلها إذا أفرط في تعظيمها حتى يستطيل له ويعرض. أمَّا الاستطالة ففي السمك إذا عُلقَت، وأمَّا الانبطاح ففي العرض إذا نُصبَت، وبسبب ما يلحقها من أمثال ذلك عند تغيُّر الكيفيات في المواد. وقد كان المأمون تولَّى نصب عمودٍ من حديدٍ أدى أذرعه على عشر بدَير مران من دمشق، وسوَّاه في صدر النهار ثم قاسه بالمساء فوجده مُتغيرًا عن نصبته قدر طول شعيرة بتأثير برودة الليل فيه، وآيسه ذلك عن إدراك مقدار السنة بالحقيقة.»٤٦ ووجد البيروني أنَّ «الحرارة تمنع السائل عن أن يتكثَّف، والبرد في خلاف جهة الضوء لجمعه.»٤٧
إضافةً لما سبق فقد حدثَت بين البيروني وابن سينا سلسلة مراسلاتٍ علمية،٤٨ الهدف منها معرفة الرأي الأرسطي الذي يُمثِّله ابن سينا مُقابل الرَّأي غير الأرسطي الذي يُمثِّله البيروني. لن نخوض في كل مسائل المراسلات، وإنما سنرُكِّز على المسائل الحرارية منها ذات الصلة بموضوع الفصل.
ورد عن البيروني في المسألة العاشرة سؤاله: «استحالات الأشياء بعضها إلى بعض، أهو على سبيل التجاوز والتداخل أم على سبيل التغيُّر؟ ولنُمثِّل بالهواء والماء، فإنَّ الماء إذا استحال إلى الهوائية أيصير هواءً بالدقيقة أم يتفرق فيه أجزاؤه حتى يغيب عن حس البصر، فلا يرى الأجزاء المُتبدِّدة؟»٤٩
فكان جواب ابن سينا أنَّ ما يُسميه البيروني «استحالة» هو مجرد تغيُّر صورة المادة لكن الطبع يبقى نفسه، والدَّليل على ذلك هو الماء المُحتجَز داخل وعاءٍ مُحكم الإغلاق؛ فهو يتمدَّد حجميًّا عندما يتعرَّض للتَّسخين، فسبب هذا التمدُّد هو تحول بعض أجزاء الماء إلى هواء. وقد أشار ابن سينا إلى استحالة كلٍّ من العناصر الأربعة إلى غيره في كتاب «الإشارات»؛ فبعد أن ذكر أمثلةً عليها استخرج حكمًا نهائيًّا بأن «هذه الأربعة قابلة للاستحالة بعضها إلى بعض؛ فلها هيولَى مشتركة.»٥٠
قال ابن سينا في جوابه على البيروني: إن «استحالات الأشياء بعضها إلى بعض ليست كما مثَّلتَ من استحالة الماء إلى الهواء، بأن نضع أجزاءه تتفرَّق في الهواء حتى يغيب عن الحس، بل ذلك لخلع هيولى الماء صورة المائية، وملابستها صورة الهوائية. ومن أراد أن يعرف ذلك على الاستيفاء، فلينظر في تفسير المُفسرين لكتاب «الكون والفساد»، وكتاب «الآثار العلوية»، والمقالة الثالثة من «كتاب السماء». ولكِنِّي أبَيِّن ذلك بطرفِ ما بيَّنوه وأُورِد مثالًا استقرائيًّا مما أثبتوا به قولهم، فأقول: إنَّ زيادة الأجسام في كميتها كماءٍ ملأنا به قمقمةً وشدَدنا رأسها وأسخناها إسخانًا شديدًا، فشقَّت القمقمة لطلبها مكانًا أوسع من مكانها لزيادتها في أقطارها بتحول أجزاء مائها هواءً، فإمَّا أن يكون لتخلَّل الخلاء في أجزاء مائها، وإما ألا يكون سبب التغيُّر تفرق الأجزاء، لكن الخلاء مُحال وجوده، فمن الضرورة أن القسم الثاني حق، وهو أنه ليس سبب التغير تفرُّق الأجزاء، وإنما هو قبول الهيولى لصورةٍ ثانية؛ فإنْ قيل: القمقمة يدخلها هواء أو شيءٌ آخر ويزيد في كميَّة الجملة. قلنا: هذا مُحال؛ لأنَّ المملوء لا يمكن أن يدخل فيه جسمٌ آخر، إلا بعد خروج الجسم الأول. والماء ليس يخرج من القمقمة المشدودة الرأس لعدم المنفذ، وقد عاينتُ قمقمةً صغيرة شدَدنا رأسَها ووضعناها في أتون، فما لبثنا حتى انشقَّت، وخرج كل ما كان فيها نارًا. ومن المعلوم أنَّ الماء الذي كان فيها لم يمازج بأجزائه المتفرقة شيئًا آخر، حدث منه تغير لأنَّ النار لم تكن في القمقمة أولًا ولا دخلت ثانيًا لعدم المنفذ في القمقمة، فمن المعلوم أن استحالتها كانت على سبيل التغيُّر في ذاتها إلى الهوائية والنارية لا على سبيل تفرُّق الأجزاء؛ فقد أوردتُ مثالًا يؤيد قول أرسطو طاليس في الكون والتغيُّر من جزئيات الطبيعة، واكتفيتُ به، فإنَّ بسْطَه كثير المئونة. وهذا الفصل قد يجيء فيه اعتراضاتٌ كثيرة، فإن تبيَّنتَ شيئًا منها فيجب أن تمنَّ عليَّ بمُعاودة السؤال لأشرحه لك إن شاء الله.»٥١
لكن البيروني اعترضَ على هذا الجواب، مُحَاولًا التوضيح أنَّ الحالة التي سأل عنها تتم في وسطٍ مفتوح، بينما ابن سينا أجابه عن حالةٍ تتم في وسطٍ مُغلق، ومع ذلك أراد البيروني أن يفسِّر له حقيقة مثال القمقمة وَفْق نظريته، وهي بأنَّ التمدُّد يشمل الوعاء والماء وليس الماء فقط، وطالَبه بالبرهان على أنه عندما يزيد حجم جسمٍ بسبب التسخين فإنه سيجعل جسمًا آخر يتناقص حجمه، بحيث لا يظهر خلاء؛ قال البيروني: «القائل بأن الاستحالة هو تفريق جُزئيات الشيء في جُزئيات الآخر ليس يقول بأنَّ الجسم يطلبُ مكانًا أوسع إذا سخن، بل يقول إن الأجزاء النارية تدخل ذلك الجسم من منافذِه ومسامِّه فتزيد فيها أجزاءً نارية، فتزيد كميته لاجتماع الجسمَين، وإن القمقمة إذا سخنَت تدخل في مسامِّها أجزاءٌ نارية تمدِّدها فتنشق. والدليل على ذلك أنَّا لم نجد ما خلَّى صورة المائية، ولبس صورة الهوائية إلا إذا تكاثف واجتمع خلع تلك الصورة؛ فلو كان الماء يصير هواءً بالحقيقة لما عاد ماءً عند التكاثُف، ولما كان هواءً، فالعود إلى المائية أحق من غيره، وأيضًا فيلزمك أن تُبَرْهِن على أنه إذا سخن جسمٌ فتزيد أقطاره أنه يعود في العالم جسمٌ مثله، فتنقص أقطاره مثل الذي زاد ذلك دفعةً حتى لا يخلو مكان من مُتمكِّن، وإلا فإلى أين تتدافع تلك الزيادة؟»٥٢
لكن ابن سينا لم يُقَدِّم بُرْهَانه كما وَعَد، بل كلَّف تلميذه أبا سعيد أحمد بن علي المعصومي للجواب عنه، نافيًا صحة كلام البيروني في تمدُّد الوعاء، ومؤكدًا صحة كلامه في تحوُّل الماء إلى هواء والعكس صحيح، فكان من المعصومي أن ردَّ قائلًا: «وأمَّا إنكارك استحالة العناصر بعضها إلى بعض، وادِّعَاؤك أنَّ القمقمة المحمَّاة إنما تنشقُّ إذا كانت مشدودة الرأس لدخول أجزاء النار فيها فباطل؛ لأنه لا يخلو إمَّا أن يدخل النار والماء فيه وهذا مُحال؛ لاستحالة حصول جسمَين في مكانٍ واحد، أو يخرج من الماء بقَدْر ما يدخل من النار، فلا يُوجِب إذن انشقاق القمقمة، وعلى أنه كيف يجتمع أجزاء النار مع الماء في موضعٍ واحد مع كونها ضدًّا له من غير أن يُفسِد أقواهما الأضعف، ليت شعري؟ وعلى أنه أحالَك في هذه المسألة على مواضعَ لو تصفَّحتَها حصلتَ على برد اليقين منها. وأمَّا قولُك بأنَّا لم نَرَ ماء قطُّ خلى صورة المائية إلا إذا تكاثف عاد ماءً، فإنَّ أحدًا لم يخالفك في هذا، وهل الاستحالة إلا كما ذكرت؟ وليس أحد يقول: إن الجِرْم إذا استحال لم يمكنه أن يعود إلى ما كان عليه. ففي الذي أوردتُه زيادة تأكيد في أن الأجرام تقبل الاستحالة أبدًا. وأمَّا انقباضُ الجِرم لانفشاشِ جِرم آخر فمشاهد لأنَّ الجرم إذا سخن وانفشَّ ضغط ما قرب منه، وحفَّه من الأجرام، كما ترى في البخار الصاعد، وكذلك في الحمامات ترى البخار تنفشُّ منه الحرارة فيضغط البخارات المُتقدمة له ويكثِّفها على السقف، ويحوِّلها ماء؛ ولهذا يظهر عليه شبه العَرق، وعلى أن عدم الخلاء وثبوت استحالات الأشياء يُوجِب ذلك ضرورةً وإنْ لم نشاهده.»٥٣

حواريةٌ جميلة بين قامتَين علميتَين كبيرتَين كان الهدف منها هو استجلاء الحقيقة وفهم ما يحدُث في مسألة التمدُّد الحجمي الناجم عن الحرارة، والذي يُحسَم لصالح البيروني الذي كان يُفكِّر علميًّا خارج الصندوق وبعيدًا عن التقليد الأرسطي.

أبو رشيد النيسابوري (القرن ٥ﻫ/١١م)

يرى أبو رشيد النيسابوري (تُوفِّي نحو ٤٤٠ﻫ/١٠٤٨م) أنَّ الحَرَارة والبُرودة «لا يُدْرِكُهما أحدُنا إلا بمحل الحياة.»٥٤ بمعنى أنَّهما ظاهِرَتان حِسِّيتان، والحِسُّ يَسْتلزِمُ أن يكون الجسم حيًّا ليُدرك محسوسه. وقد رَدَّ النيسابوري على من ذكَر عدم تحوُّل بخار الماء إلى ماء عند ملامسته لسطحٍ بارد، بأنَّ كلامهم غير صحيح، فقد «ذكر في عيون المسائل٥٥ أن الهواء يستحيل ماءً وتشبيهه ببخار القِدْر إذا لاقى الطبق، وعند شيوخنا أن الهواء الذي ذكرتَه لا يَصِحُّ، بل يكون ذلك البخار هواءً تُجاوِره أجزاءٌ رطبة فيها مائية؛ فلذلك إذا لاقى بخارُ القِدْر الطبق ظهر ما في البخار من أجزاء الماء على الطَّبق، لا لأنَّ الهواء قد استحال ماءً. [و] الذي يدلُّ على فساد ما ذكره أنَّ الهواء لو كان يستحيلُ ماءً لكان لا يخلو من أحد أمرَين: إما أن يكون من فعل الله بالعادة، أو يكون ذلك مُوجَبًا عن مجاورة الأجزاء المائية له، ولا يجوزُ أن يُقال إنه من فعل الله بالعادة ابتداءً لأنه كان يجبُ أن لا تستمر الحال فيه على طريقةٍ واحدة، ولا يجوز أن يُقال إنه يتولَّد عن مجاورة الماء له؛ لأنَّ المُجَاورة لا جهةَ لها فتولد في غير محلها، وبعدُ فليس بأن تكون مجاورة الهواء للماء مُقتضية لأن يستحيل الهواءُ إلى طبع الماء أولى من أن يقتضي أن يستحيل الماءُ هواء، على أنه كان يجب إذا لاقى الهواءُ الماء الذي في البخار أن يستحيل ماء، وقد علمنا أنَّ ذلك لا يجب. وقد قضينا الكلام في هذا الجنس في كتاب النقض على أصحاب الطبائع.»٥٦

والفكرة التي أشار إليها النيسابوري تستحق النظر فيها؛ فقد مَيَّز أولًا بين بخار الماء والهواء، وأن كلًّا منهما كيانٌ فيزيائي مستقل عن الآخر؛ ولذلك فإن ما يتكاثَف ويتحوَّل إلى ماءٍ على الأسطح الباردة حتمًا هو بخار الماء وليس الهواء.

مؤيد الدين الطغرائي (القرن ٦ﻫ/١٢م)

ارتكز الكيميائي مؤيد الدين الطغرائي على تعريف أرسطو للحرارة، ثم بحث في أثرها في المُعَالجة الكيميائية للمواد، فالحطب الذي تُسَلَّط عليه النار تجتمع الأجزاء المتماثلة فيه مع بعضها وتنتقل لمرحلةٍ أخرى، إمَّا تصعَد أو تترسَّب.

قال الطغرائي: «اعلم أنَّ قوى البسائط المبحوث عنها والمحتاج إليها أربعة: الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة؛ فالحرارة سواء كانت هي المعلومة أو الموجودة بالتدبير عبارةٌ عن كيفية من شأنها تفريق المُختلفات وجمع المؤتلفات، فإنها إذا سلكَت على جسمٍ مركَّب من جسدَين بارد ورطب وبارد ويابس مثلًا، فإنها لا تزالُ تجمع أجزاء كل واحدٍ منهما حتى يتم، ثم تميِّز أحدهما عن الآخر، فتجدُ البارد الرُّطب وحده والبارد اليابس وحده، وكذا تفعل في كل مختلفَين ومتضادَّين، وأمَّا المؤتلفات فكمثل أجزاء الحار اليابس الدقيقة المُتفرِّقة في جرمِ الشيء المركَّب منه ومن غيره؛ أي المُتبدِّدة في أقطاره ومساحة جِرمه؛ فإنها عند إحساسها بالحرارة وتسليطها على المركَّب لا تزال تجتمع وتنضم مع بعضها بعضًا إلى أن تستكمل كلها وتستخلص من الجسم الذي هي فيه، وتصعَد إن كانت قابلة للصعود، وتركُد إن كانت قابلة للرُّكود. وهكذا إذا كان الأمر على مثل إلى أن يتبقَّى من المركَّب الذي سُلِّطَت عليه الحرارة أرضه وجسده، وأتفاله باقية وحدها غير مشوبة بشيء من غيره، مثال ذلك: أنَّ الحطب الذي سُلِّطَت عليه النار العنصرية لا يزال تجتمع فيه الأجزاء المتماثلة بعضها من بعض من مساحة جِرمه طولًا وعرضًا، وتجتمع جملةً وتصعَد أدخنةً حاملةً لأرواحه إلى ألا يبقى فيه شيء مِمَّا هو قابل للصعود حتى يخرج منه، فيبقى جسده وتفلُه أرضًا ميتةً لا روح فيها أبدًا وهو الرَّماد، فهذا معنى كون الحرارة تفرق المختلفات وتجمع المؤتلفات.»٥٧
ويميز الطغرائي بين تحوُّل المادة إلى مادةٍ أخرى كفعل فيزيائي (استحالة)، وبين تحلُّل المادة وفسادها كفعلٍ كيميائي فيقول: «اعلم أنَّ الاستحالة غير الكون والفساد، والفرق بينهما أن الاستحالة حركة في الكيف مع بقاء الصورة النوعية بعينها، مثاله حركة الماء عند التسخين من البرودة إلى الحَرَارة فهذا الجسم المائي الذي تَحَرَّك من البرودة الذاتية إلى الحرارة العرضية باقٍ بعينه مع زوال كيفيته وهي البرودة. ويُفرِّق بينهما من وجه آخر هو أنَّ الجسم المستحيل في كيفيته لا تزول كيفيته رأسًا، وبالحقيقة، بل إنما تُستر بحسب قوة الضِّد الوارد عليها فتهرب البرودة مثلًا من النار إلى باطن الجسم، وتبقى الحرارة إلى حين تغلب عليها البرودة الذاتية فتكسرُها وتُخرِجها من محلها وتحلُّ البرودة في جسدها كما كانت، وأمَّا لو كانت الكيفيات تزول رأسًا في الاستحالات لما عادت أبدًا.»٥٨

ثم يُنَبِّه إلى أنَّ ما تفعله الحرارة هو تحليل الجسم إلى الأجزاء التي يتركَّب منها، لكن لهذا التحليل حدود؛ إذْ لا يمكن للحرارة أن تُحَلِّل الأجسام البسيطة، وإنما فقط تُحلِّل الأجسام المركَّبة من عناصرَ عديدة، ومع وجود تناقُض بين كلامه وكلام أرسطو في تعريف قُدرة الحرارة، إلا أنه يُحَاول أن يتجنَّب الحديث في ذلك، فماذا لو أنَّ المُرَكب كان من عناصرَ مُتَمَاثلة وليست مختلفة، عندها فإنَّ الحرارة ستعمل على تفريق المتماثلات وليس تجميعها. التناقُض نفسه سبق وأن شعر به ابن سينا لكنه كابَر وحاول الدفاع عنه، حتى يتجنَّب الكثير من الانتقادات التي يمكن أن تواجه منظومته الفكرية والفلسفية برُمَّتها.

قال الطغرائي: «قد علمتَ مع غاية البيان مما ذكرناه في ذلك أنَّ أول شيء يحدُث في المركَّب من الحرارة هو التحليل؛ إذْ ليس معنًى للتحليل إلا تفصيل المُرَكَّب إلى أجزائه التي يتركَّب منها وتفرُّقها، واستبان أيضًا مِمَّا ذُكر أنَّ التحليل لا يكون ولا يُمكن أن يكون بشيءٍ سوى الحرارة، واستبان أيضًا بالضرورة أنه لا يمكن أن يكون التحليل في غير المركَّبات فلا يمكن التحليل في البسائط؛ لأنها ليست ذوات أجسامٍ لها أجزاءٌ أولية تتركَّب منها؛ فلذلك لا يكون التحليل في صناعتنا هذه إلا في أول التدبير والحجر باقٍ على تركيبه، ثم في أول القسم الثاني من التدبير يحتاج أيضًا إلى تحليله؛ لأنه يكون هناك قد جُمعَت إليه أجزاؤه وبسائطه التي أُخذَت منه.»٥٩
يُشكَر للطغرائي انتباهُه إلى وجود علاقة بين الزَّمن والحرارة في أثناء تأثيرها على المادة، خصوصًا لدى تقطير أي مادة، وقد وجد أنَّ هذه العلاقةَ عكسيةٌ حيثُ إنَّ «ما تفعله الحرارة الهائلة في الزمن القصير، تفعله الحرارة الضعيفة في الزمن الطويل. ومن ضوابط الحكمة في هذا الباب أن الحرارة الضعيفة تفعل في الزمن الطويل ما لا تفعله الحرارة الكبيرة في الزمن اليسير.»٦٠

القاضي الساوي (القرن ٦ﻫ/١٢م)

شرح القاضي زين الدين عمر بن سهلان الساوي (تُوفِّي ٥٤٠ﻫ/١١٦٣م) مقولة «المُلك» من المقولات العشر لأرسطو،٦١ والتي تَعني وجود هيئةٍ حاصلة للشيء مقارنةً بما يحيط به، وتنتقل هذه الهيئة بانتقاله، ثم ضرب عليها أمثلةً من تأثير الحرارة على الأجسام، وكيف أن هذا التأثير مؤقَّت وليس دائمًا؛ وعلى هذا فإنَّ المصدر الحراري يقوم بدَور الفاعل ما دام يسخِّن جسمًا ويؤثِّر في حالته، لكن دون أن يتحول إلى جسمٍ آخر. مثلًا يتملَّك الماء حالة التسخين عندما نضعه على موقد، فالنار هي الفاعل والماء هو المفعول به.
قال القاضي الساوي: «وأمَّا الملك فهو نسبة الجسم إلى حاصرٍ له أو لبعضِه منتقلِ بانتقاله كالتسلح، والتقمص، والتنعل، والتختم؛ فمنه جزئي كهذا التسلح، ومنه كلي كالتسلُّح، ومنه ذاتي كحال الهِرَّة عند إهابها، ومنه عَرَض كحال الإنسان عند قميصه، وأمَّا أن يفعل فهو تأثير الجوهر في غيره أثرًا غير قارِّ الذات فحاله ما دام يؤثِّر هي أن يفعل، وذلك مثل التسخين ما دام يُسخن، والقطع ما دام يقطع، والتبريد ما دام يبرِّد، وأمَّا أن ينفعل فهو تأثُّر الشيء من غيره ما دام في التأثُّر كالتسخُّن والتبرُّد والتقطُّع، وإنما اختير لهما أن يفعل وأن ينفعل دون الفعل والانفعال قد يُقالان للحاصل المُستكمل القارِّ الذات الذي انقطعَت الحركة عنده، كما إذا قطع شيئًا ووقفَت حركته فيُقال هذا القطع منه، وكذلك يُقال في هذا الثوب احتراقٌ بعد استقراره وحصوله، وقد يُقالان حينما يقطع هذا ويحترق ذاك.»٦٢

هبة الله بن ملكا البغدادي (القرن ٦ﻫ/١٢م)

وضع ابن ملكا تفسيره لظاهرة تصدُّع القارورة التي تتعرض للحرارة، وقد وجد أن سبب ذلك هو التمدُّد الحراري الحجمي، وليس ظهور الخلاء؛ إذْ حاول أصحاب الخلاء من اليونانيين أن يُثبِتوا وجود الخلاء بوساطة ظاهرة (النَّماء) في الأجسام النَّامية، والتي تحدُث نتيجة دخول جزيئات الغذاء بين أجزاء الجسم؛ إذْ لا بد أن يكون لهذه الجُزيئات فراغاتٌ تنفُذ من خلالها وتستقر في ثناياها، فيحصل النمو.٦٣ وقد رَدَّ أرسطو عليهم قائلًا: «يُمكن أن ينمَّى الجسم ليس من قِبَل أن شيئًا داخله فقط، بل قد يُنمَّى بالاستحالة أيضًا. مثال ذلك كون الهواء في الماء … وقد يجب أن يكون الجسم كلُّه خلاء إذا كان بأَسْره ينمَّى، وكان النماء إنما يكون بتوسُّط الخلاء.»٦٤ أي إنه لا يشترط لحدوث النمو وجود جُزيئات خلائية تتداخل مع جُزيئات الغذاء، وثمَّة أمرٌ آخر وهو أن النمو يشملُ كامل الجسم وفي كل الاتجاهات. وقد طرح المشَّاءون مثالًا يؤيِّد ما ذهبوا إليه: إذا كان لدينا قارورةٌ فيها ماء فإنها تتصدَّع إذا ما سُخِّن هذا الماء سخونةً شديدة؛ لأنَّ الحرارة تجعله يستحيل إلى بخار داخل الماء فيزيد حجمه، ولا يبقى له أي فراغ مما يسبِّب بتصدُّع القارورة.٦٥
هنا وجَّه أبو البركات نقده لما طَرحَه المشَّاءون، ومن بينهم ابن سينا، حول زيادة حجم القارورة وتصدُّعها؛ فهو يرى أنَّ صعود الماء بعد تسخينه هو سبب التصدُّع؛ لأنَّ الماء لا يصعد دفعةً واحدة وإنما بشكلٍ تدريجي من المركز إلى المحيط، ويكون هناك بعض الأجزاء الثابتة، فيحدُث بين الصاعد والثابت تجاذب هو سبب التصدُّع في القارورة، وليس الزيادة في حجم الماء.٦٦

ابن رشد (القرن ٦ﻫ/١٢م)

يعتبر ابن رشد أنَّ الحرارة تُغيِّر من حالة الجسم حسب ما يتهيأ له أن يتغير إليه، مثل الطعام الذي يتغير بعد هَضْمه في مَعِدة الإنسان بتأثير الحَرارة عليه، يقول: «كل حرارة تغيِّر الشيء الواحد إلى ما في طبعها أن تُغيِّره، كما أنَّ كل غذاء يتغيَّر عن الحرارة الواحدة إلى ما في طبعه أن يتغيَّر.»٦٧
وقد لاحظ ابن رشد أن التبخُّر يزداد مع زيادة مساحة السطح الذي يُوضَع عليه الماء أمام أشعة الشمس الحَارَّة، «وقد يقول قائل ما بال الزِّيادة التي تكون في البِحَار من الأنهار لا تظهر في البحار إذا كانت مُسْتقرة المياه، فنقول: إنَّ السبب في ذلك عَرضُ البحر وسَعتُه وانتشارُ الماء الواقع فيه مع التحلُّل الذي يكون في جميع أجزاء البحر من حر الشمس. ومثال ذلك: لو أنَّ أحدًا أخذ قدحًا مليئًا من ماء ثم صَبَّه في موضِع مُستوٍ واسع حتى لا يكون ذلك الماء في ذلك الموضع يسيرًا يجفُّ على الفور، بخلاف ما كان يَعرِض له إذا كان مجموعًا في القدح.»٦٨ وهذا النَّص فيه تحديد مُبَكِّر لأحد العوامل المؤثِّرة في سرعة التبخر، أمَّا بقية العوامل فهي درجة الحرارة والرُّطوبة النِّسْبِيَّة والرِّياح ونوعية الماء والضغط الجوي.
ويُعَرِّفنا ابنُ رشد بإحدى الحالات التي تؤثِّر فيها الحرارة على الرُّطوبة الكامنة في الجسم، وهي حالة الشيِّ بأنها «المُبالغة في الحرارة واليُبْس، والأشياء المشوية الحرارة الظاهرة فيها أقوى من الباطنة، والنَّضيجة الحرارة الباطنة فيها أقوى من الحرارة الظاهرة، والأشياء إنما يعرض لها الاشتواء من قِبَل علَّتَين؛ إحداهما: يُبس هيولاها، والثانية: شدة الحرارة مِثلما يعرض للأشياء اليابسة الهيولى إذا دنَت من النار، وعدم الاشتواء يعرض لعلَّتَين؛ إحداهما: قِلَّة الحَرَارة الواردة عليه من خارج؛ أعني الغريبة. والثانية: كثرة المائية المخالطة للشيء المنفعل.»٦٩ أي إن ابنَ رُشد مَيَّز بين حالة الأجسام التي تتعرَّض للشيِّ وتلك التي تتعرَّض للطبخ، ويحدُث شيٌّ للجسم بسبب جفاف مَادَّته وشدة الحرارة التي يتعرَّض لها من النار، ويُمكِن ألا يحدث اشتواءٌ للجسم بسبب ضعف الحرارة التي يتعرَّض لها الجسم وكثرة الرُّطوبة المائية التي بداخله.

فخر الدين الرازي (القرن ٧ﻫ/١٣م)

يرى الإمام فخر الدِّين الرَّازي في كتابه (المباحث المشرقية) أنَّ «الجسم يسخن فيزداد حجمُه من غير انضمام شيء إليه ولا وقوع خلاء بين أجزائه لاستحالة الخلاء، ويبرد فيصغر حجمُه من غير انتقاص شيءٍ من أجزائه، أو زوال خلاء كان قبل ذلك، وذلك الجسم في حد جسميته محفوظ والجسم المحفوظ مُغاير لهذه الأمور المُتَبدلة.»٧٠ بمعنى إذا زاد حجم الجسم بتأثير الحرارة أو نَقص بتأثير البرودة، فإنَّ كتلة الجسم ومادَّته تبقى محفوظة دون تغيير، وهي فكرة كان ابن سينا قد طَرحَها من قبلُ.
ويبدو من كلام الإمام أنَّه يتبنى الرأي الأرسطي المُتعلق بتأثير الحرارة على المادة، فهي تلطِّف، وتُرقِّق، وتُخلخِل، وتُكاثِف المادة التي تدخلها، قال الإمام الرازي: «التلطيف والترقيق فهي مفيدةٌ للتخلخُل الذي من باب الكيف، ومن حيث إنها تجمع بين المتشاكلات وتفَرِّق بين المختلفات فهي مُفيدة للتكاثُف الذي من باب الوضع، الذي هو عبارة عن اجتماع الأجزاء الوحدانية بالطبع وخروج الجسم الغريب عَمَّا بينها. (واعلم) أنَّ قولنا تجمع المتشاكلات معناه أنها تجمع ما ليس بمجتمع، والبسيط مجتمع الأجزاء، فإذن هذا الجمع والتفريق غير مُعتبَر بالقياس إليه، بل بالقياس إلى جسم فيه مُختلفاتٌ مجتمعة، وهذا هو المركَّب.»٧١

ابن كمونة (القرن ٧ﻫ/١٣م)

يرى سعد بن منصور بن كمونة أنَّ سبب حدوث التَّحوُّل في طور المادَّة من حالةٍ إلى أخرى يكون إما بتعريض الجسم للحرارة أو بسبب الحركة، وقولُه بالحركة يُعتبر سببًا جديدًا لاستحالة المواد من شكلٍ لآخر، كما هو الحال في الماء الذي نقوم بخَضِّه، يقول ابن كمونة في ذلك: «أمَّا الاستحالة فسببها فيما تعلم، وإن احتمل غيره مِمَّا لا تعلمه، وهو مُجَاورة أو مُمَاسَّة أو مُقابلة أو حركة. (كما) يتسخَّن الماء مثلًا بمجاورة النار، أو بمماسَّتها، أو بمقابلة الشمس، أو بتحريكه بالخضخضة، وليس تسخينه، لأنَّ أجزاءً ناريَّة فشت فيه، وإلا لكان تسخُّن ما في كوز خزف أسرعَ من تسخُّن ما في قمقمة نحاس، على نسبة قبولهما ومسامِّهما.»٧٢

ابن العبري (القرن ٧ﻫ/١٣م)

تناول أبو الفرج بن العبري (تُوفِّي ٦٨٥ه‍/١٢٨٦م) في «مقالة مُختصرة في النفس البشرية»٧٣ أقسام الحركة، وقد أشار إشارةً مُهِمَّة إلى أنَّ التكاثُف يترافَق معه انخفاضٌ في الحرارة، أو بمعنًى آخر يتناسب تكاثُف المادة عكسًا مع انخفاض درجة الحرارة.
قال ابن العبري: «اعلم أنَّ أقسام الحركة أربعة يقع منها اثنان في مقولة (الكم) وذلك مثل الحركة الواقعة في الجسم النَّامي من جهة الزِّيادة، فيعظم مقداره مع التدرُّج، وكذا من جهة النقصان يصغُر مقدارُه بالتدرُّج، وإن كانت الحرارة إلى النقصان فهو التكاثُف …»٧٤

عضد الدين الإيجي (القرن ٨ﻫ/١٤م)

كان الإيجي يُدرك وجود بعض المواد التي تفعل الحرارة فيها فعلَها، مثل النَّشادر حيث تتغلب العناصر اللطيفة على العناصر الثقيلة؛ فتُسبِّب الحرارة تفريقها، وإذا غلبَت العناصر الكثيفة في المادَّة لم تتأثَّر بالحرارة مثل مادة الطلق، يقول الإيجي في ذلك: «وليس عدم الفعل لوجود العائق دليلًا على أنَّ النار ليست فيها قوة التفريق، وإن غلب اللطيف جدًّا فيصعَد ويستصحب الكثيف لقلته كالنوشادر، أو لا فتفيده تليينًا كما في الحديد، وإن غلب الكثيف جدًّا لم يتأثر كالطلق. تنبيه الفعل الأول لها التصعيد والجمع والتفريق لا زمان له؛ ولذلك قال ابن سينا في الحدود: إنها كيفية فعلية محركة لما تكون فيه إلى فوق لإحداثها الخِفَّة فيحدُث عنه أن تفرِّق المُختلفات وتجمع المُتماثلات وتُحدِث تخلخلًا من باب الكيف وتكاثفًا من باب الوضع لتحليله الكثيف وتصعيده اللطيف، ورُبَّما يورد عليه أنه قد تُفرِّق المُتماثلات كأجزاء الماء وتصعُّدها بالتبخير، وقد تجمع المختلفات كصفرة البيض وبياضه، ويُجاب بأن فعلها في الماء إحالةٌ له إلى الهواء لا تفريق، وفي البيض إحالة في القوام لا جمع، وستُفرِّقه عن قريب.»٧٥
ويجزم الإيجي قاطعًا بوجود فرق بين طبيعة الماء وطبيعة النار، ونتيجةً لذلك يختلف أثَر كلٍّ منهما على المادة التي يؤثِّران عليها، فيقول: «أنا لما رأينا الماء يوجب البرودة والنار توجب السخونة قطَعنا بأنَّ طبيعة النار غير طبيعة الماء ضرورة؛ أي قطعًا يقينيًّا لا شبهة فيه؛ فقد استدلَلنا باختلاف الأثَر وتعَدُّده على اختلاف المؤثِّر وتعدُّده؛ فلولا أنه مركوز في العقول أن اختلاف الأثَر وتعدُّده لا يكون إلا باختلاف المؤثِّر وتعدُّده، لما كان الأمر كذلك، فظهر أنه كلما تعدَّد المَعْلول تعَدَّدت العِلَّة، وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا كلما اتحدَت العِلَّة اتحد المعلول، وهو المطلوب».٧٦

التفتازاني (القرن ٨ﻫ/١٤م)

بقي سعد الدين التفتازاني مثل كل المشَّائين يفسِّر أثَر الحرارة بتحويل الماء إلى هواء والهواء إلى نار ولم يُضِف أي جديدٍ في هذا الموضوع: «ما يتأثر عن الحرارة؛ فإنْ كان بسيطًا استحال أولًا في الكيف، ثم أفضى به ذلك إلى انقلاب الجوهر فيصير الماء هواء، والهواء نارًا، وربما يلزمه تفريق المتشاكلات بأن يُمَيِّز الأجزاء الهوائية من الماء، ويتبعها ما يُخالِطها من الأجزاء الصغار المائية، وإن كان مُرَكَّبًا فإن لم يشتد التحام بسائطه ولا خفاء في أنَّ الألطف أقبلُ للصعود لزم تفريق الأجزاء المُختلفة، وتبعه انضمام كلٍّ إلى ما يُشاكِله بمُقتضى الطبيعة، وهو معنى جمع المتشاكلات، وإن اشتدَّ التحام البسائط، فإنْ كان اللطيف والكثيف قريبَين من الاعتدال حدثَت من الحرارة القويَّة حركةٌ دورية لأنهما كُلما مالَ اللطيفُ إلى التصعُّد جذَبه الكثيف إلى الانحدار، وإلا فإن كان الغالب هو اللطيف يُصَعَّد بالكلية كالنوشادر، وإن كان هو الكثيف فإن لم يكن غالبًا جدًّا حدث تسييل كما في الرصاص، أو تليين كما في الحديد، وإن غالبًا جدًّا كما في الطلق حدث مجرد سخونة، واحتيج في تليينه إلى الاستعانة بأعمالٍ أخر، وعدم حصول التصعُّد، أو التفرق بناءً على المانع، لا ينافي كون خاصتها التصعُّد، وتفريق المختلفات وجمع المتشاكلات.»٧٧

حسين الميبدي (القرن ٩ﻫ/١٥م)

مَيَّز حسين بن معين الدين الميبدي (أو الميبذي) (٩١٠ﻫ/١٥٠٤م) المعروف بلقب قاضي مير، في شرحه على كتاب «هداية الحكمة» لأثير الدين مفضل بن عمر الأبهري (تُوفِّي ٦٦٣ﻫ/١٢٦٤م) بين ثلاث حالاتٍ تؤثِّر فيها الحرارة على حالة المادة:
  • الأولى: تحول الماء بوجود الحرارة إلى بخار.
  • الثانية: تحول الهواء إلى نار، كما هو الحال في كور الحدَّادين.
  • الثالثة: تحول النَّار إلى هواء، كما هو الحَال في مصباح الزيت.
قال حسين الميبدي: «والماءُ أيضًا ينقلب هواء بالحَرِّ الشديد، كما يُشاهَد في الثياب المبلولة المطروحة في الشمس، وعند غلَيان القِدْر، وكذا الهواء ينقلب نارًا كما في كور الحدادين، إذا سدَّت المنافذ التي تدخل فيها الهواء الجديد وألحَّ في النفخ، والنارُ أيضًا يُقلب هواء كما في المصباح؛ فإنَّ ما ينفصل عن شعلته، ولو بَقِيَت له نار لرُؤيَت ولأحرقَت سقف الخيمة فإذن انقلب هواء، وأيضًا الكائنة في كور الحدادين ينطفئ وتصيرُ هواءً.»٧٨

الأحمد نكري (القرن ١٢ﻫ/١٨م)

مع أنَّ الأحمد نكري ميَّز اصطلاحيًّا في كتابه (دستور العلماء) بين «التغيير: من باب التفعيل؛ إحداث شيء لم يكن قبله.» و«التغيُّر: من باب التفعُّل؛ انتقال الشيء من حالة إلى حالةٍ أخرى.»٧٩ إلا أننا لا نجده يُطبِّق هذا التمييز عندما حاول أن يشرح آراء السابقين في حالة الدخان، فقد عَرَّف الدخان بأنه: «أجزاءٌ نارِيَّة تُخالِطها أجزاءٌ صغار أرضية تلطَّفَت بالحرارة لا تمايز بينهما في الحسِّ لغاية الصغر، وقولهم: أجزاء يشمل البخار وجميع البسائط والمركبات. وبقولهم: نارية يُخرج البخار وباقي البسائط ومجموع المركَّبات. وبقولهم: تُخالِطها أجزاءٌ صِغار أرضية يُخرج النار البسيطة لأنه لا مُخالطة فيها أصلًا. وبقولهم: لا تمايز بينهما في الحس يُخرج النار المجاورة لوجه الأرض فإنَّ بينهما مخالطةً في الجملة لكنهما متمايزان في الحس.»٨٠

محمد فضل الحق (القرن ١٣ﻫ/١٩م)

مع أن عمل محمد فضل الحق (تُوفِّي ١٢٧٨ﻫ/١٨٦١م) — وهو من عُلماء خير آباد في الهند — نُشِر في القرن التَّاسع عشر إلا أنه بقي يُناقش أفكار ابن سينا، والإمام فخر الدين الرازي، وليس ما طرحه الغرب من أفكار ونظريات ومعالجاتٍ رياضياتية؛ فقد عالج في كتابه (الهدية السعيدية في الحكمة الطبيعية) العلاقة بين كثافة الجسم وحرارته فقال: «وأمَّا أن الأرض باردة فلأنها كثيفة، وما ذلك إلا لأجل البُرودة، فهي أبرد من الماء؛ لأنها أكثف منه، وإن كان الإحساس ببرودة الماء أشدَّ لفرط وصوله إلى المسام، ونفوذه في الأعضاء، كما أنَّ النار أسخنُ من النحاس المذاب، مع أن الاحساس بحرارة النحاس المُذاب أشد فإنَّ اليد إذا مرَّت على النار بسرعة سَلِمَت وإن مرت على النحاس المذاب احترقَت».٨١
ويُفسِّر سبب تَحَوُّل النار لهواء «فلأنَّ النار المُنفصلة عن شعلة السِّراج لو بَقِيَت نارًا لزييت ولأَحرقَت الخيمة والسقف فهي تنقلب هواءً، وكذا النار الكائنة في كور الحدادين إذا خمدَت تصير هواء. وأمَّا عكسه فكما في كور الحدادين إذا سدَّت منافذ الهواء الجديد وألحَّ في النفخ في الكير، والقول بأنه يجوز أن يتسَخَّن الهواء تسَخُّنا شديدًا يعمل عمل النار كما أن السموم تُنضِج الأبدان وتُحرِقها مكابرة تكذِّبها المشاهدة.»٨٢

عربي مجهول (القرن؟)

لاحظ عالم عربي مجهول في كتابه (عن النفي والإيجاب في تصحيح الحكمة)٨٣ أيضًا في أثناء تجاربه ضرورة عدم سكب الماء البارد على الزُّجاج الحار حتى لا ينكسر بسبب الانكماش المفاجئ، فقال في إحدى تجاربه: «تبني لك كانون على عُلو ذراع وثلث وتدَع عليه طاجنًا٨٤ مبخَّشًا عدة بخوش وتملؤه سحالة دقيق القمح مبسوسة بالماء، وفي الطاجن بخش لتصُب منه الماء من خارج إذا نقص، ويكون الماء حارًّا والحذَر من الماء البارد لئلا يتكسَّر الزجاجة.»٨٥

المبحث الثالث: الأوروبيون

دراسة تأثير الحرارة على حالات المَادَّة لم يبدأ عند الأوروبيين إلا منذ القرن ١٧م، حيث إن النظرية الذرية بدأَت تشُق طريقها في أوساط المجتمع العلمي، ووجد الكثير من العُلماء أنه يمكنُ الاعتماد عليها في تفسير ما يَحْدُث عندما تتعرض المواد للحرارة.

فرنسيس بيكون (القرن ١٧م)

كان بيكون يعتقدُ خطأً أنَّ الحديد عندما يسخن لا يتمدَّد حجميًّا، وإنما «يحتفظ بحدوده المَرْئية نفسها».٨٦ لكنه عدل عن خطئه عندما انتبه إلى أنَّ «الحرارة حركةٌ مُتمَدِّدة، بها يسعى جسمٌ ما إلى أن يتحرَّك في نطاقٍ أبعد وأكبر مما كان يشغلُه من قبلُ.»٨٧

بيير غاسندي (القرن ١٧م)

حاول العالم الفرنسي بيير غاسندي P. Gassendi (١٥٩٢–١٦٥٥م) أن يُفَسِّر حرارة الجسم على أنها تنتُج من احتوائه على (ذرات حرارية) من نوعٍ خاص.٨٨ وكما نعلم كان غاسندي من مؤيدي النظرية الذرية التي تقول بأنَّ المادة مكوَّنة من ذرَّات صُلبة لا تتلَف، وهي متشابهة في بِنيتها، لكن يُمكن أن تختلف في حجمها وشكلها، وهي تتحرك في جميع الجهات وحتى في الخلاء، واعتمادًا على حركة الذرَّات يُمكننا تفسير الحالات الثلاث للمادَّة (الصلبة، السائلة، الغازية).

روبرت هوك (القرن ١٨م)

تذكُر الموسوعة البريطانية أنَّ روبرت هوك «أوَّل رجل يُعلِن بشكلٍ عام أن كل المواد تتمدَّد عند تسخينها، وأنَّ الهواء يتكون من جُزيئاتٍ مَفْصُولة عن بعضها بعضًا بمسافاتٍ كبيرة نسبيًّا.»٨٩ لكن ذلك كما وجدنا ليس بالكلام الصَّحيح؛ فقد سبقَه أجيالٌ من العُلماء من الحضارات السابقة الذين أدركوا هذه الحقيقة قبله.

يوهان لايدنيفروست (القرن ١٨م)

أذكُر أنني في عام ١٩٩٥م — كنتُ حينها طالبًا في قسم الفيزياء في جامعة حلب — لاحظتُ تحبحُب وتدحرُج كريات الماء الصغيرة الساقطة على سطحٍ معدني ساخن إلى درجة الاحمرار، وقد سَجَّلتُ هذه المشاهدة على أمل العثور على تفسيرٍ علمي لها، في سِجلٍّ خاص بما أرصُده من ظواهرَ فيزيائية. طبعًا لم أكن أوَّل من شاهدَها فقد شاهدَها قبلي الفيزيائي الألماني يوهان غوتليب لايدنيفروست J. G. Leidenfrost (١٧١٥–١٧٩٤م) في القرن الثامن عشر،٩٠ والتي يعود سببُها إلى أن قطرة الماء الساقط على سطحٍ معدني ساخن جدًّا تُشكِّل طبقةً بخارية عازلة بينها وبين السطح الساخن تعمل على إبطاء معدَّل الانتقال الحراري. وقد كان هذا التفسير على مستوًى كبير من العمق في دقة مُلاحظة تأثير الحرارة على الماء.
figure
ترتفع قطرة الماء عن السطح الحار بين (٠٫١–٠٫٢ملم)، وتتماسك بشكلها الكُروي بصورةٍ مُمَاثلة لانتشارها في الفضاء، حيث الجاذبية شبهُ معدومة. (مصدر الصورة: https://en.wikipedia.org/wiki/Leidenfrost_effect)

هنري كافندش (القرن ١٩م)

كتطبيقٍ نهائي لنظريته ناقش كافندش التَّمَدُّد والتغيُّر لحالة الأجسام نتيجة تأثير الحرارة عليها. وقد فَكَّر أنه عندما يتم تسخينُ جسمٍ فإنَّ الاهتزازات المُتزايدة لجسيماته تُبدِّل تجاذُبها وتنافُرها تبادليًّا، وهو ما يَجعَلها تُبدِّل حجم الجسم، فيزداد بالحرارة ويتقلَّص بالبرودة. وعندما تُصْبِح الاهتزازات كبيرةً كفاية، فإنَّ تجاذُب وتنافُر الجُسيمات يكون كافيًا جدًّا من أجل الجسم حتى يُغيِّر من شكله وخواصِّه بالكامل، وما يحدث في عملية التبخُّر والذوبان هو أن تُنهِي الاهتزازاتُ المُتزايدة للجُسيمات التحامَها وتجعل الأجسام سائلةً أكثر. ووَفْق طريقة التفكير نفسها، فَسَّر كافندش لماذا يرتفع التفكُّك والتجمُّع الكيميائي بالحرارة؛ أي بسبب زيادة اهتزازات الجُسيمات للجسم عندما يتم تسخينه، حتى إنَّ الانجذاب والتنافُر المتوسِّطَين بالكاد يُمكِنهما أن يكونا نفسهما كما لو أن الجُسيمات في وضع سكونٍ في موقعها المتوسط. ومع التغيُّر في ترتيب وبُعد الجسيمات، فإن حجم الجسم يتغيَّر. التغير الملحوظ يكون دائمًا في حالة الزيادة في حجم الجسم المسخَّن، إلا أنَّ كافندش لم يستطع أن يرى سببًا نظريًّا لماذا لم يستطع الجسم أن يتناقَص حجمه أيضًا.٩١

جاك تشارلز (القرن ١٩م)

لم تكن النتائج التي طرحها جاك ألكسندر سيزر تشارلز (١٧٤٦–١٨٢٣م) J. A. C. Charles مُحَدَّدة بوضوح؛ حيثُ إن لا الضغط ولا الحجم كانا يُضبَطان بشكلٍ مُستقل في تجاربه. وهو ما جعلَه يُحْجِم عن نشر هذه النتائج، إلا أنَّها وقعَت مُصَادفةً بيد الفيزيائي الفرنسي لويس جوزيف غي-لوساك L. J. Gay-Lussac (١٧٧٨–١٨٥٠م) الذي يَدين له تشارلز بالفضل الكبير؛ فقد قدَّم غي-لوساك عرضًا دقيقًا للقانون الخطي للتمدُّد الحراري للغازات عندما استنتج «أنه، وبشكلٍ عام، فإنَّ كل الغازات في درجات الحرارة المتساوية، وتحت الشروط نفسها، تتمدَّد بشكل متناسبٍ وبالتساوي تمامًا.» وعلى التوازي توصَّل جون دالتون J. Dalton (١٧٦٦–١٨٤٤م) أن «كل السوائل المرنة تحت الضغط نفسه تتمدَّد بصورةٍ متساويةٍ بالحرارة.»٩٢
١  دبس، محمد، معجم أكاديميا للمصطلحات العلمية والتقنية، ص٢٧٧، ٣٣٨.
٢  كوفمان، كاثي، الطبخ في الحضارات القديمة، ترجمة: سعيد الغانمي، ط١، مشروع كلمة، هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، أبو ظبي، ٢٠١٢م، ص٣٥.
٣  الزحيلي، وهبة، التفسير المُنير، ج١٦، ط٢، دار الفكر المُعاصر، دمشق، ١٤١٨ﻫ/١٩٩٧م، ص٢٤٣.
٤  سورة طه، الآيتان: ٦٥–٦٦.
٥  سارتون، جورج، تاريخ العلم، ج١، ترجمة: لفيف من العلماء، دار المعارف بمصر، القاهرة، ١٩٥٧م، ص٢١٠.
٦  كرم، يوسف، تاريخ الفلسفة اليونانية، ص٣٠٢–٣٠٣.
٧  مطر، أميرة حلمي، الفلسفة اليونانية، دار قباء، القاهرة، ١٩٩٨م، ص٣٨٠.
٨  أرسطو، الكون والفساد، ترجمة: أحمد لطفي السيد، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، ٢٠١٤م، ص٢٠٠.
٩  شوقي، جلال، أصول الحيل الهندسية في الترجمات العربية، ط١، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، الكويت، ١٩٩٥م، ص٤٨.
١٠  بلينوس الحكيم، سر الخليقة وصنعة الطبيعة، تحقيق: أورسولا وإيسر، معهد التراث العلمي العربي، جامعة حلب، حلب، ١٩٧٩م، ص٨٦–٨٧.
١١  المرجع السابق نفسه، ص١٩٧.
١٢  فيدمان، إيلهارد، بحث ضمن مجموعة مقالات في تاريخ العلوم العربية والإسلامية، مجلد ١، جمع وإعداد: دوروتيه جيركه وديتر بيشوف، معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية، جامعة فرانكفورت، فرانكفورت، ١٩٨٤م؛ حيث عنوان البحث: Wiedemann, Eilhard, Über die Naturwissenschaften bei den Arabern, 1890, p. 98.
١٣  الدمرداش، أحمد سعيد، علم الفيزيقا عند العرب، بحث منشور ضمن موسوعة الحضارة العربية الإسلامية، ط١، ج١، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ١٩٩٥م، ص٣٧٧.
١٤  محمد، محمود الحاج قاسم، الموجز لما أضافه العرب في الطب والعلوم المتعلقة به، مطبعة الإرشاد، بغداد، ١٩٧٤م، ص٧٢.
١٥  جابر بن حيان، مُختار رسائل جابر بن حيان، ص٤٥٢.
١٦  ميزان الحكمة، الخازني، حقَّقه وعَلَّق عليه: فؤاد جميعان، شركة فن الطباعة، القاهرة، ص٩٨.
١٧  سورة الحج، الآية: ٥.
١٨  بيرثيلو، هذه رسائل مُهِمَّة في العلوم الكيمياوية والصنعية لجابر بن حيان وغيره من الحكماء والفلاسفة، باريس، المطبعة الدولية، ١٨٩٣م، ص٢٠٣.
١٩  جابر بن حيان، مُصَنَّفات في علم الكيمياء، ج١، تحقيق: أرك يحيى هولميارد، باريس، مطبعة فول غاتينيه، ١٩٢٨م، ص٢٩.
٢٠  المرجع السابق نفسه، ص٣١.
٢١  الكندي، رسائل الكندي، ج٢، ص٧١.
٢٢  آل ياسين جعفر، الفارابي في حدوده ورسومه، عالم الكتب، ط١، بيروت، ١٩٨٥م، ص٢٧٩.
٢٣  المرجع السابق نفسه، ص٣٤٢.
٢٤  المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي، التنبيه والإشراف، ج٧، ص١١–١٢.
٢٥  انظر: المسعودي، مروج الذَّهب ومَعَادن الجوهر، اعتنى به وراجعه: كمال حسن مرعي، ج١، ط١، المكتبة العصرية، صيدا-بيروت، ٢٠٠٥م، ص٨٩–٩٢.
٢٦  إخوان الصفا، رسائل إخوان الصفا، ج٢، ص٤٦.
٢٧  المرجع السابق نفسه، ص٤٦.
٢٨  المرجع السابق نفسه، ج٢، ص٤٨.
٢٩  إخوان الصفا، رسائل إخوان الصفا، ج٣، ص٥٤–٥٥.
٣٠  فَرُّوخ، عمر، بحوث ومقارنات في تاريخ العلم وتاريخ الفلسفة في الإسلام، ط١، دار الطليعة، بيروت، ١٩٨٦م، ص٩٦.
٣١  ابن سينا، النجاة، ص١٨٤.
٣٢  المرجع السابق نفسه، ص١٨٤.
٣٣  البرد الشديد.
٣٤  ابن سينا، الإشارات والتنبيهات، ص٣١٠–٣١١.
٣٥  ابن سينا، الشفاء، تحقيق: محمود سالم، دار الكاتب العربي، القاهرة، ١٩٦٩م، ص١٦٠.
٣٦  المرجع السابق نفسه، ص١٦٨.
٣٧  ابن سينا، أجوبة مسائل سأل عنها أبو ريحان البيروني، ضمن مجموعة رسائل ابن سينا، ج٢، مطبعة إبراهيم خروز، إستانبول، ١٩٥٣م، ص٢٩.
٣٨  ابن سينا، النجاة، ص١٨٦–١٨٨.
٣٩  ابن سينا، النجاة، ص١٨٨–١٨٩.
٤٠  الدمرداش،، أحمد سعيد، علم الفيزيقا عند العرب، ص٣٧٧.
٤١  ابن سينا، الشفاء، ص٢٣٦.
٤٢  ابن سينا، كتاب المباحثات، مستل من كتاب أرسطو عند العرب، تحقيق: عبد الرحمن بدوي، ط٢، وكالة المطبوعات، الكويت، ١٩٧٨م، ص١٤١.
٤٣  ابن سينا، الشفاء، الطبيعيات، النفس، تحقيق: جورج قنواتي وسعيد زايد، الهيئة العامة المصرية للكتاب، القاهرة، ١٩٧٥م، ص٢٢٩.
٤٤  ابن سينا، الشفاء، الكون والفساد، ص١٦٩.
٤٥  الشحات، علي أحمد، أبو الريحان البيروني، دار المعارف بمصر، القاهرة، ١٩٦٨م، ص٢٠٠.
٤٦  البيروني، أبو الريحان، القانون المسعودي في الهيئة والنجوم، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن بالهند، ١٣٧٣ﻫ/١٩٥٤م، ص١٦٦.
٤٧  البيروني، أبو الريحان، رسائل البيروني، ط١، الهند، حيدر آباد الدكن، مطبعة مجلس المعارف العثمانية، ١٩٤٨م، ص١٧.
٤٨  أشار البيروني إلى هذه المُراسلات في كتابه (الآثار الباقية عن القرون الخالية)، طبعة ليبزيغ، ١٨٧٨م، ص٢٥٧.
٤٩  اليافي، عبد الكريم، حوار البيروني وابن سينا، ص٥٦.
٥٠  ابن سينا، الإشارات والتنبيهات، تحقيق: سليمان دنيا، ج٢، ص٢٩٨.
٥١  اليافي، عبد الكريم، حوار البيروني وابن سينا، ص٥٧–٥٨.
٥٢  اليافي، عبد الكريم، حوار البيروني وابن سينا، ص٧٠–٧١.
٥٣  المرجع السابق نفسه، ص٨٥.
٥٤  النيسابوري، ديوان الأصول، ص٥٩٨.
٥٥  لم نستطع معرفة مَن مؤلِّف هذا الكتاب؛ إذْ يُوجد الكثير من المؤلَّفات التي تحمل العنوان نفسه.
٥٦  النيسابوري، أبو رشيد، كتاب المسائل في الخلاف بين البصريين والبغداديين (الكلام في الجواهر)، تحرير: آرثر بيرما، ليدن، ١٩٠٢م، ص٣٧–٣٨.
٥٧  الطغرائي، مخطوطة مفاتيح الرحمة وأسرار الحكمة، نسخة مكتبة الكونغرس، ص٥٦و–٥٦ظ.
٥٨  المرجع السابق نفسه، ص٣٦و.
٥٩  الطغرائي، مخطوطة مفاتيح الرحمة وأسرار الحكمة، ج١، ص٥٦ظ.
٦٠  المرجع السابق نفسه، ج٢، ص٩٣و.
٦١  «لقد درس أرسطو مظاهر المعرفة التي توصَّل إليها عصره، فوجدها تقوم على عشرة أسس، منها ينطلق الفكر المُستقيم في اتجاهه نحو التعميم، وعليها يُبنى، فجمعها وشرحها شرحًا مبدئيًّا وسَمَّاها المقولات وهي: (١) الجوهر، (٢) الكم، (٣) الكيف، (٤) الإضافة، (٥) الأين، (٦) المتى، (٧) الوضع، (٨) الملك، (٩) الفعل، (١٠) الانفعال. وما زال الفلاسفة، منذ ذلك اليوم، لا يمَلُّون شَرحَها وعَرضَها في كساءٍ جديد، وتعلَّق بها الفلاسفة المسلمون – وخصوصًا بعد القرن الخامس الهجري – تعلُّقا شديدًا، وجعلوها أصلًا من أصول المنطق الصوري، لا غنى عنه، وتوصَّل المتأخرون منهم في شرحها إلى مستوًى عالٍ جدًّا من الفهم، على قَدْر ما تسمح به مستويات المعرفة العلمية التي حصلوا عليها، وربما كان الشرح المنسوب للبليدي، خيرها وأدقها بلا نزاع.» عن مجلة دعوة الحق، العدد ١٣٦، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، المشور السعيد، الرباط.
٦٢  الساوي، البصائر النَّصيرية في علم المنطق، ص٧٢، ط١، دار الفكر اللبناني، بيروت، ١٩٩٣م.
٦٣  الطيب، أحمد، الجانب النقدي في فلسفة أبي البركات البغدادي، ط١، دار الشروق، القاهرة، ٢٠٠٤م، ص١٨٥.
٦٤  أرسطو، الطبيعة، ترجمة: إسحاق بين حنين، ج١، ص٣٥٣.
٦٥  الطيب، أحمد، الجانب النقدي في فلسفة أبي البركات البغدادي، ص١٨٥.
٦٦  المرجع السابق نفسه، ص١٨٦.
٦٧  ابن رشد، رسائل ابن رشد الطبية، ص٣٦٦.
٦٨  ابن رشد، تلخيص الآثار العلوية، ص٨٨.
٦٩  المرجع السابق نفسه، ص١٨٤–١٨٥.
٧٠  الرازي، فخر الدين، المباحث المشرقية في علم الإلهيات والطبيعيات، ج١، الطبعة: الثانية، منشورات بيدار-قم، ١٩٩٠م، ص١٧٣.
٧١  الرازي، فخر الدين، المباحث المشرقية في علم الإلهيات والطبيعيات، ج١، ص٢٦٩.
٧٢  ابن كمونة، الجديد في الحكمة، ص٣٥٠.
٧٣  نشر هذه المقالة وعَلَّق عليها الأب لويس شيخو اليسوعي في مجلة المشرق (١: ٥٠٦) بتحقيقها على نسخةٍ واحدة، ثم أعاد نشرها في كتابه مقالات فلسفية لمشاهير فلاسفة العرب.
٧٤  شيخو، لويس، مقالات فلسفية لمشاهير فلاسفة العرب، دار العرب، القاهرة، ط٣، ١٩٨٥م، ص٨٤.
٧٥  الإيجي، كتاب المواقف، ج١، ص٥٩١.
٧٦  المرجع السابق نفسه، ص٤٣٤.
٧٧  التفتازاني، سعد الدين، شرح المقاصد في علم الكلام، ج٢، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، عالم الكتب، ط٢، بيروت، ١٩٩٨م، ص٢٣١.
٧٨  الميبدي، حسين بن معين الدين، قاضي مير على الهداية، مطبعة الحاج حسين أفندي، إستانبول، ١٣١٣ﻫ، ص٦٣.
٧٩  الأحمد نكري، عبد النبي بن عبد الرسول، ج١، ص٢٢٤.
٨٠  الأحمد نكري، عبد النبي بن عبد الرسول، ج٢، ط١، ص٧١.
٨١  فضل الحق، محمد، الهدية السعيدية في الحكمة الطبيعية، مطبعة مجلة المنار، القاهرة، ١٣٢٢ﻫ، ص٧٦.
٨٢  المرجع السابق نفسه، ص٨٧.
٨٣  ورد في التعريف بهذه المخطوطة: «تحوي هذه الرِّسالة على معلومات عن مواضيعَ متنوِّعة، بما فيها الخيمياء وعلم الأعداد وعلم المعادن والسحر. وتبدأ باستشهاداتٍ من كشف الأسرار وهتك الأستار، وهو عملٌ مشهور من القرن الثامن (القرن الثاني الهجري) يُنسب إلى جابر (ابن حيان). ويبدو أنَّ عملًا كاملا قد كُتب في الحواشي. ويذكُر النص أسماءَ مراجعَ ثقة مثل جالينوس وزيسموس وهرمز وديموقراطس والشيخ أبو العباس أحمد البوني والغزالي. وقد تعرَّضَت أجزاء من المخطوطة للتلطيخ والتلف.» عن: موقع https://www.wdl.org/ar/item/2870
٨٤  الطاجن هو طبقٌ فخَّاري يُستخدَم بكثرة في المطبخ المغربي لأغراض الطبخ.
٨٥  التحولات المرغوبة، أو، عن النفي والإيجاب في تصحيح الحكمة، دار الكتب والوثائق القومية المصرية، مخطوطة رقم (١٣ كيمياء)، ص٢٥و.
٨٦  بيكون، فرنسيس، الأورجانون الجديد، ص١٨٤.
٨٧  المرجع السابق نفسه، ص١٨٩.
٨٨  مطلب، محمد عبد اللطيف، تأريخ علوم الطبيعة، ص٢١٧.
٩٠  فوربس، ر. ج.، وديكستر، إ. ج.، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج٢، ص٤٨.
٩١  McCormmach, Russell, Henry Cavendish on The theory of Heat, p. 54.
٩٢  Hunt, F. V. Origins in acoustics, p. 157.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤