الفصل الثاني

منبع الحرارة الأرضية

مقدمة

تُعتبر الحرارة الأرضية Geothermic مصدرًا للعديد من الظاهرات الأرضية كالبراكين والينابيع الحارَّة؛ فهي تقدم دليلًا على أنَّ جوف الأرض خزَّانٌ هائل من الحرارة،١ حيث تبلُغ درجة الحرارة في مركز الأرض حوالي ٤٢٠٠° مئوية، وهي تجعل الصخر ينصهر؛ فالأرض ومنذ نشأتها قبل ٤٫٥ بليون سنة ما زالت تَبرُد وتتخلَّص من حرارتها الجوفية عَبْر سطح الأرض.٢
يعود سببُ وجود الحرارة في باطن الأرض إلى عوامل الجاذبية وحركة الأرض وإلى قوى الاحتكاك بين الطبقات الأرضية التي تتحرَّك فوق بعضها بعضًا، ثم وبشكلٍ أكبر إلى الإشعاعات الناتجة عن المواد المُشِعَّة.٣ ووجد العُلماء أنَّ حجمًا من الصخر في باطن الأرض مقداره حوالي ٥٢٠كم٣ (وهو حجم جبلٍ عادي) تكونُ درجة حرارته أسخَن بعدة مئاتٍ من الدرجات من الصخر السطحي، وهو يحوي من الطاقة تُعادل الطاقة المُستهلَكة في العالم بأَسْره خلال سنةٍ واحدة.٤
عندما يتسرَّب جزء من الصهارة الصخرية إلى السطح يثور بركان، أمَّا عندما تتسرب بعض الحرارة الموجودة في باطن الأرض إلى المياه الجوفية فإنها تصل إلى السطح على شكل فواراتٍ وينابيعَ حارة، وتقذف هذه النوافير الفوَّارة إلى الخارج بماءٍ مغلي.٥ مع أنَّ البراكين تتمتع بسمعةٍ سيئة، بسبب الكوارث التي سبَّبَتها على مَرِّ التاريخ البشري، إلا أنه أمكن الاستفادة منها؛ فالرَّماد الناتج عن البراكين يترسَّب على سطح الأرض الزِّراعية فيُثرِي التربة بالمعادن، ويُخصِّبها، كما أنَّ المواد البركانية تحوي على معادن وأحجارٍ كريمة مثل الذهب والفضة والنحاس والتوتياء والرصاص والزئبق والأوبال.٦
كذلك فقد عرف الإنسان فوائدَ جَمَّة للينابيع الحارَّة منذ وجوده على الأرض، فراح يستفيد منها بما يُلبي احتياجاته، كأن يستفيد من ينابيعِ المياه المعدنية الحارة في الاستشفاء من الأمراض، وهي المُمَارسة التي ما زالت مستمِرَّة حتى وقتنا الحاضر في مناطقَ عديدة من العالم من أوروبا مرورًا بالشرق الأوسط وشمال أفريقية إلى الهند والصين، والتي ما زال الكثير من الينابيع موجودة، وقَيدَ الاستعمال لأغراضٍ سياحية وعلاجية.٧
أمَّا بخصوص الاستفادة من الحرارة الأرضية كمصدرٍ للطاقة البديلة النظيفة بيئيًّا، فقد تأخَّر حتى بدايات القرن العشرين؛ ففي عام ١٩٠٤م تمَّ بناء أول محطة تستخدم البخار المندفع من باطن الأرض لإدارة عنفات لتوليد طاقةٍ كهربائية في إيطاليا في منطقة لارديريلو، ثم أخذَت استعمالات الطاقة الجيوحرارية بالتوسُّع، وتوسَّعَت بحيث تُستخدَم لتدفئة المنازل والبيوت البلاستيكية لأغراض الزراعة في المناطق الباردة.٨
سنتناول في هذا الفصل البحث في تاريخ نوعَين من المصادر الحرارية الأرضية ألا وهما الحمَّات والبراكين، وكيف ورَدَا في الوثائق المدوَّنة، وقبل أن ندخل نقدِّم فيما يأتي تعريفًا لهما:
  • فالحَمَّة الفوَّارة Geyser نَبعٌ يَدفع المياه السَّاخنة إِلى أعلى بقوةٍ تَفجيرية من وقتٍ لآخر. وغالبًا، تَنطلق المياه مِن الحمَّة إِلى أَعلى في أعمدةٍ ضخمةٍ من السُّحُب البخارية، وتُسَمَّى بالحامة alhama أيضًا، وهو اسمٌ يُطلَق بشكلٍ عام على الينابيع الساخنة؛ حيث حلَّت هذه التسمية مكان كالداس Caldas وبانيوس Banios الرومانيتَين القديمتَين. ويبدو أنَّ لفظ (حمَّة) قد ظهر في الأندلس التي تُشتَهر بحمَّاتها، منها حمَّة المرية ومرسية وأراجون وغرناطة.٩
  • أما البُركان Volcano فهو فتحة في سطح الأرض، تتفجَّر وتثور من خلالها الحمم، والغازات الحارَّة، والشظايا الصخرية، وتتشكل هذه الفتحة عند اندفاع الصخر المنصهر من باطن الأرض، متفجرًا على سطح الأرض.١٠

المبحث الأول: اليونانيون

من الناحية الأسطورية، فقد كان اليونانيون القدماء يَرونَ في نشاطات بركان «إتنا» في صقلية أنها من عمل هيفايستوس Hephaistos إله النار، الذي كان يصنع بضربات مطرقته فوق السندان — بين الدخان والشرر تحت الأرض — أسلحة الآلهة. وهو الإله الذي سَمَّاه الرومان فولكيان، وفضَّلوا له سكنى باطن أرض هييرا Hiera، والتي أصبحَت حاليًّا فولكانو الحالية في جزر إيوليين الإيطالية، ومنها اشتُق اسم فولكان أو البركان، منذ نهاية العصور الوسطى، وقد كان قبل ذلك يُدعى البركان باسم «إتنا» أو «هييرا».١١
ومن الناحية العقلانية، فقد حاول أرسطو أن يُفسِّر سبب تشكُّل الحمَّات بأنها ناجمة عن الحرارة الشديدة داخل الأرض، وسبب عملية الاحتراق هو ملوحتُها، وهذا يعني أنَّ أرسطو لم يُدرِك السبب الحقيقي للحرارة الأرضية، ويُدلِّل على ذلك لدى مزج الماء العذب بالرماد المتبقِّي عن عملية حرق الخشب فهو يُصبح مالحًا. وقد تختلف طعوم المياه الحارة حسب العناصر المختلفة من مكانٍ لآخر التي تمتزج بمياه الحمَّات أو بسبب كميات الحرارة. قال أرسطو: «مياه الحمَّات تكون حارَّة متى احترقَت حرارةٌ شديدة للأرض، تنبُع تلك المياه منها حتى تجعلَها بمنزلة الرماد؛ ولهذه العلة نجد تلك المياه بسبب قوة الحرارة التي تطبخُها حارةً بالفعل، وبسبب احتراق الجزء المُحترِق من الأرض بها تكون مالحة.١٢ ويدُل على ذلك دلالةً عظيمة ما يظهر لنا خارجًا، وهو أنا متى ألقينا في بعض القدور ماءً باردًا، وأسخنا ذلك الماء بالنار، صار حارًّا بالفعل، ومتى خالطنا بماءٍ عذب رمادًا يصير ذلك الماء مالحًا. وأمَّا سائر الطعوم المُختلفة التي تستفيدها مياه الحمَّات في مواضعَ مختلفة فالسبب منها إما اختلاف أجزاء الأرض التي تنطبخ وتختلط، وإما اختلاف مقادير الحرارة [التي] تطبخُ تلك الأرض، فأمَّا التي تحدُث بسبب اختلاف مقادير الحرارة فبمنزلة الكبريتية والبورقية أو الشبيَّة إذا أحالت طعوم المياه إلى طبيعتها. وأما التي تحدُث بسبب اختلاف مقادير الحرارة، فمثل أنه متى كانت الحرارة مُعْتدلة كانت المياه حارَّةً عذبة، ومتى كانت ضعيفةً كانت المياه حَارَّةً مالحة.»١٣

ويذكُر لنا ابن الحائك الهمداني رأيَ أرسطو في كيفية صنع أشعة الشمس للمعادن؛ حيث إنها تؤثِّر على الرطوبات في الأرض وتفكِّكها فتتحول إلى عدة أنواعٍ من الأبخرة، كل نوعٍ يقوم بدَورٍ في الطبيعة، ما يبقى مُحتبسًا في الأرض هو الذي يتحوَّل إلى معدن. هذا الرأي سيتبنَّاه الكثير من العلماء العرب والمسلمين فيما بعدُ.

قال أرسطو: «فإذا عَمِلت حرارة الشمس في رطوبات الأرض وحلَّلَتها ارتفع منها ألوانُ البخارات لأنه يرتفع من كل برٍّ وبحرٍ وأرضٍ وجسمٍ من الأجسام حيوان أو موات البخارات، فيظهر بعضها ويبطن بعضها، فيكون فيما ظهر من تلك البخارات — وكان رطبًا ثقيلًا — المطر في أوقاته، وما تكاثَف منها الضباب والغمام، ومِمَّا كان حارًّا يابسًا الرياح، ويكون مما بطن من الأرض من تلك البخارات الجواهر المعدنية، على قَدْر قُوى تلك الأرضين.»١٤

المبحث الثاني: الرومانيون

بالقرب من الهضبة المركزية في فرنسا تقع بلدة شودزيغو في مقاطعة أوفيرن، ويعني اسم هذه البلدة شودزيغو (المياه الساخنة)؛ فقد بُني في هذه البلدة منذ القرن ١٤م أوَّل نظامِ تدفئةٍ مركزية حراري جوفي في العالم. وقد كان الرومان في أيام الإمبراطور الروماني نيرون Nero (٣٧–٩٦م) أوَّل من استخدم الينابيع الحارَّة، والتي كان عددُها ٣٠ في زمنه وتزوِّد أوروبا بمياه تصل درجة حرارتها إلى ٨٢° مئوية.١٥

المبحث الثالث: العلماء العرب والمسلمون

ناقَش العلماء العرب والمسلمون موضوعَ تشكُّل المعادن في باطن الأرض، ليس على أساس وجود حرارة في باطن الأرض وحَسْب، وإنما بإشراك تأثير أشعة الشمس الواردة إليها؛ فقد اعتقَدوا أن لهذه الأشعة القُدرة على اختراق طبقات الأرض والمساهمة في تشكيل المعادن. طبعًا ألقت النظرية الأرسطية بظلِّها على هذه التفاسير وصولًا إلى العلماء العرب والمسلمين في القرن ١٤م. باستثناء بعضهم الذي حاكَم الأمور بطريقةٍ عقلانية بعيدًا عن الفكر الأرسطي، ولعلَّ هذا ما يهمُّنا التركيز عليه.

إبراهيم النظَّام (القرن ٣ﻫ/٩م)

اتخذ إبراهيم النظَّام من نظريته العامة في الكُمون وسيلةً ليُفسِّر بها أيضًا ظاهرةَ البراكين؛ فقد اعتبر أنَّ البراكين عبارةٌ عن نارٍ كامنة في باطن الأرض.١٦ لكنه لم يذكُر لنا سبب خروجها أو كيفية تشكُّلها.

أبو إسحاق الإصطخري (القرن ٤ﻫ/١٠م)

يذكُر لنا أبو إسحاق الإصطخري إبراهيم بن محمد (تُوفِّي حوالي ٣٤٦ﻫ/٩٥٧م) في كتابه (مسالك الممالك) أنه يُوجَد في خوزستان ناحية آسك المُتاخمة لأرض فارس: «جبل يتَّقد منه نارٌ أبدًا لا ينطفئ ويُرى منه الضوء بالليل والدخان بالنهار، وهو في خوزستان، ويُشبِه فيما أظن أنه عينُ نفط أو زفت أو غيره مِمَّا تعمل فيه النار فوقع فيه على قديم الأيام، فعلى قَدْر ما تخرج يحترق أبدًا.»١٧ وبذلك فإنه قدَّم لنا تفسيرًا منطقيًّا لهذه الحفرة النارية دون أن يُقحِم النظرية الأرسطية في الموضوع.
figure
قد يكون الإصطخري على حق في مشاهدته لذلك الجبل، وهو يُشبِه حفرة جهنَّم المستعرة منذ عام ١٩٧١م، في تركمانستان بسبب الغاز الخارج من أطرافها (الصورة هنا مأخوذة عام ٢٠١١م). (مصدر الصورة والتعليق: https://en.wikipedia.org/wiki/Darvaza_gas_crater)

التميمي المقدسي (القرن ٤ﻫ/١٠م)

كان التميمي يعتقد أنَّ لأشعة الشمس الحرارية القدرة على اختراق طبقات الأرض، فتُساعِد في تشكُّل المياه والرُّطوبة في التربة، وتُساعِد النبات على أخذ حاجته من الماء لينمو ويُثمِر، فقال: «ثم إنها تُوصِّل من تلك الحرارة إلى بطون أرحام الأرض ما يكون عونًا لها وللرطوبة الحاصلة فيها من الأمطار الكائنة عند اجتذابها المياه التي في الثرى وإصعادها ذلك إلى عروق النبات والأشجار؛ لتغتذي بذلك وتنمي وتورق وتزهر وتعقد ثمارها.»١٨ وهي تقليد للنظرية الأرسطية دون أية إضافةٍ جديدة.

إخوان الصفا (القرن ٤ﻫ/١٠م)

يعود سبب ارتفاع درجة حرارة بعض الينابيع العادية (غير الينابيع الحَارَّة) في الشتاء وبرودتها في الصيف بسبب التضادِّ في ظاهرتَي الحرارة والبُرودة؛ ففي الشتاء يبرُد الجو فتهرب الحارة نحو باطن الأرض فتسخن المياه الجوفية، ويحدُث العكس في الصيف. أمَّا سبب وجود حرارة في بعض العيون صيفًا وشتاءً، فيعود إلى التربة الكبريتية التي تختزن الحرارة بشكلٍ دائم، وعندما تمرُّ المياه فوقها فإنها تأخذ منها الحرارة وتخرج على وجه الأرض دافئة، طبعًا تفقد جرارتها لدى ملامستها للهواء، وقد تتجمَّد، أو تتحوَّل إلى زئبق أو رصاص أو غيرها من المواد حسب التربة التي اختلَطَت بها.

قال إخوان الصفا: «أمَّا عِلَّة حرارة مياه أكثر العيون في الشتاء، وبردها في الصيف، فهي من أجل كون الحرارة والبُرودة ضدَّين لا يجتمعان في مكانٍ واحد، فإذا جاء الشتاء وبرد الجو، فرَّت الحرارة فاستَجنَّت في باطن الأرض، فسخنَت تلك المياه في باطنها وعمقها، فإذا جاء الصيف وحمي الجو، فرَّت البرودة واستَجنَّت في باطن الأرض، وبردَت تلك المياه التي في باطنها وعمقها. وأمَّا علة حرارة بعض العيون في الشتاء والصيف على حالةٍ واحدة فهي أن في باطن الأرض وكهوف الجبال مواضعَ تربتُها كبريتية، فتصير تلك الرطوبات التي تنصَب هناك دهنية، وتكون الحرارة فيها راسيةً دائمة، بينها أو فوقها مياه في جداول وعروقٍ نافذة، فتسخنُ تلك المياه بمرورها هناك وجوازها عليها، ثم تخرج وتجري على وجه الأرض وهي حارَّةٌ حامية، فإذا أصابها نسيم الهواء وبرد الجو بردَت، ورُبَّما جمدَت، إذا كانت غليظة، أو انعقدَت وصارت زئبقًا، أو رصاصًا، أو قيرًا، أو نِفطًا، أو ملحًا، أو كبريتًا، أو بورقًا، أو شبًّا، أو ما شاكل ذلك بحسب اختلاف تُرب البقاع وتغييرات الأهوية.»١٩

اعتمادًا على تفسيرهم السابق يرى إخوان الصفا أن المعادن تتشكَّل في باطن الأرض من الأبخرة المُحتبسة هناك إضافةً للرطوبات، فإذا تعرَّضَت الأبخرة والرُّطوبات للحرارة صعدَت إلى أَسقُف المغارات وبقِيَت هناك زمنًا، حتى يبردَ باطنُ الأرض في الصيف، عندها إذا امتزجَت بتُربة تلك المواقع فمنها ما يُصبِح كبريتًا ومنها ما يُصْبِحُ زئبقًا؛ حيث تصنَع منهما بقية المعادن لدى اختلاف نسب امتزاجهما مع بعضهما.

قال إخوان الصفا: «اعلم يا أخي، أنَّ الرطوبات المختنقة في باطن الأرض والبخارات المحتبسة هناك إذا احتوت عليها حرارة المعدن تحلَّلَت ولطفَت، وخفَّت، وتصاعدَت علوًّا إلى سقوف تلك الأهوية والمغارات ومكثَت هناك زمانًا، وإذا برد باطن الأرض في الصيف جمدَت وغلظَت وتقاطَرَت راجعةً إلى أسفل تلك الأهوية والمغارات، واختلَطَت بتربة تلك البقاع وطينها، ومكثَت هناك زمانًا، وحرارة المعدن دائمًا في نضجها وطبخها، وهي تصفو بطول وقوفها وتزداد ثقلًا وغلظًا، وتصير تلك الرُّطوبات بما يُخالِطها من الأجزاء التُّرابية وما يأخذ من ثقلها وغلظها وإنضاج الحرارة وطبخها إياها زئبقًا رجراجًا، وتصير تلك الأجزاء الهوائية الدهنية، وما يتعلق بها من الأجزاء الترابيَّة بطبخ الحرارة لها بطول الزمان، كبريتًا مُحْترقًا.»٢٠ هذا الرأي نفسه سنجده يظهر مرةً أخرى عند القزويني في كتابه (عجائب المخلوقات).٢١ وكذلك عند ابن فضل الله العمري (تُوفِّي ٧٤٩ﻫ/١٣٤٩م) في كتابه (مسالك الأمصار).٢٢ طبعًا والجميع يستظل بظل النظرية الأرسطية.

أبو بكر الكرخي (القرن ٥ﻫ/١١م)

يذكُر لنا أبو بكر الكرخي (تُوفِّي ٤٢٩ﻫ/١٠٢٠م) ما سمعه عن الينابيع الحارَّة؛ فقد «قال بعض الحكماء: حرارةُ الماء حياتُه وبردُه موتُه، وقد سمعتُ بمياهٍ تنبُع وهي حارَّة مثل ماء الحمَّام، وهي هذه الحرارة من فساد التربة، وأدومها وأبقاها إذا كان مع حرارتها عذبة في قعرٍ قريب كانت أو بعيدة.»٢٣ فهو يعتقد أنَّ سبب الحرارة هو تحَلُّل التربة التي تنبُع منها، وهو هنا لا يحدِّد فيما إذا كانت هذه التربة كبريتيةً أم غير ذلك، وذلك لتفسيرها في إطار النظرية الأرسطية، وإنما اكتفى بالإشارة ﻟ «فساد التربة» فقط.

البيروني (القرن ٥ﻫ/١١م)

عالَج البيروني آراء الذين سبقوه حول سبب سُخونة سطح الأرض؛ فمنهم من قال: إنَّ السبب يعود إلى إشعاعات الشمس الحارة، أو الأبخرة الباطنية التي تصعَد بسبب حرارة الجو. ولا يبدو أنه كان مقتنعًا بأيٍّ منها؛ فسخونة الأرض من الإشعاعات الشمسية المُنعكسة عن سطحها ليست كافيةً لتسخنها، كما أنَّ الأبخرة المُتَصاعدة تحت سطح الأرض فإنَّ نشاطها يتوقَّف عند حدود الصخور المُحيطة بها، لكن إذا اجتَمعَت الحرارة الداخلية للأرض مع أشعة الشمس على سطح الأرض، فإنَّ ذلك قد يكون مُقنِعًا لتفسير سبب سخونة سطح الأرض.

قال البيروني: «وأمَّا حرُّ الأرض فإما أن يكون ما ينعكس من شعاعات الشمس من سطحها، وإما أن يكون بخاراتها التي يُثيرها الحرُّ المُستكِنُّ في باطنها على مذهب قوم، أو الطارئ عليها من خارجٍ على مذهبِ آخرين؛ فإنَّ حركة البخار في الهواء تُكسبُه حرارة، فأمَّا حرارة النار فإنها لا تقرب ولا تبعد لأنَّ الفلك لا يزيد سُرعةً ولأبُطئًا، وأمَّا الشعاعات المُنعِكسة فإنها غير منسوبة إلى الأرض، وأمَّا البُخارات فلها حدٌّ تنتهي إليه ولا تتجاوزه وما أظنُّ القائل إلا معتقدًا أن في الأرض حَرًّا مُحتقنًا يخرج من باطن الأرض إلى ظاهرها، وقد احتمَى الهواء بشعاعات الشمس فيلتقيان، هذا وجه إن كان ولا بُد.»٢٤

الطغرائي (القرن ٦ﻫ/١٢م)

اعتمادًا على النظريات الأرسطية حاول أن يُفسِّر مؤيد الدين الطغرائي كيفية تشكُّل المادة، ونظرًا لكونه كيميائيًّا فقد حاول أن يدخُل في التفاصيل أكثر حول الدَّور الذي تقوم به الحرارة في تشكُّل المادة ككل، مُحاولًا تعميمَ ذلك على كل المواد وليس على المعادن كما فعل إخوان الصفا من قبلُ. وما نلحظُه أيضًا هنا هو تقديم الطغرائي لرسومٍ بيانية يشرحُ فيها كيفية دخول الأشعة الشمسية وغير الشمسيَّة الحارَّة ونفاذها لباطن الأرض وإسهامها في تشكُّل المواد؛ وعلى هذا فإنَّ الطغرائي يعتقدُ بأنَّ الحرارة الباطنية للأرض منشَؤها الأشعة الشمسية الحارة وليس باطن الأرض نفسه.

figure
رسمٌ تخطيطي وضَعه الطغرائي في كتابه (مفاتيح الرحمة وأسرار الحكمة) يُبيِّن فيه كيف تأتي الأشعة الحاملة للحرارة من جِرمٍ سماوي، لم يُحدِّد أنه الشمس، حيث تدخُل عَبْر سطح الأرض، فتتشكَّل أبخرة وأدخنة تُسهِم في تشكُّل المعادن والفلزات في باطن الأرض؛ أي إن مصدر حرارة تشكُّل المعادن خارج الأرض وليس باطنها. (مصدر الشكل: مخطوطة مفاتيح الرحمة وأسرار الحكمة، للطغرائي، ج١، ص٥و.)
figure
شكلٌ توضيحي آخر يُبيِّن فيه الطغرائي آلية دخول الأشعة الحرارية إلى باطن الأرض وكيفية تركُّزها على بقعةٍ معيَّنة، ويُلاحَظ أن الأشعة المُسامتة؛ أي التي تقع بشكلٍ عمودي فوق هذه البقعة تؤثِّر أكثر من غيرها الجانبية، لكن لا نعرف كيف فات الطغرائي أن «منطقة البُعد على الشكل» أو سطح التماسِّ بين الأشعة وباطن الأرض محدَّب الشكل، وهذا من شأنه أن يفرِّق الأشعة — حسب قوانين البصريات — لا أن يجمِّعها في «محل التوليد». (مصدر الشكل: مخطوطة مفاتيح الرحمة وأسرار الحكمة، للطغرائي، ج١، ص٩٤و.)
قال الطغرائي: «وأمَّا أصل المادة فنقول أصلُها إنما هو العناصر الأربعة بالحقيقة، وأمَّا كيفية تولُّده من ذلك وتكوينه فهو أنَّ الحرارة الواقعة على جِرْم الأرض سواء أكانت من الشمس أو من غيرها تؤثِّر بحرارتها في محل وقوعها تأثيرًا ما على نحوٍ ما؛ فإذا كان هناك رطوبةٌ كامنة في بطون الأرضين تحلَّلَت بسرعة بخارًا مُتصاعدًا لوجود المُخالفة بين الحرارة والرطوبة فتهرب الرطوبة بسرعة من الحرارة بعد تحلُّلها بخارًا، كما ذكرنا، ثم تفعل هناك أيضًا في اليبوسة وتُحلِّلها دخانًا فيصعد كلٌّ منهما ويتحرَّكان على خطٍّ مستقيم، ويلحق الدخان البخار بخفة الدخان وثقل البخار، وإنما صَعِد البخار أولًا وسبق الدخان مع خفَّته؛ لأنَّ البخار أسرع هربًا من الحرارة لشدة التخالُف بينهما فيلحقُه الدخان كما ذكرنا، والدخان ليس أجزاؤه مفتوحة بل البخار كذلك، فيأخذ البخار للدخان في جوفه، ثم يتكاثف وحرارة الطبخ تعمل مع احتباس بطون الأرض عليه، وعدم المنافس ومنعها إياه من أن يتخلَّل منه شيء أو يخرج، ولا تزال أجزاؤه تتراجع، وتتغلَّل بعضها ببعض إلى أن تمتزج مع بعضها وتختلط اختلاطًا على حسب المزاج ومقادير المواد، وتفاعُل المواد بالكيفيات، إلى أن يتم تكوينه؛ ولذلك حبوا على أخذه من معدنه في وقتٍ معتدل وهو أول يوم من الربيع عند نزول الشمس برج الحمل كما يأتي إن شاء الله تعالى. واعلم أنَّ بطن الأرض تقوم مقامها في التدبير الأوفى.»٢٥
ويعتقد الطغرائي أن بُعد وقُرب الشمس يؤثِّر على طبع المعدن «فكل بقعة من البقاع فهي حارَّة الطبع إذا كان النير قريبًا منها وباردة إذا كانت الشمس بعيدةً عنها.»٢٦

ابن تومرت الأندلسي (القرن ٦ﻫ/١٢م)

تناوَلَ ابن تومرت المهدي (تُوفِّي ٥٢٤ﻫ/١١٣٠م) مسألةَ تشكُّل الموادِّ أيضًا، مستأنسًا بالنظرية الأرسطية، ومُعتقدًا أيضًا مثلَ مَن سبقَه بأنَّ الحرارة في باطن الأرض سببُها الأشعة الشمسية الحرارية الداخلة إليها من الخارج.٢٧

زكريا القزويني (القرن ٧ﻫ/١٣م)

يُحَدِّثنا زكريا بن محمد القزويني عن الجزيرة المُحترِقة وهي من جزر بحر الزنج (بحر الهند)، لكنه لا يقدِّم لنا سببَ أو تفسيرَ الاحتراق الذي لَحِقَ بالجزيرة، هل هي دورةٌ بركانية مُدَّتها ٣٠ سنة، أم إعصارٌ ناري حار، أم شيءٌ آخر؟ يبقى سببُ احتراق الجزيرة المُحترقة غامضًا، لكنه بكل تأكيدٍ بعيدٌ عن أن يكون بسبب ذلك النجم الذي ظهَر في السماء وصَبَّ جامَ غضبِه على تلك الجزيرة دون غيرها.

قال القزويني في تعريفه للجزيرة المُحترِقة: «وهي جزيرةٌ واغلة في هذا البحر قلَّما يصل إليها من بلادنا أحد، حكى بعض التُّجار قال: فدارت بي الدوائر حتى حصَلتُ في هذه الجزيرة فرأيتُ فيها خلقًا كثيرًا، فبقِيتُ بها زمانًا واستأنستُ بهم وتعَلَّمتُ شيئًا من لغتهم، فإذا الناس في بعض الليالي مجتمعون ناظرون إلى كوكبٍ طلَع من أُفقهم ثم شرعوا في البكاء والويل والثبور، فسألتُ بعضهم عن سبب ذلك، فقال: إنَّ هذا الكوكب يطلُع في كل ثلاثين سنةً مرةً فإذا وصل إلى سمت رءوسنا يحترقُ جميع ما في هذه الجزيرة، فاشتغلوا باتخاذ المراكب وتأهَّبوا للنقل، فلما قرُب الكوكب من سمت رءوسهم ركبوا في السفن، وأخذوا معهم ما خفَّ حملُه، وركبتُ أنا أيضًا معهم، فسرنا عنها مُدَّة، فَلمَّا عَلِموا أن الكوكب زال عن سمت رءوسهم عُدنا إلى الجزيرة، فوجدنا جميعَ ما كان فيها رمادًا، فشَرع القوم في استئناف العمارة.»٢٨

الجلدكي (القرن ٨ﻫ/١٤م)

آخر من نرصُد عنده النظرية الأرسطية في تشكُّل المواد هو أيدمر الجلدكي؛ إذْ نراه يُكرِّر أقوال من سبقه دون أي جديد، قال: «والأجسام السبعة والأحجار والمعادن فمعلومٌ أن السبب فيها بخاراتٌ تتولَّد في باطن الأرض بسبب تأثير الشمس، فإذا اختنقَت تلك البخارات في قَعر الجبال وأثَّرَت الشمس في نُضجها تولَّدَت المعادن على اختلافها بحسب أماكنها من بقاع الأرض.»٢٩

المبحث رابع: الأوروبيون

تأخَّر ظهورُ نقاشِ الحرارة الباطنية للأرض وسبَبِها عند الأوروبيين حتى القرن ١٨م، وكانت البدايةُ الجادَّة مع الكونت دي بوفون الذي حاول أن يُثبِت فرضيَّته بضرورة وجود منبعٍ حراري داخل الأرض، وأنَّ ذلك يَدُلُّ على الأصل المشترك بين الأرض والشمس، ثم حدَث تطوُّرٌ كبير مع جيمس هوتون J. Hutton (١٧٢٦–١٧٩٧م) بجعل الحرارة الداخلية للأرض المسئول عن تشكُّل السلاسل الجبلية.

فرنسيس بيكون (القرن ١٧م)

كان بيكون يعتقد أنَّ حركة البرودة والحرارة شكلٌ من أشكال حركة الاجتناب motion of avoidance، حيث تفرُّ الأجسام، بدافع الكراهية الفطرية، من الأجسام المُضَادة، وتعزلُ نفسها عنها وتأبى أن تمتزجَ بها. والدليل على ذلك ما يحدُث في المنطقة الوسطى من الهواء؛ فالبرد هناك هو نتيجةٌ لاستبعاد طبيعة البرودة من منطقة الأجرام السماوية، وكذلك الحال فإن الحرارة الهائلة، واللهَب الشديد الموجود في المناطق تحت الأرضية هما استبعادٌ لطبيعة الحرارة من باطن الأرض؛ حيثُ إنَّ الحرارة والبرودة، عندما تكونان بمقاديرَ صغيرة، فإن كل واحدةٍ منهما تُفنِي الأخرى، وعندما تكونان على شكل كتلٍ كبيرة، فإنهما تتصارعان حتى تطرُدَ كلٌّ منهما الأخرى.٣٠
وافترض بيكون — مؤيدًا رأيَ أرسطو — أنَّ أشعة الشمس تُسْهِم في تشكيل المواد في باطن الأرض،٣١ وهي أفكارٌ سبق وأن وجدنا نقاشَها بشكلٍ مفصَّل وموسَّع أكثر من ذلك بكثير لدى العلماء العرب والمسلمين؛ لذلك فإن بيكون حتى القرن ١٧م لم يأتِ بشيءٍ جديد.

الكونت دي بوفون (القرن ١٨م)

لم يكن عالِم الجيولوجيا الفرنسي جورج لويس لكليرك G. L. Leclerc (١٧٠٧–١٧٨٨م)، الملقَّب بالكونت دي بوفون de Buffon، مُقتنعًا بأنَّ حرارة الشمس تكفي للحفاظ على دفء الأرض، فكان منه أن افترض وجود حرارة تنبعثُ من داخل الأرض، وهي التي تُسْهِم بتوفير الظروف المناسبة للحياة، ونظرًا لعدم معرفته بالآلية التي يمكن أن تتولَّد فيها الحرارة داخل الأرض، فقد افترض أنَّ الأرض نشأَت عن كرةٍ منصهرة من الصخور، وقد أخذَت بالتبريد بالتدريج منذ نشأتها، وقد انفصلَت هذه الكرة المُنصهرة عن الشمس بفعل اصطدامها بنيزكٍ مارٍّ. لكنه لم يحدِّد الوقت الذي استغرقَته عملية تبريد الأرض لتصل إلى حالتها الحالية إلا بعد أن أشار نيوتن في كتابه (المبادئ)، إلى أن كرةً من الحديد المتوهِّج بحجم الأرض قد تستغرق ٥٠ ألف سنة حتى تبرُد، فكان من بوفون أن قام بتجارب على كراتٍ من الحديد وموادَّ أخرى بأحجامٍ مختلفة، ورصَد الزمن الذي تستغرقه كلٌّ منها حتى تبرُدَ بعد وصولها لدرجة التوهُّج. وانطلاقًا من معرفته بحجم الأرض، توصَّل إلى وضع تقديراتٍ مُعدلة لحسابات نيوتن، واستنتج أن الأرض استغرقت ٧٥ ألف سنة حتى وصلَت لدرجة حرارتها الحالية وبردَت.٣٢

جيمس هوتون (القرن ١٨م)

لقد كان الطبيب والجيولوجي الاسكتلندي جيمس هوتون أوَّل من أشار إلى أنه يُمكِن تفسير حرارة الأرض، دون اللجوء إلى إقحام أية قوَّةٍ خارقة، وكان أوَّل من قال بأنَّ الحرارة في قلب الأرض هي المسئولة عن دفعِ سلاسلِ الجبال إلى أعلى، إضافةً لالتواء الطبقات الجيولوجية.٣٣
لقد اهتمَّت اقتراحاتٌ كثيرة بالعوامل التي أوصلَت جيمس هوتون إلى نظريته عن الأرض التي طَرحَها بين عامَي ١٧٨٨م و١٧٩٥م.٣٤ حيثُ تَمَّ اعتبار نظرية هوتون فريدةً على مستويَين؛ من أجل أنَّها تؤكِّد على دَور الحَرَارة بوصفها عاملًا جيولوجيًّا، ومن أجل مذهب الوتيرة الواحدة Uniformitarianism.٣٥ الدراسة الشَّاملة للتحريات في أصول كلتا الفكرتَين تُشير بأنَّ الفكرة الأولى استَرعَت الانتباه أكثر بكثير من نقَّاد مُعَاصري هوتون، بينما حَظِيَت الفكرة الثانية باهتمامٍ أكثر من قِبَل أولئك الذين يسْعَون نحو رؤيةٍ تاريخيةٍ ما في فكر هوتون حيال الأرض.٣٦ في واقع الأمر، قد يكون استخدام الحرارة بوصفه عاملًا جيولوجيًّا أساسيًّا يستحق الاهتمام الأكبر من المؤرِّخ؛ لأنَّ إحدى أكثر السِّمات استثناءً لنظرية هوتون الجيولوجية كاملة هو مفهومه عن طبيعة الحرارة التي عَمِلت كآليةٍ أساسيَّة من أجل دَمج الرَّواسب المُترامية ورَفْع القارَّات. على خلاف مُعاصرِيه أخصائيي البراكين وأسلافِه الذي ناقَشوا التشكيلات الجيولوجية بحسب الحرارة النَّاجمة عن النار، تصوَّر هوتون الحرارة تتميَّز عن النار. عَمَل هوتون في هذه الشروط، مختلفٌ بشكلٍ كمي عن ذلك الذي قدَّمه أسلافُه، ونقترحُ هنا بأنَّه من الضروري أن نفهم لماذا يكون هذا إذا كنا نفهَم أصل الأجزاء الرئيسة لعِلْم الأرض الهوتوني.٣٧
انتقاداتٌ واسعة غير لاهوتية تم شنُّها ضد هوتون، وقد كانت مُركزة على طبيعة هذه الحرارة، بدلًا من جعل الحرارة عاملًا جيولوجيًّا. طبعًا لم تكن الحرارة التي بدون نار هي ما يُقلِق معاصري هوتون فقط، بل كانت الحقيقة التي ناقَشَها هوتون؛ إذْ تارةً تكون هذه الحرارة قوَّة تبقى ساكنة وتارةً أخرى تُصْبِح نشيطةً تُسْهِم في رفع القارَّات.٣٨
مثل هذه الأفكار بدت أكثر بقليلٍ من الخيال بالنِّسبة إلى مُعاصرِي هوتون. وسنجدُ أنواع النقد الموجَّهة ضد مفهوم الحرارة ملخَّصةً في تنقيح تفسير الجيولوجي جون بلايفير J. Playfair (١٧٤٨–١٨١٩م) المُبَسِّط لنظرية هوتون التي أوضَح فيها تلك النظرية قائلًا: «تعتمد على الفرضية على أنَّ الحرارة المركزية الدَّائمة، قادرة على إذابة الكلس من شدتها، ورَفْع القارات بتمدُّدها … الحرارة، المتولِّدة والمدعومة بدون احتراقٍ عند مسافةٍ تبعُد عن كل المصادر الأخرى التي تكونُ منها الحرارة موجودةً لتستمر، هي مادةٌ أولية ليس لنا اطِّلاع عليها؛ حيث لا نستطيع أن نُقِر بمجرد وجودها لأنَّ مثل هذا الافتراض قد يخوِّلنا من تفسير مظاهرَ مُعيَّنة، ثم تابع المؤلف بالسؤال كيف، حتى لو كانت فكرة الحرارة المركزية بدون نارٍ مقبولة، فإنَّ قوة الحرارة يمكن أن تختلف من حالةِ الهجوع إلى حالة النشاط الضروري من أجل رفع القارَّات.»٣٩
إنَّ أي شخصٍ يُحاول تفسير أصل نظرية هوتون ستُصادِفه المصاعب من البداية، الصعوبات التي هي أصلًا كبيرة جدًّا في عمل هوتون. هوتون مشتهر بصعوبة القراءة، والتأثير الرئيس لأفكاره الجيولوجية كان مُصاغًا من خلال «ترجمة» قام بها صديقه جون بلايفير. لكن بما أن عمل بلايفير «ترجمة» كاملة أقل من التفسير، فإنَّ الطالب سيكون بعيدًا عن الاتصال بسلسلةٍ كاملة من أفكار هوتون. كما أنَّ دراسة هوتون كانت محدودةً بشكلٍ رئيس بالنسبة لمختلف نسخه عن نظرية الأرض، وكما يُخبرنا بنفسه، أنَّه ليس مُهتمًّا بالأسباب إنما بالتأثيرات. كتب هوتون عملَين موسَّعَين آخرَين هما: مقالاتٌ مطوَّلة في موضوعاتٍ مختلفة عن الفلسفة الطبيعية وبحث في مبادئ المعرفة، واستمرارية السبب، من الإحساس إلى العلم والفلسفة. مع ذلك لا يُمكِننا القول الآن بأنَّ هذه الأعمال الثلاثة مُرْتبطة بزمن، مع أنه يبدو من المعقول افتراض بأن الثلاثة مرتبطة بشكلٍ كافٍ بمفهوم لتبرير فحصها سويةً بالنسبة إلى أصول أفكار الجزء الرئيس لنظرية هوتون الجيولوجية.٤٠

سعدي كارنو (القرن ١٩م)

كان سعدي كارنو يرى أن كل شخصٍ يعلم أنَّ الحرارة يمكن أن تُسبِّب الحركة. ولا أحد يرتاب في أنها تمتلك قوةً مُحركة ضخمة، في تلك الأيام عندما أصبح المحرك البخاري معروفًا في كل مكان، فإنَّ الحركات الواسعة التي تحدُث على الأرض تكون ناشئةً أيضًا عن الحرارة. إنها تُسبِّب تهيُّجات الغِلاف الجوي، وصعود السُّحب، وسقوط المطر والترسُّبات الأخرى، وتيارات الماء على سطح الكرة الأرضية، والتي استعمل الإنسان منها حتى الآن جزءًا صغيرًا فحَسبُ. أيضًا الزلازل والثوَرَانات البُركانية تكون نتيجةً للحرارة. ويبدو أنَّ كارنو استشعر ضخامة المخزون الحراري الأرضي، وكيف يُمكِننا أن نستدرَّ من هذا المستودع الهائل القوة المحركة الضرورية لغاياتنا؛ لأنَّ الطبيعة التي تُزَوِّدنا بموادَّ قابلةٍ للاحتراق في كل النواحي، قد منحَتْنا القدرة على إنتاج، في كل الأوقات والأمكنة، الحرارة والقوة الدافعة الناجمة عنها. إن تنمية هذه القوة، وتخصيصها لاستعمالاتنا، هو هدف المحرِّكات الحرارية.٤١

تشارلز لايل (القرن ١٩م)

الأفكار التي طَرحَها هوتون قام بتطويرها أحد مؤسسي علم الجيولوجيا الحديث تشارلز لايل Ch. Lyell (١٧٩٧–١٨٧٥م)، واستطاع أن يجد لايل دليلًا — في كل مكانٍ زاره في القارة الأوروبية — على الطريقة التي تمكَّنَت بها القوى الطبيعية من تشكيل معالم الأرض.٤٢وقد شرح لايل في كتابه الذي اشتُهر به (أسس الجيولوجيا) كيف أنَّ الأرضَ تغيَّرَت تدريجيًّا، وببطءٍ شديد، خلال العصور الماضية، بفعل تفاعُلاتٍ ما زالت مُسْتمرة. وقد اعتقد كثيرون قبل نشر كتاب لايل، أن التغيُّرات الأرضية حدثَت على شكل ثوراتٍ مفاجئة.٤٣

روبرت ماير (القرن ١٩م)

في كُتيِّبه (الأيض والحركة العضوية) قرَّر ماير أنَّ حرارة الأرض — التي نشهدها في الينابيع الدافئة والبراكين — تُعتبَر مُكافئًا للطاقة الحركية التي انهارت بها الكتل المكوِّنة معًا في الوقت الذي تكوَّنَت الأرض فيه. وبحسابٍ تقريبي ورشيق ماير يُقَدِّر درجة الحرارة الأصل أنها كانت 27600ºC، وهي كافية لأنْ تُصْبِح الأرض سائلةً أو غازيةً في الواقع.٤٤

اللورد كلفن (القرن ١٩م)

كان كتاب فورييه يملك مظهرًا حديثًا، وإذا قُورن بكُتبٍ أخرى معاصرة له، مثل كتاب كارنو، الذي ظهر في السنة نفسها، والذي يُظهِر ذلك أن الفيزياء هي أكثرُ صعوبةً من الرياضيات، إلا أن الحقيقة تبقى أنَّ كل سطرٍ من كتاب فورييه يُمكِن قراءتُه وفهمُه، بينما الأجزاء الضخمة من كتاب كارنو يجب قراءتها، ودراستُها بعنايةٍ ثم نبذها. كان الشاب وليم طومسون أو اللورد كلفن أحد القُراء التوَّاقين لكتاب فورييه. نتائج فورييه أقلقَته وفي عام ١٨٦٢ م كتب: «طوال ١٨سنة أقلقَتْني فكرة أن نتائجَ أساسية في الديناميكا الحرارية قد غفل عنها الجيولوجيون.»٤٥ ثم يُثنِي كلفن على عمل فورييه قائلًا: «… التحليل الجدير بالإعجاب الذي قاد فورييه إلى حلولٍ استعمل نتائجه لتحديد عُمر الأرض وهي في الحالة الصُّلبة، كان ذاك التعبير يَخُصُّ العالم الألماني ليبنتز في وقتٍ أبكر. الفكرة السائدة هي أنه في وقتٍ ما في الماضي، كانت الأرض سائلة. بوضوح كان يجب أن تبرُد وتُصبِح صُلبة عند ليس أكثر من 7000F° قبل أن يمكن أن يبدأ التاريخ الجيولوجي.» ويبدأ كلفن بتحديد متى كان ذلك؛ فقد أعطى فورييه حقل درجة الحرارة في مكانَين نصفيَّين ابتدائيًّا عند درجات حرارة :
اختار كلفن F 7000 ∆T = ° وفي الواقع أن كلفن كيَّف حل فورييه من أجل:
  • درجة حرارةٍ سطحيةٍ ثابتة To للأرض،
  • القيمة المعروفة للتوصيل الخارجي لفورييه،

  • القيمة المعروفة لميل درجة الحرارة الحالي قرب سطح الأرض،

وحسب القيمة المقابلة ﻟ t فكانت ١٠٠ مليون سنة؛ لذلك فإنَّ التاريخ الجيولوجي للأرض يجب أن يكون أقصر من ذلك. كان العمر من مرتبة المقدار نفسه مثل نتيجة هلمهولتز لعمر الأرض، كانت هيبة كلفن — ورُبَّما هلمهولتز — كبيرة حتى إنَّ الجيولوجيين بدءوا يُعدِّلون جداولهم الزمنية للتطوُّر وَفْق اقتراحاتهم. من ناحيةٍ ثانية كان الجيولوجيون غير متأكِّدين، ولحُسْن حظهم فقد تكَشَّف لهم في النهاية أن كلًّا من كلفن وهلمهولتز قد وضعا افتراضاتٍ خاطئة. في الواقع، تملك الأرضُ ضمنَها مصدرَ حرارة بواسطة الانحلال المُشِع والنتيجة، مهما يُفقَد نتيجةَ التوصيل الحراري، فإنه يُعوَّض بواسطة النشاط المُشِع. مثلًا تستطيع الأرض أن تحافظ على درجة حرارتها الحاليَّة لفترةٍ طويلة بدرجةٍ مُساوية لما يَحْتاجه ضمان تاريخٍ جيولوجي — وبيولوجي — حتى بضعة بلايين من السنين. ومع ذلك فإنَّ كلفن، الذي عاش حتى ١٩٠٧م، لم يقبل أبدًا بتفسير النشاط المُشع، لقد تمسَّك بتنبُّئه القديم حتى النهاية، يقول أسيموف: «في ثمانينيات القرن التاسع عشر اختار طومسون اللاحركة، وقضى أيامه الأخيرة في حَيْرة من أمره بشأن الاكتشافات الجديدة.»٤٦
١  الواقع أن جوف الكواكب الصخرية كلها في المجموعة الشمسية له التركيب نفسه، وقد حضَّرَت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) عام ٢٠١٨م لبعثة أطلقَت عليها اسم (InSight) مهمتها الرئيسة هي استكشاف باطن المريخ، والمقارنة بين العمليات الجيوفيزيائية التي تحدُث في باطنه وتلك التي تحدُث في جوف الأرض. وقد سمح موقع البعثة على الشابكة لكافة الناس من كوكب الأرض بوضع أسمائهم على شريحة إلكترونية ستحملُها البعثة، فشاركنا وقمنا بوضع اسمنا عليها.
٢  عياش، سعود يوسف، تكنولوجيا الطاقة البديلة، ص٩٩.
٣  المرجع السابق نفسه، ص١٠٢.
٤  الخطيب، أحمد شفيق وخير الله، يوسف سليمان، الطاقة الحرارية الأرضية والطاقة الحيوية، ط١، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، ٢٠٠٢م، ص٤.
٥  الموسوعة العربية العالمية، مدخل «الحمات»، الرياض، ٢٠٠٤م.
٦  الموسوعة الجغرافية، ترجمة وإعداد: سائر بصمه جي وعماد الدين أفندي، ط١، دار الشرق العربي، بيروت، ٢٠١١م، ص١٨٢.
٧  عياش، سعود يوسف، تكنولوجيا الطاقة البديلة، ص٩٩.
٨  المرجع السابق نفسه، ص١٠٠.
٩  دائرة المعارف الإسلامية، مدخل «الحمَّة»، النسخة العربية، إعداد وتحرير: إبراهيم زكي خورشيد، أحمد الشنتاوي، عبد الحميد يونس، ج١٦، ط٢، كتاب الشعب، القاهرة، ١٩٦٩م، ص٦٩.
١٠  الموسوعة العربية العالمية، مدخل «البركان»، الرياض، ٢٠٠٤م.
١١  الدنيا، محمد، ميثولوجيا البراكين، مجلة المعرفة، السنة ٣١، العدد ٣٤٣، وزارة الثقافة، دمشق، ١٩٩٢م، ص١٤٦.
١٢  حتى هنا ورد تمامًا عند المفيدوروس في (شرح الآثار العلوية لأرسطو).
١٣  بدوي، عبد الرحمن، شروح على أرسطو مفقودة في اليونانية (ورسائل أخرى)، ص١١٣.
١٤  الهمداني، الحسن بن أحمد، كتاب الجوهرتَين العتيقتَين المائعتَين من الصفراء والبيضاء (الذهب والفضة)، ص٨٣.
١٥  موسوعة الأرض، ص٢٠٥.
١٦  إس، فان، الكلام والطبيعة عند أبي إسحاق النظام، ص٣٨.
١٧  الإصطخري، أبو إسحاق، مسالك الممالك، إعادة طبعة ليدن، معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية، فرانكفورت، ١٩٩٢م، ص٩٢.
١٨  التميمي المقدسي، محمد بن حمد، مادة البقاء، ص١٩١.
١٩  إخوان الصفا، رسائل إخوان الصفا، ج٢، ص٩٨.
٢٠  المرجع السابق نفسه، ص١٠٦.
٢١  القزويني، زكريا بن محمد، عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات، نشر: فردناند فستنفلد، إعادة طبعة جوتنجن، معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية، فرانكفورت، ١٩٩٤م، ص٢٠٢.
٢٢  ابن فضل العمري، أحمد بن يحيى، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، ط١، تحقيق: كامل سلمان الجبوري – مهدي النجم، ج٢٢، دار الكتب العلمية، بيروت، ٢٠١٠م، ص٣٧٦.
٢٣  الكرخي، أبو بكر، كتاب إنباط المياه الخفية، ط١، الهند، حيدر آباد الدكن، مطبعة مجلس المعارف العثمانية، ١٣٥٩ﻫ، ص١٦.
٢٤  البيروني، أبو الريحان، الآثار الباقية عن القرون الخالية، نشره إدوارد سخاو، إعادة طبعة لايبسك، ١٨٧٨م، ص٢٥٧.
٢٥  الطغرائي، مخطوطة مفاتيح الرحمة وأسرار الحكمة، ج١، ص٤و–٤ظ.
٢٦  الطغرائي، مخطوطة مفاتيح الرحمة وأسرار الحكمة، ج١، ص٩٢ظ.
٢٧  ابن تومرت الأندلسي، جمال الدين محمد، كنز العلوم والدر المنظوم في حقائق علم الشريعة ودقائق علم الطبيعة، تحقيق: أيمن عبد الجابر البحيري، ط١، دار الآفاق العربية، القاهرة، ١٩٩٩م، ص١٥١–١٥٢.
٢٨  القزويني، زكريا بن محمد، عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات، ص١٢٠–١٢١.
٢٩  الجلدكي، أيدمر، البرهان في أسرار علم الميزان، ج١، مخطوطة في مكتبة ويلكم، لندن، رقم (29_WMS_Arabic)، ص٦١.
٣٠  بيكون، فرنسيس، الأورجانون الجديد، ص٣٠٤.
٣١  المرجع السابق نفسه، ص٢٢٩.
٣٢  جريبين، جون، الحياة السرية للشمس، ص٢١.
٣٣  المرجع السابق نفسه، ص٢٤.
٣٤  جيمس هوتون و«نظرية الأرض، أو البحث في القوانين التي يُمكن ملاحظتُها في تركيب وتفكُّك وتجديد اليابسة على الأرض». هذه النُّسخة للنَّظرية الجيولوجية تم تقديمها شفهيًّا للجمعية الملكية في إندبيرغ في عام ١٧٨٥م، متوسِّعة بشكلٍ كبير، وإنما بالأساس ثابتة، وظهَرَت نسخة في كتابَين في عام ١٧٩٥م بعنوانٍ مقتضب، نظرية الأرض مع الإثباتات والإيضاحات. طبعة صورة طبق الأصل لهذا العمل ظهَرَت مُؤخرًا. من الممكن أن نسخةً مطبوعة موجزة كانت متوفرةً للتوزيع خاصة في عام ١٧٨٥م. ملاحظات في النشر الأصلي لنظرية هوتون عن الأرض، وعن الأشكال اللاحقة التي فيها تَم إصدارها.
٣٥  وضع هذا المصطلح وليم هويل، ويَفترِض هذا المذهب بأن «القوانين والآليات الطبيعية نفسها التي تعمل في الفضاء الكوني الآن كانت هي نفسها التي كانت تعمل في الفضاء الكوني في الماضي وتنطبق على أيِّ مكانٍ فيه».
٣٦  الجدير بالذكر من بين الأفكار الأخيرة عبَّر عنها السيد إدوارد بايلي وس. آي. تومكييف. يقترح الأول بأن المذهب الانتظامي كان نتيجة المفهوم بأنه يحمل العالم ليستمر بمبادئَ كاملةٍ التي تُملي عليها حكمة الله. يرى تومكيف بأنَّ المبدأ نفسه هو جزء من علمٍ حركي دوري ينبثق مباشرةً من أفكار هوتون الطبية كما هو مُعبَّر عنه في مقالته الطبية المطوَّلة التي حضَّرها في ليدين، تتعامل المقالة المطوَّلة مع الطبيعة الأيضية الدورية للكائن البشري.
٣٧  A. Gerstner, Patsy, James Hutton’s Theory of the Earth and His Theory of Matter, Isis, Vol. 59, No. 1 (Spring, 1968), The University of Chicago Press on behalf of The History of Science Society, pp. 27.
٣٨  هذا النشاط المتبادَل والدَّور الكامن للحرارة في ارتفاع القارَّات هو أساس التنظيم الهوتوني في علم الأرض. على كُلٍّ، التنظيم بشكلٍ تطوُّري أو استمراري بأنه كان مُتخصِّصًا في علم الأرض في القرن التاسع عشر، لكن نوع من التنظيم الدوري مستند على الفترات المنتظمة للارتفاع بفعل الحرارة المتبوع بانحدار، ومن ثَم إعادة الارتفاع، كانت منشورةً بعد أربع سنوات من النسخة المطبوعة الأولى عن النظرية الجيولوجية عام ١٧٨٨م، مُحرِّر سيرة هوتون الذاتية وصديقُه يعتقد بأنَّ اهتمامه بالفيزياء وما وراء الطبيعة بدأ في وقتٍ ما قبل عام ١٧٨١م، وأن المخطوطة كانت مكتملةً قبل تلك البيانات. لاحظ أيضًا بلايفير وجود نسخةٍ ملخَّصة عن النظرية الجيولوجية في وقتٍ ما قبل عام ١٧٨٥م، لكن لا يقوم بتصريحٍ يتعلَّق بتعيين التواريخ لهذه المخطوطات الثلاثة.
٣٩  نشر بلايفير تبسيطه لنظرية هوتون في كتابه: Illustrations of the Huttonian theory of the earth, Playfair, John (1802).
٤٠  A. Gerstner, Patsy, James Hutton’s Theory of the Earth and His Theory of Matter, pp. 28.
٤١  Samursky, Shmuel, Physical Thought, p. 389.
٤٢  جريبين، جون، الحياة السرية للشمس، ص٢٥.
٤٣  الموسوعة العربية العالمية، مدخل «لايل»، الرياض، ٢٠٠٤م.
٤٤  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 19.
٤٥  وليم طومسون، حول التبريد البطيء للأرض، إجراءات الجمعية الملكية في أدنبرة (١٨٦٢م).
٤٦  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 236–237.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤