الفصل الثاني

القياس الحراري عند العلماء العرب والمسلمين

ميزان الحرارة أو المِحرُّ أو الترمومتر١ أو مقياس الحرارة كلها كلماتٌ عربيَّة أو مُعَرَّبة للمُقابل الإنكليزي Thermometer. ويبدو أنَّ إلحاق كلمة «ميزان» بالحرارة جاء من عملية التساوي بين مقدار حرارة الجسم والقيمة المُقابلة له على المقياس. كما هو الحال عندما نضع وزنةً معروفة القيمة مقابل الشيء الذي نُريد معرفةَ وزنه في الميزان الوزني.

ولعلَّ وضع ابن فارس معجمًا خاصًّا بمقاييس اللغة، يَدُلُّ دلالةً واضحة على تمكُّن فكرة القياس ومفهوم القياس من الفكر العربي العلمي بشكلٍ كبير، وكما نعلمُ كان الشعر قد ضُبطَت مقاييسه أيضًا ضمن بحور الشعر، وضُبطَت الكلمات بالحركات الإعرابية لمعرفة موقعها من الجملة.

لذلك فإننا لن نستغربَ أن يسبقَ اللغويون العربُ العلماءَ والباحثين العربَ في تقسيم درجات الحرارة المنخفضة في الجو إلى برد، وقَر، وزمهرير، وصقعة (من الصقيع)، وصِر، وأريز (البرد الشديد). وتقسيم درجات الحرارة المُرتفعة في الجو إلى حَر، وحَرور، وقَيظ، وهاجرة، وفَيْح.٢ ويمكننا توزيع التقسيمات السَّابقة إلى ١٢ درجة كما يأتي:
٥ فيح
٤ هاجرة
٣ قيظ
٢ حرور
١ حر
الحرارة
٠ معتدل
البرودة
−١ برد
−٢ قر
−٣ زمهرير
−٤ صقعة
−٥ صِر
−٦ أريز

تُقسَّم درجات حرارة الجو (الحالة الغازية) عند اللغويين العرب إلى ١٢ مرتبة، ونلاحظ بالمقارنة مع تقسيمات جالينوس التسع السابقة، نجد أنها أوسعُ وأدقُّ في تحديد اسم الدرجة، كما نُلاحظ أيضًا أن درجات البرودة أكثر من درجات الحرارة (الأرقام الموجودة في الجدول أعلاه مقترحة من قِبَل المؤلِّف لكلِّ درجة).

إذن فِكرة تقسيم الحرارة إلى درجات ومستويات كانت واردةً وموجودة في الفكر العربي قبل ظهورها في العلوم الطبيعية، وستأخذ أشكالًا أخرى بعد التعرُّف على العلوم الطبيعية سواء كانت المترجَمة أو المبتكَرة.

بخصوص المعنى اللغوي لكلمة «درجة» فهي تدلُّ على التقدُّم في شيء؛ فقد جاء في معجم «مقاييس اللغة»: ««دَرَجَ» الدالُ وَالرَّاءُ وَالْجِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى مُضِي الشيْءِ وَالْمُضِي فِي الشيْءِ. مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ دَرَجَ الشيْءُ، إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ. وَرَجَعَ فُلَانٌ أَدْرَاجَهُ، إِذَا رَجَعَ فِي الطرِيقِ الذِي جَاءَ مِنْهُ. وَدَرَجَ الصبِي، إِذَا مَشَى مِشْيَتَهُ. قَالَ الْأَصْمَعِي: دَرَجَ الرَّجُلُ، إِذَا مَضَى وَلَمْ يُخْلِفْ نَسْلًا. وَمَدَارِجُ الْأَكَمَةِ: الطرُقُ الْمُعْتَرِضَةُ فِيهَا.»٣
أمَّا المعنى الاصطلاحي لدرجة الحرارة فقد أشار أبو علي مسكويه، منذ القرن ١١م، إلى وجود أربعِ مراتبَ أو درجاتٍ أساسية للحرارة، معتمدًا على ما قاله الأطباء العرب، لكن دون أن يقدِّم لنا تفاصيلَ أكثر عن هذه المراتبِ التي أُخِذَت عن اليونانيين، يقول: «ثم تُوجَد للحرارة مراتبُ كثيرة؛ منها ما تكون في الدَّرَجة الأولى، أو في الثانية، أو في الثالثة، والرابعة — على ما حصله الأطباء وغيرهم في كثير من النَّبات والجماد من المعادن.»٤ واستمر هذا المعنى الاصطلاحي حتى القرن ١٨م؛ فقد ذكر الأحمد نكري المعنى الاصطلاحي الطبي لدرجة الحرارة كما كان شائعًا في عصره، فقال: «يقول صاحب «الكفاية» المنصوري: اعلم أنَّ كل شيء يدخُل البدن له تأثير على حالته، فإذا ما تأثَّرَت الحرارة الطبيعية وزادت حالة البدن منه فلا يُقال لهذا الشيء إنه جيد أو مُعتدل، فإذا ما كان التأثير الكبير غيرَ محسوس فإنه يكون من الدَّرجة الأولى وإذا ما أحسَّ به ولكنه لم يكن مُضرًّا فإنه يكون من الدرجة الثانية، وإذا ما وصل إلى حد الضرر ولكنه لا يُهلِك فإنه يكون من الدرجة الثالثة، وأمَّا إذا وصل الضرر إلى حد الهلاك فإنه يكون من الدرجة الرَّابعة، وهذه هي الأدوية السامة.»٥
نعلم أنَّ القياس الحراري اليوم يتم بوساطة الترمومتر فهو يقع في إطار المنهج الموضوعي، وهو أكثر دقةً من استخدام حاسَّة اللمس، وغالبًا ما يتم الاتفاق على القيمة المُقاسَة بين جميع الأفراد.٦
وقد استخدم العلماء العرب والمسلمون في بداية تعاملهم مع علم الحرارة — مثلهم في ذلك مثل غيرهم من الأمم السابقة — المنهج الذاتي في القياس؛ أي حاسة اللمس، وذلك لتقرير فيما إذا كان الجسم حارًّا أم باردًا. طبعًا ليس الأمر واحدًا بالنسبة لشخصَين يتحسَّسان الوعاء نفسه؛ أي إن هذه الطريقة يعتريها الكثير من الأخطاء، ولا يتمُّ الاتفاق على قيمةٍ محدَّدة لدرجة الحرارة بين جميع من يمُد يده. وقد وضع العرب تقسيمات الحرارة الخاصة بالماء الملموس (الحالة السائلة)، نوردها فيما يأتي مع المقابل الرقمي الحديث للاصطلاحات المستخدمة في وصفها:٧
المستوى (من الأبرد للأسخن) الاصطلاح درجة الحرارة المئوية المقابلة (حديثًا)
−٣ الماء البارد جدًّا تحت ١٢
−٢ الماء البارد بين ١٨–٢٤
−١ الماء القليل البرودة بين ٢٤–٣٠
٠/معتدل الماء المعتدل الحرارة بين ٣١–٣٧
١ الماء الحار بين ٣٨–٤٢
٢ الماء الحار جدًّا فوق ٤٣

ونعتقد أنَّ مرحلة المنهج الذاتي في القياس لا بد منها في تطوُّر علم القياس الحراري، وهي ليست بمأخذ على العرب؛ فالإنسان يستخدم حاسَّة لمسه في البداية للتعبير عن درجة السخونة والبرودة، وقد لا يلزَم الإنسانَ العاديَّ أكثر من ذلك، أمَّا من يُريد الخوض في غمار البحث العلمي، فإنه يحتاج إلى أمرَين:

  • أداة تحدِّد له قيمة الدرجة.

  • استخدام لغة الأرقام بدلًا من اللغة المحكية في تحديد قيمة تلك الدرجة.

figure
رسم يعود تاريخه إلى عام ١٨٨٤م، من كتاب «منتخبات الصناعة في فن الزراعة»، يوضِّح أشكال الموازين الحرارية التي يستخدمها المزارعون آنذاك، وذلك بهدف التأسيس لقيام زراعة تعتمد على العلم الدقيق، ومادَّته معظمها مأخوذة من الكتب الأوروبية المعاصرة في القرن ١٩م. (مصدر الصورة: منتخبات الصناعة في فن الزراعة، بشارة بن سلوان نحول اللبناني، المطبعة الأهلية، بيروت، ١٨٨٤م، ص١٣٧. النُّسخة الأصلية من هذا الكتاب محفوظة في مكتبة قطر الوطنية، رقم «١٠٢٦١٩».)
وفي حالة العرب، فإنَّ الأدوات كانت مُتاحةً في بعض العلوم كالكيمياء والفلَك والطب والصيدلة، واستخدام لغة الأرقام الكمية للتعبير أيضًا مُستخدَم كمنهج في تلك العلوم. وعندما خاض العُلماء العرب والمسلمون غِمار العلوم كانت هناك مساعٍ جَادَّة للانتقال من المنهج الذاتي إلى الموضوعي فرضَته طبيعة العلم؛ لذلك بحث بعض العلماء العرب والمسلمين، خصوصًا الكيميائيين منهم، في موضوع «علم الميزان» وهو العلم الذي لم يسبِق للأمم السابقة أن بحثوا فيه،٨ والذي يهدف إلى ضبط مقادير الكيفيات الأربع (الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة) لدى تفاعُلِها مع بعضها ووَفْق معاييرَ معيَّنة، وقد جاءوا بتقسيمات وضوابطَ مبتكرة وأصيلة، حاولوا أن يصبغوها بصبغةٍ منطقيةٍ عقلانية، وهو ما لم يفعله اليونانيون من قبلُ.
مع أن فيلون وهيرو قد برهنا على تمدُّد وتقلُّص خاصية الهواء، إلا أنه ولا واحد منهما أدرك قابليةَ التطبيق الكبيرة لهذه الخاصية من أجل قياس الحرارة.٩

جابر بن حيان (القرن ٣ﻫ/٩م)

قبل أن يطرح عُلماء الغرب نظريَّة السيال الحراري بألف سنة تقريبًا؛ لتفسير انتقال الحرارة من جسمٍ حارٍّ إلى آخرَ بارد، وقبل أن يسود اعتقادٌ جازم لديهم بأن للحرارة وزنًا، خطَرَت هذه الفكرة لجابر بن حيان؛ وذلك لافتراضه أنَّ للحرارة طبيعةً ماديَّة محسُوسة يُمكِن تقدير وزنها باستخدام الحروف١٠ المكوِّنة لأسماء المواد، وعليه يُمكِننا بذلك ضبط كمية الحرارة في أي مادة أو تفاعُلٍ كيميائي.
لإدراك أصالة الفكرة التي طرحها جابر سنلقي نظرة على فقرة كتب يقول فيها: «لا علم إلا بعلمٍ قبلَه يتقدَّمه فاعرف ذلك، واعمل عليه وإيَّاك وإهماله؛ فإنَّك إن أفرطتَ فيه ندمتَ ندامةً تعُم الحياة، وذلك إنه إذا ذهبت بزمانك فليس يمكنك كل يوم العمل والتجربة لترى الرُّشد فيما نقوله لك، ولكن اتعب أولًا تعبًا واحدًا، واجمع وانظر واعلم ثم اعمل.»١١ نستنتج من الكلام السابق أنه لا بد وأنَّ جابر قد بحث جيدًا في أعمال السَّابقين، وتوصل أنَّه لم يُسبَق إلى عمله هذا من قبلُ.
لذلك يرى مؤرخ العلوم فؤاد سِزكين أنَّ النظرياتِ المميزة لكيمياء جابر، مثل نظرية الميزان والتوليد وتدبير الإكسير من موادَّ عضوية ونظرية استعمال النشادر ذي الأصل العضوي وغير العضوي، هي نظرياتٌ لا يُمكن التَّحقُّق من وُجُودها في كتب أبولونيوس التياني.١٢
قبل أن يُؤسِّس جابر لنظريته اعتَنى بمسألةٍ لها قيمةٌ كبيرة مِن النَّاحيتَين العلمية والعملية بشكلٍ عام، وهي مسألة «التكوين الصنعي»؛ فقد أرادَ من وراء وضعه لعلم التكوين — كما يُسمِّيه — أن يُوجِد صنعيًّا أنواعًا من الكائنات التي تُنسَب للممالك الطبيعية الثلاث، وخصوصًا المملكة الحيوانية. وتقوم فكرته على أساس إذا كان بمقدور الكيمياء أن تُوجِد موادَّ جديدة من خلال تركيبها للأجسام بعضها مع بعض، فلِمَ لا تقوم أيضًا بإنتاج الحيوان والنبات، وحتى بإيجاد الإنسان الصنعي؟ ووجد أنَّ هذا الأمر مُمْكن لأنَّ وجود الكائنات الحية — ومن بينها الإنسان — نتيجة تضافُر القوى الطبيعية.١٣ والطبيعة في إنتاجها للكائنات إنما تخضع لقوانينَ كميةٍ عددية يكشفُ عن سِرِّها «علم الميزان»، الذي يعرِّفه جابر بأنه: «العلم الذي يُعنى بدراسة الاختلاط بعد ممازجة الأجسام١٤ مع الأجسام، أو الأجسام مع الأجسام والأحجار،١٥ أو الأرواح١٦ مع الأرواح، أو الأحجار مع الأرواح، أو الأحجار والأجسام والأرواح.»١٧ أي إنه علم يهتم بدراسة القوانين الطبيعية الكمية والتفاعُلات الحادثة بين المواد. ويعتبر جابر أن هذا ليس بالخروج على قوانين الطبيعة، وإنما تقليد ومساعدة على إيجاد المواد؛ فالطبيعة إذن «وَجدَت للتكوين طريقًا [غير طريقها هي] استغنَت به عن طريقٍ ثانٍ.»١٨ لقد أراد جابر من تأسيس علم الميزان أيضًا البحث في نظام العلاقات العددية الذي تتكوَّن بموجبه الموادُّ من عناصرَ أولية.١٩

إذن نظرية «التكوين الصنعي» كانت وراء ميلاد علم الميزان الخاص بضبط تفاعُلات المواد أيًّا كان نوعها، وما تخضع له من مؤثِّراتٍ فيزيائية خارجية أو داخلية كالحرارة والبرودة؛ وعليه فإنَّ الأمر يستلزم ضبطَ مقاديرِ هذه المؤثِّرات بميزانٍ خاص كما تُضبط الموادُّ بميزانٍ وزني.

مصطلح «الميزان» نفسه يستخدمه جابر من باب التشبيه والاستعارة بالميزان الوزني، كما نحن نستعيره لميزان الحرارة الحالي.

وقد وضع جابر ثلاثةَ موازينَ عنصرية؛ أحدها خاص بالنَّار والآخر بالماء وميزان ثالث مركَّب منهما، لكنَّ ميزان النَّار أهم وأخطر هذه الموازين؛ لأنَّه يضبط كيفية الحرارة والبرودة داخل المادة، وأي خللٍ في تقديراته قد يفسد العملية الكيميائية برُمَّتها. وقد تقصَّد جابر — نظرًا لأهمية ميزان النار — أن يُشفِّره أكثر مِمَّا فعل مع بقية الموازين، وذلك حتى لا يتمكَّن منه إلا الكيميائي البارع، كما هدف جابر من وضع ميزان النار تنقية المواد من الشوائب التي تعتريها، وليس قياس أو ضبط مقادير الكيفيات الداخلة فيها فحسب. يقول جابر: «قد علمتَ أن الموازين العظام ثلاثةٌ على ما بَيَّنَّاه في كثيرٍ من كتبنا الموازينية، فميزانان منها بسيطان وهما ميزان الماء والنار، وميزانٌ مُركَّب من هذَين، وهذا الشيء يخرج — وحق سيدي٢٠ — بهما جميعًا إلا أنه خطر جدًّا في الموضعَين كلَيهما، إلا أنَّه في ميزان النَّار أعظم خطرًا، وأنا أريك كيف عمل ذلك فيهما جميعًا وأختم عند ذلك الكتاب إنْ شاء الله؛ فأقول إنَّ ميزان الماء لا خطر في أوله أصلًا … وستعلم أنه كذلك إذا قرأتَه في هذا الكتاب، وتعرف قدْر النِّعمة عليك، وبُعد ما بين الموضعَين، وذلك أن ذكرتُ هناك، وفي غيره من الكتب الموازينية عمل ميزان الماء وقسمته وتعديل كفاته، وما جرى ذلك المجرى مِمَّا لا نسبة بينه، وبين ما الأمر عليه في نفسه، وذكرتُه ها هنا على وجهه … واعلم يا أخي أن الماء إنما قيل له ميزان من حيث كان مُظْهِرًا لزيادة الطبائع كلها من نقصانها إظهارًا بَيِّنًا أصدق — وحق سيدي — من إظهار ميزان الصنجات لزيادة الذهب والفضة من نقصانهما، وليس كذلك ميزان النَّار، فاعرف الفرق بينهما فإنه عجيب؛ ولهذه العلة احتاج ميزان الماء إلى ميزان النار، ولم يحتج ميزان النَّار إلى ميزان الماء بكل وجه. وميزان النار قد ذكرناه أيضًا في كتبنا كلها مرموزًا قريبًا لا كما ذكرنا ميزان الماء؛ وذلك لأنَّ ميزان النار صعبٌ جدًّا خطِر، فلِخَطره وكثرة وقوع الخطأ من حُذَّاق هذه الصنعة فيه لم يحتج إلى رمزٍ بعيد إذْ كان لا يظفر به إلا من بلغ أقصى غايات الصَّنْعَة، ومن هذه صفته فليس يُعوِزه نيلُه إذا رآه وأدمن عليه، واحتمل مضَض الخطأ وتحرَّز من أمثال ما يُخطئ فيه … واعلم أن ميزان النار وحده رُبَّما خرج فيه هذا الشيء على غاية ما يكون من الكمال، وفي أكثر الأمر فإنه لا يظهر به وحده إلا في صورته دون فعله، فإذا جُمِعَ ميزان الماء وميزان النار، كان لا محالة خارجًا على الأمر الأكبر إلا أن يُخطئ مدبِّره، وكل هذا يكون في أقلَّ من طَرفة عين، فاعلم ذلك. وقد عرفتَ ما أشرنا إليه من الميزان في كتاب الموازين المُفرَد القائم بنفسه، وما نذكُره ها هنا فهو بخلاف ذلك في ظاهره؛ لأنه مُفتضَح مُنكشِف كما أمرنا به. والغرض يا أخي فيه هو تخليصُ جواهر الحجَر بأعيانها دون دهاناته المُفْسِدة له المانعة كل المنع من الانتفاع به، والتي من أجلها احتيج إلى التدابير الطوال والقصار، فإن جوهر الحق — يا أخي — إذا كان خالصًا من هذه الدهانات المفسدة فهو بذاته صابغ، ولولا أنه كذلك لما أمكن بالتدبير أن يجعل صابغًا هذا بقَدْر الإعارة والذَّهب النقي المُضِيء النوراني المُمَازج غير المشتغل.»٢١

ونحن نرى أنَّ أحد الأسباب التي حَفَّزَت جابرًا لوضع ميزان الحرارة (الحروفي) ليضبط مقدار الحرارة في كل مادة هو وجود تحديدٍ مُسبق لبِنيتها، فهي تتكوَّن من أربعة عناصر ومن أربع كيفيات، وكون المواد يُمكِن ضبط وزنها بالميزان الوزني؛ فإنَّه يتبقَّى علينا ضبط الكيفيات الأربع بميزان من نوعٍ مختلف، وهنا جاء اقتراحه بأن يكون حروفيًّا.

إن اصطناع أسماءٍ للموادِّ وترابُط الحروف داخل كل اسمٍ يخضع لبنيةٍ منطقيَّة قابلة للقياس، على غرار علم العروض والنحو. ولا نعتقد أنَّ جابرًا اعتمد على السيمياء٢٢ في وضع ميزانه الحراري الحروفي؛ فهي وإن كانت تُدعى «علم أسرار الحروف» إلا أنَّه لا يُمكِن أن تُتخذ كأساسٍ في عمليات الضبط؛ لأنَّ السيمياء عبارة عن «تأليف اسم أو اسمين أو ثلاثة أو أربعة ونحو ذلك مِمَّا اجتمع من حروف وأودعه الله فيها سر اسمه العظيم الأعظم، واشتملَت عليه الطبائع الأربع.»٢٣بمعنى الربط بين أسماء الله الحسنى والظروف والحالات التي يمُر بها الإنسان في أوقاتٍ معيَّنة.
والملاحظ أنَّ جابرًا اعتمد ترتيب الحروف (أبجد هوز)، ولم يعتمد طريقةَ الأرقامِ التي تُقابِلها والمعروفة عند العرب بحساب الجُمل؛ حيث يقابل كل حرف قيمة عددية (مثل: أ = ١، ب = ٢، ج = ٣ … وهكذا). لقد كان قصد جابر أن يصبغ نظريتَه بصبغةٍ عقلانية منطقية وواقعية أكثر؛ بحيث يتجنَّب فيها مبدأ العِدادة Numerology أو دراسة الخصائص السِّحرية للأعداد، التي يُعرف أنَّها تُسْتخدم في الأعمال الخُرافية والسِّحرية كثيرًا.
ميَّز جابر بين المادَّة والحرارة والبرودة فقال: «ينبغي أن تعلم أولًا أنَّ الجوهر شيء وأن الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة شيء.»٢٤ الأمر الذي جعلَه يميِّز بين وزن المادة ووزن الطبائع، ولم يجعل منها شيئًا واحدًا؛ أي يزيد وزن المادة أو ينقص حسب الطبع الذي دخلها، فالمادة قد تُصبح خفيفة بالحرارة وثقيلة بالبرودة؛ حيث «إنَّ في الطبائع ما هو أخفُّ من الجوهر ومنها ما هو أثقل من الجوهر، وهما اثنان اثنان؛ فالخفيفان الحرارة واليبوسة، وأمَّا الثقيلان فالبرودة والرطوبة.»٢٥
ثم يُخبِرنا جابر بالطبيعة المادية للحرارة والبرودة؛ وعليه يُمكِننا قياسُهما كما نقيس الكتل بوساطة الأوزان والميزان المعروف «وكذلك ينبغي أن تعلم أنه قد وجب بالإطلاق أن كل ما كانت فيه الحرارة، فهو خفيف، وكذلك القول في اليبوسة، وبالعكس فإن كل ما كانت فيه البرودة فهو ثقيل، وكذلك الرُّطوبة، وليس في ذلك شك.»٢٦

لذلك وجد جابر أن يمنح كل حرفٍ من اسم كل مادةٍ كيميائية قيمةً وزنيَّة، ليُوجِد نوعًا من التجانُس في وحدات القياس، بين وزن المادة ووزن الطبائع التي بداخلها. كما أنه أراد أن يُوجِد وحدة لقياس مقدار الحرارة المُقاس، فاعتمد وحداتِ قياس الأوزان.

ولم ينطلق جابر في ربطه بين الحروف والكيفيَّات من الفراغ؛ ففي رسالته (الحدود) يقسِّم علم الحروف إلى طبيعي ورُوحاني، «والطبيعي مُنقسمًا أربعة أقسام؛ حرارة، وبرودة، ورطوبة، ويبوسة.»٢٧
وحتى لا يذهب ذهن القارئ بعيدًا قدَّم جابر على الفور تعريفه لعلم الحروف الذي يستخدمُه «أنه العلم المحيط بمباحث الحروف الأربعة، من الهلية والمائية والكيفية واللمية»،٢٨ أي تنتهي حدود علم الحروف عندما يجيب عن هل، وما هو، وكيف، ولِمَ.
لم يجد جابر أيَّ اختلاف بين منهج الطبيعة في صنع المواد، ومنهج اللغة والنحو في تركيب الكلمات والجُمل؛ إذْ يخضع كلٌّ منهما في النهاية لمنطقٍ معين يبرِّر إجراء هذه المُطابقة. ويُفيد جابر أنه من الخطأ الكبير أن نعتبر أنَّ اللغة نشأَت بالوضع أو الاتفاق أو المصادفة؛ لأن اللغة جوهرٌ طبيعي الأصل، لا تعود إلى وضعٍ وإنما إلى تشوُّق النفس، مثلها في ذلك مثل أعمال النفس الجوهرية؛ وبالتالي فإنَّ الحروف التي تُشَكِّل مادة الكلام، هي من صنع النفس ولذلك فهي جوهرية.٢٩ وقد أعاد برتراند راسل B. Russell في القرن العِشْرين البحث في موضوع الرابط بين اللغة وحقيقة الأشياء في كتابه المترجم للعربية «ما وراء المعنى والحقيقة».٣٠ فقد طوَّر من خلالها فلسفةً تتعلَّق بالمعرفة الفعلية التي تُولي الاعتباراتِ اللغويةَ أهميةً كبيرة، طبعًا على طريقة جابر، وإنما على طريقته الفلسفية الخاصة.
ثم يُثني جابر على كل مَن بمقدوره أن يُوجِد لغةً جديدة، خصوصًا إذا أسهمَت هذه اللغة بالكشف عن حقيقة الأشياء، كما هو حال معرفة طبع الحرارة والبرودة، وغيرهما من خلال وزن الحروف، يقول جابر: «وينبغي — عافاك الله — أن تعلمَ أنَّ الذي يستخرج في العالم لغة فهو إنسانٌ عظيم، وهذا الذي يذكر هو إخراج لغةٍ أخرى لا يعرفها جميع النَّاس؛ لأنه ليس في المُتعارف أن ينطق باسم من الأسماء على تحقيق أمره إلا في النُّدرة بعد الندرة. وينبغي أن تَعْلم أنَّ استخراج الطبائع على الحروف كما علمناك في كتاب الصفوة لندُلك في الابتداء على طبع الأشياء لا على تحقيقه … فمعلومٌ من هذا الكلام أنَّ إخراج طبع الشيء في الظاهر غير مُنتفَع به، وإلا فقد كنا ألقينا به، ولكن ينبغي — عافاك الله — أن تزن كل شيء تريد وزنَه وتُحرزَه عن كل شيء في باطنه وظاهره؛ فأما وجوه الإسقاط فإنك تحتاج الآن إلى ما في كتاب التصريف وغيره من تلك الكتب؛ وذلك أنه ينبغي ضرورةً أن يسقط من كل شيء يُحتاج إلى وزنه ما زاد على بنيته وما دخل للعلل بغير زيادة؛ فمعلوم أنَّ الذهب أصلٌ إذ هو برِّئ من ذلك، وصار هجاء للفضة فض إذْ الهاء إنما دخلَت للتأنيث ولا ذكر لها، ثم تزيد عليه بعد إسقاطك ما فيه بحسب الحاجة إليه، فاعلم يا أخي أنه متى حصلَت لك من الحروف واحدة مثل أ أو ب أو ما كان خرج لك الكل على سبعة عشر.»٣١

وهذه نقطة على غاية من الأهمية، لأنها تحقِّق المعيار الذي سبق وأن تكلمنا عنه في وضع طريقةٍ تنقلُنا من المنهج الذاتي في القياس إلى المنهج الموضوعي؛ فقد وَضَع جابر أداته في قياس مقدار الحرارة من خلال ميزان النار، ووضع لغته الخاصة الحسابية التي يُعبر بها كميًّا عن قيمة هذا المقدار. والدليل على ذلك هو تجنُّب جابر في نظريته الحديث عن حاسة اللمس واستخدامها لتقدير كيفيات المادة من حرارة أو برودة؛ لأنه كان يُدرك تمامًا عدم إمكانية الاعتماد عليها أو الوثوق بها، إنها بالتأكيد لن تستطيع أن تجاري فكرة ميزان النار الذي وضعه. أمَّا بخصوص المجال الذي تأخذه قيم الحرارة والبرودة فيبدو أن جابرًا افترض وجود مجالٍ خاص لكل مادة.

الآن بغض النَّظر عن طريقته، قد تكون صحيحة أو خاطئة، لكنَّه التزام المِعْيار؛ لذلك ينطلق جابر من حقيقة الثبات بين الكيفية المقاسة، والحروف المُستخدمة في عملية القياس، فهو لا يرغب بميزانه هذا أن يقيس ظاهر اسم المادة أو معناها الاصطلاحي أو اللغوي، وإنما كان يريد فعلًا أن يُحدِّد بدِقَّة محتوى المادة من هذه الكيفية أو تلك، خصوصًا الحرارة والبرودة.

ميزان النَّار الذي وَضَعَه جابر ليس فلسفة لغوية بالمعنى البحت، وإنما محاولة حقيقية لمعرفة درجة كل كيفية سواء الحارة أو الباردة في المواد المدروسة، فإذا كانت مقاييس الحرارة تعتمد خاصية التمدُّد والتقلُّص أساسًا في صنع مقياس درجة الحرارة، أي «درجة السخونة» أو شدة الحرارة في جسمٍ ما.٣٢ فقد اعتمد جابر خاصية تغيُّر ترتيب الحروف من اسم مادةٍ لأخرى؛ ولذلك فإننا نعتقدُ أنَّ مُحاولته هذه تستحق الإشادة بها، وأن تأخذ سياقها العلمي التاريخي في مجال علم قياس الحرارة.
في نظرية جابر، فإنَّ الحروف والطبائع يمكن أن ينتقل أحدهما إلى الآخر في إطار عمليةٍ تبادلية بحتة: «انظر إلى الحروف كيف وُضعَت على الطبائع، وإلى الطبائع كيف وُضعَت على الحروف، وكيف تنتقل الطَّبائع إلى الحروف والحروف إلى الطبائع.»٣٣ وترتبط الكيفيات الأربع بالعناصر الأولية الأربعة كما في الجدول الآتي:
النار الهواء الأرض الماء
تنتج عن اتحاد: تنتج عن اتحاد: تنتج عن اتحاد: تنتج عن اتحاد:
الحرارة مع اليبوسة الحرارة مع الرطوبة البرودة مع اليبوسة البرودة مع الرطوبة
(فاعلة)* (منفعلة) (فاعلة) (منفعلة) (فاعلة) (منفعلة) (فاعلة) (منفعلة)
بحسب التعابير الجابرية فإنَّ الفاعل هو «المؤثِّر للآثار الشبيهة به لا بالكل وغير الشبيهة به بالكل» عن: المزيدي، رسائل جابر بن حيان (رسالة الحدود)، ص٢٤.
†  بحسب التعابير الجابرية فإن المُنفعل هو «القابل في ذاته الآثار والصور» عن: المزيدي، رسائل جابر بن حيان (رسالة الحدود)، ص٢٤.
وكمَا أنَّ لكل حرف طريقةَ نطق وكتابةً تختلف عن الآخر، كذلك أيضًا، يجبُ أن يكون لكل حرفٍ وزنٌ وقوة تختلف عن الآخر عندما يشكِّل اسم مادة. وكما أنَّ للكلمات المشكَّلة من حروف تصريفًا، فإنَّ للحروف والطبائع أيضًا تصريفها. وقد قام جابر بوضع هذا التصريف في كتابه (التصريف).٣٤
وكما أنَّ الحروف لا تُوجد لدى استخدامها في الكلام منفردة، لأنَّها لن تفيد معنىً محددًا؛ كذلك الحال بالنسبة للكيفيات فإنها لا يمكن أن تُوجَد منفردة، وإنما لا بد من اتحادها مع بعضها مثنًى أو ثُلاث أو رُباع. الحرارة — مثلًا — لا بد أن تمتزج مع اليبوسة لتشكِّل عنصر النار، وتمتزج مع الرطوبة لتشكِّل عنصر الهواء.٣٥

حسب جابر فإن تحليل الاسم دالٌّ على طبيعة المسمَّى؛ فاسم «الذهب» يدل على طبيعة الذهب الملموس. لكن حروف الذهب كلها ليست بمرتبةٍ واحدة، وإنما يختلف بعضها عن بعض كما ذكرنا.

حتى يضبطَ الأمور ولا تكون عشوائيةً قام بوضع قواعدَ وأسس ومعاييرَ نظمها في جداولَ وعلاقات؛ لذلك قام جابر بتقسيم ميزانه إلى سبعة أقسام، بدعوى أنها تكفي لتحقِّق قدْرًا كبيرًا من الدِّقة العلمية التي تضمَن صحة النتائج التي نحصُل عليها، وأطلَق على هذه الأقسام السبعةَ الأسماء الآتية، بادئًا من أعلاها إلى أدناها، كما هو موضَّح في الجدول الآتي:٣٦
التسلسل الأقسام الحروف المقابلة لها
١ المراتب (جمع مرتبة) أ ب د
٢ الدرَج (جمع درجة) م ز
٣ الدقائق (جمع دقيقة) ط ي ك ل
٤ الثواني (جمع ثانية) م ن س ع
٥ الثوالث (جمع ثالثة) ص ق ر
٦ الروابع (جمع رابعة) ش ت ث
٧ الخوامس (جمع خامسة) ذ ض ظ ع
ع١ ع٢ ع٣ ع٤
(حيث ع: يرمز إلى رقم العمود)
كل تقسيم من التقسيمات السَّابقة يتكرَّر كاملًا أربع مرات، فيُسمَّى الأولى بالمرتبة الأولى، والثانية بالمرتبة الثانية، والثالثة بالمرتبة الثالثة، والرَّابعة بالمرتبة الرابعة، وكل مرتبةٍ من المراتب الأربع السابقة تقسِّم بدورها الحروف أربع مجموعات، كل مجموعة يوزَّع عليها سبعة أحرف، وذلك حتى تُقابِل الكيفيات الأربع؛ الحرارة، والبرودة، واليبوسة، والرطوبة؛٣٧ وبناءً على ذلك تُقابِل الكيفياتُ الأربع الحروفَ الآتية:
الكيفية الحروف المقابلة ملاحظات
الحرارة أ ط م ف ش ذ يمثل هذا الترتيب العمود الأول (ع١) من الأقسام السبعة
-
البرودة ب و ي ن ص ت ض يمثل هذا الترتيب العمود الثاني (ع٢) من الأقسام السبعة
اليبوسة ز ك س ق ث ظ يمثل هذا الترتيب العمود الثالث (ع٣) من الأقسام السبعة
الرطوبة د ل ع ر غ يمثل هذا الترتيب العمود الرابع (ع٤) من الأقسام السبعة
الجداول التي تمثِّل قيم الحروف في كل الحالات، ولكل مرتبة من المراتب الأربع. هذه الموازين يمكن تطبيقها على كل حالات المادة والنبات والحيوان؛ فالكيفيات الأربع تُوجَد داخل كل شيء؛ ولذلك فإنَّ هذه النظرية العامة يمكن تطبيقها على كل شيء؛ لذلك تُعَد هذه الجداول بمثابة مُرشدٍ لقيم الحروف يُستعان بها عند الحاجة للقيام بالحساب.٣٨
ويحذِّر جابر من الخلط بين المراتب السَّابقة أي «لا تُعطِ المرتبة الأولى ولا شيئًا من أجزائها ما قد حُكِم به للمرتبة الثانية ولأشياء من أجزائها، لئلا يدخل بعضها في بعض.»٣٩
يرى المؤرخ إيريك هولميارد E. Holmyard أن لكل خاصية من الخواص العنصرية الأربع، أربع درجات وسبعة تقسيمات فيكون لدينا ٤ × ٢٨ مرتبة.٤٠ أمَّا حروف اللغة العربية الثمانية والعشرين فقد رُتِّبَت تحت الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة، بحيث تتناسب قيم الدرجات الأربع مع السلسلة: ١، ٣، ٥، ٨ = ١٧.٤١

وسبب اختيار الرَّقم ١٧ لأنه لدينا أربعُ كيفيات وأربعُ طبائع وناتج جدائهما هو ١٦، ويُضَاف الرَّقم واحد لاحتساب تأثير الشوائب في المادة. وقد أسندتُ بكل درجة وكل تقسيم الأوزان العربية الآتية:

كل ٦ دوانق = ١ درهم.

والقيراط: كل ٢ قيراط = ١ دانق.

الدانق ٠٫٥٣٠٥ غرام.
القيراط ٠٫٢٦٥٢ غرام.
الدرهم ٣٫١٨٥٣ غرام.
مثلًا إذا أردنا قياس وزن الحرارة والبرودة في معدن «الأسرب» وهو كما يقول إخوان الصفا: «جنس من الرَّصاص، ولكنه كثير الكبريت، غير نضج، ومنافعه معروفة بين الناس.»٤٢ فإن قيم الكيفيات ستختلف بينه وبين «الرصاص» المُقارب له في البنية لدى تحليلها.

وعليه فإنَّ كيفية قياس وزن الحرارة وبقية الطبائع في معدن «الأسرب» حسب ميزان جابر الحروفي بعد تجريده من أحرف الزيادة (الألف واللام)، هي:

  • الألف (حرارة: د١ = ٧ دوانق) ٧ × ٠٫٥٣٠٥ ٣٫٧١٣٥ غرام.
  • السين (يبوسة، د٢ = ١ درهم) ٣٫١٨٥٣ غرام.
  • الراء (رطوبة، د٣ = ١٫٢٥ درهم) ١٫٢٥ × ٣٫١٨٥٣ ٣٫٩٨١٦٢٥ غرام.
  • الباء (برودة، د٤ = ٩٫٣٣٣٣ درهم) ٩٫٣٣٣٣ × ٣٫١٨٥٣ ٢٩٫٧٢٩٣٦٠٤٩ غرام.
ولو أخذنا قطعة رصاصٍ وزنها درهم فستتضمَّن الأوزان المذكورة أعلاه من حرارة ويبوسة ورطوبة وبرودة، وهي قيمةٌ واحدة في أي قطعة أسرب. وهي توضِّح وجود فروقاتٍ بين وزن الكيفية ووزن المادة.

ويُلاحظ من القيم الوزنية الأربع أن ما يغلب على الأسرب هو البرودة (تقريبًا ثلاثة أضعاف وزن الحرارة) ثم تأتي الرُّطوبة فالحرارة وأخيرًا اليبوسة. طبعًا يتم هذا الحسابُ كلُّه ضمن درجة حرارة الغرفة أو الطبيعية، ولم يُشِر جابر إلى الحالات التي يمكن أن تتغيَّر فيها القيم لدى رفعِ أو خفضِ درجة حرارة الوسط الخارجية.

ولو رجعنا إلى وصف خصائص الأسرب لدى ابن رشد (أي بعد حوالي ٣٠٠ سنة من وفاة جابر) في كتابه (الكُليَّات في الطب) لوجدنا أنه يقول: «الأسرب: وهو الرَّصاص، الغالب على أجزائه الجوهر البارد الرطب؛ وذلك أن البرد هو الذي جمَّده؛ ولذلك متى سُحق الأسرب في الهاون مع بعض العصارات وجدتَ المجتمع منهما دواءً يُبرِّد، مثل دهن الورد.»٤٣

وبذلك يكون جابر قد برهن حسابيًّا وكميًّا على سبب غلبة كيفيةٍ على أخرى، مع تحديد قيمة كل كيفيةٍ منفردة، كما أنَّ هذا يُفَسِّر لنا سبب عدم اعتماده على حساب الجُمل الشائع؛ إذْ أن قيمة «أسرب» وفقًا لحساب الجمل = ١ + ٦٠ + ٢٠٠ + ٢ = ٢٦٣.

وهي كما نُلاحظ لا تتقارب مع أي قيمةٍ مُنْفردة أو مجموع القيم الوزنية الحروفية السابقة. كما أنها لا تحدِّد قيمة أية كيفية ولا غلبة أية كيفيةٍ على أخرى. إضافةً لكونها مجردة من أية وحدة قياسٍ تمنحها معنًى فيزيائيًّا محدَّدًا.

بالمقابل، إذا قارنَّا درجة حرارة انصهار الرصاص الحديثة (٢٠٧٫١٩° مئوية)، وغليانه (١٧٥٥° مئوية) ووزنه النوعي (١١٫٢٩غ/سم٣) في درجة حرارة الغرفة مع القيم التي حصل عليها جابر فلن نجد أي تقارب، وهذا طبيعي فالأساس النظري الذي اعتمد عليه جابر يختلف تمامًا عن الأساس النظري الحديث لقياس درجة الحرارة.
بغَض النَّظر عن مدى صدق وكفاءة طريقة جابر في تقديره لكمية الحرارة في كل مادة، فإن ما يُريده جابر هو اعتقادُه القاطع بإمكانية قياس وزن الكيفيات في المواد، وأنها تقوم على نسبٍ عدديةٍ محددة؛ فعندما يفقد الخل طعمه الحامض بسبب إضافة المُرداسنج (وهو الرصاص الناعم الذي ينفصل عن الفضة) مثلًا، لأن للخلِّ في الأصل تركيبًا معينًا قائمًا على الأعداد، وقد تغيَّر هذا العدد بإضافة المُرداسنج؛ وبالتالي لا يتوقف ظهور الكيفيات، مثل قدرة المُرداسنج على تغيير طعم الخل، على المُصادفة وإنما على بنية الجسم الداخلية، والتحكُّم في تغيير هذه البنية هو مهمة التجربة (أو التدبير) الكيميائي، وعندما يكون لكيفية المادة تفسيرٌ رياضياتي فإنه ستتأكَّد صحة التجربة. وبذلك يُصبِح علم ميزان الأجسام قانون الأشياء الرياضياتي في الكون، فهو يُبيِّن ترتيبها وتجانسها، ويظهر في كل شيءٍ مهما كان صغيرًا، وهو المفهوم المُجَرَّد الكبير لعالمنا.٤٤
أفرد جابر كتابًا خاصًّا لميزان النار أسماه «كتاب الميزان الصغير».٤٥ أو «ميزان الحرارة الحروفي» فقد ناقَش فيه مسألةَ وزن الحرارة، التي قال السابقون عليه ألا وزن لها، فعارضَهم وحاول أن يُثبِت أنَّ لها وزنًا، ويُمكن قياسُه بوساطة ميزانه الحروفي الذي اختَرعَه، يقول جابر: «وقد كُنَّا قدَّمنا أنَّ النار والهواء [والماء] والأرض أيضًا مركَّبة ليست مفردة، وأنَّ المفردات هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة التي منها تركَّبَت النار والماء والهواء والأرض، فالآن نُنبِئ عن محل الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة إذ كنا محتاجين إليه، وإن لم يكن في العالم إنسانٌ نطَق بهذا ولا عَلِمه ضنًّا به وأسفًا عليه.»٤٦
وقد حاول جابر أن يُوجِد في ميزانه نقطتَين ثابتتَين؛ عُليا تشير للحرارة (حافة الدائرة). ودنيا تشير للبرودة (مركز الدائرة)، وقد ربط بين هاتَين النقطتَين وبين المدار الفلكي الدائري ومركزه: «ونقول: إن الدلالة على محل الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة، إنما معنى قولنا الفلَك لا معنى [قولنا] جِرم الفلك ولكنها القائمة به، فانظر وتصوَّر أنَّ الحرارة منه الدائرة العليا، والبرودة منه النقطة التي تُسمَّى القطب، وهذان الفاعلان، وأنَّ اليبوسة انفعلَت من دوَران الفلَك حينئذٍ وكذلك الرطوبة، إذا استُوفِّينا في تعليم الحرارة والبرودة كيف هما ورجعنا إلى تعليمك ما الرطوبة واليبوسة بقولٍ مجمل يشتمل على سائرِ ما نريد من ذلك، إن شاء الله تعالى جل جلاله. فنقول: إنه قد وجب أولًا من كلامنا أن تعلم أن الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة بالإطلاق أعلى من النَّار والهواء والماء والأرض بمثل البُعد الذي بين النار والهواء [والماء] والأرض وبين الفلَك المحيط بها، فإنها تحت الفلَك المحيط بها. والآن نرجع فنقول كيف تركَّبَت منها ونقول: إن الدليل على أن الفلَك هو الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة أن تعلم أولًا أن الدائرة عند المهندسين ما يُحيط بغير جِرمٍ، ومعنى جِرم [هو] جِسم، وأنَّ الخط طول بلا عرض ولا جسم، وكذلك هو العرض، وأن النقطة شيءٌ يُتوهَّم عقلًا لا حسًّا وهو قائم في القوة فكأنه شيءٌ يُتوهَّم ويُوجَد بالحسِّ، وذلك التوهم في غير تلك الحال لا نفس حقيقة الشيء؛ فكما أنَّ الدائرة تُحيط بلا جسمٍ كذلك نقول: إنَّ دائرة هذا الفلَك هي الحرارة وهي الظاهرة والعليا، وإن النقطة منه هي البرودة، وإنه بنفس حركته ما تولَّد بين الحرارة والبرودة شيء لا هو حار ولا هو بارد، بل هو شيءٌ زائد التجفيف كثير الخفاء لا يكادُ الحِسُّ يدركه دون الحرارة في اللطف والدخول فسُمي اليبوسة، ثم إنه تولَّد عن الجميع شيءٌ غليظ [عن ذلك] وأخذ منبسطًا وفيه رخاوة وسُمي الرطوبة. وهذا القول لم نُقِم عليه برهانًا لئلا يطول، وينبغي أيها القارئ المتعلم أن تأخذ ذلك تقليدًا وتترك الجدل فيه إلا لأصحابه وتَعمِد إلى جدواه.»٤٧

هذا التصميم القائم على توزيع الحرارة والبرودة على دوائر الفلك سيعود للظهور ويتأثَّر بها ويُطوِّرها كلٌّ من المجريطي والجلدكي، وهو ما سنُرجئ الحديث عنه في مكانه.

إذن يفترض جابر أنَّ وجود أوزان للحرارة والبرودة، يستلزم منا إيجاد ميزانٍ لهما، مُميِّزًا بين ما له وزن وما ليس له وزن لكونه لطيفًا (أي قابلًا للنفوذ في الأجسام) وبين عديم الوزن: «وقد وجب الآن على التحقيق أن للحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة أوزانًا، وأن للجوهر وزنًا لا بد من ذلك، وإلا فوجَب أنَّا إذا جمعنا ما لا يُرى ولا يُوجَد مثلًا في الحرارة واليبوسة إلى ما لا يُرى ولا يُوجَد ولا وزن لأحدٍ منهم لم يكن منه شيء. وكذلك إذا جمعنا لا شيء إلى لا شيء كان من الجمع لا شيء، وكذلك لو جمعنا ما لا يُوجد ولا يُرى ولا له وزن كان منه شيء لا يُرى ولا يُوجَد ولا له وزن وبطل سائر تلك المحمولة عليه؛ لأن قولنا لا يُوجد ولا يُرى ولا وزن له إنما هو حدُّ اللاشيء، فاعلم ذلك. وإنما حَدَّدُوه بأنه لا يُوجَد لأنه لعمري ليس يوجد منفردًا ولا يُرى كذلك، فأمَّا لا وزن له فلِلَطافته لا غير. وأمَّا أن يعدموه الوزن البتة والوجود والرؤية فنعوذ بالله جل اسمه من هذه الحال، ما أقبحَ القول فيها وأوحشَه!»٤٨ إذن كل شيء له وزن يمكننا حصره «وقد وجب أيضًا من قولنا بعد ذلك أن لهذه العناصر أوزانًا؛ إذْ في إمكان الإنسان أن يحصر كل ما له وزن، ولأنَّ ما له وزن ممكن أن يُلمَس ويُوجَد ويوضَع، فإذا كان كذلك فهو ممكن، فقد وجب إذن أيضًا بهذا القول إن الجوهر ممكن لمن أحب الله جل جلاله أن يجعله كسائر الأجسام المدبر منها ما يُراد، كمثل الساج للنجار والحديد للحداد ومثل هذا وأضْرَابه. وكذلك نقول بَعدُ في الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة.»٤٩
طبعًا ليست عملية قياس كمية الحرارة بهذه السهولة التي قد يتوقَّعها أيُّ شخص؛ لذلك أقرَّ جابر بصعوبة وزن الحرارة والجواهر في المادَّة وتحديد قيمتها: «وإذا كان الإنسان قادرًا على وزن النار فقط حتى يعلم ما فيها من حرارة ويبوسة وجوهر على [اﻟ] تحقيق كان حدُّ ألف رجلٍ أهونَ من حدِّ بعضه أو حد واحدٍ من عناصره.»٥٠
وردَّ جابر على أولئك الذين يعتبرون الحرارة لا تُناظِر البُرودة بأنَّ كلامهم غيرُ صحيح «وعندهم أنَّ الحرارة تنافر البرودة ولا تُلائمها وهذا محال، على أني أوريكَ أن الحرارة تُماثِل البرودة وأن البرودة تُماثِل الحرارة».٥١
كما نعلم فإنَّ جابر كان يؤكِّد على التجربة بشكلٍ كبير؛ لذلك يجب ألا نستبعد أبدًا تطبيقه لنظريته في أبحاثه، وإلا فإنه ما كان ليتوصل لاكتشاف الماء الملكي Aqua regia (وهو مزيج من حمض النيتريك وحمض الهيدروكلوريك، صيغته: HCl3+HNO3)، وزيت الزاج Oil of Vitroil.
Sulfuric acid (وهو حمض الكبريتيك، صيغته: H2SO4)، وحجر جهنَّم (وهو نترات الفضة، صيغته: AgNO3) وغيرها من المواد ذات التطبيقات الواسعة اليوم.٥٢
فإذا أخذنا زيت الزَّاج، فإنَّ عملية تحضيره تتطلَّب دقة في ضبط درجة الحرارة، حيث سُخِّن ثم قُطِّر٥٣ الزاج الأخضر٥٤ (كبريتات الحديدوز المائيَّة) أو الكبريتات الأخرى المشابهة له (مثل كبريتات الزنك أو كبريتات النحاس) على الأقل إلى الدرجة ٦٨٠° مئوية.
فسَّر أحد الباحثين٥٥ في تاريخ الكيمياء علم الميزان الذي جاء به جابر — كما ورد في التراث الكيميائي العربي كله — بأنه ما يُعرَف حاليًّا ﺑ «قانون النسب الثابتة» المنسوب للكيميائي جوزيف بروست J. Proust (١٧٥٤–١٨٢٦م)، والذي ينُصُّ على أنَّ كل مركَّب يتكوَّن من نِسَبٍ ثابتة للعناصر المكوِّنة له.
لكننا لا نَتَّفِقُ معه في هذا التعميم الذي أفقد علم الميزان الكثير من قيمته العلمية الحقيقية؛ فالمقصود بقانون النسب الثابتة أو المُحَدَّدة كما ورد عند بروست، الذي وضعه عام ١٨٠١م، أنَّ للمُرَكَّبات النقية تركيبًا ثابتًا وغير متغير.٥٦

أي عندما يتعَيَّنُ تركيب مادةٍ نقية، يُمكِننا معرفة تركيب أية عيِّنةٍ نقية أخرى من هذه المادة نفسِها بصرف النظر عن مصدر هذه العيِّنة أو طريقة تحضيرها؛ فعلى سبيل المثال، يدُل تحليل ملح الطعام، كلوريد الصوديوم، النقي على أنه يحوي ٣٩٫٣٤ بالمائة وزنًا من الصوديوم و٦٠٫٦٦ بالمائة من الكلور؛ أي:

ويستنتج من ذلك أنَّ العناصر تتحد بنسبٍ كتلية ثابتة لتكوين المركَّبات الكيمياوية.٥٧

وعلى هذا يتعلَّق قانون بروست بنسب أوزان المواد، وليس له علاقة لا من قريبٍ أو بعيد بضبط كمية الحَرَارة، سواء داخل المادة أو خارجها.

طبعًا أدرك جابر من خلال تجاربِهِ أنَّ المواد تتفاعل مع بعضها بعضًا بنسبٍ وزنيَّة معيَّنة، وأن الميزان الوزني ضروري لتحديد المقادير الداخلة في التفاعُل الكيميائي، فصنَع الميزانَ ذا الكفَّتَين والميزان ذا الكفَّة المتحرِّكة على عتلةٍ ثبَّت عليها وحداتِ القياس وأنواعًا أخرى من القبان، فكانت الخطوة الأولية لقانون النسَب الثابتة الحديث.٥٨
ومن الجدير بالذكر أنه كان لدى جابر ميزانٌ وزني حسَّاس، وصَفه في كتبه، كان يقيس من الرطل (= ١١٠٠ غرام) والأوقية والمثقال والدرهم والدانق والقيراط وحتى الحبة (= ٠٫٠٦ غرام)، وهذه حساسيةٌ في قياس الوزن لم تَعرِفها مُختبراتُ أوروبا الكيميائية إلا بعد ستة قرون.٥٩
كذلك وردت فكرة قانون بروست عند أبي عبد الله الكاتب الخوارزمي في كتابه (مفاتيح العلوم) يقول «الزنجفر يُتخذ من الزِّئبَق والكبريت، يُجمعان في قوارير، ويُوقد عليها، فيصير زنجفرًا، وللنار قَدْرٌ تُخرِجه التجرِبةُ مرةً أخرى، والوزن أن تأخذ واحدًا من زئبق وواحدًا من كبريت.»٦٠
كما ورد مفهوم هذا القانون مرَّةً أخرى في كتاب «إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد» لصاحبه محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري الأكفاني (تُوفِّي ٧٤٩ﻫ/١٣٤٨م)، وذلك على النحو الآتي: «ومن الحكماء مَن سلك طريقًا آخر لتحصيل المطلوب بأن عرف نِسَب الفلزَّات بعضها إلى بعض في الحجم والوزن، وألَّفَ من جملةٍ منها جسمًا يُساوي وزن المطلوب وحجمه، ويُعرَف هذا التحليلُ بالموازين.»٦١
وذكر ابن الأكفاني طريقةً أخرى كانت تُستخدَم من قِبَل الكيميائيين للحصول على المواد بسرعةٍ مع مراعاة النسَب الوزنية بينهما، بشرط أن تكون الحرارة الخارجية أقوى من الحرارة الداخلية (الموجودة في طبع المعدن)، ويقول في ذلك: «ومن الحُكماء من سلَك إلى هذا المطلوب طريقًا آخر، بأن قصد إلى مُحَاكاة فعل الطبيعة في المادة الأصلية، فاحتال على معرفة ما في الذهب من زئبق، وما فيه من كبريت؛ لأنهما أصل الفلزَّات جميعها. وجمَع بين الزئبق وبين كبريتٍ طاهرٍ على هذه النسبة، وحصَّنه بنارٍ محفوظة، لكنها أشد من حرارة المعدن، طلبًا لقرب المدة، كما يُفخَّر الطين بالنار، فيُشابِه الحجر الذي عقدَته الطبيعة في ألوف السنين. وهذا التصرُّف وإن كان صحيحًا في النظر إلا أنه عسيرٌ شاق في العمل».٦٢
الصعوبة التي واجهت تطبيق نظرية جابر، وانتشارها هي اختلاف اللغات؛ فالمعادن تختلف أسماؤها من أمةٍ لأخرى ومن لهجةٍ لأخرى، وقد ذكَر هذه الصعوبة في كتابه (الحاصل) فقال: «إنا نجد الأشياء باللغات المُختلفة تختلف، وإذا وُجد اختلافها في الكتب، وجب اختلاف ما علَّمناك، وانتقض الأصل الذي رَتَّبْناه على الطبائع قياسًا بها.»٦٣ وقد اقترح لحل هذه المشكلة طريقتَين:
  • (١)

    قياس وزن الكيفيات في اللغة العربية أولًا، ثم في اللغات الأخرى، حتى يحصُل الباحث على النتيجة الصحيحة التي يجب أن يعتمدَها في كل تجاربه.

  • (٢)

    أن يلتزم الباحث لغةً واحدة في كل أبحاثه، وسيجد أن كل لغةٍ مكتفيةٌ بذاتها في الدلالة على طبائع الأشياء؛ فحقائق الأشياء ثابتةٌ لا تتعدَّد بتعدد اللغات.

لكنَّ جابرًا رفض الحل الثاني؛ لأنه جاء من فيلسوفٍ لم يذكر اسمه، فهو يرى أنه ما دامت كلمات اللغات المُختلفة مختلفة البنية، فلا يُعقل أن تكون كلُّها على حدٍّ سواء في الدلالة على حقائق الطبيعة.٦٤

لقد كان الهدف من تأسيس علم الميزان هو ضبط المقادير المادية والكيفية في المادة، فإذا تَمَّ ضبط المقادير المادية عن طريق الميزان الوزني المعروف، فإنَّ الميزان الحروفي مهمته ضبط مقادير الكيفيات (من حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة) التي بداخل هذه المادة.

وكما نلاحظ بأنه لا يقيس مقدار الكيفيات الإضافية من الخارج؛ أي إذا قمنا بتسخين المادة فإن هذه الحرارة المسلَّطة على المادة من مصدرٍ حراري خارجي لا تدخُل ضمن حسابات الميزان الحروفي، وإنما تعتمد على تقدير المجرِّب وحَدْسه بالوصول إلى النتيجة التي يرغب بها.

أهمية نظرية جابر لا تنحصر في ضبط مقادير الكيفيات في التفاعُلات الكيميائية نظريًّا، وإنما الاستفادة عمليًّا من ذلك لتحضير الأدوية التي تُستخدَم في علاج الأمراض، فنراه يقدِّم لنا أمثلةً كثيرة لأسماء مواد يعتبرها مهمةً في تركيب الأدوية، ويُبيِّن كيفية حساب مقادير حروفها لمعرفة طبيعة الدواء المُستخرج، طبعًا بعد تجريده من أحرف الزيادة. ونلاحظ أن جابرًا أطلق على درجة شدة العقار٦٥ اسم «المرتبة» في حين استخدم أطباء القرون اللاحقة اسم «درجة».٦٦
يقول جابر: «ينبغي أن تعلم أن الإثمد سالمٌ ما لم تدخله الألف ولام التعريف، وكذلك الأبهل٦٧ من النبات؛ فأما الأقاقيا٦٨ فتُسقط الألف الثانية والأخيرة؛ فينبغي أن يُوزن على أنه أققي، وأما النحاس والأنزروت٦٩ فإنهما سالمان إذا سقط منهما الألف ولام التعريف، وكذلك الذهب والكبريت، وأما الفضة فتُحذَف منها كذلك تاء التأنيث … إلخ.» ويختم جابر بقول: «ولولا أن يطول الكتاب ويسخف، لأثبتنا فيه — كما أثبتنا في كتاب النبات وكتاب الأحجار وكتاب الحيوان — من تعديد ما فيها من أنواعها كلها، ولكن مِلنا إلى التخفيف، وقد علَّمناك وجه القياس فيه.»٧٠
مع قوَّة نظرية جابر في علم الميزان، فقد قَلَّل مؤرخ العلوم العربية دونالد هيل من أهمية هذه النظرية مُعتبرًا أنها «ذات طبيعةٍ تأملية عالية».٧١ ومن ذلك نفهم سبب رفضه وجود أي إسهامٍ للعلماء العرب في علم الحرارة.٧٢
في حين أن المستشرق الألماني إيلهارد فيدمان يرى أنَّ تسمية الكيمياء بعلم الميزان ليس بسبب استخدام الموازين فيها، وإنما بسبب لما يجري البحث عنه فيها من المقاييس الصحيحة والنسب المتوازنة التي ينجُم عنها الحصول على الوسط الصحيح المناسب لتحقيق الغاية الكيميائية المرجوة من ذلك.٧٣
ويقول المستشرق هولميارد: «يتفق آراء علماء الكيمياء في المعمورة على أنَّ علماء العرب هم مؤسِّسو الكيمياء كعلمٍ يعتمد على التجربة. وفي الحقيقة فإن علماء العرب هم الذين أوجدوا من علم الكيمياء منهجًا استقرائيًّا سليمًا يستند على المُلاحَظة الحسيَّة والتجربة العلمية، وهم الذين استطاعوا أن يستخدموا الموازين والآلات والمكاييل لقصد الدقة والضبط.»٧٤
علم الميزان الذي أرسى قواعدَه جابر — بشكلٍ عام — كان يُعبر عن إيمانه بالترتيب الرياضياتي لبنية المادة، وبإمكانية تفسير التحوُّلات الكيفية للمواد على أساسٍ كمي؛ لذلك فقد أصبح علم الميزان العمود الفقري والمحور الرئيس لمذهبه في الكيمياء؛ فقد أراد من خلاله ضبط القوانين الكمية العددية التي تحكُم كل شيء في الوجود بوساطة موازينَ حروفية؛ وبالتالي التمكُّن من توصيف كل الظاهرات الطبيعية وكل ما في الوجود وَفْق قوانين الكم والعدد.٧٥ الأمر الذي يُتيح فهم تطور المعادن وغيرها من الجواهر، والتسلُّط على مجاريها باختصار أقصى ما يُمكِن من الوقت والجهد. وبذا فإنَّ تعليم الفلسفة لم يُعدَّل، لكن بيانه توضَّح وتنفيذه تيسَّر ومنفعته عمَّت.٧٦

لذلك يُعَد عمل جابر واحدًا من أكبر المحاولات الرامية لتقنين الظاهرات الطبيعية في العصور الوسطى؛ أي تأسيس ما يُمكِن تسميتُه بالفيزياء أو الكيمياء النظرية منذ ذلك الوقت، وهو الهدف الذي سعى إليه العلماء منذ منتصف القرن التاسع عشر.

أبو القاسم المجريطي (القرن ٥ﻫ/١١م)

كما ذكَرنا بأن المجريطي تأثَّر بفكرة ميزان النَّار التي وضعها جابر، والتي وجد فيها طريقةً يُمكنه بوساطتها أن يضبط كمية الحرارة، وقد وضع ذلك في كتابه (الأوزان في علم الميزان)،٧٧ وقسَّم ميزان النَّار الذي وضعه إلى سبع طبقات (أو سموات)، كُلَّمَا زادَ رقم الطبقة زادت شدة الحرارة فيها. وقد اقتُبِسَ أسماء بعضها، كما سنُلاحظ، من أسماء جهنم٧٨ التي أعدَّها الله عذابًا للخاطئين يوم القيامة. وهي:
  • (١)

    الطبقة الأولى: وهي طبقة النَّار الباردة؛ حيثُ تكون شدة النار فيها ضعيفةً كثيرًا.

  • (٢)

    الطبقة الثانية: وهي طبقة النَّار الفاترة؛ حيثُ تكون شدة هذه النار ضعيفةً فقط.

  • (٣)

    الطبقة الثالثة: وهي طبقة نار الجحيم؛ حيث تكون شدة النار فيها متوسِّطة.

  • (٤)

    الطبقة الرَّابعة: وهي طبقة نار الهاوية أو الحامية؛ حيث تكون شدة النار فيها قوية.

  • (٥)

    الطبقة الخامسة: وهي طبقة النَّار ذات اللهب؛ حيث تكون شدة النار فيها قويةً كثيرًا، ويُلاحظ فيها ظهور ألسنة النار.

  • (٦)

    الطبقة السادسة: وهي طبقة نار السموم؛ حيث تكون هذه النار أكثر قوةً من طبقة النار السابقة.

  • (٧)

    الطبقة السابعة: وهي نار سقَر، وهي النَّار التي تُذيب كل شيء يقع فيها وتُحوِّله إلى رماد.

نجد في ميزان المجريطي أنه اعتمد حساب الجمل للحروف؛ حيث إنه أعطى دلالةً رقمية لكل طبقة، والواضح من الشكل السَّابق أيضًا أنه أراد ضبط شدة الحرارة الخارجية (العنصرية) التي تُسلَّط على المواد، وليس مقدار الحرارة الذي يُوجَد داخل المادة (الكيفية)، كما فعل جابر. وهذا تطوُّر وتطويرٌ مهم على عمل جابر.

figure
يلاحظ في ميزان المجريطي استخدام أربعة محاور؛ حيث إن كل محور يشير لجهةٍ جغرافية محدَّدة، وكل ربع من هذه المحاور مقسَّم إلى ٢٩ قسمًا (درجة زاوية)، كما أن كل محور مقسَّم لعشرة أقسامٍ متساوية؛ حيث إنَّ نقطة تقاطُع المحورَين هي الرقم «١٠». تمُرُّ في كل قسمٍ دائرةٌ مخصَّصة لطبقةٍ نارية محدَّدة (أو سماء كما يُسمِّيها على الشكل). (مصدر الشكل: مخطوطة كتاب الأوزان في علم الميزان، للمجريطي، نسخة مكتبة الميكروفيلم في معهد التراث العلمي العربي، جامعة حلب، رقم (٣٥١ / ١٠)، ص٢ظ.)

يمكننا وضع الطبقات السابقة مع القيم الرَّقمية المُقابلة لها في الجدول الآتي، مع ملاحظة أنه يوزِّع سبع طبقات على عشرة تقسيمات:

الطبقة اسمها القيمة المقابلة لها
١
٢ السعير ١
٣ ذات اللهب ٥
٤ الحامية ٩
٥ الجحيم ٤٠
٦ السموم ١٠٠
٧ الباردة ٣٠٠
المثال التطبيقي الذي وجدناه هو تجربة قام بها المجريطي تَوصَّل بوساطتها لأكسيد الزئبق الأحمر؛ حيث إنه أخذ زئبقًا نقيًّا ووضعه في قارورةٍ زجاجية لها شكل بيضة، وأدخلها في وعاء يُشبه أواني الطهي، ثم أشعل تحت الوعاء الخارجي نارًا هادئة بعد أن غَطَّاه، ثم تركه يسخُن أربعين يومًا وليلة مع مُراعاة ألا تزيد الحرارة عن حدٍّ مُعَيَّن بحيث يتمَكَّن من وضع يده على الوعاء الخارجي. بعد هذه المُدَّة وجد أنَّ الزئبق الذي كان وزنه ربع رطل، صار جميعُه مسحوقًا أحمر، ناعم الملمس، وأن وزنه لم يتغيَّر. طبعًا كان يجب أن يزيد وزن الزئبق نتيجة التفاعُل مع أكسجين الهواء، ولكن يبدو أنَّ جزءًا من الزئبق قد تبخَّر طوال «٤٠ يومًا» ورُبَّما بطريق الصدفة، كان وزن الجزء المُتبخِّر يُساوي وزن الأكسجين الداخل في التفاعُل. هذه التجربة سيُعيدُها كلٌّ من بريستلي ولافوازييه تمامًا وَفْق وصف المجريطي بعد ستة قرون وبتقنياتٍ متطورة أكثر، ليحصُلا على النتائج نفسها، وتوصَّلا لقانون حفظ أو مصونية الكتلة والاتحاد الكيميائي الذي سبقَهما المجريطي بمعرفته.٧٩

إذن حضَّر المجريطي أكسيد الزئبق الأحمر من التفكُّك الحراري لمركَّب نترات الزئبق الثنائي وَفْق المعادلة:

ولا أعتقد أن المجريطي بإمكانه إجراء تجربة من هذا النوع لولا أنَّه قام بضبط درجة الحرارة باستخدام مقياسٍ دقيق، لا نقول على مستوى ميزان الحرارة أيام لافوازييه، لكنه كان دقيقًا حتمًا في عصره.

figure
يُوجَد ثنائي أكسيد الزئبق في الطبيعة في معدنٍ نادر الوجود يُدعى مونترويديت Montroydite، (مصدر الصورة والتعليق من https://ar.wikipedia.org/wiki) ويبدو أنه كان متوفرًا أو مُتاحًا أيام المجريطي حتى أجرى عليه تجربته.

ابن سينا (القرن ٥ﻫ/١١م)

أشار الباحث روبرت بريفولت R. Briffault إلى أنه «يُقال» إنَّ ابن سينا أوَّل من وظَّف مِكْشاف الحرارة الهوائي في تَجارِبه، لكن بريفولت لا يعتبر أنَّ هذه الأداة، التي أعادَها جاليليو بشكلٍ مستقل، إسهامٌ له قيمة في تطوُّر العلم.٨٠ الغريب في الأمر أن مؤرِّخي العلوم الغربيين يعتبرون ميلاد علم قياس الحرارة يبدأ من لحظة إعلان جاليليو عن اختراعه لمقياس الحرارة الهوائي عام ١٥٩٣م، في حين أن بريفولت لا يُقيم وزنًا لجهود ابن سينا ومن سبقه أو لحق به من العرب!

على العموم لم نعثر على النص الصريح الذي يقدِّم لنا الدليل على عمل ابن سينا؛ لذلك لا يُمكِننا الخوض كثيرًا بشأن عمل ابن سينا، كما هو الحال في كل الحالات التي سندرُسها في عملنا هذا.

وما نعتقده هو أنَّ ابن سينا رُبَّما وصلَه تصميم فيلون أو هيرو وقام بإعادة صنعه وتجريبه، ورُبَّما استخدَمه في أبحاثه الطبية.

البيروني (القرن ٥ﻫ/١١م)

مع البيروني بدأَت عملية قياس الحرارة تأخذ منحىً مُختلفًا وأكثر دِقَّة وتقدُّمًا؛ فقد وضع البيروني قياساته عن الأوزان النوعية للمواد اعتمادًا على جهازٍ أوصافُه محفوظةٌ لدينا في كتاب ميزان الحكمة للخازني؛ حيث إنَّ طريقة الرَّصد بسيطة، وذلك بأن يصُب الشخصُ الماء حتى تدفُّقه من الميزاب c إلى الحوض، وبعدها يُوضَع كميةٌ موزونة من مادَّة في الماء ويُحسب كمية الماء المتدفقة.٨١
ومعروف عن البيروني أنه عالمٌ صَاحِبُ منهجيةٍ علمية وتجريبية فريدة من نوعها، لعلَّ أهم ما يُميِّزها هو خروجها على الفكر الأرسطي وهيمنته، ناهيك عن مُحَاربته بسلاح العلم ما يسودُ في المجتمع من خرافات واعتقاداتٍ باطلة. وقد قادته هذه المنهجية للوصول إلى الكثير من الاكتشافات والاختراعات نذكُر أهمها في مقامنا هذا المِثْقَلة أو مقياس الكثافة البكنومتر Pycnometer لتحديد قيم الكثافة النسبية٨٢ أو الوزن النوعي.٨٣
figure
جهاز قياس الأوزان النوعية للمواد عند البيروني. (مصدر الصورة: Wiedemann, Eilhard, Arabische specifische Gewichtsbestimmungen, 1883, p. 31.)
يقول الباحث فؤاد جميعان إن البيروني تمَكَّن من قياس درجة حرارة الماء، ولكن كيفية القياس والتجربة غير معروفة لدينا، كما عرف أنَّ للحرارة تأثيرًا كبيرًا على كثافة السوائل، وهي الملاحظة التي سيتوسَّع بها الخازني بعد ذلك؛ فعندما قاس أبو الرَّيْحَان كثافة الماء البارد والماء المغلي وجد أنَّ الفرق بين الكثافتَين يُساوي ٠٫٤١٦٦٧ وهي نتيجةٌ قريبة جدًّا لا تختلف كثيرًا عن النتيجة الحالية؛ حيث إنَّ الفرق بين كثافة الماء في درجة الحرارة ٤° مئوية — وهو الحد الأعلى لكثافة الماء — وبين كثافته عند درجة ١٠٠° مئوية (درجة الغليان) تساوي ٠٫٤٢.٨٤
وإذا اعتبرنا أن وزن المتر المكعَّب من الماء تحت درجة حرارة تساوي درجة حرارة الماء الذي قاسه البيروني وهو ٩٩٨٫٩٠١ غرام، فإنَّ هذا الوزن يُساوي وزن مترٍ مكعَّب من الماء في باريس تحت درجة حرارة قَدْرُها ١٦٫٦٧° مئوية موجود في الفراغ المُطلَق. وبحسب تجربة رينو فإن لتر الهواء الجاف في باريس عند درجة الحرارة صفر درجة مئوية وضغط الجوِّ الطبيعي (٦٧٠ملم زئبقي) يزن ١٫٢٩٣١٨٧ غرام، وعليه فإنَّ المتر يزن ١٢٩٣٫١٨٧ غرام في الهواء الجاف تحت جميع الظروف المذكورة.٨٥

مؤيد الدين الطغرائي (القرن ٦ﻫ/١٢م)

تأثير ميزان النَّار عند جابر كان واضحًا في معالم فكر الطغرائي، لكن ميزان الطغرائي سيكون أفضل في تحديد معاييره من جابر ومن المجريطي؛ إذْ نجده في البداية يعرِّف مصطلح ميزان النار كما ورد في عُرف الحكماء بأنه «معرفة قانونٍ كلي يُتوصَّل به إلى معرفة مقادير النيران وغيرها في المركَّبات الصناعية لتحصيل الصواب، فهذا حقيقة ذلك.»٨٦

ثم يضع أسس صُنع هذا الميزان والعوامل الداخلة فيه؛ مثل تحديد المقصود بمصطلح الطبيعة كما يُفهم عند الحُكماء وليس عند اللغويين، وكذلك مَعْرفة خصائص المواد، وأيضًا الإحاطة بنظرية القوة والفعل الأرسطية، وإدراك تأثيرات الكيفيات الأربعة في أثناء تفاعُلاتها.

قال الطغرائي: «اعلم أن معرفة ذلك تتوقَّف على تحديد بعض حقائقَ هي كالمبادئ لما نريد أن نضعه؛ فمنها معرفة الطبيعة ما هي في اصطلاح الحكماء، ومنها معرفة الطباع ما هي، وهل متحدان معنىً أم يفترقان، ومنها معرفة القوة والفعل وما يُستعملان فيه في الاصطلاح أيضًا وما هما وكم أقسام بين [كلٍّ] منها، ومنها معرفة أفاعيل الكيفيات الأربعة قوى الطبائع العنصرية التي هي البرودة والرُّطوبة [والحرارة واليبوسة] وتمييز فعلِ كلٍّ منها عن الآخر بعد بيان حقائقها ورسومها على ما بيَّنه الحكماء فيما وصل إلينا منهم.»٨٧
بعد أن أرسى الأسس السَّابقة، قام هو نفسُه باتباع قواعد علم الميزان التي جاء بها جابر،٨٨ لكن مع تفصيل وترتيب وتوضيحٍ أكثر، فهو يعتبر أنَّ من يقرأ كتابه شخصٌ محظوظ أن تيسَّرَت له فيه المعرفة الكيميائية بهذا الشكل الميسَّر والسهل الفهم.
استخدَم الطغرائي مصطلح «درجة الحرارة» تحديدًا ليُشير به إلى كمية الحرارة التي تتلقَّاها بقعةٌ مُعينة من الأرض تسقُط عليها أشعة الشمس، وذلك لدى تفسيره كيفيةَ تشكُّل المعادن في باطن الأرض، وكيف أنَّ هذا المقدار يتغيَّر حسب خط عرض الأرض، قال الطغرائي: «إذا أردنا أن نعرف مقدار طبع إحدى بقعتَين بُعد كلٍّ منهما عن دائرة الوسط خمس دُرج، حكمنا من ذلك على أن كلًّا مُسَاوٍ للآخر في مقدار الحرارة والبرودة وغيرهما، فإذا كان بُعد أحدهما عن الشمس خمسة والأخرى اثنان ونصف كان طبع هذه في الحرارة وغيرها على قَدْر النصف؛ أي إنَّ درجة الحرارة أو البرودة في كل واحدة من البقعتَين المذكورتَين على تلك النسبة، ففي التي بُعدها خمسة من الحرارة ضعف ما بُعدها اثنان ونصف من البرودة، وما بُعدها اثنان ونصف من الحرارة نصف حرارة الأخرى، وهكذا بقية الكيفيات الأربعة.»٨٩
وحتى يُبيِّن لنا كيفية استخراج الكيفيات الأربع باستخدام الميزان عمليًّا، ضرب لنا مثالًا النحاس فهو معدنٌ طروق لا ينصهر بسرعة، جُزيئاتُه غيرُ متراصَّة مثل الذهب، يقول في ذلك: «إنَّا نُجري لك الأحكام التي نضربها لك في مثَلنا هذا في أحد الأجساد النَّاقصة التي يجري فيها الأمر في تدبير المعادن الذائبة وتطبيبها، ونضع من تلك الأجساد المذكورة أفضلَها وهو النحاس لأنه منفعلٌ قابلٌ سريع القبول، بطيء الذَّوب بالنسبة إليَّ، غير مُتلزز بعض التلزز الذي به قارب الذهب في وفاقة المزاج واستحكامه، بل قارَبَ الذهب الإكسيري من حيث أخرى مع تلك الحيثية، وليكون المثالُ أقربَ إلى فهم الطالب المُتأمل لما فيه من قرب المَشَاكَلة والمُناسَبة لمُعتدل الأصل، ولنفرض ميزانًا ونختار أن يكون عمودها الثابت مُجَزَّءًا ستة عشر جزءًا لأنها أوسعُ وأسهلُ وأضبطُ من غيرها، واتفاق الحكماء جارٍ في ذلك على الجواز والاختيار مع صحة الجميع المقرونة بالتجربة الحقَّة كما ترى.»٩٠ ويضع الطغرائي صورة ميزان حرارته المقسَّم إلى ١٦ جزءًا كما يأتي:
figure
يُلاحَظ في ميزان الطغرائي أنه يبدأ الترقيم من الأعلى إلى الأسفل ويُخصِّص المحور العمودي لناتج جداء الكيفيات الأربع بالعناصر الأربعة وهو ١٦، دون أن يُدخِل الشوائب في الحساب كما فعل جابر. ويُخصِّص المحور الأفقي للعناصر الأربعة لكن دون ترقيم. ووضع نقطة التقاطُع عند الرقم (٤). ويُعتبَر هذا التمثيل البياني أفضل توضيحٍ عثَرنا عليه لنظرية الميزان عند العرب. (مصدر الشكل: مخطوطة مفاتيح الرَّحمة وأسرار الحكمة، للطغرائي، ج٢، ص٢٧ظ.)

ثم يتابع الطغرائي كيفية إجراء حساب مقدار الحرارة والبرودة في معدن النحاس باستخدام هذا الميزان، دون أن يجرِّد الاسم من الأحرف الزائدة، فيقول: «فإذا وضعتَ ذلك وصار بين يدَيك وجزَّأتَ عموديًّا بالأجزاء الستة عشرية الطبيعية، فنرسم صورة النحاس هكذا: ا ل ن ح ا س.

في جانب على حدَته خارج عن ميزان الطبيعة، ثم نظرنا في أركانه وما أودَع الحق جل جلاله فيه من أسرار الأركان ونتائج الميزان. والتركيب الشبيه بتركيب حقيقة الإنسان من الركن الناري والطبيعة الحارة اليابسة هذَين المرتبتَين: ا ا وهما مَرتبتان في درج العنصر، وأمَّا في الكمية المقدارية المعبَّر عنها بالأجزاء الطبيعية فهما عبارة عن ثمانية عشر جزءًا من هذا الركن الحار اللطيف، فوضعنا صورتَهما في بيتهما الخاص بهما من كفَّة الميزان اليمنى، ثم نظرنا في كمية أجزاء العنصر الموجودة معنا من كمية المرتبتَين فوجدناها ثمانية أجزاء كما ذكرنا، فوضعناها تحت بيتهما من الميزان، ثم نسبنا تلك الأجزاء التي معنا للعنصر الناري إلى العمود فوجدناها تفضُل عليها بأربعة، وتلك الأربعة هي عدة أجزاء الدرجة الأولى من الحرارة النارية فوضعنا الأربعة تحت محلها من العمود الثاني المقاطع لعمود الميزان الكامل المجزَّأ على زاويةٍ قائمة هكذا.»٩١
figure
يقصد الطغرائي بالأولى على المحور الأفقي (الدرجة الأولى). ونُلاحِظ هنا أنه قسَّم المحورَين إلى أربعة أقسامٍ متساوية، على كل محور عشرة نقاطٍ تبعُد عن بعضها بُعدًا متساويًا كتب فقط على أربعٍ منها بدءًا من اليمين إلى اليسار على المحور الأفقي، ولها ما يُناظِرها على المحور العمودي. (مصدر الشكل: مخطوطة مفاتيح الرحمة وأسرار الحكمة، للطغرائي، ج٢، ص٢٨و.)
وهكذا نُلاحظ أن الطغرائي قد تقدَّم خطوةً جديدة في علم الميزان، وميزان النار تحديدًا من أجل معرفة مقادير الحرارة وغيرها من الكيفيات في كل مادة؛ فقد لجأ للتمثيل البياني الذي يُعبِّر عن المعلومات المرتكزة على الأسس التي وضعها جابر، ولكن بطريقةٍ جديدة دون أن يلجأ إلى القيم الوزنية التي اعتمدها جابر؛ فقيمة الحرارة في معدن النحاس عند جابر هي (ثلاث مراتب = خمسة دراهم وخمسة دوانيق) أمَّا البرودة فمقدارها (مرتبة أولى = دانقان)، والرطوبة (المرتبة الثانية = درهم ونصف)، واليبوسة (ثانية من المرتبة الرابعة = درهمان وأربعة دوانيق).٩٢ أما عند الطغرائي فإن ميزان النار المُتعلق بالنَّحاس يُعبَّر عنه بالشكل الآتي:
figure
تأخذ الكفة اليمنى أربعة حروف من اسم النحاس هي (ا ا، ح ل) وقيمها على الترتيب (١٨، ١٥)، أما الحرفان المتبقيان (س، ن) فيأخذان القيمتين (٦، ٦) على الكفة اليسرى، (مصدر الشكل: مخطوطة مفاتيح الرَّحمة وأسرار الحكمة، للطغرائي، ج٢، ص٣١ظ.) وهذا يعني أن النحاس حارٌّ شديد الحرارة (تُقابل القيمة ١٨) ويابس قليل اليبوسة (تُقابل القيمة ١٥)، وباطنه ضعيف البرودة (تُقابل القيمة ٦)، ورطبٌ شديد الرطوبة (تُقابل القيمة ٦). نستنتج من ذلك أن كيفية الحرارة فيه تأخذ أعلى قيمة؛ ولذلك يتفق الطغرائي مع قول جابر عن النحاس بأنه «يُسبَك بسرعة» (جابر بن حيان، كتاب السبعين، ص١٩٣.)

أبو الفتح الخازني (القرن ٦ﻫ/١٢م)

سعى الخازني في كتابه (ميزان الحكمة) للحصول على أعلى دِقَّةٍ ممكنة في قياس أوزان الأشياء، وقد سعى أيضًا لقياس الثقل النوعي الذي يميِّز كل مادة عن أخرى. ويُمكِن النظر إلى الجدول الآتي لمعرفة قيمة كثافة الماء الحار والجمَد (الجليد) مقارنةً بالقيم الحديثة:٩٣
اسم المادة قيمة الثقل النوعي لها المحسوبة بأجهزة الخازني قيمة الثقل النوعي لها المحسوبة بأجهزة الخازني (بعد تقسيمها على قيمة الماء العذب الزلال والتي تساوي ١٢٠٠) قيمة الثقل النوعي لها المحسوبة بالأجهزة الحديثة* مقدار الفرق بينهما تعليق
الماء الحار (المغلي) ١١٥٠ ٠٫٩٥٨ ٠٫٩٦٠ ٠٫٠٠٢ الخازني أقل
الجمد (الجليد) ١١٥٨ ٠٫٩٦٥ ٠٫٩١٦-٠٫٩٢٧ −٠٫٠٤٩ حتى −٠٫٠٣٨ الخازني أعلى
بول الناس الحار ١٢٢٢ ١٫٠١٨ ١٫٠١١ ٠٫٠٠٧ الخازني أعلى
بول الناس البارد ١٢٣٠ ١٫٠٢٥ ١٫٠١١ ٠٫٠١٤ الخازني أعلى
يقول الباحث جميعان إنَّ القيم الحديثة هذه مأخوذة في ألمانيا وفرنسا.
وقد لاحظ الخازني أنَّ درجة حرارة الماء ونوعيته والفصل تؤثِّر على قيمة النتيجة التي نحصُل عليها، فيقول: إن «الزنة الهوائية لا تختلف اختلافًا ظاهرًا، وإن كان لا يخلو منه بسبب اختلاف الأهوية، وأما زنته المائية فيظهر فيه تفاوت باختلاف مياه البقاع والآبار[و] المستنقعات في اللطافة والكثافة، وما يعرض فيه من اختلاف الفصول والمنابع، فيُختار من المياه ماء بقعةٍ معينة وبلدٍ معروف، وتُرصد زنته المائية، ونعلم ما يخص منها لزنة مائة مثقال وننسب العمل إليه ونحفظه وقت الحاجة إليها إن شاء الله. [و] يجبُ أن يُعمل في الشتاء بالماء الفاتر دون البارد جدًّا لخثورته ومعاوقته الثقل فيخرج زنته المائية أقل مما يُوجَد في الصيف. ولهذه العلة أيضًا يرسب فنجانة الماء فيه، إذا كان الماء صادق البرد بطيئًا، وإذا كان حارًّا مُسرعًا وفيما بينهما لا ترسيب [كما] إذا كان فاترًا، ولهذا أثرٌ بيِّن في الشتاء والصيف، فنحفظ هذه الأشياء. وأبو الريحان رحمه [الله] رصد الفلزات والجواهر بزنتها المائية بجرجانية خوارزم في أوائل فصل الخريف والمياه مُعْتدلة البرد، وأثبتها في رسالته المذكورة.»٩٤
يُعَلِّق الباحث جميعان قائلًا: إنَّ هذه الفقرة تُشير إلى ما وصل إليه العلماء العرب والمسلمون الفيزيائيون من المهارة في معرفة أنَّ للهواء وزنًا، وقد وصلوا لهذه النتيجة بشكلٍ غير مباشر. كما أنهم قاسوا درجة الحرارة للماء ولكن آلة القياس وكيفيتها نجهلها الآن، فربما قاسوها بوساطة الهيدرومتر  Hydrometer٩٥،  ٩٦ الذي استعملوه لقياس كثافة الماء التي هي بنسبةٍ عكسية مع الحرارة.٩٧
ويقول الباحث بولتون Bolton: إنَّ الخازني استعمل الهيدرومتر لقياس الكثافات وتقدير حرارة السوائل.٩٨ للأسف لم نشهد من يُطوِّر هذه المقاييس العملية ليُصار إلى استخدامها في تجاربَ لاحقة، وإنما كان هناك عودة لميزان النار النظري الذي وضعه جابر، مع تطويرٍ طفيف.

هبة الله بن ملكا البغدادي (القرن ٦ﻫ/١٢م)

بغَض النظر عن مصدر الحرارة، فإنَّ أثَرها واحدٌ على الأجسام، فإذا سَخَّنَّا مقدارًا محدَّدًا من الماء بالنار إلى درجةٍ ما، أو «حدٍّ ما» كما يُسمِّيه ابن ملكا، وقمنا بتسخين المِقْدار نفسه بوساطة أشعة الشمس الحَرَاريَّة إلى الدرجة نفسها، فإنَّ الأثرَين يتشابهان لدى قياسهما ذاتيًّا بوساطة حاسة اللمس. وهي الطريقة التي على ما يبدو كان يعتمدها ابن ملكا دون أن يُطوِّرها أو يُقَدِّم مُقترحات لتطويرها.

قال ابن ملكا «نقول في الحرارة النَّارية والشمسية، والحيوانية، والمِزَاجِيَّة، والغريزية نستدل على الاتفاق والاختلاف بعد الاتفاق في الاسم، وما وُضِعَ الاسم بحسبه بدلائل أخرى إن وجدناها، فنقول إنَّ اسم الحرارة يقع على هذه الأصناف بحسب الإدراك والإحساس وتشابُه المحسوس منها عند الحسِّ أو تقارُبه مع اختلافه الظاهر عند الحسِّ بالشدة والضعف، فإن حرارة النار قد تسخِّن الماء فيسخُن إلى حدٍّ ما وتسخِّنه حرارة الشمس مثل تلك السخونة فيتشابه الأثَران عند الحسِّ.»٩٩

ابن رشد (القرن ٦ﻫ/١٢م)

في مقالةٍ مهمة لابن رشد بعنوان «مقالة للشيخ الفقيه القاضي الإمام أبي الوليد في المزاج رضي الله عنه» يردُّ فيها على جالينوس نقدًا وتصحيحًا لأفكاره في مجال تركيب الأمزجة المختلفة (الرطب واليابس والحار والبارد)، ليس بطريقةٍ استدلالية وحسب، بل يدعم قولَه بالتجربة البسيطة الشائعة؛ إذْ نراه يقول في مجال تعديل الحرارة بالبرودة: «بذلك نرى الصناعة في ذلك تشبه الطبيعة، فإنَّ أكثر الصنائع التي تستعمل الحار وتستعمل البارد إثْرَ استعمال الحار كصناعة الحدادة، وصناعة الطبخ، وكثير من الصنائع، حتى إن الأطباء يأمرون في ذلك بدخول الحمام على أن ينغمس العليل في الماء البارد بعد انغماسه في الماء الحارِّ وقعوده في الهواء الحار … ولنَزِد هذا وضوحًا فنفرض جسمَين أحدهما حارٌّ والآخر بارد اختلطا على السواء حتى صارا إلى صورةٍ متوسِّطة بينهما على السواء، مثل أن يكون أحدهما في درجة من الحرارة والآخر في درجةٍ مثلها من البرودة، فانحطَّ كل واحدٍ منهما إلى نصف درجته بفعل ضده فيه، فنقول: إنه ليس يأتي عنهما موجودٌ واحد متوسط.»١٠٠ ويقصد بذلك أنَّه لا يشترط تساوي مقداري كمية الحرارة في الأمزجة أن يكون الناتج مُعْتدلًا في درجة حرارته. وهو المعنى الذي كان يؤكِّد عليه جالينوس سابقًا.

أيدمر الجلدكي (القرن ٨ﻫ/١٤م)

حاول الجلدكي أن يُعَمِّم مَفاهيم ومبادئ علم الميزان وميزان النَّار على كافة أرجاء الكون، فكل كبيرة وصغيرة محكومة لميزانٍ دقيق في وجودها. وقد وجد أن الهندسة الرياضياتية تقوم بدورٍ مُهِم، وهو أنَّ لها قدرةً على تعديل هذه الموازين، يقول في ذلك: «وقد اتفق الحُكماء على أن أصل العلوم الرياضية [هو] علم العدد والحساب ثم علم الهندسة؛ لأنَّ الموازين كلها لا تُعدَّل إلا بالهندسة.»١٠١
ثم يُحاول أن يضبط موازين كُرات العناصر الطبيعية مُستخدمًا وحدة الدرجات الزاوية بشكلٍ صريح، فيقول:
  • «اعلم أن الميزان الطبيعي لفلك النار ٣٦٠ درجة منها ٢٧٠ درجة حرارة و٩٠ درجة يبوسة.

  • وميزان كرة الهواء ٣٦٠ درجة منها ٩٠ درجة حرارة و٢٧٠ درجة رطوبة.

  • وميزان كرة الماء ٣٦٠ درجة منها ٩٠ درجة برودة و٢٧٠ درجة رطوبة.

  • وميزان كرة الأرض ٣٦٠ درجة منها ٩٠ درجة برودة و٢٧٠ درجة يبوسة.»١٠٢
بعدها يُصنِّف الجلدكي الحرارة (أو النار كما يُسمِّيها) إلى سبع طبقات، على غرارِ ما فعل المجريطي، لكنه كان أكثر تفصيلًا في الأمثلة المقابلة لكل طبقة:١٠٣
  • (١)

    الأولى: نارٌ باردة، حيث يظهر لها أثَرٌ ما مع وجود البرودة فيها.

  • (٢)
    الثانية: نارٌ فاترة، وهي مثل ماء العفن في الحمى العفينة الرقية ونار التعفين١٠٤ التي تُستخدَم في الكيمياء.
  • (٣)

    الثالثة: نارٌ خامدة، مثل النار التي في الأحجار والصوَّان؛ فهي كامنة ولا تظهر إلا بالقدْح والحركة.

  • (٤)

    الرابعة: نارٌ حارة؛ مثل حرارة الشمس والنار الرمضاء وحرارة الحمَّام.

  • (٥)

    الخامسة: نارٌ حامية، مثل نار الطبخ بالحطَب ونار التقطير.

  • (٦)
    السادسة: نارٌ شديدة، مثل نار الحطب بالأفلاق١٠٥ الكبيرة أو نار التصعيد.
  • (٧)

    السابعة: نارٌ مسعَّرة متوقِّدة، مثل النار الهائجة كالكور أو نار الصاعقة القوية.

أعطى الجلدكي أيضًا لكل طبقةٍ من هذه الطبقات درجة زاوية، وهو يُعادِل بشكلٍ عشري الرقم ٥١٫٤٢٨٥٧١٤٢٨٥٧١٤٣ = ٣٦٠ / ٧

أي قسَّم ٣٦٠ درجة على سبعِ طبقاتٍ فنتَج لديه هذا العدد الذي تأخذه الطبقة الواحدة.

وقد أعطى سبعة أحرف للطبقات السبع السابقة هي:١٠٦ أ ﻫ ط م ف ش ذ.
  • حيث تأخذ طبقة النار السابعة الموقَدة المسعَّرة الحرف (أ = ١).

  • والسادسة تأخذ حرف (ﻫ = ٥ = ٤ + ١).

  • والخامسة تأخذ حرف (ط = ٩ = ٤ + ٥).

  • والرَّابعة تأخذ حرف (م = ٤٠ = ٤ × ١٠).

  • والثالثة تأخذ حرف (ف = ٨٠ = ٤ × ٢٠).

  • والثانية تأخذ حرف (ش = ٣٠٠ = ٤ × ٧٥).

  • والأولى تأخذ حرف (ذ = ٧٠٠ = ٤ × ١٧٥).

وهي تقسيمات المجريطي نفسها لدى المُقارنة معها. وكما نُلاحظ أنَّ القيم تبدأ من (١) وحتى (٧٠٠)، لكنه لا يفسِّر لنا سبب اختيار هذه الأرقام دون غيرها؛ أي لماذا لم يختَر الأرقام ضمن المجال [١–٧] بشكلٍ مرتب، وإنما اختارها بهذا الترتيب، إلا بشكلٍ متأخر عن وصفه لها؛ إذْ يقول في الجزء الرابع: «اعلم أيها الأخ أن موضوع علم الميزان متعلق بالبحث عن كل ما يتعلق بالنسب، والإضافات، والكم، والكيف، والأحوال، والانفعالات، ومراتب الصنائع، والأعمال، والإحالات، والاستحالات في سائر المولدات الثلاث. واعلم أنَّ أول موضوعات هذا العلم بالموازين متعلِّق بالعلوم الرياضية وهو علم العدد والحساب الموضوع على الصحة والصدق من غير اختلال، وهو أول مظاهر أسرار علم الميزان. وقد قلنا غير ما مرة إنه ما سُمي الميزان ميزانًا إلا لقصد الاستقامة والتعديل والتسوية.»١٠٧
ثم يُحاوِل أن يفسِّر سبب البدء بالرقم (١) فيقول: «إن أول ما وُضِع من علم الحساب إطلاق اللفظ على الواحد، وهذا اللفظ هو قسم من أقسام الميزان المعنوي؛ فإنه قد يُطلَق ويُراد به معنى الوحدة على الإطلاق.»١٠٨ أي إنَّ الزمان واحد والعقل الأول واحد والنفس الكلية واحدة، وهكذا.

أمَّا الرَّقم (٥) فقد وُضِع على الكواكب المُتحيِّرة الخمسة والحواس الظاهرة الخمسة والأصابع الخمس وهكذا.

والرَّقم (٩) هو نهاية مراتب الآحاد، وفيه إشارة إلى الفلك التاسع المحدِّد للجهات.

أمَّا الرقم (٧) المتعلِّق بعدد طبقات النار فهو مبني على أساس الصفة المقدسة؛ فالسموات سبع والأراضين سبع والكواكب سبعة والألوان سبعة، والأجساد (أي المعادن) سبعة في عهده.

لكن بتحليلٍ أدق، سنجد أن الأرقام السابقة إما مجموع (٤) مع رقمٍ آخر أو جداء (٤) برقمٍ آخر، ورقم (٤) يُشير إلى الكيفيات الأربع الموجودة في كل مادة.

تنبه الجلدكي إلى أن «الحرارة المُفرِطة لا تدخُل في هذا التقسيم ولا البرودة المُفرِطة؛ لأنَّ ميزان الحرارة المفرطة لا يُحدُّ بهذه الحدود، وكذلك البرودة المفرطة لا تُحدُّ بهذه الحدود؛ لأنهما علَّتان للفسادِ المحضِ في القوة والفعل، وإنما هذه الحدود على الحرارة والبرودة المُتوسِّطة لوجود التركيب بالقبول.»١٠٩ وذلك لأنَّ طريقة ميزان النار نظرية وهي محدودة بقيمٍ محدَّدة لا يمكن أن تتجاوزها في القياس. وسنجد لاحقًا، أنه حتى العلماء الأوروبيين لم يستطيعوا استخدام موازين الحرارة الأولى لقياس درجات الحرارة المُفرِطة على جانبَي الطيف الحراري، وكان عليهم الانتظار حتى يتم اختراع البيرومتر Pyrometer لقياس درجات الحرارة المرتفعة، وطريقة اللورد كلفن في القرن ١٩م النظرية لقياس درجة البرودة المُطلَقة.
وقد قَدَّم لنا الجلدكي وصفه للميزان النظري الذي وضعه فقال: «واعلم أن لكل ميزان من هذه الموازين عمودًا موضوعًا على سطح الهواء محمولًا به معلَّقًا من الوسط على نسبة السواء بالحامل ورأسه ولسانه مركَّب على الوسط بين حاوٍ ومحوي؛ فالحاوي هو الفلك، والمحوي هو اللسان، واللسان له نسبة الوقوف في الوسط والعلائق والكفَّتان موضوعة في التركيب من الجانبَين على السوية بحيث لا ترجح الكفة عن الأخرى بمثقال ذرة أبدًا، وعلى كلٍّ من أجزاء الميزان يَمنة ويَسرة على القلب واللسان والجناحَين والعلائق والكفَّات نسبٌ موضوعة وأعدادٌ معلومة، وتارةً تكون الأعداد متقابلة على السواء وتارةً تكون متماثلة.»١١٠ فالميزان وإن كان يشبه بشكله الميزانَ الوزني إلا أن ما يقيسه كل واحدٍ منهما يختلف عن الآخر، ثم يوضِّح الفرق بين الميزان النظري الذي يعتمد على الرياضيات، والفكر المجرد، والميزان الوزني بقوله: «واعلم أنَّ علم جميع الميزان راجع إلى علم العدد والحساب. وقلنا إنما سُمي الميزان ميزانًا إلا لمعنى القصد في الاستقامة والتعديل والتسوية الراجعة للعدل الذي هو القسطاس المستقيم. إن من علم الميزان ما هو ظاهر للحِس مُشاهَد بالبصر معلومٌ في الوضع وهو المتعلق بميزان الكَمِّ التي غايتها معرفة الأرطال والأواق والدراهم والمثاقيل بالصنج المعلومة الأوزان المفردة. وأما الموازين المعنوية المعتبرة في الكيف فلها أمثلةٌ ظاهرة للحِس وتُشابِه في أعدادها موازين الكم، ولها أمثلةٌ باطنة لا تُدرَك إلا بالعقل وبالتمييز والتصريف.»١١١ ثم يُدلِّل على صحة كلامه بالمثال الآتي: «والمثال في ذلك أن تعلم أن النار والهواء مخفيَّان عن البصَر معلومان بالأثَر، والنار في غاية الخفَّة ولا وزن لها في الكمِّ الجسماني، وإنما ظهر آثار موازينها في الكيف العقلي وهو طبع الحرارة مطلقًا، وكذلك البرودة كيفيةٌ مطلقة بموجب وجود البرد الحسي الفاعلي، وموازينها بالعقل والمعنى مُدرَكة معلومة بالقوة والفعل الحقيقي.»١١٢
إذن نفهم من المثال الذي طَرحَه الجلدكي السبب الذي دعا الكيميائيين العرب لاعتماد ميزان حرارة للكيفيات؛ فنحن لا نرى النار بالبصَر وإنما نعلمها بالأثَر، لكن الجلدكي لا يتفق مع جابر بأنَّ للحرارة وزنًا؛ فهي في منتهى الخفة لذلك كان لا بد من الاستعانة بالتصوُّر الذهني في تقديرها ومعرفة درجاتها «واعلم أنَّ المُدرَك من ميزان الحرارة كيفية التسخين والحر مطلقًا، وهو على مراتبَ ودرجاتٍ قد ذكَرناها مفصَّلة في ميزان العنصر الناري ومراتبه، والمُدرَك من كيفية البرودة ميزان التبريد والبرد مُطلقًا وله مراتبُ ودرجات.»١١٣
لكنه يُؤكِّد على ما دَرَج عليه السَّابقون بأنَّ النار هي اجتماع كيفية الحرارة مع كيفية اليبوسة في المادة «والماهيات التي من شأنها ظهور اليبس والخشونة في سائر الأجسام، فإن أفرطَت الحرارة أحرقَت وميزان الحرارة المُحرِقة قدَّمنا ذِكْره في ميزان النار، وإنْ أفرطَت البرودة أجمدَت، وإنْ أفرطت الرطوبة ليَّنَت، وحلَّلَت وإن أفرطَت اليبوسة يبَّسَت وحجَّرَت وجفَّفَت، وإن قارنَت الحرارة اليبوسة استحالت نارًا، وإن امتزجَت الحرارة بالرُّطوبة استحالت هواء، وإن امتزجَت الرطوبة بالبرودة استحالت ماءً، وإنْ سرت البرودة في اليبوسة استحالت أرضًا أو جمادًا أو صخرًا أو مدادًا بإذن الله تعالى.»١١٤
وقد كشَف لنا الجلدكي عن الطريقة التي يستخدمها الكيميائيون العرب من أجل ضبط كمية الحرارة الخارجية التي ينصهر عندها المعدن وهي (عدد النفخات لكل درهم)؛ أي كانوا يَزِنون المادة بوحدة الدرهم، ثم يقومون بالنفخ عليها بوساطة الكير بعددٍ محدد من النفخات، يقول الجلدكي: «واعلم أنَّ الأدهان المُستخرجة من القرون والحوافر بالتقطير من أغرب الأشياء أو أعجبها في تدبير الحديد بمُجرد اللطخ والحمي وتكرار العمل إلى أن يُبخَّر في الحمي فيُذاب حينئذٍ ويُطاعم من البواريق المُدبِّرة للبياض، فإنه يذوب ويجري ويخرج من توباله١١٥ بتكرار العمل إلى أن يصير كالفضة بياضًا، ويكون دورانه في عدة النفخات في أسرعَ من دوران الفضة مع أن ميزان دوران المثقال منه في عدة ٤٠٠ نفخة، وأمَّا ذوَّاب الفضة الحجر فالمثقال يذوب في عدة ٨٠ نفخة إذا كانت الفضة مسخَّرة فيذوب المثقال في ٧٠ نفخة، فيحتاج الحديد إلى أقراط في التليين حتى يذوب المثقال في ٧٠ نفخة».١١٦
هذه الطريقة سيعود ويُشير إليها مؤلِّف كتاب «التحولات المرغوبة، أو عن النفي والإيجاب في تصحيح الحكمة» المجهول حيث قال: «وأمَّا ميزان إذابة القلعي لكل درهم بالكور والنفخ عشرة من العدد؛ أي النفخات، وإن كان القلعي المُذاب أوقية فيكون له ميزان الإذابة على حساب ما تقدَّم في الدرهم من غير زيادة فافهم، وهو المُعتمد عليه وهو المكتوم الذي لا يُباح إلا لمستحقه. وأما الأسرب فميزانه زايد عن إذابة القلعي بمقدار خمس نفخات لكل درهم، وتعرف فيه أيضًا الدرجات كما علَّمناك في القلعي، فاعلم ذلك وتنبَّه ترشُد، والله الموفِّق للصواب.»١١٧

وهو ما يؤكِّد شيوع وانتشار ونجاح هذه الطريقة التطبيقية في القياس الحراري بين أوساط الكيميائيين العرب، حتى وإن كانت تقريبية.

figure
لا تتم عملية النفخ التي تحدَّث عنها الجلدكي بوساطة الفم، وإنما بوساطة منفاخٍ يدوي جلدي مخصَّص لذلك كما هو موضَّح في الشكل؛ فعند إبعاد المقبضَين عن بعضهما يدخُل إليه الهواء، وعند تقريب المقبضَين من بعضهما يخرج منه الهواء وهذه تُسمَّى بنفخةٍ واحدة. (مصدر الصورة: شكر، جابر، الكيمياء عند العرب، ص٦٤.)

ابن سلوم الحلبي (القرن ١١ﻫ/١٧م)

ينقل لنا ابن سلوم الحلبي (تُوفِّي ١٠٨١ﻫ/١٦٧٠م)، في الفصل الثالث من كتابه (الطب الجديد الكيميائي) ما كان سائدًا في عصر النهضة الأوروبية في القرن السابع عشر من تقسيماتٍ لدرجات الحرارة؛ إذْ كانت تقسَّم إلى أربع درجاتٍ حسب شدة تأثيرها على حاسة اللمس؛ أي حتى ذلك الوقت كان الأوروبيون يعتمدون المنهج الذاتي في قياس الحرارة، الذي يأخذه البعض ذريعةً لعدم إسهام العرب في علم الحرارة. وقد أخذ ابن سلوم الحلبي هذه التقسيمات عن دانييل سنرت D. Sennert١١٨ (١٥٧٢–١٦٣٧م).

قال ابن سلوم: «اعلم أن درجات النار أربع:

  • الأولى: نار الحضانة، وهي حرارةٌ يمكن لمسها باليد.

  • الثانية: حرارةٌ أشد منها بقليل، بحيث ينفر عنها اللامس.

  • الثالثة: حرارةٌ مُحرقة.

  • الرابعة: حرارةُ النارِ نفسها.

ولكل واحدة من هذه الدرجات غرض، مثال ذلك أن الحرارة الرابعة تسخن أولًا وتحل الجسم ثانيًا، وتفرق ثالثًا. وبعضهم يمثِّل لذلك مثالًا فالدرجة الأولى من الحرارة بالحمَّام، والدرجة الثانية بالرماد، والدرجة الثالثة بالرمل أو برادة الحديد والرابعة بالنار نفسها. ويُمكِن نقل الأولى إلى الثانية، والثانية إلى الأولى، واستعمال هذه الدرجات بحسب المادة؛ فإن النبات تكفيه الدرجة الأولى والثانية مثلًا. والمعدن يحتاج إلى الدرجة الثالثة والرابعة. وفي كل عملٍ تُوجد هذه المراتب: فإن في التقطير يسخن أولًا، ثم يغلي ثم يدخن ويحترق، ثم تلبسه النار حتى يصير لونُه لونَ النار.»١١٩
ثم يحدِّثنا عن طريقة مُعالجة الأدوية بوساطة النار «ثم نقول: من الأدوية ما يُوضَع نفسه على النار من غير واسطة الإناء، ومنه ما يُحاط بالنار، من غير مُباشرة النَّار لجِرْمه. ومنه ما يكون تدبيره بأن تعلوه النار، كنار الزجاجين، ويُقال لها النار المعكوسة. ومنها نار الحمَّام اليابس، ومنها حمَّام مارية، ومنها الحمَّام البخاري، وهذا هو المشهور. ولهم أيضًا أشياءُ أخرى لا يُحتاج إلى ذِكْرها ها هنا ولا تخفَى على من له دُربة بهذه الصناعة. ولهذه الأعمال آلاتٌ مخصوصة؛ كأنواع الأنابيق، والقرعات، والأفلاطوني ونصف القرعة للتقطير والبوادق والمغرفات والفياشات١٢٠ للإذابة والحرق والتكليس».١٢١،  ١٢٢ وهذا يؤكِّد أنه حتى عصر ابن سلوم في القرن ١٧م لم يستقر مفهوم قياس الحرارة وصناعة مقاييس الحرارة وَفْق المفهوم الحديث.

مؤلِّفٌ مجهول (القرن؟)

في ملحق على كتاب «المكتسب في زراعة الذهب» لأبي القاسم محمد بن أحمد العراقي السماوي المعروف بخروز شاه السيماوي (تُوفِّي ٥٨٠ﻫ/١١٤٨م) وهو أحد أتباع جابر بن حيان، يُعلِّق مؤلِّفٌ مجهول موضحًا ما أخفاه المؤلِّف عن القارئ، وهذا ما كان يفعله الكيميائيون فعلًا؛ كون المؤلِّف يعتبر أنَّ القارئ كيميائيٌّ محترف يعرف بالعمليات الحرارية التي يجب أن يقوم بها لدى معالجته المواد، والتوضيح الذي قَدَّمه ذلك المؤلِّف المجهول أنَّ الممارس يحتاج معرفة ثلاثةِ مستوياتٍ من المعالجة الحرارية ودرجات كلٍّ منها؛ الحرارة الضعيفة والحرارة المتوسطة والحرارة الزائدة، وكل نوعٍ من الحرارة يخُص معالجة موادَّ خاصَّة؛ لأنَّ أساسَ عمل الكيميائيين هو التحكُّم بالنَّار المُسلَّطة على المواد ومعرفة درجاتها، وهي تنقسم إلى خمسة أقسام:
  • نار التعفين: وهي معلومة بميزان حضان الطير، مثل درجة حرارة الدجاج أثناء حضنه للبيض ومُشابهة لحرارة شمس الشتاء في مبادئ النهار.

  • نار التقطير: وهي تزيد على نار التعفين بالتدريج اليسير مثل حرارة الشمس أثناء الربيع أو الخريف أو مثل حرارة الحمَّام اللطيفة.

  • نار التشميع: وهي النار التي لها حرارة الجمر والرماد الحار.

  • نار التكليس: وهي النار العادية أو مثل نار الفرن.

  • نار السبك: وهي النار النافخة الشديدة التي تُذوِّب المعدن وهي التي أسماها المجريطي بنارِ سقر.

قال ذلك المؤلف: «ومما كتمه رحمه الله ميزان النار من أول العمل إلى تمام الانحلال، لكن الحكيم يكتفي بالعلامات الظاهرة في كل درجة ويعلم مقدار النار الضعيفة والمتوسطة والزائدة وعلامة كل واحدةٍ منها ومقدار نار التعفين في كل الدرجات، وإلى أي حدٍ في كل الدرجات وإلى أي حدٍّ تصل، فإذا هي زادت ونقصَت، وكذلك نار التفصيل وتقطير الماء، وكذلك نار استخلاص النفس كلها في الماء، ويعلم الحكيم العارف أن نار التعفين ضعيفة وأن نار التفصيل زيادة عن نار التعفين بمقدار ما يُصعِّد اللطيف وينحدر من ذات الأنبوب إلى القابلة؛١٢٣ فنهاية ما تصل إليه نار التعفين ألا يصعد البخار ولا يتعدَّى نصف الإناء، وأوَّل نار التقطير أن يصعَد البخار ويعلو إلى أعلى الإناء وينحدر راجعًا في ذات الأنبوب، أو من العمياء١٢٤ إلى الدواء ثانيًا، وموجب انحدار برودة أعلى الإناء وأوسط نار التقطير أن يحمى رأس الإناء حموًا يسيرًا. واعلم أن صعود الماء أسرعُ من صعود الدهن، وأن الدهن لا يصعد إلى القابلة ويقطر إلا بنارٍ هي أقوى من نار تقطير الماء، ومتى اشتدَّت تشيَّط الدهن وجَمدَ في أعلى الإناء. ولهذه الدرجات نيرانٌ معروفة، فإذا أراد الحكماء اشتدادها فعلوا ذلك لموجبٍ يظهر لهم، وإذا أرادوا إضعافها فعلوا ذلك لموجباتٍ أُخر نذكُرها من التعليم على القياس الأوسط، ويجوز للعارف أن ينقص من ذلك أو يزيد بحسب ما يراه إذا كان مجتهدًا عارفًا بالقياس، فافهم.»١٢٥
١  البعلبكي، منير، قاموس المورد، ط٢٣، دار العلم للملايين، بيروت، ١٩٨٩م، ص٩٤٦.
٢  الموسوعة العربية العالمية، مدخل «العلوم عند العرب والمسلمين»، الرياض، ٢٠٠٤م.
٣  ابن فارس، أحمد بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين، معجم مقاييس اللغة، ج٢، ص٢٧٥.
٤  مسكويه، رسالة في النفس والعقل، ص٦٩–٧٠.
٥  الأحمد نكري، عبد النبي بن عبد الرسول، ج٤، ص٦١.
٦  كارناب، رودلف، الأسس الفلسفية للفيزياء، ترجمة: السيد نفادي، ط١، دار التنوير، بيروت، ١٩٩٣م، ص٧٥.
٧  ريشا، معن، العلاج الفيزيائي في المنزل، ط١، منشورات جروس برس، طرابلس، ١٩٩١م، ص١٩–٢٠.
٨  شقرا، جورج، تحقيق ودراسة مخطوط السر الرَّباني في علم الميزان للإزنيقي، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة حلب، حلب، ٢٠١٠م، ص٩.
٩  Frisinger, H. Howard, A History of Meteorology: to 1800, American Meteorology Society, New York, 1977. p. 47.
١٠  نشير هنا إلى أنه لا علاقة لعمل جابر بن حيان بعقيدة «فرقة الحروفية» التي تقول إن أصل كلام الله ٢٨ حرفًا، وإن منها ١٣ مفردة هي: الحروف المُقَطَّعة في القرآن، وفيها خمس نقط. وحروف «الفاء والدال والنون والصاد والألف» تزيد في نقطها مفردة ثلاثة أحروف هي: «اللام والنون والفاء» لتكون سبعة عشر حرفًا ويبقى من الجميع أحد عشر. انظر: القحطاني، طارق بن سعيد، أسرار الحروف وحساب الجمل، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة أم القرى، كلية الدعوة وأصول الدين، ٢٠٠٩م، ص٢٠٣.
١١  بربوتي، محمود مهدي، المنهج البحثي لدى الكيميائيين العرب الأوائل، مجلة المجمع العلمي في بغداد، العدد ٢، المجلد ٥٢، بغداد، ٢٠٠٥م، ص٣٩.
١٢  سزكين، فؤاد، تاريخ التراث العربي (السيمياء والكيمياء والنَّبات والفلاحة)، ج٤، ترجمة: عبد الله حجازي، جامعة الملك سعود، الرياض، ١٩٨٦م، ص١٦–١٧.
١٣  يُذكِّرُنا هذا التوجُّه العلمي النَّاضج والمُبكر بما يفعله عُلماء الهندسة الوراثية والكيمياء الحيوية اليوم، وهذه نظرةٌ ثاقبة وتسبق عصر جابر بألف سنة. كما أنه يُفسِّر لنا المعارضةَ الشديدةَ التي لقِيَها العاملون العرب والمسلمون بالكيمياء من قِبَل رجال الدِّين والفِكْر.
١٤  الأجسام أو الأجساد: وهي المَعَادن السَّبعة (الفِضَّة والذَّهب والنحاس والحديد والأسرب والرصاص والخارصين أو الزنك) التي تثبُت عند معالجتها بالنار، وتمتاز بأنها مُنطَرِقة. عن: بربوتي، محمود مهدي، المنهج البحثي لدى الكيميائيين العرب الأوائل، ص٤٤.
١٥  الأحجار: هي الموادُّ المُرَكَّبة من أكثر من مادة، مثل التوتياء (أكسيد الخارصين)، والمرقشيتا (البيريت)، واللازورد (كربونات النحاس القاعدية)، والدهنتج (الملاخيت)، والفيروزج (فوسفات الألمنيوم القاعدية المتحدة بالنحاس). عن: الموسوعة العربية العالمية، مدخل «العلوم عند العرب والمسلمين»، مؤسسة أعمال الموسوعة، الرياض، ٢٠٠٤م.
١٦  هي الموادُّ غير الثابتة في النَّار؛ أي التي تتطاير أو تتسامى لدى تعرُّضها للحرارة، مثل الزاج الأزرق والأسود والشب والنشادر والكبريت والزئبق والزرنيخ. عن: بربوتي، محمود مهدي، المنهج البحثي لدى الكيميائيين العرب الأوائل، ص٤٤.
١٧  جابر بن حيان، مختارات رسائل جابر بن حيان، كتاب الأحجار على رأي بليناس، ج٤، ص١٨٢.
١٨  بدوي، عبد الرحمن، تاريخ الإلحاد في الإسلام، ط٢، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ١٩٨٠م، ص١٥٩.
١٩  نافعة، حسن، وبوزورث، كليفورد، تراث الإسلام، ترجمة: حسين مؤنس وإحسان العمد، ج٢، سلسلة عالم المعرفة ١٢، تصدُر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ١٩٧٨م، الكويت، ص١٤٣.
٢٠  يقصد سيده ومُعلمه جعفر الصادق، الإمام السادس الذي يُعتبَر من أوائل الرُّواد في علم الكيمياء حيث تتلمذ عليه جابر بن حيان، كما كان عالم فلَك ومُتكلم وأديب وفيلسوف وطبيب. عن: ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ج١، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، ١٩٠٠م، ص٣٢٧.
٢١  المزيدي، أحمد فريد، رسائل جابر بن حيان (كتاب الملك)، ص٤٩٠–٤٩٢.
٢٢  يرى ابن خلدون أنَّ هذا العلم نشأ عند ظهور غلاة المتصوفة وبدءوا يشطحون، فزعموا أن طبائع الحروف وأسرارها تسري في الأسماء، وهي تسري في الأكوان وَفْق هذا النظام. عن: مقدمة ابن خلدون، ص٩٣٦.
٢٣  ابن تومرت الأندلسي، جمال الدين محمد، كنز العلوم والدر المنظوم في حقائق علم الشريعة ودقائق علم الطبيعة، تحقيق: أيمن عبد الجابر البحيري، ط١، دار الآفاق العربية، القاهرة، ١٩٩٩م، ص١٧٣.
٢٤  جابر بن حيان، مختار رسائل جابر بن حيان، ص٤٤٩.
٢٥  المرجع السابق نفسه، ص٤٥٢.
٢٦  المرجع السابق نفسه، ص٤٥٢.
٢٧  المزيدي، أحمد فريد، رسائل جابر بن حيان (رسالة الحدود)، ص١١.
٢٨  المرجع السابق نفسه، ص١٣.
٢٩  سزكين، فؤاد، تاريخ التراث العربي (السيمياء والكيمياء والنبات والفلاحة)، ج٤، ص٢١٢–٢١٣.
٣٠  العنوان الأصلي للكتاب هو: an inquiry to meaning and truth وهو يُفيد التحقيق في المعنى والحقيقة؛ أي العلاقة بين ما نتكلم وحقيقة الأشياء المادية الملموسة، وليس كما أسبغ المُترجم عليه صبغةً غيبية.
٣١  المزيدي، أحمد فريد، رسائل جابر بن حيان (رسالة الأحجار على رأي بليناس)، ص٣٠.
٣٢  روف، ألبرت، ما هي الحرارة؟ الموسوعة العلمية المُيَسَّرة، مجلد ٣، ج٢، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، ١٩٨٥م، ص٢٣٢.
٣٣  كتاب التصريف، مختار رسائل جابر، ص٣٩٧.
٣٤  محمود، زكي نجيب، جابر بن حيان، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، مكتبة مصر، القاهرة، ١٩٦١م، ص١٢١.
٣٥  المرجع السابق نفسه، ص١٢٢.
٣٦  المرجع السابق نفسه، ص٢٢٠–٢٢١.
٣٧  المرجع السابق نفسه، ص٢٢١.
٣٨  مصدر الجداول: المزيدي، أحمد فريد، رسائل جابر بن حيان (رسالة الأحجار على رأي بليناس)، ج٢، ص٥٥–٥٦.
٣٩  كراوس، بول، كتاب الأحجار على رأي بليناس، ج٢، ص١٦٥.
٤٠  سزكين، فؤاد، تاريخ التراث العربي (السيمياء والكيمياء والنبات والفلاحة)، ج٤، ص٢١٢.
٤١  يرى سزكين أن علم الميزان اتخذ طابعه الرياضياتي بالتدريج في الكتب المتأخرة من كتب الموازين، بحسب ما وصل جابرًا من مصادرَ جديدة، من أمثال كتب سقراط وفرفوريوس المزعومَين، والتي فضَّلها على غيرها. ومما يدلُّ على ذلك تقلُّبه في استعمال الأعداد ١٨ ثم ١٧ ثم ١٤٤ ثم ١١٢. وكان يعتبر أحيانًا أنَّ عدد حروف العربية ٢٩ حرفًا، وقد كان يرى أنه «آن الأوان» لإصلاحٍ جذري فيها. انظر: سزكين، فؤاد، تاريخ التراث العربي (السيمياء والكيمياء والنبات والفلاحة)، ج٤، ص٢٩٨، ٣٠٣.
٤٢  إخوان الصفا، الرسائل، الرسالة ٢، ص١٠٢.
٤٣  ابن رشد، الكليات في الطب، تحقيق: سعيد شيبان وعَمَّار الطالبي، الجزائر، المجلس الأعلى للثقافة بالتعاون مع الاتحاد الدولي للأكاديميات والهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٨٩م، ص٢٩١.
٤٤  سزكين، فؤاد، تاريخ التراث العربي (السيمياء والكيمياء والنبات والفلاحة)، ج٤، ص٢١٠.
٤٥  حقَّقَها بول كراوس على النسخة الموجودة في المكتبة الوطنية بباريس رقم (٥٠٩٦)، الورقة ١١٨و-١٢٨و. تُوجَد نسخ منه في أكاديمية ليدن، هولندا، رقم الحفظ: ١٢٦٣، والمكتبة الآصفية، الهند، حيدر آباد، رقم الحفظ: ٣ / ٥٢٨.
٤٦  جابر بن حيان، مختار رسائل جابر بن حيان، ص٤٢٥.
٤٧  جابر بن حيان، مختار رسائل جابر بن حيان، ص٤٢٦–٤٢٧.
٤٨  المرجع السابق نفسه، ص٤٣٢.
٤٩  جابر بن حيان، مختار رسائل جابر بن حيان، ص٤٣٣.
٥٠  المرجع السابق نفسه، ص٤٣٥.
٥١  المرجع السابق نفسه، ص٤٣٨.
٥٢  محمود، زكي نجيب، جابر بن حيان، ص٢٢٧.
٥٣  بلغ جابر من الدِّقَّة والحرفية في عمليات التقطير حتى قال إنه قطَّر الماء ٧٠٠ مرة، وفي كل مرة كان يضيف إلى المحلول الناتج الأوَّل مادةً جديدة ليرى النتيجة، ويبدو أنه ثمَّة أحدٌ قد اعترض عليه، فردَّ قائلًا: «إن قال قائل: ما يُثار تقطير الماء هذا التقطير الكثير، وما الحاجة إلى ذلك؟ إنه لتعنُّت في الصناعة؟ والجواب: ليطهُر من دنسه. وإن قال: قد يطُهر من دنسه بغير التقطير مثل التصفية (أي الترشيح)، فالجواب: إن التصفية تُبعِد ما يظهَر من أوساخه وأدناسه. فإن قال: ولِمَ ذلك؟ قيل له: إن الأوساخ التي في الماء مُخالِطة لنفس جِرمه، فالتصفية لا تعمل فيه شيئًا البتة.» عن: عفيفي، محمد صادق، التفكير العلمي عند المسلمين، مكتبة الخانجي، القاهرة، ١٩٧٧م، ص١٦٥.
٥٤  عُرف عند العرب بأسماء أخرى مثل: القَلْقَنْد أو القَلْقَنْت أو المَشِيق.
٥٥  شقرا، جورج، تحقيق ودراسة مخطوط السر الرباني في علم الميزان للإزنيقي، ص٣٤٣.
٥٦  دبس، محمد، معجم أكاديميا للمصطلحات العلمية والتقنية، ص١٤٢.
٥٧  الموسوعة العربية، مدخل «الاتحادات الكيمياوية (قوانين-)»، هيئة الموسوعة العربية، دمشق، ج١، ص٢٣٥.
٥٨  بربوتي، محمود مهدي، المنهج البحثي لدى الكيميائيين العرب الأوائل، ص٤٠–٤١.
٥٩  الشكيل، علي جمعان، الكيمياء في الحضارة الإسلامية، ط١، دار الشروق، القاهرة، ١٩٨٩م، ص١٣١.
٦٠  أبو عبد الله الخوارزمي، مفاتيح العلوم، تحقيق: إبراهيم الأبياري، ط٢، دار الكتاب العربي، بيروت، ١٩٨٨م، ص٢٨١.
٦١  ابن الأكفاني، إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد، تحقيق: محمود فاخوري ومحمد كمال وحسين الصديق، ط١، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، ١٩٩٨م، ص٧٢.
٦٢  المرجع السابق نفسه، ص٧٢.
٦٣  جابر بن حيان، مختار رسائل جابر بن حيان، ص٥٣٥.
٦٤  محمود، زكي نجيب، جابر بن حيان، ص١٣٨.
٦٥  في مفاتيح العلوم للخوارزمي يُطلَق اسم «العقاقير» على المواد المعدنية (مثل الذهب والفضة وغيرها)، والأرواح الأربعة (وهي الزئبق والنشادر والكبريت والزرنيخ).
٦٦  سزكين، فؤاد، تاريخ التراث العربي (السيمياء والكيمياء والنبات والفلاحة)، ج٤، ص٣٠٢.
٦٧  نوع من العَرْعَر. شجرته صغيرة القد، يُستخرَج من ثمارها دهن الأَبْهَل وهو دهنٌ طبي يدخل في تركيب عدة علاجاتٍ خارجية جلدية.
٦٨  جنس نباتي من الفصيلة البقولية.
٦٩  صمغ شجرة العنزروت.
٧٠  مختارات رسائل جابر بن حيان، كتاب الأحجار على رأي بليناس، ج١، ص١٤٦–١٥٦.
٧١  هيل، دونالد، العلوم والهندسة في الحضارة الإسلامية، ترجمة: أحمد فؤاد باشا، سلسلة عالم المعرفة ٣٠٥، تصدُر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، يوليو، ٢٠٠٤م، الكويت، ص١١٦.
٧٢  المرجع السابق نفسه، ص٨٨.
٧٣  فيدمان، إيلهارد، دائرة المعارف الإسلامية الإنكليزية، مدخل «الكيمياء»، ج٢، ص١٠١٠. وج٢٨ من الطبعة العربية.
٧٤  الشكيل، علي جمعان، الكيمياء في الحضارة الإسلامية، ص١٥٧.
٧٥  بدوي، عبد الرحمن، تاريخ الإلحاد في الإسلام، ص١٦٠.
٧٦  لوري، بيار، تاريخ المعرفة ومعرفة التَّاريخ عند جابر بن حيان، مقال منشور في موقع: http://www.maaber.org.
٧٧  مخطوطة كتاب الأوزان في علم الميزان، للمجريطي، نسخة مكتبة الميكروفيلم في معهد التراث العلمي العربي، جامعة حلب، رقم (١٠ / ٣٥١).
٧٨  انظر: معجم ألفاظ العقيدة، تصنيف أبي عبد الله عامر عبد الله فالح، ط١، مكتبة العبيكان، الرياض، ١٩٩٧م، ص١٢٩.
٧٩  الشكيل، علي جمعان، الكيمياء في الحضارة الإسلامية، ص٧٦.
٨٠  Briffault, Robert, The Making of Humanity, 1ed, London: George Allen & Unwind LTD. Ruskin, House, 40, Museum Street W.C. I, 1919, p. 191.
٨١  فيدمان، إيلهارد، بحث ضمن مجموعة مقالات في تاريخ العلوم العربية والإسلامية، جمع وإعداد: دوروتيه جيركه وديتر بيشوف، معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية، مجلد١، جامعة فرانكفورت، فرانكفورت، ١٩٨٤م، حيث عنوان البحث: Wiedemann, Eilhard, Arabische specifische Gewichtsbestimmungen, 1883, p. 31.
٨٢  الكثافة النسبية Relative density أو الوزن النوعي هي صفةٌ فيزيائية للأجسام تُعبر عن العلاقة بين كتلتها الحجمية والكتلة الحجمية للماء الخالص الذي درجة حرارته ٣٫٩٨° مئوية (ويُستخدم الهواء بالنسبة للغازات).
٨٣  أمين، حسين، البيروني عالم ساهم في تقديم العلوم، مجلة المؤرخ العربي، العدد ١، تصدر عن الأمانة العامة لاتحاد المؤرخين العرب، بغداد، ١٩٧٥م، ص١٤.
٨٤  الخازني، ميزان الحكمة، حققه وعلق عليه: فؤاد جميعان، شركة فن الطباعة، القاهرة، ص٩٥.
٨٥  المرجع السابق نفسه، ص٩٦–٩٧.
٨٦  الطغرائي، مؤيد الدين، مخطوطة مفاتيح الرحمة وأسرار الحكمة، ج١، مكتبة الكونغرس، CALL NUMBERS (LC Class No.): QD25.T847 1700z، ص٥٣ظ.
٨٧  المرجع السابق نفسه، ج١، ص٥٣ظ.
٨٨  المرجع السابق نفسه، ج١، اعتبارًا من الصفحة ٦٩و، وما بعدها.
٨٩  الطغرائي، مخطوطة مفاتيح الرَّحمة وأسرار الحكمة، ج١، ص٩٤و-٩٤ظ.
٩٠  المرجع السابق نفسه، ج٢، ص٢٧و.
٩١  الطغرائي، مخطوطة مفاتيح الرحمة وأسرار الحكمة، ج٢، ص٢٧ظ–٢٨و.
٩٢  جابر بن حيان، كتاب الأحجار على رأي بليناس، ج٢، ص١٧٢.
٩٣  مصدر الجدول: ميزان الحكمة، الخازني، ص١٠٠.
٩٤  الخازني، ميزان الحكمة، ص١١٤.
٩٥  نودَّ التنبيه إلى أن المُحقِّق في كل كتاب الخازني يستخدم مصطلح (الأريوميتر areometer) بدلًا من استخدام كلمة (الهيدرومتر) ويقصد بها الاسم الآخر للهيدرومتر، وليس (الأيرومتر airometer) لأنه شتانَ بين الجهازَين؛ فالهيدرومتر أو المسيل أو المكثاف أو مقياس الثقل النوعي للسوائل أو مقياس كثافة السائل هو جهاز لقياس كثافة السوائل، والأساس العلمي له هو طفو الجسم الصلب على سطحٍ سائل. أمَّا (الأيرومتر) أو المرياح فهو جهاز لقياس سرعة الرياح. وما قام بصنعه الخازن هو الهيدرومتر.
٩٦  يُوجد رواية متداولة لا يعرف مصدرها أن هيباشيا الإسكندرية (القرن ٥م) Hypatia of Alexandria قد اخترعَت هيدروسكوبًا hydroscope، وهو السلف الأول للهيدرومتر، بناءً على طلب الأسقف اليوناني سينيسيوس Synesius (القرن ٥م). وكان هيدروسكوب هيباشيًّا يتألَّف من أنبوبٍ أسطواني تتوزع عليه شقوقٌ عمودية تمكِّن من قياس وزن المياه. انظر: http://www.webcitation.org/query?url=http://www.geocities.com/athens/acropolis/5164/synesius.html.
٩٧  ميزان الحكمة، الخازني، ص١١٣–١١٤.
٩٨  المرجع السابق نفسه، ص٧.
٩٩  أبو البركات البغدادي، المعتبر في الحكمة، ج٢، ص١٩٨.
١٠٠  ابن رشد، مقالة للشيخ الفقيه القاضي الإمام أبي الوليد في المزاج رضي الله عنه، مخطوطة موجودة في مكتبة الإسكوريال، رقم ٦٣٢، فهرس Derenbowg.
١٠١  الجلدكي، أيدمر، البرهان في أسرار علم الميزان، ج١، مخطوطة في مكتبة ويلكم، لندن، رقم (29_WMS_Arabic)، ص٩٦.
١٠٢  الجلدكي، أيدمر، البرهان في أسرار علم الميزان، ج١، مخطوطة في مكتبة ويلكم، لندن، رقم (29_WMS_Arabic)، ص٤٤٥.
١٠٣  آل ياسين جعفر، الفارابي في حدوده ورسومه، عالم الكتب، ط١، بيروت، ١٩٨٥م، ص١٥٤.
١٠٤  نار التعفين يُقصَد بها النار القريبة من درجة حرارة الدجاجة عندما تحضن بيوضها، والمعفَّن Rotten putrid «اسم مفعول من التعفين بالفاء وهو عند الأطباء دواءٌ يُفسِد مزاج الروح والرطوبة الأصلية حتى لا يصلح الروح لما أُعدَّت له كالزرنيخ. كذا في بحر الجواهر.» عن: موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، التهانوي، محمد بن علي (المتوفى: بعد ١١٥٨ﻫ)، تقديم وإشراف ومراجعة: د. رفيق العجم، تحقيق: د. علي دحروج، نقل النص الفارسي إلى العربية: د. عبد الله الخالدي، الترجمة الأجنبية: د. جورج زيناني، ط١، ج٢، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، ١٩٩٦م، ص١٥٩٢.
١٠٥  يقصد الشقوق الكبيرة.
١٠٦  الجلدكي، أيدمر، البرهان في أسرار علم الميزان، ج١، مخطوطة في مكتبة ويلكم، لندن، رقم (29_WMS_Arabic)، ص٤٤٦.
١٠٧  الجلدكي، أيدمر، البرهان في أسرار علم الميزان، ج٤، مخطوطة في مكتبة ويلكم، لندن، رقم (201_WMS_Arabic)، ص٢٧١.
١٠٨  المرجع السابق نفسه، ص٢٧١.
١٠٩  المرجع السابق نفسه، ص٢٨١.
١١٠  الجلدكي، أيدمر، البرهان في أسرار علم الميزان، ج٤، مخطوطة في مكتبة ويلكم، لندن، رقم (201_WMS_Arabic)، ص٢٨٨.
١١١  المرجع السابق نفسه، ص٢٨٨–٢٨٩.
١١٢  المرجع السابق نفسه، ص٢٨٨–٢٨٩.
١١٣  المرجع السابق نفسه، ص٢٨٩.
١١٤  الجلدكي، أيدمر، البرهان في أسرار علم الميزان، ج٤، مخطوطة في مكتبة ويلكم، لندن، رقم (201_WMS_Arabic)، ص٢٨٩.
١١٥  ما يتطاير من المعادِن عنْد طرقها.
١١٦  المرجع السابق نفسه، ص١٥٨.
١١٧  مجهول، التحولات المرغوبة، أو عن النفي والإيجاب في تصحيح الحكمة، دار الكتب والوثائق القومية المصرية، مخطوطة رقم (١٣ كيمياء)، ص٢٧و.
١١٨  سنرت طبيبٌ ألماني، ألَّف ونشَر مؤلَّفاتٍ طبية كثيرة كان منها كتابٌ كبير ألَّفه باللاتينية تحت عنوان «القوانين الطبية»، وقد استنَد ابن سلوم على هذا الكتاب فيما نقلَه من نظريات ومفاهيم باراسلسيوس الطبية. عن: الطب الجديد الكيميائي، ابن سلوم الحلبي، تحقيق: كمال شحادة، منشورات جامعة حلب، معهد التراث العلمي العربي، حلب، ١٩٩٧م، ص٢٣–٢٤.
١١٩  الحلبي، ابن سلوم، الطب الجديد الكيميائي، تحقيق: كمال شحادة، منشورات جامعة حلب، معهد التراث العلمي العربي، حلب، ١٩٩٧م، ص٨٧–٨٨.
١٢٠  جمع فياشة وهي القنينة.
١٢١  يشبه التكليس عملية التشوية، إلا أنه في التكليس يتم تسخين المادة تسخينًا مُباشرًا إلى أن تتحوَّل إلى مسحوق.
١٢٢  الحلبي، ابن سلوم، الطب الجديد الكيميائي، ص٨٧–٨٨.
١٢٣  أداةٌ كيميائية عبارة عن حوجلة للتجميع.
١٢٤  أداةٌ كيميائية تُسمَّى المقطرة العمياء وهي بدون أنبوب التفريغ وتُسمَّى أيضًا (الإنبيق الأعمى).
١٢٥  العراقي السيماوي، أبو القاسم، المكتسب في زراعة الذهب، مخطوط محفوظ في مكتبة شستربيتي، أيرلندا، دبلن، مجموع رقم (٣٢٣١) م. ك. مج٢، ص١١٤و-١١٤ظ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤