الفصل الأول

جذور العلاقة بين البشر والنار

مقدمة

النار Fire هي الحرارة والضوء المُنْبَعِثان من المواد المُشتعِلة.١ وعلى هذا تُعَدُّ النار أحد مصادر الحرارة الأرضية الذي يمكن الاعتماد عليه عندما تغيب حرارة الشمس في السماء. وقد كتب عالِم الأنثروبولوجيا الفرنسي كلود ليفي شتراوس C. Lévi-Strauss: «إنَّ تدجين النار جعل الإنسان يعتدي على الثقافة؛ فقد انفصل عن الطبيعة واندفع نحو عُزلة التاريخ.» وقد يكون هذا الوصف مناسبًا لتاريخ علاقة البشر بالنار؛ فالنار بحد ذاتها ليست اختراعًا ولا اكتشافًا، وإنما استخدَمها البشر بوصفها أداة،٢ حيث إنه أساء استخدام هذه الأداة عندما شَنَّ الحروب وقتَل بني جنسه.
figure
في عام ٢٠١٢م، قال باحثون إن لديهم أدلةً جديدة على أن أجداد الانسان قد استخدموا النار في وقتٍ أبكر عما هو معروف، وقبل نحو مليون سنة، وتتمثَّل الأدلة الجديدة في أجزاء من رماد وعظام وُجدَت في كهف ونديرويرك في جنوب أفريقيا. نُشِر البحث في مجلة (PNAS). ووصف الباحثون في بحثهم بقايا عشبٍ وأغصانٍ وأوراقٍ وحتى عظامٍ محترقة في رواسب الكهف على بُعد نحو ٣٠ مترًا عن مدخل الكهف. وأشاروا إلى أن هذا البُعد يجعل آثار النيران تبدو بعيدة عن احتمال كونها مجرَّد نيرانٍ طبيعية نقلَتها الرياح إلى داخل الكهف. كما أنَّ عُمق الرواسب يُشير إلى أن هذه النيران كانت تُشعَل في البقعة ذاتها لمراتٍ عديدة. وإذا صح ذلك، فإنَّ اكتشاف ونديرويرك سيدفع أقدم تاريخٍ موثَّق لسيطرة الانسان على النار إلى نحو ٣٠٠ ألف عامٍ أسبق من التاريخ المعتمد. (مصدر الصورة والتعليق من موقع: http://www.bbc.com/arabic/scienceandtech/2012/04/120403_fire_evidence.shtml)
وصول الإنسان لاستخدام النار تعلَّم منه ألا يتعرَّض للمخاطر وأن يضبط مخاوفَه الخاصة، وهو ما جعله يزداد ثقةً بنفسه ويتسلَّط على غيره. لقد أيقظَت النارُ الإنسان وأنقذَته وساعدَت في جعله اجتماعيًّا أكثر. وفوق ذلك كله فقد حرَّرَته من موطنه الاستوائي الأصلي.٣ ويرى الباحث يوهان غودزبلوم J. Godzbloom في كتابه (النار والحضارة): «بشكلٍ يتجاوز اللغة واستخدام الأدوات، فإنَّ القدرة على التعامُل مع النار والاستفادة منها هو أمرٌ يقتصر على البشر، هناك لغاتٌ بصورةٍ بدائية وهناك قُدرة على استخدام الأدوات لدى الرئيسيات من غير البشر، إلا أنَّ الإنسان وحده تعلَّم، كجزء من ثقافته، كيفية التعامل مع النار.»٤
يُمكننا القول إنَّ العلاقة بين البشرية والنار بدأَت من خلال ملاحظة الإنسان لأفعال البرق والنشاط البركاني في إشعال الحرائق في الغابات، ثم انتقلَت هذه العلاقة لتكون أكثر قربًا وأقل حجمًا حتى يُمكن الاستفادة منها، وبهذه الفكرة تحوَّلَت النار بوصفها أداةَ تغيير مُحْتملَة في أيدي أشباه البشر الأوائل،٥ وتأتي الأدلَّة على ذلك بالنسبة للفترات الأسبق من أنواع الطين المحروق، وقطع الفحم النَّباتي المُتناثرة في المواقع المكشوفة، والمواد المتفحِّمة في الكهوف؛ حيث إن كتل الطين المحروقة المخروطية الشكل تُوجَد مقترنةً ببقايا الإنسان المُنتصب في تشيزووانجا بكينيا، والتي يرجع تاريخها إلى ١٫٥ مليون سنة مضت، وتُوجَد أدلةٌ أخرى على المعرفة بالنار في كلٍّ من فرنسا في مغارة الإسكال، في سان-استيف-جانسون بالقرب من إيكس-آن-بروفانس، وفي تيرا-أماتا (نيس، فرنسا)، ثم فيرستيسيوس (هنغاريا)، وشوجوكو-تيان (الصين)٦ وغرب إنكلترا، خلال الفترة الواقعة بين ٣٠٠ و٥٠٠ ألف سنة مضت، لقد أصبحت النار — برأي الباحثَين كلارك وهاريس — تُضَاهِي في أهميتها أيَّ عاملٍ آخر، من عوامل نشوء الأُسرة كوحدة من وحدات المجتمعات البشرية.٧
حَظِيَت النار بشعبيةٍ كبيرة نتيجةً للمَنافع الكبيرة التي حَقَّقَها إنسانُ ما قبل التاريخ من ورائها؛ فقد استخدَمها للتسخين والإضاءة والحماية الليلية وشواء اللحم أو تجفيفه، ونزع السموم عن النباتات، وتصليد رءوس الرماح، وعِصِي الحفر، وغير ذلك من الفوائد. إضافة لاستخدامها في الجيوش كوسيلة للتواصُل عن بُعد.٨
خوفُ الإنسان من النار في البداية وجهلُه بطبيعتها وتلمُّسه لفوائدها دفعَه لتقديسها، ثم ليعبُدها ويُقيم لها المعابد والنُّصُب والخدَم القائمين على إبقائها مُتَّقدة حية. وقد عثَر علماء الآثار على آثار شُعلةِ نارٍ في كهف شوجوكو-تيان بالقرب من بكين، بَقِيَت متَّقدة باستمرار في المكان نفسه ٥٠٠ ألف سنة.٩ ويبدو أنَّ المصدر الأول الذي اعتمدوا عليه في ذلك هو البرق الذي كان يضرب الغابات فيُشعِلها.١٠
figure
في عام ٢٠١٦م اكتشف علماء من جامعة ميريلاند نوعًا جديدًا من النار أُطلِق عليه اسم (الدوامة الزرقاء)؛ حيث تُضيء شُعلتُها الزَّرقاء وهي تدور بسرعة حول شُعلةٍ صفراءَ نتجَت عنها. ويشير اللون الأزرق إلى حدوث احتراقٍ كامل عالي الكفاءة؛ الأمر الذي يعني تلوثًا قليلًا جدًّا. (الصورة والتعليق عن موقع: http://abunawaf.com/)
وهكذا فإنَّ ظهور النار خلال عصر الإنسان المنتصب قد خَفَّف قليلًا من ضغوط الإيقاعات الخارجية الكبرى لعالم الطبيعة على حياة البشرية، فصارتْ الحياةُ الآن أقلَّ روتينيةً وآلية مما كانت عليه، وباتت بعيدةً جدًّا عن حياة الحيوانات التي لا يحكُم سلوكَها سوى الغرائز والجينات.١١

تأخَّر البحث العلمي في حقيقة النَّار، والوصول إلى أنها نتيجة حدوث تفاعُلٍ كيميائي بين مادَّةٍ قابلة للاحتراق والأكسجين. ويعود سبب هذا التأخر إلى مُمَارسة النارِ أثَر الانبهار والقُدسية على عقل وفكر الإنسان، ولم يكن له أن يتوصَّل إلى كشف حقيقتها حتى تمَّ تنحيتُها بوصفها آلهةً عندها تَوجَّه للتحكُّم والسيطرة عليها، وهكذا غدت النارُ ليست أكثر من ظاهرة. وسنُحاوِل في هذا الفصل رصد مختلفِ آراءِ المُفكِّرين من مختلف الحضارات، وحدود معرفتهم في النار، سواء كانت عنصرًا من العناصر الأربعة غير المحسوسة أو أنها النار المحسوسة.

المبحث الأول: العصور القديمة

بالنسبة لإنسانٍ بدائي أو حتى مُتحضِّر، فإنَّ مشهد النيران الكبيرة لدى رؤيتها لأول مرة مهُول، ويبعثُ في النفس الخوف والرَّهبة، لكن عندما يهمد لهيبُها وتستحيل لجمرٍ يمكن الاقتراب منها دون وجَل. بعد أن تجاوَز الإنسانُ القديمُ حاجزَ الخوف من النار اقتَرب منها، ووجد أن حرارة جمرها مقبولةٌ أكثر من لهيبها؛ فهو يُدفِئ. عندما بدأ الجمر بالهمود، حاول بطريقة الخطأ والصواب أن يتعلَّم كيف يُحافظ على جذوته مُتَّقدة، فقرَّب إليه كل ما أحاط به من حجر ورماد وخشب، ووجد أنَّ النار تتم تغذيتُها بالخشب فقط وليس بأي شيءٍ آخر، لكن ماذا لو انطفأَت النار تمامًا، فكيف السبيل لإشعالها من جديد؟ يعتَبر بعضُ الباحثين أنَّ التقدُّم التطوُّري الحقيقي كان سيادة النار وليس اكتشافها، خصوصًا عندما تعلَّم الإنسان كيف يُوقِد النار ويتحكَّم بها.١٢
تعلَّم البشر كيفية صُنع النار فقط قبل تسعة آلاف سنة، عندما استخدم أسلافُ العصر الحجري الحديث حجرَ الصوَّان أو الخشب المُجَفَّف للقيام بإجراء احتكاك وإصدار الشرر الذي يشتعل منه شيءٌ ما.١٣ ويبدو أنَّ الإنسان عرف النار اتفاقًا، حيث كانت النار تشتعل في الغابات — كما ذكرنا — إذا ما اشتد الجفاف، أو احتكَّت بعض أغصان الأشجار ببعضها بعضًا، أو إذا أُسقِط حجر على حجر سقوطًا قويًّا تسبَّب باندفاع شرارة، ومن هنا يبدو أن الإنسان البدائي قد عرف توليد النار، إمَّا عن طريق سُكناه إلى جوار الغابات مُسْتخدمًا حريقها، وإمَّا عن طريق ضرب حجرٍ بحجرٍ ووضع خِرقة أو قشٍّ جافٍّ بين الحجرَين، يشتعل على أثَر انقداح الشرارة.١٤
figure
يتم إشعال النار بطريقة المثقب Fire Drill أو فَتْل العصا حيث تُثبَّت العصا بين الكفَّين وتُفتَل عموديًّا بعد تركيزها في ثقبٍ موجود على لوحٍ ثابت، فيؤدي الاحتكاك إلى قَدْح الشرارات الأولى. (مصدر الصورة: العاني، دحام إسماعيل، موجز تاريخ العلم، ط١، مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، الرياض، ٢٠٠٢م، ج١، ص٢٠.)
في الواقع لا يُعرف الزَّمن الذي انقضى منذ استخدام الإنسان النار وحتى تمَكَّن من إيقادها بنفسه. لكن يُعتقَد أنه قبل حوالي (٥٠ ألف إلى ١٠٠ ألف سنة ق.م.) تعلَّم الإنسان أن احتكاك بعض الحجارة (مثل الأحجار النارية، أو أحجار المغنيزيوم الكبريتية/أو البيريك) أو الأخشاب (مثل الأخشاب الجافَّة أو فطور الأشجار) مع بعضها يولِّد النَّار. وقد جاء هذا الاعتقاد من خلال الآثار المكتشَفة التي تعود لهذه الحقب.١٥ فقد عُثِر على قطعٍ من كبريتيد الحديد الطبيعي (البيريت) تصلُح للاستخدام كقادحات للنار، وقد اختلطَت مع بقايا من فحم الخشب.١٦ وهذا يعني أن الطريقة التي كان يستخدمها تعتمد على الاحتكاك Friction بين شيئَين، سواء كانا متجانسين في المادة (خشب مع خشب) أم مُختلفين في المادَّة (حجر مع حديد). لكن ذلك حتمًا استغرق الكثير من الوقت حتى تكشَّفَت له خصائص المواد، والمهارة الكافية في كيفية إبقاء النار مُتَّقِدة.١٧
وتُعبِّر ظاهرة الاحتكاك عن مقاومة الحركة الناشئة عند الحد الفاصل بين سطحَين متلامسَين لدى انزلاق جسمٍ صلب فوق آخر، ويُطلَق على القوة التي تكون موازيةً ومُعاكسة لاتجاه الحركة اسمُ قوة الاحتكاك.١٨ وقد تأسَّس حاليًّا علمٌ خاص مُستقل بالاحتكاك يُدعى علم الاحتكاك١٩ Tribology يهتم بدراسة السطوح المتلامسة في حركتها النسبية والموضوعات المتعلِّقة بهذا الاحتكاك، من تآكُل وعمليات تزييت وتشحيم.٢٠
figure
يتم إشعال النار بطريقة الحرث Fire Plow من خلال الاستعانة بقطعةٍ خشبية ومدبَّبة تحفُر في قطعةٍ أخرى من الخشب بحركةٍ شبيهة لفعل المحراث عند فلاحة الأرض. (مصدر الصورة: العاني، دحام إسماعيل، موجز تاريخ العلم، ط١، مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، الرياض، ٢٠٠٢م، ج١، ص٢٠.)
بين عامَي (١٩٣٧–١٩٤١م) وضع الباحث ب. كراشينينكوف P. Krasheninnikov أول وصفٍ مفصَّل عن حياة السكان الأصليين لشبه جزيرة كامشاتكا٢١ Kamchatka الذين استخدَموا في ذلك الوقت تقنية المجتمع البدائي في إشعالِ النار حيث يقول: «كانت القدَّاحات ألواحًا مصنوعةً من الخشب الجافِّ ثُقبَت في نهايتها ثقوبٌ مدوَّرة، وبتدوير أعوادٍ من الخشب الجاف في تلك الثقوب حصل الكمشاتكيون على النار، وعوضًا عن الصُّوفان٢٢ استخدَموا عشبًا مهروسًا (تونشيتش) نفخوا من أعلاه الهباب المحترق، وكان الكمشتاكي يلفُّ جميع لوازم الإضاءة بقشر شجر البتولا ويحملها معه. والآن ينقل الناس قدَّاحاتهم المفضَّلة على قدَّاحاتنا؛ وذلك لأنهم لا يستطيعون الحصول على النَّار منها بسرعة كما من قدَّاحاتهم.»٢٣ وقد تأخَّرَت صناعةُ عيدانِ الثقاب الكبريتية للمرة الأولى في سنة ١٨٢٧م في إنكلترا.٢٤
figure
تعود فكرة المِثقَب إلى حقبة ما قبل التاريخ؛ فقد كان يُعتمَد في إحداث الثقب على الاحتكاك الحار بين الرأس ومكان الثقب في المادة المراد ثقبُها. (مصدر الصورة: Yan, Hong-Sen & Ceccarelli, Marco, International Symposium on History of Machines and Mechanisms, Springer, Netherlands, 2009, p. 78)
لم يكن الفيزيائيون لمدةٍ طويلة قادرين على تفسير هذا النوع من توليد الحرارة، ولكن مصاعبهم ذُلِّلَت عندما أُثبَت بنجاح أنَّ أي كميةٍ متولِّدة من الحرارة بوساطة الاحتكاك تستهلكُ كميةً مناسبة تمامًا من الطاقة، وهو ما قادنا للوصول إلى «مبدأ تكافؤ العمل والحرارة».٢٥

المبحث الثاني: الصينيون

تُمثِّل النار في الفكر العلمي الصيني أحد العناصر الخمسة وهي (الماء والنار والخشب والمعدن والتراب)، وقد أسَّس هذه النظرية العالم الطبيعي تسوو يِنْ Tsou Yen (٣٥٠–٢٧٠ق.م.)، وجاءت بالتزامُن مع طرح أرسطو لنظريته في القرن الرابع قبل الميلاد.٢٦ لكن ثَمَّة فرق في المفهوم بين أرسطو وتسوو يِنْ؛ فالنَّارُ عند الأخير لها خصائصُ طبيعية معروفة مثل التسخين والاشتعال والتصاعُد، والتي ينجُم عنها، كما هو معروف حاليًّا، الحرارة وتسبب الاحتراق، وقد أسبغ عليها صفةً أخرى هي طعم (المرارة) التي تتولَّد عنها، إضافة إلى أنَّ الأثير هو الماهية الخامسة التي تُشكل الأساس القاعدي للعناصر الأربع.٢٧ هذا الظهور المُتزامن للنظريتَين لا يُمكن تفسيره على أساسِ التبادُل الفكري بين اليونان والصين، وإنما كانا حدثَين مستقلَّين عن بعضهما.

المبحث الثالث: اليونانيون

في الأسطورة اليونانية القديمة فإنَّ العملاق بروميثيوس Prometheus انتفض في وجه زيوس Zeus، وقام بانتزاع النَّار المُقدَّسة عن جبل الأوليمب وقدَّمَها للبشر مع اختراعاتٍ أخرى سهَّلَت عليهم سُبل عيشهم على الأرض.٢٨ لكن من الناحية الفلسفية فقد كان للنار شأنٌ آخر سنتعرَّف عليه لدى كلٍّ من الفلاسفة السابقين لسقراط واللاحقين بسقراط.
figure
يوضِّح الشكل نظرية إمبيدوقليس Empedocles (تُوفِّي ٤٣٠ق.م.) عن العناصر؛ حيث إن كل عنصرٍ يتألف من الخاصيتَين الأقرب إليه، فالنار جافة (يابسة)-حارة، وهي النظرية التي ستظهر جاليةً واضحة تمامًا عند أرسطو. (مصدر الصورة: الموسوعة العلمية الميسرة، مجلد ١، ج١، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، ١٩٨٠م، ص١٥٢.)

طاليس (القرن ٦ق.م.)

كان طاليس Thales (تُوفِّي نحو ٥٤٦ق.م.) يَعتبرُ أنَّ العنصر الرَّئيس الذي تشكَّل كل شيء منه في الكون هو الماء، حتى بما في ذلك النَّار، وذلك لأنَّ «الماء قابل لكل صورة، ومنه أُبدعَت الجواهر كلها من السماء والأرض وما بينهما، وهو علَّة كل مبدع، وعلَّة كل مركَّب من العنصر الجسماني. إنَّ من جمود الماء تكوَّنَت الأرض ومن انحلاله تكوَّن الهواء، ومن صفو الهواء تكوَّنَت النار، ومن الدخان والأبخرة تكوَّنَت السماء، ومن الاشتعال الحاصل من الأثير تكوَّنَت الكواكبُ فدارَت حول المركز دوران المسبَّب على سببه بالشوق الحاصل فيها إليه. والماء ذكر والأرض أنثى وهما يكونان سفلًا، والنار ذكر والهواء أنثى وهما يكونان علوًا.»٢٩

هيراقليدس (القرن ٥ق.م.)

بخلاف طاليس كان هيراقليدس يرى بأنَّ «مبدأ الموجودات هو النار فما تكاثف منها فهو الأرض، وما تحلَّل من الأرض بالنار صار ماءً وبعدهما الهواء وبعده النَّار. والنار هي المبدأ وإليها المنتهى ومنها التكوُّن وإليها الفساد.»٣٠ لذلك فإنَّ العالم في حالة تغيُّرٍ مُسْتمر، فالأشياء الباردة تُصبِح حارَّة، والحارَّة تُصبِح باردة.٣١ وفكرة النَّار التي قال بها هيراقليدس بوصفها مبدأً أول أو جوهرًا أوحد تصدُر عنه كل الأشياء، لم يكن يُقصَد بها النار المحسوسة التي نعرفها، وإنما هي نارٌ إلهية لطيفة للغاية، أثيرية، أشبه بنسمةٍ حارةٍ عاقلة، أزلية أبدية، تُزوِّد العالم بالحياة، وعندما تضعُف تُصبح نارًا محسوسة، ويتكاثف بعضُ النار فيصير بحرًا، ويتكاثفُ بعض البحر فيصير أرضًا، وترتفع من الأرض والبحر أبخرةٌ رطبة تتراكم سحبًا فتلتهب وتنقدحُ منها البروق وتعودُ نارًا أو تنطفئ هذه السحب فتكون العاصفة وتعودُ النار إلى البحر ويرجع الدَّور.٣٢
فالأشياء كلها تصدُر عن النار وإلى النار تعود «كل الأشياء تتبادل مع النار والنار تتبادل مع كل الأشياء، بمثل ما يتم تبادُل السلَع بالذهب والذهب بالسلَع.» وبناءً على ذلك فإنَّ أقصى شكلٍ للمادة هو النار، وكل الأشكال الأخرى للمادَّة هي مُجرد تنويعاتٍ وتعديلاتٍ على شكل النار.٣٣

أفلاطون (القرن ٤ق.م.)

figure
منح أفلاطون للعناصر الأربعة الأساسية أشكالًا فراغية ثلاثية الأبعاد كما هو موضَّح في الشكل، وقد أخذَت النار الشكل الهرمي ذا الرءوس الحادة. (مصدر الصورة: بول، فيليب، الجزيئات، ترجمة: محمد عبد الرحمن إسماعيل، ط١، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، ٢٠١٦م، ص١٨.)
من النَّاحية النظرية فقد اعتَبر أفلاطون أنه نتيجة اندماجِ عنصرَي الحرارة واليبوسة تولَّدَت النار التي سرعان ما اكتسبَت نُورَها وارتفعَت للأعلى. «قال أفلاطون: فتركَّبَت الحرارة واليبس، واقتبسا من الضيائية اللون لقربها.» فشرح ذلك أحمد بن الحسين بن جهار بختار (القرن ٣ﻫ/٩م) بقوله: «إن الحرارة واليُبس لما امتزجا تولَّد النار المحرق؛ ولطلب الحرارة العلو وسرعة اليبس اقتبسا من جوهر الضياء ما ظهر في لون النار واستعلى — أعني النار — على الطبائع المركَّبة.»٣٤

كما ألبس أفلاطون العناصرَ الأساسية للمادة أشكالًا هندسية، وبالنسبة للنار فقد منحَها الهرم ذا القاعدة المثلَّثة، فهو الصورة البدائية للنار، وهو الألطف والأخف والأشد وخزًا من كل الأجسام. وهو الرمز الذي سيبقى حتى عصرنا هذا لدى التعبير عن التفاعُلات الكيميائية التي تستهلك أو تنتج حرارة، أو حتى التعبير عن الطعم اللاهب للفلفل الحار.

ويرى سارتون أنَّ بعض الشراح المُعَاصرين للأفلاطونية قالوا: إن متعدِّدات الأوجُه لا تنطبق على الأجسام، وإنما على حالات المادة (حالة ناريَّة، حالة غازيَّة، حالة سائلة أو جامدة)، وهو ما يُفسِّر لنا بصورةٍ أفضل إمكانيةَ التغيُّرات في الحالة الفيزيائية، كما كان يتصورها أفلاطون، وذلك عندما قال مثلًا (في طيماوس): إنَّ المثمَّن الفراغي يتفكَّك إلى مُضلَّعين رباعيَّين من النار.٣٥
ومن الناحية العملية فقد أدرك أفلاطون أنَّ «الحرارة والنار، نفسهما نتاج الاصطدام والاحتكاك.»٣٦
وقد افترض أفلاطون في الأصل وجود العنصر الخامس (الأثير) حتى يتمكَّن من إيجاد صلة للمقارنة بين المجسَّمات المُنتظِمة الخمسة، وعناصر الطبيعة؛ ففي مُحَاورته (طيماوس) عدَّل المُجَسَّم الخامس بالكون كله، وفي محاورته (الأبينوميس) أي مجلس الليل، دعا العنصر الخامس بالأثير، وهو العنصر الذي يلي عنصر النار. وعند أرسطو كان الأثير هو العنصر الأسمى، وبَقِي رأيُه بمثابة العقيدة الرَّاسخة عند أتباعه من المشَّائين. لكن الرُّواقين تخلَّوا عن ذلك وعادوا لفكرة العناصر الأربعة. ومع عودة الأفلاطونية عاد معها العنصر الخامس لمكانته، ولم يميِّز فيلون بين جوهر الأثير وجوهر النار السماوية في الديانة النجمية وجوهر الأرواح.٣٧ وقد قام كسينارخوس السليوكي Xenarchos (تُوفِّي ١٧٤ق.م.) بنقد الأثير الأرسطي، فألَّف كتابًا رَدَّ فيه على القول بوجود العنصر الخامس أو الأثير.٣٨

أرسطو (القرن ٤ق.م.)

تُعَد النَّار أحد عناصر نظرية العناصر الأربعة التي وضَعَها أرسطو، والعناصر الثلاثة الباقية هي التراب والماء والهواء، وتختلف العناصر الأربعة عن الكيفيات الأربع والتي هي «الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة»، أمَّا البسائط الأولى فهي الموادُّ التي لا يُمكن أن تتحلَّل إلى أشياءَ أبسطَ منها.٣٩
مارسَت هذه النظرية تأثيرَها على الفكر العلمي اليوناني كما حَظِيَت بالقَبول في الفكر العلمي العربي والأوروبي؛ فقد تمكَّنَت من تفسير الكثير من الظاهرات الطبيعية سواء المُتعلِّقة بتركيب المادة أو الأدوية أو الكائنات الحيَّة، وكان أرسطو يرى بأنه لا يمكن للنار (التي يقصد بها هنا الحرارة الداخلية) أن تكون سببًا في نمو الكائن الحي: «ويذهب بعض الفلاسفة إلى أنَّ طبيعة النار، هي على الإطلاق، علَّة التغذي والنمو؛ إذْ يظهر أنها وحدها من بين الأجسام أو العناصر، هي التي تتغذَّى وتنمو، ومن أجل ذلك قد نفترض أنَّ النار هي العلَّة الفاعلة في النبات والحيوان على السواء، ولكن إذا كانت النار من وجهٍ علةً مُصَاحبة، فإنها مع ذلك ليست علةً بالمعنى المطلَق؛ إذْ الأَولى أن تكون النفس هي هذه العلة؛ ذلك أنَّ نمو النار يذهب إلى ما لا نهاية له، ما دام هناك وقود، وعلى العكس في جميع الكائنات الحية يُوجَد حدٌّ وتناسُب في المقدار والنمو. وترجع هذه الأمور إلى النفس لا إلى النار، وإلى الصورة لا إلى الهيولى.»٤٠
أمَّا بخصوص العلاقة بين الاحتكاك وتولُّد الحرارة، فقد كان مفهوم الاحتكاك عند أرسطو مثاليًّا في السماء؛ ففي عالم ما فوق القمر تُوجَد سلسلة من الهياكل الأثيرية المُتراكزة والمتداخلة بعضها مع بعض، وتُفسِّر لنا دوراناتها حركات الأجرام السماوية. يبلُغ عدد هذه الهياكل ٥٥ هيكلًا، وهي تتحرَّك بنوع من الدفع الاحتكاكي الذي ينقل نزولًا، من واحد لآخر.٤١ وكما نُلاحظ أن أرسطو كان يقصد بكلامه حالة الاحتكاك المثالي الذي لا ينتُج عنه أي حرارة، كما هو الحال عندما يحتك أي جسمَين مع بعضهما، علمًا أنَّ الأثير كان بالنسبة لأرسطو مادة صلبة بلورية شفافة.
أخيرًا، فإن أرسطو لم يكن يعتقد بإمكانية الانفصال بين النار والحرارة الناتجة عنها؛ أي لا يمكن أن تُوجَد نار بلا حرارة؛ حيث إن «صورة الأشياء وغاياتها يمكن أن يُقال إنها كيفيات وعادات، في حين أنَّ المادة إنما هي التي بما هي مادةٌ قابلة تمامًا. على هذا، حينئذٍ [فإن] النار لها حرارتها في المادة، وإذا كانت الحرارة شيئًا ما قابلًا للانفصال عن مادة النار فلا يُمكنها أن تقبل شيئًا ولا أن تتأثَّر، ولكنه مُحالٌ من غير شك أنَّ الحرارة تكون منفصلة عن النار التي تُسخِّن، وإذا كان ثمَّة أشياءُ منفصلة بهذه المثابة، فإنَّ ما قلناه آنفًا لا يكون صادقًا إلا بالنسبة لتلك.»٤٢
وقد ذكر أرسطو أنَّ خصومه من الذريين يرون أنَّ الذرات تختلف بحسب الحرارة، فأشدها حرارةً هي الذرات الكروية التي تتألَّف منها النار،٤٣ فكان أن ردَّ عليهم بقوله: «إذا كان الحار والبارد من الصفات التي تُضَاف إلى الذرات فمن التناقُض كذلك ألا يكون لها صفات الثقل والخفة والصلابة والليونة.»٤٤ أي ليس مقبولًا منطقيًّا أن نضيف صفاتٍ ولا نضيف أخرى، والواقع أن ما أثبت صحتَه العلمُ الحديث هو أنَّ الذريين كانوا على حق؛ فنحن نعلم اليوم أن من الذرات ما هو خفيفٌ أو ثقيل حسب عدَد الجُسيمات التي تكتنزها بداخلها.

المبحث الرابع: الرومانيون

كان لوكريتوس يعتبر «البرق والنار ماديان، ولهما درجات مُختلفة من الدقة؛ يمكنك القول بأن النار المُسْتعرة للبرق غير ملحوظة، كما يتم تشكيلها من أشكالٍ أصغر، ولهذا تتخلَّل فتحات حيث نارنا هذه لا يمكنها أن تُولَد كما هي من الغابات أو تندلع من الصنَوبَر.»٤٥ ووَفقًا لما نقلَه الفيلسوف الروماني بلينوس الأكبر Gaius Plinius Secundus (تُوفِّي ٧٩م) فإنَّ شخصًا يُدعى بيروديس الكيليكي Perodes هو من اخترع «الحجر» الذي يُستخدَم لإنتاج شراراتٍ يُستفاد منها لصنع النار. ويُعَدُّ هذا الاختراع الجد الأكبر لحجَر الولَّاعة (القدَّاحة) الذي يُستخدَم اليوم.٤٦
figure
يُعَد معبد فستا Vesta في روما مثالًا بارزًا على أهمية النار عند الرومان. وقد كانت فستا في الأصل إلهة المدفأة عندهم، وكان محرابُها في كل بيت، ولكن عندما أصبح الدين تحت رعاية الدولة أُقيم معبدٌ احتُفِظ فيه بالنار المُقدَّسة مُشتعلة باستمرار. (التعليق من الموسوعة العربية العالمية، مدخل «النار»، الرياض، ٢٠٠٤م. أما مصدر الصورة فهو من موقع: cepolina.com)
كان من المعروف جيدًا بأنَّ القدح القوي لأحجار السيليكا التي صُنعَت من أجل النصال يُولِّد الشرارات. من هذا سرعان ما تَعَلَّم الرومان بأنَّ هذه الشرارات قد تُوقِد مادةً سريعة الاشتعال خفيفة الوزن. وأخيرًا بأنه لو تمَّ ضرب هذه الحجارة بمادةٍ حديدية، فإنَّ الشرارات الناتجة كانت مُلائمة لدرجةٍ كبيرة لإيقاد نوعٍ أثقل حتى من الصوفان بسبب حجمها وكثافتها. لكن ذلك كان فقط في سياقٍ تاريخي مُتقدم بأن طريقةً مُختلفة بالكامل تم اختراعُها لإنجاز النتيجة نفسها، هذه الطريقة قائمة على استعمال كُراتٍ زجاجية مصنوعة من أحجار الصوَّان البصرية، وربما النتيجة هي ملاحظة تأثيرات أشعَّة الشمس من خلال وعاءٍ زجاجي أو كرة من بلورٍ صخري.٤٧

المبحث الخامس: العلماء العرب والمسلمون

ورد في معجم «مقاييس اللغة» لابن فارس مادة «نَوَرَ»: «النونُ وَالْوَاوُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُل عَلَى إِضَاءَةٍ وَاضْطِرَابٍ وَقِلةِ ثَبَات. مِنْهُ النورُ وَالنارُ، سُميَا بِذَلِكَ مِنْ طَرِيقَةِ الْإِضَاءَةِ، وَلِأَن ذَلِكَ يَكُونُ مُضْطَرِبًا سَرِيعَ الْحَرَكَة. وَتَنَورْتُ النارَ: تَبَصَّرتُهَا.»٤٨

وقد استفاض العرب بأسماء النَّار، وأساليب تقويتها، وأصواتها، واقتباساتها، وكيفية همودها، ولهبها، وأنواعها، ما لم نجده عند أية أمَّة من الأمم السابقة أو اللاحقة لأمة العرب. هذا التفصيل اللغوي الدقيق حتمًا كان سيلحق به تفصيلٌ علميٌّ أدقُّ ومحاولةٌ جادَّة لفهم طبيعتها من قِبَل العلماء.

صحيح أنه سبق وأن أطلق اليوناني أبولونيوس التياني على النار أوصافًا عامة، لكن لا يمكنُنا مقارنتُها بزخم الأوصاف التي أطلقَها العرب عليها «وأقولُ إنَّ النار حارَّةٌ يابسة خفيفة مضيئة مُتحرِّكة لطيفة نيرة صَمِتةٌ حيَّة مُحْرقة مذكِّرة معطية مغنية.»٤٩

نُورِد هنا كل ما جاء في أمر النار من تفاصيل ومُسَمَّيات لمختلف الحالات عند العرب:

  • (١)
    أسماء النار
    «عن ثعلب عن ابن الأعرابي: الصِّلاء، السكَن، الضَّرَمة، الحَرَق، الحَمَدة، الحَدَمة، الجحيم، السعير، الوَحَى. قال: وسألتُ ابن الأعرابي: ما الوحى؟ فقال: هو الملِك. فقلت: ولم سُمي الملِك وحًى؟ فقال: الوحَى النَّار فكأن الملِك مثل النار يضر وينفع.»٥٠ والحفرة التي تُوضَع فيها النار اسمها «إرة».٥١
    وكانت تُسمَّى النار بأسماءٍ خاصة، حيث تُسَمَّى النار منيرة إذا رُفع ضياؤها، والشعلة هو لَهَب النار، والمارج من النار هو الشعلة الساطعة ذات اللهَب الشديد، والشهاب هو الطائفة المشتعلة من النار، واللظى هو اللهَب الخالص، والنار المُضرمة المُلتهبة، والسُّعار هو حر النار وذكاؤها، والجحيم هو النار الشديدة التأجج.٥٢
  • (٢)
    أحوال النار
    «عن الأئمة: إذا لم يُخرِج الزَّندُ النار عند القَدْح قيل: كبا يكبو. فإذا صوَّت ولم يُخرِج: قيل صلَد يصلِد. فإذا أخرج النار قيل: ورَى يَرِي. فإذا ألقى عليها ما يحفظها ويُذْكيها قيل: شيَّعتُها وأثقبتُها. فإذا عُولجَت لتلتهب قيل: حضَأتُها وأَرَشْتُها. فإذا جُعل لها مذهبٌ تحت القِدْر قيل: سَخَوتُها. فإذا زيد في إيقادها وإشعالها قيل: أجَّجتًها. فإذا اشتد تأجُّجها، فهي جاحمة، فإذا سكَن لهبُها ولم يُطفَأ حرها، فهي خامدة، فإذا طُفئَت البتة، فهي هامدة، فإذا صارت رمادًا، فهي هابية.»٥٣
  • (٣)
    لمعان النار
    «في اللمعان أجيجُ النار وهصيصُها، عن ابن الأعرابي.»٥٤
  • (٤)
    حركة النار
    تُسمَّى «حركة النار لهب.»٥٥ و«فيما تحرك به الأشياء الذي تُحرَّك به النار مِسعَر.»٥٦
  • (٥)
    أصوات النار
    «عن الأئمة الحسيس من أصوات النَّار، وقد نطق به القرآن. الكَلحَبة صوت توقُّدها، المَعمَعة صوت لهبها إذا شبَّ بالضِّرام، الأزيز صوت المِرجَل عند الغلَيان، وفي الحديث أنه كان، عليه الصلاة والسلام، يُصَلِّي ولجوفه أزيزٌ كأزيز المِرجَل. الغَطغَطة والغَطمَطة صوت غلَيان القدر وكذلك الغرغرة. النَّشنَشة صوتُ المِقلَى. سمعتُ أبا بكر الخوارزمي يقول: سُئِل بعض المجَّان عن أحب الأصوات إليه فقال: نَشنَشة القلية وقَرقَرة القنِّينة وقشقَشة السلَّة».٥٧ والزفير إذا اشتد صوت النار في اللهَب، والفرقَعة صوت الحطب في النار إذا اشتد.٥٨
  • (٦)
    أساليب تقوية النار
    نفَخ النار إذا قوَّاها بالنفس، وحضَب النار أي رَفَعها، والشبوب ما تُوقد به النار، والذكية ما ألقيتَه على النار من حطب أو نحوه، وحَصَبَ النار أي ألقى فيها حطبًا، وأجَّج النَّار أي ألهبَها وسُمع صوتٌ للَهَبها.٥٩
  • (٧)
    اقتباسات النار
    العُشْوة هو ما أخذتَه من النار لتستضيء به، والقبَس كالعشوة وهو ما أخذتَه من النار لحاجتك، والجَذْوة هو القَبْسة من النار أو الجَمْرة المُلتهِبة.٦٠
  • (٨)
    همود النار
    خبَت النار إذا سكَنَت وانقطع لهبها، وخمدَت النار إذا سكَن لهيبها وبقي جمرها حارًّا، وكبَت النار إذا علاها الرَّماد وتحته الجمر، والمهل إذا ذهب الجمر إلا بقايا منه في الرماد، والهمود إذا برد الرَّماد فلم يبقَ فيه من الجمر شيء.٦١
  • (٩)
    لهب النار
    اللهَب اسم علمٍ مُذَكَّر عربي، معناه: اشتعال النار من غير دخان وكذلك مارج من نار، ولسان النار هو الغبار الساطع، واللهيب حر النار.٦٢
  • (١٠)
    أنواع النيران
    مثل: نار التحالُف، ونار الطل، ونار القِرى، ونار الحرب، ونار الغدر، ونار الطرد، ونار السليم، ونار السلامة، ونار الرسم، ونار الصيد، ونار الأسد، ونار الخلعاء.٦٣
  • (١١)
    أثَر النار
    «عن الأئمة: محشَته النار ومهشَته إذا أثَّرَت فيه وكادت تُحرقه.»٦٤
  • (١٢)
    مستويات حر النار
    إذا احتدَمَت النار أي اشتدَّ حَرُّها، وتوهَّجَت أي توقَّدَت، والزخيخ شدة بريق الجمر والحر والجمر هو النَّار المتَّقدة.٦٥
    وقد انتقلَت عبادةُ النار إلى العرب عن طريق الفرس؛ فهي لم تكن متأصلة في عقيدتهم؛ ففي أخبار أهل الأخبار ما يُفيد أنَّ بعض العرب تبنَّوا عبادتها مثل «المُزدكية والمجوسية في تميم». ووَرَد أن «زرارة بن عدس» وابنه «حاجب بن زرارة»، وهما من سادات تميم كانا قد اعتَنَقا المجوسية، واعتنَقَها أيضًا «الأقرع بن حابس» و«أبو الأسود»، جَدُّ «وكيع بن حسان».٦٦
    وقد كانت نار المجوس وَّضاءة دومًا، وهي سِرٌّ لا يعرفه إلا القليل من الناس حينها، لكن السر كان في تدفُّق الوقود النفطي من شقوقٍ أرضية إلى السطح؛ لذلك كان قدماء الفرس يبنون معابد النار حول الحفر التي يتسرَّب منها النفط.٦٧
    figure
    طقوس عبادة النار (نار وانصهار) كما تظهر في الصفحة ٢٦٨ من مخطوطةٍ فارسية تعود إلى منتصف القرن ١٧م، عنوانها «ناوي Naw’i»، وتضم قصيدةً مجازية تحكي عن تَوقِ الروح في سبيل الله من خلال قصة امرأةٍ هندوسية أَحرقَت نفسها في محرقة جنازة زوجها بسبب العرف المعروف باسم ساتي، وقد كتب القصيدة للأمير دانيال، ابن الإمبراطور المغولي أكبر (١٥٥٦–١٦٠٥م). (مصدر الصورة والتعليق: http://www.cbl.ie/cbl_image_gallery/collection/list.aspx?collectionId=2)
    وكان العرب قد سَمِعوا في الجاهلية بنار المجوس لكنهم لم يستطيعوا كَشْف سِرِّها، وعَرفوا استخدام النفط في حروبهم، حتى إنه كان سببًا في انتصارهم على جيش الفرس في معركة (ذي قار)؛ فقد كانوا يغمسون السهام في النفط ويُشعِلونها بالنار ثم يلقونها على جيش الفرس فيحرقُهم.٦٨ وهنا حدث عكسُ ما توقع النعمان بن زرعة التغلبي الذي قال لكسرى عندما كان عنده: «أمهلهم حتى يقيظوا ويتساقطوا على ذي قار تساقُط الفَراش في النار فتأخذهم كيف شئت».٦٩
    ويبدو أن السلاح الناري العربي (سهم مغموس بالنفط ومشتعل) في الجاهلية قد أُهمل ولم يُطوَّر بعد الإسلام؛ ففي أثناء حصار المسلمين لمدينة القسطنطينية بين عامَي (٦٧٤–٦٨٠م) فاجأهم البيزنطيون بسلاح النار الإغريقية الذي أحرقَ سُفنَهم وأجبرَهُم على فك الحصار، ويُقال إن مخترع هذه النار هو كالينيكوس الهليوبوليسي Callinicus of Heliopolis٧٠ (كان حيًّا حوالي عام ٦٧٣م)، الذي فرَّ إلى بيزنطة بعد فتح المسلمين لبلاد الشام، وهناك أطلع الروم على سِرِّه العسكري فاستعملوه وانتصروا على المُسلمين. لم يدُم الوقت طويلًا حتى كشَف المسلمون سِرَّه وعادوا أيام الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك لحصارها بجيشٍ عرمرم قوامه ١٠٠ ألف جندي ونحو ١٨٠٠ سفينة، وبدأ الحصار في الأول من أيلول/سبتمبر عام ٧١٧م. لكنهم تخلَّوا بعد ذلك عن الحصار بسبب موت الخليفة.٧١

    على الضفة الأخرى، فقد كان هناك ثراءٌ علمي في البحث في موضوع النار من الناحية العلمية؛ فقد أسهَم عددٌ من الفلاسفة والعُلماء العرب والمسلمين في ذلك، وكانت لهم آراءٌ مختلفة تمامًا عن اليونانيين ومن سبقَهم من الحضارات الأخرى، وسنجد أنفسنا أمام محاولاتٍ جادة لمعرفة الأسباب الكامنة وراء ظاهرة النار.

إبراهيم النَّظَّام (القرن ٣ﻫ/٩م)

انطلاقًا من نظريتيه في الكُمون٧٢ والطفر٧٣ أدرك إبراهيم النظَّام بشكلٍ مُبكِّرٍ تَركُّب النار من مُركَّبين مُختلفَين هما: الحرارة والضوء، وأنَّ الفعل المؤثِّر لأحدهما يختلف عن الآخر، بسبب وجود تفاوُتٍ بدرجة خفَّتَيهما، أو وزنَيهما، فالضَّوء في النَّار أخفُّ من الحرارة التي فيها؛ ولذلك فإنه يطفر لعين الرَّائي ويَرَاه قبل أن يتحسَّس حرارته، وحتى إنَّ الضوء نفسه ينقسم إلى بياض ونور، وبسبب هذا المزيج يصبغ الضوء الألوانَ طابعها الذاتي عندما يمتزج بها؛ ولذلك هو في تعريفه للضوء بأنه مزيجٌ لكل الألوان.٧٤ قال النظَّام: «النار اسم للحر والضياء، فإذا قالوا: أحرقت أو سَخَّنت، فإنما الإحراق والتسخين لأحد هذَين الجنسَين المُتداخلين، وهو الحَرُّ والضياء.» «وكان النَّظام يزعم أنَّ نار المصباح لم تأكل شيئًا من الدهن ولم تشربه، وأن النار لا تأكل ولا تشرب ولكن الدُّهنَ ينقُصُ على قدْرِ ما يخرج منه من الدخان والنار الكامنَين، اللذَين كانا فيه. وإذا خرج كُل شيء فهو بطلانه.»٧٥
إذن النارُ تكمُن في الأعواد، ويأتي الاحتكاك ليُخرِجها، وهي طريقةٌ خاصة لإخراج النار، تختلف عن إخراج شيءٍ آخر كامن، مثل الزبدة التي في الحليب. قال النظَّام: «إن لكل نوع منها نوعًا من الاستخراج (الأشياء الكامنة)، وضربًا من العلاج، فالعيدان تخرج نيرانها بالاحتكاك، واللبن يخرج زبده بالمخض، وجبنه يُجمع بإنفحة، وبضروب من علاجه.»٧٦

الجاحظ (القرن ٣ﻫ/٩م)

تكلَّم الجاحظ عن نار اليراعة، وهي الضوء العضوي الذي تُولِّده الحشرة المعروفة حاليًّا باسم اليراعة المضيئة، ونظرًا لعدم معرفة العرب عمومًا بتفسير أو سبب هذا الضوء فقد أطلقوا على الضوء الذي تُطلِقه اسم النار، والواقعُ أنَّ العُلماء المعاصرين لم يستطيعوا الكشف عن سر الإضاءة في هذه الحشرة إلا عام ٢٠٠١م.٧٧ قال الجاحظ: «(نار اليراعة) ونارٌ أخرى وهي شبيهةٌ بنار البرق ونار أبي حباحب وهي نار اليراعة، واليراعة: طائر صغير إنْ طار بالنَّهار كان كبعض الطير وإن طار بالليل كان كأنهُ شهابٌ قُذِفَ أو مصباحٌ يطير.»٧٨

أبو بكر الرازي (القرن ٤ﻫ/١٠م)

تكلم أبو بكر الرازي (تُوفِّي ٣٢٠ﻫ/٩٢٤م) عن تَولُّد النار فقال إنَّ العنصر الأكثف والأقسى من العناصر الأربعة للأجسام هو التراب الذي يُوجَد في المركز. أمَّا الماء فهو مخلخل أكثر من التراب لأنه يكون أعلى. الهواء مُخلخل أكثر من الماء؛ لأنه أعلى من الماء. وبعدئذٍ تكون النار مخلخلة أكثر أيضًا من الهواء نظرًا لأنها أعلى من الهواء. وقد ذكَر الرازي في كتابه (شرح العلم الإلهي) أن هذه الجواهر تلقَّت أشكالها باتحاد المادة الصرفة مع جوهر الفراغ؛ إذْ في النار يُمزج جوهر المادة مع جوهر الفراغ، لكن يُوجَد فيها فراغ أكثر مما يُوجَد في المادة. يقولُ إنه يُوجَد فراغٌ في الهواء أقل من المادة. ويقول إنه يُوجَد في الماء أقل منه مما يُوجَد في جوهر الهواء. في التراب يُوجَد أيضًا فراغٌ أقل مما يُوجَد في الماء.٧٩ إذن تطغى نظرية العناصر الأرسطية على تفسير الرازي للنار وخصائصها.

ابن الحائك الهمداني (القرن ٤ﻫ/١٠م)

ذكَر ابن الحائك الهمداني (تُوفِّي ٣٣٤ﻫ/٩٤٥م) رأي أرسطو في كيفية تولُّد الحرارة عن طريق الاحتكاك: «قال أرسطاطاليس الحكيم، كل جسمٍ يتحرَّك حركةً شديدةً كالحجر إذا احتَكَّ بالحديد، والمثقب في الخشب، وذكر الزَّند في الأنثى، والمنجَنُون٨٠ في الرحى، والبكرة في المحور، لا بد أن يؤدي ذلك الدوران منها دفئًا، ثم ما هو أحرُّ منه حرًّا فحرًّا، حتى يصير إلى الحرارة المُلتهِبة، ثم المُحْرِقة، فلَمَّا كان ذلك كذلك واحتركَت الأجرام السماوية الواسعة الكمية من الشمس وغيرها حركةً دائمةً مستحيلة مستديرة مسرَّعة، تحرَّك بحركتها ما اتصل بها والتهَب بذلك للحرارة، حتى يتصل ذلك الحرُّ بالهواء، ومن الهواء بالأرض.»٨١
ثم ردَّ الهمداني في كتابه (سرائر الحكمة)٨٢ على أرسطو بشكلٍ نقدي فقَبِل فكرة تولُّد الحرارة من الاحتكاك بين الأجسام ورفَض مذهبه وطريقة تفسيره المُتعلِّقة بتولُّد الحرارة من حركة الأجرام العلوية، فقال: لقد «أحسن الحكيم فيما فَرَّعَ وإن كان قد بنى قولَه في مبتدأ الحرارة على غير أصل؛ لأنه ذكَر أنَّ أصل الحرارة من دءوب الأجرام العلوية، وذلك أن تكون الحرارة متزايدة أبدًا، وقد بينَّا فساد هذا القول، فأفردنا فيه بابًا من كتاب «سرائر الحكمة».»٨٣ لكنَّنا لم نتمكَّن من العثور على كتابه (سرائر الحكمة) لتقييم رأيه الناقد.

إخوان الصفا (القرن ٤ﻫ/١٠م)

تناوَل إخوان الصفا موضوع الاحتكاك المولَّد للنَّار في رسائلهم، وذكَروا أنَّ الضوء المُرافِق للنار يتوجَّه للأعلى، وهي الفكرة التي سبق وأن طرحها إبراهيم النظَّام من قبلُ.

قال إخوان الصفا: «والنارُ أيضًا ذاتُ طرفَين؛ طرف منها متصلٌ بالهواء، وطرف منها متصل بالنوء والضياء؛ وذلك أن النار إذا قَدحَت خرجَت من احتكاك الأجسام بحدوث ذلك القَرع في الهواء، وإذا برزَت مع الهواء اتصلَت بالأجسام النباتية والحيوانية، فأكلَتها وأحرقَتها وزالت بزوالها واضمحلَّت باضمحلالها، فيُقال خمدَت النار وانطفأ السِّراج، فصَارَ هذا الطرف أشبه بالموت، ولها طرفٌ آخر يطلُب العلو أبدًا متصل بالإشراق والنور والضياء.»٨٤

ثم نراهم يتحدَّثون عن مراحلِ انتقالِ صورة النار من ألسنة اللهب المُتَراقصة إلى حركة الغليان في القُدور، ويُتمِّم هذه الصورة الحرارة الصادرة عنها التي تلحق الجفاف والتماسُك بين أجزاء المادة المعرَّضة للتسخين.

قال إخوان الصفا: «واعلم يا أخي، أنَّ كل صورةٍ مقوِّمة لذات الشيء تتلوها أخرى مُتمِّمة، وكل صورة مقوِّمة فاعلةٍ لأخرى تابعة لها يتلو بعضها بعضًا كما يتلو العدد أزواجه وأفراده أزواجه بالغًا ما بلغ، مثال ذلك الصورة المُشاكِلة في جِرْم النار المقوِّمة لذاتها، فهي حركة الغليان، والصورة المُتمِّمة التابعة لها هي الحرارة، وتتلوها اليبوسة، ويتلوها تماسُك الأجزاء.»٨٥

ابن سينا (القرن ٥ﻫ/١١م)

قبل أن يشرع ابن سينا في دراسة النَّار نَجِدُه يضع تعريفًا مُحَدَّدًا لها بأنها جسمٌ محسوس بسيط مستقرهُ النهائي في أعالي السماء. قال ابن سينا: «حدُّ النار هو جِرمٌ بسيط طباعُه أن يكون حارًّا يابسًا مُتحركًا بالطبع عن الوسط ليستقر تحت كُرة القمر.»٨٦ وتكون «النار الصرفة والدخانية متحركة في الهواء إلى فوق، ونجدها كلما كانت أكبر حركةً كانت حركتُها أشد وأسرع، ولو كان ذلك لضغط ما يحويها قسرًا مرجحنا إلى أسفل كان الأكبر أبطأ قبولًا لذلك وأضعف، وكذلك إن كانت العلَّة جذبًا.»٨٧

بالنسبة لابن سينا، فإنَّ العناصر الأربعة تختلط مع بعضها بنسبٍ مُتفاوِتة قد تكون كثيرة أو قليلة في المادة الواحدة، ولا يُمكن أن تستحوذ مادة على عنصرٍ واحد، وإنما قد تغلب نسبة عنصر أو عناصر على عناصرَ أخرى تميِّز هذه المادة عن غيرها؛ فالنار تغلب فيها كيفيات الحرارة واليبوسة على الرطوبة والبرودة، في المقابل تزيد نسبة عنصرَي النار والهواء على نسبة الماء والأرض؛ وعلى ذلك فإننا لن نعثُر على مادةٍ صرفة من عنصرٍ واحد حتى النار نفسها.

قال ابن سينا: «لا أرض صرفًا، ولا نار صرفًا، ولا ماء صرفًا، ولا هواء صرفًا، بل كل واحدٍ منها مختلط من الجميع، ويَعرِض له في وقت مُلاقاة غيره إياه مما الغالب فيه غيرُ الغالب فيه، أن يبرز ويظهر فيه ما هو مغلوبٌ لملاقاة الذي من جنس المغلوب فيه غالب، وظهورها بأن يتحرَّك إلى مقاومة ما غلَبه وعلاه، فيستعلي عليه. وإذا تحرَّك إلى ذلك عَرَض للنظام الذي كان يحصُل باجتماع الغوالب والمغلوبات أن يحيل ويستحيل.»٨٨

ابن متويه (القرن ٥ﻫ/١١م)

يُقرر ابن متويه (تُوفِّي ٤٦٩ﻫ/١٠٧٦م) أنَّ طبيعة النار الجزء اللطيف الذي نشعُر به بحواسنا، فالحجارة المُتوهِّجة وقُرص الشمس كلها تشعُّ حرارة، مع ذلك فإننا لا نُسمِّيها بنار.

«فأما النار فهي الأجزاء اللطيفة الحارة؛ فإن الحرارة لو وُجدَت في الحجارة لم تُسمَّ نارًا، ولم يُسمَّ قُرص الشمس نارًا، وإن اختَص بلطافة وحرارة لما كان فيه ضياءٌ غالب، فكأنهم قد خَصُّوا بها بعض الأجسام.»٨٩

ابن رشد (القرن ٦ﻫ/١٢م)

قدَّم لنا ابن رشد في شرحه لكتاب أرسطو (في السماع والعالم) تفسير أرسطو للكيفية التي تنتقل بها حرارة الضوء عَبْر الفضاء والجو بأنَّها ناجمة عن ظاهرة الاحتكاك بينها وبين الهواء؛ لأنَّ الاحتكاك يعني حدوث حركة، والحركة تولِّد الحرارة. إضافة لذلك فإنَّ من أسباب ارتفاع حرارة الجو هو احتكاك الكواكب في أثناء حركتها في مداراتها.

قال أرسطو: «فأمَّا الحرارة التي تأتي من الكواكب والضوء، فيكون من اصطكاك واحتكاك الهواء الكائن من حركتها؛ فإنَّ من شأن الحركة أن تُسَخِّن وتُحمِّي الخشب والحديد والحجارة، فإن كان ذلك كذلك كان الأقرب أولى وأحرى أن يحمَى ويسخُن من سائر الأشياء وأقرب الأشياء إلى النار والهواء الحركة إذا تسخن الهواء لا محالة، وتحقيق ذلك أنَّ الحركة تحمِّي وتسخِّن الرصاص والذي فيه نصل النشَّابة، فإنَّ النشَّابة إذا خرجَت من مرمى الدائرة تحمِّي الرَّصاص ودال من نصل النشابة، فنرجع فنقول إنه إذا صار الكواكب تَحمَى من الحركة حَمِي الهواء الذي حولنا اضطرارًا وإنما تحمَى هذه الكواكب لأنَّها في الهواء، والهواء إذا ما اضطَرب من حركة الكواكب نارًا فيحمي الكواكب ويسخن، فأمَّا الكواكب التي في الفلك الأعلى فإنها تمرُّ في فلَكِها من أجل ذلك لا تحمَى وإنما حميَت الكواكب؛ لأنَّ الهواء تحت الفلك الأدنى المستدير فإذا سلط ذلك الفلك سخن الهواء وحَمِي ولا سيما الهواء الذي قرب رباط الشمس؛ فلذلك تكون حرارة الشمس على نحو قربها وبُعْدها من فوق رءوسنا فقد استبان، وأن الكواكب ليست نارية وبأنَّ ضوءَها ليس ناريًّا، ولا يقع من ذلك تحت البصر.»٩٠

وقد شرح هذا الكلام ابن رشد أكثر، مُفصِّلًا المعنى الذي قصَده أرسطو، فالجسم الناري والجسم المضيء يشتركان بامتلاكهما خاصِيَّة التسخين، وهذا الحكم عامٌّ وليس خاصًّا، وظاهرة التسخين النَّاجمة عن حركة الاحتكاك في الهواء ليست نتيجةَ أشعة الشمس أو الكواكب الحرة، وإنما بسبب حركة الشمس والكواكب؛ فهي التي تُوجِد الاحتكاك بين أجزاء الهواء. وهنا عند هذه النقطة يُشكِّك ابن رشد في كلام أرسطو بشكلٍ كبير ولا يسلِّم به؛ لأنَّ ابن رشد شعر بعدم اتساق نظرية أرسطو في منشأ الحرارة التي في الجو ووجود تناقُضاتٍ لن يمنح النظرية القدرة على تفسير ظاهراتٍ أخرى.

قال ابن رشد: «التفسير: لما أخبر أنَّ الكواكب يجبُ أن تكون من طبيعة السماع، وقال: إنه قد كبر من أن السماء لا ثقيلة ولا خفيفة، وإنه يجبُ لمكان هذا أن تكون الكواكب من الطبيعة التي ليست بثقيلة ولا خفيفة، وكأنَّ ما يظهر من تسخين الكواكب لماء، وهنا من الأجسام التي ها هنا وما يظهر أيضًا من ضوئها، يُوضِع في ذلك شكًّا ليس باليسير، فإنه يظن أنه كما أن كل نار مسخنة حالًا وكذلك عكسها، وهو أنَّ كل مسخِّن نار وكذلك الأمر في الضوء؛ أعني كل نار مضيئة وكل مضيء نار، فإذا قيل إنَّ الكواكب نار أو من نار ماء أُضيف إليها، أنَّ طبيعة الكل يجب أن تكون من طبيعة الجزء، لزم من ذلك أن تكون السماء نارًا أو من نار، وهذا كله ضد ما بيَّنه من قبل أن، وهو يريد، يُبيِّنوا أن هذه المغرمة ليست تنعكس من قبل أن التسخين قد يُلغى عن النار وعن الجسم الذي ليس بنار إذا حرِّك أو تحَرَّك، وهو يروم أن يأتي بسبب تسخين الكواكب من هذه الجهة بابتداء كل هذا الشك، فإنْ قال فأمَّا الحرارة التي تأتي من الكواكب والضوء فتكون من قبل اصطكاك واحتكاك والهواء الكائن من حركتها، يُريد أن التسخين الذي يُلقى في الهواء من الكواكب، وبخَاصَّة من الشمس، ليس العلة في ذلك أن الشمس والكواكب نار؛ أي قد تبيَّن أنَّ النار خفيفة، وأن هذا الجِرْم لا ثقيل ولا خفيف، بل الذي يُسبِّب تسخين الكواكب والشمس للهواء هو اصطكاك وانحكاك أجزاء الهواء بعضها مع بعض من قبل حركة الشمس والكواكب، وفي هذا الذي قاله شكٌّ ليس باليسير؛ وذلك أنَّ الشمس والكواكب ليس تُماسُّ الهواء ولا النار التي في مقعر القمر. فضلًا على أن تماسَّ الهواء الذي دونها وثاميسطيوس يزعُم أن الإسكندر يُجيبُ عن هذا بأنه ليس يمتنع أن تسخِّن الهواء حركتُها بتوسُّط الجِرْم السَّماوي، وإن لم يتسخَّن عنها الجِرْم السماوي، كما أنَّ السمكة التي تُحرَّر بيد الصائد إذا وقعَت في الشبكة فحرَّر يده بتوسُّط الشبكة وإن لم تُحرر الشبكة، وكذلك لا يمنع أن تسخِّن الهواء وإن لم تسخِّن الجِرْم السماوي الذي بينها وبين الهواء وثاميسطيوس يقول: إنَّ هذا المثال لم يوضَع في مكانه.»٩١

وفي تلخيصه لكتاب الآثار العلوية يُورِد ابن رشد رأيَ أرسطو في أن عنصر النار هو صاحب النسبة الأكبر في الأجرام السماوية حتى بما فيها الأثير، لكنَّ ابن رشد يعترض على هذا الرأي مرةً أخرى؛ إذْ لا يجوز أن تتفاوَتَ نِسبُ العناصر في المواد سواء كانت أرضية أم سماوية، وإلا حدَث خلل وأُفسدَت.

قال ابن رشد: «وقد أحسن الظن من قبل التسمية أنَّ كل جسمٍ سريع الحركة يُسَمَّى أثيرًا، فالنَّار تُسمَّى أثيرًا للهيبها، ولكن ليس يجب من ذلك أن تكون كلُّها تُسمَّى نارًا؛ لأنه ليس كل سريع الحركة نارًا، وقد ظن بعض الناس لهذا أن الأثير؛ أعني الجِرْم السماوي، نارٌ نقية صافية، وذلك خطأ من ظنهم؛ لأنه لو كانت الكواكب والجسم الذي بينها نارًا لقد كان يجب أن يستحيل الكل نارًا؛ لأنه قد تبَيَّن في التعاليم أنَّ أبعاد هذه الأفلاك أعظمُ بكثير من الأرض والماء، وقد يجب إذا أُريد أن تكون الأسطقسات مُتعادلة بكليتها في الكيفية ألا تتفاضل أمكنتُها هذا التفاضُل العظيم، فإن الجسم الأكبر يُفسِد الأصغر، وذلك ظاهر من تغايُر أجزائها بعضها إلى بعض، ولو كانت النار في مثل هذه النِّسبة من الماء والأرض والهواء لقد كانت ستُفسِدها.»٩٢

فخر الدين الرازي (القرن ٧ﻫ/١٣م)

ناقش الإمام فخر الدين الرَّازي سبب اشتعال النار وانطفائها، وقد قَدَّم لنا رؤيةً جديدة لسبب استمرار اشتعال النَّار وهو أنَّ النار التي نراها هي مجموعةُ نيرانٍ مُتلاحقة وراء بعضها، فكل نارٍ تتحرك نحو الأعلى يقف أثَرها عند حدٍّ معين وهو البرودة؛ أي إنَّ ما نراه هو مجموعةُ شعلاتٍ تَتْرَا خلف بعضها لا نكاد نميِّزها من شِدَّة سرعتها. أمَّا سبب انطفاء النار بشكلٍ نهائي فيعود إلى سببَين؛ إمَّا بسبب شدة النار نفسها أو بسبب ضعفها مما يجعل أي شيءٍ بارد يطفئها.

رُبَّما تكون الرؤية السابقة للإمام مأخوذةً أو مُتأثرة بمقولة إبراهيم النظَّام المعمَّمة على كل الأجسام: «إنَّ الأجسام أيضًا غير باقية، بل مُتَجَدِّدة آنًا فآنًا مع أن الحس يحكُم بخلافه.»٩٣ وفي جميع الأحوال يُعَد تفسيرًا جديدًا لحقيقة النار.
قال الإمام: «يجب أن يُعْلم أنَّ النَّار المُشْتَعِلة ليست نارًا واحدةً بالعَدَد باقية بل كلُّ نارٍ تُفرض فإنها تبطل وتتجدَّد نارٌ أخرى على الاتصال؛ لأنَّ كل نارٍ تحصُل فإنها تتحرك بطبعها إلى فوق فيلحقُها من البرد ما يُبطِلها. (وأمَّا الانطفاء) فهو على وجهَين (أحدهما) ما يكون بسبب قوة النار فإنها إذا أحالت المادَّة إحالةً تامة إلى النارية صار الكل نارًا، أو قد عرفتَ أن النار البسيطة لا ضوء لها، بل هي شفَّافة، فحينئذٍ يزول الضوء عنها. (وثانيهما) ما يكون بسبب ضعف النار وذلك عندما يعرض لها شيءٌ بارد يُطفِئها. (وإذا عرفتَ ذلك فنقول) انطفاءُ النار في الجو العالي يكون من القسم الأول، وأمَّا في حيِّزنا هذا فإنه يكون من القسم الثاني، ويظهر لك من هذا أن انطفاء الكواكب المنقضة لا محالة يكون من القسم الأول.»٩٤

زكريا بن محمد القزويني (القرن ٧ﻫ/١٣م)

تنبَّه زكريا بن محمد القزويني (تُوفِّي ٦٨١ﻫ/١٢٨٣م) إلى أنَّه لا يُشترط في النار أن تكون ذات ضوء، بل قد تكون بلا ضوء، وهي أقوى من تلك التي لها ضوء، وقد تكون هذه أوَّل إشارة إلى ما نُسَمِّيه الآن بالأشعة تحت الحمراء.

قال القزويني: «النَّار جسمٌ بسيطٌ طباعه أن يكون حارًّا يابسًا؛ مُتحرِّكًا بالطَّبع على الوسط لتستقرَّ تحت كُرة الفلك، لا لون لها، زعموا أنَّ النار الصِّرف لا يُدرِكها البصَر لأنا نرى الشمع إذا اشتعل كانت شعلتُه منفصلةً عن الفتيلة، ولا شك أنَّ الحرارة عند اتصال الفتيلة أقوى، وأيضًا أن كير الحدَّادين إذا بالَغوا في نفخه صار هواؤه بحيث إذا دنا منه شيء يحترق ولا ضوء له، فعُلِم أن النار القوية الصِّرف لا ضوء لها، والنار التي هي فوق العناصر في غاية القوة والخُلُوص فلذلك لا تُدرِكها الأبصار.»٩٥
وجدنا سابقًا٩٦ أنَّ وليم هرشل كان قد أعلن عن اكتشافه للأشعة تحت الحمراء عام ١٨٠٠م، عندما لاحَظَ في أثناء قياسه درجة حرارة الألوان المُتَعَاقبة لضوء الشمس الأبيض النافذ من المنشور الزجاجي، ارتفاعًا طفيفًا في درجة حرارة الترمومتر كلما اقترب من نهاية اللون الأحمر، كما لاحَظَ ارتفاعًا واضحًا في درجة الحرارة عندما تعدَّى مستودع الترمومتر حدود اللون الأحمر. عزى هرشل هذا الارتفاعَ في درجة الحرارة إلى وجود أشعةٍ غير مرئية في المنطقة دون الحمراء، وأطلق عليها في بادئ الأمر الأشعة الحرارية، والتي تُعرَف الآن بالأشعة تحت الحمراء Infrared Radiation التأثير الطبيعي الوحيد الملحوظ لهذه الأشعة حتى الآن هو التأثير الحراري.
ويبدو أن القزويني استدلَّ على الإشعاع الحراري هنا من الحديد المحمَّى حتى درجة الاحمرار (درجة حرارته حوالي ١٣٠٠° مئوية)، وهو هنا لا يصدُر عنه أي لهبٍ ناري، لكننا نشعر بحرارته تمامًا دون أن يُرافِقها ضوء، طبعًا يقصد مثل ضوء الشمس.

ابن كمونة (القرن ٧ﻫ/١٣م)

مثال النار التي لا تُرى وكير الحدَّادين الذي سبق وأن وجدناه عند القزويني، نراه يتكرَّر عند ابن كمونة، لكنه يُضيف تفسيره أنَّ سبب عدم رؤيتنا لما وراء النار هو احتواء المادة المُشتعِلة على موادَّ ذاتِ عناصرَ أرضيَّة؛ ولذلك كُلَّمَا زادت كثافة النار فإنَّ هذا يَدُلُّ على زيادة العناصر الأرضية والعكس صحيح. والواقع أنَّ ما اقتَرحَه القزويني وابن كمونة ترجمةٌ عملية لمفهوم زيادة نِسَب العناصر التي سبق وأن تحدَّث عنها ابن سينا.

قال ابن كمونة: «أمَّا ما هو بحسب التقسيم الأوَّل، فظاهرٌ لنا في الأرض والماء والهواء وخفيٌّ عنا في النار، ويدلُّ عليه فيها أنا نرى النار كلما كانت أقوى، كان تلوُّنها أقل؛ فإنَّ كير الحدادين إذا قويَت النار فيه، ذهَب لونها، ونجد أصول الشعل حيث النار قوية مُتَمَكِّنة من الإحالة التامة للأجزاء الأرضية، هي شفَّافة، لا يقع لها ظل … فثبت أنَّ النار عندنا، إنما كانت ساترةً لما وراءها، لما يُخالطها من الأجزاء الأرضية؛ ولهذا كُلَّما كثُرَت الأجزاء الأرضية فيها قَوِي لونها، وكلما قلَّت تلك الأجزاء ضعُفَت النار، ومالت إلى الشفافية، فثبَت أنَّ النار بسيطةٌ شفَّافة كالهواء.»٩٧

أيدمر الجلدكي (القرن ٨ﻫ/١٤م)

الجلدكي رجلُ علمٍ تجريبي، يُحاوِل أن يتأكد من الفرضية التي يضعها، كما نفعل نحن اليوم وَفْق الطريقة العلمية، فتراه يُجرِّب ويُعيد التَّجربة حتى تتأكَّد له مظانُّه بأنَّ ما حصل عليه فعلًا هو حقيقيٌّ ومُثبَت، ولأي شخصٍ أن يقوم به ويُكرِّره مرةً أخرى. ما يتعلَّق بنشأة الحرارة فإنه يُوجَد ثلاثة أسباب؛ سقوط الضوء على الجسم، ولعله يقصد ضوء الشمس، والحركة، ولعله يقصد الاحتكاك، ووقوع الجسم بجوار النار. طبعًا وقبل توفُّر هذه الأسباب الثلاثة يجب أن يكون الجسم مُتهيِّئًا لاستقبال الحرارة، وإلا فلن يمتصَّ الحرارة مهما كان المصدر.

قال الجلدكي: «ودَلَّت التجربة على أنَّ أسباب الحرارة الاستضاءة والحركة ومُجَاورة النار إذا كان القابل لشيء من ذلك قابلًا للحرارة، وأمَّا إذا لم يكن قابلًا لها فلا … كُل ذلك عُرف بالتجربة، وتكرار التجربة برهانٌ صحيح قائم الحجة، فجزمنا لذلك أن صعود الجسم يشتد بشدة حرارته ويضعُف بضَعفها، وأن نزوله يشتد ويضعُف بحسب حال بُرودَته في موازين درجات الشدة والضعف، ولولا أنَّ الحرارة تقتضي التصعيد والبرودة تقتضي خلاف ذلك لما كانت أحوال الأجسام كذلك.»٩٨
ويُقدِّم لنا الجلدكي تفسيرًا يتناسب مع منطق عصره، وما اعتمده من نظرياتٍ فلكية، عن سبب وجود فلكٍ خاص بالنار تحت فلك القمر فيقول: «إنَّ السبب في وجود فلَك النار فيما دون فلَك القمر اتصالُ مَطارحِ الأشعة من الشمس وسائر الأجرام ونفوذُها إلى هذا الفضاء المُتَّسع مع سرعة الدوران وانعكاس الأشعة من صفحات لمعانِ أمواجِ المياه مع تصاعُد البخار والدخان، فلزم من ذلك أن يكون فلَك النار دون فلَك القمر، وأن يكون هو أول الأركان بالنسبة إلى العُلو الطبيعي في المكان … فالنار تكوَّنَت من أشعة الأنوار المُتَّصِلة من الفوق إلى عالمها ومن استمرار الحركة ومن أشعة الشمس والأجرام والأنوار المُنعَكِسة والمُتَّصِلة باتصال السريان.»٩٩
وفيما يتعلق بنسب الكيفيات في العناصر الخمسة فإنَّ النار معظمها حرارة ويبوسة، ولا يوجد فيها رطوبة أو برودة، وتتوزَّع النِّسَب فيها إلى ١٢ حرارة و٤ يبوسة حسب مقياس الحرارة الذي وضَعه الجلدكي للكيفيات.١٠٠ وهذا يعني أنَّ فكرة نِسَب الكيفيات التي تحدَّث عنها ابن سينا تمكَّن الجلدكي من ضبط مقدارها وتحديدها بعد أن كانت غير معروفة.
قال الجلدكي: «إن طبيعة النار كلها حرارة لا يُخَالطها إلا اليبوسة التي هي عدم الرطوبة … فالنار فيها اثنا عشر حرفًا من الحرارة وأربعة أجزاء من اليبوسة بمقتضى الميزان الذي هو على عمود ستة عشر من العدد المجدول المربَّع الخارج من ضرب أربعة في أربعة.»١٠١

المبحث السادس: الأوروبيون

لم تظهر جهودٌ جادة لمُحَاولة تفسير النار بوصفها ظاهرةً من الناحية العلمية لدى الأوروبيين حتى القرن ١٧م، وقبل ذلك كان الرضا بما أملاه أرسطو هو السائد في الفكر العلمي الأوروبي.

فرنسيس بيكون (القرن ١٧م)

عقَد بيكون مقارنةً بين حرارة النار وحرارة الشمس، وقد وجد أن بينهما أربعةَ فروقات نُورِدها في الجدول الآتي:١٠٢
حرارة الشمس حرارة النار
أخف وألطف تأثيرًا أشد تأثيرًا
أرطب من حيث النوعية، بسبب تأثُّرها بالهواء أقل رطوبة، بسبب جفافها
متفاوتة كثيرًا؛ ولذلك تُسهِم في تكوين الأجسام تكاد تكون شدَّتها ثابتة؛ ولذلك ليس لها أيُّ دَورٍ في تكوين الأجسام
عمرها طويلٌ جدًّا ودائمة عمرها قصيرٌ ومؤقَّتة

جان فان هيلمونت (القرن ١٧م)

ربما كان البلجيكي جان فان هيلمونت أوَّل شخصٍ في القرن السابع عشر يُطلِق على نفسه بشكلٍ علني اسم «فيلسوف النار»؛١٠٣ وذلك نظرًا لاشتغاله بالكيمياء العلمية، وتطبيقاتها في الصيدلة بدلًا من الخيمياء القديمة، ولمحاولته فهم طبيعة النَّار، في حين أنَّه ناقَش موضوعَ النار والبحث في حقيقتها جمهورٌ من العلماء الأوروبيين الذي حاولوا فهم عملية الاحتراق أولًا ثم تفسير ظاهرة النار ثانيًا؛ لذلك تُشكَر ليهلمونت جُهودُه في موضوع الغازات وتعريفنا بأنَّ غاز ثنائي أكسيد الكربون هو ناتج عملية الاحتراق بالنار.١٠٤

جاليليو (القرن ١٧م)

وجود جُسيمات النار وحده لا يكفي لإثارة الحرارة، بل لا بد من حركتها أيضًا، من هنا بدا من المعقول بالنسبة لجاليليو القول إن «الحركة هي سبب الحرارة». لكنه يرفُض تقبُّل هذا المُقترَح بالطريقة العادية، كما لو أنَّ قطعةً من الحجر أو الحديد أو عصًا لا بُدَّ أن تسخُن إذا تحرَّكت في الهواء، وإنما تحدُث الحرارة نتيجة احتكاك جسمَين صُلبَين؛ إمَّا بتدميرهما إلى أجزاءٍ رقيقة متطايرة أو بفتح مخرجٍ لجُسيمات النار الدقيقة التي بداخلها تبدأ في الحركة في نهاية المطاف، وعندما تلتقي هذه الجُسيمات بأجسامنا يشعُر عقلنا الواعي بإحساسٍ سارٍّ أو كريه، وهو ما أطلقنا عليه اسم حرارة، أو حَرْق، أو سَلْق. ويُتابِع جاليليو بأنَّه عندما يتوقَّف هذا التآكل بالاحتكاك أو يُصبح مُحدَّدًا بأصغر حجم، فإنَّ حركة الجُسيمات تصير مؤقتةً زائلة وتأثيرها مُولِّدًا للحرارة فقط، أمَّا عندما يحدُث التحلُّل النهائي والوصول إلى الذرات غير القابلة للانقسام، يتكون الضوء. وقد يكون للضوء حركةٌ لحظية أو انتشار وتوسُّعٌ لحظي، مما يجعله قادرًا على شغل فضاءٍ شاسع بوساطة لاماديته أو بوساطة خاصيةٍ أخرى تختلف عن كل ذلك ولا اسم لها.١٠٥

إذن فقد حاول جاليليو تفسير النار على أساس النظرية الذرية، حسب ديموقريطس، مُعْتبرًا أنَّ حركة الجُسيمات هي التي تُولِّد الحرارة، أمَّا تفكُّكها على مستوى الذرات فهو الذي يُصدِر الضوء، وهذا الرأي مُعارَضةٌ ضمنية غير مُباشرة لتعاليم أرسطو التي كانت مقدَّسةً في عصر جاليليو كما نعلم.

رينيه ديكارت (القرن ١٧م)

رفَض ديكارت ما طَرَحَه أرسطو ومن لَحِقَ به من الفلاسفة من تفسير حقيقة النار القائم على الصور والكيفيات، وراح يَعتمِد التفسير الميكانيكي القابل للقياس؛ أي إنَّ الحرارة تُعبِّر عن حركة الجُسيمات المكوِّنة للجسم، فقال: «لغيري إذن أن يتخيل، في الخشب، إذا شاء، صورة النار، والكيفية الحرارية والفعل المُحْرِق، باعتبارها أشياءَ مُخْتلفة تمامًا، أمَّا بالنسبة لي … فإنني أكتفي بأنْ أدرك فيه حركة أجزائه.» ثم يُقدِّم لنا تفسيره الوضعي على طريقة أوغست كونت وبشكلٍ مخالف لطريقة الأقدمين بأن الحرارة تتجه نحو الأعلى دومًا لتستقرَّ في فلَك النار، بل لا يشترط أن تتحرَّك نحو جهةٍ محددة أيضًا، فيقول: «إن كل جزء — من أجزاء اللهب — يتحرَّك بالطريقة التي جعلَها وضع الأجسام التي تُحيط به أقل صعوبةً بالنسبة له، وأن في شعلة اللهَب الواحدة نفسها، يمكن أن تُوجَد أجزاءٌ تذهب إلى أعلى وأخرى إلى أسفل، بخَطٍّ مستقيم أو بطريقةٍ دائرية، ومن كل الجهات، دون أن يُغيِّر ذلك شيئًا من طبيعتها؛ بحيث إنكم إذا رأيتموها تنزع كلها تقريبًا إلى أعلى، فلا يجب أن تُفكِّروا أن ذلك يعود لسببٍ آخر غير كون الأجسام التي تُلامِسها تجد نفسَها مهيَّأةً تقريبًا لتُبدِي لها مقاومةً أشد، من الجهات الأخرى جميعها.»١٠٦

وليم كليغهورن (القرن ١٨م)

بقَدْر ما كان جوزيف بلاك يُفضِّل نظرية الحرارة، كان مَيَّالًا في بعض السنوات إلى أن يُفضِّل ما قدَّمه وليم كليغهورن W. Cleghorn (١٧١٦–١٧٨٩م) في عام ١٧٧٩م؛ لأنه وضَّح الكثير من الحقائق المُهِمَّة عن الحرارة؛ ففي مقالته الافتتاحية لدرجة الدكتوراه في جامعة إندبيرغ، أعلن كليغهورن عن نظريةٍ جديدة عن الحرارة أو النَّار، التي تُوضِّح التأثيرات الحرارية من خلال وجهة نظره الآتية: إنَّ تدفُّق الحرارة أو النار من الجسم الحار إلى الجسم الأبرد يُشير إلى وجود قُوةٍ طاردة في جُسيمات النار، والتي تتراجع بسبب قوةٍ أخرى، وقد عَمِل بلاك حول «قدرات الحرارة» هذه والتي بيَّنَت بأنه بالكاد يُوجَد أجسام فيها كميات من النار الذاتية؛ ولهذا تُوجَد في الأجسام قوةُ نارٍ جاذبة تختلف باختلاف الأجسام، من هذه الملاحظة، يترتَّب بأن النار الموزَّعة بين الأجسام مُباشرةً تتناسب مع القوة الجاذبة للنار وفي اللحظة نفسها مع القوة النابذة المتبادَلة بين جُسيمات النار. وقد وصف بلاك هذه النظرية على أنها «احتمال أكثر مما أعرف»، لكنه سرعان ما تراجَع عن موافقته بإضافة «على كُلٍّ، وعلى العموم إنها مجرَّد فرضية.»١٠٧

بمعنًى آخر، حاول كليغهورن تطبيقَ نظرية نيوتن في الجاذبية بين الأجسام، فالقوى النابذة المتبادَلة بين جُسيمات النار يُقابلها قوًى جاذبةٌ في الأجسام التي تقبل الاشتعال، وهذه هي الإضافة الجديدة التي قدَّمها.

مايكل فاراداي (القرن ١٩م)

كان مايكل فاراداي M. Faraday (١٧٩١–١٨٦٧م) يرى أنَّه «ليس هناك مدخلٌ لدراسة الفلسفة الطبيعية أفضل من دراسة الظاهرة الفيزيائية لشمعةٍ مُتَّقِدة.» وهي العبارة التي بدأَها مؤتمر «التاريخ الكيميائي لشمعة» في عام ١٨٤٨م في المعهد الملكي بلندن. وقد وضَّح أن بمقدور الشخص أن يقرأ تحت ضوء لهب الشمعة المتوهِّجة كُل علم الكيمياء كما كان مفهومًا وقتئذٍ.١٠٨

بعبارةٍ أخرى، فإنَّ النار ليست مادةً بحد ذاتها، وإنما مُجَرَّد تفاعُلٍ كيميائي، والتفاعُل الكيميائي هو العملية التي تحدُث للغازات في معظم الظروف، وتحدُث نتيجةً لتسخين المادة الصُّلبة أو السائلة؛ لإنتاج الأبخرة، والتي تشتعل عند تعرُّضها للأكسجين؛ لذا، يمكن أن نقولَ إن النار ليست صُلبة أو سائلة أو غازية، ولكنها شيءٌ يحدُث للغاز.

١  الموسوعة العربية العالمية، مدخل «النار»، الرياض، ٢٠٠٤م.
٢  Krebs, Robert E. & Krebs, Carolyn A., Groundbreaking, Scientific Experments, Inventions, and Discoveries of the Ancient World, Greenwood Press, Westport, Connecticut, London, 1ed, 2003, p. 245.
٣  ممفورد، لويس، أسطورة الآلة، ج١، ترجمة: إحسان حصني، وزارة الثقافة، دمشق، ١٩٨٠م، ص١٧٥.
٤  النار مفيدة لكنها مدمرة، مجلة آفاق علمية، العدد ٤٤، صيف ٢٠١٣م، ص١١.
٥  يقصد به الإنسان المُنتصِب Homo erectus، وكذلك جماعات العصر الحجري القديم مثل إنسان نياندرتال العاقل Homo sapiens neaderthalensis، وربما الإنسان العاقل-العاقل Homo sapiens sapiens.
٦  جيل، برتران، تاريخ التكنولوجيا، ترجمة: هيثم اللمع، ط١، المؤسسة الجمعية للدراسات والنشر، بيروت، ١٩٩٦م، ص١٤١.
٧  سيمونز، إيان، البيئة والإنسان عبر العصور، ترجمة: السيد محمد عثمان، سلسلة عالم المعرفة ٢٢٢، تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، يونيو، ١٩٩٧م، ص١٠٨–١٠٩.
٨  Rossi, Cesare & Russo, Flavio & Russo, Ferruccio, Ancient Engineers’ Inventions, Springer, Italy, 2009, p. 192.
٩  كارتسيف، فلاديمير وخازانوفسكي، بيوتر، آلاف السنين من الطاقة، ترجمة: محمد غياث الزيات، سلسلة عالم المعرفة ١٨٧، تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، يوليو، ١٩٩٤م، ص٨.
١٠  شحاتة، مصطفى، تاريخ الكي في الطب العربي، بحث منشور ضمن أبحاث الندوة العالمية السادسة لتاريخ العلوم عند العرب، ٩–١٦ كانون الأول، ١٩٩٦م، إعداد: مصطفى موالدي، منشورات جامعة حلب، معهد التراث العلمي العربي، حلب، ٢٠٠٣م، ص٥٣٢.
١١  روبرتس، ج. م، موجز تاريخ العالم، ترجمة: فارس قطان، دمشق، ٢٠٠٣م، ص٢١–٢٢.
١٢  Rossi, Cesare & Russo, Flavio & Russo, Ferruccio, Ancient Engineers’ Inventions, p. 242.
١٣  Krebs, Robert E.& Krebs, Carolyn A., Groundbreaking, Scientific Experments, Inventions, and Discoveries of the Ancient World, p. 245.
١٤  حسين، عبد الله، تاريخ ما قبل التاريخ، دار كلمات، القاهرة، ٢٠١٢م، ص١٧٥.
١٥  نادر، وحيد، التريبولوجيا (علم الاحتكاك) وتاريخها في المنطقة العربية، بحث ضمن أبحاث المؤتمر السنوي ١٥ لتاريخ العلوم عند العرب، الرقة ١٧–١٩ أيلول، ١٩٩١م، منشورات جامعة حلب، معهد التراث العلمي العربي، إعداد: مصطفى موالدي، ياسمين شويش، حلب، ٢٠٠٦م، ص١٩٠.
١٦  العاني، دحام إسماعيل، موجز تاريخ العلم، ج١، ط١، مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، الرياض، ٢٠٠٢م، ص١٩.
١٧  العاني، دحام إسماعيل، موجز تاريخ العلم، ج١، ط١، مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، الرياض، ٢٠٠٢م، ص٢١.
١٨  معجم أكاديميا للمصطلحات العلمية والتقنية، تحرير محمد دبس، أكاديميا إنترناشونال، بيروت، ١٩٩٣م، ص٢٤٢.
١٩  تم صياغة كلمة Tribology للمَرَّة الأولى عام ١٩٦٦م، من الكلمة اليونانية Tribos وتعني «الفَرك» أو «الحَك»، وعليه فإن المعنى الحرفي للكلمة قد يكون «علم الفَرك». انظر: Jost, P. 1966. Lubrication (Tribology) – A Report pn the present Position and Industry’s Needs. Department of Education and Science, H.M. Stationary Office, London.
٢٠  Zumerchik, John, Macmillan encyclopedia of energy, Tribology, Gary C. Barber & Barbara Oakley, Macmillan Reference USA, an imprint of Gale Group, Vol. 3, 2001, p. 1164.
٢١  هي شبه جزيرة تقع في أقصى شرق روسيا بين بحر أوخوتسك في الغرب والمحيط الهادئ وبحر بيرنغ في الشرق. انظر: en.wikipedia.org/wiki/Kamchatka Peninsula.
٢٢  الصوفان touchwood, amadou punk: هو نباتٌ عشبي من الفصيلة المُركَّبة يظهر عليه زغبٌ يشبه الصوف، وقد يكون إسفنجيًّا يُؤخَذ من فُطر الصوفان لتُقدح به النار. عن معجم المورد، بعلبكي، ص٤١، ٧٤٠، ٩٨٠.
٢٣  كارتسيف، فلاديمير وخازانوفسكي، بيوتر، آلاف السنين من الطاقة، ص٨.
٢٤  حسين، عبد الله، تاريخ ما قبل التاريخ، دار كلمات، القاهرة، ٢٠١٢م، ص١٧٥.
٢٥  أينشتاين، ألبرت، أفكار وآراء، ترجمة: رمسيس شحاتة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٨٦م، ص١١٣.
٢٦  نيدهام، جوزيف، موجز تاريخ العلم والحضارة في الصين، ترجمة: محمود غريب جودة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٩٥م، ص٢١٥.
٢٧  المرجع السابق نفسه، ص٢٤٦.
٢٨  غانم، عماد، أساطير اليونان، ط٢، دار الشرق العربي، حلب، ١٩٩٤م، ص١٥٤.
٢٩  أقوال الأقدمين في الكونيات، مخطوط مجهول المؤلف موجود بجامعة ميشيغان، رقم (Isl. Ms. 987)، ص٢٧.
٣٠  المرجع السابق نفسه، ص٤٥–٤٦.
٣١  عطيتو، حربي عبَّاس، الفلسفة القديمة، ص١٢٥.
٣٢  المرجع السابق نفسه، ص١٢٩.
٣٣  ستيس، والتر، تاريخ الفلسفة اليونانية، ترجمة: مجاهد عبد المنعم مجاهد، دار الثقافة، القاهرة، ١٩٨٤م، ص٧٣.
٣٤  بدوي، عبد الرحمن، الأفلاطونية المحدثة عند العرب، أفلاطون: الروابيع، ط٢، وكالة المطبوعات، الكويت، ١٩٧٧م، ص٢٠٦.
٣٥  سارتون، جورج، تاريخ العلم، ج١، ص٢٥٧.
٣٦  ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص٣٨.
٣٧  سارتون، تاريخ العلم، ج٥، ص٢٠٠.
٣٨  سارتون، تاريخ العلم، ج٥، ص١٦٧.
٣٩  بدوي، عبد الرحمن، أرسطو، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ١٩٤٣م، ص٢٢٦.
٤٠  أرسطو، كتاب النفس، ترجمة: أحمد فؤاد الأهواني، ط١، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، ١٩٤٩م، ص٥٦.
٤١  أبليارد، بريام، فهم الحاضر تاريخ بديل للعلم، ترجمة: عبد الكريم ناصيف، وزارة الثقافة، دمشق، ٢٠٠٩م، ص٤٦.
٤٢  أرسطو، الكون والفساد، ترجمة: أحمد لطفي السيد، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، ٢٠١٤م، ص١٦١.
٤٣  عطيتو، حربي عباس، الفلسفة القديمة، ص٢٠٦.
٤٤  المرجع السابق نفسه، ص٢١٥.
٤٥  Cajori, Florian, On the History of Caloric, Isis, Vol. 4, No. 3 (Apr., 1922), Chicago Uni. p. 483.
٤٦  النار مفيدة لكنها مدمرة، مجلة آفاق علمية، العدد ٤٤، صيف ٢٠١٣م، ص١١.
٤٧  Rossi, Cesare & Russo, Flavio & Russo, Ferruccio, p. 251.
٤٨  ابن فارس، أحمد بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين، معجم مقاييس اللغة، ج٥، ص٣٦٨.
٤٩  بلينوس الحكيم، سر الخليقة وصنعة الطبيعة، ص٣٣٥.
٥٠  الثعالبي، فقه اللغة وسر العربية، ص٦٩.
٥١  المرجع السابق نفسه، ص٦٥.
٥٢  مسعود، نجم الدين محمود، النَّار فاكهة الشتاء، مجلة الخفجي، السنة ٤٣، العددان ٩–١٠، الخفجي، سبتمبر/أكتوبر ٢٠١٣م، ص٥.
٥٣  الثعالبي، فقه اللغة وسر العربية، ص٧٠.
٥٤  الثعالبي، فقه اللغة وسر العربية، ص٧٢.
٥٥  المرجع السابق نفسه، ص٧٥.
٥٦  المرجع السابق نفسه، ص٤٠.
٥٧  المرجع السابق نفسه، ص٤٦–٤٧.
٥٨  مسعود، نجم الدين محمود، النار فاكهة الشتاء، ص٥.
٥٩  المرجع السابق نفسه، ص٥.
٦٠  المرجع السابق نفسه، ص٥.
٦١  المرجع السابق نفسه، ص٥.
٦٢  مسعود، نجم الدين محمود، النار فاكهة الشتاء، ص٥.
٦٣  والتفصيل في كل نوع لا يتسع له الشرح هنا. انظر: علي، جواد، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ط٤، ج١٢، دار الساقي، بيروت، ص٢٧٠ وما بعدُ.
٦٤  الثعالبي، فقه اللغة وسر العربية، ص١٧.
٦٥  مسعود، نجم الدين محمود، النار فاكهة الشتاء، ص٥.
٦٦  علي، جواد، المُفصَّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ط٤، ج١٢، ص٢٦٩.
٦٧  الفقي، محمد عبد القادر، التاريخ المجهول لصناعة البترول، مجلة التقدم العلمي، العدد ٥٥، ديسمبر، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، الكويت، ٢٠٠٦م، ص٣٧–٣٨.
٦٨  المرجع السابق نفسه، ص٣٨.
٦٩  ابن الأثير، محمد الشيباني، الكامل في التاريخ، ج١، ط١، تحقيق: أبي الفداء عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٩٨٧م، ص٣٧٨.
٧٠  سنتكلم بشكلٍ مفصَّل عن هذه النار ضمن الفصل الثاني من الباب الرابع.
٧١  الفقي، محمد عبد القادر، التاريخ المجهول لصناعة البترول، ص٣٨.
٧٢  انظر الباب الأول، الفصل الخامس، نظرية الكمون الحراري.
٧٣  وهي نظريةٌ أقرَّ فيها بإمكانية انتقال الأجسام على شكل قفزاتٍ تجتز من خلالها المراحل، فإذا كان لدينا ثلاثُ مراحل يمكن للجسم أن ينتقل من المرحلة الأولى إلى الثالثة دون أن يمُرَّ بالثانية. انظر بحثنا: «مفهوم الطفرة في الحركة عند العرب والمسلمين بين القرنَين (٣–٦ﻫ/٩–١٢م)»، مجلة تاريخ العلوم بجامعة حلب، العدد ٨، عام ٢٠١٣م.
٧٤  إس، فان، الكلام والطبيعة عند أبي إسحاق النظَّام، مجلة المؤرخ العربي، العدد ١٩، تصدر عن الأمانة العامة لاتحاد المؤرخين العرب، بغداد، ١٩٨١م، ص٣٥–٣٦.
٧٥  الجاحظ، الحيوان، ج٥، دار الكتاب العربي، بيروت، ١٩٦٩م، ص٢٣.
٧٦  المرجع السابق نفسه، ص٥٢.
٧٨  الجاحظ، الحيوان، ج٤، ص٤٨٨.
٧٩  Samursky, Shmuel, Physical Thought, p. 128.
٨٠  الدولاب التي يُستَقى عليها. الصحاح، ج٦، ص٢٢٠١.
٨١  الهمداني، الحسن بن أحمد، كتاب الجوهرتَين العتيقتَين المائعتَين من الصفراء والبيضاء (الذهب والفضة)، تحقيق: أحمد فؤاد باشا، ط١، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، ٢٠٠٩م، ص٨٣.
٨٢  يقول أحمد فؤاد باشا: «ولم يُعثَر من هذا الكتاب إلا على المقالة العاشرة المنسوخة في ١٩ محرم سنة ١٠١٩ﻫ والموجودة في الجامع الكبير بصنعاء، وتحوي ثلاثة وثلاثين بابًا، وقد حقَّقها محمد بن علي الأكوع، وانتهى من نسخها والتعليق عليها عام ١٩٧٨م، ثم نُشرَت بدون تاريخ نشر، لكنها تحوي على الكثير من الأخطاء.» عن: الهمداني، الحسن بن أحمد، كتاب الجوهرتَين العتيقتَين المائعتَين من الصفراء والبيضاء (الذهب والفضة)، ص٢٣.
٨٣  الهمداني، الحسن بن أحمد، كتاب الجوهرتَين العتيقتَين المائعتَين من الصفراء والبيضاء (الذهب والفضة)، ص٨٤.
٨٤  إخوان الصفا، رسائل إخوان الصفا، ج٣، ص١٢٩.
٨٥  إخوان الصفا، رسائل إخوان الصفا، ج٢، ص٥٣.
٨٦  ابن سينا، تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات، مطبعة هندية بالموسكي، القاهرة، ١٩٠٨م، ص٩٠.
٨٧  ابن سينا، الشفاء، الطبيعيات، السماء والعالم، ص٢٤.
٨٨  ابن سينا، الشفاء، الكون والفساد، ص٧٩.
٨٩  ابن متويه، الحسن (ت. ٤٦٩ﻫ)، التذكرة في أحكام الجواهر والأعراض، تحقيق: سامر نصر لطف، فيصل بدير عون، دار الثقافة، القاهرة، ١٩٧٥م، ص٣٠١–٣٠٢.
٩٠  ابن رشد، محمد بن أحمد بن محمد الحفيد، شرح كتاب أرسطوطاليس في السماع والعالم، قدَّم له جيرهارد أندرس، منشورات معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية، يُصدرها فؤاد سزكين، طُبع بالصف التصويري عن مخطوطة ١١٨٢١، المكتبة الوطنية في تونس، فرانكفورت، ١٩٩٤م، ص٢٢٧.
٩١  ابن رشد، محمد بن أحمد بن محمد الحفيد، شرح كتاب أرسطو طاليس في السماع والعالم، ص٢٢٨.
٩٢  ابن رشد، تلخيص الآثار العلوية، ص٢٢.
٩٣  ذكر ذلك حسين مروة في «النزعات المادية في الفلسفة العربية-الإسلامية»، وأرجعه للجلبي على شرح المواقف لعضد الدين الإيجي. النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية، ط٢، حسين مروة، دار الفارابي، بيروت، ١٩٧٩م، ص٨٠١.
٩٤  فخر الدين الرازي، المباحث المشرقية، ج٢، ص١٨٩.
٩٥  القزويني، زكريا بن محمد، عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات، نشر: فردناند فستنفلد، إعادة طبعة جوتنجن، معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية، فرانكفورت، ١٩٩٤م، ص٩٠.
٩٦  انظر الفصل الثاني من الباب الأول، ثانيًا: انتقال الحرارة بالإشعاع، المبحث الثاني.
٩٧  ابن كمونة، الجديد في الحكمة، ص٣٤٧–٣٤٨.
٩٨  الجلدكي، عز الدين علي بن آيدمر، البرهان في أسرار علم الميزان، ج٢، مخطوطة دار الكتب المصرية، نسخة مصورة بمعهد التراث العلمي العربي، جامعة حلب، رقم ٤٨، ص٥٩ظ–٦٠و.
٩٩  الجلدكي، أيدمر، البرهان في أسرار علم الميزان، ج١، مخطوطة في مكتبة ويلكم، لندن، رقم (29_WMS_Arabic)، ص٤٤٤–٤٤٥.
١٠٠  انظر الفقرة الخاصة بعمل الجلدكي في مجال القياس الحراري في الفصل الثاني من الباب الثاني.
١٠١  الجلدكي، أيدمر، البرهان في أسرار علم الميزان، ج٤، مخطوطة في مكتبة ويلكم، لندن، رقم (201_WMS_Arabic)، ص٣١٦–٣١٧.
١٠٢  بيكون، فرنسيس، الأورجانون الجديد، ص٢٢٩.
١٠٣  كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص١٢٥.
١٠٤  انظر الفصل الرابع من الباب الثالث، نظرية الاحتراق، جان فان هيلمونت.
١٠٥  جاليليو جاليلي، اكتشافات وآراء جاليليو، ص٣٠٦–٣٠٧.
١٠٦  ديكارت، رينيه، العالم أو كتاب النور، ترجمة: إميل خوري، ط١، دار المنتخب العربي، بيروت، ١٩٩٩م، ص٢٥.
١٠٧  McKie, Doglas & De V. Heathcot, Niels, The Discovery of specific and latent heats, p. 29.
١٠٨  بول، فيليب، الجزيئات، ص٨١.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤