الفصل الرابع

العلاقة بين الحرارة والحركة

مُقدِّمة

كثيرًا ما يرتهن تقدُّم المعرفة العلمية النظرية إلى التفسير، كما يقول الباحث موريتس شليك M. Schlik؛ فالتفسير يُساعد على التنبؤ بسلوك الأشياء التي عُرفت من قبلُ، طالما أنَّ ذلك السلوك يُستنتَج من سلوك أشياءَ أُشير إليها بتصوُّراتٍ مُستخدمة في التفسير؛ فلو فسَّرنا الحرارة على أنها صورة من صور حركة الجُسيمات، لأمكنَنا أن ننسب كل الظاهرات الحرارية إلى خصائص الحركة غير المرئية لمجموعةٍ من الجسيمات؛ ومن ثَم يُمكِنُنا التنبُّؤ بظاهراتٍ حرارية كانت مجهولةً بالنسبة لنا من قبلُ.١
لقد بقي علما الميكانيك والحرارة حينًا من الدهر مُتباعدان عن بعضهما، مع أنه تُوجَد الكثير من الظاهرات الميكانيكية التي ينجُم عنها حرارة، خصوصًا تلك التي تتعلَّق بالاحتكاك، لكنها كانت تُهمَل ويتم التركيز على القوَّة المُحركة أو الجسم المُتحرِّك. وهكذا برز الترموديناميك Thermodynamics (أو الديناميكا الحرارية، أو علم التحريك الحراري، حيث صاغ هذا المصطلح وليم طومسون أو اللورد كلفن عام ١٨٤٩م، ولم يكن معروفًا قبل ذلك)٢ ليُحقِّق الارتباط بين الميكانيك والحرارة وانتقال أحدهما للآخر، وذلك كونَه يرتكز على مبادئَ عامَّةٍ شاملة مصدرها هو الواقع التجريبي، وبذلك أصبح الترموديناميك يدخل في جميع الظاهرات العلمية٣ التي تتعلق بمفهوم درجة الحرارة (وليس كمية الحرارة)،٤ وباتت الحرارة إحدى الوظائف الأساسية للترموديناميك.٥
نهدفُ من استعراضِ تاريخ النظرية الميكانيكية للحرارة دراسةَ المراحل التي تمَّ خلالها ملاحظةُ العلاقة بين الحرارة والحركة وكيف يتولَّد كلٌّ منهما عن الآخر، وكيف تأسَّس على هذه العلاقة الترموديناميك الحديث، الذي يُعرَّف بأنه المعالجة الرياضياتية للعلاقة بين الحرارة والطاقة الميكانيكية والطاقة بأشكالها الأخرى. ولم يُصبح الترموديناميك — هذا الفرع من العلوم الفيزيائية — ممكنًا إلا بعد ظهور النظرية الميكانيكية للحرارة؛ فقد بُني وفقًا لمفاهيم مؤلِّفي هذه النظرية، وبطريقةٍ تعتمد بشكلٍ كامل على الظاهرات الطبيعية. وقد حَرَصَ العُلماء على تجنُّب الأسئلة المُتعلقة بأسباب الظاهرات المختلفة للحرارة من ناحية، وبالعمليات الجزئية المتنوِّعة التي تعود إليها أصول هذه الظاهرات من ناحيةٍ أخرى.٦
نشأ الترموديناميك بوصفه علمًا تجريبيًّا بغَض النظر عن بِنية المادة.٧ واختص بتحديد العلاقات بين مختلف خصائص المادَّة، دون التعمُّق في دراسة بِنيتها الداخلية، وقد تأسَّس الترموديناميك بوصفه علمًا قبل فهم البِنية الداخلية للمادة، وبدأ من دراسة إمكانية استخدام الحرارة للقيام بعملٍ ما.٨
وهكذا، فقد أسَّس الرَّبط بين الحرارة والحركة لظهور قوانين الترموديناميك والذي يُفيد بأن الحرارة شكلٌ من أشكل الطاقة ومرادفة بصورةٍ خاصَّة الطاقة الحركية، بخلاف ما حاولَت أن تروِّج له نظرية السيَّال الحراري. وكما نَعلَمُ فإنَّ الطاقة الحرارية تتحرَّر من مُختلف أنواع الوقود بعد احتراقها؛ ومن ثَم يُستفاد من هذه الطاقة المُتحرِّرة في إنجاز عملٍ مفيد (كما في الآلة البخارية، محرِّكات الاحتراق الداخلي، إطلاق القذائف)؛ بمعنًى آخر تتحوَّل الطاقة الحرارية إلى ميكانيكية وفق المسيرة الآتية:٩ طاقة كامنة (في الوقود أو المادة) تتحوَّل بالاحتراق إلى طاقةٍ حرارية تتحوَّل إلى طاقةٍ ميكانيكية.
ويقوم الترموديناميك حاليًّا على قوانينَ شهيرة نُوجِزها فيما يأتي:
  • القانون الصفري: يُعبِّر هذا القانون عن انسياب الحرارة من الجسم الساخن إلى البارد، وتصير درجة الحرارة واحدةً عند بلوغ التجانُس الحراري؛ وعلى هذا، يُقدِّم لنا القانون الصفري الإجابة عن حالة جسمَين مُتلامسَين أحدهما حارٌّ والآخر بارد، وينصُّ على أنَّ: «الجسمَين المتلامسَين يميلان ليكونا بدرجة حرارةٍ واحدة.»١٠ بمعنى أنَّهما يصلان لحالة التوازن الحراري عند الدرجة نفسها بعد أن يحدُث بينهما اتصالٌ حراري، وبذلك فإنَّ القانون الصفري يشمل أساسَ مفهومِ درجة الحرارة.١١ ويُعنَى القانونُ الصفري في الديناميكا الحرارية بخصائص الأنظمة التي هي في حالة توازنٍ حراري؛ أي الأنظمة المتوازنة المُتَّصلة مع بعضها بحواجزَ مُنفِذة للحرارة؛ ولذلك يُعتبَر هذا المفهوم الأساسَ الذي بُني عليه مفهوم درجة الحرارة.١٢
  • القانون الأول: يُعَبِّر هذا القانون عن أن الحرارة شكلٌ من أشكال الطاقة؛ وهي بذلك تخضع لقانون مصونية أو حفظ الطاقة، وبذلك يُوجَد تكافؤ بين الحرارة والطاقة الميكانيكية.١٣ مثلًا يقوم أي محرِّكٍ حراري مثل التوربين الغازي (العنفة) أو المفاعل النووي، بتحويل الطاقة من وقود إلى طاقةٍ حرارية، وبعد ذلك، يقوم بتحويل الطاقة الحرارية إلى طاقةٍ ميكانيكية يمكن استخدامها لأداء عملٍ مُفيد، وتبقى الكمية الكلية للطاقة دائمًا، هي نفسها دون تغيير.
  • القانون الثاني: لا تسمح الطبيعة بتحول الطَّاقة من شكلٍ لآخر إن لم يترافق ذلك التحول مع ازدياد في الإنتروبيا؛ أي مع ازدياد في الفوضى، فإذا حافظنا على ثبات الإنتروبيا فإن التحوُّلات من النمط المُشار إليه تتسم بانخفاضِ الطاقة الحُرَّة الجاهزة للعمل؛ وعلى هذا فإن القانون الثاني في الترموديناميك يتعلَّقُ بالاتجاه الطبيعي لعمليات الطاقة. مثلًا تنساب الحرارة من تلقاء نفسها، من جسمٍ أكثَر حرارة إلى جسمٍ أقلَّ حرارة فقط، وهذا القانون الثاني يُفَسِّر حقيقة أنَّ المحرِّك الحراري لا يمكن أن يكون ذا كفاءةٍ كاملة؛ أي إنه لا يستطيع تحويل كل الطاقة الحرارية، من وقوده إلى طاقةٍ ميكانيكية؛ وذلك لأنَّ المحرِّك ينقل بعض طاقته الحرارية إلى الأجسام الأبرد المحيطة به. وينص القانون الثاني، حسب رودولف كلاوزيوس R. Clausius (١٨٢٢–١٨٨٨م)، على أنه يستحيل وجود أية آلةٍ دوَّارة يقتصر إنتاجُها على نقل الحرارة باستمرار من جسمٍ لآخر في درجة حرارة أعلى.»١٤ بمعنى أنه لا يمكن تحويل الحرارة إلى عَمَل أو شغل بشكلٍ كامل، وأن الحرارة لا تنتقل من الجسم البارد إلى الجسم الساخن. وقد أعطاه العالمان ماكس بلانك M. Planck (١٨٥٨–١٩٤٧م) واللورد كلفن فيما بعدُ صياغةً أخرى مفادُها: «أنَّ التحوُّل الذي ناتجُه النهائي تحويلُ الطاقة الحرارية المُستخرجة من منبع حرارةٍ ما إلى عملٍ فقط هو تحوُّل مُسْتحيل.»١٥ ولا نُبَالِغ إذا قلنا بأنَّ الإرهاصاتِ الأولى لأزمة الفيزياء التقليدية قد بدأَت من القانون الثاني في الترموديناميك، فهو أول القوانين العلمية التي خرجَت على مبدأ الارتداد أو العكوسية١٦ Revesible وتطلَّبَت إدخال منهجٍ قياسي جديد غير الرياضيات الإقليدية هو المنهج الإحصائي لقياس الظاهرات الطبيعية.١٧
  • القانون الثالث: يُوجَد درجة حرارة دنيا تصير المادة عندها مُنظَّمة تنظيمًا كاملًا ومُطلقًا، وينتفي أي أثَرٍ للفوضى، ينص القانون الثالث (ويُسمى مبدأ نرنست، نسبة للعالم الألماني فالتر هرمان نرنست W. H. Nernst (١٨٦٤–١٩٤١م))، على أن تغيُّر الإنتروبية لمجموعة يساوي الصفر في أية عمليةٍ إيزوثرمية١٨ عند درجة الحرارة الصفر المطلق.١٩

قبل أن تظهر قوانين الترموديناميك بصيغتها المُتماسكة تحت مظلة النظرية الميكانيكية للحرارة عند الأوروبيين وصولًا إلى وقتنا الحالي؛ فقد كان للعديد من علماء الحضارات السابقة إسهاماتٌ في واحد أو أكثر من صياغة هذه القوانين، وإن كان بشكله النظري أو بالإشارة إليه حسب لغة ذلك العصر العلمية، وهي إسهاماتٌ نرى أنها تستحق الذكر وأن تُوضع في سياقها التاريخي؛ لذلك فإننا سنُركِّز في هذا الفصل على الأفكار النظرية التي تناقَش وتجادَل فيها العلماء على مدى أكثر من ٢٥٠٠ سنة حول العلاقة بين الحرارة والحركة.

المبحث الأول: اليونانيون

لاحظ اليونانيون وجود علاقة من نوعٍ ما بين الحرارة والحركة، لكن المُلاحظة كانت باتجاهٍ واحد؛ أي إن الحركة تُوَلِّد الحرارة، ولم يتم ملاحظة أن الحرارة تُوَلِّد الحركة إلا من قبل هيرو السكندري Hero of Alexandria (تُوفِّي ٧٠م) الذي طَبَّق ذلك في اختراعه الإيوليبل.٢٠
ويَعتبِر جورج سارتون أنَّ أصول العلاقة بين الحرارة والحركة عند اليونانيين تعود إلى قصائد هوميروس Homer (القرن ٨ق.م.)؛ فقد كانت تتضمَّن عناصر من الترموديناميك الذي يتذكَّره السابقون على سقراط في مُذكِّراتهم المُتعلقة بإنتاج الحرارة والنار نتيجة الأفعال الميكانيكية (أوديسة XIII، ١٧٣) وبالعكس، والمُتعلِّقة بمفاعيل الذوبان والتبخر (إلياذة XVIII، ٤٧٤، XXI، ٣٦٥ وأوديسة VI، ٢٣١، X، ٣٥٨) ثمَّ بالقوة المُحركة للنار (إلياذة XI، ١٥٥، V، ٨٦٤).٢١ ولكن هذه العلاقة ستتوضَّح أكثر من مُجرد أوصافٍ شعرية عندما تتناولها الأبحاث الفلسفية والعلمية الجادة.

الرُّواقيون (القرن ٤ق.م.)

حسب اعتقاد الرُّواقيين تصدُر الحركات كُلها عن قوةٍ أصلية واحدة تكشف عن وحدة الكون وارتباط أجزائه وتوافقها؛ هذه القوة الأصليَّة جسمية أيضًا وهي النَّار،٢٢ لأنَّ حرارتها تحمي وتحرِّك الأشياء.٢٣ ومع قولهم بالمادة إلا أنهم ميزوا بين المادة والقوى التي تعمل فيها، فالمادة وحدها تكون بدون صفات، أمَّا الصفات والأشياء المُشتقة من القوة المعقولة المُسَمَّاة باللوغوس٢٤  Logos فهي التي تنفُذ خلال المادة.٢٥

أبولونيوس التياني (القرن ١م)

يرى أبولونيوس التياني أن سبب الحَرَارة هو الحركة: «ثم نقول: إنَّ علة الحركة الحرارة؛ ألا ترى أنَّ ما لا حرَّ فيه فلا فعل له، والبارد أبدًا مفعولٌ به ساكن لا حركة له؟»٢٦ ويتابع شرحه حول سبب ارتباط الحرارة بالحركة «إن الحركة أخذَت صُعدًا للحرارة التي حدثَت فيها بالحركة، فتحرَّكَت فزاد الحَرُّ فيها من كثرة اضطرابها فصعدَت بقَدْر قوَّتها إلى نهايتها، فكان ما صَعِد ألطف مِمَّا بقي حتى صعِد اللطيف كله، وبقي ما غلُظ وثقُل أسفل، ثم إنَّ الجزء الأسفل الساكن البارد اشتهى الحركة واللحاق بالجزء الأعلى لأنه منه خرج، وهو إليه أحوج من الأعلى إلى الأسفل؛ فلما دام الحَرُّ مُغطيًا لذلك الجزء الأسفل، سخن ما يليه منه فتحرَّك فأخذ في الصعود ولم يقدِر لثقلِه أن يلحق بما قد كان صعد قبله؛ فلذلك علمنا أنَّ علة الحركة الحرارة، وأنَّ علة السكون البرودة، وأنَّ علة الصعود الخِفَّة، وأن عِلَّة المُكث الثقل، وهو ما لا يصعد؛ ألا ترى أنَّ الجزء الأسفل الذي بقي عن الحرارة والصعود، ولم يقوَ على الصعود حتى أسخنه الحرُّ ولطفه، فصَعِد لما خفَّ وسخن.»٢٧ هذه الأفكار سنجدُ أنه سيتَرَدَّدُ صَدَاها لدى ابن سينا وابن رشد من العرب، وهما يميلان للفكر الأرسطي، وحتى فرنسيس بيكون، وروبرت هوك من الأوروبيين، مع أنهما ابتعدا عن الفكر الأرسطي.

أفلوطين (القرن ٣م)

تُعَدُّ فلسفة أفلوطين نموذجًا واضحًا للمذهب الميتافيزيقي الذي يُؤَكِّد عدم حقيقة الأشياء الجزئية التي نُشَاهِدها في خبرتنا اليومية، فهي تؤكِّد الطابع الوهمي للحَرَكة والتغيُّر حتى في الزمان والمكان، كما تَذهَب إلى سُمو النفس وتفوُّقها على المادة.٢٨ وبشكلٍ عام تُعَدُّ فلسفة أفلوطين امتدادًا للفلسفة اليونانية، وتكملةً للتيار الذي بدأه أفلاطون مرورًا بأرسطو وانتهاءً بالرُّواقية.٢٩ لقد اتسم عصر أفلوطين بأنَّه أبعدُ العصور على الإطلاق عن الأخذ بالتصوُّر الميكانيكي للكون؛ فلا فعل أبدًا إلا لنوعٍ من الإشعاع الذي لا تُعيقه مسافة، وكل نقلٍ ميكانيكي للقوى يتم تجاهلُه أو تجنُّبه؛ فالوسط المادي الذي بين العين والموضوع المنظور لا يفيد — حسب أفلوطين — في نقل الضوء، بل هو مُعِيق لتأثيره، ولم يُسَلِّم بالنقل الميكانيكي للإحساس من عضو الحس إلى مقر النفس، ورَدَّ جازمًا دعوى من شَبَّه الفعل الطبيعي بفعل العتلة.٣٠

المبحث الثاني: الرومانيون

لقد تناول لوكريتوس الموضوع الذي أثار الكيميائيين والفيزيائيين حتى القرن الثامن عشر بشكلٍ كبير، وهو السؤال فيما إذا كانت مادة الحرارة لها وزن أم لا؟ يقول: «يبدو لي الآن هنا مربط الفرس، في هذا الموضع لإثبات هذه النقطة أيضًا بأنه لا شيء جسمي يستطيع بقوَّته الخاصَّة أن يتولَّد للأعلى، وينتقل نحو الأعلى، تلك أجسام اللهيب لا يُمكنها أن تودي بك إلى الخطأ؛ لأنها ماضِيَة نحو الاتجاه العلوي، وفي الاتجاه نفسه تتلقَّى زيادة، المحاصيل الوافرة والأشجار تنمو للأعلى، ومع ذلك فإنَّ أثقالها، وبقَدْر ما فيها، جميعها تتجه نحو الأسفل، وعندما تثب إلى أسطح المنازل وتعلق العوارض الخشبية والدعامات، لا نفترض بأنَّها تقوم بشكلٍ آني بدون قوة تدفعها للأعلى.» يترتَّب على هذا الكلام اعتقاد لوكريتوس بأنَّ الحرارة هي مادةٌ أولية تستحوذ على وزن، وأنَّ الحرارة ذات وزنٍ تقديري. وهكذا نرى بأنَّ هذا الشاعر الروماني كان مدعومًا برؤية مسبقة للكثير من النظريات اللاحقة التي اعتقدَت بالخاصية المادية للحرارة والبرودة.٣١

المبحث الثالث: الصينيون

ازدهرت الفَلسفة الطاوية الخالِصَة في عهد أسرة (تهانغ)، وفيما بين القرنَين السادس والعاشر كان يُوجَد الكثير من الكتب التي نشَرَت الكثير من المبادئ القديمة بمساعدة خلفية من البحوث التجريبية الطاوية الجديدة، ومن الأمثلة النموذجية على ذلك كتاب اﻟ (كوان ين تسو Kuan Yin Tzu) المعروف أيضًا باسم «وين شيه جين جنغ Wen Shih Chen Ching» أي «الأثر الخالد الحقيقي للعالم» والذي ألَّفَه طاويٌّ مجهول في أواخر عهد أسرة (تهانغ) أو عقب نهاية تلك الأسرة، وراجعه وتناوله بالشرح والتعليق (جهين هسيين-ويي Chhen Hsien-Wei). وقد ورد في هذا الكتاب تقريرٌ علمي يُشير إلى معنى القانون الأول في الترموديناميك (قانون بقاء الطاقة) الذي عُرف في القرن التاسع عشر، وقد تمَّ التعبير عنه بالقول: إن «التغيرات الحادثة في العشرة آلاف شيء ترجع جميعها للجهي [المادة-الطاقة]، لكنها سواء كانت خافيةً أم بادية للعيان فالجهي تظل وحدةً واحدة، ويعلم الحكيم أنَّ الجهي ذاته كيانٌ واحد لا يتغير على الإطلاق».٣٢
وقد وقف الفيلسوف الصيني وانغ تين سيان Wang Ten Sian (١٤٧٤–١٥٤٤م) ضد المثالية الكونفوشية، وانطلق من مَذاهب أسْلَافِه المادِيَّة ليؤكد أنَّ أصل الأشياء هو دقائق (تسي) المادية، الموجودة بكميةٍ ثابتة في الكون؛ فهي لا تزيد ولا تنقص، هذه الدقائق تتحد بعضُها مع بعض، وتنفصل بعضُها عن بعض، لكنها لا تفنى أبدًا.٣٣

المبحث الرابع: العلماء العرب والمسلمون

سنقف هنا عند حقبةٍ زمنيةٍ كبيرة نوعًا ما، تمتد حوالي ٥٠٠ سنة (من القرن ٩م وحتى ١٤م)، ظهر خلالها مجموعةٌ من العلماء العرب والمسلمون الذين تناولوا البحث في العلاقة بين الحركة والحرارة، وكانت لهم مناقشات وأفكارٌ غير مألوفة بالنسبة للكثيرين من مؤرخي العلوم. ويبدو أنه يصعُب كثيرًا تحديد مصدرها: هل هو مِمَّا نُقل وتُرجم من الإرث القديم عن أبولونيوس اليوناني وتيتوس لوكريتوس الروماني؟ أم إعادة اكتشافٍ ذاتي من جديد؟ وفي جميع الأحوال، ومع تكرُّر السؤال نفسه مع العلماء الأوروبيين، فإنَّ طرح أفكارٍ من هذا النوع ومناقشتها بصورةٍ علمية وتجريبية من قِبَل العرب يُعَد أمرًا جيدًا، يستحقُّ أن يأخذ مكانته التاريخية حتى وإن ظهر بشكلٍ مستقل.

جابر بن حيان (القرن ٣ﻫ/٩م)

ناقَش جابر بن حَيَّان موضوعَ أن يكون للحرارة العنصرية وزن، وذلك لاعتباره أن للحرارة طبيعةً محسوسة؛ إذْ يرى جابر «أن للحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة أوزانًا، وأن للجوهر وزنًا لا بد من ذلك … وقد وجب أيضًا من قولنا بعد ذلك أن لهذه العناصر أوزانًا؛ إذْ في إمكان الإنسان أن يحصُر كل ما له وزن، ولأن ما له وزن ممكن أن يُلمَس ويُوجَد ويُوضَع، فإذا كان كذلك فهو ممكن.»٣٤
فجابر يُريد أن يخبرنا بالطبيعة المادية للحرارة والبرودة العنصرية، وعليه يُمكِننا قياسهما كما نقيس الكتل بوساطة الأوزان والميزان الوزني الشائع. ويُشير النص السابق إلى أمرَين:
  • الأوَّل: إمكانية قياس الحرارة والبرودة العنصرية، والتحوُّل في التعامل مع الحرارة من الشكل الكيفي إلى الشكل الكمِّي.
  • الثاني: أنَّ الحرارة والبرودة العنصرية لهما طبيعةٌ ماديَّة، والدليل على ذلك تحسُّسنا لها وشعورُنا بوجودها.
وسبق وأن وجدنا في الباب الثاني كيف أنَّ جابر بذل جهدًا جبَّارًا لوضع مقياسٍ لضبط مقدار الحرارة في المادَّة من خلال وزن حروفها. وكما سنرى أنه جرت مُحاولاتٌ كثيرة في القرن الثامن عشر لتقدير وزن الحرارة الخارجية التي تُسلَّط على المواد، ولكنها أعطت نتائجَ متفاوتةً جدًّا؛ ففي القرن التاسع عشر أوضح الكونت رمفورد أن وزن كرة من الذهب لم يتغيَّر بالتسخين،٣٥ وهو ما سيُشكِّل دليلًا على عدم صحة نظرية السيَّال الحراري فيما بعدُ.
وقد كان جابر لا يعتقد أنَّ الحرارة الخارجية تزيد من وزن الجسم لدى معالجته بها، وذلك لأنها تُقلِّل من كثافته، قال جابر: «وما عملَت فيه الحرارة فبعيدٌ أن يزيد وزنُه وإنْ زاد جِرمه … يزيد مساحتُه وينقص وزنُه لفقده التلزُّز والتحليل الذي هو من علَّة الخفيف؛ فقد بطل أن تكون زيادة وزن هذه الأرض بتمديد الحرارة وسخونتها.»٣٦

إبراهيم النَّظام (القرن ٣ﻫ/٩م)

رُبَّما يكون النَّظَّام أول من أشار إلى نوعيَّة العمل الذي يُمكن أن تقوم به الحرارة ألا وهو تسخين الأجسام، ورفع درجة حرارتها؛ إذْ «ليس أن الحَرَّ أن يكون له عمل إلا التسخين.»٣٧ وبذلك تتغيَّر حالة المادة، فإذا كانت صُلبة تُصبح سائلة؛ ومن ثَم تصبح بخارًا، والبُخار من شأنه أن يصعَد ويرتفعَ للأعلى.

الكندي (القرن ٣ﻫ/٩م)

في معرض رَدِّه على أرسطو، توصَّل الكندي تجريبيًّا في رسالته (في العِلَّة الفاعلة للمد والجزر) إلى أن السبب الحقيقي للحرارة هو الحركة، فهو يقول: «وقد جرَّبنا هذا القول؛ لأنه كان عندنا ممكنًا، فإنَّ الشيء إذا كان خبرًا عن محسوس، لم يكن نقضُه إلا بخبر عن محسوس، فعَمِلنا آلةً كالسهم وثقبناها ثقبًا خَارقة إلى الكُرَّة، موازيةً بطول السهم وأمكنَّا بواطن الثقب برصاصٍ رقيق، ثمَّ رميناها في الهواء عن قوسٍ شديدة، فتبيَّن بما قلنا أنَّ الحركة محدثةٌ حرارةً.»٣٨

تجربة الكندي هذه تسبق تجربة الكونت رمفورد على المدافع بألف سنة. لكن الفارق بين التجربتَين أن الكندي تلمَّس الحرارة من الاحتكاك بين الهواء والسهم المحمَّل بالرصاص، أما الكونت رمفورد فقد تلمَّس الحرارة من الاحتكاك بين المثقاب والكتلة الحديدية للمدفع.

وقياسًا على ما سبق فإنَّ الحرارة، حسب الكندي، التي تظهر على سطح الأرض فإنها ناجمة عن حركة الفلك في السماء «وأن الحرَّ الذي يُوجَد عندنا على وجه الأرض هو مما يصل إلينا من فوق بحركة الفلك.»٣٩ وهي الفِكْرة التي سيعود ويُكرِّرها أبو القاسم المجريطي (تُوفِّي ٣٩٨ﻫ/١٠٠٧م) بالقول: «والحرارة كما تقدَّم من دوام حركة الفلك.»٤٠

ابن بشرون (القرن ٤ﻫ/١٠م)

أدرك أبو بكر بن بشرون (كان حيًّا عام ٣٩٠ﻫ/١٠٠٠م) وهو أحد تلامذة مسلمة المجريطي العلاقة القائمة بين الحركة والحرارة، فهو ينطلق في البداية من النظرية الأرسطية في الطبائع الأربع، ثمَّ يجد أن إحدى النتائج المُترتِّبة على القدرة الفاعلة للحرارة هي قُدرتُها على تكوين الأجسام وتشكيلها، وبالتالي تحريكها، بخلاف البرودة التي تدفع بالأجسام نحو السكون، قال ابن بشرون: «واعلم أنَّ البارد من الطبائع هو ييبِّس الأشياء ويعقِّد رطوبتها، والحار منها يُظهِر رطوبتها ويُعقِّد يبسها، وإنما أفردتُ الحر والبرد لأنهما فاعلان، والرُّطوبة واليبس منفعلان، وعلى انفعال كل واحدٍ منهما لصاحبه تحدُث الأجسام وتتكوَّن، وإن كان الحرُّ أكثر فعلًا في ذلك من البرد؛ لأنَّ البرد ليس له نقل الأشياء ولا تحرُّكها، والحَرُّ هو علَّة الحركة. ومتى ضعُفَت علَّة الكون، وهو الحرارة، لم يتمَّ منها شيءٌ أبدًا، كما أنه إذا أفرطَت الحرارة على شيء ولم يكن ثَم بردٌ أحرقَته وأهلكَته.»٤١

ولم يُشِر ابن بشرون إلى عمل أستاذه المجريطي في ميزان الحرارة ومُحاولتِه ضبطَ مقدارها في الأجسام، وهو «ميزان النَّار»، أو حتى فكرته في انتقال الحرارة لسطح الأرض نتيجة دوران الفلك.

إخوان الصفا (القرن ٤ه/١٠م)

أدرك إخوان الصفا وجودَ علاقة بين الحرارة وحركة الأجرام الفلكية، كما هو سائد بين علماء ذلك العصر، لكنهم أضافوا أنَّ شدة سرعتها تزيد من كمية الحرارة المُتولِّدة نتيجة الاحتكاك، وهذا طبيعي «لأنَّ الحركة تولِّد الحرارة، والحرارة تولِّد اليبوسة، واليبوسة إذا تناهت انطفأَت الحرارة.»٤٢ ويُتابِع إخوان الصَّفا: «واعلم يا أخي، بأنه لما كانت الصورة المقوِّمة للأجسام الفلكية هي شدة اليبوسة المتولِّدة من شِدَّة الحرارة، المتولِّدة من شدة سرعة الحركة، وكانت الصورة المقوِّمة للأجسام الأرضِيَّة اليبوسة المُتولِّدة من شدة البرودة، المتولِّدة من شدة السكون، الذي هو ضد حركة الغلَيان، صارت الأجسام الأرضية مشاكلةً للفلكية في اليبوسة، ومضادةً لها في الحركة، ولما كانت حركتُها حول المركز صار سكون هذه في المركز؛ لأنَّ المضادَّ يفرُّ من ضده إلى أبعد الأماكن، وأبعدُ الأماكن من المحيط هو المركز.»٤٣

أبو علي مسكويه (القرن ٥ﻫ/١١م)

يتفق مسكويه مع قول السائل بأنه يُوجد ارتباط بين وجود الأشياء بوساطة الحرارة والبرودة التابعَين بدورهما للحركة والسكون؛ لأنَّ «الكون إنما يكون بالحرارة والبرودة التابعَين للحركة والسكون.» ثم يتساءل: «ولكن ما الذي ينفعه من تسليمه ذلك؟ وأنا أقول إن الكون إنما تلزمه الأجسام الطبيعية التي هي مبدأ الحركة والسكون، وتتبع الحركة والسكون الحرارة والبرودة.»٤٤

البيروني (القرن ٥ﻫ/١١م)

أدرك البيروني وجود مصونية للمادَّة في الطبيعة، وقد عَبَّر عن ذلك بمصطلح «اقتصاد الطبيعة» الذي يرتبط بشكلٍ وثيق بمفهوم الغاية من وجود الأشياء، فإذا لم يكن للأشياء هدفٌ من وجودها في الطبيعة، فلن يكون هناك معنًى للحديث عن الفائدة أو الهَدر، وقد ضرب مثالًا على ذلك أن الطبيعة تسمح بفَناء أوراق الأشجار والثمار من أجل السماح لأخرى بالظهور، وهو هنا يتعامل مع الطبيعة على أنها قوَّة تشكِّل الأشياء، وتأمرها وفقًا لخطةٍ إلهية دون أن تهدرَ أي شيء.٤٥ وعلى ذلك فإنَّ تحَوُّل الأشياء من شكلٍ مادي لآخر هو مبدأٌ متأصِّل في الطبيعة وسلوكها.

ابن حزم الأندلسي (القرن ٥ﻫ/١١م)

مبدأ الاقتصاد في الطبيعة الذي طرحه البيروني سيأخذ صورةً أكثر تطورًا عند ابن حزم الأندلسي (تُوفِّي ٤٥٦ﻫ/١٠٦٣م)، الذي نظر إلى الطبيعة على أنَّها مَادَّة لا تفنى لكنها تتحول من شكلٍ لآخر؛ فحالة الفساد التي تعتري الجسم ما هي إلا «افتراق الجسم على أشياءَ كثيرة، وذهاب أعراض وحدوث أعراضٍ أُخر عليه، وأمَّا الأجرام كلها فغير معدومةٍ بوجه من الوجوه، ولكنها مُنتقلة من صفةٍ إلى صفة.»٤٦ وهذه إشارةٌ واضحة جدًّا تذكِّرنا بمبدأ مصونية المادة؛ إذْ يُنسب قانونُ بقاءِ المادة إلى نيوتن.٤٧ وقد اعتمد إيمانويل كانط I. Kant (١٧٢٤–١٨٠٤م) في تطبيق رؤيته الفلسفية على الفيزياء لا سيما القانون النيوتوني: «المادة في الكون ثابتةٌ لا تفنى ولا تُستحدَث، وكميَّتُها لا تزيد ولا تنقص.» ولذلك رأى أنَّ المادة هي الجوهر الذي يشغل مكانًا، ويتحرك عن طريق قوى الدفع والجذب، ويتحقق الجَوهر أكثر من خلال أجزاء المادة، فالمادَّة لديه هي مجموع الأجزاء المُتحركة في المكان، غيرَّ أنَّ هذه الأجزاء تتحدَّد عن طريق شيءٍ واحدٍ يجمع كثرتَها هو الجوهر أو المادة، وبالتالي لا تنطبق الزِّيادة أو النقصان على الجوهر أو المادة؛ لأنه ثابتٌ لتغيُّر الأعراض، وإنما تنطبق فقط على الأجزاء، وهنا يُقرِّر كانط أنَّه «في كل تغيُّرات المادة لا يتغير الجوهر، فكمية المادة لا تزيد ولا تنقص إنما تبقى كما هي جملة واحدة؛ أي تبقى ثابتةً في كميتها.»٤٨
وبذلك أصبح للمَادَّة تاريخٌ اكتشفَته شيئًا فشيئًا كبرى قوانينُ التحوُّل لميخائيل لومونوسوف M. Lomonosov (١٧١١–١٧٦٥م) وأنطوان لافوازييه A. L. de Lavoisier ونيقولا سعدي كارنو٤٩  N. S. Carnot (١٧٤٣–١٧٩٤م) ويوليوس روبرت فون ماير J. R. Von Mayer (١٧٩٦–١٨٣٢م)، وجيمس بريسكوت جول J. B. Joule (١٨١٤–١٨٧٨م) وهرمان فون هلمهولز (١٨١٨–١٨٨٩م)؛ فمنذ عام ١٨٤٦م، أثبت الإنكليزي وليم روبرت غروف W. R. Grove (١٨١١–١٨٩٦م) في كتابه (تلازم القوى الفيزيائية)، أنَّ ما كان يُسمَّى قوًى فيزيائية؛ القوة الميكانيكية، الحرارة، الضوء، الكهرباء المغناطيسية، وحتى القوى المُسَمَّاة كيميائية، تتحول دون بقايا الواحدة إلى الأخرى في ظروفٍ معينة. وهكذا تأكد، بمنجزات الفيزياء في القرن التاسع عشر، رأي رينييه ديكارت René Descartes (١٥٩٦–١٦٥٠م) بأنَّ كمية الحركة الموجودة في الكون ثابتة. وبذلك فقد اكتمل المفهوم الحديث للطبيعة بخطوطه الكبرى، فصار مُنحلًّا كل ما كان صُلبًا، وطيارًا كل ما كان ثابتًا، وفانيًا كل ما كان أزليًّا. وثبت أنَّ الطبيعة تتحرك في سَيَّالة دائرة أبدية.٥٠
وفي عصر فريدريش ألبرت لانجه F. A. Lange (١٨٢٨–١٨٧٥م) كانت الفيزياء قد بدأَت بتغليب فكرة الطَّاقة على فكرة المادة، رادةً الثانية إلى الأولى. ومع ذلك فإنَّ قانون بقاء الطاقة قد لقي تجاهلًا من قِبَل الماديين المعاصرين له، من أمثال فشنر Fechner وبوشنر Buchner؛ لأنَّ العنصر الصحيح في المادية — وهو استبعاد المعجزة والتخبُّط من مجال الطبيعة — يثبُت بفضل هذا القانون على نحوٍ أعلى وأعم مما يستطيع الماديون إثباتَه من وجهة نظرهم الخاصة، أمَّا العنصر الباطل — وهو القول بأنَّ المادة هي مبدأ كل ما هو موجود — فإنه يُطرح جانبًا، بفضل هذا القانون، على نحوٍ يبدو نهائيًّا وقاطعًا. في الحقيقة إن عدم قدرتنا على تصوُّر طاقةٍ خالصة، إنما يرجع إلى ضرورةٍ نفسيَّة تجعلنا نُدرج مُلاحظاتنا تحت مقولة الجوهر؛ فنحن لا نُدرِك إلا المُتغيرة؛ أي بجوهر. وهذا الجوهر هو في واقع الأمر تلك المادة المجهولة التي يفترضها الماديون، ويعتقدون أنها الشكل الوحيد للوجود، ولكن المادة ليست في واقع الأمر إلا تعبيرًا عن حاجةٍ تقتضيها طبيعة تفكيرنا، ولا تصدُق على الواقع المُطلق، الذي هو في ذاته مجهول. ومن هنا يعرف لانجه المادة بأنَّها: ذلك العنصر في الشيء الذي لا نستطيع أو لا نريد أن نمضي في تحليله إلى طاقات، والذي نُجمِّده ونثبته فنجعل منه أصلًا للقوى التي نُلاحظها وحاملًا لها.٥١

وهكذا فإنَّ أطروحة ابن حزم الأندلسي — سواء على الصعيد الفلسفي أو الفيزيائي — قد أُعيد إنتاجُها من جديدٍ في الفكر الأوروبي، وتمَّ تثبيتُها مع ترسيخ قوانين الترموديناميك، خصوصًا القانون الأول منها.

ابن باجة (القرن ٦ﻫ/١٢م)

يعُد ابن باجة انتقالَ الجسم من الحالة الحارة إلى الحالة الباردة هو نوع من أنواع الحركة، إلا أنه لم يناقش التغيُّرات الطَّورية في المادة التي تُرافِق هذا الانتقالات، وقد ذكر لنا ابن باجة وجود ثلاثة احتمالات:

  • انتقال الجسم من حالةٍ حارَّة إلى حالةٍ حارَّة أخرى (قد تكون أعلى أو أقل أو مساوية لها بدرجة الحرارة).

  • انتقال الجسم من حالةٍ باردة إلى حالةٍ باردة أخرى (قد تكون أعلى أو أقل أو مساوية لها بدرجة البرودة).

  • انتقال الجسم من حالةٍ حارَّة إلى حالةٍ باردة أخرى (حتمًا أقل منها بدرجة البرودة).

أمَّا خصائص الاحتمالات السابقة فهي:
  • (١)

    انتقال الجسم من الحالة الحارَّة يعادل انتقاله إلى الحالة الباردة؛ لأنَّ انتقال الجسم من الحالة الحارة يعني أنه يفقد حرارته؛ لذلك فهو يعادل انتقاله إلى الحالة الباردة.

  • (٢)

    انتقال الجسم إلى الحالة الحارة عكس انتقاله إلى الحالة الباردة؛ ففي الحالة الأولى ترتفع درجة حرارته، أمَّا في الحالة الثانية فإنها تنخفض.

  • (٣)

    انتقال الجسم من الحالة الحارَّة، والانتقال من الحالة الباردة متضادَّتان في الأعراض الناجمة عنهما؛ ففي الحالة الأولى تنخفض درجة حرارته، أمَّا في الحالة الثانية فإنها ترتفع.

وهكذا يكون ابن باجة قد شَمِل كل الاحتمالات المُمْكنة في هذا النَّوع من الحركات الخاصَّة بالحرارة والبرودة، والتي لم يسبق أن عالجها أحدٌ قبله.

قال ابن باجة: «أمَّا أي حركة تضادُّ أي حركة، فليكن المتضادَّان حارًّا وباردًا، وكل هذَين من هذَين، فمنهما تواليهما، فتكون الحركة من الحارِّ والحركة إلى الحار، والحركة من البارد والحركة إلى البارد، مُتضادة؛ فأمَّا الحركة من الحار والحركة إلى البارد، فهي واحدة بعينها بالموضوع، فإن كل ما يتحرك من الحارِّ فإلى البارد، وكذلك الحركة إلى الحارِّ هي بعينها بالموضوع الحركة من البارد، فالحركة بالموضوع اثنتان، وبالقول أربعة؛ فقد تبيَّن أنَّ التضاد اثنان، فأمَّا من أي جهة هي متضادَّة، فمن هنا يظهر؛ وذلك أنَّ الحركة إنما تُحد بما إليه، لا بما منه، فإنَّ الحركة من الحار هي تبرُّد، وذلك بيِّن، والتكثير فيه فضل، فنسبة الحركة إلى ما منه، لاحقٌ لحق الحركة، فإذن التضادُّ الذاتي بين الحركات هو من جهة ما إليه، إذا كانت أضَّادًا، فإن الحركة إلى الحار تُضادُّها الحركة إلى البارد بالذات، وتُضادُّها بالعَرَض الحركة من الحار، والحركة من الحار والحركة من البارد متضادَّتان في أعراضهما، كما يُضادُّ الإنسانُ الأسود الإنسانَ الأبيض، وتُضادُّ الحركة من الحار الحركة إلى الحار بالعَرَض، لأنه لحقِّ التبرُّد إن كان من الحار، والمطلوب تضادُّ الذوات لا تضادُّ الأعراض الخارجة، ولا تضادُّها بالعَرَض.»٥٢

ابن رشد (القرن ٦ﻫ/١٢م)

هيمنَتْ النَّظرية الأرسطية على تفسير ابن رشد في تولُّد الحرارة، فالحركة تُهيِّئ الجسم لقبول الحرارة من الهواء المُحيط به؛ ومن ثَم يكتسب الجسم حرارته. والدليل على ذلك أنَّ النار تتولَّد من الحرارة المُحيطية في الهواء، وما حركة القدح إلا وسيط مُساعد. وكذلك الحال في الأجرام السماوية؛ فالحرارة تتولَّد فيها بسبب حركتها في الأشياء غير الحارَّة، وتعمل الأجسام الحارَّة كوسيطٍ مساعد.

قال ابن رشد: «والمُسَخِّن بالحركة هو مسخِّن بالعرض أيضًا؛ إذْ كانت الحركة أيضًا ليس من شأنها أن تولِّد حرارة؛ إذْ ليست بحارة، وإنما الذي تفعلُه إعداد الموضوع لقبول الحرارة؛ فالنار التي تتولَّد عند القدح مثلًا إنما تولِّدها الحرارة التي في الهواء بتوسُّط حركة القدح، وليس بمنكرٍ أن تتولَّد حرارةٌ أشد من حرارة أضعف لمَّا كان فرط الاستعداد، حتى إنه إذا أفرط الاستعداد ظن أن الشيء متولِّد من ذاته، وكذلك الحال في الأجرام السماوية إنما تولِّد الحرارة بحركتها في الأشياء غير الحارة بتوسُّط الأجسام الحارة؛ ولذلك ليس تتقدَّح في الموضع الحار والهواء الحار. ولو كانت الحركة تولِّد الحرارة بالذات لكان الشيء قد يُوجَد من غير نوعه، وكذلك السكون هو مُبرِّد بالعرض، ولو كانت الحركة مُسَخِّنة بالذات لكان السكون — الذي هو عدم الحركة — مُبرِّدًا بالذات، وذلك معلوم الاستحالة بنفسه؛ فالأجرام السماوية تسخِّن بالقرب وتبرِّد بالبعد، وبهذَين الفعلَين تنحفظ صورة الأسطقسات دائمًا، فالجِرْم السماوي هو حافظٌ للأسطقسات لا فاعل لها، كما يمكن أن يتوهَّم ذلك قوم، وبخاصة للنار.»٥٣

ابن الرزاز الجزري (القرن ٧ﻫ/١٣م)

figure
(على اليمين) صورة من مخطوطة «الجامع بين العلم والعمل النافع في علم الحيل» (نسخة طوبقابي سراي أحمد الثالث، إستانبول، رقم ٣٤٧٢.) لابن الرزاز الجزري، وهي توضِّح كيف استفاد الجزري من هذه التركيبة لتوليد حركةٍ دائرية من حركةٍ انسحابية، (مصدر الصورة: نسخة طوبقابي سراي أحمد الثالث، إستانبول، رقم ٣٤٧٢. ص١٣٨.) وهي تركيبة شديدة الشبه كثيرًا بتجربة جول (على اليسار) (مصدر الصورة: الموقع www.geo.arizona.edu) التي أنجزَها خلال الأربعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي، عندما قاس كمية الطاقة الميكانيكية اللازمة لرفع درجة حرارة كميةٍ معيَّنة من الماء بدرجاتِ حرارةٍ معينة. وسُمِّيَت العلاقة بين الطاقة الميكانيكية والطاقة الحرارية المكافئ الميكانيكي للحرارة. إلا أنَّ الجزري لا يذكر لنا شيئًا عن عملية الاحتكاك في الموقع (A) وكيفية تحوَّل الطاقة الميكانيكية إلى حرارة بين المحوِّل والمسند المرتكز عليه. وإذْ نعقد مقارنةً بين مخطَّطَي الآليتَين حتى نبيِّن كيف تتشابه طريقة التفكير العلمية بين العلماء مهما كانت الفجوة الزمنية كبيرة؛ فالمنطق العلمي الصحيح في المقدِّمات سيؤدِّي إلى نتائجَ صحيحةٍ بالضرورة.
لم نعثُر عِنْد بَديع الزَّمان الجزري (كان حيًّا عام ٦٠٢ﻫ/١٢٢٤م) على نص يُشير مباشرةً إلى وجود علاقة بين الحرارة والحركة، وإنما وجدنا له تصميمَ آليةٍ لنقل الحركة في الأشكال: ٥، ٨، ٧، ٦ من النوع الثالث.٥٤ وهي تصاميمُ لآلاتِ قياسٍ للسوائل يُمكِن من خلالها معرفة كمية الدم المفصود من الشخص. هذه الآلية الميكانيكية نفسها سيعود ويستخدمها جيمس جول من أجل حساب المكافئ الميكانيكي للحرارة. وهي التجربة العلمية التي سترسِّخ موقعه بين علماء الفيزياء البارزين، وتجعل من اسمه وحدةً لقياس الطاقة.

الجلدكي (القرن ٨ﻫ/١٤م)

استدل الجلدكي تجريبيًّا على أنَّ الحرارة تنشأ إمَّا عن الحركة أو سقوط الضوء أو وقوع الجسم بالقرب من النار، لكنه يشترط أن يكون هذا الجسم مُهَيَّأً بشكلٍ عام لامتصاص الحرارة، وإلا فإنه سيكون جسمًا عازلًا: «دَلَّت التجربة على أنَّ أسباب الحرارة الاستضاءة والحركة ومجاورة النار، إذا كان القابل لشيءٍ من ذلك قابلًا للحرارة، وأمَّا إذا لم يكن قابلًا لها فلا.»٥٥
وقد عقد الباحثُ أحمد الدمرداش مُقارنةً ناقدة غير دقيقة بين الجلدكي، والكونت رمفورد، وجول، وأن الجلدكي لم يشرح تجارب مثل تلك التي قَدَّمَهَا هذان العالمان، ثم يُعَمِّم نقده على كل جهود العلماء العرب والمسلمين في مجال الحرارة قائلًا: «عيبُ التفسير عند العرب لمفهوم الحرارة أنه ينبني على إدراكاتٍ كيفية، وليس على إدراكاتٍ قياسية ترتبط فيما بينها بمعادلاتٍ رياضياتية، كما حدَث عند العالم الإنجليزي جوزيف بلاك، والأمريكي بنيامين طومسون والإنجليزي جول ثم الإنجليزي توماس يونغ الذي أعطى أبعادًا رياضياتية للطاقة طبقًا للمفهوم النيوتوني.»٥٦ ومأخذنا على هذه المُقارنة يعود لعدة أسباب:
  • (١)

    نعلم أنَّ الجلدكي كيميائي أكثر منه فيزيائيًّا، وكان علم الكيمياء يرتكز — بحسب منهجية جابر بن حيان — على التجربة والمُشاهدة أكثر من اعتمادها على الرياضيات والتنظير.

  • (٢)

    بالنسبة للرياضيات وتطبيقها على الظاهرات الفيزيائية، فقد عُرِفَ عن العرب وغيرهم في العصور الوسطى استخدامهم للهندسة أكثر من الجبر أو غيره من العلوم الرياضياتية وطبَّقوها على البصريات، ولم تكن المنظومات الرياضياتية بذلك التقدُّم الذي كان لدى الأوروبيين في القرنَين السابع عشر والثامن عشر، خصوصًا بعد ظهور التفاضل والتكامل، والذي سَمَح لهم بتطبيق الرياضيات على ظواهر الحرارة وكيفية انتشارها.

  • (٣)

    إنَّ التراكم المعرفي الذي كان لدى العرب — بشكل عام — كان من جهود اليونانيين والعرب أنفسهم، بينما حصد الأوروبيون جهود الجميع، ثُم بنَوا عليها، وطوَّروا من مناهجهم البحثية العلمية ومؤسساتهم العلمية، فتوصَّلوا بشكلٍ طبيعي لأفضل مما توصَّل إليه العرب، خصوصًا بعد تأكيدهم على فكرة عدمِ قبولِ أي تفسيرٍ لأي ظاهرةٍ فيزيائية دون دعم ذلك رياضياتيًّا.

لذلك فإننا نرى عدم مؤاخذة العُلماء العرب والمُسلمين على ما قَدَّمُوه أو بذَلوه من جهودٍ فردية لدى تعاملهم مع الظاهرات الطبيعية؛ ففي النهاية هم أسرى لموقعهم التاريخي والظروف الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية المُحيطة بهم، كما هو حال مُعظم العلماء العاملين في الدول العربية في الوقت الحاضر.

عضد الدين الإيجي (القرن ٨ﻫ/١٤م)

لا يتفق الإيجي مع الكندي والمجريطي وأبو البركات البغدادي وغيرهم ممن قالوا إنَّ الحرارة تتولد نتيجةً لحركة الأفلاك، والتي تؤثِّر حرارتها على الهواء المُحيط بالأرض، أو حتى على سطح الأرض. والسبب في ذلك أنَّ مادة الأفلاك مُغايرةٌ تمامًا للمواد التي نتعامل معها على الأرض؛ لذلك لا يمكن أن يحدُث توصيلٌ حراري بينها.

قال الإيجي: «الحركة تُحدِث الحرارة والتجربة تُحقِّقه، قيل فيجب أن تسخن الأفلاك ويتسخَّن بمجاورتها العناصر فتصير كلها بالتدريج نارًا. والجواب أنَّ موادَّ الأفلاك لا تقبل السخونة ولا بد مع المقتضى من وجود القابل فلا تسخن، فلا تتسخَّن بالمجاورة، والعناصر لمَلاسَة سطوحها لا تتحرك بحركة الأفلاك فتتسخَّن، ولهم كلامٌ مناقض لهذا فسيأتيك أنهم قالوا النار تتحرك بتبعية الفلك، وليس التحريك يتعين أن يكون بالتشبُّث فيمنعها ملاسة السطوح.»٥٧

ثم عاد الإيجي وأَكَّدَ على العلاقة بين الحرارة والحركة وقَدَّم شرحًا أكثر تفصيلًا، وهو الفهم الذي لم يتمكن من الوصول إليه، أولئك المُعَارضون لتفسيره؛ حيث إنَّ المدار المُقعَّر للقمر، وهو الأقرب لمدار الأرض، والمدار المُحَدَّب للنار في السماء أملسان تمامًا؛ كونهما يتواضعان على كراتٍ مُتداخلة مع بعضها بعضًا، حسب النموذج البطلميوسي الفلكي، ولا يمكن لحركة أحدهما أن تؤثِّر أو تسبِّب حركة الآخر، وعليه لا يُشترط حدوث تسخُّن بسبب حركاتهما.

قال الإيجي: «والجوابُ أنَّ مواد الأفلاك لا تقبل السخونة أصلًا، ولا بُدَّ في وجود الحرارة مع المقتضى الذي هو الحركة من وجود القابل، وحينئذٍ فلا تسخُن الأفلاك بسبب حركاتها فلا تسخُن العناصر بالمجاورة، وليست العناصر مُتحركة على سبيل التبعية فإنها لملاسة سطوحها لا تتحرك بحركة الأفلاك فتتسخَّنَ، بالنصب على أنه جواب النفي، والحاصِلُ أنَّ مقعَّر فلَك القمر ومحدَّب النار سطحان أملسان فلا يلزمُ من حركة أحدهما حركة الآخر، فإذن أجرام الأفلاك ليست مُتَسَخِّنة بحركاتها ولا محرِّكة للعناصر حتى يلزم سخونتُها بوجهٍ ما، ولهم كلامٌ مناقض لهذا الذي ذكروه ها هنا من أنَّ العناصر لا تتحرَّك بحركة الأفلاك، فسيأتيك في موقف الجواهر أنهم قالوا النار تتحرَّك بتبعية الفلك، وليس التحريك يتعين أن يكون بالتشبُّث فيمنعها ملاسة السطوح؛ فإن الأفلاك عندهم يحرِّك بعضها بعضًا ولا خشونة في سطوحها لتكون متشبِّثة بسببها، فالأَولى في الجواب أن يُقال النار مُتحركة بمتابعة الفلك دون باقي العناصر، وليس سخونة النار تُوجِب سخونة الباقي لأنَّ برودة الطبقة الزمهريرية تُقاوِمها.»٥٨

المبحث الخامس: الأوروبيون

الخطوة التالية في دراسة تطوُّر العلاقة بين الحركة والحرارة — كانت على نحوٍ غير ملائمٍ خطوةً في الاتجاه الخاطئ — وقد جاءت من أنطوان لافوازييه، الكيميائي المُتفوق على جميع أقرانه في القرن الثامن عشر، الذي كان يُدعى أحيانًا (أبو الكيمياء الحديثة). لقد أصَرَّ على موضوع القياس الدقيق؛ ولذا يقول المؤرخون إنه قدَّم للكيمياء ما قدَّمه جاليليو للفيزياء قبل ذلك بقرن ونصف. لكن الطبيعة الحقيقية للحرارة، من ناحيةٍ ثانية، كانت فوق خيال لافوازييه؛ لذلك فقد أدرج الحرارة مع الضوء بين العناصر، واعتبرها سائلًا دعاه السيَّال الحراري، كما وجدنا ذلك سابقًا في نظرية الاحتراق. وقد كتب إسحاق أسيموف I. Asimov «جزئيًّا وبسبب النفوذ الكبير للافوازييه، فإنَّ نظرية السيَّال الحراري بَقيَت في الوجود في عقول الكيميائيين طوال نصف قرن.» كانت الفِكرة أنَّ السيال الحراري سيَتَحَرَّرُ عند اقتطاع رقاقات من معدن في المخرطة (مثلًا) وهكذا تصبح المادة ساخنة.٥٩
لقد قُدِّمَت نظرية السيال الحراري، وحُدِّدَت فرضياتها الأساسية عام ١٧٧٩م كما يأتي:٦٠
  • (١)

    ليس للسيَّال الحراري وزن يُمكن إدراكه.

  • (٢)

    السيَّال الحراري يكون مُدرَكًا أو كامنًا؛ أي يمكن الإحساس به، أو مختزنًا، وهو في الحالة الأخيرة يمتزج كيميائيًّا مع جُزيئات المادة لتحويل المادة الصُّلبة إلى سائل والسائل إلى بخار.

  • (٣)

    للسيَّال الحراري مصونية؛ فهو لا يفنى ولا يُستحدَث من العدم.

  • (٤)

    السيَّال الحراري سائلٌ مرن مكوَّن من جُزيئات يدفع كلٌّ منها الآخر. هذه الجُزيئات تخضع لجذبٍ شديد من جُزيئات المواد الأخرى، والمواد المُختلفة تجذب السيَّال الحراري بدرجاتٍ مُتفاوتة من الشدة.

بناءً على الفروض السابقة أمكَن تفسير الظَّاهرات الحرارية؛ فعندما كان يتزايد نفاذ السيَّال الحراري داخل مادة، كانت تتعاظَم حرارتها. وفي النِّهاية يفيض السيَّال الحراري ويتدفَّق من جميع الجهات؛ وعليه يُمكِننا الشعور بدفء الشمس من مسافةٍ بعيدة، أمَّا إذا وضعنا جسمًا باردًا بجوار آخرَ حار فإنَّ السيَّال الحراري يتدفَّق من الجسم الساخن إلى البارد، وبسبب هذا التدفُّق يبرد الجسم الساخن ويسخن البارد.٦١
على التوازي وفي القرن الثامن عشر نفسه ظهَرَت نظريةٌ جديدة أخرى استفادت من التطوُّر الحاصل في النظرية الذرية، هذه النظرية أوجدَت رابطًا يُفسِّر العلاقة بين الحرارة والحركة، بحيث إنَّ الحرارة ما هي إلا مَظهرٌ من مظاهر الحركة؛ أي إنَّ حَرارة جسمٍ ما تنشأ عن حركة جُزيئاته الداخلية؛ أي إن فكرة الحركة الخارجية الضرورية للأجسام لتوليد الحرارة التي كان العلماء السابقون يقترحونها انتقلَت لتُصبِح حركةً داخلية. هذه النظرية كانت تُناقِض نظرية السيَّال الحراري،٦٢ حيث إن الأخيرة لم تَستطِع تفسير عددٍ من الظاهرات الحرارية (كالحرارة النوعية، والكامنة، والتمدُّد المُنتظم للغازات وغيرها)، خصوصًا بعد اختراع موازيين الحرارة، وهي أنهم كيف يفسِّرون مفهوم الحرارة؛ أي ما هي الحرارة أصلًا والتي ينتُج عنها كل هذه الظاهرات؟ وبذلك أصبحَت النظرية الذرية الجديدة تُجيب على الأسئلة التي عجَزَت عنها نظرية السيَّال الحراري. واستطاعت نظرية بقاء الطاقة بعد ذلك أن تكون جزءًا من العلم فقط عندما تم رفض نظرية السيَّال الحراري.٦٣

فرنسيس بيكون (القرن ١٧م)

كتب فرنسيس بيكون في عام ١٦٢٠م في كتابه (الأورجانون الجديد): «إنَّ الحرارة من حيث الجوهر، ما هي إلا عبارة عن حركة؛ وتتمثل الحرارة في الحركة المُتناوِبة لأدق الجُسيمات التي يتألَّف منها الجسم».٦٤ وتابع: «إنَّ الحرارة ذاتها، في جوهرها وماهيتها، هي حركة، حركة فحسب.»٦٥ إنها «مثابرة ومكافحة ومجاهدةٌ أبدية، فمنها تنطلق روح النار.»٦٦ وقد اتفق لاحقًا روبرت بويل مع رأي بيكون.٦٧ لقد حاول بيكون تقديم طريقةٍ جديدة لزيادة المعرفة الطبيعية، وأخذًا كمثال على ذلك التحري عن طبيعة الحرارة، واستنبط من كل الحقائق المتاحة والملاحظات، وصنَّفَها وَفْق قواعد، بأنَّ الحرارة كانت عبارةً عن شكلٍ من أشكال الحركة.٦٨ ومع مواقفه الناقدة للعلم العربي، ومدى هيمنته في عصره، فإننا نرَاه يتبنَّى آراء اليونانيين والعلماء العرب والمُسلمين ولم يقدِّم البديل عنها.

جاليليو (القرن ١٧م)

طرح جاليليو جاليلي Galileo Galilei (١٥٦٤–١٦٤٢م) في خطابه (المحلل) الذي وجَّهه إلى الدون فيرجينيو تشيزاريني V. Cesarini (١٥٩٥–١٦٢٤م) حواريةً بين شخصيتَين؛ إحداهما: اسمها سارسي، والأخرى: جويدوتشي، الأول منهما كان مُتعَصِّبًا لآراء أرسطو والآخر غير متعصب، فالأول يقول — كما قال أرسطو — إن سبب الحرارة هو الحركة، في حين أن الآخر يقول إن الاحتكاك السريع لجسمَين صُلبَين هو السبب، ويرجِّح جاليليو أن مقولة الثاني هي الصحيحة، ثم يقول: «في الحقيقة أنا لا أصدِّق أنَّ جويدوتشي قد يقول (كما يدَّعي سارسي) إنه حتى تحدُث الحرارة لا بُدَّ للأجسام أن تتخلخل أولًا، وأنَّ هذا التخلخُل ينقصُها وتتطاير الأجزاء الرقيقة بعيدًا … وفي هذه العملية التي نُناقِشها لا بُدَّ أن يأخذ المرء في اعتباره الجسمَ الذي سيُنتِج الحرارة من جهة، ومن جهةٍ أخرى الجسم الذي سيستقبِلها، ويعتقد سارسي أنَّ جويدوتشي يتطلَّب إثارةً واستهلاكَ أجزاء من الجسم الذي يستقبل الحرارة، وأعتقد أنا [جاليليو] أن الجسم الذي ينقُص لا بُدَّ أن يكون هو الجسم الذي يولِّد الحرارة. وعندما سخَّن سارسي قطعةً صغيرةً من النحاس بالطرقِ عليها مرَّاتٍ عديدة، فإنني أعتقد أنه لم يكتشف أي نقصٍ في وزنها حتى لو استخدم أكثر الموازين دقة. إلا أنني لا أعتقد أنه لم يحدُث أي نقص، فقد يكون النقص الذي حدَث من الصغر لدرجةٍ لا يمكن اكتشافه بوساطة أي ميزانٍ مهما كان. دعوني أسأل سارسي إذا كان يعتقد بوجود فرقٍ في الوزن يمكن اكتشافُه في زِرٍّ من الفضة بعد طلائه بالذهب. لا بد أن يقول لا؛ لأننا نرى كيف أنَّ الذهب قد اختُزل إلى ورقةٍ رقيقة لدرجة أنها تظل مُعَلَّقة في الهواء الساكن ولا تسقط لأسفل إلا بِبطءٍ شديد، ويمكن طلاء أي فِلزٍّ بمثل هذا الذهب. والآن قد يمُرُّ شهران أو ثلاثة من استخدام هذا الزِّر قبل أن تتآكل طبقة الطلاء، وهكذا وحيث إن الطلاء قد استُهلِك في النهاية فلا بد أنه كان يتناقص كل يومٍ، بل حتى كل ساعة.»٦٩
وبعد استطرادٍ طويل ومُتعدد الجوانب، يعود ليشرح لصديقه الدون تشيزاريني كيف أنَّ الحركة تكون سببًا للحرارة، لكن تفسيره كان غامضًا، وغير محدِّد لطبيعة الحرارة نفسها، فيقول: «أولًا لا بد أن نأخذ في اعتبارنا ما الحرارة؟ لأنني أتشكَّك في أنَّ الناس عمومًا لديهم فكرةٌ عن الحرارة بعيدةٌ كل البعد عن الحقيقة، فهم يعتقدون أنَّ الحرارة ظاهرةٌ واقعية أو خاصيةٌ أو صفةٌ كامنة في الماء التي نشعر فيها بالدفء. والآن أقول إنني إذا فَكَّرْتُ في أية مادةٍ جسدية، فإنني أشعر في الحال بحاجتي للتفكير فيها كشيءٍ محدَّد له شكلٌ ما؛ كبيرًا كان أم صغيرًا بالنسبة للأشياء الأخرى، وموجودة في مكانٍ مُعين في زمنٍ ما، وهي في حركة أو سكون، تتلامس أو لا تتلامس مع جسمٍ آخر، وواحدة، أو في عددٍ قليل أو كثير. ومن كل هذه الظروف لا يمكن أن أفصِل هذه المادة بمجَرَّد توسُّع تصوري. أمَّا كونُها بيضاء أو حمراء، مُرَّة أو حُلوة، صاخبة أو صامتة، ورائحتها طيبة أو كريهة، فإنَّ ذهني لا يشعر أنه مُجبرٌ على استيعاب ذلك كضرورة مُتلازمة معها. وبدون إرشادٍ من حواسِّنا ومنطقنا وتصوُّرنا ودون معاونةٍ فإننا على الأرجح لم نكن أبدًا لنتوصَّل إلى خصائصَ مثل تلك.»٧٠

جوزيف بلاك (القرن ١٨م)

فيما يتعلق برأي فرنسيس بيكون ومن سبقَه بأن الحرارة شكلٌ من أشكال الحركة، أشار بلاك إلى أنه قد تَم تبنِّي هذا الرأي بطريقتَين مختلفتَين؛ اعتبر الفلاسفة الإنكليز بأنَّ الحركة التي أشار إليها بيكون حركةُ جسيماتٍ صغيرة للأجسام، في حين أنَّ معظم الفلاسفة الألمان والفرنسيين بأنها كانت حركة، وليست جُسيمات الجسم بحد ذاته، وإنما جسيمات دقيقة ومَرِنة إلى حدٍّ عالٍ تمثِّل السوائل، وسائدة في جميع الأجسام وموجودة في المسامات بين جُسيماتها؛ أي بصيغةٍ أخرى سيَّال حراري. عندها اقترح بلاك أن هذه النظريات لم تتمكَّن من تفسيرِ كاملِ الحقائق المعروفة والمرتبطة بالحرارة، مثل اكتشافاته الخَاصَّة عن «السعة الحرارية» التي كانت غير مرتبطة تمامًا بالنظرية الأولى؛ إذْ لو كانت النظرية صحيحة، ينبغي للحرارة أن تكون متصلةً وَفْق قوانين الحركة، وقد تكون الأجسام الكثيفة موصلاتٍ أكثر قوةً للحرارة، وإنما كانت الحالة المعاكسة هي المتكرِّرة.٧١ والحقيقة أنَّ رفض بلاك لنظرية السيَّال الحراري وحصر تفكيره في إطارها، هو الذي فتح أمامه الباب للتوصُّل إلى اكتشافاتٍ جديدة في مجال الحرارة، وإلا لما استطاع أن يخطو خطوةً واحدة للأمام.

دانييل برنولي (القرن ١٨م)

توصَّل دانييل برنولي D. Bernoulli (١٧٠٠–١٧٨٢م) في كتابه (الهيدروديناميكا) الذي نشَره عام ١٧٣٨م، إلى أنَّ الحرارة مُجرد تزايُد في الحركة الداخلية للجُسيمات، وهي النتيجة التي سيتوصَّل لها جول بعده بحوالي ١٠٠ سنة. لكن العلماء أهملوا أفكاره لزمنٍ طويل، واعتبروها ضربًا من الخيال، فكل ما أراداه برنولي من زملائه أن يتصوَّروا حيزًا مُغْلقًا خاليًا تمامًا من كل شيء إلا من جزيءٍ واحد ينتقل في هذا الخلاء بسرعةٍ كبيرة جدًّا، وعلى خطوطٍ مستقيمة، مصطدمًا بجدار الحيز ومُرْتدًّا عنه في اتجاهٍ جديد، وهكذا إلى اللانهاية. وقد تخيل برنولي نتيجةً لهذه الحركة إحداثَ صدماتٍ مُتتابعة فردية، وستكون هذه الصدمات غير مُهْمَلة التأثير عندما تكون من مليارات ومليارات الجزيئات، وهو ما سيُحدِث ضغطًا على جدران هذا الحيِّز، ومع تسخين الغاز داخل هذا الحيز فإنَّ الضغط سيزداد.٧٢ في الواقع جاء تفسير برنولي مناقضًا للرأي السائد بأنَّ مرونة الجُزيئات يعود للتنافُر الحادث فيما بينها. وقد نجح في إثبات أن الضغط يتناسب مع مربَّع السرعة الجُزيئية، لكونها مُتساويةً لجميع الجُسيمات. وهو ما جعله يفترض أن درجة الحرارة تتناسب أيضًا مع هذا التربيع، مؤكدًا نظريًّا الظاهرة التي أوضحَها غوليوم أمونتون G. Amontons (١٦٦٣–١٧٠٥م) عمليًّا، وهي أنَّ الارتفاع في الضغط الذي يُصاحِب ارتفاعًا معينًا في درجة حرارة كميةٍ من الغاز محصورة في وعاء ذي حجمٍ ثابت، يتناسب مع الكثافة. وقد أيده في ذلك العالم الروسي ميخائيل لومونوسوف بعد ذلك.٧٣

هنري كافندش (القرن ١٩م)

كان بحث «الحرارة» الذي وضَعه هنري كافندش تنظيمًا لأفكار نيوتن عن الحرارة، كما أنَّه كان يهدف إلى تقديم ما كان مفقودًا من جانب نظرية الحركة والحرارة؛ لذلك قسَّم كافندش «القوة الحية vis viva»، وهي المعرفة بالتأثير الميكانيكي للجسم في حالة الحركة، إلى نوعَين: «مرئية» و«خفية». «القوة الحية المرئية» هي تلك التي يخضع مركز كتلة الجسم فيها لحركةٍ مُتواصلة أو الجسم الذي يخضع إلى دوران كلَيهما، أمَّا «القوة الحية الخفية» فهي جُسيمات الجسم الذي يتحرَّك فيما بينها، وتكون «القوة الحَيَّة الكلية» للجسم مجموعَ كليهما. أكثر من ذلك فقد قسَّم كافندش «القوة الحية» إلى قسمَين: الأول «نشطة» والأخرى «كامنة»، ويمكن للكامنة أن تصبح نشطة. رمزها S، تُناهِض «القوة الحية» النشطة، وهي «القوة الحية» الفعلية لكل الجُسيمات التي تُشكِّل الجسم، ورمزها S والتي تُناهِض نصف مجموع «القوة الحيَّة» حيث إنَّ كل جُسيم يتطلَّب انجذابًا أو نفورًا لكل جُسيمٍ آخر في حالة سقوط من اللانهاية لموقعه الفعلي ضمن الجسم. لفهم أن الانجذاب والتنافُر بين جُسيمين هما دائمًا على البعد نفسه، وأنَّ الاختلاف يحدُث باختلاف تباعُدهما، اشتق كافندش القانون العام لمصونية «القوة الحية»، النشطة والكامنة: الكمية s-S حيث لا يستطيعان تغيير نتيجة حركة الجُسيمات بين بعضها بعضًا. وهكذا فقد عرف كافندش الكميات الميكانيكية التي تتعلَّق ﺑ «القوة الحيَّة» مع الكميات التي تحدُث في الحرارة. الصلة بين المقترحَين تظهر من خلال «فرضيتَين» أساسيتَين لنظرية الحرارة التي افترضَها كافندش، وتتألَّف من حركةٍ داخلية يتم اعتبارها اهتزازية، والجُسيمات تكون مشدودةً إلى أماكنها بشكلٍ وثيق بتأثير قوَّتَي الجذب والنبذ. أمَّا «الحرارة المُدركة» فهي ما يدعوه كافندش بحرارة الجسم التي يُحدِّدها ميزان حرارة، وهي ترتبط بالحرارتَين النشطة والكامنة من خلال تشكيل الجسم. ومع هذه المصطلحات، كان لدى كافندش مُفرداتُ تقنيةٍ كاملة لتطوير علم الحرارة حسب رؤيته.٧٤
مع تقديم نظريته الجديدة، لم يَعُد يرى كافندش اكتشافاته التجريبية عن الحرارة الكامنة وعن العمليات الكيميائية بوصفها صعوباتٍ مُمْكِنة بالنسبة لنظرية نيوتن وذلك لأنه قدَّمها بوصفها نتائجَ لها. وهكذا شرح بأنه عندما يتغيَّر جسم من حالةٍ صُلبة إلى حالةٍ سائلة أو من سائلة إلى سائلٍ مائع، أو عندما يتحد جسمان بفعل انجذابٍ كيميائي؛ فإنَّ الجُسيمات تخضع إلى إعادة ترتيب، وبها تكتسب حرارةً كامنة أو نشيطة لتُنتِج تغيُّرًا على شكل حرارةٍ مُدرَكة مُعيَّنة، حيث تبقى الحرارة الكلية ثابتة، ويجب أن تتغير الحرارة المُدرَكة، بالإضافة إلى أنه كان لدى كافندش بداياتٌ في فهمٍ أساسي للتفاعلات الكيميائية التي تستخدم بيانات الحرارة.٧٥
إذن يُمكِن إنتاج الحرارة ميكانيكيًّا، مثل استخدام الاحتكاك والطَّرق، وقد بَيَّن كافندش كيف أن هذا التأثير يتوافق تمامًا مع النظرية؛ حيثُ إنَّ القوة العنيفة مطلوبة حتى تُنتج الحرارة، وجُسيمات الجسم الساخن لا بد أن يتم استبدالها أو حتى تصبح مُمَزَّقة عند سطحه، وهو ما يغيِّر من الحرارة الكامنة للجسم، معطيًا حرارةً مدرَكة. الاستبدال نفسه أو تمزيق الجُسيمات معقول بالنسبة لفقدان المرونة في حالة اصطدام جسمَين أو في حالة انحناء جسم. تحليل كافندش هنا لقوى الجُسيمات كان عويصًا أكثر مما في التطبيقات الأخرى للنظرية، لكن ليس على أساس وجهة النظر التي كانت «نوعية»: إذا كانت أيُّ «قوة حيَّة مرئية» مفقودةً بالاحتكاك أو الضرب أو انحناء الأجسام، فإن هذه الأجسام يجب أن تكتسب «ازديادًا في الحرارة الكلية المتساوية أيضًا».٧٦

الكونت رمفورد (القرن ١٩م)

سادت نظرية السيَّال الحراري حوالي الخمسين سنة، وقد لفَت الكونت رمفورد أنظار المجتمع العلمي إلى عدم صِحَّتها عام ١٧٩٨م. كان رمفورد مُتَخَصِّصًا في صناعة المدافع،٧٧ وحاول أن يفسِّر ما يحدث أمامه من ارتفاع في درجة الحرارة بقوله: «يُصبِح الجسم أكثر سخونةً كلما اشتدَّت حركة الدقائق التي يتكوَّن منها، تمامًا كما يُصْبِح صوت الناقوس أقوى رنةً، كلما زادت سرعة تردُّده.»٧٨
لقد لاحظ رمفورد تولُّد الحَرَارة من أداوت الثقب والخراطة في أثناء كشط وتقوير قلب المدفع، الأمر الذي كان يَضطَرهم لرش تيار الماء البارد بشكلٍ دائم، مع ذلك فإنَّ درجة الحرارة تزداد، وهذا يعني أنَّ الحرارة ليست مجرد انتقال مائعٍ من جسمٍ لآخر، بل هي شيءٌ يمكن إحداثه وزيادة كميته؛ لأنها صورة من صور الحركة التي تنتقل من المثقاب إلى الجُسيمات الدقيقة التي تتكوَّن منها مادة المِدفَع.٧٩ وحتى يتأكَّد رمفورد من فرضيته قام بإحضار مثقاب مدفعٍ مثلَّم بشكلٍ كبير وذلك لرفع درجة الاحتكاك، واستعملَه على معدنٍ يُراد ثقبه ومغمور في ١٢كغ من الماء البارد (ذكر ٢٦٫٥ باوند من الماء حسب تقريره؛ إذ إنَّ الوحدات المترية لم تكن مستعملةً في ذلك الوقت). بعد ساعتَين ونصف من الحفر المستمر أدَّت العملية إلى غلَيان الماء والحصول على ٢٦٩ غرامًا من البرادة المعدنية. أوضح رمفورد أنَّ الكمية نفسها من الحرارة كانت لازمة لرفع درجة حرارة كلٍّ من ٢٦٩ غرامًا من البرادة المعدنية، وكمية مكافئة من ٢٦٩ غرامًا من المعدن الصُّلب للمدافع غير المحفورة؛ وبالتالي أظهر أن المعدن لم يفقد قُدرته على إبقاء الحرارة نتيجة حالته، وأنَّ الحرارة التي أدَّت إلى غليان الماء ناجمة عن العمل في حفر المعدن. وفي عام ١٧٩٨م قدَّم الكونت رمفورد نتائج بحثه حول طبيعة الحرارة إلى الجمعية الملكية البريطانية بدراسةٍ أسماها «أبحاث مُتعلِّقة في مصدر الحرارة الناتجة عن الاحتكاك».٨٠ وذكر «أنه، لما كانت الحرارة تبدو ظاهرةً لا تنفَد، فمن المُستحيل أن تكون عنصرًا ماديًّا، ويبدو لي من الصعوبة بمكان — إذا لم أقل مستحيلًا — أن نتصوَّر وجود أي شيء يمكن أن يُثار، كما استُثيرت الحرارة وانتقلَت خلال هذه التجارب، إلا إذا كانت الحركة.»٨١
طبعًا لم يقبل أصحاب فكرة السيَّال الحراري ما طرحه رمفورد؛ فقد كانت حججه التجريبية بالنسبة لهم غير دقيقة، لكنه استمَرَّ بالدفاع والجدال عن وجهة نظره، وقال: إنه يتمنى «أن يعيش ما يكفي من الزَّمن ليغتبط برؤية السيَّال الحراري يُدفن مع الفلوجيستون في المقبرة نفسها.»٨٢
لكن بعض المؤرِّخين يرى بأنَّ هذا لا يجعلُنا اعتبارَ رمفورد من المؤمنين بالنظرية الميكانيكية للحرارة، نظرًا لكون مناقشاته ناقصة، ولم يتجاوز فيها التقرير المُبْهَم، واستخدام تعبير كان شائعًا في القرن ١٩م؛٨٣ لذلك لا نستغرب أن تُهمَل أفكار رمفورد بدعوى أن العلماء لا يمكنهم أن يرَوا هذه الجُسيمات الدقيقة التي تكلَّم عنها رمفورد، وكان على نظريته الانتظار ريثما يأتي من يؤيدها ويُثبِت صحتها، كما أنَّ ظهور نظرية دالتون الذريَّة أقنع العلماء بوجود الذرات، والتي تقوم بهذه الحركات، وتولِّد الحرارة. لقد أجرى رمفورد أيضًا مُحَاولة لإعطاء فكرة عَمَّا دُعي فيما بعدُ ﺑ «المكافئ الميكانيكي للحرارة». مثقابُه كان يشغَّل بعمل حصانَين يديران قضيبًا رحويًّا — علمًا أن واحدًا منهما كان يكفي — ويُشير رمفورد إلى أن تسخين الماسورة بواسطة المثقاب يساوي ذاك تسعَ شمعاتٍ كبيرة. من المُحْتمل أنه افتراضَ أكثر مما ينبغي أن رمفورد فكَّر بشأن صوْن الطاقة، إلا أنه أشار إلى هذا: «سيَحصُل المرء على حرارةٍ أكثر [من المثقاب]، إذا أحرَقَ علف الخيول.» وهكذا أعطى الانطباع، أنه ربما ظن أن مقادير الحرارة تلك هي الشيء نفسه.٨٤
من ناحيةٍ أخرى، وفي نظرية السيَّال الحراري الكيميائية، فإنَّ درجة الحرارة جرى تصوُّرها ككثافة (أو ضغط) للسيَّال الحراري الحر فقط؛ لأنَّ السيَّال الحراري الكامن كان يُتصور عادةً كسيَّالٍ حراري مُجَرَّد من قُوَّته المُنفِّرة المميِّزة؛ لذلك هو غير قادر على أن يُسبِّب تمدُّد مواد القياس الحراري. إلا أنه كان من غير المُمْكن دحض مذاهب السيَّال الحراري-الكيماوي المتنوِّعة بالتجربة المباشرة؛ لأنه لم تكن تُوجَد طريقةٌ مباشرة لقياس مقدار السيَّال الحراري الذي يُصبح كامنًا أو محسوسًا من جديد في أي عمليةٍ كيميائية أو فيزيائية مُحدَّدة، وأيضًا مقدار مجموع السيَّال الحراري الكامن المحتوى في جسم. هنا واجهَت رمفورد عدم إمكانية الدحض هذه عندما حاول تقديم أسبابٍ ضد نظرية السيَّال الحراري على أساس تجربته الشهيرة في ثقب المدفع. في رأي رمفورد الخاص، أنَّ تجربته دحضَت نظرية السيَّال الحراري لأنها بيَّنَت أن مقدارًا غير محدودٍ من الحرارة يمكن توليده بالاحتكاك (الحركة). بالنسبة لمؤيدي السيَّال الحراري الأكثر أهمية، تجربة رمفورد بيَّنَت فقط تحرُّر السيَّال الحراري المُتحد بوصفها نتيجةً للإثارة الميكانيكية، ولم يعرف أحدٌ مقدار السيَّال الحراري المُتَّحد الذي سيُحرر بهذه الطريقة.٨٥
بالاشتراك مع السير همفري دايفي H. Davy (١٧٧٨–١٨٢٩م)، واصل رمفورد تجاربه على الحرارة: لقد وزن الماء بدقة قبل وبعد التجمُّد ووجد الوزن غير متبدل، مع أنه أطلق حرارةً في العملية؛ لذا استنتج أن السيَّال الحراري، إذا كان يُوجد، فهو غير قابل للوزن. هذه الملاحظة يجب أن تكون قد جرَّدَت السيال الحراري من صلاحيته للاستمرار في العمل، إلا أنها لم تفعل، طوال٤٠ سنةً أخرى.٨٦

همفري ديفي (القرن ١٩م)

قبل التعاون مع الكونت رمفورد كان السير همفري ديفي يَعْمَل بشكلٍ مُسْتقل، وكان يُنجِز تجاربه باستخدام جهازٍ خاص أحدَث من خلاله احتكاكًا بين معدنَين في وسطٍ مفرَّغ من الهواء، وقد تسبَّب هذا الاحتكاكُ بإذابة الشمع، مع أنَّ درجة حرارة الشمع كانت تحت نقطة التجمُّد. كما عُرف عن ديفي إذابتُه للجليد تحت ناقوسٍ مُفرَّغ وتحت درجة الحرارة (−٢° مئوية)،٨٧ في يومٍ شتوي بالغ الصقيع، وذلك بوساطة احتكاك قطعتَي جليدٍ إحداهما بالأخرى، مُثبتًا بذلك أن الحرارة اللازمة لإذابة الجليد كانت نتيجةً للحركة. لكن أحاطت التساؤلات بمدى مصداقية هذه التجربة؛ إذْ كان يُمكِن للحَرَارة التي صهَرَت الجليد أن تأتي من الوسط المُحيط. وحتى لو احتفظ ديفي بالنظام كله في درجة تجمُّد الماء، فإنَّ الماء المُتكوِّن نتيجة الاحتكاك كان سيتجمَّد ثانيةً.٨٨ ناهيك عن عثورنا على نَصٍّ يُثبِت قيام أبي رشيد النِّيسابوري بالتَّجربة نفسها منذ القرن ١١م.٨٩
ومع كل هذه التَّجارب فقد انقضى قرابة نصف قرنٍ قبل أن يتجدَّد البحث في طبيعة الحرارة على يدَي ماير في ألمانيا، وجول في بريطانيا،٩٠ ولودفيغ أوغسط كولدينغ L. A. Colding (١٨١٥–١٨٨٨م) في الدنمارك ومارك سيغوين M. Seguin (١٧٨٦–١٨٧٥م) في فرنسا تحت مُسَمَّى النظرية الميكانيكية للحرارة.٩١

نيقولا سعدي كارنو (القرن ١٩م)

لم يكن نيقولا سعدي كارنو أوَّل من حاول أن يُوضِّح إمكانيَّة تحويل الطاقة الحَرَارية إلى عمل؛ فقد سبقه هيرون السكندري قبل ذلك، لكن كارنو قدَّمَ دراسةً نظرية لمدى فعالية الآلة الحرارية البخارية، يُمكِن تعميمُها على تصميم أية آلةٍ بخارية، وهو ما لم يفعله هيرون.

ففي عام ١٨٢٤م قام بنشر كتابٍ صغير عن الآلة البخارية بعنوان «تأملات في القدرة المحركة للنار وفي الآلات التي تُعطي هذه القدرة»٩٢ وقدَّم في هذا الكتاب أدلَّته التي توضِّح أن الطاقة الحرارية التي تتحوَّل بوساطة آلةٍ بخارية لا يمكنها أن تُنتِج إلا مقدارًا مُحَدَّدًا من العمل، ويعتمد هذا المقدار على الفَرق في درجة الحرارة بين الجزأَين الحارِّ والبارد من الآلة، وفي حالة التوازن لا ينتج أي عملٍ بغَض النظر عن مقدار الحرارة التي تُنتِجها.٩٣
وقد أوجز كارنو في كتابه السَّابق ثلاثَ أوليَّات كانت بمثابة المَعَايير العامَّة التي يتم التحكُّم بها في مردود الآلة البخارية الفعَّالة وهي:٩٤
  • (١)

    افتراضُه بأنه يُمكن توليد عملٍ مُفيد كُلَّما وُجد فرقٌ في درجة الحرارة.

  • (٢)

    استخدامه نظرية السيَّال الحراري حتى يؤكِّد إمكانية قياس كمية الحرارة التي تمتصُّها جملةٌ فيزيائية أو تُصْدرها لدى تفحُّص حالتَي الجملة الابتدائية والنهائية.

  • (٣)

    أكد أنَّ الحركة الدائمة مُستحيلة، مع أنها كانت ترِد في دراسة الميكانيك بما فيها بعض الدِّرَاسات التي قام بها والده شخصيًّا.

لكن كارنو أهمل التفاصيل المُتعلِّقة بعمل الآلة، والتركيز على الجوانب الأساسية الآتية:٩٥
  • (١)

    دخول الحرارة إلى الآلة الحرارية عند درجةٍ مرتفعة نسبيًّا.

  • (٢)

    تُحوِّل الآلة جزءًا من هذه الحرارة إلى عمل.

  • (٣)

    تَلفِظ الآلة ما تبقَّى من الحرارة التي لم تتحوَّل إلى عمل إلى الخارج، وذلك عند درجةِ حرارة مُنْخَفِضة نسبيًّا.

وقد كتب كارنو: «لطالما تساءل الناس عن القُوَّة المُحَرِّكة للحرارة هل هي قوة لا تنضب؟ وهل للتحسينات المُمكِن إدخالها على المحرِّكات البخارية حدٌّ لا تسمح طبيعة الأشياء بتجاوُزه بأية وسيلة، أم أنَّ في الوُسْع مواصلة هذه التحسينات إلى ما لا نهاية؟»٩٦
لذلك انطلَق كارنو في البحث عن إجاباته من نظرية السيَّال الحراري الشائعة والمنتشرة في الأوساط العلمية في عصره، وكان يتصوَّر أنَّ السيَّال الحراري ينتقل بالفعل عَبْر الآلة فيُنتِج عملًا، تمامًا كالماء إذْ يُدير عجلات الطاحونة، ولم يُغيِّر اعتقاده إلى أنَّ الحرارة هي وليدة الحركة إلا في أواخر أيَّامه، كما تبيَّن ذلك من مذكِّراته.٩٧
figure
شكلٌ بياني يوضِّح دورة كارنو المثالية بين الضغط (P) والحجم (V)، فالتغيُّر الإيزوثرمي من (1) إلى (2)، عند درجة حرارة T1، ويتلوه تمدُّد أدياباتي ينتُج عنه انخفاض في درجة الحرارة إلى T2، والوصول إلى الحالة (3). ويسبب الضغط فالتغيُّر الإيزوثرمي من (3) إلى (4)، عند درجة حرارة T3، إلى الحالة التي ينجُم عن الانضغاط الأدياباتي التالي ارتفاع درجة الحرارة إلى T4 والعودة للحالة الأصلية. (مصدر الشكل: https://chem.libretexts.org/Core/)
ثمَّة فكرةٌ أخرى استحدَثها كارنو وهي العملية الدورية التي تحمل اسمه (دورة كارنو) التي أرسَت أسس القانون الثاني في الترموديناميك؛ فقد افترض في هذه الدورة التخيلية إمكانيةَ انعكاسِ كل العمليات الداخلة فيها. ولتحقيق ذلك لا بد من أن تتكوَّن الدورة من تسلسُلٍ لحالات التوازن؛ ومن ثَم تحدُث بطريقةٍ متناهية في البطء. هذه الدورة تتكوَّن من تغيُّرَين أيزوثرميَّين (أي ثابتَي درجة الحرارة)، في حجم كميةٍ معزولة من الغاز، وتغيُّرَين أديابتيَّين (أي بدون تبادُل للحرارة مع الوسط الخارجي)، وقد مثَّلَها الفيزيائي الفرنسي إميل كلابيرون E. Clapeyron (١٧٩٩–١٨٦٤م) بيانيًّا على شكل علاقة بين الحجم (v) والضغط (P).٩٨ حيث استخدَم كلابيرون منحني العلاقة بين الحجم والضغط ورموز حسابات التفاضُل والتكامُل لوضع أفكار كارنو بشكلٍ عام يمكن استخدامه كأساسٍ لنظريةٍ محدودة ومُحكَمة عن الحرارة، ولا يُعتقَد أنه استولى على اختراع جون ساذرن٩٩ J. Sazern ليبدأ إنتاج الآلات البخارية.١٠٠
الهدف الذي كان يتوَخَّاه كارنو من بحثه هو الجانب الصِّنَاعي والاقتصادي؛ فقد كانت الآلات البخارية المنتشرة في ذلك الوقت تستهلك وقودًا حتى تُنجِز عملها، فأراد أن يعرف مقدار العمل الذي تقوم به الآلة مُقابل حرق مقدارٍ مُحَدَّد من الوقود، وكيف يُمكِن زيادة مقدار هذا العمل مع بقاء مقدار الوقود ثابتًا.١٠١
أيضًا لم يُعرف ويُعترف بعمل كارنو إلا من خلال سلسلة النشرات التي نشَرها اللورد كلفن، والتعديلات التي قام بها رودولف كلاوزيوس كلٌّ على حِدَة.١٠٢

مارك سيغوين (القرن ١٩م)

كان مارك سيغوين يدعو نفسه «سيغوين إين»، وهو ابن أخت الأخوَين مونتغولفيه Montgolfier brothers مُخْتَرِعَي البالونات، وهو مُهَنْدسٌ نموذجي، كان كتابه الرئيس (السيطرة على سكك الحديد: فن التخطيط والبناء).١٠٣ يُمكِن للمرء في ذلك العمل أن يجد توقُّع حدْس ماير، وتناسُب الحرارة والعمل، لكنه لا يحوي على محاولةٍ لتحديد مُعامل التناسُب، وهذا ما أساء فهمَه جول وتايت.١٠٤ وقد نشر سيغوين تصوُّره المبدئي للقانون الأول في الترموديناميك عام ١٨٣٩م.١٠٥

يوليوس ماير (القرن ١٩م)

في الوقت الذي طرح فيه جول أفكاره، كان يُوجَد شخص يعمل في الاتجاه نفسه في ألمانيا هو يوليوس فون ماير عام ١٨٤٢م، عندما نشَر مقالةً له بعنوان «ملاحظات حول القوى الطبيعية غير العضوية» والتي رسَم فيها الخطوط العامَّة لنظريته الجديدة القائلة بأن (القوة Kraft)١٠٦ متى وُجدَت لا يمكن أن تفنى، وإنما يمكن تغيير شكلِها.١٠٧ وقد عرَّف ماير القوة بقوله: «شيءٌ ما يتم استهلاكه لإنتاج الحركة، وهذا الشيء يتم استخدامه ستتم رؤيته على سبب يكافئ التأثير؛ أي مع الحركة الناتجة.»١٠٨
لكن في الواقع لم يكن يُوجَد شيءٌ كمِّي قام بحسابه ماير على الورق، إضافةً إلى هذا، كانت الأطروحة التي قَدَّمَها غامِضةً تمامًا. كان يُوجَد كلامٌ قليل الأهمية بلغةٍ هندسية ورياضياتية مُتعثرة التي من المُحتمل لا يُمكن أن تعني أي شيء لأي شخص. الجملة الوحيدة المهمة هي قوله: «تتحوَّل الحركة إلى حرارة.» وهو ما سبق وقاله رمفورد قبل أربعين سنة.١٠٩
كما أنَّ ما عبَّر عنه ماير بقوله «القوة لا تفنى، وإنما تغيِّر شكلها» يذكِّرنا بما سبق وطرحه ابن حزم الأندلسي قبل ٨٠٠ سنة، أيضًا لم يعبِّر عن عبارته بشكلٍ رياضياتي؛ لذلك لن نبالغ إذا قلنا إن ابن حزم الأندلسي لا يقل شأنًا أو علمًا في القرن ١١م عن نظيره ماير في القرن ١٩م. وإذْ يعتبر مؤرخ العلم الشهير جورج سارتون — بعد أن قام بمُقارنةٍ بين عملَي جول وماير — أن العلم مُمْتنٌّ لفضل كلٍّ منهما،١١٠ فمن الحيف أن نجحف حقَّ ابن حزم الأندلسي وألا نضُمه لهما؛ كونَه سبَّاقًا لهما بزمنٍ طويل في المساهمة في الكشف عن القانون الأول في الترموديناميك.
ذكرنا أن ماير لم يكن رياضياتيًّا ولا حتى فيزيائيًّا تجريبيًّا. وقد أنجز اكتشافَه الكبير بوسائلَ تجريديةٍ وبسيطة؛ فهو لم يقم بأية تجاربَ بنفسِه، بل استخدم نتائج الآخرين التجريبية. ومن الواضح بأنَّ التعميم الكبير الذي قد أحرزَه في ومضةِ إلهامٍ موحية، كان سيبقى غير مُقنِعٍ ما لم يكن مدعومًا بمُعْطياتٍ تجريبية فيما بعدُ.١١١
أسلوب كتيِّب ماير الآخر ذي العنوان «الأيض والحركة العضوية»١١٢ المنشور عام ١٨٤٥م كان متميزًا وواضحًا. ومن بين الموضوعات التي اختارها ماير في ذاك الكتيِّب الشامل، نذكر بعضها من أجل إظهار الهدف منه:١١٣
  • تفوَّق ماير على كارنو وكلابيرون ومهَّد الطريق لكلاوزيوس عندما تكلَّم عن المحرِّك الحراري وقال: «… إنَّ الحرارة التي تُمتَص بوساطة البخار تكون دائمًا أكبر من الحرارة التي تُحرَّر في أثناء التكاثُف، والفرق بينهما هو العمل المفيد.»

  • يشرح بالتفصيل كيف حسب المكافئ الميكانيكي للحرارة. تلك المناقشة كانت وجيزة أكثر مما ينبغي في مقالته عام ١٨٤٢ م لأنْ تُفهم وتُدرك. يُعد هذا الحساب جزءًا راسخًا من الديناميكا الحرارية — طبعًا الآن أولى جدًّا — ولم يتضمَّن شيئًا له علاقة بالأحصنة التي تمزجُ العجينة الورقية في القُدور، كما عُرف في القصص الشعبية. من غير ريب، تلك الأحصنة تُذكر في المقالة، وبعض القياسات التقريبية لدرجة حرارة العجينة، إلا أنها كانت بعيدة عن أن تكون جيدةً إلى حدٍّ كافٍ لحساب المكافئ الميكانيكي للحرارة. عرضيًّا وفي هذا السياق يذكر ماير رمفورد، وهذا يعني أنه كان يعرف بشأن تجربة رمفورد مع ثقب المدفع.

  • ينقل أيضًا أنَّ ماسورة المدفع الذي يُطلق قذيفة تُصْبح أقلَّ سخونةً منها لو أُشعل البارود وحده في الماسورة، يقول ماير: إنَّ «الحقيقة هي معرفةٌ شائعة.» في الواقع، ربما لو كانت في الوقت المناسب. على أية حال، فإنَّ المُلاحظة المعقولة هي: أنَّ جزءًا من الطاقة الكيميائية للبارود يُحَوَّل إلى طاقةٍ حركية للقذيفة، إذا كانت تُوجد قذيفة، وإلا فإنَّ الكل يتحوَّل إلى حرارة.

  • يوسِّع ماير تلك الملاحظة بالاستنتاج من اتجاهات القيم المعروفة للأيض عند الحيوانات والإنسان. الحرارة المُحرَّرة في العملية الكيميائية للهضم، أو للاحتراق الداخلي للطعام، يمكن تحويلها جزئيًّا إلى عمل، يقول: «عند ذلك يصبح الجسم أكثر برودة.» من أجل دعم هذه الفكرة يَستشهِد بملاحظةٍ نُشِرَت في مجلة الكيمياء الطبية،١١٤ حيث إنَّ المؤلف وهو شخصٌ يُدعى دوفيله Douville قام بقياس درجات الحرارة الآتية:
    زنجي كسلان غير عامل في الحجرة ٣٧º
    الشيء نفسه الشيء نفسه في الشمس ٤٠º
    الشيء نفسه لكنه عامل في الشمس ٣٩٫٧٥º
  • بمتابعة الفكرة أبعدَ من ذلك، يقول ماير إنَّ الرَّجل الذي ينشُر الخشَب يستشعر ببردٍ شديد في الذِّراع التي تحرِّك المنشار. أيضًا الحداد الذي يُسخِّن قطعة حديد حتى الاحمرار بثلاث ضرباتٍ ستصبح ذِرَاعه التي تقبض على المطرقة باردة. ويقول إنه قد لاحظ أن الأجزاء المشغولة من الجسم تتعرَّق أقل في أثناء العمل المثابر المستمر من تلك الخاملة، وحول المُلاحظة الأخيرة يستشهد بدليل من الإنجيل؛ أي عندما يقول الرب لآدم: «بعَرقِ جبينك سوف تأكُل الخبز.» يبدو أن ماير يعتقد أن آدم من الآن فصاعدًا سيعمل بيدَيه وقدمَيه، التي ستتعرَّق أقلَّ من الرأس المُسْتخدم قليلًا، أو غير المستخدم على الإطلاق.

  • في الكتيِّب نفسه يعلن ماير عن رأيه بقوَّة ضد مفهوم القوة الحية، القوة الافتراضية التي يسلِّم بها علماء الفيزيولوجيا في ذاك الوقت لشرح العمليات العضوية، أو بالأحرى وضعها جانبًا بوصفها غيرَ قابلةٍ للتفسير.

من ناحيةٍ ثانية، وفيما يتعلق بكل ذلك، لم يعرف ماير أبدًا ما هي طبيعة الحرارة. في كتيِّبه (ملاحظات حول المكافئ الميكانيكي للحَرَارة)١١٥ عام ١٨٥١ م يقول: «الصلة بين الحرارة والحركة واحدة في الكَمِّ، وليس في النَّوع.» ويتجه لافتراض أن «الحركة يجب أن تتوقَّف حتى تصبح حرارة.» هنا كان مُخطئًا وأمكنَه معرفة ذلك. في الواقع، النظرية الميكانيكية الغِرَّة للحرارة وُجدَت سابقًا، وخلال زمنٍ قصير ستصعد إلى قمتها الأولى على يدَي جيمس ماكسويل J. Maxwell (١٨٣١–١٨٧٩م). وفقًا لتلك النظرية، فإنَّ الطاقة الحركية لحركة جسمٍ فقط يُعاد توزيعُها بين ذرَّاته في حين يبدو أنها قد اختفت، والحرارة هي كيف نشعر بتلك الحركة المُعاد توزيعها.١١٦
لقد كان ماير يرفُض التسليم بأنَّ الطاقة الحركية تُوجَد في الجسم الساقط لحظة اصطدامه بالأرض، وكان مُقتنعًا أنَّ هذه الطاقة تتحوَّل إلى شكلٍ آخر، وتحديدًا إلى حرارة. وكان يعتقد أنه يمكن أن تحدُث هذه التحوُّلات بطرائقَ مُختلفة؛ إذْ تُوجَد أشكالٌ مختلفة أخرى من الطاقة إلى جانب الطاقة الميكانيكية، كالطاقة الكيميائية والكهربائية والمغناطيسية. وأكَّد ماير على استحالة حدوث أي فقدانٍ في أي من هذه التحوُّلات، وهو ما جعله يُقِر بوجود «مبدأ حفظ الطاقة» على أنه قانونٌ كوني.١١٧ فقد أشار ماير إلى أنَّ سقوط وزنٍ معين من ارتفاع (٣٦٥ مترًا) يؤدي إلى رفع درجة حرارة وزنٍ مُمَاثل من الماء من درجة صفر إلى درجةٍ مئوية واحدة، وهو ما يعني وجود تكافؤ كمية بين الحركة الميكانيكية والحرارة. لكن القيمة المعروفة اليوم لهذا المكافئ هي عند السقوط من ارتفاع (٤١٨٫٤ مترًا).١١٨
قام ماير أيضًا ببعض القياسات القليلة، بحسب ما توفَّر لديه من معلوماتٍ تجريبية بشأن الحرارة اللازمة للحفاظ على درجة حرارة تمدُّد الهواء؛ إذْ نجح في أن يُقدِّر تقديرًا دقيقًا نسبيًّا، كم من العمل الميكانيكي يُعادل مقدارًا مُعَيَّنًا من الحرارة، إلا أنَّ أحدًا لم يهتم بشأنِ ما طرحه من أفكار.١١٩
تم الاعتراف في بريطانيا وأمريكا بعمل جول، أمَّا في بقية أوروبا فقد تم الاعتراف بعمل ماير، وبعد نحو عشرين سنة من عمل الاثنَين أقام الفيزيائي جون تيندال، المُشرف العام على المعهد الملكي، موازنةً عادلة بحق الرجلَين قال فيها: «لم يُعنَ ماير بالتطبيقات الميكانيكية، بل انصرف لكليته إلى التفكير، مختارًا ببصيرةٍ رائعة، من بين معطيات الفيزياء الراهنة، النتيجةَ الوحيدة التي كان يمكن أن يُبنى على أساسها حساب المكافئ الحراري الميكانيكي. أمَّا جول الذي كان يعيش وسط الأجهزة الميكانيكية فقد لجأ إلى التجربة، فوضع الأساس العريض المكين الذي كفَل للنظرية الميكانيكية أن تحظى بما تحظى به الآن من القبول. كان جول يشغل معظم وقته بالاختبار اليدوي، أمَّا ماير فتحرَّر من هذا العناء، فاتسع وقتُه لمُتابعة النظرية في أبعد تطبيقاتها إبهامًا وتأثيرًا. ولو أنَّ الاثنين تبادلا مجالَي نشاطهما فرُبَّما كان في وسع جول أن يكون ماير، وفي وسع ماير أن يكون جول.»١٢٠
أخيرًا، توطَّدَت أفكار الاثنَين مع مناقشة أفكارهما من قِبَل الفيزيائي الألماني هيرمان فون هيلموهولتز، ووضَح مبدأ الطاقة أو القانون الأول في الترموديناميك إلى أقصى درجة في بحثه (بقاء القوة).١٢١

جيمس ماكسويل (القرن ١٩م)

تابع جيمس ماكسويل ما كان قد بدأَه دانييل برنولي وأوغسط كارل كرونيغ A. K. Krönig (١٨٢٢–١٨٧٩م) وروبرت ماير، وإنما بشكلٍ موسَّع وأكثر تعميمًا، وذلك بأن شمل في دراسته التصادُمات بين الجُزيئات بعضها ببعض، وقد لاحظ أنَّ هذه الجُزيئات تتحرك على الأرجح بسرعاتٍ متفاوتة، فعَبَّر عن ذلك بقوله: «إن الدقيق من جُسيماتها سريعُ الحركة، سرعةً تزيد منها الحرارة، حتى لتُثير دِقَّة طبيعة هذه الحركة الفضول العقلاني.» كما أظهر كيف يمكنُنا تحديدُ متوسط هذه السرعات على وجه الدقة، وكيف تُحسب العلاقة الصحيحة بين الضغط والكثافة والحرارة، وكتَب يقول: «ليس من الضروري أن نفترض في أي جسيم أن ينتقل مسافةً طويلةً على خطٍّ مستقيم؛ إذ إنَّ وقع أحداث الضغط سيكون هو ذاته إذا اصطدَمَت الجُسيمات إحداها بالأخرى؛ ولذلك قد يكون الخط المستقيم الذي يرسمُه كلٌّ منها بالغ القِصَر.»١٢٢
لقد اعتبر ماكسويل الحرارة تعبيرًا عن الطاقة الحركية للجُزيئات، وهي في حالة حركة. وقد ناقَش فكرتَه كما يأتي: «من الظَّاهر أنَّ الجسم قد يكون حارًّا بدون أية حركةٍ مرئية له، سواء الجسم ككل أو أجزاء منه بالنسبة لبعضها بعضًا؛ لذلك، وإذا كان الجسم حارًّا بفضل الحركة، فلا بد للحركة أن تقوم بها أجزاء الجسم الدقيقة جدًّا لتكون مرئيةً بشكلٍ منفصل، وضمن حدودٍ ضيقة؛ لأننا لا نستطيع أن نكشف غياب أي جزء من موقعه الأصلي. والدَّليل على حالة الحركة، السرعة التي يجب أن تتجاوز تمامًا سرعة قطار سكة الحديد، وهي تُوجد في الأجسام التي بإمكاننا أن نضعها تحت مجهرٍ قوي جدًّا؛ حيث إننا لن نكشف شيئًا سوى الاسترخاء الأكثر مثالية، يجب أن تكون طبيعةً مقنعة قبل أن نعترف بأن الحرارة هي حركة بالأساس.»١٢٣
ثم قام ماكسويل بوضع فرضيةٍ بديلة، تقول إنَّ طاقة الجسم الحار هي طاقةٌ كامنة، أو بمعنًى آخر: إنَّ الجسم الحار هو في حالة رُكود، إنما تعتمد هذه الحالة من الركود على تضادِّ القوة المتوازنة طالما هي في درجة الحرارة نفسها، لكن عندما يتم تدمير هذا التوازُن تكون قادرةً على وضع الأجسام في حالة حركة. فيما يتعلَّق بنظرية من هذا النوع، فإنه من الواضح بأن الطاقة الكامنة تعتمد بشكلٍ أساسي على الموقع النسبي لأجزاء النِّظام الذي تُوجَد فيه، وأن الطاقة الكامنة لا يُمكن نقلُها بأية طريقةٍ بدون بعض التغيير للموقع النسبي لهذه الأجزاء؛ لهذا، فإنه لدى كل تحوُّلٍ للطاقة الكامنة، يُوجَد نوعٌ ما من الحركة.١٢٤
فكرة الحرارة الناتجة عن التصادُم بين الأجسام تم سحبُها وتطبيقُها في القرن ١٩م على النظرية الحركية للغازات على يد ماكسويل، لكنه لن يعامل الجزيئات الغازية معاملة كرات البلياردو عندما تتصادَم مع بعضها، وإنما اعتبَرها تقترب من مراكز ثقل بعضها حتى حدٍّ معين ثم تنفصل عن بعضها لتتابع كلٌّ منها حركتها باتجاهٍ آخر.١٢٥

رودولف كلاوزيوس (القرن ١٩م)

بعد أن قدَّم هرمان هيلموهولتز مبدأ حفظِ الطاقة استعاد العُلماء البراهين التي قدَّمها سعدي كارنو حول مقدار العمل المحدود للآلة البُخارية، وطرحوا جملةً من التساؤلات:
  • (١)

    ما السبب الذي يَجْعَل العمل المُسْتفاد منه أقلَّ من الطاقة الكلية التي تُنتِجها الآلة؟

  • (٢)

    لماذا يؤثِّر فرق درجة الحرارة في الآلة على مقدار العمل الناتج؟

والواقعُ كان عليهم انتظار الإجابة حتى عام ١٨٥٠م ليقوم الفيزيائي الألماني رودولف كلاوزيوس بتقديم التقنين الرياضياتي للظاهرة باستخدامِ مفهومِ درجة الحرارة المُطْلقة، حيث لا يُوجَد درجة حرارة تحت القيمة (−٢٧٣٫١٥° مئوية). ووجد كلاوزيوس أنه إذا قسَّم طاقة الحرارة الكلية لمنظومةٍ ما على درجة حرارته المُطْلقة، فإنه سيحصُل على نسبةٍ تتزايد بشكلٍ دائم في أية عمليةٍ طبيعية، سواء داخل الفرن النووي الشمسي، أو في موقدٍ للفحم الحجري. وكلما تزايدَت هذه النسبة، قلَّ مقدار العمل الذي يُمكِننا الحصول عليه، وفي العام نفسِه اصطلَح كلاوزيوس بتسمية هذه النسبة باسم «الإنتروبية» entropy.١٢٦ ويُعبِّر هذا المصطلح عن قياس توزُّع الطاقة ضمن نظامٍ ما، وتزداد الإنتروبية عندما تنقُص فوارق الطاقة ومن ثم إمكانية نقل الطاقة. لقد أنذر سعدي كارنو بالنظرية في تحليله النظري للمحرِّكات البخارية في عام ١٨٢٤م. تزايد الإنتروبية هو ما سيُطلَق عليه (القانون الثاني في الترموديناميك) الذي يمكن صياغته بالقول: «الإنتروبية الكلية للكون تتزايد دائمًا.» اختراع المصطلح اجتذب استجابةً سريعة من اللورد كلفن في «حول النزعة العامَّة للطبيعة في تبديد الطاقة الميكانيكية» عام ١٨٥٢م، والتي تضمَّنَت استنتاجَه بأنَّ الأرض يجب أن تُصبِح ذات يوم غيرَ صالحةٍ للسكن بسبب تأثيرات الإنتروبية. وقد أطلق كلفن بديلًا عن مصطلح الأنتروبية عبارة «الاتجاه العالمي لتبديد الطاقة».١٢٧
مع أنَّ أعمال كلاوزيوس كانت تتميز بإدراكها القوي للحقائق الأساسية، وبمعرفة التفاصيل المتعلِّقة بالظاهرات وبالتشابهات في العالم الواقعي، إلا أنه تجاهَل التقدُّم الذي حقَّقه الآخرون في مجال الترموديناميك؛ فهو لم يأبه أبدًا لأعمال لودفيغ بولتزمان L. Boltzmann (١٨٤٤–١٩٠٦م)، كما أنه لم يبحث عن التفسير الميكانيكي لميل الإنتروبية إلى التزايد تزايدًا لا عكوسًا حتى نهايةٍ عظمى، إضافةً لإهماله لمتابعة أعمال جوزيا ويلارد جيبس J. W. Gibbs (١٨٣٩–١٩٠٣م) عن التوازُن الكيميائي.١٢٨

لودفيغ كولدينغ (القرن ١٩م)

قَدَّم لودفيغ أوغسط كولدينغ في سنة ١٨٤٣م إلى الأكاديمية الدنماركية للعلوم بحثًا بعنوان: «بعض العبارات حول القوى».١٢٩ هذا البحث لم يحوِ فقط على وجهاتِ نظرٍ مشابهة جدًّا لوجهات نظر ماير، بل أيضًا تفسيرًا للتجارب الأصلية. لسوء الحظ لم يتمَّ نَشْرها حتى عام ١٨٥٧م، وفي الدنمارك فقط. علاوةً على ذلك فإنه أخفق في الوصول إلى عمل ماير وجول وسيغوين؛ حيث إنه أثبت تناسُب الحرارة والعمل، بيد أنه فَشِل بحساب عامل التناسُب.١٣٠

جيمس جول (القرن ١٩م)

من الذين أسهموا أيضًا في زوال نظرية السيَّال الحراري الإنكليزي جيمس جول الذي أوضح أنَّ كمية الحرارة الناتجة عن الاحتكاك متناسبة مع العمل المبذول، وقال جول: «إنني ألزم النظرية التي تعتبر الحرارة بوصفها حركةً لجسيمات المادة.»١٣١ وهو مُقتبس عن كلام جان أندريه ديلوك الذي قال ذلك قبل قرن ونصف.١٣٢
كان جول مهتمًّا بالعلاقة بين الطاقة والحرارة، وفي الوقت نفسه كان تلميذًا لجون دالتون صاحب النَّظرية الذرية الحديثة الذي اعتَبر تفسير الحرارة على أنَّها مادة أمرٌ مقبولٌ بشكلٍ جيد.١٣٣ لذلك ليس غريبًا أن يكون لديه اعتقاد راسخٌ بالنظرية الذرية، مع وجود جمهرة من العلماء المُشكِّكين بها، كما أنَّه أحد العُلماء القلائل الذين تقبَّلوا العمل المُهمَل لجون هيرباث J. Herapath حول النظرية الحركية للغازات. وقد تأثَّر كثيرًا بالبحث الذي نشَره بيتر إيوارت P. Ewart عام ١٨١٣م الذي كان بعنوان «حول قياس قوة الحركة»،١٣٤ واطَّلع على أفكار سعدي كارنو، ودفع بها إلى الأمام.١٣٥
أخيرًا، عندما علم جول بما كتبه رمفورد أدرك وجود علاقةٍ حقيقية بين الحرارة والحركة وتحوُّل أحدهما إلى صورة الآخر. وما يؤكِّد ذلك أنَّه عندما يكون لدينا كُرة تتدحرج على الأرض فإن احتكاكها بالأرض سيولِّد حرارةً، وهذا يعني تحول الطاقة الحركية للكرة إلى طاقةٍ حرارية.١٣٦
وقد اقتنع جول فيما بعدُ أن جميع أشكال الطاقة يمكن أن يتحوَّل إلى حرارة، سواء ميكانيكية أو كهربائية أو مغناطيسية، وهو ما سيقوده للقول بقانون حفظ الطاقة. وفي عام ١٨٤٠م، بدأ يُجري قياساته الدَّقيقة لاختبار هذه الأفكار؛ أي إنَّ أي مقدار من الطاقة يجبُ أن يعطيَ قدرًا مُعينًا من الحرارة، فراح يتحقَّق تجريبيًّا من قانون حفظ الطاقة في دراسته على تحويل الطاقة الميكانيكية إلى طاقة حرارية. وباستخدام عدة أساليبَ مُستقلة، استطاع جول تحديد العلاقة العددية بين الطاقة الحرارية والطاقة الميكانيكية؛ أي ما يُعادِل الحرارة ميكانيكيًّا؛ منها تقليبه الماء بوساطة عَجَلةٍ مجدافية (لها زعانف)، مع أخذ قياس الطاقة الحركية، وارتفاع درجة الحرارة في السائل. كما قام بضغط الهواء، ثم قاس الطاقة التي استُهلكَت في الانضغاط، والحرارة التي نشأَت في الهواء. أيضًا قام بدفع الماء داخل أنابيب ضيقة، وأحدَث تيارًا كهربائيًّا في ملف من السلك، بتدوير السلك بين قطبَي مغناطيس، وكذلك مرَّر تيارًا خلال سلك بدون مساعدة المغناطيس، وفي كل حالة،١٣٧ أخذ جول يقيس الطَّاقة المُسْتهلكة والحرارة الناتجة. وبعد سبعة أعوام؛ أي حوالي ١٨٤٧م، بات جول على قناعةٍ تامَّة بأنَّ أية كميةٍ من الطاقة، ومن أي نوع، ستعطي قدْرًا مُعيَّنًا من الحرارة، فإذا تمَّ قياس الطاقة بوحدات الإرغ، ودرجات الحرارة بالكالوري، فقد تبيَّن لجول أن كل واحد كالوري من الحرارة ينتُج من استهلاك ٤٫٨ مليون إرغ من الطاقة من أي نوعٍ كان، وهي العلاقة بين الطاقة والحرارة التي سُمِّيتْ ﺑ (المُكافئ الميكانيكي الحراري mechanical equivalent of heat)، ثم سُمِّيت وحدة الطاقة ﺑ (الجول) تكريمًا لجهوده، حيث إن واحد جول يساوي ١٠ مليون إرغ؛ وعليه فإنَّ الكالوري الواحد يُعادل ٤٫١٨ جول.١٣٨
وقد كتب جول في عام ١٨٤٧م قائلًا: «إنَّ التجارب قد أبانت أنه عندما تفنى القوة الحية١٣٩ ظاهريًّا، سواء بالاصطدام أو بالاحتكاك أو بأية وسيلةٍ مُشابهة، تنشأ محلها حرارةٌ تكافئها بالمقدار، والعكس صحيح أيضًا، فالحَرَارة والقوَّة الحيَّة والجاذبية في الفضاء، ويُمكن أن أضيف إليها الضوء أيضًا، تتحوَّل إلى بعضهًا بعضًا، ولا يُفقَد شيءٌ خلال هذا التحوُّل.»١٤٠ وهو ما سيُشكِّل الأساس لمبدأ حفظ الطاقة، الذي سيدخل في صراعٍ طويل الأجل مع أصحاب الآلات دائمة الحركة الذي سنتكلَّم عنه في الفصل الثالث من هذا الباب.
أول شخصٍ دعم — ورُبَّما الوحيد — أفكار جول وساندَه في أول مُحاضرةٍ عِلميَّة يلقيها أمام حشدٍ من العُلماء كان اللورد كلفن؛ فقد أيَّد أفكار جول من خلال تعليقاته وأفكاره، التي كانت مُقنِعة جدًّا للمُجتمع العلمي.١٤١

هرمان هيلموهولتز (القرن ١٩م)

تزامن عمل كلٍّ من جول وماير مع عمل الألماني هرمان هيلموهولتز؛ فقد توَصَّل للأفكار نفسها تقريبًا، دون أن يعلم كلٌّ منهم بعمل الآخر، إلا أنَّه حَظِي بتعريف قانون بقاء الطاقة الذي ينصُّ في أبسطِ أشكاله على «أنَّ الطاقة الكلية للكون ثابتة»، والذي يُسمى في الغالب بالقانون الأول في الترموديناميك والذي أصبح يُؤخَذ بعين الاعتبار في كل الدراسات الترموديناميكية فيما بعدُ.١٤٢

لودفيغ بولتزمان (القرن ٢٠م)

لقد قرأ لودفيغ بولتزمان أفكارَ ماير وجول وغيرهما مِمَّن سبقَه، واستنتج أنَّ الحرارة ليست سوى الطاقة الحركية للجُزيئات. لكن أفكاره قُوبلَت بالرَّفض، مع وجود أدلةٍ منطقية على صحَّتها. وليس مُستبعَدًا أن يكون قد استلهَم فكرتَه من مقولة ماير بأنَّ الحرارة والحركة وجهان لعملةٍ واحدة في الطبيعة، ثم أضاف إليها النظرية الذرية، وهكذا خَرَج بسؤالٍ له مدلوله: لماذا لا يكون مجموع الطاقة الحركية لكافَّة الذرَّات هو ما نُسمِّيه كمية الحرارة مع إحساسنا بحرارتها لا بحركتها … ولكن حواس الإنسان لها طريقتُها في إدراك المحسوسات. والدليل على ذلك ما نراه في ظاهرتَي الصوت والضوء فهما حركاتٌ اهتزازية تنتشر في المكان، ولكننا لا نُدرِك الحركات الاهتزازية في الهواء، أو في الماء، أو في غيره من المواد، بل نُدرِك الصوت، كما لا نُدرِك الحركات الاهتزازية للحقل الكهرطيسي، بل نرى الضَّوء والأشياء التي يُنيرها. كذلك نحن لا نُدرِك حركة الذرات بل نُدرِك طاقتَها على شكل طاقةٍ حرارية وليس ميكانيكية. ويُطلِق علماء النفس الاستعرافي حاليًّا على هذه المُدركات، التي تختلف في ظاهرها عن حقيقتها، اسم كواليا qualia (التي رُبَّما كانت هي صيغة الجمع لكلمة تعني كيفية) ولكن بولتزمان وغيره من العلماء السابقين لم يعرفوا هذه الدراسات الحديثة. والأرجح أنَّ الفيلسوف العالِم إرنست ماخ E. Mach (١٨٣٨–١٩١٦م) كان على رأس المُعارضين لأعمال بولتزمان؛ لأنه لا يؤمن بالنظرية الذرية التي تأباها فلسفتُه الوضعية المُفرِطة. ورُبَّما كان الإنكار لنظرية بولتزمان هو الذي أدى به إلى الانتحار. ونحن اليوم نُشاهِد هذه النظرية تتمتع بمكانةٍ عظيمة في العلم بسبب ما حقَّقَته من نجاحٍ على كافَّة المستويات النظرية والعملية،١٤٣ فقد كان الأَوْلى ببولتزمان التريُّث قليلًا حتى يُثبِت العلم والتجربة صحةَ نظريته لا أنْ يُقابلها بهروبٍ بائس نحو الانتحار؛ فلو فعل الأمر نفسَه نيوتن أو أينشتاين وغيرهم ممن يتعرضون لانتقاداتٍ حادَّة، لخسرنا عقولًا ونظرياتٍ وأفكارًا كثيرة جدًّا.

اللورد كلفن (القرن ٢٠م)

أصبحَت الآن كل الخيوط متوفرة، وتسمح بصُنع نسيجٍ رياضياتي مُتماسك لنظريةٍ شاملة، فقد تبَيَّن أنَّ كل جهاز أو منظومةٍ مادية تحوي على كميةٍ من الحرارة وغير ذلك، والتي يُمكِنها القيام بعملٍ ما، يُمكِن لهذه الكمية أن تتحوَّل إلى بعضها بعضًا بنسبٍ ثابتة، ومجموع «كميةٍ ما» يبقى ثابتًا خلال جميع التحوُّلات ما دام الجهاز معزولًا، ولا يحصُل تغيُّر في هذه «الكمية» إلا بوساطة مؤثِّرٍ خارجي. وقد أطلق كلفن على هذه «الكمية» مصطلح «الطاقة»، وهو المُصطلح الذي كان أدخلَه توماس يونغ إلى الفيزياء عام ١٨٠٧م. وبذلك أصبح من الممكن التعبير عن مبدأ جول وهلمهولتز بعبارة «حفظ الطاقة»، الذي خُصص في البداية ليصف التحوُّلات بين الطاقتَين الميكانيكية والحرارية، إلا أنَّه أمكن تعميمُه فيما بعدُ على كل أشكال الطاقة.١٤٤
في الأصل لم يكن كلفن مُقتنعًا بنظرية جول عندما سمع بها لأول مرَّة عام ١٨٧٤م، لكنه وجد فيما بعدُ انسجامًا تامًّا بين وجهة نظره عن الطاقة وحُجة جول، فكان منه أن أعلن عن تبنِّيه لنظرية جول في كتابه (حول نظرية الحرارة الميكانيكية) الذي أوجز فيه رؤيتَه الخاصَّة عن انحطاط الطاقة بحسب القانون الثاني للترموديناميك، وهو ما شَكَّل حافزًا قويًّا لدعم نظرية جول بإمكانية تحويل الحرارة إلى طاقةٍ حركية أو العكس، لتُصبح بذلك الحرارة نوعًا من الحركة وليست لها طبيعةٌ مادية خاصة؛ الأمر الذي ساهم بإزاحة نظرية السيَّال الحراري.١٤٥
القانون الثاني في الديناميكا الحرارية — الذي يَنُصُّ على أنَّ الإنتروبية ضمن نظامٍ مغلَق تزداد دائمًا إلى أن تصل إلى توازنٍ نهائي — بدا لكلفن والآخرين أنه يُغلَّف بنوع من التشاؤم الكوني، مُثبتًا الانطفاء النهائي المحتوم لكل شيء أو «الموت الحراري للكون»؛ لذلك فقد أَتبَع كلفن بغير إبطاء مقالتَه الأولى عن الإنتروبية ﺑ «حول عمر حرارة الشمس» عام ١٨٦٢م في مجلة ماكميلان الدورية الرَّائجة، التي تضمنت سلسلة من الحسابات التي أجراها فيما يتعلق بالتاريخ عند الحرارة المتناقضة للشمس — التي افترض خطًأ أنَّها تنتُج بوساطة طاقة انهيار الجاذبية — سوف تُصبِح غير كافيةٍ لدعم الحياة على الأرض لفترةٍ أطول.١٤٦
ذكرنا أنَّ كلفن قام بصياغة مصطلح «الديناميكا الحرارية» أو «الترموديناميك» لوصف الآلات الحرارية، لكن الكلمة تطوَّرَت بعد ذلك لتشمل وتصف كلَّ الدراسات المُتعلِّقة بتحوُّلات الطاقة بما فيها الحرارة والعمل، إضافةً لتوصُّلِه للقانون الثاني عندما كان في غلاسكو، بالتزامن مع رودولف كلاوزيوس في برلين.١٤٧
١  قنصوه، صلاح، فلسفة العلم، ص١٨٧–١٨٨.
٢  جريبين، جون، تاريخ العلم (١٥٤٣–٢٠٠١م)، ج٢، ص٨٥.
٣  ربما تُستَثنى ظاهرة الجاذبية من هذا الشمول حاليًّا.
٤  ديفوره وأنوكان، دروس في الفيزياء (الترموديناميك والحرارة)، قسم ١، ترجمة: عدنان المحاسب، وزارة التعليم العالي، مطبعة جامعة دمشق، دمشق، ١٩٧٦م، ص١٥١.
٥  دبس، محمد، معجم أكاديميا للمصطلحات العلمية والتقنية، ص٢٧٧.
٦  فوربس، ر. ج.، وديكستر، إ. ج.، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج٢، ص٥٦.
٧  مصطفى، عدنان، أصول الفيزياء للجامعات، ص٣٠٧.
٨  لايتون، روبرت، محاضرات فاينمان في الفيزياء، ج١، قسم٣، الاهتزازات والترموديناميك، ترجمة: فئة من أساتذة الفيزياء في جامعة دمشق، وزارة التعليم العالي، دمشق، ١٩٧٤م، ص٢١٥، ٢١٨.
٩  سويلم، محمد عطية وآخرون، الفيزياء العامة، ص٣٤٥.
١٠  المرجع السابق نفسه، ص٢٩٦.
١١  دبس، محمد، معجم أكاديميا للمُصطلحات العلمية والتقنية، ص٥٥٦.
١٢  ناصر، إبراهيم محمود، مبادئ أساسية في الفيزياء الإحصائية، منشورات جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، الظهران، ١٢٢٥ﻫ، ص١٤.
١٣  مصطفى، عدنان، أصول الفيزياء للجامعات، ص٣٠٧.
١٤  مصطفى، عدنان، أصول الفيزياء للجامعات، ص٣٢٥.
١٥  المرجع السابق نفسه، ص٣٢٦.
١٦  وهي صفة لتغيُّرٍ فيزيائي يمكن تحقيقه في الاتجاه المضاد، بتغيير الظروف التي تم فيها هذا التغير. عن: معجم أكاديميا للمصطلحات العلمية والتقنية، ص٤٨٥.
١٧  حسن، السيد شعبان، برونشفيك وباشلار بين الفلسفة والعلم، ط١، دار التنوير، بيروت، ١٩٩٣م، ص١٧٠.
١٨  أي إنجاز عمل مع بقاء درجة الحرارة ثابتة.
١٩  يافورسكي، ب. وديتلاف، أ، المرجع في الفيزياء، ج١، ص٢٤٧.
٢٠  سنتحدَّث عنه بشكلٍ مُفَصَّل في الفصل الرابع المخصَّص للآلات الحرارية.
٢١  سارتون، جورج، تاريخ العلم، ج١، ترجمة: لفيف من العلماء، دار المعارف بمصر، القاهرة، ١٩٥٧م، ص٢٠٨.
٢٢  لم يكن الرُّواقيون يقصدون بالنَّار تلك التي تشبه النار التي نتعامل معها في حياتنا، وإنما يقصدون بها ذلك الألَق الوضيء للسماء.
٢٣  أبو ريان، تاريخ الفكر الفلسفي، ط٣، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ج٢، ص٢٨٥.
٢٤  «لفظٌ يوناني يعني الكلمة أو العقل أو القانون، وهو مُصْطلحٌ شائع الاستعمال في الأدبيات الفلسفية والدينية، فهو عند أفلاطون وأرسطو قانون الوجود وأحد المبادئ المنطقية، وعند الرُّواقيين قانون العالمَين الطبيعي والروحي في إطار وحدة الوجود.» عن: الموسوعة العربية، دمشق، هيئة الموسوعة العربية، مدخل «اللوغوس»، ٢٠١٧م.
٢٥  المرجع السابق نفسه، ص٢٨٤.
٢٦  بلينوس الحكيم، سر الخليقة وصنعة الطبيعة، تحقيق: أورسولا وإيسر، معهد التراث العلمي العربي، جامعة حلب، حلب، ١٩٧٩م، ص٨٦.
٢٧  المرجع السابق نفسه، ص١٠٤.
٢٨  عبد الرحمن، سامية، الميتافيزيقا بين الرفض والتأييد، ص٩٩.
٢٩  مطر، أميرة حلمي، الفلسفة اليونانية، ط٢، ص٤٠٦.
٣٠  برهييه، تاريخ الفلسفة، ط٢، ج٢، ص٢٦٥.
٣١  Cajori, Florian, On the History of Caloric, Isis, Vol. 4, No. 3 (Apr., 1922), Chicago Uni. p. 484.
٣٢  نيدهام، جوزيف، موجز تاريخ العلم والحضارة في الصين، ترجمة: محمد غريب جودة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٩٥م، ص٣٦٠–٣٦١.
٣٣  جماعة من السوفييت، موجز تاريخ الفلسفة، ترجمة: توفيق سلوم، ط١، ص٩١، دار الفارابي، بيروت، ١٩٨٩م.
٣٤  جابر بن حيان، مختار رسائل جابر بن حيان، ص٤٣٠.
٣٥  فوربس، ر. ج.، وديكستر، إ. ج.، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج٢، ص٤٦.
٣٦  بيرثيلو، هذه رسائل مُهِمَّة في العلوم الكيمياوية والصنعية لجابر بن حيان وغيره من الحكماء والفلاسفة، باريس، المطبعة الدولية، ١٨٩٣م، ص٢٠٣.
٣٧  الجاحظ، الحيوان، ج٥، ص٣٨.
٣٨  الكندي، رسائل الكندي، تحقيق: محمد عبد الهادي أبو ريدة، ج٢، دار الفكر العربي، القاهرة، ١٩٥٠م، ص١١٧–١١٨.
٣٩  المرجع السابق نفسه، ص١١٨.
٤٠  المجريطي، مسلمة، غاية الحكيم، ص١٠٣.
٤١  ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، ص٥٠٨.
٤٢  إخوان الصفا، رسائل إخوان الصفا، ج٢، ص٤٩.
٤٣  المرجع السابق نفسه، ص٥٦.
٤٤  مسكويه، رسالة في النفس والعقل، دراسات ونصوص في الفلسفة والعلوم عند العرب، عبد الرحمن بدوي، ط١، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ١٩٨١م، ص٨٥.
٤٥  القصير، سيف الدين، الطبيعة ودورها عند البيروني، مجلة المعرفة، العدد ٥٠١، تصدر عن وزارة الثقافة، دمشق، حزيران ٢٠٠٥م، ص١٧٤.
٤٦  الزعبي، أنور خالد قسيم، ظاهرية ابن حزم الأندلسي، ص٩٥، ط١، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، عمان، ١٩٩٦م.
٤٧  حسين، محمد كامل، وحدة المعرفة، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ص٩٧.
٤٨  الضوي، محمد توفيق، دراسات في الميتافيزيقا، دار الثقافة العلمية، الإسكندرية، ص٧٣–٧٤.
٤٩  يُكتب اسمه في الترجمات العربية (سادي) وهو تعريبٌ خاطئ تمامًا تشير فيه ياء النسبة إلى السادية (وهو اضطرابٌ نفسي) التي تُنسب إلى المركيز دي ساد (١٧٤٠–١٨١٤م) وهو أحد الضباط والكتاب الفرنسيين في القرن التاسع عشر، في حين أن اسمه الحقيقي هو «سعدي» أطلقه والده لازار عليه نسبةً إلى الشاعر الفارسي سعدي الشيرازي (القرن ٧ﻫ/١٤م) الذي تميَّزَت كتاباته بأسلوبها الجزلِ الواضحِ وقيمٍ أخلاقية رفيعة، مما جعله أكثر كُتاب الفرس شعبية. انظر: الصورة الموسيقية في أشعار سعدي الشيرازي العربية، حامد ذاكري وعبد الحميد أحمدي، ومنصور شيرازي، مجلة إضاءات نقدية، السنة الثانية، العدد ٧، أيلول ٢٠١٢م، ص١١١–١٢٧.
٥٠  جارودي، روجيه، النظرية المادية في المعرفة، دار دمشق، بيروت، ص٦٤.
٥١  زكريا، فؤاد، تاريخ الماديَّة للانجه، الهيئة العامة المصرية للكتاب، القاهرة، ١٩٩٤م، ص٣٨–٣٩.
٥٢  ابن باجة، شرح السماع الطبيعي لأرسطوطاليس، تحقيق: ماجد فخري، ط٢، دار النهار، بيروت، ١٩٩١م، ص٦٥.
٥٣  ابن رشد، تلخيص الآثار العلوية، ص٣٤.
٥٤  الجزري، بديع الزمان، الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل، تحقيق: أحمد يوسف الحسن، معهد التراث العلمي العربي، جامعة حلب، حلب، ١٩٧٩م، ص٣٤٥–٣٧٣.
٥٥  الدمرداش، أحمد سعيد، علم الفيزيقا عند العرب، ص٣٧٤.
٥٦  المرجع السابق نفسه، ص٣٧٤.
٥٧  الإيجي، كتاب المواقف، ج١، ص٥٩٢.
٥٨  الإيجي، كتاب المواقف، ج١، ص٥٩٩.
٥٩  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 10.
٦٠  ويلسون، ميتشل، الطاقة، ترجمة: مكرم عطية، دار الترجمة والنشر لشئون البترول، بيروت، ١٩٧١م، ص٣٤.
٦١  أسيموف، إسحاق، أفكار العلم العظيمة، ترجمة: هاشم أحمد محمد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٩٧م، ص٧٤.
٦٢  عزام، محمد، مدخل إلى فلسفة العلوم، ط١، دار طلاس، دمشق، ١٩٩٣م، ص١٣٣.
٦٣  كوهن، س. توماس، بنية الثورات العلمية، ترجمة: علي نعمة، ط١، دار الحداثة، بيروت، ١٩٨٦م، ص١٦٨.
٦٤  لانداو وكيتايجورودسكي، أ، الكتاب الثاني، الجزيئات، سلسلة كتب الفيزياء للجميع، ترجمة: داود سليمان المنير، دار مير، موسكو، ١٩٨٥م، ص٢١.
٦٥  ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص٣٥.
٦٦  كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ترجمة: فتح الله الشيخ، ط١، سلسلة عالم المعرفة، رقم ٢٦٦، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ٢٠٠١م، ص٢٣٠.
٦٧  ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص٣٥.
٦٨  McKie, Doglas & De V. Heathcot, Niels, The Discovery of specific and latent heats, p. 29.
٦٩  جاليليو جاليلي، اكتشافات وآراء جاليليو، ترجمة: كمال محمد سيد وفتح الله الشيخ، ط١، دار كلمة، أبو ظبي، ٢٠١٠م، ص٢٩٥–٢٩٦.
٧٠  جاليليو جاليلي، اكتشافات وآراء جاليليو، ص٣٠٣.
٧١  McKie, Doglas & De V. Heathcot, Niels, The Discovery of specific and latent heats, p. 29.
٧٢  ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص٥٣.
٧٣  فوربس، ر. ج.، وديكستر، إ. ج.، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج٢، ص٤٥.
٧٤  McCormmach, Russell, Henry Cavendish on The theory of heat, Isis, Vol. 79, No. 1 (Mar. 1988), Chicago Uni., p. 51.
٧٥  McCormmach, Russell, Henry Cavendish on The theory of heat, p. 53.
٧٦  Ibid, p. 54.
٧٧  عزام، محمد، مدخل إلى فلسفة العلوم، ص١٣٣.
٧٨  لانداو وكيتايجورودسكي، أ، الكتاب الثاني، الجزيئات، ص٢١.
٧٩  أسيموف، إسحاق، أفكار العلم العظيمة، ص٧٤.
٨٠  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 11.
٨١  ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص٣٦.
٨٢  كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص١٣٥.
٨٣  فوربس، ر. ج.، وديكستر، إ. ج.، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج٢، ص٤٦.
٨٤  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 11–12.
٨٥  Chang, Hasok, Inventing Temperature: pp. 170–171.
٨٦  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 12.
٨٧  فوربس، ر. ج.، وديكستر، إ. ج.، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج٢، ص٤٦.
٨٨  كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص٢٣٠.
٨٩  انظر الفصل الخامس من الباب الأول، الانتقال من الكمون الحراري إلى الحرارة الكامنة، فقرة أبي رشيد النيسابوري.
٩٠  ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص٣٦.
٩١  فوربس، ر. ج.، وديكستر، إ. ج.، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج٢، ص٥٤.
٩٢  Réflexions sur la puissance motrice du feu et sur les machines propres à développer cette puissance.
٩٣  أسيموف، إسحاق، أفكار العلم العظيمة، ص٨٥.
٩٤  موتز، لويد وويفر، جيفرسون هين، قصة الفيزياء، ص١٦٩.
٩٥  سويلم، محمد عطية وآخرون، الفيزياء العامة، ص٣٤٨.
٩٦  ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص٥٧.
٩٧  فوربس، ر. ج.، وديكستر، إ. ج.، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج٢، ص٥٠.
٩٨  المرجع السابق نفسه، ص٥١–٥٢.
٩٩  كان واط إنسانًا عمليًّا، وكانت إحدى المشكلات العملية التي تواجهه هي كيفية تطابُق القدرة الناتجة من آلةٍ بخارية معيَّنة مع متطلَّبات القدرة في الماكينة التي تُدِيرها الآلة البخارية. وعندما وجد أحد المهندسين — الذي في خدمته — واسمه جون ساذرن طريقةً لقياس مخرج القدرة، أيقن واط الميزة التي تمنحها هذه الطريقة فاحتفظ بالطريقة سرًّا. انظر: كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص٢٣٥.
١٠٠  كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص٢٣٥.
١٠١  مطلب، محمد عبد اللطيف، تأريخ علوم الطبيعة، ص٢٥٨.
١٠٢  موتز، لويد وويفر، جيفرسون هين، قصة الفيزياء، ط١، ص١٧٠.
١٠٣  De l’influence des chemins de fer et de l’art de les tracer et de les construire.
١٠٤  Sarton, G., The Discovery of the Law of Conservation of Energy: J. R. Mayer, J. P. Joule and Sadi Carnot, Isis, Vol. 13, No. 1 (Sep., 1929), The University of Chicago Press on behalf of The History of Science Society p. 25.
١٠٥  جريبين، جون، تاريخ العلم (١٥٤٣–٢٠٠١م)، ج٢، ص٨٦.
١٠٦  كان يُقصد بهذا المصطلح الشائع أيام ماير مصطلح «الطاقة» الشائع في أيامنا.
١٠٧  ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص٣٧.
١٠٨  Troy, Daniel S., Motion and Heat, Science, Vol. 19, No. 475 (Mar. 11, 1892), American Association for the Advancement of Science, p. 148.
١٠٩  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 14.
١١٠  Sarton, G., The Discovery of the Law of Conservation of Energy: J. R. Mayer, J. P. Joule and Sadi Carnot, p. 23.
١١١  Ibid, p. 21.
١١٢  Die organische Bewegung in ihrem Zusammenhang mit dem Stoffwechsel, Verlag der C. Drechslerschen Buchhandlung, Heilbronn, 1845.
١١٣  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 18–19.
١١٤  Journal de Chimie médicale, VIII Année, Février.
١١٥  Bemerkungen über das mechanische Äquivalent der Wärme, Verlag von Johann Ulrich Landherr, Heilbronn, Vol.1, 1851, p. 169.
١١٦  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 20.
١١٧  فوربس، ر. ج.، وديكستر، إ. ج.، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج٢، ص٥٥.
١١٨  كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص٢٣٦.
١١٩  ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص٣٧.
١٢٠  المرجع السابق نفسه، ص٣٧.
١٢١  فوربس، ر. ج، وديكستر، إ. ج، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج٢، ص٥٦.
١٢٢  ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص٥٤.
١٢٣  Heat Is Motion: “A Classic of Science”, the Science Newsletter, Vol. 22, No. 589 (Jul. 23, 1932), Society for Science & the Public, pp. 54.
١٢٤  Heat Is Motion: “A Classic of Science”, pp. 54–55.
١٢٥  Ibid, p. 55.
١٢٦  أسيموف، إسحاق، أفكار العلم العظيمة، ص٨٥–٨٦.
١٢٧  كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص٢٤٠.
١٢٨  موتز، لويد وويفر، جيفرسون هين، قصة الفيزياء، ص١٧٠.
١٢٩  Nogle Saetninger om Kraefterne.
١٣٠  Sarton, G., The Discovery of the Law of Conservation of Energy: J. R. Mayer, J. P. Joule and Sadi Carnot, pp. 18–44.
١٣١  جيمس جول، التسخين أثناء التحليل الكهربائي للماء، مذكرات الجمعية الفلسفية والأدبية في مانشستر، السلسلة II، المجلد ٧، (١٨٦٤م)، الصفحة ٦٧.
١٣٢  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 24.
١٣٣  كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص٢٣٠.
١٣٤  عن موسوعة ويكيبيديا، مدخل «نظرية السيال الحراري»، ٢٠١٥م.
١٣٥  مطلب، محمد عبد اللطيف، تأريخ علوم الطبيعة، ص٢٥٨.
١٣٦  أسيموف، إسحاق، أفكار العلم العظيمة، ص٨١.
١٣٧  لقد بات لدى جول هاجسٌ حول قياس قيمة المُكافئ الميكانيكي للحرارة، حتى إنه اصطحب زوجته أثناء شهر العسل في رحلةٍ إلى شلال في سويسرا، وذلك حتى يتمكَّن من قياس الفرق في درجات حرارة الماء بين قمة وقاع الشلال، والتي يتسبَّب فيها سقوط الماء من هذا الارتفاع. طبعًا لم يتمكن من الحصول على قياساتٍ جيدة بسبب الرذاذ، ولأنه كان يُحاول قياس فرقٍ يبلغ أقل من درجةٍ مئوية واحدة. انظر: كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص٢٣٨.
١٣٨  أسيموف، إسحاق، أفكار العلم العظيمة، ص٨٢–٨٣.
١٣٩  وهي الطاقة الحركية كما كان يسمِّيها في ذلك الوقت.
١٤٠  مطلب، محمد عبد اللطيف، تأريخ علوم الطبيعة، ص٢٥٩.
١٤١  أسيموف، إسحاق، أفكار العلم العظيمة، ص٨٣.
١٤٢  المرجع السابق نفسه، ص٨٤.
١٤٣  الأتاسي، محمد وائل، لمحات في الإبداع العلمي، الهيئة العامة للكتاب، دمشق، ٢٠١٠م، ص٥٤–٥٥.
١٤٤  مطلب، محمد عبد اللطيف، تأريخ علوم الطبيعة، ص٢٦٠.
١٤٥  موتز، لويد وويفر، جيفرسون هين، قصة الفيزياء، ص١٨٠.
١٤٦  Stableford, Brian, Science Fact and Science Fiction, Taylor & Francis Group, New York, 2006, p. 160.
١٤٧  كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص٢٣٩.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤