الفصل الثالث

القياس الحراري عند الأوروبيين

مقدمة

بالنسبة للباحثين الأوروبيين الأوائل لم تكن تُوجد حاجة لتعريف درجة الحرارة. لقد كانوا يعرفون، أو يظنون أنهم يعرفون، ما هي درجة الحرارة عندما كانوا يضعون ميزانَ حرارة في ماءِ بئر، أو تحت إبط رجلٍ يتمتَّع بالصحة، كانوا غير واعين للافتراض الضمني، أو اعتبَروه غير مُهِمٍّ أو واضحٍ بذاته؛ لذلك فإنَّ درجة حرارة مَادَّة القياس، غاز أو زئبق أو كحول، كانت مُساويةً لدرجة حرارة الشيء المُقاس. هذا في الواقع هو الخاصِيَّة المُحَدَّدة لدرجة الحرارة؛ حيث إنَّ حقل درجة الحرارة يكون مُستمرًّا عند سطح ميزان الحرارة؛ لهذا السبب تكون درجة الحرارة قابلة للقياس، مُبسِّطو الحقائق دَعَوا هذا بالقانون الصفري في الترموديناميك؛ لأنه في الوقت عندما أدركوا الحاجة لتعريف درجة الحرارة، كان القانونان الأول والثاني قد سُمِّيا على نحوٍ ثابت سابقًا.١
من الناحية اللغوية، فإنَّ مُصْطلَح درجة الحرارة يُقابل الكلمة الإنكليزية (temperature) وهي، من غير ريب، لاتينية الأصل مأخوذة عن (temperare) وتعني المزج؛ حيث استُعملَت في الغالب عندما تُمزج سوائل لا يمكن فصلُها بعد ذلك عن بعضها، مثل الخمر والماء، وتُسْتَعمل صيغة المبني للمجهول اﻟ “-tur من الزمن الحاضر، وصيغة المفرد للشخص الثالث تَدُلُّ على أن سائلًا ما يجري مزجُه مع آخر.٢ أمَّا مصطلح (Thermometer) فقد كان عالم الرياضيات الفرنسي جين ليورشون J. Leurechon (١٥٩١–١٦٧٠م) أوَّل من أطلَقه على الأدوات التي تقيس كمية الحرارة.٣
وفي المؤتمر الدُّولي الثالث عشر للمَقاييس والأوزان بين عامي (١٩٦٧–١٩٦٨م) سُلبَت درجة الحرارة المطلقة من زخرفتها التزيُّنية الصغيرة «°» للدرجة. ومنذ ذلك الحين نحن نلفظ ونكتب قيم درجة الحرارة بشكلٍ عاديٍ كعدد كبير من الكلفن K بدلًا من «درجات K»، أو k°.٤ أدنى درجات حرارة تمَّ بلوغها في المُختبرات هي Kμ قليلة — أجزاء قليلة من مليون جزء من كلفن واحد — الأعلى يمكن أن تكون −MK10 عشرة مليون كلفن — ويعتقد العلماء أن درجة الحرارة في مركز بعض النجوم تكون مرتفعة حتى ١٠٠ مليون K.٥
لقد اهتمَّ الأوروبيون في القرون الوسطى بالتجربة القائمة على مزج كميتَين متساويتَين من الماء المتساوي الحرارة. كما طرحوا على طاولة البحث كثيرًا العلاقة بين كل نوعية والنوعية المضادة: هل هما من الطبيعة نفسها أم لا؟ وما هو الحد الأقصى والحد الأدنى بالنسبة لكلتا النوعيتَين؟ وهل هما مُتكاملتان أو تخرج إحداهما من الأخرى وفقًا لصيغة من النمط:

ساخن = ١/بارد أو بارد = ١/حار

وقد أحبطَت الفرضية الأخيرة هِمَّة الرياضياتيين لأنَّ الافتراض، المعقول بذاته، والقائم على درجة الصفر حملَهم على النظر إلى مقدار اللانهائية؛٦ أي عندما تكون درجة الحرارة صفرًا، فإنَّه وَفْق قواعد الكسور تقسيم أي عددٍ على صفر سيعطينا قيمةً لا نهائية؛ بمعنًى آخر، تُصبِح قيمة الساخن اللانهائية عندما تكون قيمة البارد صفرًا؛ لأنَّ ١ / ٠ = وهي قيمةٌ غير معيَّنة أو مُحَدَّدة وبالتالي غير قابلة للقياس.
لقد كان الهدف من إدخال الرِّياضيات على الفيزياء هو إرجَاع مقدار الكميات إلى مستوى المقادير القابلة للقياس؛٧ لذلك فإن المرحلة الأوليَّة في تطوير آلية قياس درجة الحرارة التي حدثَت في الجزء الأوَّل من القرن السابع عشر، نجمَت عن التحام ميولَين مُكتملَين؛ أولهما كان الميول نحو التجريد حيث كل سمات الظاهرات محذوفة، تاركة كيونانات مُحَدَّدة رياضياتيًّا. تمامًا مثل مفهوم جاليليو عن «الحركة المجردة» الذي جرَّد كل الظاهرات المُعَقَّدة التي فرضها الاحتكاك، مُرحِّبًا بذلك بولادة الميكانيك الحديث، وكذلك أيضًا فإنَّ مفهوم درجة الحرارة الذي تخلَّى عن الأحاسيس المعقَّدة كافة للحار والبارد، أشار إلى بدايات علم قياس الحرارة الحديث. الميول الثاني كان نحو الاستخدامات الآلية وكان ضروريًّا لإتمام عملية التجريد؛ أي الآلة أو جسم الاختبار كان لزامًا عليه بأن يتم ابتكاره بحيثُ تكون قراءاتُ كميَّته تُحدِّد درجة الحرارة أو البرودة بغَض النظر عن الإحساس.٨
الأفكار الخاطئة النَّاجمة عن المنهج الذاتي (الإحساس الشخصي) بالسخونة والبرودة التي كانت شائعةً في أوروبا، أُقصيَت ببطء في أثناء القرن السابع عشر مع ظهور مبدأ اللامبالاة٩  Indifference principle على يد جاكوب برنولي J. Bernoulli (١٦٥٥–١٧٠٥م) وبيير سيمون لابلاس وغيرهم. وقد تأصَّلَت فيما بعدُ مقاييسُ درجة الحرارة الأولية على مبدأ اللامبالاة؛ فوفقًا لهذا المبدأ، فإنَّ موقع الجسم في سلسلة درجة الحرارة (مقياس الحار والبارد) مستقل أو لا مبالاة به عند اختيار مادَّةٍ مُعيَّنة لمقياس الحرارة وخاصِيَّة أداة قياس الحرارة ودرجة الحرارة الدالة ذات العلاقة الوظيفية بموجب هذه الخاصية.١٠
في البداية بدأَت تظهَر المَقاييس تُدرج من الأعلى بالصفر إلى أسفل ومُقَسَّمة لدرجاتٍ متساوية. العقبة الجديَّة أنه لم يكن يُوجَد مقياسا حرارة متماثلان تمامًا والنتيجة، حتى عندما كانت تُوجد مقاييسُ مدرَّجة، كان يَصْعُب نقل معلوماتٍ موضوعية من مكان إلى آخر. يُسجِّل الباحث ميدلتون مقياسَ حرارة باقيًا صُنع بوساطة جون باتريك J. Patrick (القرن ١٨م) في حوالي عام ١٧٠٠م؛ وهو يُدرَّج من أعلى إلى أسفل بشكلٍ مُتزايد مع الحرارة من ٩٠° إلى ٠° ويضع الصفة الحرارية للدَّرجة المُقابلة، ويبدو أنَّ هذا المقياس يحتفظ ببقايا مقياس جالينوس ذي الدرجات التسع،١١ وهو يدُلُّنا على تأثُّر الأوروبيين (أو رُبَّما تفضيلهم) الأخذ عن اليونانيين أكثر من العرب الذين قدَّموا وسائلَ وأدواتٍ أفضل بكثيرٍ مما قدَّمه اليونانيون (انظر الجدول الآتي):
البرد الشديد ٩٠º الهواء البارد ٥٥º حار ورطب ١٥º
الصقيع (التجمُّد) الشديد ٨٥º الهواء المعتدل ٤٥º حارٌّ جدًّا ٥º
الصقيع القاسي ٧٥º الهواء الدافئ ٣٥º الحر الشديد ٠º
الصقيع ٦٥º حارٌّ ٢٥º
اقتُرحَت الكثير من مقاييس الحرارة، وتمَّ تداولها في القرن الثامن عشر. وقد كانت هذه الفترة تمثِّل ذروة استخدام مبدأ اللامبالاة. مع ذلك، ولسوء الحظ، فإنَّ الشروط الأساسية لإمكانية المقارنة أو إمكانية إعادة الإنتاج لم تكن كافية في الغالب. وهكذا، فقد استخدَم عالِم الأحياء ستيفن هايلز S. Hales (١٦٧٧–١٧٦١م) في تجارب البيت الزجاجي أعلن في عام ١٧٢٧م، مقياس حرارة تُوصَف فيه نقاطٌ ثابتة مثل درجة حرارة الماء الأكثر سخونة من أن تُطيقه اليد. وقد تم تخصيص درجة الحرارة الغامضة هذه بالرقم ٩٠. مجددًا، في عام ١٧٤٢م، وضع جاك ميشيل دو كريست J. M. de Crest مقياسًا واسع الانتشار في سويسرا، اختار نقاطًا ثابتة يُمكِن استخدامها في مقياس حرارة كحولي «عالمي»، وكذلك درجات حرارة غليان الماء وتلك التي في قَبو مرصد باريس، وأشار متباهيًا إلى أنَّ الدرجة الأخيرة تُعتبَر «درجة حرارة الكرة الأرضية»!١٢
figure
مجموعة مقاييس حرارة ذات أشكالٍ مُتعددة تم إنتاجها في القرن ١٩م. (مصدر الصورة: commons.wikimedia.org) وقد قال عالم الكيمياء البريطاني السير همفري دايفي ذات مرة: «إنَّ تصميم أداةٍ جديدة هو أهمُّ الحوافز إسهامًا في دفع نظريات العلم إلى الأمام، وليس من شكٍّ في أنَّ مقياس الحرارة ساعد أكثر من أية أداةٍ أخرى على فتح طريقٍ جديدة أمام روَّاد البحث العلمي.» (ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص٣١.)

جيوفاني مارلياني (القرن ١٥م)

لقد كانت عملية تطوُّر الفيزياء بطيئةً جدًّا في أثناء القرون الوسطى، والمثال على ذلك التشابُه التام بين وجهتَي نظَر عالم القرن الخامس عشر جيوفاني مارلياني G. Marliani (١٤٢٠–١٤٨٣م) وجالينوس. مع أنَّه يفصِّل بين هذَين الرَّجلَين حوالي اثنَي عشَر قرنًا، إلا أننا نجد في كتابتهما طريقةَ القياسِ النوعية للحرارة والبرودة نفسه، وتشكِّل أربع درجات من «التسخين» وأربع درجات من «التبريد». ومثل أرسطو، افترض مارلياني بأن كل جسمٍ احتوى عمومًا على كلٍّ من الحرارة والبرودة حسب تفاوُت حصصهما، وافترضَ أيضًا بأنَّ درجات البرودة ودرجات التسخين هي دائمًا بالمُجْمَل ثمانٍ. مع وجود الخاصِيَّة الإضافية المُفترضة لهاتَين الدرجتَين، إلا أنَّ هذه الأخيرة كانت بالفعل الأصناف الكيفية نفسها عند أرسطو. لم تكن هناك مُحاولةٌ لجعلها تتوافق مع خواص اختبار الجسم التي تمَّ القيام بها حتى الآن. حتى هذه النقطة، تبنَّت وجهات نظر مارلياني وجهات نظر جالينوس مباشرة. على أي حال، حسب اقتراح مفهوم «قوة» الحرارة أو البرودة، وللتفريق بين درجتَيهما، فقد كان يُباشر مشروعًا جديدًا. المثال على ذلك قدرة الجسم؛ الدواء للتخلُّص من الحرارة، وهذا ما يعتمد عليه مارلياني بفكره، ليس فقط على موقع الجسم ضمن نطاق الحار والبارد، بل أيضًا على كَمٍّ يتم استخدامه. لقد اعتقد بأن القوة الفعلية للحرارة P للجسم يمكن التعبير عنها كناتج درجة حرارته T، وحجمها V وكثافتها D. إذن P = DVT. وقد تطوَّر التشبيه الأساسي ﻟ «قوة» مارلياني للحرارة مع «كمية الحرارة» لجوزيف بلاك، بعد حوالي ثلاثمائة سنة.١٣

فرنسيس بيكون (القرن ١٧م)

تكلَّم بيكون عن مكشافِ حرارةٍ هوائي بصراحة وصدقٍ كبيرَين في كتابه (الأورجانون الجديد) المنشور في عام ١٦٢٠م، وأسماه مكشاف «حرارة الزجاج» المَعْكوس كونهَ «مقسم إلى درجات بقَدْر ما ترجو». وذكر بيكون بأنَّ «إدراك الهواء الذي يخص الحرارة والبرودة هو دقيق ومختار بعنايةٍ كبيرة، حيثُ يتجاوز تمامًا لمس الإنسان.»١٤ ولا نعلم إنْ كانَ لهذا الكلام صلةٌ بمكشاف جاليليو الذي ظهر عام ١٥٩٣م، وأخذ صدًى واسعًا في المجتمع العلمي الأوروبي.

سانتوريو سانتوري (القرن ١٧م)

قام الطبيب الإيطالي سانتوريو سانتوري S. Santorii (١٥٦١–١٦٣٦م) بتطوير كشَّاف حرارة بشكلٍ مُستقل عن ذاك الذي ابتكَره جاليليو، بحيث يحوي على تدريجٍ يُمكِّن من استخدامه كمقياسٍ لحرارة أجسام المرضى. وتُشير بعض المراجع الطبية والعلمية إلى سانتوريو، الذي عمل أستاذًا في جامعة بادوا لعلم نظرية الطب بين عامَي (١٦١١م–١٦٢٤م)، كان أوَّل من أدخل المقاييس في الأبحاث والتجارب الطبية.١٥ لكن إذا تأكَّد كلام الباحث روبرت بريفولت فإن ابن سينا سيكون قد سبقه بأكثر من ٥٠٠ سنة في هذا التطبيق.
figure
(إلى اليمين) مقياس سانتوريو، (مصدر الصورة: Bolton, Henry Carrington, Evolution of the Thermometer, p. 24). (إلى اليسار) كان مقياس سانتوريو يعمل مثل مقياس الحرارة الطبي (الترمومتر المائي) بحيث ينفخ المريض بنفسه داخل قارورةٍ زجاجية فيسخن الهواء الموجود داخلها، مما يجعله يتمدَّد، فيندفع الماء في الأنبوبة إلى الأسفل. (مصدر التعليق: ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص٣٠.)
وبعد حوالي أربعين سنةً اقترح روبرت موراي في نوفمبر/تشرين الثاني عام ١٦٦٣م، استخدام ميزان الحرارة لتحديد «درجات الحرارة في جسم الشخص المحموم»، وقد اعتقد الأطباء المعاصرون أنه سيكون هناك القليل من اليقين فيه.١٦
نشر سانتوريو عام ١٦١٢م معلوماته عن مقياسه الحراري الطبي في «تعليق سانتوريو سانتوري على فن الطب الجالينوسي».١٧ عدَّل سانتوريو مكشاف الحرارة الهوائي ليجعله مناسبًا للاستخدام في تسجيل درجات حرارة الأجسام، وفي عملٍ منشور في عام ١٦٢٦م، قدَّم عدة تعديلات ومخطَّطاتٍ مصوَّرة مع وصف لهذه الأدوات. في الشكل الأول، تم إدخال حوجلة هواء في فم مريض، وموقع السائل في أنبوبٍ طويل على شكل حرف S متصل بحوجلة تمَّت مراقبتها، ما يهمُّنا هنا بالنِّسبة لتاريخ علم قياس الحرارة ومفهوم الحرارة هو توظيف سانتوريو لنقطتَين مُهِمَّتَين في تدريج الأنبوب؛ فقد كان يقيس تحوُّلات الحرارة في جسم مريضه بدرجاتٍ حددها بطريقةٍ بدائية؛ حيثُ إنَّ أعلى نقطةٍ فيها مأخوذة لحرارة لهب شمعة، وأدنى نقطة فيها مأخوذة لبرودة الجليد. لقد بدأ يظهر اعتقادٌ بوجود سمةٍ ضروريةٍ في مفهوم درجة الحرارة الحديث، وهو مدى صلاحية الأداة مع أنَّها تُناقِض مفهومَي الحارِّ والبارد. ذلك هو الوجه الجديد لعلم القياس الحراري، والذي كان يُحقِّق إدراكًا في عقول العاملين الأوائل في هذا الحقل، وتم إثباته بشكلٍ أكيد في كتاباتهم. وهكذا تكلَّم سانتوريو عن كون ماء الينابيع أبردَ في الشتاء مما هو عليه في الصيف «مع أنَّ شُعُورنا يدُلُّ على العكس». وذكر سانتوريو أنه بسبب رطوبة الهواء فإننا نشعُر بأن بعض الهواء أبردُ مما يكون حقًّا؛ بمعنى أبرد مما يُشير إليه المقياس.١٨

جاليليو (القرن ١٧م)

يرى فيلسوف العلم رودولف كارناب R. Carnap أنَّ التقدُّم الكبير الذي حدث في العلوم عامَّة، والفيزياء خاصَّة، لم يكن مُمكنًا لولا استخدام المنهج الكمي الذي بدأه جاليليو؛ إذ يعود الفضلُ له في إعطاء قواعدَ واضحة ومُحَدَّدة.١٩ لكننا لا نتفق معه في هذه الرؤية؛ فقد كان لجابر بن حيان، والحسن بن الهيثم، والبيروني، ومن لحق بهم من العُلماء العرب والمسلمين (خصوصًا المُميَّزين في مجالات العلوم الفيزيائية والكيميائية والفلكية) الفضل أيضًا في صنع قواعد المنهج الكمي والتجريبي الذي فرض نفسه عليهم، سابقين جاليليو في ذلك، والتي أخذها عنهم أصلًا الأوروبيون في عصر النهضة — مثل روجر بيكون — وأوصلوها لجاليليو وغيره.
جاليليو نفسه تأخَّر كثيرًا حتى اهتم بموضوع قياس الحرارة حتى عام ١٥٩٣م، حتى إن معرفتنا بمكشاف جاليليو الحراري، تستند بشكلٍ رئيس على مُراسلة الزُّملاء والأصدقاء، حيثُ لا تُوجد في كتاباته المُسْهبة سوى إشارةٍ واحدة عن مكشافه الحراري. في هذه الإشارة، يستشهد بالقول المأثور الأرسطي: «الطبيعة تكره الخَلاء.» لتفسير ارتفاع السائل في الأنبوب الذي رافقَه تقلُّص الهواء.٢٠
يروي أحد تلامذة جاليليو مكشاف أستاذه قائلًا: «أخذ دورقًا زجاجيًّا صغيرًا بحجم بيضة الدَّجاجة فأحكم وصلَه بأنبوبة عرْضُها عرضُ قشة٢١ وطولها نحو شبرَين،٢٢ ثم دَفَّأ الدورق الزجاجي بين يدَيه، وقلَب الجهاز رأسًا على عقب بحيث يُمكِن إدخال الأنبوبة في الماء الذي يحويه دورقٌ آخر، فمَا إن بَرَد الدورق الأوَّل حتى ارتفَع الماء في الأنبوبة مسافة شبرٍ فوق مستوى الدورق الثاني.»٢٣
وهذا يعني أنَّ مكشاف جاليليو الحراري كان يعمل بشكلٍ مقلوب؛ أي إنَّ الحبابة التي يجب أن تحوي على السَّائل المُتمدد للأعلى والساق للأسفل بعكس ما نعرفه اليوم، وقد تَم تسخينه أول مرة (لتفريغه من الهواء) ثم وضعه إلى الأسفل من ناحية الطرف المفتوح في وعاءٍ به ماء. وعندما يبرد الهواء داخل الأنبوب فإنه يتقلَّص ويسحب الماء إلى أعلى، ويعتدل مكشاف الحرارة ويأخذ وضعًا قائمًا، ولكن عندما يُدفأ أكثر فإنَّ الهواء المُتبقي داخل الانتفاخ البصلي (الحبابة) سوف يتمدَّد ويدفع مستوى السَّائل إلى أسفل، وإذا بَرَد الهواء أكثر يعود وينكمش أكثر مما هو عليه ساحبًا الماء إلى أعلى داخل الأنبوب،٢٤ وقد استعمل جاليليو من السوائل كلًّا من الماء والخمر في مكشافه.٢٥
في الواقع لا نَعلَم الكثير عن سُلَّم الدرجات الذي استخدمه جاليليو، باستثناء إشارةٍ في كتابه (المحاورات) بأنها ست درجات وتسع درجات وعشر درجات.٢٦ واستخدم جاليليو مكشاف حرارته ليُحدِّد درجات الحرارة النسبية لأماكنَ مُختلفة وللمكان نفسه بأوقاتٍ مختلفة في مختلف الفصول، لكن طريقته في تدريجِ جذوعِ مُكاشفِ حرارته ليست معروفة وكانت بلا شكٍّ اعتباطية.٢٧ لذلك فإنَّ تسمية أداته «بمكشاف» أدقُّ مِمَّا لو أطلقنا عليها اسم «مقياس».
ادَّعى جاليليو بشكلٍ مُطلق الأسبقية لنفسه، لكنْ ثمَّة شخصٌ ساعد جاليليو على صنع هذا المكشاف، كما صنع تحت إشرافه بوصلتَه الخاصَّة.٢٨ وهو تلميذه الفينيسي جيوفاني فرانسيسكو ساغريدو G. F. Sagredo (١٥٧١–١٦٢٠م) الذي قَبِلَ ذلك الادعاءَ بعد أن كان في بادئ الأمر غيرَ مطَّلع عليه، جرَّب ساغريدو مكشاف الحرارة، وفي التاسع من مايو/أيار عام ١٦١٣م كتب إلى أستاذه قائلًا: «أداة قياس الحرارة، التي اخترعتَها بذاتك ممتازة … [وقد بدت لي] أشياءُ رائعة كثيرة، مثلًا، الهواء في الشتاء يُمكن أن يكون أكثر برودة من الثلج أو الجليد.» كما قَدَّم ملاحظةً أخرى عن ماء البئر ينقلها ساغريدو إلى جاليليو في السابع من فبراير/شباط من عام ١٦١٥م٢٩ يقول فيها: «إذا رفعتَ في الصيف من بئرٍ عميق ووضعتَ يدك فيه، فإنه يبدو بارد الملمس، في حين، إذا فعلتَ ذلك في الشتاء، يبدو الماء دافئ الملمس.»٣٠
figure
(إلى اليمين) (مصدر الصورة: اختراعات جاليليو، مجلة الصفر، المجلد، العدد ١٧، المركز العربي للدراسات الدولية، نيقوسيا، ١٩٨٧م، ص٤٣.) مِكْشاف جاليليو الحراري، وهو أداةٌ تُسجِّل التغيُّرات الحرارية لدى ملامستها لأي جسمٍ ساخن. (إلى اليسار) (مصدر الصورة: https://en.wikipedia.org/wiki/Thermoscope) نسخة مُصَمَّمة حديثًا عن مكشاف جاليليو وهي موجودة في مُتحَف أدوات الفن والقياس في باريس.
يُمكِنُنا ملاحظة أوجه الشبه الكبير بين مكشاف جاليليو ومكشافَي فيلون البيزنطي وهيرون السكندراني الحراريَّين، ولا نستبعد أبدًا استفادة جاليليو من أفكارهما؛ فقد كان كتاب «الحيل الروحانية» Pneumatica٣١ لهيرو معروفًا في صقلية أوائل عام ١١٥٦م، ومن المحتمل أنه تم ترجمتُه إلى اللاتينية آنذاك. وتم نشر هذه الترجمة في يوربينو عام ١٥٧٥م وفي أمستردام عام ١٦٨٠م، وظهرَت نُسخٌ إيطالية في عام ١٥٤٢م و١٥٨٩م. مع أنَّ عمل فيلون بقي مجهولًا نسبيًّا حتى القرن العشرين، إلا أنَّ أطروحتَه على شكل مخطوطةٍ أثَّرَت تحديدًا على الأقل على أحد العاملين الأوائل في علم قياس الحرارة.٣٢
وفي عام ١٦٠٥م؛ أي بعد اختراع جاليليو لمكشاف حرارته الهوائي ﺑ «١٢» سنة، صنع كيميائيٌّ ألماني مجهول مقياسَ حرارة نظرًا لحاجته لدرجةِ حرارةٍ ثابتةٍ في فرن لتحويل الرصاص إلى ذهب. وقد كانت مواصفاتُه تُشبِه مقياس الحرارة الحديث، ونجح هذا المقياس معه أكثر من نجاحه في التوصُّل لاستخلاص الذهب من الرصاص. ولو كان يعرف قيمة اختراعه لأصبح ثريًّا أكثر مما لو حصل على الذهب نفسه، إلا أنَّه لم ينشُر اختراعه، وكان علينا الانتظار لأكثر من مائة عام للحصول على واحدٍ آخر.٣٣ وتؤكِّد هذه الواقعة على أنَّ الكيميائيين العرب كانوا فعلًا بحاجةٍ ماسة لموازين حرارة تُساعِدُهم في عملية ضبط كمية الحرارة.
figure
بإجراء مقارنةٍ بين مكشاف جاليليو الهوائي (إلى اليمين) ومكشاف فيلون البيزنطي (في الوسط) ومكشاف هيرون السكندري (إلى اليسار)، نستنتج أن مكشاف جاليليو ليس سوى تطويرٍ بسيط جدًّا لعمَل مَن سبقه، وذلك بجعله عموديًّا فقط.
لم يحظَ مقياسُ حرارة جاليليو بالنجاح الذي حظِي به اختراع تلسكوبه، وربما يعود فشلُه إلى عدم معرفته التامة بنظريات تمدُّد السوائل والغازات، والتي لم تكن قد تأسَّسَت بعدُ في أوائل القرن ١٧م، عندما أجرى جاليليو تجاربه،٣٤ أيضًا بسبب أن ارتفاع السائل داخل الأنبوب كان رهنَ تغيُّر ضغط الهواء الخارجي.
لذلك نجد أن مكشاف جاليليو لا يستحقُّ كل هذا التضخيم والدعاية الذي قام به المؤرخون الأوروبيون على مدى قرون،٣٥ في حين أُهملَت جهود العلماء العرب والمسلمين الضخمة على المستوى النظري والعملي في علم القياس الحراري، خصوصًا بين القرنين (٩–١٧م)، كما وجدنا في الفصل السابق.

جين ري (القرن ١٧م)

حاول الطبيب الفرنسي المغمور جين ري J. Rey (نحو ١٥٨٣–نحو ١٦٤٥م) عام ١٦٣٢م أن يتفادى القصور في دقة القياس في مكشاف جاليليو، فقام بعكس تجربة جاليليو؛ أي ملأ الدورق بالماء والأنبوبة بالهواء، ثم جَعَل من مجال تمدُّد الماء مقياسًا للحرارة، عندها لاحظ ري أن يدَي المصاب بالحُمَّى تُسبِّبان تحوُّلات في مستوى ماء الأنبوبة، وأنها تمثِّل انعكاسًا لحرارة جسمه.٣٦
في رسالةٍ مكتوبة إلى الأب مارين ميرسن M. Mersenne (١٥٨٨–١٦٤٨م)، يناير/كانون الثاني عام ١٦٣٢م، قال ري: «أرى أنه يُوجَد أنواعٌ متعددة من المكاشف ومقاييس الحرارة؛ ما تقوله لي لا يتفق معي، وهو مُجَرَّد قارورةٍ مستديرة صغيرة ذات رقبةٍ نحيلة وطويلة جدًّا. للاستفادة منه، أضعُه في الشمس، وأحيانًا في يد مريضٍ مصاب بالحُمَّى، بعد ملئه بالمياه تمامًا ما عدا الرَّقبة، فإن الحرارة تجعل المياه تتمدَّد وتصعَد منه بشكلٍ أكبر أو أقل حسب الحرارة كبيرة أو صغيرة.»

مارين ميرسن (القرن ١٧م)

تفوَّق الأوروبيون في القرن السابع عشر في تأسيس أكاديميات العلوم والآداب الأوروبية، وقد كان الاتصال بين العلماء الأوروبيين قائمًا من خلال الزيارات الشخصية والمراسلة. من المحتمل أن الوسيط البارز والأكثر نشاطًا بين علماء القرن السابع عشر هو الأب مارين ميرسن الذي كان على اتصالٍ مُسْتمر مع مثل هؤلاء الرجال المهمِّين مثل جاليليو وديكارت وكريستيان هويغنز Ch. Huygens (١٦٢٩–١٦٩٥م)، وجيلس دي روبرفال G. de Roberval (١٦٠٢–١٦٧٥م). من غير شك، قام ميرسن بدَورٍ مُهِم في نشر أخبار مكشاف حرارة جاليليو. كان ميرسن أيضًا مصدر عادةٍ ما زالت شعبيةً هي مكافأة الجهود العلمية بوساطة اقتراح جائزة. بالإضافة إلى العمل كوسيط، غالبًا ما كرَّر ميرسن تجارب الآخرين. وهكذا، نصح بتعديل المكشاف الحراري بهدف زيادة حساسيته تجاه تغيُّر درجة الحرارة كما في الشكل الآتي.
figure
مقياس الحرارة الهوائي لميرسن، وهنا نُلاحِظ بداية وضع تدريجَين متعاكسَين؛ أحدهما من ١ إلى ٨، والآخر من ٨ إلى ١؛ حيث يمكن استخدامُه بكلتا الحالتَين. (مصدر الصورة: Frisinger, H. Howard, A History of Meteorology: to 1800, American Meteorology Society, New York, 1977. p. 50.)
وفي عمله (استجمام العُلماء)٣٧ المنشور في باريس سنة ١٦٣٤م، وصف ميرسن أداة قياسٍ حراري ذات أنبوبٍ ضَيِّق مع حوجلةٍ كبيرة عند إحدى النهايتَين والحوجلة الصغرى عند الطرف الآخر. تم تَدْفِئة الحوجلة الكبيرة برفق بينما كانت الأصغر تغطَّس بالماء أولًا، عندما يتوقف عن تسخين الحوجلة الكبيرة، كان يُوجَد بضع نقاط من السائل المرتفع في أنبوبٍ متدرج فإن العمود القصير من الماء يعمل بمثابة مؤشِّر لتغيُّر درجة الحرارة.٣٨

جين ليورشون (القرن ١٧م)

صمَّم جين ليورشون في سنة ١٦٢٤م في أطروحته (الاستجمام الرياضياتي)٣٩ نوعًا يختلف عن جميع مقاييس الحرارة الأولية الموصوفة والمتطابقة تمامًا مع النمط نفسه والذي يجمع بين الحوجلة والأنبوبة، وتحمل اسم مخترعها الأول «أنبوبة جاليليو». في تصميم ليورشون يُوجَد «حوجلةٌ مضاعفة» أو أنبوب على شكل حرف J. كان الجهاز مملوءًا بالماء من خلال فوَّهة في الحوجلة، من أجل تحديد درجة حرارة الجسم كان يجب تطبيقها على الحوجلة B، والحركة النَّاتجة للعمود السائل في الساق الأطول تكون ملحوظة. مقياس الحرارة الذي وصفه البلجيكي جان فان هلمونت J. B. Van Helmont (١٥٨٠–١٦٤٤م) في عام ١٦٤٨م مختلفٌ عن تصوير ليورشون فقط من ناحية أنه عَمِل عمودَ سائل قصيرًا في الأنبوب. لدى تصميم النموذج J أصلٌ غامض بيد أنه من المُحتمل اختَرعَه الهولندي كرونيليوس دريبل Cornelius Drebbel (١٥٧٢–١٦٣٣م)، إما عام ١٥٩٨م أو ١٦٢٢م. على كُلٍّ، لم يستعمله هذا الأخير كمقياس للحرارة، بل «كأنبوبة حركة دائمة»؛ بمعنًى آخر: اعتقد بأنَّ حركة السائل التي تتحرَّك ذَهابًا وإيابًا في الأنبوب بحركةٍ دائمة ثابتة ناجمة عن التقلُّبات الحرارية.٤٠
figure
مقياسان للحرارة من صنع ليورشون: (إلى اليمين مقياس الفيلسوف) على شكل حرف J، وهو كما نُلاحِظ مقسَّم (١–٨ درجات). (إلى اليسار مقياس الطبيب) وهو مكشافٌ جاليلي تقليدي مقسَّم لأربع درجات. (مصدر الصورة: Bolton, Henry Carrington, Evolution of the Thermometer, p. 13.)
figure
تميَّز مقياس تيليو بأنه لا يتأثَّر بالضغط الجوي، وهو مكوَّن من حَبَّابتَين لهما أنبوبتان لهما الطول نفسُه ومقلوبتان على بعضهما بعضًا بشكلٍ متداخل. الأنبوبتان مدرَّجتان من الأسفل للأعلى من (١–٨) فراغات، وبين الفراغ والآخر يُوجَد تقسيم بالدرجات والثواني، وهو مأخوذ عن تقسيمات الآلات الفلكية. (مصدر الصورة: Sherry, David, Thermoscopes, thermometers, and the foundations of measurement Studies in History and Philosophy of Science 42 (2011) 509) ويتشابه هذا التقسيم أيضًا مع تقسيمات المجريطي والجلدكي في موازين النار النظرية التي عَمِلوا عليها.
إحدى الصعوبات الرئيسة في المُمَارسة الأولى لعلم قياس الحرارة كانت مرتبطةً بافتقار أي مقياس لدرجاتٍ مقبولة بشكلٍ عام. أهمية نقاط المرجعية الموثوقة والقابلة لإعادة الإنتاج لم تكن قد تأسَّسَت بشكلٍ كامل؛ لذلك تكلَّم ليورشون عن «مقياس الفيلسوف» وعن «مقياس الطبيب». وَفْق الأول، فإن طول أنبوب مقياس الحرارة الهوائي كان مُقَسَّمًا إلى ثماني درجات، في حين أن الثاني مُقَسَّم إلى أربع درجات. وهنا ما زلنا نرى تأثير مذهب جالينوس عن الحرارة والبرودة في المقياس الذي نصَح به روبرت فلود R. Fludd (١٥٧٤–١٦٣٧م) الذي فيه البداية من نقطة المنتصف أو الصفر في المقياس، كما كانت تقسيمات الأنبوب مرقَّمة من واحد إلى سبعة في أحد الاتجاهَين. المقياس الذي استخدَمه المهندس الروماني بارتولوميو تيليو B. Telioux في عام ١٦١١م أفاد بأنه يقيس درجة الحرارة حسب الدرجات والدقائق.٤١ مجدَّدًا، ولا واحد من هذه البدائل يتوافَق مع مقياس ساغريدو الذي أشار إلى ٣٦٠ درجة في حرارة الصيف و١٠٠ درجة في الجليد والثلج.٤٢

فرديناند التوسكاني (القرن ١٧م)

أداة جين ري لم تكن دقيقةً أيضًا؛ حيث إنَّ تبخُّر الماء من أعلى الأنبوبة المفتوحة كان يؤثِّر على مدى ارتفاع الماء فيه. كما اتضَح للعُلماء أيضًا، في ستينيات القرن السابع عشر الميلادي، أنَّ الهواء لا يصلُح بوصفه مادةً لقياس درجة الحرارة. وكان هذا الاكتشاف نقطةَ تحوُّل مهمةً في تاريخ مقياس الحرارة؛ إذ بدأ الاتجاه نحو السوائل المغايرة للماء بدلًا من الهواء كمادة في مقياس الحرارة. وفي عام ١٦٦٦م بمدينة فلورنسا، أُنتِج عددٌ من أدوات قياس الحرارة، كانت كلُّها مصنوعةً من الزجاج، وكلها تحوي على سائل — هو الكحول في الغالب. إلا أن التدريج على تلك المقاييس كان مختلفًا حيث لا تُعطي جميعُها قراءةً واحدة لدرجةِ حرارةٍ معينة.٤٣
figure
مقياس فرديناندو التوسكاني المملوء بالكحول والمغلق من أعلاه. (مصدر الصورة: Frisinger, H. Howard, A History of Meteorology: to 1800, American Meteorology Society, New York, 1977. p. 50.)
حوالي عام ١٦٤٢م، تدخَّل تلميذ جاليليو الغراندوق فرديناندو الثاني دي ميديتشي التوسكاني F. II de’Medici G. D. (١٦١٠–١٦٧٠م)، بنفسه في موضوع مقياس الحرارة، وطلب إجراء الكثير من التَّجارب الحرارية بإشراف أكاديمية ديل شمنتو قصيرة العمر، فاستخدم أعضاء الأكاديمية مادة (روح الخمر أو الكحول الخام) بدلًا من الماء، وأغلقوا فوَّهة الأنبوبة العلوية، وأخذوا يُسجِّلون الدرجات عليها بخرزاتٍ زجاجية.٤٤
وبذلك أنشأ فرديناندو وفريقه في الأكاديمية رُبَّما أول مقياس الحرارة مستقل عن تأثير الضغط الجوي المُحيط، وهي خطوة فعَّالة في تطوير أداةٍ مُمْكنة التطبيق من أجل التحري عن درجة حرارةٍ دقيقة. استعمل فرديناندو مقياس الحرارة هذا ومقاييس حرارة أخرى في تحريات عن درجة حرارة الضغط الجوي المُحيط التي أجراها الأكاديمي المشهور ديل شمنتو الذي ساهم في تأسيس الأكاديمية في عام ١٦٥٧م. المساهمة المهمة لهذا المجتمع كانت إبداع شبكة عمل لمراكز مراقبة الأرصاد الجوية في كافة أنحاء أوروبا.٤٥

أثناسيوس كيرشر (القرن ١٧م)

الخاصية المعروفة جيدًا في المفهوم الحديث لدرجة الحرارة هي طبيعتها المُتبقية residual، بموجب هذه الخاصيَّة فإنَّ التفاعل الذي يحدُث بين مقياس الحرارة وجسمٍ مُعين، والذي بواسطته يكون موقع الثاني مُحدَّدًا في سلسلة درجة الحرارة، ويُمكن ملاحظة خاصية التبقي هذه فقط تحت الظروف التي تُزيل كل التأثيرات «الحرارية الزائدة». تلقَّت خاصية التبقي تأكيدًا أولًا عندما تم الإدراك بأن القراءات المُسجَّلة على مقياسِ حرارةٍ هوائيٍّ مفتوح قد أبطلَته تقلُّبات ضغط الهواء الخارجي. هذا الخطأ الحقيقي للمقياس الحراري التقليدي كان مسئولًا نوعًا ما عن التطوير المبكِّر للمقاييس الحرارية السائلة. على كل حال، فإن مقاييس الحرارة السائلة السابقة وكذلك تجارِب ضغط الهواء التي أجراها إيفانجليستا تورشيلي E. Torricelli (١٦٠٨–١٦٤٧م) وبليز باسكال B. Pascal (١٦٢٣–١٦٦٢م)، أدَّتْ إلى فهم تأثير الضغط الجوي على قراءات المكشاف الحراري الهوائي الجاليلي. وهكذا، فإنَّ مقاييس الحرارة الهوائية ذات الإشارات، والتي يُوجَد فيها مقدارٌ ضئيل من الرطوبة في الحوجلة وعيِّنة الهواء لا بد وأنها كانت عقبةً أمام بناء أدواتٍ قابلة للمُقارنة. كذلك فإنَّ الهيكل الفوضوي للمكشاف الجاليلي ذي القطعتَين كان يتطلَّب حملَه ونقلَه. أيضًا كان من الصعوبة بمكان إقامة اتصالٍ حراري بين حوجلةِ هواء كبيرة جدًّا، وجسمٍ يتم اختباره، خصوصًا إذا كان هذا الأخير سائلًا. وبالعكس، لو جعلت الحوجلة أصغر، لازداد خطأ الجذع؛ حيث إن جزء الهواء كان بدرجة حرارة الأنبوب. أخيرًا، فإنَّ الظرف الذي كان يحيط بالوعاء الذي يحوي على سائل لم يكن مغطًّى؛ الأمر الذي وَلَّد أخطاءً أخرى ناتجة عن تبخُّر السائل، وبالإضافة إلى أخطاء الضغط الجوي المتغير. رُبَّما المآخذ السابقة دفعَت أثناسيوس كيرشر A. Kircher (١٦٠٢–١٦٨٠م) لينشر في عام ١٦٤٣م٤٦ وصفًا لمكشافٍ حراري عبارة عن نموذجٍ هجين بين الماء والهواء؛ حيث إنه مد الأنبوب الجاليلي الأصل إلى قاع الحوجلة وجعل الآخر مملوءًا جزئيًّا بالماء. إضافة إلى أنه أداةٌ ذات قطعةٍ واحدة أبسط ملتحمة الأجزاء، لديها حوجلة في الأسفل تُسهِّل تحديد درجات حرارة السائل أثناء الغَمر. بما أن الحوجلة تحوي على كلٍّ من الماء والهواء، فإن المادتَين الأوَّليتَين الحراريتَين موجودتان. الحقيقة أن الجذع المفتوح كان مُعرَّضًا لنوعَين من التفاوت المفاجئ، وهما مرتبطان بتأثير الضغط الجوي المتغير على حجم الهواء، المرتبط بدَوره بتأثير التبخُّر على حجم السائل.٤٧
figure
مِكشافُ حرارة كيرشر الهجين بين الماء والهواء، وهو مصمَّم على طراز المكاشيف الفلورانسية. (مصدر الصورة: Bolton, Henry Carrington, Evolution of the Thermometer, p. 31.)

وبذلك فإن كيرشر حلَّ جزئيًّا بعض المشكلات التي كان يُعاني منها مكشاف جاليليو؛ لذلك لم يَحظَ أيضًا مِكشافُه بالانتشار المتوقَّع منه.

أوتو فون غيركه (القرن ١٧م)

figure
(إلى اليمين) مقياس الحرارة الذي اخترعه فون غيركه عند تعليقه على الجدار، (مصدر الصورة: Frisinger, p. 53., H. Howard, A History of Meteorology: to 1800). (إلى اليسار) مخطط تفصيلي لمقياس الحرارة الذي اخترعه فون غيركه. (مصدر الصورة: Bolton, Henry Carrington, Evolution of the Thermometer, p. 48.)
بالتأكيد، واحدٌ من أكثر الأدوات الاستثنائية في مسيرة تطوير مقياس الحرارة هو الذي صنَعه الفيزيائي الألماني أوتو فون غيركه O. V. Guericke (١٦٠٢–١٦٨٦م) بين عامَي (١٦٦٠–١٦٦٢م). كانت هذه الأداة على وجه الخصوص بطُول عشرين قدمًا (أي ٦م) كما يُبيِّن الشكل أدناه. وهي مؤلَّفة من كُرةٍ نُحاسيةٍ كبيرة (A) مطلية بالأزرق ومُرَصَّعة بنجومٍ ذهبية، يلتحم معها أنبوبٌ نحاسي كبير بعرض بوصةٍ واحدة (أي ٢٫٥٤سم). كان هذا الأنبوب مُنحنيًا على نفسه ليُشكِّل حرف U، وهو ضيِّق وُضِع فيه مقدارٌ مُحدَّد من الكحول. الذراع الأقصر للحرف U كانت مفتوحة عند الأعلى، أعلى السائل يُوجَد كأس قصديرٍ نحاسيٍّ صغيرة جدًّا معكوسة وهي مربوطة بحبل يمُرُّ حول عَجَلة معلَّقة (F) فوق الجانب السفلي للكرة، من الطرف الآخر للحبل كان يُوجَد شكلٌ صغير من زاوية يُشير إلى مقياس على الأنبوب. صِمامٌ على جانب الكرة النحاسية الكبيرة تم استعمالُه لسحب هواءٍ كافٍ بواسطة مِضخَّة هواءٍ تُعدِّل من ارتفاع الكحول. كان مقياس الحرارة هذا يُعلَّق بالجانب الظليل لبيت وكان مشهورًا لقدرته على تبيان «الطقس الأبرد والأكثر حرارةً طول سنةٍ كاملة».٤٨
وفي عام ١٦٧٢م تمَكَّن فون غيريكه من إزالة تأثير الضغط الجوي المتغير في قراءات مقاييس الحرارة الهوائية، ليس بإغلاق الآلة، بل بتغيير كمية الهواء في الحوجلة، وذلك بواسطة صمامٍ موصولٍ بآخر. وقد تمَّ تعديل كمية الهواء في الحوجلة بحيث يصل مستوى الكحول في جانب الأنبوب دائمًا إلى الموقع نفسه على المقياس عندما يتم تعريضها ﻟ «أول صقيعٍ ليلي» وذلك بغَض النظر عن الضغط الجوي.٤٩

روبرت بويل (القرن ١٧م)

اختراع فرديناندو التوسكاني لمقياسِ حرارة مستقل عن الضغط فتَح باب تنظيم تفاوُتات درجة الحرارة السطحية، لكن مثل هذه الدراسة يمكن مواصلتُها بعيدًا عن مقاييس الحرارة التي يتوجَّب أن تكون معيارية. الواقع أن أول من أدرك الحاجة لمقياسٍ معياري لمقاييس الحرارة كان الفيزيائي الإنكليزي روبرت بويل، الذي عملُه في الكيمياء والفيزياء أهَّله للقيام بدراسات في مجال القياس الحراري؛ فقد كرَّس جهدًا كبيرًا لإنشاء مقاييسِ حرارة مختومةٍ وأدرك الحاجة المُلِحَّة لمقياسٍ معياري يُمكِن من خلاله القيام بمقارنة التأثيرات التي تُبيِّنها مختلف النماذج. وقد قال بويل: «نحن مرتبكون إلى حدٍّ كبير حول كيفية قياس البرودة. الأدوات الشائعة لا تبيِّن لنا أكثر من البرودة النسبية للهواء، وهي تُوقِعنا بالحَيرة للحصول على درجةٍ إيجابية من ذلك؛ حيث لا نستطيع أن نصل لفكرة مثل أي شخصٍ آخر. ليس بسبب الفروقات العديدة لهذه النوعية التي لا تملك اسمًا فقط، وإنما لإحساسنا أنه لا يُمكِن الاعتماد عليها في تلك المسألة، ومقاييس الحرارة هي أشياءُ مُتغيرة إلى حدٍّ كبير جدًّا، ويبدو من المُستحيل أن نَصِل منها لحلٍّ لمثل هذا الإجراء من البرودة إذا كان لدينا وقت ومسافة ووزن … إلخ.» وهكذا فقد سعى بويل للتغلُّب على هذه الصعوبة، معتقدًا بأن درجة ذوبان الجليد تختلف مع خط العرض، واقترح استخدام زيت بذر اليانسون للحصول على درجةٍ ثابتة، وذلك بوضع الزيت حول حوجلة مقياس الحرارة الكحولي و«عندما يبدأ الزيت بالتعفُّن» حاول أن يحسب التمدُّد المُطلَق للكحول، وقسَّم المقياس على عشرة آلاف، أو جزءٍ رقميٍّ آخر من التمدُّد الكلي.٥٠
مع أنه قام بخطوةٍ جيدة جدًّا بتأسيسه لفكرة النقطة الثابتة، إلا أننا نتلمَّس في كتابات بويل التأسُّف بشأن عدم القدرة على التحكُّم بمقاييس درجة الحرارة؛ فقد قال: «اعتبر بأننا يجبُ أن نسعى من أجل معيار أو قياسٍ مؤكد للبرودة، في حين قد رَسَّخنا معايير الوزن ومقدار الزمن، بحيث عندما يذكُر المرء هكتارًا، أو أونصة أو ساعة، فإننا نسمعُه يعرف ما يعني وما يستطيع أن يعرضه بسهولة القياس نفسه، أمَّا بالنسبة لدرجات البرودة … ليس لدينا طريقةٌ محدَّدة بالإمكان سلوكُها لتحديد هذه الدَّرجات.» وقد كشف هذا الموضوع من البداية أن بويل لم يعتبر أي مقياسٍ اعتباطي يمكنه أن يُشكِّل مقياسًا قياسيًّا مقنعًا. من أجل تَبنٍّ عالمي مهيمن، ومقياسٍ معياري، فكَّر بويل أنه يجب تقديم «قياسٍ أكيد» للحرارة. كان هذا بالفعل رأيه وهو ثابت في موضوعٍ آخر حيث تذمَّر من النسبة «الأفضل» بين قطر الأنبوب وذلك الذي لدى الحوجلة بأنه كان مجهولًا، أيضًا ذلك السؤال حول سائل قياس الحرارة «الأفضل» لم يكن يُوجَد جوابٌ له بعدُ.٥١

كريستيان هويغنز (القرن ١٧م)

اقترح العالم الهولندي كريستيان هويغنز، بالتزامن مع كلٍّ من بويل وهوك لكن بشكلٍ مُسْتقل عن بعضهم، أنَّ نقطة غليان الماء هي بمثابة نقطةٍ ثابتة، وكنقطةٍ بديلة لنقطة التَّجمد، لكن لا يتم استخدام كلتا النقطتَين معًا.٥٢ وبذلك يُمكِن تدريج درجة الحرارة (أي أن تنظَّم ضمن سلسلةٍ مدرَّجة) لتناسب تمدُّد مادةٍ ما ابتداءً من درجة حرارة مرجعيةٍ مفردة وثابتة.٥٣ قدَّم هويغنز هذا المقترح في رسالةٍ كتَبها إلى روبرت موراي بتاريخ الثاني من كانون الثاني عام ١٦٦٥م.٥٤

كارلو رينالديني (القرن ١٧م)

الدمج بين درجة التجمُّد (التي اقتَرحَها بويل) ودرجة غليان الماء (التي اقترحها كلٌّ من بويل وهوك وهويغنز) كدرجتَين ثابتتَين في مقاييس قياس الحرارة، جاء من قِبَل كارلو رينالديني C. Renaldini (١٦١٥–١٦٩٨م) في عام ١٦٩٤م، وهو العضو الأول للأكاديمية الشهيرة ديل شمنتو وأستاذ الرياضيات في بادوا. لكن لسوء الحظ، ارتاب عددٌ من علماء القرن السابع عشر في ثبوت نقطتَي درجة الحرارة الثابتتَين؛ لذلك فإنَّ مقترح رينالديني المُهِم لم يُتبنَّ بشكلٍ حاسم حتى القرن الثامن عشر.٥٥
اقترح رينالديني أيضًا تقسيم المسافة بين نقطة الجليد ودرجة غليان الماء إلى اثنَي عشر قسمًا متساويًا.٥٦ وكطريقةٍ بديلة لتلك التي استخدَمها في تجاربَ مُخْتلطة، فإنَّ الدرجة الأولى فوق درجة التجمُّد تتوافق مع درجة الحرارة التي تنشأ من مزيج سبعة عشر قسمًا من ماءٍ بارد ورُبَّما مُتجمِّد مع جزء من ماءٍ مغلي، والدرجة الثانية تتوافق مع درجة حرارة مزيج من عشرة أجزاء من ماءٍ بارد وجزأَين من ماءٍ مغلي، وهكذا. الطريقة ذاتُها طبَّقَها بروك تايلور B. Taylor (١٦٨٥–١٧٣١م) في عام ١٧٢٣م على مقياس حرارة زيت الكتَّان لنيوتن.٥٧ ووجد بأن قراءات مقياس الحرارة هذا كانت تتناسب مع كمية الماء المغلي في المزيج، واستنتج بأن مقياس نيوتن بالفعل كان عقلانيًّا. وفي عام ١٧٦٠م طبق جوزيف بلاك الإجراء نفسه على مقاييسِ حرارةٍ زئبقية، وبعد اثنتَي عشرة سنة قام بهذا الإجراء جان أندريه ديلوك J. A. Deluc (١٧٢٧–١٨١٧م) في فرنسا. استنتاجهما — وذلك حسب ما عناه ديلوك — كان أن «يتم استخدام الزئبق حتى الآن دون جميع السوائل في مقياس الحرارة؛ حيث يقيس المقياسُ بالضبط تمامًا الاختلافاتِ من خلال التغيُّرات في حجمه.»٥٨

يوهانس هاسلر (القرن ١٧م)

نشَر الطبيب الألماني يوهانس هاسلر Häsler J. (١٥٤٨–١٦؟) في بيرن كتابه (المنطق الطبي)٥٩ عام ١٥٧٨م، وقدَّم فيه جدولًا مُفصَّلًا لدرجات حرارة أجسام الناس الذين يعيشون تحت خطِّ عرضٍ معيَّن؛ حيث إنَّ ساكني المنطقة الاستوائية كانوا دافئين حتى الدرجة الرابعة، في حين أن سكان الأسكيمو كانوا باردين حتى الدرجة الرَّابعة. الأشخاص بين خطَّي العرض ٤٠° و٥٠°، حيث عاش هاسلر، لم يكونوا حارِّين ولا باردين، وقد مُنِحوا درجة الحرارة المتعادلة صفرًا. تملك الفكرة بعض المعقولية، وفي الواقع، فإنَّ الدرجات التِّسعة لدرجة الحرارة تنطبق بدقة على خط عرض ٩٠° بين خط الاستواء والقطب، ولكن، كانت كلها خاطئةً تمامًا؛ حيث إنَّ كل الكائنات البشرية المعافاة تملكُ درجة حرارة الجسم نفسها، بصرف النظر عن المكان الذي تعيش فيه. تلك الحقيقة أصبحَت مثبتةً سريعًا بعد اختراع مقياس الحرارة؛ حيث طوِّرت الأداة في الجزء المبكِّر من القرن السابع عشر، كانت مشكلة هاسلر الأولى هي «إيجاد درجة الحرارة المحايدة لكل شخص، كما هو مُحدَّد حسب عمره، والوقت من السنة، وارتفاع القطب؛ أي خط العرض، والمؤثِّرات الأخرى.» يبدو أن هاسلر ومن خلال هذا الجدول المطوَّل جسَّد فيه تسع درجات للحرارة في العمود الأول والدرجات الجالينوسية للحرارة والبرودة في الثاني، مقسَّمًا على ثلاثة أقسام في العمودَين الرابع والثالث وعلى التوالي، وهي موضوعةٌ مقابل خط العرض. من هذا الجدول يمكن للطبيب أن يقرأ الدرجة الطبيعية للحرارة أو البرودة ليتم توقُّعها في سكَّان أي مكان، وهكذا يُقرِّر كيف يمزج أدويته. كان هذا الجدول بمثابة المقياس الطبي. كان يُوجَد أيضًا «مقياس فلسفي» مقسَّم إلى ثماني درجات للحرارة وثمانٍ للبرودة. كما سنرى، مقياس الحرارة الأول الذي لدينا وصفُه وتوضيحُه فيه مقياس «درجات برودة» التي تتدرَّج من واحد إلى ثمانية.٦٠ إذن حتى أواخر القرن السابع عشر كانت التقسيمات الحرارية الجالينوسية التسع تحظى بحضور في الأدبيات العلمية الأوروبية، في ظل غيابٍ أو تغييبٍ لأي جهدٍ عربي في مجال قياس الحرارة.
figure
جدول هاسلر لدرجات الحرارة التسع والذي نشره في كتابه (المنطق الطبي)، وهو يُحاوِل أن يُثبِت بوساطته وجود علاقة بين حرارة الجسم وخط العرض. (مصدر الصورة: Middleton, W.E. Knowles, A History of the Thermometer and its Use in Meteorology, p. 4.)

روبرت هوك (القرن ١٨م)

figure
دمج هوك في أداته بين البارومتر ومقياس الحرارة، وذلك حتى يُستفاد منها في الأرصاد الجوية. (مصدر الصورة: Frisinger, H.Howard, A History of Meteorology: to 1800, p. 55.)
في القرن الثامن عشر، كانت صناعة مقاييس الحرارة الزجاجية قد انتشَرت انتشارًا واسعًا، بحيث صارت تُنتِجها مُعظَم مصانع الزُّجاج الموجودة في أوروبا آنذاك، لكن بسبب عدم وجود طريقةٍ موحَّدة لتدريج تلك المقاييس، فقد بلغَت أنواعها (٢٧) نوعًا بحلول عام ١٧٧٨م، وكل واحدٍ من هذه المقاييس يُعطي قراءةً مُختلفة عن قراءة باقي المقاييس من أجل الجسم نفسه. ونتيجةً لهذا الاختلاف في قراءات أجهزة قياس الحرارة قام روبرت هوك بالتفكير في نقطة بدايةٍ ثابتة، تكون الأساس لتدريج كل مقاييس الحرارة. وقد اقتَرح هوك أن تكون درجة تجمُّد الماء هي نقطة بداية التدريج. ويبدو أنَّ فكرة هوك باتخاذ نقطةٍ ثابتة كأساس لتدريجٍ موحَّد لم تَلقَ رواجًا في البداية؛ إذ استمر إنتاج مقاييس الحرارة عشوائيًّا، مُتخذةً من درجة الحرارة التي تنصهر عندها الزبدة نقطة ابتداء. وتارة أخرى تكون درجة حرارة قَبْو مرصد باريس هي نقطة البداية، وهكذا. وفي الأربعينيات من القرن الثامن عشر، كان هناك شبه اتفاقٍ تام بين الأوساط العلمية في أوروبا على اعتبار درجة تجمُّد الماء نقطة بداية التدريج، ودرجة غليان الماء نقطة نهاية التدريج. ومرةً أخرى، كان هذا الإجماع خطوةً رائدة على الطريق نحو مقياسِ حرارة موحَّد.٦١
لقد كان عمل هوك العلمي واسعًا؛ فقد ساهم هوك بشكلٍ كبير في تطوير أدوات رصدٍ جوية، بما في ذلك مقياس الحرارة. في تشرين الأول عام ١٦٦٤م، نشَر هوك كتابه (ميكروغرافيا)؛ حيث وصف فيه عملَه مع مقاييس الحرارة المختومة التي كانت لديه وقد قال: «ثمَّة محاولاتٌ عديدة، جاءت أخيرًا بيقين وحساسية كبيرَين؛ لأنني قد صنعتُ بعض الجذوع التي تجاوَز طولُها الأربعة أقدام، كان يتفاوت فيها تمَدُّد المَادَّة السائلة حتى الآن، وحتى يكون قريبًا جدًّا من القمة في حرارة الصيف، وقريبًا للغاية من الأسفل في الوقت الأبرد للشتاء.» ملأ هوك مقاييس الحرارة «أفضل كحول خمر مقطر وقد لوَّنه بلونٍ قرمزي جميل.» التقدُّم المُهِم الذي قام به عندما وضع الصفر عند النقطة التي وقف السائل عندها لدى وضع الحوجلة في ماءٍ مقطَّر مُتجمِّد، وذلك في تدريجه للجذع، يُشير إلى التقسيمات من فوق ومن أسفل «تبعًا لدرجات تمدُّد وتقلُّص المادة السائلة التي تتناسب مع الحوجلة التي وصلَتها برودة التجمد.» وفقًا لمُعاصره إدموند هالي E. Halley (١٦٥٦–١٧٤٢م)، عرض مَرَّةً هوك في كلية غريشام مجموعةً مكوَّنة من بارومتر ومقياس حرارة ذي جذعٍ مدرَّج من −٧٠ درجة إلى +١٣٠ درجة، (درجة تجمُّد الماء = الصفر). وفي يناير/كانون الثاني عام ١٦٦٥م، تم توجيه هوك لإنتاج مقياس حرارة لصالح الجمعية الملكية الذي عَمِل بوصفه معيارًا من أجل المراقبة، استعملَت الجمعية مقاييسَ حرارته لعدة سنوات. كان هوك من أوائل العلماء الذين اتخذوا من درجة تجمُّد الماء كنقطةٍ ثابتة على مقياس الحرارة، يقول في ذلك: «من الجيد بأن يكون هناك معيارٌ محدَّد وعالمي بالنسبة للحرارة والبرودة، وضمان نسبةٍ مؤكَّدة بين سعة الحوجلة والأنبوب؛ ومن ثَم البدء بدرجة البرودة التي يبدأ بها الماء بالتجمُّد، أو الأفضل درجة حرارة غليان الماء، بدون إرسال مقياس الحرارة بعيدًا، لعلَّ المرء يصل إلى درجة الحرارة أو درجة البرودة التي وجدَها في التجارب ويُسَجِّلهما من أجل استعمالها من قِبَل الأجيال القادمة. مع ذلك، ليس من الواضح فيما إذا كانت هاتان النقطتان الثابتتان من أجل الاستعمال معًا، أو كبديلَين».٦٢
أخيرًا، نشير إلى أهمية الماء المُقَطَّر بالنسبة لعلم قياس الحرارة الذي أقرَّه روبرت هوك، والذي تبنَّى عمل بويل في تدريج مقياس الحرارة، وذلك باستعمال نقطةٍ ثابتة وحيدة وساوى الدرجة بزيادةٍ كسرية ثابتة أو التناقُص في الحجم في نقطةٍ ثابتة، نصح بأنَّ درجة الحرارة على مقياس الحرارة الكحولي يتم حسابها، وذلك بتخصيص درجات صفر نسبة إلى الحجم عند نقطة تجميد الماء المقطَّر وبجعل كل درجة تتوافق مع تغيُّر الحجم وتتساوى مع الأخرى (واحد من الألف للحجم عند الصفر).٦٣

غواليم أمونتون (القرن ١٨م)

في نهاية القرن السابع عشر أصبح مِكشافُ جاليليو مقياسًا حراريًّا غازيًّا ذا حجمٍ ثابت على يد الفيزيائي الفرنسي غواليم أمونتون، وتوَصَّل أمونتون إلى نتيجةٍ مُهِمَّة مفادها: «أنَّ الكتل غير المتساوية من الهواء تزداد بالتساوي في الضغط بسبب درجاتٍ متساوية من الحرارة والعكس صحيح.» وتتضمن هذه النتيجة أمرَين مهمَّين؛ الأول ازدياد سرعة الصوت مع درجة الحرارة. والثاني: إشارة غير مباشرة لفكرة درجة الحرارة المطلقة، وهي الفكرة التي ستظهر بعد قرن ونصف على يد اللورد كلفن عام ١٨٤٨م.٦٤
وقد دفَعَت فكرة النقطة الثابتة المرجعية أمونتون لتَبنِّي جانبٍ منها، فاختار نقطة غليان الماء كدرجة حرارةٍ مرجعية له، لكنه سَجَّل تغيُّرات الضغط التي لاحظَها في وحداتٍ عشوائية مُفضِّلًا ذلك على الأجزاء الكسرية من الضغط الإجمالي عند درجة الحرارة المرجعية. وبالنتيجة؛ فإن أدقَّ ما استطاع التوصُّل إليه عن مفهوم درجة الحرارة المُطْلقة هو مُلاحظة أن «أقصى برودة لقياس درجة الحرارة المُطْلقة هذه هي تلك التي تستطيعُ إنقاصَ مرونة الهواء بحيث لا يبقى أي ثقلٍ مطلقًا.»٦٥
figure
(إلى اليمين) مكشاف أمونتون الحراري المغلق، (إلى اليسار) مكشاف أمونتون ضغط الهواء الحراري. (مصدر الصورتين: Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 309.)
ما يميز عمل أمونتون عن الآخرين هو أنَّه اعتمد نقطةً ثابتة (درجة غليان الماء) في مكشافه، واستبدل السائل الكحولي بالزِّئبق٦٦ وجعلَه ذا حجمٍ ثابت بدلًا من الضَّغط الثابت بسبب استخدام الزئبق؛ ففي أداة أمونتون السَّابقة كان يتم تحديد زيادات درجة الحرارة المُتساوية بزيادات الحجم المتساوية، إنما ليس بضغطٍ ثابت، والذي بدوره من المفترض بأن يتوافق مع الزيادات المتساوية في طول الأنبوب الضيِّق الذي يتمدَّد الهواء من خلاله. أدرك أمونتون صعوبة صناعة الأنبوب الضَّيق الطويل ذي القُطر الموحَّد؛ ولهذا السبب، ادَّعى التفوُّق في مكشاف حرارته الجديد؛ فقد كانت التغيُّرات طفيفةً في قُطر الأنبوب الجانبي الذي طرأ عليه تأثيرٌ ضئيل على قراءة الضغط.٦٧

يواكيم دالينس (القرن ١٨م)

figure
مقياس الحرارة لدالينس كما ظهر عام ١٦٨٨م، وهو كما نلاحظ نسخةٌ مُكبَّرة عن مقياس جين ليورشون الذي يأخذ شكل حرف J، إضافة لمقياس كيرشر. (مصدر الصورة: Bolton, Henry Carrington, Evolution of the Thermometer, p. 10.)
أيد يواكيم دالينس J. d’ Alencé (؟١٦–١٧٠٧م) عام ١٦٨٨م مقياس الحرارة الهوائي المغلَق، وقد صنع مقياسًا له شكل الحرف J يدمج بين مقياس حرارة كيرشر وليورشون. وكان يستعمل الزئبق بدلًا من الماء كسائلٍ ضمني والأنبوب الجانبي كان مختومًا، والفراغ فوق الزئبق خالٍ تمامًا من الهواء. وقد ظهر مقياس دالينس في السنة ذاتها التي وصف فيها أيضًا غويلوم أمونتون مقياس الحرارة الهوائي الذي يتمدَّد فيه الهواء المُسَخَّن مدفوعًا بالزئبق إلى الفراغ المفرَّغ. يُوجَد الخواء التورشيلي في الحوجلة A حيث الزئبق في أسفلها يتمدَّد من خلال الأنبوب ذي الشكل J نحو الحوجلة C. كانت هناك طبقة من محلول ملح البوتاس الملوَّن تعلو الزئبق وتمتد صاعدة إلى القسم الضيق من الأنبوب D. وفوق الثانية طبقةُ زيتٍ مُمْتدة إلى قاع الحوجلة B والتي تحوي الهواء، كان حد زيت البوتاس هو الذي يُحَدِّد درجة حرارة الهواء في الأنبوب الضيق. كان صانع الأداة الفرنسي هوبين ينصح بشدة بمقاييس الحرارة الهوائية لهذا التصميم في هذا الزمن؛ حيث أكَّد على مقارنتها الحسَّاسة الكبيرة مع مقاييس الحرارة الفلورانسية التي تستعمل الكحول.٦٨

أوله رومر (القرن ١٨م)

ظهر جدل بين مُؤرخي العلوم حول أسبقية الوصول إلى مقياس الحرارة الذي يُسمَّى اليوم بمقياس فهرنهايت: هل صاحبه أوله كريستنسن رومر O. Ch. Rømer (١٦٤٤–١٧١٠م) أم دانيال فهرنهايت G. D. Fahrenheit (١٦٨٦–١٧٣٦م)؟
فقد زار فهرنهايت رومر في كوبنهاغن عام ١٧٠٨م وهناك رآه يُحضِّر مقاييس حرارته. كان المقياس يُوضَع في مزيج من الجليد والماء، ثم يُوضَع في ماءٍ دافئ بدرجة حرارة الدم. المسافة بين نقطتَين تم تحديدهما بعدئذٍ مناصفة، والنقطة الثالثة المُشَار إليها كانت بعيدةً أسفل النقطة الأدنى، ومُساوية إلى نصف هذه المسافة. البدء من هذه الدرجة الأدنى مثل الصفر لسلسلةٍ كاملة، من ثَم تمَّ تقسيمها إلى ٢٢٫٥، وجعل درجة ذوبان الجليد ٧٫٥ درجة ودرجة حرارة الدم ٢٢٫٥. يُضيف فهرنهايت بأنَّه تبنَّى هذا التقسيم بنفسه وحافظ عليه حتى عام ١٧١٧م، مع فرقٍ وحيد بأنه قسَّم الأجزاء الصَّغيرة كل درجة إلى أربعة أجزاء، وأعطى كامل التدريج ٩٠ قسمًا؛ من ثَم، بما أن الكسور كانت صعبة، قرَّر بأن يُغيِّر المقياس ويستبدل التقسيمات ٩٠ ﺑ ٩٦. من الواضح أن فهرنهايت احتفظ بترتيب رومر العام الذي فيه ثلث السلسلة الكاملة التي تقع بين الصفر ودرجة الذوبان والثلثَين بين درجة الذوبان ودرجة حرارة الدم، وهكذا أصبحَت درجة الذوبان ٣٢ درجة ودرجة حرارة الدَّم ٩٦ درجة. من هذا نرى بأنَّ مقياس حرارة فهرنهايت الذي نستعمله الآن هو تعديل لمقياس حرارة رومر، وأنه لا يُوجَد أساس للعبارة المقبولة عمومًا بأنَّ فهرنهايت حدَّد صفره كدرجة ﻟ «البرودة العظمى» التي يُمكِن الحصول عليها بمزج الماء والجليد وملح النشادر. مع أنه كان لدى رومر أفكارٌ صحيحة وواضحة بالنسبة لكيفية صنع مقاييس الحرارة، إلا أن عمله عن مقاييس الحرارة لم يحظَ بأهميةٍ كبيرة؛ لأنَّه لم ينشُر أفكاره ولم يوفِّر قَط مقاييس حرارته للآخرين. ومن سُمعة رومر الشهيرة، في تحديده لقيمة سرعة الضوء، يُمكِن للمرء أن يستدل بأن مقاييس الحرارة التي صنَعها كانت أدواتٍ متفوقة جدًّا، لكن التسجيلات المتوفِّرة على نحوٍ ضئيل جدًّا لم تكن كافيةً حتى تُجسِّد ذلك الاستدلال. مبدأ تعريف مقياس الحرارة بواسطة درجتَي حرارة موثوقتَين كان معروفًا تمامًا قبل مدةٍ طويلة من زمن رومر، بعد أن تَم اقتراحُه واستخدامُه عدة مرات على مدار القرن الذي سبق عمله. الأمران الموثوقان بأن رومر قد هدف إلى استعمال درجة الحرارة الأدنى لمزيج من جليد الماء NH4Cl ودرجة حرارة غليان الماء، لكن ولا بأي موضعٍ يذكُر أي استخدام لدرجة الحرارة لذلك المزيج. في مقاييس حرارته الأخيرة، استنتج أنَّ درجة الحرارة من درجة التجمُّد ولا بأي وسيلةٍ تقريبية دقيقة جدًّا. لم يذكُر فهرنهايت في رسالته إلى بيورهاف في السابع عشر من نيسان عام ١٦٢٩م بأنه قد تَعَلَّم من رومر فكرة تعريف المقياس بواسطة نقطتَين ثابتتَين. وإنما ذكر فهرنهايت بأنه رأى رومر كان يُحدِّد المواقع لدرجتَين ثابتتَين على مقاييسِ حرارة معيَّنة تحت الصنع، درجة التجمُّد والدرجة ذات الإشارة ٢٢٫٥ والتي افترضها بشكلٍ خاطئ أنها تُشير إلى حرارة الدم. لكنه لم يقل شيئًا سواء بشأن حجم مقاييس الحرارة أو الاستعمال الذي كانت موضوعة له. بالإضافة إلى تصحيح الكثير من الأفكار حول عمل رومر في علم قياس الحرارة، فإن فهرنهايت يَدين لرومر. نستنتج من ذلك بأنَّ رومر الذي اخترع مقياس الحرارة الحديث وأن مقياس حرارة فهرنهايت ينبغي بكل وضوحٍ أن يُدعى بمقياس حرارة رومر.٦٩

إسحاق نيوتن (القرن ١٨م)

مع الاقتراب من نهاية القرن السابع عشر، مسألة الحصول على مقياس يُستخدَم للقياس الحراري بشكلٍ كافٍ كان يأخذه الكثير من العلماء الرُّواد بعين الاعتبار، بمن فيهم إسحاق نيوتن في عام ١٧٠١م، نشر على نحوٍ مجهول٧٠ تقريرًا في «الجلسات الفلسفية» نتائج أبحاثه في القياس الحراري. كان مقياس حرارته بطول ثلاثة أقدام ذا حوجلة بقُطر بوصتَين. لم يكن بداخله سائل التمدُّد الكحول الشائع، بل «زيت بذر الكتان». من أجل تحديد نقطتَين ثابتتَين في المقياس، اختار نيوتن درجة حرارة ذوبان الثلج (الدنيا) ودرجة حرارة جسم الإنسان (العليا)، وقسَّم الفواصل إلى اثنَي عشر قسمًا. يُغطي مقياس حرارة نيوتن سلسلة من درجات حرارة تجمُّد الماء إلى حرارة الحديد المتوهج الزاهي. كما في الجدول الآتي:٧١
جزء من جدول تجريبي-حسابي لمقياس نيوتن للحرارة الذي حاول أن يجعل منه معيارًا ليعمل عليه الآخرون. وقد علَّق الفيزيائي الفرنسي جان بابتيست بيو J. B. Biot (١٧٧٤–١٨٦٢م) على عمل نيوتن هذا بأنه يحوي على ثلاثة اكتشافاتٍ مهمة؛ (١) طريقة لصنع مقياس حرارة قابل للمقارنة من خلال تحديد المصطلحات القصوى لتدرُّجها من ظواهر ذات درجة حرارة ثابتة. (٢) تحديد قانون التبريد في الأجسام الصلبة عند درجات الحرارة المعتدلة. (٣) مراقبة ثبات درجة الحرارة في الانصهار والغليان.*
تقسيمات الحرارة وفق نيوتن درجات الحرارة المئوية المقابلة لها حاليًّا درجات الحرارة الظاهرة
٠ ٠ ٠ حرارة الهواء في الشتاء، عندما يبدأ الماء بالتجمُّد
١٢ ٣٧ ١ أكبر حرارة يتلقَّاها مقياس الحرارة على سطح جسم الإنسان
٢٤ ٤٠ ٢ حرارة الشمع الذائب
٣٣ ١٠٠ درجة حرارة الماء عند بدء الغليان
٣٤ ٢٫٥ درجة حرارة الماء المغلي بشدة
٤٨ ٢٧١٫٥ ٣ الحرارة الأدنى التي عندها الأقسام المتساوية لذوبان القصدير والبزموت
٩٦ ٣٢٧٫٣٥ ٤ الحرارة الأدنى التي يذوب بها الرصاص
١٩٢ ٥ حرارة الحديد المتوهِّج الزاهي
Bolton, Henry Carrington, Evolution of the Thermometer, p. 61.
ويبدو أنَّ الخلط بين درجة الحرارة والحرارة، كان حاضرًا في ذهن نيوتن والذي شاطره إياه بويل، حيث افترض أنَّ درجة الحرارة يجب أن تكون كميةً تتماثَل مع الوزن والطول أو الوقت. بالفعل، إنَّ الفشل بالتمييز بين هذَين المفهومَين كان يتم مواجهتُه كثيرًا حتى النصف الثاني من القرن الثامن عشر حتى فرَّق جوزيف بلاك أخيرًا بين كمية الحرارة ودرجة الحرارة.٧٢
تأسَّف نيوتن على عدم إمكانية الاستفادة من مقياس درجة الحرارة (زيت الكتان) الخاص به. وقد يكون مع العلماء الحق في ذلك؛ فقد اعتبر نقطة غليان الماء «متغيرة» في حين أن درجة حرارة جسم الإنسان «ثابتة»!٧٣

دانيال فهرنهايت (القرن ١٨م)

figure
(إلى اليمين) فهرنهايت وهو يُجري تجاربه على مقياسه الحراري. (مصدر الصورة: http://www.nndb.com/people/950/000029863) (إلى اليسار) مقارنةٌ حديثة بين مقياسَي درجات الحرارة الفهرنهايتي والمئوي. ولا يزال مقياس فهرنهايت مستخدمًا في الولايات المُتحدة وبعض دول الكومنويلث البريطاني، مع كل تعقيداته. (مصدر الصورة: https://en.wikipedia.org/wiki/Thermometer)
كتب الفيزيائي الألماني دانيال غبرييل فهرنهايت عام ١٧٢٤م يقول: «قبل زُهاء عشر سنوات قرأتُ في تاريخ العلوم أنَّ غوليوم أمونتون الشهير استعان بمقياس حرارة من اختراعه، فاكتشف أن الماء يغلي بدرجة حرارة ثابتة، فأخذَتني فورًا رغبةٌ جارفة بأن أصنع أنا نفسي مقياسًا مثله، حتى أرى بعيني هذه الظاهرة الطبيعية الجميلة وأقتنِع بصحة هذا الاختبار.»٧٤ وكما وجدنا سابقًا أن فهرنهايت كانت له لقاءاتٌ مع رومر وتأثَّر بتجاربه أيضًا، والتي سيضمن نتائجها في مقياسه.
إن الذي دفع فهرنهايت للعمل في هذا المجال ارتكاز بعض المقاييس على ظاهراتٍ طبيعية تتكرر دائمًا عند درجة الحرارة نفسها، وفي ظل ضغطٍ جويٍّ ثابت، وهو ما نجده من اختيار أعضاء أكاديمية ديل شمنتو لنقطتهم الدنيا (برد الشتاء) ونقطتهم العليا (حر الصيف). وكان يعني لهم بردُ الشتاء درجة حرارة الثلج أو الجليد في أقسى أيام الصقيع، أمَّا حرُّ الصيف فقد استخدموا درجة حرارة بقرة أو أيلٍ. واقتَرح أحد الأعضاء أن تُتخذَ درجة حرارة الهواء أثناء الصقيع كنقطةٍ دنيا، ودرجة ذوبان الزبد كدرجةٍ عليا.٧٥
في البداية حاول فهرنهايت أن يُحْسِن انتقاء نقطتَين ثابتتَين، فاتخذ من درجة تجمُّد مزيج الجليد والماء والملح والأمونياك نقطةً دنيا، واتخذ من درجة حرارة جسم الإنسان السليم من المرض نقطةً عليا؛ كونها موثوقةً أكثر من درجة غليان الماء — بحسب اعتقاده٧٦  — وحَدَّدها بقيمةٍ اعتباطية هي ٩٦ درجة٧٧ بدلًا من الدرجة ٩٨ (والتي تُقَابل فعليًّا الدرجة ٣٧° مئوية) التي تُستخدَم اليوم. كما أنَّ فهرنهايت استخدَم الزئبق كسائلٍ للتمدُّد بدلًا من الكحول أو الماء؛ بناءً على ما سبق قرَّر أن الجليد الخالص يذوب عند الدرجة ٣٢ (تُقابِل صفرًا° مئوية)، وأن درجة غليان الماء تُعادِل ٢١٢ درجة (تُقابِل ١٠٠° مئوية). وقال مُنتقِدًا ما توصَّل إليه: «لعلَّ هذه النتيجة تفتقر إلى الكمال من وجوهٍ عديدة، ولكنها استطاعت تحقيقَ رجائي، وكنتُ قرير العين فكريًّا وأنا أراقب دقة هذا الجهاز.»٧٨
بعد ذلك اعتقد فهرنهايت بطريقةٍ ما أنَّ وجود ثلاث نقطٍ ثابتة أفضل من اثنتَين كنقاطٍ مرجعية لتصميم مقياس الحرارة، فكان منه أن اختار مزيجًا متجمدًا من الماء وملح البحر (0F°)، وجليدًا ذائبًا في الماء وحده (32F°)، ودرجة حرارة جسم الإنسان (96F°). فيما بعدُ عدل ذاك المقياس بشكلٍ طفيف، بحيث يضع الماء المغلي عند 212F°؛ أي تمامًا ١٨٠ درجة فوق الجليد الذائب. لا يمكن للمرء أن يحول بين نفسه وبين اعتبار أن١٨٠° هي رقمٌ دقيق، على الأقل عندما تكون الدرجات درجات قوس. من ناحيةٍ ثانية فإنَّ ميدلتون، الذي يصف تطوير مقياس الدرجة الفهرنهايتية ببعض التفصيل، لم يُشِر إلى تلك المُقارنة والنتيجة أنها من المحتمل عَرَضية.٧٩
ثمَّة أمرٌ مهم كان يُدرِكه فهرنهايت نودُّ الإشارة إليه، وهو أن درجة غليان الماء تتوقَّف على الضغط الجوي، وهي الفكرة التي سيرتكز عليها الفيزيائي الإنكليزي وليم هايد ولاستون W. H. Wollaston (١٧٦٦–١٨٢٨م) في صُنع مقياسٍ مزدوج لدرجة الحرارة والضغط معًا (ترموبارومتر) واستعمله لاحقًا كمقياسٍ للارتفاع.٨٠
تَمَّ إرسال مقاييس حرارة فهرنهايت من أمستردام، موطن الصانع، إلى كافة المدن الأوروبية؛ لأنها مصنوعةٌ بعناية وكذلك تعرض إمكانيةَ مقارنةٍ ممتازة، وأحرزَت استخدامًا واسعًا ولا سيما في إنكلترا، فكان أن منحَت إنكلترا فهرنهايت الشرف في عام ١٧٢٤م وذلك بانتخابه عضوًا في الجمعية الملكية.٨١

إدموند هالي (القرن ١٨م)

في تقريرٍ مقدَّم إلى الجمعية الملكية في سنة ١٦٩٣م بعنوان: «تمدُّد وتقلُّص السوائل بالحرارة والبرودة، للتحقُّق من تقسيمات مقياس الحرارة، ولجعل تلك في جميع الأماكن بدون تعديلٍ بالمعيار». اقتَرح إدموند هالي مؤكِّدًا بأن درجات حرارة الأمكنة «عميقًا تحت الأرض» تُقدِّم نقاطًا موثوقةً ثابتة أكثر من نقاط تجَمُّد الماء أو زيت الكتان الذي شكَّك في ثباته. وقد اقترح أيضًا البديل لدرجة غليان الماء أن يكون درجة غليان الكحول النقي. في التقرير ذاته، تمَّت دراسة التمدُّد الحراري لعدة سوائل مع إمكانية تبنِّيها كموادَّ أوليةٍ لقياس الحرارة. وأَقرَّ هالي بأن الماء يتمدَّد بالمقدار ١ / ٢٦ من حجمه في وضعه بدرجة حرارة الغرفة إلى درجة غليانه، حيث يقدِّم الزئبق تزايدًا كسريًّا فقط ١ / ٤٧ على فاصل درجة الحرارة نفسه. ووجد بأن حجم الكحول هو شديد الحساسية بالنسبة لدرجة الحرارة حيث تمدَّد بحوالي ١ / ١٢ من حجمه الأصلي عندما يتم تسخينه من درجة حرارة الغرفة إلى درجة غليانه. مع ذلك، فإنه فضَّل الهواء على الكحول كمادةٍ أوليَّة لقياس الحرارة؛ لأنه اعتقد بأنَّ الكحول تفاوَت في نوعيِّته وفقَد بعضًا من قوة تمدُّده بعد استمرار الاستخدام.٨٢

آندرياس سلسيوس (القرن ١٨م)

اقتَرح الفيزيائي والفلكي السويدي آندرياس سلسيوس A. Celsius (١٧٠١–١٧٤٤م) في تقريرٍ منشور في عام ١٧٤٢م بعنوان: «ملاحظات حول درجتَين ثابتتَين على مقياس الحرارة» اعتبارَ الدرجة الصفر نقطةَ الغليان والدرجةَ ١٠٠ نقطة التجمُّد تحت ضغطٍ جوي واحد ١ (atm).٨٣ والسبب الذي دفع سلسيوس لهذا الاختيار هو تجنُّب الأعداد السَّالبة التي يُمكِن أن يُواجِهَها في أثناء دراسة حرارة المناخ.٨٤
وقد أشار سيلسيوس في تقريرٍ له بأنه تَذمَّر من مقاييس الحرارة الفلورانسية التي ما زال استعمالها شائعًا وهي غيرُ كافيةٍ لأنها فقيرةٌ بإمكانية المُقارنة، لدى مثل هذه المقاييس الحرارة صفر عند منتصف الأنبوب للإشارة إلى «درجة حرارة» الهواء، والتي بَقِيَت قَيدَ الاستعمالِ حتى أواخرِ عام ١٧٤١م في دانزيغ من أجل الأرصاد الجوية.٨٥
لم يدم تدريج سلسيوس السابق طويلًا؛ إذْ بعد وفاته قام — وبشكلٍ مستقلٍّ عن الآخر — كلٌّ من الفرنسي جان بيير كريستين J. P. Christin (١٦٨٣–١٧٥٥م) عام ١٧٤٥م،٨٦ والسويدي مارتن شترومر M. Strömer (١٧٠٧–١٧٧٠م) عام ١٧٤٩م، بعكس تدريجِ سلسيوس لتُصبِح نقطة الغليان هي الدرجة ١٠٠ ونقطة التجمد هي الصفر، وهو ما نراه حاليًّا مستخدم في مقاييس الحرارة الحديثة.٨٧
لقد قام سلسيوس بمقارنة طريقتَين أساسيتَين من أجل القياس في مقياس الحرارة؛ طريقة النقطة الثابتة الوحيدة لبويل، وطريقة النقطتَين اللتَين استخدمَهما لأوَّل مرة سانتوري. واقترح بأن الطريقة الثانية هي إدراكُ ضرورةِ إسقاطِ حسابِ حجمَي الحوجلة والجذع. كان تقرير سلسيوس مشهورًا بشكلٍ رئيس لتَبنِّيه النقطتَين الثابتتَين ودرجتَي غليان وتجميد الماء، وهو الاختيار الذي قُدِّرَ له بأن يحظى بالثقة العالمية في العمل العلمي. اعتماد الضغط الصغير لدرجة تجمُّد الماء كان عليه الانتظارُ مائةَ سنةٍ أخرى لاكتشافه؛ حيث وجدنا بأنَّ سلسيوس يؤكِّد بأن هذه النقطةَ مستقلَّة تمامًا عن أحوال الطقس. وعلى العكس، أَدرَك تمامًا أهميةَ اكتشافِ فهرنهايت بالاعتماد على درجة الغليان في مقياس الضغط الجوي. وحتى يقوم بتدريج مقياس الحرارة، عرَّف درجة الغليان على أنها درجة الحرارة التي يغلي فيها الماء بشدة ضغطٍ جويٍّ متوسط، والذي أخذه بمثابة خمسةٍ وعشرين، وثلاث بوصات بالمائة بالنسبة للزئبق. من أجل انحراف الضغوط عن هذا، نصَح بالقيام بتصحيحٍ خطي؛ حيث إنَّ تغيُّر بوصة من الزئبق في ضغطٍ يوافق درجةً واحدة في نقطة الغليان. كان هذا تطبيقًا جديدًا وابتكاريًّا ومهمًّا بالنسبة لمبدأ البقايا؛ إزالة تأثير عامل الحرارة الزائدة وذلك بالحساب بدلًا من المعالجة اليدوية بالمختبر. ووَفْق النمطِ نفسِه نصَح بالقيام بتصحيحاتٍ من أجل تمدُّد الزجاج.٨٨
يُشكِّك البعض بأنَّ سلسيوس هو من طوَّر هذا المقياس؛ إذْ إنَّ بعض السلطات الرسمية تعزو هذا العمل إلى عالم الأحياء كارل لينيوس C. Linnaeus (١٧٠٧–١٧٧٨م)،٨٩ ومصدَر هذا الادِّعاء أنه في عام ١٨٤٤م، أرسل الفيزيائي الفرنسي فرانسوا أراجو F. Arago (١٧٨٦–١٨٥٣م) رسالةً إلى الأكاديمية الفرنسية للعلوم، نقلًا عن رسالةٍ خاصة من لينيوس، الذي كتب أنه كان أوَّل مَن وضَع ميزان الحرارة مع تقسيمٍ مئوي بين نقطة تجمُّد وغليان الماء، لاستخدامها في منزلٍ أخضر. لكن للأسف لم يتم إعطاء تاريخِ رسالة لينيوس.٩٠ وهو ما قد يفسِّر لنا سببَ إطلاقِ تسمية المقياس المئوي (سنتغراد) عليه. وفي عام ١٩٢٧م تبنَّت ٣١ دولةً في العالم النظام المئوي في قياس درجات الحرارة؛ كونَه أسهل استعمالًا وأكثر ملاءمةً للعلم.

رينيه دي ريومور (القرن ١٨م)

لم يحظَ مقياسُ فهرنهايت بإعجاب البعض؛ حيث اقتَرح الفيزيائي الفرنسي رينيه أنطوان دي ريومور R. A. de Reaumur (١٦٨٣–١٧٥٧م) مقياسًا مدرجًا يُقسم المسافة بين نقطتي الغليان والتجمد إلى ٨٠ درجة.٩١ لا يزال يُستخدَم أحيانًا هذا المقياس في أوروبا، وألمانيا وبعض بلدان التيوتون (الشعوب الناطقة بالألمانية الأخرى).٩٢ لكن لماذا اختار ريومور هذا التقسيم بالذات؟ في الواقع أن الكحول الذي اختاره لمقياسه هو السبب؛ فعند تدريج سُلَّمه اعتمد على درجة حرارة انصهار الجليد، والتي اعتبرها ١٠٠٠. واختار كحولًّا ذا مُعاملِ تمدُّدٍ حراري قيمته (٠٫٠٠٠٨) حيث إنَّ ازدياد حجم الكحول في المقياس بنسبة ٠٫٠٠١ تقابل ارتفاعًا في درجة الحرارة بمقدار درجةٍ واحدة؛ لذلك فإنَّ درجة حرارة غليان الماء في هذا السُّلَّم يجب أن تكون قيمتها أعلى ﺑ «٨٠» درجة من القيمة التي تأخذها درجةُ حرارة انصهار الجليد؛ أي لها القيمة ١٠٨٠. بعد ذلك أُعطِيَت القيمة صفر لانصهار الجليد والقيمة ٨٠ لغليان الماء.٩٣
figure
اصطنع الفيزيائي دو ريومور في فرنسا مقاييسَ كحولية غير عملية، مُقَسِّمًا سُلَّم المقياس إلى ٨٠ درجةً بين نقطتَي التجمُّد والغليان، وقد شَهِد سُلَّمه فيما بعدُ الكثيرَ من التطويرات. (مصدر الصورة والتعليق: ويلسون، ميتشل، الطاقة، ترجمة: مكرم عطية، دار الترجمة والنشر لشئون البترول، بيروت، ١٩٧١م، ص٤٠.)
في الواقع لقد أعاد ريومور طريقةَ بويل في استعمالِ نقطةٍ ثابتة لتحديد المقياس، كما جاء في تقريرٍ له عن «قواعد من أجل صناعة مقاييس حرارة للمُقارنة مع المقاييس» ظهر في عام ١٧٣١م في أكاديمية العلوم الفرنسية. ومع أنَّ ريومور عانى الكثير من أجل تحديد حجمَي الحوجلة والجذع بدقة، إلا أنَّه تجاهَل بالكامل مُلاحظاتِ فهرنهايت عن تأثير الضغط الجوي على درجة الغليان، ولم يقُم بتصحيح هذا المُتغيِّر عندما كان يحدِّد التمدُّد الحراري للمادة الخام (التي كانت كحولًّا) لقياس الحرارة.٩٤
هذا التجاهل أوقع ريومور بأخطاءٍ خطيرة؛ فقد اعتقد خطأً أنه حصل على درجة حرارة الماء المغلي عن طريق غَمر أنبوب الكحول غير المختوم في الماء المغلي؛ لهذا وغيره من الأسباب لم تكن مقاييس ريومور مَرْضيًّا عنها، كما أنها خالفَت المعايير التي تسعى لتصغير الحجم، وزاد الطينَ بِلَّة بنقل مقاييسه إلى الزئبق.٩٥

يوهان لامبيرت (القرن ١٨م)

لم يتمَّ العودةُ والاهتمامُ بما طرحه أمونتون إلا بعد ثلاثة أرباعِ قرن، وذلك عندما قام يوهان هاينريش لامبيرت J. H. Lambert (١٧٢٨–١٧٧٧م) باستخدام مقياسٍ ذي ضغطٍ ثابت لقياس حرارة غازي بحيث يُطابق بعضًا من عمل أمونتون المبكِّر. في غضون ذلك ظهر اهتمامٌ أكبر وبعضُ التقدُّم في تطوير تقانة قياس درجة الحرارة، عندها استطاع لامبيرت تعيينَ هُوية أكثر من ١٩ مقياسًا مختلفًا مدَرَّجًا لدرجة الحرارة، والتي سبق وأن اقتُرحَت من قِبَل مؤلِّفين لنُظمٍ مختلفةٍ لقياس الحرارة؛ فالماء والزيوت والمحاليل الكحولية المتنوِّعة والزئبق بالإضافة إلى الهواء كلها موادُّ استُخدمَت، وقد قال لامبيرت بشأن الصفر المطلَق: إن «درجة الحرارة المساوية للصفر هي في الواقع ما يمكن أن يُدعَى البرودة المطلقة … عندما يكون حجم الهواء صفرًا أو عمليًّا صفرًا.» للأسف فَشِل لامبيرت مثل أمونتون في عرض نتائجه عن التمدُّد الحراري للهواء سواء بطريقةٍ تُقدِّم تعديلًا واضحًا لقانون الغازات أو تقديم أساسٍ قوي لنظامٍ مُتدرِّج لدرجة الحرارة المُطلَقة.٩٦
حتى القرن السابع عشر لم يكن هناك اتفاقٌ موحَّد بين العُلماء الأوروبيين أنفسهم على تقسيمات مقياس الحرارة؛ إذْ نجدُ لدى لامبيرت القولَ بأنهم قاموا بتقسيمها إلى ثماني درجات، في منتصف القسمة يكون «المتوسِّط»، وأنه كان هناك أربعُ «درجات من البرودة» وأربعُ «درجات من الحرارة»؛ معتدل، ودافئ، ودافئ جدًّا، وحارٌّ فوق المعدَّل.٩٧ وهي تقسيماتٌ متقاربة جدًّا مع تقسيمات ابن سلوم الحلبي التي أخذها عن دانييل سنرت.٩٨

جوزيف بلاك (القرن ١٨م)

قدَّم جوزيف بلاك مُسَاهماتٍ رَائِعة لحقل الحرارة في أثناء السنوات العشر التي تلَت عام ١٧٥٦م؛ فقد حلَّ بوساطة تفكيره الواضح مع القليل من التجارب «الحاسمة» الخلطَ بين مفهومَي الحرارة ودرجة الحرارة، وفهم التوازُن الحراري، وتقدَّم بمذهبه عن الحرارة النوعية، وطوَّر طريقتَه في المزيج وأرسَى مفهوم الحرارة الكامنة. في تعليق على «توزيع الحرارة» يقول بلاك: «هذا هو ما كان يُدعى عمومًا بالحرارة المتساوية، أو تساوي الحرارة بين مختلف المواد، والتي أَدْعوها بتوازُن الحرارة. طبيعة هذا التوازُن لم يكن مفهومًا على نحوٍ جيد، إلى أن أشارت طريقة في التحري عنه. تصوَّر د. بيورهاف، بأنه عندما يحصُل على ذلك، تُوجد كميةٌ مساوية للحرارة في كل قياسٍ للفراغ، على كل حالٍ مملوءة بمختلف المواد.» «لكن هذا يأخذنا بنظرةٍ سريعة في هذا الموضوع؛ فهو يدحض كمية الحرارة في مختلف الأجسام مع قُوَّتها الطبيعية أو شدتها، مع ذلك من الواضح بأن هذَين أمران مختلفان، وينبغي دائمًا أن يكون متميزًا، عندما نفكِّر بتوزيع الحرارة.» التقدُّم المهم الذي قام به بلاك كان، في الجزء الأكبر منه، بسبب اختراعه واستخدام المقياس الحراري عام ١٧٦٠م. وقد حسَّن من الأداة آخرون، وخصوصًا لافوازييه ولابلاس، وطوَّرا تقنية استعمالها.٩٩

جان أندريه ديلوك (القرن ١٩م)

تُفسِّر سمعة ريومور التأخُّر، سيما في فرنسا، في إدراك تفوُّق الزئبق كسائلٍ لقياس الحرارة. في عام ١٧٧٢م أيَّد جان أندريه ديلوك بنجاحٍ تبنِّي الزئبق من أجل هذا الغرض. وقد درَّج مقياسه مثل سلسيوس، مُستخدمًا نقطة الجليد ودرجة غليان الماء. لكن كان لريومور تأثيره في قراره بتخصيص الرقمَين صفر و٨٠ درجة على التوالي إلى هاتَين النقطتَين، وليس كما فعل سلسيوس بين الصفر و١٠٠. ومن الواضح أيضًا بأن ديلوك يمضي بثقةٍ لتأسيسِ الحقيقة بأن التمدُّد الحراري لسائلٍ عمومًا لا يتناسَب مع آخر. هذا الاختلاف في متوسط درجات تمدُّد مختلف السوائل أدركَ باكرًا جدًّا من تاريخ علم قياس الحرارة، وبعد بويل، أصبح من الواضح أن استخدمَ المرء طريقةَ النقطة الوحيدة لتدريج المقياس والمُطابِق للدرجة بكسرٍ ثابت للحجم عند نقطةٍ ثابتة، الشيء نفسه بالنسبة لجميع السوائل، وهكذا فقد يعطي كل سائل مقياسًا مختلفًا. ما زالت هناك إمكانية متبقية بأن تمدد سائل ما كان يتناسب مع آخر في حالة مقاييسَ مختلفة، والتي تم الحصول عليها بجعل مقاييس الحرارة فقط تستخدم كِلا السائلَين وتتزامن بنقطتَين. وقد لاحظنا بأنَّ فهرنهايت افترض ضمنيًّا بأن هذه الحالة قد تكون حالة مقاييس الحرارة التي تستخدم الكحول والزئبق. على أية حال، وجد ديلوك بعد صناعة مقاييس الحرارة بمختلف السوائل بما في ذلك الزئبق والكحول، وملاحظة سلوكها، بأن السائل ليس لديه درجةُ تمدُّد متوسطة فقط، وإنما يخضع أيضًا لقانون التمدُّد الحراري الغريب بحد ذاته، ولا يكفي القيام بإجراءٍ بسيط لجعل مقاييس السوائل المختلفة لتكون مقياسَ حرارة متوافقًا بشكلٍ عام. وفي هذا الصدد، بيَّن ديلوك بأن السلوك الغريب للماء بضع درجات فوق نقطة التجمُّد نجَم عن وجود حدٍّ أقصى فعليٍّ في كثافته.١٠٠

دالتون (القرن ١٩م)

حاول جون دالتون أن يضع مبدأً جديدًا في تصميم مقاييس الحرارة؛ فالمبدأ الذي اعتمدَه السابقون أن: «الدرجات في مقياس الحرارة تقابل زياداتٍ متساوية في الحجم»، لم يكن مقنعًا بالنسبة له، ولذلك اقترح أن «الدرجات في مقياس الحرارة تقابل زياداتٍ نسبيةً متساوية في الحجم»، وقام بصُنع مقياسٍ خاص سُمِّي باسمه. إلا أن سُلَّم دالتون لا يحوي الصفر المُطلَق مما غيَّر الكثير من الأفكار الفيزيائية وزادها تعقيدًا بحيث تتوافق مع صيغته؛ لذلك لم يُكتَب لهذا السُّلم والمقياس النجاح.١٠١
ربط دالتون تمدُّد الغازات المتماثلة مع إيمانه بأن التمدُّد يعتمد فقط على الحرارة، ويحدِّد هذا الربطَ في المواد الصُّلبة والسوائل كلٌّ من الحرارة والانجذاب الكيميائي. نتيجة ذلك، اعتقد بأن القوانين العامة والتي تتعلَّق بكمية وطبيعة الحرارة، قد تتبع بسرعة الملاحظات على الغازات أكثر من الملاحظات على السوائل والأجسام الصُّلبة. وهكذا وصل دالتون إلى مكانٍ منطقي يتم النظر منه إلى مقاييس الحرارة بأنها تُقدِّم قياسًا لدرجة الحرارة الأكثر عقلانية. لقد كان السؤال فيما إذا كان تمدُّد الهواء الحراري يتناسب مع قراءات مقياس الحرارة الزئبقي، والذي اعتُبر مهمًّا للغاية.١٠٢

اللورد كلفن (القرن ٢٠م)

يَدين اللورد كلفن لأعمال كارنو وجول التي أمدَّته بإلهاماتٍ أدَّت لتطوير مقياسه الحراري المُطلَق؛ حيث إنه لا يتقيَّد بخصائص المادَّة الحرارية المترية، والمُستخدَم بشكلٍ خاص في الديناميك الحراري.١٠٣ كما أنَّه يَدين لاكتشاف الفيزيائي جاك تشارلز القائل: «إنَّ الغازات تفقد ١ / ٢٧٣ من حجمها عند درجة ٠° سلسيوس كُلما هبطَت درجةُ حرارتها درجةً واحدة.»١٠٤
كان كلفن يعلَم أن المقاييس الزجاجية الحاوية على سوائل لها استجاباتٌ مختلفةٌ وغيرُ خطية، فكان ثمَّة حاجةٌ إلى تصميم مقياسٍ لدرجة الحرارة يعتمد على قانونٍ طبيعي وليس تمدُّد أحد السوائل، فلاحظ كلفن انتظامًا مُدهشًا في سلوك المقادير الثابتة من الغازات المختلفة، ولدى رسم مُنحنَى تغيُّرات الضغط مع درجة الحرارة لمختلف الغازات ومد الخطوط على استقامتها عندما يُساوي الضغط الصفر، فإنَّ الخطوط كلها تتجمع عند درجة حرارة ٢٧٣٫١٦° مئوية تحت الصفر، فاقترح كلفن اعتبار تلك الدرجة الصفر المطلَق لدرجة الحرارة، بحيث تصبح كل درجات الحرارة موجبةً بالنسبة لهذا الصفر.١٠٥
لقد صمَّم كلفن مقياسه اعتمادًا على أنَّ الحرارة عبارة عن حركةٍ عشوائية لجسيمات المادة، ووجد أن يبدأ قياس درجة الحرارة من نقطة (الصفر المطلَق) حيث لا يكون للجسيمات أية حركة، وكان كارنو قد بيَّن سابقًا وبشكلٍ نظري أن هذه النقطة يجب أن تكون واحدةً لدى جميع المواد،١٠٦ لتكونَ بذلك أخفضَ درجةٍ في الكون، وقد أصبحَت مُمَارسةً شائعة أن نرمز إلى قيم درجة الحرارة على مقياس كلفن ﺑ T، والنتيجة أننا نحصل على العلاقة: .
بعدها اختير المقياس المطلَق لكلفن بسرعة، ويُستعمل الآن بواسطة العلماء في كل أنحاء العالم. من ناحيةٍ ثانية، تغيَّر المقياس على نحوٍ دقيق منذ إدخاله. في عام ١٩٥٤م، أُلغيَت وباتفاقٍ دولي درجات حرارة الجليد الذائب والماء المغلي بوصفها نقطًا ثابتة، وقد استُبدلَت بنقطةٍ ثابتة مفردة أخرى هي النقطة الثلاثية triple point للماء: .
والنقطة الثلاثية هي درجة الحرارة والضغط اللذان عندهما الأطوار الصَّلبة والسَّائلة والبخارية لمادةٍ نقية يُمكن أن تُوجَد معًا في توازن. وتُوجَد هذه النقطة عندما يتزامن وجود الجليد والماء السائل وبُخار الماء في الوقت نفسه ويكون ضغطها هو ptr = 6.1mbar، ودرجة حرارتها هي ttr=0.01ºC على المقياس المئوي سلسيوس.١٠٧
يعود السبب في اعتماد مقياس كلفن المُطلَق في قياس درجة الحرارة؛ لأنه يسمح بصياغة قوانين الحرارة الديناميكية بأبسط وسيلةٍ ممكنة؛ حيث إن قِيَمَه تُعبِّر عن الطاقة أكثر من التعبير عن حجم تغيُّرات المواد المُختلفة. أمَّا القوانين المشتملة على درجة الحرارة، فستكون أكثر تعقيدًا بكثيرٍ إذا استُخدم أيُّ مقياسٍ آخر.١٠٨

توماس آلبوت (القرن ٢٠م)

بعد أكثر من ١٠٠ سنة على اختراع فهرنهايت لمقياس الحرارة الزئبقي، اخترع الطبيب الإنجليزي توماس كليفورد آلبوت Th. C. Allbutt (١٨٣٦–١٩٢٥م) في عام ١٨٦٧م، مقياس الحرارة الطبي الزئبقي؛ إذ كان طول المقياس القديم المستخدَم حوالي قدمٍ واحدة (أي: ٣٠٫٤٨سم)؛ ولذلك كان يستغرقُ قياس درجة حرارة المريض قريبًا من عشرين دقيقة. بينما مقياس آلبوت (الحاوي أيضًا على الزئبق) لم يتجاوز طوله ١٥سم، ويُسَجِّل درجة حرارة المريض في خمسِ دقائق. وما فعلَه آلبوت هو أنه ضيَّق من الأنبوب الشعري الذي يسير بداخله الزئبق، وذلك ليضمن عدم رجوعه السريع. ويعود الدَّافع لاختراعه لهذا النوع من المقاييس الحرارية إلى حدوث جائحةٍ من وباء التيفوس في مدينة ليدز البريطانية؛ حيث كان يعمل هناك في المشفى كأخصائي في الأمراض الباطنية، وقد وجد صعوباتٍ جمة في أداء المقياس الحراري القديم، فقال عندها: «سأخترع ترمومترًا في يومٍ من الأيام يُمكن استعماله في دقائقَ معدودة، ويُمكِن وضعه تحت اللسان، وسيكون صغير الحجم حتى يمكن حملُه في الجيب وليس في القبعة أو تحت الذراع.» وأضاف: «إنني مقتنع بأنَّ مقياس درجة حرارة المرضى سيُصبِح مُهِمًّا مع مرور الوقت، وسيعلَم الأطباء أن درجة الحرارة العالية والمرض غالبًا ما يكونان مرتبطَين ببعضهما بعضًا.»١٠٩
لقد انقضى ردَحٌ من الزَّمن، أُدخلَت في أثنائها تحسيناتٌ طفيفة على مقياس الحرارة الطبي الذي اختَرعَه آلبوت، قبل أن يتمكن الجَرَّاح الألماني ثيودور هانز بينزينجر Th. H. Benzinger (١٩٠٥–١٩٩٩م)، من اختراع مقياس حرارة الأذن بدلًا من الفم، ثم كانت الطفرة العلمية الهائلة في النصف الثاني من القرن العشرين سببًا في اختراع مقياس الحرارة بالأشعة تحت الحمراء Infra-red Thermometer، عام ١٩٨٤م، وكان صاحب الاختراع هو الباحث دافيد فيليبس D. Phillips. أعقب ذلك إدخالُ تحسيناتٍ وتطويرات على مقياس الحرارة الطبي، أدَّت إلى إنتاجِ ما يُسَمَّى مقياس الحرارة الإلكتروني Electronic Thermometer، وهو مقياسٌ رقمي Digital Thermometer، مزوَّد بشاشة من الكريستال السائل، تظهر عليها درجة الحرارة التي يُسَجِّلها المقياس من جسم الإنسان (من فمه أو من أذنه). لكن مع كل هذه التطويرات والابتكارات، لا يزال مقياس الحرارة الزئبقي الذي اختَرعَه آلبوت في القرن التاسع عشر، شائع الاستعمال على نطاقٍ واسع، في القرن الحادي والعشرين.١١٠
١  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 6–7.
٢  Ibid, p. 1.
٣  Bolton, Henry Carrington, Evolution of the Thermometer, Easton, PA.: The Chemical Publishing Co., 1900, p. 90.
٤  قياسات درجة الحرارة عند درجاتِ حرارةٍ منخفضةٍ جدًّا لا تزال مشكلة، القارئ المهتم يُحال إلى المنشور: Die SI-Basiseinheiten. Definition, Entwicklung, Realisierung” [وحدات SI الأساسية. التعريف والتطوير والتحقيق] Physikalisch Technische Bundesanstalt, Braunschweig & Berlin” (١٩٩٧م)، صفحة ٣١–٣٥.
٥  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 6.
٦  جونو وبوغسون، تاريخ الفلسفة والعلم في أوروبا الوسيطية، ترجمة: د. علي زيعور، د. علي مقلد، مؤسسة عز الدين، بيروت، ١٩٩٣م، ص٢٢٥.
٧  سارتون، جورج، تاريخ العلم، ج١، ص٦١٨.
٨  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, Osiris, Vol. 12 (1956), The University of Chicago Press on behalf of The History of Science Society, p. 273.
٩  أو مبدأ عدم كفاية السبب principle of insufficient reason.
١٠  مع ذلك فإنَّ اختبار الجسم وخاصيَّته لقياس الحرارة ووظيفة درجة الحرارة يجب أن تلتقي بشروطٍ أساسيةٍ أولية.
١١  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 3–4.
١٢  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 302.
١٣  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 273.
١٤  Bolton, Henry Carrington, Evolution of the Thermometer, p. 27.
١٥  النمر، عبد الرحمن، مقياس الحرارة اكتشفه جاليليو وأحدث ثورة في الطب الحديث، ص٧٣–٧٤.
١٦  Purrington, Robert D.,The First Professional Scientist: Robert Hooke and the Royal Society of London, Birkhäuser,Berlin, 2009, p. 49.
١٧  (Sanctorii Sanctorii Commentaria in Artem medicinalem Galeni).
١٨  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 277.
١٩  كارناب، رودلف، الأسس الفلسفية للفيزياء، ص١١٨.
٢٠  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 274.
٢١  أي قُطر الأنبوبة الزجاجية حوالي ١٥ملم.
٢٢  طول الشبر حوالي ٢٢٫٨٦سم.
٢٣  ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص٢٩.
٢٤  جريبين، جون، تاريخ العلم (١٥٤٣–٢٠٠١م)، ج١، ص١١٥.
٢٥  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 273.
٢٦  ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص٢٩.
٢٧  Frisinger, H. Howard, A History of Meteorology: to 1800, American Meteorology Society, New York, 1977. p. 49.
٢٨  بولتون، س. ك، مشاهير رجال العلم، ترجمة: وصفي حجاب، دار الكتاب العربي، بيروت، ١٩٦٣م، ص٢٦.
٢٩  “Le Opere di Galileo Galilei”، الجزء XII, Firenze, Tipografia di G. Barbera (١٩٠٢م)، الصفحة ١٣٩، الرسالة، ورسائل أخرى بقلم ساغريدو إلى جاليليو هي مُفعَمة بالإطراء، أيضًا تعليقات متملِّقة يبدو أن الرَّجل الأكبر سنًّا قد قدَّرها، جزءٌ من ذلك يمكن عزوه، رُبَّما، إلى آداب الفترة، لكن، في الواقع، يمكن عمومًا ملاحظة — حتى في وقتنا — أنه، كلما كان العالم بارزًا أكثر قبل الآن، كلما تطلَّب ثناءً أكثر، واللبِق يعرف ذلك.
٣٠  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 3.
٣١  ورد عند القفطي، ويُلاحظ وجود خلط عند ابن النديم بنسبة كتابَي هيرون إلى فيلون أيضًا. هذا الكتاب يُوجَد منه نسخةٌ مخطوطة في خزانة أيا صوفيا برقم (٢٧٥٥). يتضمن أمورًا عديدة عن طبيعة الهواء ونسبته للماء وفي الخلاء والممص وغير ذلك، كما يحوي على مقالة في الساعات المائية والآلات الروحانية. انظر: مجلة المشرق، ع٣، ص٦٢٢.
٣٢  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 273.
٣٣  أوكونور، جوزيف وماكدرموت، أيان، فن تفكير الأنظمة، مكتبة جرير، ط١، الرياض، ٢٠٠٥م، ص٢٣٢.
٣٤  قصة ميزان الحرارة، مجلة القافلة، الظهران، ص١٣.
٣٥  ما يؤكِّد صحة كلامنا الأبحاث على مكشاف جاليليو والتي أُجريَت من قِبَل الباحثين الأمريكيين في الجمعية الكيميائية الأمريكية. التي أبدَوا من خلالها شكَّهم وريبتَهم في اختراع جاليليو للمكشاف الحراري. انظر:
• “Galileo didn’t invent thermometer that bears his name”, ACS News Service Weekly PressPac: September 05, 2012.
• “Galilean Thermometer Not So Galilean”, Journal of Chemical Education, Peter Loyson, Department of Chemistry, Nelson Mandela Metropolitan University, Port Elizabeth, 6031, South Africa, J. Chem. Educ., 2012, 89 (9), pp. 1095–1096.
٣٦  ويلسون، ميتشل، الطاقة، ترجمة: مكرم عطية، دار الترجمة والنشر لشئون البترول، بيروت، ١٩٧١م، ص٢٩.
٣٧  Récréations des savants.
٣٨  Frisinger, H.Howard, A History of Meteorology: to 1800, American Meteorology Society, New York, 1977. p. 50–52.
٣٩  (Récréations mathématiques, 1642) في الواقع أن كتاب ليورينشون مَرَّ من خلال سبع عشرة طبعة، ولعلَّه يستنتج المرء بأن نموذج J كان معروفًا على نحوٍ واسع.
٤٠  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 278.
٤١  جاء وصف هذا المقياس في مخطوطةٍ موجودة في: library of the Arsenal, Venice, entitled “Matematica meravigliosa,” written by Telioux, a Roman engineer, in 1611, that is said by the historian Libri (Histoire des sciences mathématiques en Italie, Vol. IV, p. 471, notes).
٤٢  Bolton, Henry Carrington, Evolution of the Thermometer, p. 11–12.
٤٣  النمر، عبد الرحمن، مقياس الحرارة اكتشفه جاليليو وأحدث ثورة في الطب الحديث، مجلة التقدم العلمي، العدد ٥٣، الكويت، يونيو/٢٠٠٦م، ص٧٤.
٤٤  ويلسون، ميتشل، الطاقة، ترجمة: مكرم عطية، دار الترجمة والنشر لشئون البترول، بيروت، ١٩٧١م، ص٢٩.
٤٥  Frisinger, H. Howard, A History of Meteorology: to 1800, American Meteorology Society, New York, 1977. p. 52.
٤٦  وفي هذا العام وصف إتيان فرانسوا جيفروي É. F. Geoffroy مكشافًا حراريًّا هوائيًّا مُتطابقًا تقريبًا مع وصف أثناسيوس كيرشر، الذي تم وصفُه في عام ١٦٤٣م، ولكن لم يطلع عليه الفرنسيون على ما يبدو. عن: Bolton, Henry Carrington, Evolution of the Thermometer, p. 60.
٤٧  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 279–280.
٤٨  Frisinger, H. Howard, A History of Meteorology: to 1800, American Meteorology Society, New York, 1977. p. 52–53.
٤٩  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 307.
٥٠  Frisinger, H. Howard, A History of Meteorology: to 1800, American Meteorology Society, New York, 1977. p. 53–55.
٥١  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 296.
٥٢  Ibid p. 294.
٥٣  Hunt, F.V., Origins in acoustics, p 156.
٥٤  Frisinger, H. Howard, A History of Meteorology: to 1800, American Meteorology Society, New York, 1977. p. 55–57.
٥٥  Frisinger, H. Howard, A History of Meteorology: to 1800, American Meteorology Society, New York, 1977. p. 57.
٥٦  من باب التذكير نقول بأن طول المسافة بين تدريجتَين متتاليتَين في أي مقياس حرارة يتعلَّق بقيمة معامل التمدُّد الحراري للسائل في المقياس. ومعامل التمدُّد الحراري هو معدَّل التغيُّر الكسري لأبعاد الجسم أو حجمه مع تغيُّر درجات الحرارة. عن: حمودة، إبراهيم، معجم الفيزياء، دار أكاديميا، بيروت، ١٩٩٢م، ص٤٧٤.
٥٧  تم صياغة تفسير التجربة للتأكُّد من نسبة تمدُّد السائل الكحولي في مقياس الحرارة وذلك فيما يتعلق بدرجات الحرارة.
٥٨  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 304–305.
٥٩  De logistica medica.
٦٠  Middleton, W.E. Knowles, A History of the Thermometer and its Use in Meteorology, The Johns Hopkins Press, Baltimore, Maryland, 1966. p. 3-4.
٦١  النمر، عبد الرحمن، مقياس الحرارة اكتشفه جاليليو وأحدث ثورة في الطب الحديث، مجلة التقدم العلمي، العدد ٥٣، الكويت، يونيو/٢٠٠٦م، ص٧٤.
٦٢  Frisinger, H. Howard, A History of Meteorology: to 1800, American Meteorology Society, New York, 1977. p. 55–57.
٦٣  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 293.
٦٤  Hunt, F.V. Origins in acoustics, p. 155.
٦٥  Hunt, F.V. Origins in acoustics, p. 156.
٦٦  يذكُر أحد المؤرخين أن أوله رومر وكريستيان وولف أيضًا من أوائل العلماء الذين وضعوا الزئبق بدلًا من الكحول عام ١٧٠٩م. عن: Bolton, Henry Carrington, Evolution of the Thermometer, p. 56.
٦٧  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 309.
٦٨  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 307.
٦٩  Cohen, I. Bernard, Roemer and Fahrenheit, Isis, Vol. 39, No. 1/2 (May, 1948), The University of Chicago Press on behalf of The History of Science Society, pp. 56–58.
٧٠  تم النشر في كتابه (تدريج السلم) أو (Scala graduum). ويبدو من كُتب نيوتن أنه كان مشغولًا بهذه الدراسة بين عامَي (١٦٩٢–١٦٩٣م) وهي الفترة التي كان يعمل فيها ناظرًا في دار سك العملة في لندن. عن: Bolton, Henry Carrington, Evolution of the Thermometer, p. 60.
٧١  Frisinger, H. Howard, A History of Meteorology: to 1800, American Meteorology Society, New York, 1977. p. 57.
٧٢  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 305.
٧٣  Bolton, Henry Carrington, Evolution of the Thermometer, p. 62.
٧٤  ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص٢٩.
٧٥  المرجع السابق نفسه، ص٣٠.
٧٦  بيريلمان، ياكوف، لماذا؟ اسأل الفيزياء، ترجمة: إسكندر منيف وبسام الحسين، ط١، دار شعاع، حلب، ٢٠٠١م، ص١٤٣.
٧٧  لقد اختار هذا الرقم بالذات لأنه سهل القسمة عليه؛ أي ٤ × ٢٤ = ٩٦، والرقم ٢٤ هو عدد ساعات اليوم؛ أي إن مقياسه مقسَّم فعليًّا لأربعة أقسام، وتقابل ٩٦ الدرجة ٣٥٫٥ درجةً مئوية؛ أي أنقص بدرجة ونصف من درجة حرارة جسم الإنسان الحقيقية.
٧٨  ويلسون، ميتشل، الطاقة، ترجمة: مكرم عطية، دار الترجمة والنشر لشئون البترول، بيروت، ١٩٧١م، ص٣٠.
٧٩  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 4.
٨٠  فوربس، ر. ج.، وديكستر، إ. ج.، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ط٢، ترجمة: أسامة أمين الخولي، ج٢، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٩٢م، ص٤٤.
٨١  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 296–299.
٨٢  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 294.
٨٣  ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص٣٠.
٨٤  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 4.
٨٥  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 302.
٨٦  Bolton, Henry Carrington, Evolution of the Thermometer, p. 85.
٨٧  فوربس، ر. ج.، وديكستر، إ. ج.، تاريخ العلم التكنولوجيا، ج٢، ص٤٥.
٨٨  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 300–301.
٨٩  روف، ألبرت، ما هي الحرارة؟ الموسوعة العلمية الميسرة، مجلد ٣، ج٢، ص٢٣٣.
٩٠  Bolton, Henry Carrington, Evolution of the Thermometer, p. 86.
٩١  ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص٣٠.
٩٢  روف، ألبرت، ما هي الحرارة؟ الموسوعة العلمية الميسرة، مجلد ٣، ج٢، ص٢٣٣.
٩٣  بيريلمان، ياكوف، لماذا؟ اسأل الفيزياء، ترجمة: إسكندر منيف وبسام الحسين، ط١، دار شعاع، حلب، ٢٠٠١م، ص١٤٣.
٩٤  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 300.
٩٥  Bolton, Henry Carrington, Evolution of the Thermometer, p. 82.
٩٦  Hun, F. V., Origins in acoustics, p 156.
٩٧  McKie, Doglas & De V. Heathcot, Niels, The Discovery ofspecific and latent heats, Arno press, New York, 1975, p. 55.
٩٨  سنرت طبيبٌ ألماني، ألَّف ونشَر مؤلَّفاتٍ طبيةً كثيرة كان منها كتابٌ كبير ألَّفه باللاتينية تحت عنوان «القوانين الطبية»، وقد استند ابن سلوم على هذا الكتاب فيما نقلَه من نظريات ومفاهيم باراسلسيوس الطبية. عن: الطب الجديد الكيميائي، ابن سلوم الحلبي، تحقيق: كمال شحادة، منشورات جامعة حلب، معهد التراث العلمي العربي، حلب، ١٩٩٧م، ص٢٣–٢٤.
٩٩  Burr, Alex. C., Notes on the History of the Concept of Thermal Conductivity, Isis, Vol. 20, No. 1 (Nov., 1933), The University of Chicago Press on behalf of The History of Science Society, pp. 251–253.
١٠٠  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 301–302.
١٠١  بيريلمان، ياكوف، لماذا؟ اسأل الفيزياء، ترجمة: إسكندر منيف وبسام الحسين، ط١، دار شعاع، حلب، ٢٠٠١م، ص١٤٥.
١٠٢  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 321.
١٠٣  بولتون، س. ك، مشاهير رجال العلم، ص٨٩.
١٠٤  موتز، لويد وويفر، جيفرسون هين، قصة الفيزياء، ط١، ص١٨٠.
١٠٥  كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص٢٣٨.
١٠٦  مطلب، محمد عبد اللطيف، تأريخ علوم الطبيعة، ص٢٦١.
١٠٧  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 6.
١٠٨  كارناب، رودلف، الأسس الفلسفية للفيزياء، ص٨٠.
١٠٩  السمري، محمد مصطفى، الترمومتر الطبي قصة اختراعه وأهميته، مجلة القافلة، العدد ٥٦١، شوال ١٤٢١ﻫ/ديسمبر ٢٠٠٠–يناير ٢٠٠١م، ص٢٢.
١١٠  مقياس الحرارة الطبي عمره خمسة قرون من دورق جاليليو إلى جهاز رقمي، العربي العلمي، العدد ٥، الكويت، ٢٠١٢م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤